تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

سورة الروم (*)

سورة الروم مكية

وهي ستون آية كوفية (١).

__________________

(*) المقصود الإجمالى للسورة :

معظم مقصود السورة ما يأتى :

ذكر غلبة الروم على فارس وعيب الكفار فى إقبالهم على الدنيا ، وأخبار القرون الماضية ، وذكر قيام الساعة ، وآيات التوحيد ، والحجج المترادفة الدالة على الذات والصفات ، وبيان بعث القيامة وتمثيل حال المؤمنين والكافرين ، وتقرير المؤمنين ، والإيمان ، والأمر بالمعروف والإحسان إلى ذوى القربى ، ووعد الثواب على أداء الزكاة والإخبار عن ظهور الفساد فى البر والبحر وعن آثار القيامة ، وذكر عجائب الصنع فى السحاب والأمطار وظهور آثار الرحمة فى الربيع ، وإصرار الكفار على الكفر ، خلق الله الخلق مع الضعف والعجز ، واحياء الخلق بعد الموت ، والحشر والنشر ، وتسلية رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وتسكينه عن جفاء المشركين وأذاهم فى قوله : (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) سورة الروم : ٦٠.

وسميت سورة الروم لما فيها من ذكر غلبة الروم.

***

(١) فى المصحف (٣٠) سورة الروم مكية إلا آية ١٧ فمدنية وآياتها ٦٠ نزلت بعد الانشقاق.

٤٠١

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الروم (١)

حدثنا عبيد الله قال : حدثني أبى قال : حدثنا الهذيل عن أبى بكر الهذلي ، عن عكرمة (٢) قال : اقتتل الروم وفارس فهزمت الروم فبلغ ذلك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه فشق عليهم وهم بمكة ، وفرح الكفار وشمتوا فلقوا أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فقالوا لهم : إنكم أهل كتاب والروم أهل كتاب فقد ظهر إخواننا أهل فارس على إخوانكم من الروم فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) وأدنى الأرض يومئذ أذرعات فيها كان القتال (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) أن يظهر الروم على فارس «ومن بعد» (٣) ما ظهرت ، قال : فخرج أبو بكر الصديق

__________________

(١) من ز وحدها ، ونسخة الأزهرية : (ز) : مقسمة إلى ثلاثة أثلاث كل عشرة أجزاء للقرآن ثلث. وفى أول سورة الروم نجد صفحة كاملة مكتوب فى أعلاها :

الثلث الثالث من كتاب التفسير عن مقاتل بن سليمان رواية أبى يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن الخليل الجلاب.

(٢) هذا الإسناد من (أ) ، وقد ذكر فى (أ) فى آخر سورة العنكبوت ، بينما ذكر فى (ز) فى أول سورة الروم ، وفى ز : حدثنا محمد قال : حدثنا أبو القاسم ، قال : الهذيل قال : حدثنا أبو بكر ابن عبد الله الهذلي عن عكرمة قال : اقتتل الروم.

(٣) سورة الروم : ١ ـ ٤.

٤٠٢

ـ رضوان الله عليه ـ [٧٦ أ] إلى الكفار فقال : أفرحتم لظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقر الله أعينكم ليظهرن الله الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبى الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال له أبى بن خلف الجمحي : كذبت يا أبا فصيل. فقال أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ : أنت أكذب يا عدو الله. فقال : أناجيك عشر قلائص منى وعشر قلائص منك إلى ثلاث سنين. ثم جاء أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : ناجيت عدو الله أبى بن خلف أن يظهر الله ـ عزوجل ـ الروم على فارس إلى ثلاث سنين فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما كذلك ذكرت لك ، إنما قال الله ـ عزوجل ـ : (بِضْعِ سِنِينَ) والبضع ما بين الثلاث إلى التسع فاذهب فزايدهم فى الخطر ومادهم فى الأجل فخرج أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ فلقى أبى بن خلف ، فقال : لعلك ندمت يا أبا عامر. قال : فقال تعال أزايدك فى الخطر ، وأمادكم فى الأجل فنجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين. قال : قد فعلت. قال : وكانت امرأة بفارس لا تلد إلا ملوكا أبطالا ، فدعاها كسرى. فقال : إنى أريد أن أبعت إلى الروم جيشا وأستعمل رجلا من بنيك فأشيرى على أيهم أستعمل فقالت : هذا فلان وسمته وهو أروغ من ثعلب وأجبن من صقر ، وهذا الفرخان وهو أنفذ من السنان ، وهذا شهر بران وهو «أحلم» (١) من الأرزان فاستعمل أيهم شئت. قال : إنى أستعمل الحليم فبعث «شهر بران» (٢) على الجيش فسار إلى الروم أرض فارس فظهر عليهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم ، فلما ظهرت فارس على الروم جلس الفرخان يشرب فقال لأصحابه : قد رأيت فى المنام أنى جالس على سرير

__________________

(١) فى أ : أعلم ، وفى ف : أحلم.

(٢) فى أ : شهر بزان ، وفى ز : شهر بران.

٤٠٣

كسرى فعمد الملاقون المبلغون بالأحاديث فكتبوا إلى كسرى أن عبدك الفرخان يتمنى فى المنام أن يقعد على سريرك فكتب كسرى إلى شهر بران إذا جاءك كتابي هذا فابعث برأس أخيك الفرخان فكتب إليه شهر بران أيها الملك إن الفرخان له صولة ونكاية فى العدو فلا تفعل فكتب إليه كسرى إن فى رجال فارس منه خلفا وبدلا فعجل على برأسه فراجعه. فقال : أيها الملك إنك لن تجد من الفرخان بدلا صولة ونكاية ، فغضب كسرى فلم يجبه وبعث «بريدا» (١) إلى أهل فارس الذين بالروم : إنى قد نزعت عنكم «شهر بران» (٢) واستعملت عليكم الفرخان ودفع إلى صاحب البريد صحيفة صغيرة [٧٦ ب] فقال إذا ولى الفرخان وانقاد له أخوه فادفع إليه الصحيفة. فلما قرأ شهر بران الكتاب قال : «سمعا» (٣) وطاعة ووضع تاجه على رأس أخيه ونزل على سريره وجلس عليه الفرخان ودفع الرسول الصحيفة إليه فقال : ائتوني «بشهر بران» (٤) فأتى به ليضرب عنقه فقال شهر بران لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال : فكتبها فدعا بسفط فيه ثلاث صحائف. وقال : ويحك أنت ابن أمى وأبى وهذه ثلاث صحائف جاءتني فى قتلك فراجعت فيك كسرى ثلاث مرات. فقال الفرخان : أمنا والله كانت أعرف بنا ، أنت «أحلم» (٥) من الأرزق حين راجعت فى ثلاث مرات وأنا أنفذ من السنان حين أردت قتلك بكتاب واحد ثم رد الملك إلى أخيه وكان أكبر منه فكتب شهر بران

__________________

(١) فى أ : يريد ، وفى ز : بريدا.

(٢) فى أ : شهر بزان ، وفى ز : شهر بران.

(٣) فى أ : سمع ، وفى ز : سمعا.

(٤) فى أ : بشهر بزان ، وفى ز : بشهر بران.

(٥) فى ف : أحلم ، وفى أ : أعلم ، وفى ز : أحلم.

٤٠٤

إلى قيصر إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد (١) ولا تبلغها الصحف فالقنى ولا تلقنى إلا فى خمسين روميا فإنى ألقاك فى خمسين فارسيا فأقبل قيصر فى خمسمائة ألف رومي فجعل يبثهم فى الطرق وبعث بين يديه العيون مخافة أن يكون مكرا منه حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسين رجلا ثم بسطت لهم «بسط» (٢) فمشيا عليها ونزلا عن برذونيهما إلى قبة من ديباج ضربت «لهما» (٣) عراها ذهب وأزرارها فضة وأطنابها إبريسم مع أحدهما سكين نصلبها زمرد أخضر وقرابها من ذهب ومع الآخر سكين نصابها من فارهرة خضراء وقرابها من ذهب ودعوا ترجمانا بينهما فقال شهر بران لقيصر : إن الذين كسروا شوكتك وأطفئوا جمرتك وخربوا مدائنك وقطعوا شجرك أنا وأخى بكيدنا وشجاعتنا وإن كسرى حسدنا على ذلك وأرادنى على قتل أخى وأراد أخى على قتلى فأبينا فخالفناه جميعا فنحن نقاتله معك فقال : أصبتما فأشار أحدهما إلى الآخر السر بين اثنين فإذا جاوزهما فشا فقتلا الترجمان بسكينيهما وأهلك الله ـ عزوجل ـ كسرى وجاء الخبر إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم الحديبية ففرح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومن معه «بظهور الروم» (٤) وبأخذ الحظ فذلك قوله ـ عزوجل ـ.

(وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٥).

__________________

(١) البرد جمع بريد.

(٢) «بسط» : زيادة اقتضاها السياق.

(٣) فى ز : «لهما البردانيك» وفى أ : لهما الدرابيك.

(٤) فى أ : «بذلك من ظهور الروم» ، وفى ز : «بظهور الروم».

(٥) سورة الروم : ٣.

٤٠٥

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

سورة الروم (٢)

(الم) ـ ١ ـ (غُلِبَتِ الرُّومُ) ـ ٢ ـ وذلك أن أهل فارس غلبوا على الروم (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) يعنى أرض الأردن وفلسطين ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ) يعنى الروم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ـ ٣ ـ أهل فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) «يعنى خمس سنين أو سبع سنين إلى تسع» (٣) (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) حين ظهرت (٤) فارس على الروم (وَمِنْ بَعْدُ) ما ظهرت الروم على فارس (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) ـ ٤ ـ وذلك أن فارس غلبت الروم ففرح بذلك كفار مكة فقالوا : إن فارس ليس لهم كتاب ونحن منهم وقد غلبوا أهل الروم وهم أهل كتاب قبلكم فنحن أيضا نغلبكم كما غلبت فارس الروم. فخاطرهم أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ على أن يظهر الله ـ عزوجل ـ الروم على فارس فلما كان يوم بدر غلب

__________________

(١) النسخة ز ، كررت البسملة فى أول سورة الروم. المرة الأولى فى المقدمة التي ذكر فيها مخاطرة أبى بكر وأخذه الخطر. والمرة الثانية عند بدء التفسير قالت بسم الله الرحمن الرحيم.

سورة الروم مكية.

(٢) من ز وحدها.

(٣) فى أ : يعنى خمس أو سبع سنين إلى تسع ، وفى ز : يعنى خمس سنين أو سبع.

(٤) فى أ : ظهر ، وفى ز : ظهرت.

٤٠٦

المسلمون كفار مكة وأتى المسلمين الخير بعد ذلك والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمؤمنون بالحديبية أن الروم قد غلبوا أهل فارس ففرح المسلمون بذلك ، فذلك قوله ـ تبارك وتعالى ـ : «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ» (بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) فنصر الله ـ عزوجل ـ الروم على فارس ، ونصر المؤمنين على المشركين يوم بدر ، قال أبو محمد : سألت أبا العباس ثعلب عن البضع والنيف ، فقال : البضع من ثلاث إلى تسع والنيف من واحد إلى خمسة ، وربما أدخلت كل واحدة على صاحبتها فتجوز مجازها ، فأخذ أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ الخطر من صفوان بن أمية والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالحديبية مقيم حين صده المشركون عن دخول مكة (وَهُوَ الْعَزِيزُ) يعنى المنيع فى ملكه (الرَّحِيمُ) ـ ٥ ـ بالمؤمنين حين نصرهم (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) وذلك أن الله ـ عزوجل ـ وعد المؤمنين فى أول السورة أن يظهر الروم على فارس حين قال ـ تعالى ـ : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (١) على أهل فارس ، وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) بأن الروم تظهر على فارس (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٦ ـ يعنى كفار مكة (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعنى (٢) حرفتهم وحيلتهم ومتى يدرك زرعهم (٣) ، وما يصلحهم فى معايشهم لصلاح دنياهم (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) ـ ٧ ـ حين لا يؤمنون بها ، ثم وعظهم

__________________

(١) سورة الروم : ٢.

(٢) فى أ : حين ، وفى ف : يعنى ، وفى ز : يعنى.

(٣) فى أ : ومتى زرعهم ، وفى ف ، ز ، وفى ل : ومتى يدرك زرعهم.

٤٠٧

ليعتبروا فقال ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) يقول ـ سبحانه ـ لم يخلقهما عبثا لغير شيء خلقهما لأمر هو كائن (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) يقول السموات والأرض لهما أجل ينتهيان إليه يعنى يوم القيامة (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) يعنى ـ عزوجل ـ كفار مكة (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) بالبعث بعد الموت (لَكافِرُونَ) ـ ٨ ـ لا يؤمنون أنه كائن ، ثم خوفهم فقال ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [٧٧ ب] (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى الأمم الخالية فكان عاقبتهم العذاب فى الدنيا (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ) من أهل مكة (قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها) يعنى وعاشوا فى الأرض (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أكثر مما عاش فيها كفار مكة (وَجاءَتْهُمْ) يعنى الأمم الخالية (رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعنى أخبرتهم بأمر العذاب (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) فيعذبهم على غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٩ ـ (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) يعنى أشركوا (السُّواى) بعد العذاب فى الدنيا (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) يعنى بأن كذبوا بالعذاب بأنه ليس بنازل بهم فى الدنيا (وَكانُوا بِها) يعنى بالعذاب (يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ١٠ ـ تكذيبا به أنه لا يكون ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يقول الله بدأ الناس فخلقهم ، ثم يعيدهم فى الآخرة بعد الموت أحياء كما كانوا (ثُمَّ إِلَيْهِ «تُرْجَعُونَ») (١) ـ ١١ ـ فى الآخرة ، فيجزيهم بأعمالهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يعنى يوم القيامة (يُبْلِسُ) يعنى ييأس (الْمُجْرِمُونَ) ـ ١٢ ـ يعنى كفار مكة من شفاعة الملائكة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) من الملائكة (شُفَعاءُ)

__________________

(١) فى أ : يرجعون.

٤٠٨

فيشفعوا لهم (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) ـ ١٣ ـ يعنى تبرأت الملائكة ممن كان يعبدها (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) ـ ١٤ ـ بعد الحساب إلى الجنة وإلى النار فلا يجتمعون أبدا ، ثم أخبر بمنزلة الفريقين جميعا فقال ـ سبحانه ـ : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) ـ ١٥ ـ يعنى فى بساتين يكرمون وينعمون فيها وهي الجنة (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى القرآن (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) يعنى البعث (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) ـ ١٦ ـ (فَسُبْحانَ اللهِ) يعنى فصلوا لله ـ عزوجل ـ (حِينَ تُمْسُونَ) يعنى صلاة المغرب وصلاة «العشاء» (١) (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ـ ١٧ ـ يعنى صلاة الفجر (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) يحمده الملائكة فى السموات ويحمده المؤمنون فى الأرض (وَعَشِيًّا) يعنى صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) ـ ١٨ ـ يعنى صلاة الأولى ، (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) يقول يخرج الناس والدواب والطير من النطف وهي ميتة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ) يعنى النطف (مِنَ الْحَيِ) يعنى من الناس والدواب والطير (وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالماء (بَعْدَ مَوْتِها) فينبت العشب فذلك حياتها ، ثم قال : (وَكَذلِكَ) يعنى وهكذا (تُخْرَجُونَ) ـ ١٩ ـ يا بنى آدم من الأرض يوم القيامة بالماء كما يخرج العشب من الأرض بالماء ، وذلك [٧٨ أ] أن الله ـ عزوجل ـ يرسل يوم القيامة ماء «الحيوان» (٣) من السماء السابعة من البحر

__________________

(١) فى أ : العشى ، وفى حاشية أ : العشاء.

(٢) هذه الآية ذكر تفسير آخرها قبل أولها ففسرت هكذا «وعشيا وحين تظهرون وله الحمد فى السموات والأرض».

(٣) فى أ : الحيوان ، وفى حاشية أ : الحياة محمد ، وفى ز : الحيوان.

٤٠٩

المسجور على الأرض بين النفختين فتنبت عظام الخلق ولحومهم وجلودهم كما ينبت العشب من الأرض (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى ومن علامات ربكم أنه واحد ـ عزوجل ـ وإن لم تروه فاعرفوا توحيده بصنعه (أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) يعنى آدم ـ صلى الله عليه ـ خلقه من طين (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ) يعنى ذرية آدم بشر (تَنْتَشِرُونَ) ـ ٢٠ ـ فى الأرض يعنى «تتبسطون» (١) فى الأرض كقوله ـ سبحانه ـ : (... وَيَنْشُرُ ...) (٢) يعنى ويبسط رحمته (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى علاماته أن تعرفوا توحيده وإن لم تروه (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) يعنى بعضكم من بعض (أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) وبين أزواجكم (مَوَدَّةً) يعنى الحب (وَرَحْمَةً) ليس بينها وبينه رحم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى إن فى هذا الذي ذكر لعبرة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢١ ـ فيعتبرون فى توحيد الله ـ عزوجل ـ (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى ومن علامة (٣) الرب ـ عزوجل ـ أنه واحد فتعرفوا (٤) توحيده بصنعه أن (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وأنتم تعلمون ذلك ، كقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...) (٥) (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) عربي وعجمي وغيره (وَ) اختلاف (أَلْوانِكُمْ) أبيض وأحمر وأسود (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى إن فى هذا الذي ذكر لعبرة (لِلْعالِمِينَ) فى توحيد الله ـ عزوجل ـ (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى ومن علامات الرب ـ تعالى ـ أن يعرف توحيده بصنعه

__________________

(١) فى أ : تنبسطون ، وفى ز : تتبسطون.

(٢) سورة الشورى : ٢٨.

(٣) فى أ : علامته ، ز : علامة.

(٤) فى أ : فتعرفون ، ز : فتعرفوا.

(٥) سورة الزمر : ٣٨.

٤١٠

(مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ) يعنى النوم ، ثم قال : (وَ) ب (النَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يعنى الرزق (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعنى إن فى هذا الذي ذكر لعبرة (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ـ ٢٣ ـ المواعظ فيوحدون ربهم ـ عزوجل ـ (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى ومن علاماته أن تعرفوا توحيد الرب ـ جل جلاله ـ بصنعه وإن لم تروه (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) «من الصواعق لمن كان بأرض» (١) نظيرها فى الرعد (٢) (وَطَمَعاً) فى رحمته يعنى المطر (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعنى المطر (فَيُحْيِي بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ) يعنى ـ عزوجل ـ فى هذا الذي ذكر (لَآياتٍ) يعنى لعبرة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ٢٤ ـ عن الله ـ عزوجل ـ فيوحدونه (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى علاماته أن تعرفوا توحيد الله ـ تعالى ـ بصنعه (أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) يعنى السموات السبع والأرضين السبع قال ابن مسعود قامتا على غير عمد (بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ) يدعو إسرافيل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من صخرة بيت المقدس فى الصور [٧٨ ب] عن أمر الله ـ عزوجل ـ (دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٣) ـ ٢٥ ـ وفى هذا كله الذي ذكره من صنعه ، «عبرة وتفكرا» (٤) فى توحيد الله ـ عزوجل ـ ثم عظم نفسه ـ تعالى ذكره ـ فقال : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَ) من فى (الْأَرْضِ) من الإنس والجن ومن

__________________

(١) كذا فى أ ، ل ، ف.

وفى ز : لمن كان بأرض فى ، ولعل أصله : لمن كان بأرض فيه الصواعق.

(٢) سورة الرعد : ١٢ ، وتمامها (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ).

(٣) وردت فى أ ، ل ، ز ، ف : «دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض» فى التقديم.

(٤) فى أ : «عبرة وتفكر» ، ز : «عبرة وتفكرا».

٤١١

يعبد من دون الله ـ عزوجل ـ كلهم عبيده وفى ملكه ، قال ـ سبحانه ـ : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) ـ ٢٦ ـ يعنى كل ما فيهما من الخلق لله «قانتون» يعنى مقرون بالعبودية له يعلمون أن الله ـ جل جلاله ـ ربهم وهو خلقهم ولم يكونوا شيئا ثم يعيدهم ، ثم يبعثهم فى الآخرة أحياء بعد موتهم كما كانوا ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (١) وهو الذي بدأ الخلق ، يعنى خلق آدم ، فبدأ خلقهم ولم يكونوا شيئا ثم يعيدهم ، يعنى يبعثهم فى الآخرة أحياء بعد موتهم كما كانوا (٢). (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) يقول البعث أيسر عليه عندكم ، يا معشر الكفار ، فى المثل من الخلق الأول حين بدأ خلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنه ـ تبارك وتعالى ـ رب واحد لا شريك له (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه لقولهم إن الله ـ عزوجل ـ لا يقدر على البعث (الْحَكِيمُ) ـ ٢٧ ـ فى أمره حكم البعث (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) نزلت فى كفار قريش وذلك أنهم كانوا يقولون فى إحرامهم «لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» فقال ـ تعالى ـ : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) يقول وصف لكم يا معشر الأحرار ، من كفار قريش مثلا يعنى شبها من عبيدكم (هَلْ لَكُمْ) استفهام (مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من العبيد (مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال (فَأَنْتُمْ) وعبيدكم (فِيهِ سَواءٌ) فى الرزق ، ثم قال : (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يقول ـ عزوجل ـ تخافون عبيدكم أن يرثوكم بعد الموت كما تخافون أن يرثكم الأحرار من أوليائكم ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا ، قال لهم

__________________

(١) ما بين القوسين «...» : ساقط من أ ، ل ، والتفسير مذكور ، فى ز ، دون نص القرآن.

(٢) من ، وحدها.

٤١٢

النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أفترضون لله ـ عزوجل ـ الشركة فى ملكه وتكرهون الشرك فى أموالكم فسكتوا ولم يجيبوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، يعنون الملائكة. قال : فكما لا تخافون إن يرثكم عبيدكم فكذلك ليس لله ـ عزوجل ـ شريك (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) يعنى هكذا نبين الآيات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ٢٨ ـ عن الله ـ عزوجل ـ الأمثال فيوحدونه ، ثم ذكرهم (١) فقال ـ سبحانه ـ (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعلمونه بأن معه شريكا (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) يقول فمن يهدى إلى توحيد الله من قد أضله الله ـ عزوجل ـ عنه (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ـ ٢٩ ـ [٧٩ أ] يعنى مانعين من الله ـ عزوجل ـ ، ثم قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إن لم يوحد كفار مكة ربهم فوحد أنت ربك يا محمد (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) يعنى فأخلص دينك الإسلام لله ـ عزوجل ـ (حَنِيفاً) يعنى مخلصا (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يعنى ملة الإسلام التوحيد الذي خلقهم عليه ثم أخذ الميثاق من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم (٢) «... وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى ... (٣)» ربنا ، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له ـ تبارك وتعالى ـ ثم قال ـ سبحانه ـ (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يقول لا تحويل لدين الله ـ عزوجل ـ الإسلام يعنى التوحيد (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) يعنى التوحيد وهو الدين

__________________

(١) كذا فى أ ، ز : ذكرهم بدون تشديد الكاف.

(٢) فى أ : ذرياتهم ، ز : ذريتهم.

(٣) يشير إلى الآية ٧٢ ا من سورة الأعراف وهي (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ).

٤١٣

المستقيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) يعنى كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٠ ـ توحيد الله ـ عزوجل ـ.

ثم أمرهم بالإنابة إليه من الكفر وأمرهم بالصلاة فقال ـ عزوجل ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) يقول راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله ـ تعالى ذكره ـ (وَاتَّقُوهُ) (١) يعنى واخشوه (وَأَقِيمُوا) (٢) يعنى وأتموا (الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ٣١ ـ يقول لكفار مكة كونوا من الموحدين لله ـ عزوجل ـ ولا تكونوا (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) يعنى أهل الأديان فرقوا دينهم الإسلام (وَكانُوا شِيَعاً) يعنى أحزابا فى الدين يهود ونصارى ومجوس وغيره ونحو ذلك (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ـ ٣٢ ـ كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون به (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) يعنى كفار مكة ضر يعنى السنين وهو الجوع يعنى قحط المطر عليهم سبع سنين (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) يقول ـ عزوجل ـ راجعين اليه يدعونه أن يكشف عنهم الضر لقوله ـ تعالى ـ فى «حم» الدخان : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) يعنى الجوع (إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (٣) ، قال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) يعنى إذا أعطاهم من عنده ، نعمة يعنى المطر (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) ـ ٣٣ ـ يقول تركوا توحيد ربهم فى الرخاء وقد وحدوه فى الضر (لِيَكْفُرُوا) «يعنى لكي يكفروا» (٤) (بِما آتَيْناهُمْ) (٥) بالذي أعطيناهم من الخير

__________________

(١) «واتقوه» ساقطة من أ ، ز.

(٢) فى أ ، ز : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ). وكثيرا ما يحدث تقديم وتأخير فى الآية القرآنية عند ذكرها وتفسيرها ، وقد بذلت الجهد فى تصويب النص القرآنى. وبالله التوفيق.

(٣) سورة الدخان : ١٢.

(٤) «يعنى لكي يكفروا» : من ف وهي ممسوحة فى أ.

(٥) «بما آتيناهم» : ساقطة من أ ، ف ، ز.

٤١٤

لي به علم) بان له شريكا (وأنا أدعوكم إلى العزيز) في نقمته من أهل الشرك (الغفار) ـ ٤٢ ـ لذنوب أهل التوحيد ، ثم زهدهم في عبادة الآلهة فقال : (لا جرم) يعني حقا (أنما تدعونني إليه) من عبادة الآلهة (ليس له دعوة) مستجابة إضرار تنفعكم يقول ليس بشئ (في الدنيا ولا في الآخرة وأن تردنا إلى الله) يعني مرجعنا بعد الموت إلى الله في الآخرة (وأن المسرفين) يعني المشركين (هم أصحاب النار) ـ ٤٣ ـ يومئذ فردوا عليه نصيحته ، فقال المؤمن : (فستذكرون) إذا نزل بكم العذاب (ما أقول لكم) من النصيحة فأوعدوه ، فقال : (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) ـ ٤٤ ـ واسمه «حزبيل بن برحيال» (١). فهرب المؤمن إلى الحبل فطلبه رجلان فلم «يقدرا» عليه ، فذلك قوله : (فوقه الله سيئات ما مكروا) يعني ما أرادوا به من الشر (وحاق بال فرعون والعذاب) ـ ٤٥ ـ يقول ووجب [١٣٠ أ] بآل القبط وكان فرعون قبطيا مثلهم ، شدة العذاب : يعنى الغرق ، قوله ـ تعالى ـ : (النار يعرضون عليها) وذلك أن أرواح آل فرعون ، وروح كل كافر تعرض على «منازلها» (٣) ، كل يوم مرتين (غدوا وعشيا) ما دامت الدنيا ، ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة ، فقال : (ويوم تقوم الساعة) يعني القيامة «يقال» (أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب) ـ ٤٦ ـ يعني أشد عذاب المشركين ، ثم أخبر عن خصومتهم في النار ، فقال :

__________________

(١) «حرسل بی رحبال» : كذا في بدون إعجام ، روفی بصائر ذوى التمبير للفيروز بادی ان اسمه «حزبيل».

() في : «يقدروا».

() في أ : (منازلها) ، وفي ل، «منازلهم».

(٤) في أ : «فقال» ، وفي حاشية أ : يقال : محمد».

٤١٥

(إذ يتحاجون في النار) يعني يخاصمون («فيقول» (١) الضعفاء) وهم الأتباع (للذين استكبروا) عن الإيمان وهم القادة (إنا كنا لكم تبعا) في دينكم (فهل أنتم) يا معشر القادة (مغنون عنا نصيبا من النار) ـ ٤٧ ـ باتباعنا إيا كم (قال الذين استكبروا) وهم القادة للضعفاء : (انا كل فيها) نحن وأنتم (إن الله قد حكم) يعني قضى (بين العباد) ـ ٤٨ ـ قد أنزلنا منازلنا في النار «وانزلكم منازلكم فيها» (٢) «وقال الذين في النار» فلما ذاق أهل النار شدة العذاب قالوا : (الخزنة جهم أذوا «ربكم») يعنی سلوا لنا ربكم (يخفف عنا يوما) من أيام الدنيا إضمار (من العذاب) ـ ٤٩ ـ فردت عليهم الخزنة فـ (قالوا أو تك تأتيكم رسلكم) يعنی رسل منكم (با لبينات) يعنی بالبيان (قالوا بلى) قد جاءتنا الرسل «قالوا» قالت لهم الخزنة : (فادعوا وما دعآء الكافرين الا في ضلال) ـ ٥٠ ـ (إنا لننصر رُسُلنا والذين ءامنوا في الحيواة الدنيا) يعني بالنصر في الدنيا الحجة التي معهم إلى العباد (و) نصرهم في الآخرة (يوم يقوم الأشهد) ـ ٥١ ـ يعنی الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ ويشهدون على الكفار بتكذيبهم والنصر للذين آمنوا : أن الله

__________________

(١) في أ : «فقال».

() في أ : «وأنزلتم منها» ، ، والأنسب : «وأنزلكم منها» ،. وفي ل : «وأنزلكم نازلكم فيها».

(٣) «وقال الذين في النار» : ساقطة من أ ، ل.

(٤) «ربكم» : ساقطة من أ ، ل.

(٥) «قالوا» ا ساقطة من أ ، ل.

٤١٦

لا تجرى الأنهار ، وأهل العمود (١) ، ثم قال : (ظَهَرَ الْفَسادُ) يعنى قحط المطر [٨٠ أ] ونقص الثمار فى البحر يعنى فى الريف يعنى القرى حيث تجرى فيها الأنهار (٢) (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) من المعاصي يعنى كفار مكة (لِيُذِيقَهُمْ) الله الجوع (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) يعنى الكفر والتكذيب فى السنين السبع (لَعَلَّهُمْ) يعنى لكي (يَرْجِعُونَ) ـ ٤١ ـ من الكفر إلى الإيمان ، ثم خوفهم فقال ـ سبحانه ـ : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) (٣) يعنى قبل كفار مكة من الأمم الخالية (٤) (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) ـ ٤٢ ـ فكان عاقبتهم الهلاك فى الدنيا ، ثم قال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) يعنى فأخلص دينك للإسلام المستقيم فإن غير دين الإسلام ليس بمستقيم (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) يعنى يوم القيامة (لا مَرَدَّ لَهُ) يعنى لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم (مِنَ اللهِ) ـ عزوجل ـ (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) ـ ٤٣ ـ يعنى بعد الحساب يتفرقون إلى الجنة وإلى النار (مَنْ كَفَرَ) بالله (فَعَلَيْهِ) إثم (كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) ـ ٤٤ ـ يعنى

__________________

(١) كذا فى أ ، ز ، والمراد أن القحط أصاب أهل العمود أى أهل الأعمدة والأبنية فى البر.

(٢) كذا فى أ ، ل ، ز ، ف.

وفى تفسير الجلالين ، (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ) يقحط المطر وقلة النبات «والبحر» أى البلاد التي على الأنهار بقلة مائها.

وفى تفسير البيضاوي (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاء الغاصة (كذا) ومحق البركات وكثرة المضار والضلالة والظلم وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرى البحور.

(٣) فى أ : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وفى ز : «سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم» وفى كلاهما تحريف للآية.

(٤) من ز ، وهي مضطربة فى أ.

٤١٧

يقدمون (لِيَجْزِيَ) يعنى لكي يجزى الله ـ عزوجل ـ فى القيامة (الَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) ـ ٤٥ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَمِنْ آياتِهِ) يعنى ومن علاماته ـ عزوجل ـ وإن لم تروه أن تعرفوا توحيده بصنعه ـ عزوجل ـ (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) يعنى يستبشر بها الناس رجاء المطر (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) يقول وليعطيكم من نعمته يعنى المطر (وَلِتَجْرِيَ) (١) (الْفُلْكُ) فى البحر (بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا) فى البحر (مِنْ فَضْلِهِ) يعنى الرزق كل هذا بالرياح (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ٤٦ ـ رب هذه النعم فتوحدونه ، ثم خوف كفار مكة لكي لا يكذبوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فأخبروا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم فى الدنيا إن لم يؤمنوا فكذبوهم بالعذاب أنه غير نازل بهم فى الدنيا ، فعذبهم الله ـ عزوجل ـ فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَقَمْنا) (٢) بالعذاب (مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) يعنى الذين أشركوا (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤٧ ـ يعنى المصدقين للأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ ، بالعذاب (٣) ، فكان نصرهم أن الله ـ عزوجل ـ أنجاهم من العذاب مع الرسل ، ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده ، فقال ـ عزوجل ـ : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً

__________________

(١) فى ا : ولكي تجرى.

(٢) من ، وفى أ : «... بالبينات» فأخبروا قومهم بالعذاب بأنه غير نازل بهم إن لم يؤمنوا فى الدنيا بتكذيبهم بالعذاب بأنه غير نازل بهم فى الدنيا فيعذبهم الله ـ عزوجل ـ فذلك قوله ـ سبحانه ـ : «فانتقمنا».

(٣) كذا فى أ ، ز. والمعنى يصدق وقوع العذاب للكافرين.

٤١٨

فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) يقول يجعل الريح السحاب قطعا يحمل بعضها على بعض فيضمه ثم يبسط السحاب [٨٠ ب] فى السماء كيف يشاء الله ـ تعالى ـ ، إن شاء بسطه على مسيرة يوم أو بعض يوم أو مسيرة أيام يمطرون ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ) يعنى المطر يخرج (مِنْ خِلالِهِ) يعنى من خلال السحاب (فَإِذا أَصابَ بِهِ) يعنى بالمطر (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) ـ ٤٨ ـ يعنى إذا هم يفرحون بالمطر عليهم (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ «عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ») (١) يعنى من قبل نزول المطر فى السنين السبع حين قحط عليهم المطر (لَمُبْلِسِينَ) ـ ٤٩ ـ يعنى آيسين من المطر (فَانْظُرْ) يا محمد (إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) يعنى النبت من آثار المطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بالمطر فتنبت من بعد موتها حين لم يكن فيها نبت ، ثم دل على نفسه فقال : (إِنَّ ذلِكَ) يقول إن هذا الذي فعل ما ترون (لَمُحْيِ الْمَوْتى) فى الآخرة فلا تكذبوا بالبعث يعنى كفار مكة ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٥٠ ـ من البعث وغيره ، ثم وعظهم ليعتبروا فقال ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) على هذا النبت الأخضر (فَرَأَوْهُ) النبت (مُصْفَرًّا) من البرد بعد الخضرة («لَظَلُّوا» (٢)مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) ـ ٥١ ـ «برب» (٣) هذه النعم ، ثم عاب كفار مكة فضرب لهم مثلا فقال ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّكَ) يا محمد (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) النداء فشبه الكفار بالأموات يقول فكما لا يسمع الميت النداء فكذلك الكفار لا يسمعون

__________________

(١) ما بين القوسين «...» : ساقط من الأصل.

(٢) فى : يعنى لمالوا ، وفى حاشية ا : فى الأصل لمالوا ، والمثبت من ا.

(٣) فى الأصل : رب.

٤١٩

الإيمان ولا يفقهون ، ثم قال : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ـ ٥٢ ـ فشبهوا أيضا بالصم إذا ولوا مدبرين ، يقول إن الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لا يسمع الدعاء ، فكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعى (وَما أَنْتَ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (بِهادِ الْعُمْيِ) للإيمان يقول عموا عن الإيمان (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) «يعنى كفرهم الذي هم عليه» (١) ثم أخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فمن يسمع الإيمان فقال ـ سبحانه ـ : (إِنْ تُسْمِعُ) (٢) بالإيمان (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) يعنى يصدق بالقرآن أنه جاء من الله ـ عزوجل ـ : (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) ـ ٥٣ ـ يعنى فهم مخلصون بالتوحيد ، ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليتفكر المكذب بالبعث فى خلق نفسه فقال ـ عزوجل ـ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) يعنى من نطفة (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) يعنى شدة تمام خلقه (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) يقول فجعل من بعد قوة الشباب الهرم (وَ) جعل (شَيْبَةً) يعنى الشمط (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يعنى هكذا يشاء أن يخلق الإنسان (٣) كما وصف خلقه [٨١ أ] ، ثم قال : (وَهُوَ) يعنى الرب نفسه ـ جل جلاله ـ (الْعَلِيمُ) يعنى العالم بالبعث (الْقَدِيرُ) ـ ٥٤ ـ يعنى القادر عليه ، ثم قال ـ عزوجل ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يعنى يوم القيامة (يُقْسِمُ) يعنى يحلف (الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا) فى القبور (غَيْرَ ساعَةٍ) وذلك أنهم استقلوا ذلك ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) ـ ٥٥ ـ يقول هكذا كانوا يكذبون بالبعث فى الدنيا كما كذبوا أنهم لم يلبثوا فى قبورهم إلا ساعة (وَقالَ الَّذِينَ

__________________

(١) من ز ، وفى أ : «يعنى كفرهم التي هم فيها».

(٢) من ز ، وفى ا : «ولا تسمع» وفى حاشية ا : الآية «إن تسمع».

(٣) «الإنسان» من ز ، وهي ساقطة من ا.

٤٢٠