تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

(وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ـ ٣٥ ـ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) يقول أمر الله ـ عزوجل ـ أن ترفع يعنى أن تبنى. أمر الله ـ عزوجل ـ برفعها وعمارتها (وَ) أمر أن (يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) يعنى يوحد الله ـ عزوجل ـ نظيرها فى البقرة» (١) : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) يقول يصلى لله ـ عزوجل ـ (رِجالٌ) فيها تقديم بالغدو والعشى (٢) ، ثم نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) يعنى شراء (٣) (وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) يعنى الصلوات المفروضة (وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) يقول لا تلهيهم التجارة عن إقام الصلاة وإعطاء الزكاة ، ثم أخبر عنهم فقال ـ سبحانه ـ : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) حين زالت من أماكنها من الصدور فنشبت فى حلوقهم عند الحناجر ، قال : (وَالْأَبْصارُ) ـ ٣٧ ـ يعنى تقلب أبصارهم فتكون زرقا ، (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما) يعنى الذي (عَمِلُوا) من الخير ولهم مساوئ فلا يجزيهم بها (وَيَزِيدَهُمْ) على أعمالهم (مِنْ فَضْلِهِ) فضلا على أعمالهم (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ـ ٣٨ ـ يقول الله ـ تعالى ـ ليس فوقى ملك يحاسبني أنا الملك أعطى من شئت بغير حساب لا أخاف من أحد يحاسبني (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله مثل (أَعْمالُهُمْ) الخبيثة (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) يعنى ـ عزوجل ـ بالسراب الذي يرى فى الشمس بأرض قاع (٤) (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ) يعنى العطشان (ماءً) فيطلبه ويظن أنه قادر عليه (حَتَّى إِذا جاءَهُ)

__________________

(١) يشير إلى الآية ٢٠٣ من سورة البقرة وهي (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ...) الآية.

(٢) أى يسبح له رجال بالغدو والعشى أى فى الصباح والمساء.

(٣) فى أ : شرى ، ل : شراء.

(٤) بأرض قاع : أى فى صحراء خالية أو فضاء متسع ، وفى أ : فى الشمس قاع ، ز : بأرض قاع.

٢٠١

يعنى أتاه (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) فهكذا الكافر إذا انتهى إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن عنه شيئا لأنه عمله فى غير إيمان ، كما لم يجد العطشان السراب شيئا حتى انتهى إليه فمات من العطش فهكذا الكافر يهلك يوم القيامة كما هلك العطشان حين انتهى إلى السراب ، يقول : (وَوَجَدَ اللهَ) ـ جل جلاله ـ بالمرصاد و (عِنْدَهُ) عمله (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) يقول فجازاه بعمله لم يظلمه [٣٩ ب] (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ـ ٣٩ ـ يخوفه بالحساب كأنه قد كان نزلت فى شيبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وكان يلتمس الدين فى الجاهلية ويلبس الصفر فكفر فى الإسلام ، ثم ضرب الله ـ عزوجل ـ لشيبة وكفره بالإيمان مثلا آخر فقال : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) يعنى فى بحر عميق والبحر إذا كان عميقا كان أشد لظلمته ، يعنى بالظلمات الظلمة التي فيها الكافر والبحر اللجى قلب الكافر (يَغْشاهُ مَوْجٌ) فوق الماء ثم يذهب عنه ذلك الموج ثم يغشاه موج آخر مكان الموج الأول ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «يغشاه موج» (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ) فهي ظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر والسحاب (١) يقول وهذه ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) فهكذا الكافر قلبه مظلم فى صدر مظلم فى جسد مظلم (٢) لا يبصر نور (٣) الإيمان كما أن صاحب البحر (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) فى ظلمة الماء (لَمْ يَكَدْ يَراها) يعنى لم يرها البتة ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) يعنى الهدى الإيمان (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) ـ ٤٠ ـ يعنى من هدى.

__________________

(١) فى أ : سحاب ، ل : والسحاب ، وهي ساقطة من ز.

(٢) من ز ، وفى أ : فهكذا الكافر قلبه مظلم فى صدر وجسد مظلم.

وفى ل : فهكذا الكافر قلبه مظلم فى صدر جسده مظلم.

(٣) فى ا ، ز : لا يبصرون ، ل : لا يبصر نور.

٢٠٢

(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) لم يقارب به البصر ، كقول (١) الرجل لم يصب ولم يقارب.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ) يقول ألم تعلم أن الله يذكره (مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَ) من فى (الْأَرْضِ) من المؤمنين : من الإنس والجن (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) الأجنحة (كُلٌ) من فيها : فى السموات (٢) والأرض (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) من الملائكة والمؤمنين من الجن والإنس ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَتَسْبِيحَهُ) يعنى ويذكره كل مخلوق بلغته غير كفار الإنس والجن (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) ـ ٤١ ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ـ ٤٢ ـ فى الآخرة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ) يقول ألم تعلم أن الله (يُزْجِي) يعنى يسوق (سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يعنى يضم بعضه إلى بعض (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) يعنى قطعا يحمل بعضها على إثر بعض «ثُمَّ يُؤَلِّفُ (٣) بَيْنَهُ» يعنى يضم (٤) السحاب بعضه إلى بعض بعد الركام (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) يقول فترى المطر يخرج من خلال (٥) السحاب (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ) بالبرد (مَنْ يَشاءُ) فيضر فى زرعه وثمره (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) فلا يضره فى زرعه

__________________

(١) فى ا ، ل : كقول ، ز : يقول.

(٢) من ز ، وفى أ : من فى السموات.

(٣) فى أ : يولف.

(٤) فى أ : يصف ، ز : بضم.

(٥) فى أ : خلل ، ز : خلال.

٢٠٣

ولا فى ثمره (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) يقول ضوء برقه (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) ـ ٤٣ ـ (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يعنى بالتقلب (١) اختلافهما : أنه يأتى بالليل [٤٠ أ] ويذهب بالنهار ، ثم يأتى بالنهار ويذهب بالليل (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ذكر من صنعه (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) ـ ٤٤ ـ يعنى لأهل البصائر فى أمر الله ـ عزوجل ـ (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) يعنى الهوام (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) الإنس والجن والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) قوائم يعنى الدواب والأنعام والوحش والسباع (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الخلق (قَدِيرٌ) ـ ٤٥ ـ (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) لما فيه من أمره ونهيه (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٤٦ ـ يعنى إلى دين مستقيم يعنى الإسلام ، وغيره من الأديان ليس بمستقيم ، (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ) يعنى صدقنا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَبِالرَّسُولِ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه من الله ـ عزوجل ـ نزلت فى بشر المنافق (وَأَطَعْنا) قولهما (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعنى ثم يعرض عن طاعتهما طائفة منهم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعنى من بعد الإيمان بالله ـ عزوجل ـ ورسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤٧ ـ يعنى ـ عزوجل ـ بشر المنافق ، ثم أخبر عنه فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعنى من المنافقين (مُعْرِضُونَ) ـ ٤٨ ـ عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى كعب بن الأشرف وذلك أن رجلا من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة وأن اليهودي دعا بشرا إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) أ : بالتقلب ، ز : تقلب.

٢٠٤

ودعاه بشر إلى كعب فقال بشر : إن محمدا (١) يحيف علينا ، يقول الله ـ عزوجل : (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُ) يعنى بشرا المنافق (يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) ـ ٤٩ ـ يأتوا إليه طائعين مسارعين إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى الكفر (أَمِ ارْتابُوا) أم شكوا فى القرآن (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يعنى أن يجوز الله ـ عزوجل ـ عليهم (وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ٥٠ ـ ثم نعت الصادقين فى إيمانهم فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) يعنى إلى كتابه ورسوله يعنى أمر رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَأَطَعْنا) أمره (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٥١ ـ (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى أمر الحكم (وَيَخْشَ اللهَ) فى ذنوبه التي عملها ثم قال ـ تعالى ـ (وَيَتَّقْهِ) (٢) ومن يتق الله ـ تعالى ـ فيما بعد فلم يعصه (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) ـ ٥٢ ـ يعنى الناجون [٤٠ ب] من النار فلما بين الله ـ عزوجل ـ كراهية المنافقين لحكم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أتوه فقالوا والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا أفنحن (٣) لا نرضى بحكمك فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ فيما حلفوا للنبي (٤) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) يعنى حلفوا بالله يعنى المنافقين (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) فإنه من حلف بالله ـ عزوجل ـ فقد اجتهد فى اليمين (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ) يعنى النبي ـ صلى الله

__________________

(١) فى أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليست فى ل.

(٢) (وَيَتَّقْهِ) : ساقطة من أ ، وفى حاشية أ : الآية ويثقه.

(٣) فى أ ، ز ، ل ، ف : فنحن ، وقد يكون أصلها أفنحن فسقطت الهمزة من النساخ.

(٤) فى ز : حلفوا للنبي ، أ : خالفوا النبي.

٢٠٥

عليه وسلم ـ (لَيَخْرُجُنَ) من الديار والأموال كلها (قُلْ) لهم : (لا تُقْسِمُوا) لا تحلفوا ولكن هذه منكم (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يعنى طاعة حسنة للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ ٥٣ ـ من الإيمان والشرك ، ثم أمرهم بطاعته ـ عزوجل ـ وطاعة رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمرتم (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعنى أعرضتم عن طاعتهما (فَإِنَّما عَلَيْهِ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) يقول فإنما على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما أمر من تبليغ الرسالة وعليكم وما أمرتم من طاعتهما ، ثم قال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ) يعنى ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (تَهْتَدُوا) من الضلالة وإن عصيتموه فإنما على رسولنا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ البلاغ المبين يعنى ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين (وَما) (١) (عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٢) ـ ٥٤ ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وذلك أن كفار مكة صدوا المسلمين عن العمرة عام الحديبية فقال المسلمون : لو أن الله ـ عزوجل ـ فتح علينا مكة ودخلناها آمنين فسمع الله ـ عزوجل ـ قولهم فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ، (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) يعنى أرض مكة (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من بنى إسرائيل وغيرهم ، وعدهم أن يستخلفهم بعد هلاك كفار مكة (٣) (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) الإسلام حتى يشيع الإسلام (الَّذِي ارْتَضى

__________________

(١) فى أ : «فما» ، ز : «فانما».

(٢) أتيت بالنص القرآنى بلفظه فى آخر التفسير لأن جميع النسخ حرفته فنقلت التفسير كما فى النسخ ثم نقلت المقطع الأخير من الآية زائدا على التفسير.

(٣) فى أ : كفارها ، ز : بعد هلاك أهلها.

٢٠٦

لَهُمْ) يعنى الذي رضى لهم (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) من كفار أهل مكة (أَمْناً) لا يخافون أحدا (يَعْبُدُونَنِي) يعنى يوحدونني (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) من الآلهة (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) التمكين فى الأرض (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ـ ٥٥ ـ يعنى العاصين (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) يعنى وأتموا الصلاة (وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [٤١ أ] فيما أمركم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ـ ٥٦ ـ يقول لكي ترحموا فلا تعذبوا (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (مُعْجِزِينَ) يعنى سابقي الله (فِي الْأَرْضِ) حتى يجزيهم الله ـ عزوجل ـ بكفرهم (وَمَأْواهُمُ «النَّارُ» (١) وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ٥٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) فى بيوتكم (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يعنى العبيد والولائد فى كل وقت نزلت فى أسماء بنت أبى مرشد (٢) قالت : إنه ليدخل على (٣) الرجل والمرأة ولعلهما أن يكونا (٤) فى لحاف واحد لا علم لهما فنزلت هذه فقال ـ سبحانه ـ (وَ) ليستأذنكم (الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) يعنى من الأحرار من الصبيان (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) لأنها ساعات غفلة وغيره (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) يعنى نصف النهار (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) يقول هذه ساعات غفلة وغيره (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) معشر المؤمنين يعنى أرباب البيوت (وَلا عَلَيْهِمْ) يعنى الخدم والصبيان الصغار (جُناحٌ بَعْدَهُنَ) يعنى بعد العورات الثلاث (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) يعنى بالطوافين يتقلبون عليكم ليلا ونهارا

__________________

(١) فى أ : جهنم. وفى حاشية أ : الآية «النار».

(٢) فى أ : أسماء بنت مرشد ، ل : أسماء بنت أبى مرشد.

(٣) فى أ : على ، ز : على.

(٤) فى أ : يكونا ، ز : يكونان.

٢٠٧

يدخلون ويخرجون بغير استئذان (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ) يعنى هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعنى أمره ونهيه فى الاستئذان (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ـ ٥٨ ـ «حكم» (١) ما ذكر من الاستئذان فى هذه الآية (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) يعنى من الأحرار (٢) (فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى من الكبار من ولد الرجل وأقربائه (٣) ويقال من العبيد (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) يعنى أمره (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ـ ٥٩ ـ حكم الاستئذان بعد العورات (٤) الثلاث على الأطفال إذا احتلموا (وَالْقَواعِدُ) عن الحيض (مِنَ النِّساءِ) يعنى المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر (اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) يعنى تزويجا (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) يعنى حرج (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) فى قراءة ابن مسعود «من ثيابهن» وهو الجلباب الذي يكون فوق الخمار (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) لا تريد بوضع الجلباب أن ترى زينتها يعنى الحلي ، قال ـ عزوجل ـ (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) ولا يضعن الجلباب (خَيْرٌ لَهُنَ) من وضع الجلباب (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ـ ٦٠ ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) نزلت فى الأنصار ، وذلك أنه (٥) لما نزلت (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٦) ، «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ [٤١ ب]

__________________

(١) «حكم» : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٢) فى أ ، ل : يعنى من الأحرار الحلم.

(٣) فى أ : وأقرباء.

(٤) فى أ : عورات.

(٥) زيادة ليست فى أ ، ولا فى ل.

(٦) سورة النساء : ١.

٢٠٨

بالباطل (١)» قالت الأنصار : ما بالمدينة مال أعز من الطعام ، فكانوا لا يأكلون مع الأعمى لأنه لا يبصر موضع الطعام ولا مع الأعرج لأنه لا يطبق الزحام ، ولا مع المريض لأنه لا يطيق (٢) أن يأكل كما يأكل الصحيح ، وكان الرجل يدعو حميمه وذا قرابته وصديقه إلى طعامه فيقول أطعم من هو أفقر إليه منى فان أكره أن آكل أموال الناس بالباطل والطعام أفضل المال فأنزل الله ـ عزوجل ـ : «ليس على الأعمى حرج» (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) فى الأكل معهم (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) لأنهم يأكلون على حده (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) (٣) (أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) يعنى خزائنه يعنى عبيدكم وإمائكم (أَوْ صَدِيقِكُمْ) نزلت فى مالك (٤) بن زيد وكان (٥) صديقه الحارث بن عمرو ، وذلك أن الحارث خرج غازيا وخلف مالكا فى أهله وماله وولده فلما رجع رأى مالكا مجهودا (٦) قال : ما أصابك (٧)؟ قال : لم يكن عندي شيء ولم يحل لي أكل مالك ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) وذلك أنهم كانوا يأكلون على حدة ولا يأكلون جميعا ، يرون أن أكله ذنب (٨) يقول

__________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

(٢) فى أ : لا يطيق يأكل ، ز : لا يطيق أن يأكل.

(٣) فى أ : إلى آخر الآية ، وفى ز نص الآية كاملا.

(٤) فى أ ، ز : «ملك» لكن ذكرت بعد ذلك فى ز «مالك».

(٥) فى أ : كان ، ز : وكان.

(٦) فى ، ل ، ز : مجهودا ، أقول والمعنى ضعيفا مهزولا.

(٧) كذا فى أ ، ز ـ والأنسب قال له : ما أصابك؟

(٨) فى ل : ذنب ، وفى أ : حلف ولعله محرف عن حلف. والجملة ساقطة من ز.

٢٠٩

الله ـ عزوجل ـ : «كلوا جميعا أو أشتاتا» : وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد من يأكل معه أو يدركه الجهد فيأخذ عنزة له فيركزها ويلقى عليها ثوبا تحرجا أن يأكل وحده ، فلما جاء الإسلام فعلوا ذلك ، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا نفقاتهم وطعامهم فى مكان فإن غاب رجل منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة الإثم ، فنزلت «ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا» إن كنتم جماعة «أو أشتاتا» يعنى متفرقين (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) للمسلمين (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) يعنى بعضكم على بعض يعنى أهل دينكم يقول السلام (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً) يعنى من سلم أجر فهي البركة (طَيِّبَةً) حسنة (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعنى أمره فى أمر الطعام والتسليم (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ـ ٦١ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [٤٢ أ] (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) أى النبي (١) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ» (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) يقول إذا اجتمعوا «على أمر هو (٢)» لله ـ عزوجل ـ طاعة (لَمْ يَذْهَبُوا) يعنى لم يفارقوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) يعنى لبعض أمرهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) يعنى من المؤمنين نزلت فى عمر بن الخطاب ـ رضوان الله عليه ـ فى غزاة تبوك وذلك أنه استأذن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الرجعة أن يسمع المنافقين ، إلى أهله فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ انطلق فو الله ما أنت بمنافق. يريد أن يسمع المنافقين فلما سمعوا ذلك ، قالوا : ما بال محمد (٣) إذا استأذنه أصحابه أذن لهم فإذا استأذناه

__________________

(١) فى أ : «(وإذا كانوا مع) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ».

(٢) فى ل : على أمر هو ، ا : على أمرهم.

(٣) فى أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس فى ل.

٢١٠

لم يأذن لنا ، فو اللات ما نراه يعدل ، وإنما (١) زعم أنه جاء ليعدل (٢) ، ثم قال : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ) يعنى للمؤمنين (اللهَ) (٣) (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٦٢ ـ (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) يقول الله ـ عزوجل ـ لا تدعوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باسمه : يا محمد (٤) ويا بن عبد الله إذا كلمتموه كما يدعو بعضكم بعضا باسمه يا فلان ويا بن فلان ولكن عظموه وشرفوه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقولوا يا رسول الله يا نبى الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نظيرها فى الحجرات (٥) (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم يوم الجمعة قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحديثه إذا كانوا معه على أمر جامع فيقوم المنافق وينسل ويلوذ بالرجال وبالسارية لئلا يراه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى يخرج من المسجد ، ويدعوه (٦) باسمه يا محمد ويا بن عبد الله فنزلت هؤلاء الآيات قوله ـ سبحانه ـ : «قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لو إذا» فخوفهم عقوبته فقال ـ سبحانه ـ : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) يعنى عن أمر الله ـ عزوجل ـ (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) يعنى الكفر (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٦٣ ـ يعنى وجيعا يعنى القيل فى الدنيا ، ثم عظم نفسه ـ جل جلاله ـ فقال ـ تعالى ـ : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ

__________________

(١) فى ل : وإنما ، أ : فإنما.

(٢) فى ل : ليعدل ، أ : بالعدل.

(٣) لفظ الجلالة ساقط من أ ، وهو فى ز.

(٤) كذا فى أ ، ل ، ز. والأنسب : مثل يا محمد.

(٥) يشير إلى الآية الثانية من سورة الحجرات.

(٦) فى أ : ويدعوا ، ز : ويدعوه.

٢١١

ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق عبيده وفى ملكه (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الإيمان والنفاق (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) أى إلى الله فى الآخرة (١) (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) من خير أو شر (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من اعمالكم (عَلِيمٌ) ـ ٦٤ ـ به ـ عزوجل

__________________

(١) فى أ : (ويوم يرجعون) فى الآخرة : (إلى) الله.

٢١٢

سورة الفرقان

٢١٣
٢١٤

(٢٥) سورة الفرقان مكية

وآياتها سبع وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ

٢١٥

وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ

٢١٦

وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) * وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١)

٢١٧

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ

٢١٨

مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ

٢١٩

فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها

٢٢٠