تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

برأسه إلى سليمان (فَقالَ) لسليمان : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) يقول علمت ما لم تعلم به (وَجِئْتُكَ) بأمر لم تخبرك به الجن ولم تنصحك فيه ولم يعلم به الإنس وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك وجئتك (مِنْ) أرض (سَبَإٍ) باليمن (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) ـ ٢٢ ـ يقول بحديث يقين لا شك فيه فقال سليمان وما ذلك؟ قال الهدهد : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) يعنى تملك أهل سبأ (وَأُوتِيَتْ) يعنى وأعطيت (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يكون باليمن يعنى العلم والمال والجنود والسلطان والزينة وأنواع الخير فهذا كله من كلام الهدهد ، وقال الهدهد : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) ـ ٢٣ ـ يعنى ضخم ثمانون ذراعا فى ثمانين ذراعا ، وارتفاع السرير من الأرض أيضا» (١) ثمانون ذراعا فى ثمانين ذراعا مكلل بالجوهر والمرأة اسمها بلقيس بنت أبى سرح (٢) ، وهي من الإنس وأمها (٣) من الجن اسمها فازمة بنت الصخر (٤) ، ثم قال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) السيئة يعنى سجودهم للشمس (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) يعنى عن الهدى (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) ـ ٢٤ ـ ثم قال الهدهد : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) يعنى الغيث (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ)

__________________

(١) فى أ : وارتفاع السرير من الأرض ثمانون ذراعا.

فى ز : وارتفاع السرير من الأرض أيضا ، ثمانون ذراعا فى ثمانين ذراعا.

فكلمة أيضا ، وجملة فى ثمانين ذراعا الأخيرة من ز وحدها.

(٢) من أ ، وفى ز : بلقيس بنت اليسرح.

(٣) فى أ : وأهلها وفى ف ، ز : وأمها.

(٤) فى ل ، أ : الصخر ، ز : الطحن.

٣٠١

فى قلوبكم (وَما تُعْلِنُونَ) ـ ٢٥ ـ بألسنتكم» (١) (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ـ ٢٦ ـ يعنى بالعظيم العرش (٢).

(قالَ) سليمان للهدهد دلنا على الماء : (سَنَنْظُرُ) فيما تقول (أَصَدَقْتَ) فى قولك (أَمْ كُنْتَ) يعنى أم أنت (مِنَ الْكاذِبِينَ) ـ ٢٧ ـ مثل قوله ـ عزوجل ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (٣)

وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا فدلهم على ماء فنزلوا واحتفروا الركايا (٤) وروى الناس والدواب ، وكانوا قد عطشوا فدعا سليمان الهدهد وقال : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) يعنى إلى أهل سبأ (ثُمَّ تَوَلَ) يقول ثم انصرف (عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) ـ ٢٨ ـ الجواب ، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره ، فطار حتى وقف على رأس المرأة ، فرفرف ساعة والناس

__________________

(١) ما بين القوسين «...» ورد فى أ : «فى قلوبهم (وما يعلنون) بألسنتهم».

وفى ز : «(ويعلم ما يخفون وما يعلنون) بألسنتهم.

(٢) كذا فى أ ، ز ، والمراد أن العظيم صفة للعرش.

وفى أزيادة : ليست فى ف ولا ، ل ، ولا ، ز ، أى أنها زيادة ليست فى جميع النسخ سوى أ ، وهي : قال أبى : قال أبو صالح عن مقاتل : الحب ما خبأته السماء من غيثها والأرض من نباتها وهو قوله تعالى ـ : (كانَتا رَتْقاً) يعنى متلاصقتين (فَفَتَقْناهُما) يعنى الأرض بالنبات والسماء بالمطر وهو قوله ـ سبحانه ـ : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) بالنبات والله أعلم. قال عبد الله : قال الأثرم : قال أبو عبيدة : الرتق الذي يكون فى السماء والأرض ، أى لم يكن فى السماء ثقب للمطر ، ولا فى الأرض ، فثقبت السماء بالمطر والأرض بالنبات.

أقول وهي زيادة فى أوحدها. وفى هذه الزيادة اضطراب وفساد فأصلحت فسادها.

(٣) سورة آل عمران : ١١٠.

(٤) كذا فى أ ، ل ، ف ، ز ، وهي مضبوطة فى ز : الركابا.

٣٠٢

ينظرون ، فرفعت المرأة رأسها ، فألقى الهدهد الكتاب فى حجرها ، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود ، لأن ملك سليمان ـ عليه‌السلام ـ كان فى خاتمه فعرفوا أن الذي أرسل هذا الطير أعظم ملكا من ملكها ، فقالت : إن ملكا رسله الطير ، إن ذلك الملك لملك عظيم ، فقرأت هي الكتاب ، وكانت عربية من قوم تبع بن أبى شراحيل الحميري وقومها من قوم تبع وهم عرب فأخبرتهم بما فى الكتاب ولم يكن فيه شيء غير : «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ» ألا تعظموا على «وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»

قال أبو صالح : ويقال مختوم (١) ف (قالَتْ) المرأة لهم : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) يعنى الأشراف (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) ـ ٢٩ ـ يعنى كتاب حسن (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ـ ٣٠ ـ (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ـ ٣١ ـ ثم قالت إن يكن (٢) هذا الملك يقاتل على الدنيا فإنا نمده بما أراد من الدنيا ، وإن يكن يقاتل لربه فإنه لا يطلب الدنيا ولا يريدها ولا يقبل منا شيئا غير الإسلام ، ثم استشارتهم (٣) ف (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) يعنى الأشراف ، وهم : ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا مع كل قائد مائة ألف وهم أهل مشورتها فقالت لهم : (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) من هذا (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)

__________________

(١) من أوحدها. والمعنى ويقال إن الكتاب كان مختوما.

(٢) فى أ : إن يكن. وفى حاشية أ : فى الأصل إن يكون ، وفى ز : إن كان.

(٣) فى ل : استشارتهم ، وهي ساقطة من ز ، وفى أ : ثم استبانتهم. وفى حاشية أ : صورة ما فى الأصل ثم استئابهم.

٣٠٣

ـ ٣٢ ـ تقول ما كنت قاضية أمرا حتى تحضرون (قالُوا) لها (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) يعنى عدة كثيرة فى الرجال (١) كقوله : «... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ (٢) ...» يعنى بالرجال (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) فى الحرب يعنى الشجاعة (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) يقول قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) ـ ٣٣ ـ يعنى ماذا تشيرين علينا ، كقول فرعون لقومه : (... فَما ذا تَأْمُرُونَ) (٣) يعنى ماذا تشيرون على (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) يعنى أهلكوها ، كقوله ـ عزوجل ـ : «... لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ (٤) ...» يعنى لهلكتها ومن فيهن ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) يعنى أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر ، يقول [٥٩ أ] الله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) ـ ٣٤ ـ كما قالت ، ثم قالت المرأة لأهل مشورتها (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) أصانعهم على ملكي إن كانوا أهل دنيا (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) ـ ٣٥ ـ من عنده بالجواب فأرسلت بالهدية (٥) مع الوفد عليهم المنذر بن عمرو الهدية مائة وصيف ، ومائة وصيفة وجعلت للجارية قصة أمامها وقصة مؤخرها وجعلت للغلام قصة أمامه وذؤابة وسط رأسه وألبستهم لباسا واحدا وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحداهما مثقوبة والأخرى غير مثقوبة. وقالت للوفد : إن كان نبيا

__________________

(١) فى أ : يعنى بالرجال ، ز : يعنى عدة كثيرة الرجال ، والمثبت من ل.

(٢) سورة الكهف : ٩٥.

(٣) سورة الشعراء : ٣٥ ، وسورة الأعراف : ١١٠ ، وكلاهما (فَما ذا تَأْمُرُونَ) ، وقد كتبت أ : «ماذا تأمرون» وصوابها «فما ذا تأمرون».

(٤) سورة البقرة : ٢٥١ ومنها (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).

(٥) فى ز : بالهدية ، أ ، بهدية ، ف : بهدية.

٣٠٤

فسيميز بين الجواري والغلمان ويخبر بما فى الحقة ويرد الهدية فلا يقبلها ، وإن كان ملكا فسيقبل الهدية ولا يعلم ما فى الحقة فلما انتهت الهدية «إلى سليمان» (١) ـ عليه‌السلام ـ ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء وذلك أنه أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها والغلام على ظهر ساعده فميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة ، وجاء جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبره بما فيها فقيل له ادخل فى المثقوبة خيطا من غير حيلة إنس ولا جان وأثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان ، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة فأتته دودة تكون فى الفضفضة وهي الرطبة فربط فى مؤخرها خيطا فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر ، فجعل رزقها فى الفضفضة ، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان : اجعل رزقي «فى الخشب والسقوف والبيوت (٢). قال :» نعم فثقبت (٣) الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا جان (٤).

«وسألوه» (٥) ماء لم ينزل من السماء ولم يخرج من الأرض. فأمر (٦) بالخيل فأجريت حتى عرقت فجمع العرق فى شيء حتى صفا وجعله فى قداح الزجاج (٧) فعجب الوفد

__________________

(١) فى أ : سليمان إليه ، وفى ف : سليمان.

(٢) فى أ : «فى الخشب فقال» ، والمثبت من ز.

(٣) فى أ : فنهبت.

(٤) لم يرد مثل هذا القصص فى الكتاب او السنة الصحيحة فلم يبق إلا أن يكون من أقاصيص بنى إسرائيل ، وما أغنى كتابنا عنها ، خصوصا وأن فهم الآية لا يتوقف عليها ، والقرآن ذكر أنها أرسلت هدية مبهمة ، ولو علم أن فى تحديدها ووصفها فائدة لنا لذكره.

(٥) من أ ، وفى ز : وقال له أمير الوفد : أسألك ماء ......

(٦) فى ز : فأمر ، وفى أ : فأمرت.

(٧) فى ز : وجعله فى القوارير. والمثبت من أ.

٣٠٥

«من علمه» (١) وجاء جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبره بما فى الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها ، «ثم رد (٢) سليمان» (٣) الهدية «فَلَمَّا جاءَ (٤) سُلَيْمانَ» قال للوفد : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) يقول فما أعطانى الله ـ تعالى ـ من الإسلام والنبوة والملك والجنود خير مما أعطاكم (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) ـ ٣٦ ـ يعنى إذا أهدى بعضكم إلى بعض (٥) ، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد منكم الإسلام ، ثم قال سليمان لأمير الوفد : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) بالهدية (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) لا طاقة لهم بها من الجن والإنس (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) ـ ٣٧ ـ يعنى مذلين بالإنس والجن.

ثم (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ـ ٣٨ ـ يعنى مخلصين [٥٩ ب] بالتوحيد وإنما علم سليمان أنها تسلم لأنه أوحى إليه ذلك ، فلذلك قال : (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) فيحرم على سريرها ، لأن الرجل (٦) إذا أسلم حرم ما له ودمه وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر مستور بالحرير والديباج عليه الحجلة (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ) يعنى مارد من الجن اسمه الحقيق (٧)

__________________

(١) فى أ : من عمله ، وفى ز : فعجب أمير الوفد من علمه.

(٢) فى أ ، وفى ز : فرد سليمان.

(٣) ورد وصف هذه الهدية فى النسفي وغيره ، قريبا مما ورد فى تفسير مقاتل ، وكله منقول عن الإسرائيليات ، وما أغنى كتاب الله عن هذه الإسرائيليات.

(٤) ما بين القوسين «...» ساقط من أ ، ز.

(٥) من ف ، ز. وفى أ : إلى.

(٦) المراد الإنسان سواء أكان رجلا أو امرأة.

(٧) فى أ : الحقيق ، وفى ز : حنقوق.

٣٠٦

(أَنَا آتِيكَ بِهِ) يعنى سريرها (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) يعنى من مجلسك وكان سليمان ـ عليه‌السلام ـ يجلس للناس غدوة فيقضى بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر ، ثم يقوم ، فقال : أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك (١) وذلك أنى (٢) أضع قدمي عند منتهى بصرى فليس شيء أسرع منى فآتيك بالعرش وأنت فى مجلسك (وَإِنِّي عَلَيْهِ) يعنى على حمل السرير (لَقَوِيٌ) على حمله (أَمِينٌ) ـ ٣٩ ـ على ما فى السرير من المال ، قال سليمان أريد أسرع من ذلك (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) وهو رجل من الإنس من بنى إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم ، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال (أَنَا آتِيكَ بِهِ) بالسرير (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) الذي هو على منتهى بصرك وهو جاء (٣) إليك فقال سليمان : لقد أسرعت أن فعلت ذلك فدعا الرجل باسم الله الأعظم (٤) ومنه ذو الجلال والإكرام فاحتمل السرير احتمالا فوضع بين يدي سليمان وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد وخلفت السرير فى أرضها باليمن فى سبعة أبيات بعضها فى بعض أقفالها من حديد ومعها مفاتيح الأبيات السبعة (فَلَمَّا رَآهُ) (٥) فلما رأى سليمان العرش (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) تعجب منه ف (قالَ هذا) السرير (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) أعطانيه (لِيَبْلُوَنِي) يقول ليختبرني : (أَأَشْكُرُ) الله ـ

__________________

(١) كذا فى أ ، ز.

وفى النسفي : قبل أن تنتهي من مجلس حكمك وقضائك.

(٢) فى ف : أتى ، وفى أ : أنا.

(٣) جائي : فى أ ، ز.

(٤) من أ ، وفى ز : بالاسم الأعظم.

(٥) فى أ : «فلما ، رأى» ، وفى حاشية أ : الآية رآه.

٣٠٧

عزوجل ـ فى نعمه حين أتيت بالعرش (أَمْ أَكْفُرُ) بنعم الله إذا رأيت من هو دوني أعلم منى (١) فعزم الله ـ عزوجل ـ له على الشكر فقال ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ شَكَرَ) فى نعمه (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) يقول فإنما يعمل لنفسه (وَمَنْ كَفَرَ) النعم (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عن عبادة خلقه (كَرِيمٌ) ـ ٤٠ ـ مثلها فى لقمان (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٢) (قالَ) سليمان : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) (٣) زيدوا فى السرير وانقصوا منه (نَنْظُرْ) إذا جاءت (أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) ـ ٤١ ـ يقول أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون (فَلَمَّا جاءَتْ) المرأة (قِيلَ) لها (أَهكَذا عَرْشُكِ)؟ فأجابتهم ف (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، ولو قيل لها هذا [٦٠ أ] عرشك لقالت : نعم ، قيل لها : فإنه عرشك فما أغنى «عنه» (٤) إغلاق الأبواب؟ ، يقول سليمان : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) من الله ـ عزوجل ـ (مِنْ قَبْلِها) يعنى من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) ـ ٤٢ ـ يعنى وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها (وَصَدَّها) عن الإسلام (ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) من عبادة الشمس (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) ـ ٤٣ ـ (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) يعنى غدير الماء (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) يعنى رجليها لتخوض الماء إلى سليمان وهو على السرير فى مقدم البيت وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن لقد لقينا من سليمان

__________________

(١) كذا فى أ ، ز ، ل.

(٢) من ز ، وليست فى أ ، والآية : ١٢ فى سورة لقمان (... فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

(٣) ما بين القوسين «...» ساقط من أ ، ل ، ف.

(٤) «عنه» : من ز ، وليست فى أ.

٣٠٨

ما لقينا من التعب فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا وكانت أمها جنية فقالوا : تعالوا نبغضها إلى سليمان نقول إن رجليها مثل حوافر الدواب ، لأن أمها كانت جنية ، ففعلت ، فأمر سليمان فبنى لها بيتا من قوارير فوق الماء ، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء «فتكشف» (١) عن رجليها فينظر سليمان أصدقته الجن أم كذبته وجعل سريره فى مقدم البيت : «فلما رأت الصرح» (٢) حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها فنظر إليها سليمان فإذا هي من أحسن الناس قدمين ورأى على ساقها شعرا كثيرا فكره سليمان ذلك ، فقالت : إن الرمانة لا تدرى ما هي حتى تذوقها ، قال سليمان : ما لا يحلو فى العين لا يحلو «الفم» (٣). فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها قالت الجن لا تكشفي عن ساقيك.

(قالَ) (٤) (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) يعنى أملس (مِنْ قَوارِيرَ) فلما رأت السرير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان وأن ملكه من ملك الله ـ عزوجل ـ ف (قالَتْ) حين دخلت الصرح (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) يعنى بعبادتها الشمس (وَأَسْلَمْتُ) يعنى أخلصت (مَعَ سُلَيْمانَ) بالتوحيد (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٤٤ ـ خرت لله ـ عزوجل ـ ساجدة وتابت إلى الله ـ عزوجل ـ من شركها واتخذها سليمان ـ عليه‌السلام ـ لنفسه فولدت له داود بن سليمان بن داود ـ عليهم‌السلام ـ ، وأمر لها بقرية من الشام

__________________

(١) فى أ : فكشفت ، وفى ل : فتكشف.

(٢) فى أ : «فلما رأته» ، وفى ف : «فلما رأت الصرح».

(٣) فى أ : القلب ، وفى ز ، ل : الفم.

(٤) القائل هو سليمان ـ عليه‌السلام ـ ، وأنظر النسفي ج ٣ ص ١٦٤ وفيه : (قال المحققون لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية فلا يصح القول بمثله)

٣٠٩

يجبى لها خراجها ، «وكانت عذراء فاتخذ الحمامات من أجلها» (١). «وقال» (٢) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كانت من أحسن نساء العالمين ساقين (٣) ، وهي (٤) من أزواج سليمان فى الجنة ، فقالت عائشة ـ رضى الله عنها ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. هي أحسن ساقين منى ، قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنت أحسن [٦٠ ب] ساقين منها فى الجنة (٥).

وكان سليمان ـ عليه‌السلام ـ يسير بها معه إذا سار (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) يعنى وحدوا الله (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) ـ ٤٥ ـ «مؤمنين وكافرين» (٦) وكانت خصومتهم الآية التي فى الأعراف (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ، فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ...) (٧) ووعدهم صالح العذاب فقالوا : (... يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٨) فرد (٩) عليهم صالح : (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) يقول لم تستعجلون بالعذاب

__________________

(١) من أ ، وفى ز : وكانت عذرا. فاتخذت الجن الحمامات من أجلها.

(٢) فى أ ، ز : فقال.

(٣) رسول الله أجل من أن يقول مثل هذا.

(٤) فى أ : فهي ، وفى ز : وهي.

(٥) الكلام مكرر فى أفأسقطت سطر كتب مرتين.

(٦) من ز ، وفى أ ، ف : مؤمنون وكافرون.

(٧) من سورة الأعراف : ٧٥ ـ ٧٠.

(٨) سورة الأعراف : ٧٧ ، وفى أ : إن كنت من الصادقين.

(٩) فى أ : فقال.

٣١٠

قبل العافية (لَوْ لا) يعنى هلا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) من الشرك (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تُرْحَمُونَ) ـ ٤٦ ـ فلا تعذبوا فى الدنيا ف (قالُوا) يا صالح (اطَّيَّرْنا) يعنى تشاء منا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) على دينك وذلك أنه قحط المطر عنهم وجاعوا فقالوا أصابنا (١) هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك ف (قالَ) لهم ـ عليه‌السلام ـ إنما (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) يقول الذي أصابكم هو (٢) مكتوب فى أعناقكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ـ ٤٧ ـ يعنى تبتلون وإنما ابتليتم بذنوبكم (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) قرية صالح : الحجر ، (تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) يعنى يعملون فى الأرض بالمعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) ـ ٤٨ ـ يعنى ولا يطيعون الله ـ عزوجل ـ فيما منهم قدار بن سالف بن جدع ، عاقر الناقة ، واسم أمه قديرة ، ومصدع ، وداب ، ويباب إخوة «بنى» (٣) مهرج ، وعائذ بن عبيد ، وهذيل ، وذو أعين وهما أخوان ابنا عمرو (٤) وهديم ، وصواب فعقروا الناقة ليلة الأربعاء. وأهلكهم الله ـ عزوجل ـ يوم السبت بصيحة جبريل ـ عليه‌السلام ـ (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ) يعنى تحالفوا بالله ـ عزوجل (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) ليلا بالقتل يعنى صالحا وأهله (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) يعنى ذا رحم صالح أن اسألوا عنه (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) قالوا : ما ندري من قتل صالحا (٥) وأهله ، ما نعرف الذين قتلوه (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) ـ ٤٩ ـ فيما نقول ، يقول ـ عزوجل ـ : (وَمَكَرُوا مَكْراً) حين أرادوا قتل صالح ـ عليه

__________________

(١) فى أ : أصبنا ، وفى ز : أصابنا.

(٢) فى أ : فهو ، وفى ز : هو.

(٣) فى الأصل : «بنو».

(٤) كذا فى أ ، ز.

(٥) فى أ : صالح ، ز : صالحا.

٣١١

السلام ـ وأهله ، يقول الله ـ تعالى ـ : (وَمَكَرْنا مَكْراً) حين جثم الجبل عليهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٥٠ ـ (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) يعنى عاقبة عملهم وصنيعهم (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) يعنى التسعة يعنى أهلكنا هم بالجبل حين جثم عليهم (وَ) دمرنا (قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٥١ ـ بصيحة جبريل ـ عليه‌السلام ـ فلم نبق منهم أحدا ، (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) يعنى (١) خربة [٦١ أ] ليس بها سكان (٢) (بِما ظَلَمُوا) يعنى بما أشركوا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) يعنى أن فى هلاكهم لعبرة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ـ ٥٢ ـ بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى الذين صدقوا ، من العذاب (وَكانُوا يَتَّقُونَ) ـ ٥٣ ـ الشرك (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعنى المعاصي يعنى بالمعصية إتيان الرجال شهوة من دون النساء (بَلْ أَنْتُمْ) يعنى ولكن أنتم (قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ـ ٥٥ ـ (فَما كانَ جَوابَ «قَوْمِهِ) قوم لوط» (٣) حين نهاهم عن المعاصي (إِلَّا أَنْ قالُوا) بعضهم لبعض : (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ) يعنى لوطا وابنتيه (٤) (مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ـ ٥٦ ـ يعنى لوطا وحده «يتطهرون» مثلها فى الأعراف (٥) «يتطهرون» يعنى يتنزهون عن إتيان الرجال فإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن عملنا ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْجَيْناهُ) من

__________________

(١) فى أ : خالية ، وفى ف ، ل : خربة.

(٢) من أ ، وفى ف : ليس لها سكان.

(٣) فى أ : «قوم لوط».

(٤) فى أ : وابنته ، وفى ف : وابنتيه.

(٥) سورة الأعراف : ٨٢ وهي (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).

٣١٢

العذاب (وَأَهْلَهُ) يعنى وابنتيه ريثا وزعوثا (١) ، ثم استثنى فقال ـ سبحانه ـ : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) لم ننجها (قَدَّرْناها) يقول قدرنا تركها (مِنَ) (٢) (الْغابِرِينَ) ـ ٥٧ ـ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) يعنى الحجارة (فَساءَ) يعنى فبئس (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) ـ ٥٨ ـ يعنى الذين أنذروا بالعذاب ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا) (٣) يعنى عذابنا ، و (قُلِ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فى هلاك الأمم الخالية يعنى ما ذكر فى هذه السورة من هلاك فرعون وقومه وثمود وقوم لوط ، وقل الحمد لله الذي علمك هذا الأمر الذي ذكر ، ثم قال : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) يعنى الذين اختارهم الله ـ عزوجل ـ لنفسه للرسالة ، ـ فسلام الله على الأنبياء (٤) ـ عليهم‌السلام ـ ، ثم قال الله ـ عزوجل ـ : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ٥٩ ـ به يقول : الله ـ تبارك وتعالى ـ أفضل ، أم الالهة التي تعبدونها؟ يعنى كفار مكة كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا قرأ هذه الآية قال : بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم» (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) يعنى حيطان النخل والشجر (ذاتَ بَهْجَةٍ) يعنى ذات حسن (ما كانَ لَكُمْ) يعنى ما ينبغي لكم (أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) فتجعلوا للالهة نصيبا مما أخرج الله ـ عزوجل ـ لكم من الأرض بالمطر ، ثم قال ـ سبحانه ـ استفهام : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ)؟ يعينه على صنعه ـ جل جلاله ـ ثم قال

__________________

(١) فى أ : وزعرتا ، وفى ف : وزغوثا ، وفى ز وزعوثا.

(٢) فى أ : مع ، وفى حاشية أ : الآية «من».

(٣) سورة القمر : ٣٦.

(٤) من أ ، وفى ف : وصلى الله على الأنبياء.

٣١٣

ـ تعالى ـ : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) ـ ٦٠ ـ يعنى يشركون يعنى كفار مكة ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) يعنى مستقرا لا تميد بأهلها (وَجَعَلَ خِلالَها) يعنى فجر نواحي الأرض (أَنْهاراً) فهي تطرد (١) (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) يعنى الجبال ، فتثبت (٢) بها الأرض لئلا تزول [٦١ ب] بمن على ظهرها (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) الماء المالح والماء العذب (حاجِزاً) حجز الله ـ عزوجل ـ بينهما بأمره فلا يختلطان (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يعينه على صنعه ـ عزوجل ـ (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) يعنى لكن أكثرهم يعنى أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ) ـ ٦١ ـ بتوحيد ربهم (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) يعنى الضر (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يعينه على صنعه (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ـ ٦٢ ـ يقول ما أقل «ما تذكرون» (٣) (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ) يقول أم من يرشدكم فى أهوال (الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يقول يبسط السحاب قدام المطر ، كقوله فى «عسق» : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) (٤) يعنى ويبسط رحمته بالمطر (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يعينه على صنعه ـ عزوجل ـ ثم قال : (تَعالَى اللهُ) يعنى ارتفع الله يعظم نفسه ـ جل جلاله ـ (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ٦٣ ـ به من الالهة ، ثم قال ـ تعالى ـ : (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يقول من بدأ الخلق فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم بعيده فى الآخرة (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) يعنى

__________________

(١) كذا فى أ ، ز.

(٢) كذا فى أ ، ف.

(٣) فى أ : ما يذكرون ، وفى ز : ما تذكرون.

(٤) سورة الشورى : ٢٨.

٣١٤

المطر (وَالْأَرْضِ) يعنى النبت (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يعينه على صنعه ـ عزوجل ـ (قُلْ) لكفار مكة : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) يعنى هلموا بحجتكم بأنه صنع شيئا من هذا غير الله ـ عزوجل ـ من الالهة فتكون لكم الحجة على الله ـ تعالى ـ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٦٤ ـ بأن مع الله آلهة كما زعمتم يعنى الملائكة (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ) يعنى الملائكة (وَالْأَرْضِ) الناس (الْغَيْبَ) يعنى البعث يعنى غيب الساعة (إِلَّا اللهُ) وحده ـ عزوجل ـ. ثم قال ـ عزوجل ـ (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ـ ٦٥ ـ يقول لكفار مكة وما يشعرون متى يبعثون بعد الموت لأنهم يكفرون بالبعث (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) يقول علموا فى الاخرة حين عاينوها ما شكوا فيه ، وعموا عنه فى الدنيا (١) (بَلْ هُمْ) اليوم (فِي شَكٍّ مِنْها) يعنى من الساعة (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) ـ ٦٦ ـ فى الدنيا (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) ـ ٦٧ ـ من القبور أحياء نزلت فى أبى طلحة وشيبة ومشافع وشرحبيل والحارث وأبوه وأرطاة بن شرحبيل (لَقَدْ وُعِدْنا هذا) الذي يقول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعنون البعث (نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) يعنون من قبلنا (إِنْ هذا) الذي يقول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٦٨ ـ يعنى أحاديث الأولين وكذبهم (قُلْ) لكفار مكة : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) ـ ٦٩ ـ يعنى كفار الأمم الخالية كيف كان عاقبتهم فى الدنيا الهلاك يخوف كفار مكة مثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد رأوا [٦٢ أ] هلاك قوم لوط وعاد وثمود ، ثم قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)

__________________

(١) فى أ : ما شكوا فيه وعموا عنها فى الدنيا. وفى ز : ما شكوا وعموا عنها فى الدنيا.

٣١٥

يعنى على كفار مكة إن تولوا عنك ولم يجيبوك (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ـ ٧٠ ـ يقول لا يضيق صدرك بما يقولون هذا دأبنا ودأبك أيام الموسم ، وهم الخراصون وهم المستهزءون (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) يعنون العذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٧١ ـ يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده بأن العذاب نازل بنا (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) يعنى قريب لكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) ـ ٧٢ ـ فكان بعض العذاب القتل ببدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت ، ثم قال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) يعنى على كفار مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب حين أرادوه (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) يعنى أكثر أهل مكة (لا يَشْكُرُونَ) ـ ٧٣ ـ الرب ـ عزوجل ـ فى تأخير العذاب عنهم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) يعنى ما تسر قلوبهم (وَما يُعْلِنُونَ) ـ ٧٤ ـ بألسنتهم (وَما مِنْ غائِبَةٍ) يعنى علم غيب ما يكون من العذاب (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وذلك حين استعجلوه بالعذاب (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ـ ٧٥ ـ يقول إلا هو بين فى اللوح المحفوظ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ) يعنى فى القرآن (يَخْتَلِفُونَ) ـ ٧٦ ـ يقول هذا القرآن مبين لأهل الكتاب اختلافهم (وَإِنَّهُ لَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) من العذاب لمن آمن به ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (لِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ٧٧ ـ بالقرآن أنه من ربك (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) يعنى بين بنى إسرائيل (بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ـ ٧٨ ـ (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) يعنى فثق بالله ـ عزوجل ـ وذلك حين دعى إلى ملة آبائه فأمره أن يثق بالله ـ عزوجل ـ ولا يهوله قول أهل مكة (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) ـ ٧٩ ـ يعنى على الدين البين وهو الإسلام ،

٣١٦

ثم ضرب لكفار مكة مثلا ، فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّكَ) (١) يا محمد (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) فى النداء فشبه كفار مكة بالأموات كما لا يسمع الميت النداء كذلك لا تسمع الكفار النداء «ولا تفقهه» (٢) (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ـ ٨٠ ـ يقول إن الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع الدعاء وكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعى إليه ، ثم قال ـ عزوجل ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) إلى الإيمان (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) يعنى عن كفرهم (إِنْ تُسْمِعُ) يقول ما تسمع الإيمان (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله ـ عزوجل ـ (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) ـ ٨١ ـ يقول فهم مخلصون بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) يقول إذا نزل العذاب بهم (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) تخرج من الصفا الذي بمكة (تُكَلِّمُهُمْ) بالعربية تقول (أَنَّ النَّاسَ) يعنى كفار مكة (كانُوا بِآياتِنا) يعنى بخروج الدابة (لا يُوقِنُونَ) ـ ٨٢ ـ هذا قول الدابة للناس إن الناس بخروجي لا يوقنون لأن خروجها آية من آيات الله ـ عزوجل ـ [٦٢ ب] فإذا «رآها» (٣) الناس كلهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت لها أربع قوائم وزغب وريش ولها جناحان واسمها «أفضى» (٤) «فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب» (٥) (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) يعنى زمرا (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) ـ ٨٣ ـ يعنى فهم يساقون إلى النار(حَتَّى

__________________

(١) فى أ : فإنك.

(٢) فى أ : ولا تفقه ، وفى ز : ولا تفقهه.

(٣) فى أ : وأو ، وفى ف : رأوها ، وفى ز : رآها.

(٤) كذا فى أ ، ز.

(٥) من ز ، وفى أ : لا يخرج منها إلا رأسها فبلغ رأسها السحاب.

٣١٧

إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) يعنى بالساعة (وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) أنها باطل (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٨٤ ـ (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) يعنى ونزل العذاب بهم (بِما ظَلَمُوا) يعنى بما أشركوا (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) ـ ٨٥ ـ يعنى لا يتكلمون فيها ، ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا فى صنعه فيوحدوه ـ عزوجل ـ فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يقول إن فيهما لعبرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ ٨٦ ـ يعنى لقوم يصدقون بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) يقول فمات (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من شدة الخوف والفزع (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) يعنى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ـ عليهم‌السلام (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) ـ ٨٧ ـ يعنى وكل البر والفاجر أتوه فى الآخرة صاغرين (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) يعنى تحسبها مكانها (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) فتستوي فى الأرض (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ) يعنى الذي أحكم (كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) ـ ٨٨ ـ يعنى إنه خبير بما فعلتم ، نظيرها فى الروم (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) فى الآخرة يعنى بلا إله إلا الله (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) فيها تقديم يقول له منها خير (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (١) ـ ٨٩ ـ.

حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، عن ثابت البناني ، عن كعب عجرة ، عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى قوله ـ عزوجل ـ «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ...» ، «مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ...» ، قال هذه تنجى وهذه تردى.

(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يعنى بالشرك (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ثم تقول لهم خزنة جهنم (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٩٠ ـ من الشرك (إِنَّما

__________________

(١) ما بين القوسين «...» ساقطة من أ ، ل ، ز.

٣١٨

أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) يعنى مكة (الَّذِي حَرَّمَها) من القتل والسبي وحرم فيها الصيد وغيره فلا يستحل فيها ما لا ينبغي (وَلَهُ) ملك (كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ـ ٩١ ـ يعنى من المخلصين بالتوحيد (وَ) أمرت (أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) عليكم يا أهل مكة (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَ) عن الإيمان بالقرآن مثلها فى الزمر (١) (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) ـ ٩٢ ـ يعنى من المرسلين يعنى أنا كأحد الرسل (وَقُلِ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) يعنى العذاب فى الدنيا (فَتَعْرِفُونَها) (٢) أنها حق وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه فنزلت «سيريكم آياته» يعنى القتل ببدر إذا نزل بكم فلا تستعجلون ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٣) ـ ٩٣ ـ هذا وعيد فعذبهم الله ـ عزوجل ـ بالقتل وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله بأرواحهم إلى النار (٤).

__________________

(١) سورة الزمر : ٤١ : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها.).

(٢) تكرر تفسير هذا الجزء من الآية ٩٣ ، فحذفت المكرر.

(٣) فى أ : يعملون ، وفى تفسير القرطبي : ٥١٠ : قراءة حفص «تعلمون».

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء. أه. أى كما هو فى تفسير مقاتل.

(٤) فى ز ، تذييل فى آخر سورة النمل فى وصف عصا موسى ، وفيه تهويل أشبه بخرافات بنى إسرائيل ولذا آثرت تركه.

٣١٩
٣٢٠