تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

سورة فاطر

٥٤١
٥٤٢

(٣٥) سورة فاطر مكّية

وآياتها خمس وأربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ

٥٤٣

فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ

٥٤٤

مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) * يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ

٥٤٥

إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨)

٥٤٦

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))

٥٤٧
٥٤٨

سورة فاطر (*)

سورة الملائكة (١) مكية.

عددها خمس وأربعون آية كوفية (٢).

__________________

(*) معظم مقصود السورة :

بيان خلق الملائكة ، وفتح أبواب الرحمة وتذكير النعمة ، والتحذير من الجن ، وعداوتهم وتسلية الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وصعود كلمة الشهادة ، وتحويل الإنسان من حال إلى حال ، وذكر عجائب البحر واستخراج الحلية منه ، وتخليق الليل والنهار ، وعجز الأصنام عن الربوبية ، وصفة الخلائق بالفقر والفاقة ، واحتياج الخلق فى القيامة ، وإقامة البرهان والحجة وفضل القرآن ، وشرف التلاوة وأصناف الخلق فى ميراث القرآن ، ودخول أهل الإيمان الجنة ، وخلود النار لأهل الكفر والطغيان ، والإخبار بأنه لو عدل ربنا فى الخلق لم يسلم من عذابه أحد من الإنس والجان.

***

(١) تسمى سورة الملائكة ، وتسمى سورة فاطر ، ففي أولها :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(٢) فى المصحف : (٣٥) سورة فاطر مكية.

آياتها ٤٥ نزلت بعد الفرقان.

٥٤٩
٥٥٠

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر لله (فاطِرِ) يعنى خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) منهم جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، والكرام الكاتبين ـ عليهم‌السلام ـ ، ثم قال ـ جل وعز ـ : الملائكة (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) يقول من الملائكة من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولإسرافيل ستة أجنحة ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) وذلك أن فى الجنة نهرا يقال له نهر الحياة يدخله كل يوم جبريل ـ عليه‌السلام ـ بعد ثلاث ساعات من النهار يغتسل فيه [١٠٢ أ] وله جناحان ينشرهما فى ذلك النهر ولجناحه سبعون ألف ريشة فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء فيخلق الله ـ جل وعز ـ منها ملكا يسبح (١) الله ـ تعالى ـ إلى يوم القيامة ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ» (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من خلق الأجنحة من الزيادة (قَدِيرٌ) ـ ١ ـ يعنى يزيد فى خلق الأجنحة على أربعة أجنحة ، ما يشاء (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) الرزق نظيرها فى بنى إسرائيل (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) يعنى الرزق (فَلا مُمْسِكَ لَها) لا يقدر أحد على حبسها (وَما يُمْسِكْ) وما يحبس من الرزق (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) يعنى الرزق (مِنْ بَعْدِهِ) فلا معطى من بعد الله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ٢ ـ فى أمره

__________________

(١) إن الله غنى عن استحمام جبريل ، إذا أراد أن يزيد فى خلق الملائكة ، وما أشبه هذا القول بالإسرائيليات ، وما أغنى كتاب الله عنها.

٥٥١

(يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعنى أهل مكة : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ثم أخبرهم بالنعمة فقال ـ جل وعز ـ : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) يعنى المطر (وَالْأَرْضِ) يعنى النبات ثم وحد نفسه ـ جل جلاله ـ فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ـ ٣ ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يعزى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على تكذيبهم إياه (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ «قَبْلِكَ» (١) وَإِلَى «اللهِ» (٢) تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ـ ٤ ـ أمور العباد تصير إلى الله ـ جل وعز ـ فى الآخرة (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعنى كفار مكة (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) فى البعث أنه كائن (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) عن الإسلام (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ـ ٥ ـ الباطل وهو الشيطان ثم قال ـ جل وعز ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) حين أمركم بالكفر بالله (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) يقول فعادوه بطاعة الله ـ عزوجل ـ ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) إنما يدعو شيعته إلى الكفر بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) ـ ٦ ـ يعنى الوقود ثم بين مستقر الكفار ، ومستقر المؤمنين فقال ـ جل وعز ـ : (الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) فى الآخرة (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : صدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أدوا الفرائض (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم يعنى جزاءهم عند ربهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ـ ٧ ـ فى الجنة (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) نزلت فى أبى جهل بن هشام (فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُ) عن الهدى (مَنْ يَشاءُ) فلا يهديه إلى الإسلام (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) لدينه (فَلا تَذْهَبْ

__________________

(١) فى أ : «قبلك» الآية.

(٢) «الله» : ليست فى أ.

٥٥٢

نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول فلا تقتل نفسك ندامة عليهم يعنى أهل مكة (إِنَّ) (١) (اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) ـ ٨ ـ (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ) فسقنا السحاب (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) [١٠٢ ب] يعنى بالميت أنه ليس عليه نبت (فَأَحْيَيْنا بِهِ) بالماء (الْأَرْضَ) فتنبت (بَعْدَ مَوْتِها) بعد إذ لم يكن عليها نبت (كَذلِكَ النُّشُورُ) ـ ٩ ـ هكذا يحيون يوم القيامة بالماء كما يحيى الأرض بعد موتها (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) المنعة بعبادة الأوثان فليعتز بطاعة الله ـ جل وعز ـ (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) جميع من يتعزز فإنما يتعزز بإذن الله ـ عزوجل ـ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) العمل الحسن يقول إلى الله ـ عزوجل ـ يصعد فى السماء التوحيد (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) يقول شهادة ألا إله إلا الله ترفع العمل الصالح إلى الله ـ عزوجل ـ فى السماء ، ذكروا عن ابن عباس أنه قال : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) الله إليه ، ثم ذكر ـ جل ثناؤه ـ من لا يوحده ، فقال ـ جل ثناؤه ـ : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) الذين يقولون الشرك (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) فى الآخرة ، ثم أخبر عن شركهم فقال ـ جل وعز ـ : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) ـ ١٠ ـ وقولهم الشرك يهلك فى الآخرة ، ثم دل ـ جل وعز ـ على نفسه فقال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) يعنى بدأ خلقكم (مِنْ تُرابٍ) يعنى آدم ـ عليه‌السلام ـ (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) يعنى نسله (ثُمَّ جَعَلَكُمْ) ذرية آدم (أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) يقول لا تحمل المرأة الولد (وَلا تَضَعُ) الولد

__________________

(١) فى أ : «فإن».

٥٥٣

(إِلَّا بِعِلْمِهِ) ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) يعنى من قل عمره أو كثر فهو إلى أجله الذي كتب له ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) كل يوم حتى ينتهى إلى أجله (إِلَّا فِي كِتابٍ) اللوح المحفوظ مكتوب قبل إن يخلقه (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ـ ١١ ـ الأجل حين كتبه الله ـ جل وعز ـ فى اللوح المحفوظ (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) يعنى الماء العذب والماء المالح (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) يعنى طيب (سائِغٌ شَرابُهُ) يسيغه الشارب (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) مر لا ينبت (وَمِنْ كُلٍ) من الماء المالح والعذب (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) السمك (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) يعنى اللؤلؤ (تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) يعنى «بالمواخر» (١) أن سفينتين تجريان إحداهما مقبلة والأخرى مدبرة بريح واحدة ، تستقبل إحداهما الأخرى (لِتَبْتَغُوا) فى البحر (مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢) ـ ١٢ ـ (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يصير أحدهما إلى تسع ساعات والآخر إلى خمس عشرة ساعة (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لبنى آدم (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) كلاهما دائبان يجريان إلى يوم القيامة ثم دل [١٠٣ أ] على نفسه فقال ـ جل وعز (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) فاعرفوا توحيده بصنعه ثم عاب الآلهة فقال : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ) الذين تعبدون (مِنْ دُونِهِ) الأوثان (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) ـ ١٣ ـ قشر النوى الذي يكون على النوى الرقيق ، ثم أخبر عن الآلهة اللات والعزى ومناة ، فقال ـ : سبحانه (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا

__________________

(١) فى أ : «المواخر».

(٢) ساقط من أ ، وفيها : «ولتبتغوا من فضله ...» الآية.

٥٥٤

مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) يقول لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) يقول إن الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم إياها فتقول للكفار ما أمرناكم بعبادتنا ، نظيرها فى يونس (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (١) ثم قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ـ ١٤ ـ يعنى الرب نفسه ـ سبحانه ـ فلا أحد أخبر منه.

قوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعنى كفار مكة (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) يعنى إلى ما عند الله ـ تعالى ـ (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) عن عبادتكم (الْحَمِيدُ) ـ ١٥ ـ عند خلقه (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) ـ ١٦ ـ غيركم أمثل منكم (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) ـ ١٧ ـ إن فعل ذلك هو على الله هين (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) من الوزر (إِلى حِمْلِها) من الخطايا أن يحمل عنها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ) من وزرها (٢) (شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئا من وزرها (إِنَّما تُنْذِرُ) المؤمنين (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) آمنوا به ولم يروه (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلاة المكتوبة (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) ومن صلح فصلاحه لنفسه (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ـ ١٨ ـ فيجزى بالأعمال فى الآخرة ثم ضرب مثل المؤمن والكافر فقال ـ جل وعز ـ : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) (٣) ـ ١٩ ـ

__________________

(١) سورة يونس : ٢٩.

(٢) فى أ : «لا يحمل منه» وزرها

(٣) (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) : ليست فى أ.

٥٥٥

وما يستويان فى الفضل والعمل «الأعمى» عن الهدى يعنى الكافر «والبصير» بالهدى : المؤمن (وَلَا) تستوي (١) (الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) ـ ٢٠ ـ يعنى بالظلمات الشرك والنور يعنى الإيمان (وَلَا الظِّلُ) يعنى الجنة (وَلَا الْحَرُورُ) ـ ٢١ ـ يعنى النار (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ) المؤمنين (وَلَا الْأَمْواتُ) يعنى الكفار ، والبصير ، والظل ، والنور ، والأحياء ، فهو مثل المؤمن.

والأعمى والظلمات والحرور والأموات ، فهو مثل الكافر ، ثم قال ـ جل وعز ـ (إِنَّ اللهَ) [١٠٣ ب] (يُسْمِعُ) الإيمان (مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ) يا محمد (بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ـ ٢٢ ـ وذلك أن الله ـ جل وعز ـ شبه الكافر من الأحياء حين دعوا إلى الإيمان فلم يسمعوا ، بالأموات أهل القبور الذين لا يسمعون الدعاء ، ثم قال للنبي ـ عليه‌السلام ـ حين لم «يجيبوه» (٢) إلى الإيمان (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) ـ ٢٣ ـ ما أنت إلا رسول (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) لم نرسلك رسولا باطلا لغير شيء (بَشِيراً) لأهل طاعته بالجنة (وَنَذِيراً) من النار لأهل معصيته ، ثم قال : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) وما من أمة فيما مضى (إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ـ ٢٤ ـ إلا جاءهم رسول غير أمة محمد فإنهم لم يجئهم رسول قبل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا يجيئهم إلى يوم القيامة (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر فلست بأول رسول كذب (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الخالية (جاءَتْهُمْ) (٣) (رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالآيات التي كانوا يصنعون ويخبرون بها (وَبِالزُّبُرِ) وبالأحاديث التي كانت قبلهم من المواعظ

__________________

(١) فى أ : (وما) تستوي

(٢) الضمير عائد إلى الكفار ، أى حين لم يجبه الكفار.

(٣) فى أ : زيادة : ثم قال إن الرسل جاءوا.

٥٥٦

(وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) ـ ٢٥ ـ المضيء الذي فيه أمره ونهيه (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالعذاب (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ـ ٢٦ ـ تغييرى الشر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعنى المطر (فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالماء (ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) بيض وحمر وصفر (وَمِنَ الْجِبالِ) أيضا (جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) يعنى بالجدد الطرائق التي تكون فى الجبال منها أبيض وأحمر (وَ) منها (غَرابِيبُ سُودٌ) ـ ٢٧ ـ يعنى الطوال السود (١) ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ) بيض وحمر وصفر وسود (مُخْتَلِفٌ «أَلْوانُهُ») (٢) اختلاف ألوان الثمار ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فيها تقديم يقول أشد الناس لله ـ عزوجل ـ خيفة أعلمهم بالله ـ تعالى ـ (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) فى ملكه (غَفُورٌ) ـ ٢٨ ـ لذنوب المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) فى مواقيتها (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ـ ٢٩ ـ لن تهلك ، هؤلاء قوم من المؤمنين أثنى الله ـ جل وعز ـ عليهم. (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) ليوفر لهم أعمالهم (وَيَزِيدَهُمْ) على أعمالهم من الجنة (مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ) للذنوب العظام (شَكُورٌ) ـ ٣٠ ـ لحسناتهم (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) يقول إن قرآن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يصدق ما قبله من الكتب التي أنزلها الله ـ عزوجل ـ على [١٠٤ أ] الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) بأعمالهم (بَصِيرٌ)

__________________

(١) فى أخطأ والمثبت من ف

(٢) «ألوانه» : ساقطة من أ.

٥٥٧

ـ ٣١ ـ بها (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) قرآن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) اخترنا (مِنْ عِبادِنا) من هذه الأمة (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) أصحاب الكبائر من أهل التوحيد (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) عدل فى قوله (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة وتصديق الأنبياء (بِإِذْنِ اللهِ) بأمر الله ـ عزوجل ـ (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ـ ٣٢ ـ دخول الجنة ثم أخبره بثوابهم فقال ـ جل وعز ـ : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) تجرى من تحتها الأنهار (يَدْخُلُونَها) هؤلاء الأصناف الثلاثة (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) بثلاث (١) أسورة (وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) ـ ٣٣ ـ وقد حبس ـ الظالم ـ بعد هؤلاء الصنفين : السابق والمقتصد ، ما شاء الله من أجل ذنوبهم (٢) الكبيرة ، ثم غفرها لهم وتجاوز عنهم فأدخلوا الجنة فلما دخلوها ، واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة ودخول الجنة (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) لأنهم لا يدرون ما يصنع الله ـ عزوجل ـ بهم (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) للذنوب العظام (شَكُورٌ) ـ ٣٤ ـ للحسنات وإن قلت ، وهذا قول آخر شكور للعمل الضعيف القليل ، فهذا قول أهل الكبائر من أهل التوحيد ، ثم قالوا : الحمد لله (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) يعنى دار الخلود أقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا يتحولون عنها أبدا (مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) لا يصيبنا فى الجنة مشقة فى أجسادنا (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) ـ ٣٥ ـ ولا يصيبنا فى الجنة عيا لما كان يصيبهم فى الدنيا من النصب فى العبادة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا

__________________

(١) فى الأصل : «بثلاثة».

(٢) الضمير عائد على الظالم ، والمراد به حبس الظالم لنفسه ، من أجل ذنوب هذه الفئة ، ولذا أعاد الضمير بالجمع ، فقال من أجل ذنوبهم.

٥٥٨

وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) ـ ٣٦ ـ بالإيمان (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) يعنى يستغيثون فيها والاستغاثة أنهم ينادون فيها (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) من الشرك ، ثم قيل لهم (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) فى الدنيا (ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ) فى العمر (مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) الرسول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَذُوقُوا) العذاب (فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ـ ٣٧ ـ ما للمشركين من مانع يمنعهم من الله ـ عزوجل ـ (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعلم ما يكون فيهما وغيب ما فى قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٣٨ ـ بما فى القلوب (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) من بعد الأمم الخالية (فَمَنْ كَفَرَ) بتوحيد الله (فَعَلَيْهِ) عاقبة (كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ) [١٠٤ ب] (كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) يقول : الكافر لا يزداد فى طول العمل إلا ازداد الله ـ جل وعز ـ «له» (١) بغضا ، ثم قال ـ جل وعز ـ : (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) ـ ٣٩ ـ : لا يزداد «الكافرون» (٢) فى طول العمل إلا ازدادوا بكفرهم خسارا (قُلْ) يا محمد لكفار مكة (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) مع الله يعنى الملائكة (الَّذِينَ تَدْعُونَ) يعنى تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) يقول ماذا خلقت الملائكة فى الأرض كما خلق الله ـ عزوجل ـ أن كانوا آلهة (أَمْ لَهُمْ) يعنى أم لهم : الملائكة (شِرْكٌ) مع الله ـ عزوجل ـ فى سلطانه (فِي السَّماواتِ) (٣) (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً

__________________

(١) فى أ : «لهم».

(٢) فى أ : «الكافر» ، ل : «الكافرون».

(٣) «فى السماوات» : ساقطة من أ.

٥٥٩

فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) «يقول : هل أعطينا كفار مكة» (١) فهم على بينة منه (٢) بأن مع الله ـ عزوجل ـ شريكا من الملائكة ، ثم استأنف فقال : (بَلْ) (٣) (إِنْ يَعِدُ) ما يعد (الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) ـ ٤٠ ـ ما يعد الشيطان كفار بنى آدم من شفاعة الملائكة لهم فى الآخرة إلا باطلا ، ثم عظم نفسه ـ تعالى ـ عما قالوا من الشرك ، فقال ـ جل ثناؤه ـ : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) يقول ألا تزولا عن موضعهما (وَلَئِنْ زالَتا) ولئن أرسلهما فزالتا (إِنْ أَمْسَكَهُما) فمن يمسكهما (مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) الله يقول لا يمسكهما من أحد من بعده ، ثم قال فى التقديم (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) عنهم عن قولهم الملائكة بنات الله ـ تعالى ـ حين لا يعجل عليهم بالعقوبة (غَفُوراً) ـ ٤١ ـ ذو تجاوز (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) يعنى كفار مكة فى الأنعام حين قالوا «لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ...» (٤) (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) (٥) بجهد الإيمان (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) يعنى رسولا (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) يعنى من اليهود والنصارى ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) وهو محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) ـ ٤٢ ـ ما زادهم الرسول ودعوته إلا تباعدا عن الهدى عن الإيمان. (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) (٦) (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) قول الشرك (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ) ولا يدور قول الشرك (إِلَّا بِأَهْلِهِ)

__________________

(١) ما بين القوسين «...» مكرر فى الأصول.

(٢) فى أ : «فهم لا بينات منه».

(٣) «بل» : ساقطة من أ.

(٤) سورة الأنعام : ١٥٧.

(٥) «جهد أيمانهم» : ساقطة من أ.

(٦) (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) : ساقط من أ.

٥٦٠