تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٣

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٩٥٧

(٢٢) سورة الحج مدينة

وآياتها ثمان وسبعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ

١٠١

حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ

١٠٢

خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩)

١٠٣

يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ

١٠٤

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧) إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ

١٠٥

لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ

١٠٦

أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) * ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ

١٠٧

وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا

١٠٨

ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))

١٠٩
١١٠

سورة الحج (*)

مكية ، إلا عشر آيات فإنها نزلت بالمدينة ، من قوله : «يا أَيُّهَا ...» إلى قوله ـ تعالى ـ : «... شَدِيدٌ»(١) نزلت فى غزوة بنى المصطلق بالمدينة.

وإلا قوله ـ تعالى ـ : «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ ...» (٢) الآية ، نزلت فى عبد الله بن أنس بن خطل.

وقوله ـ تعالى ـ : «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ...» (٣) الآية نزلت فى أهل التوراة.

وقوله ـ تعالى ـ : «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا ...» الآيتين (٤).

__________________

(*) المقصود الإجمالى لسورة الحج.

من مقاصد السورة الوصية بالتقوى ، والطاعة ، وبيان هول الساعة ، وزلزلة القيامة ، وإثبات الحشر والنشر وجدال أهل الباطل مع أهل الحق ، والشكابة من أهل النفاق وعيب الأوثان وعبادتها ، وذكر نصرة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وإقامة البرهان والحجة ، وخصومة المؤمن والكافر فى دين التوحيد ، وأذان إبراهيم بالحج ، وتعظيم الحرمات والشعائر ، والمنة على العباد يدفع فساد أهل الفساد ، وحديث البئر المعطلة وذكر نسيان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسهوه حال تلاوة القرآن ، وأنواع الحجة على إثبات القيامة وعجز الأصنام وعبادها واختبار الرسول من الملائكة والإنس وأمر المؤمنين بأنواع العبادة والإحسان ، والمنة عليهم باسم المسلمين ، والاعتصام بحفظ الله وحياطته فى قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) سورة الحج : ٧٨.

(١) سورة الحج : ١ ـ ٢.

(٢) سورة الحج : ٢٥.

(٣) سورة الحج : ٥٤.

(٤) الآيتين بالجر معناه إلى آخر الآيتين وهما ٥٨ ، ٥٩ من سورة الحج.

١١١

وقوله ـ تعالى ـ : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ ...) إلى قوله : (... لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (١).

وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ...) (٢) الآية.

__________________

(١) من سورة الحج : ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) سورة الحج : ١١.

وفى المصحف المتداول. (٢٢) سورة الحج مدنية ، إلا الآيات ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، فبين مكة والمدينة. وآياتها ٧٨ نزلت بعد سورة النور.

وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي :

السورة مكية بالاتفاق سوى ست آيات منها فهي مدنية من الآية ١٩ إلى آخر الآية ٢٤.

وسميت سورة الحج لاشتمالها على مناسك الحج ، وتعظيم الشعائر وتأذين إبراهيم للناس بالحج.

١١٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبى عن الهذيل ، عن مقاتل ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) يخوفهم يقول اخشوا ربكم (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) ـ ١ ـ (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ) يقول تدع البنين لشدة الفزع من الساعة وذلك قبل النفخة الأولى ينادى مناد (١) من السماء الدنيا يأيها الناس جاء أمر الله فيسمع صوته أهل الأرض جميعا فيفزعون فزعا شديدا ، ويموج بعضهم فى بعض ويشيب فيها الصغير ويسكر فيها الكبير وتضع الحوامل ما فى بطونها وتدع المراضع البنين من الفزع الشديد ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ» (عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) النساء والدواب حملها من شدة الفزع (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) من الخوف (وَما هُمْ بِسُكارى) من الشراب (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) ـ ٢ ـ.

نزلت هاتان الآيتان ليلا والناس يسيرون فى غزاة بنى المصطلق وهم حي من خزاعة ، فقرأها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تلك الليلة على الناس ثلاث مرات ، ثم (٢) قال : هل تدرون أى يوم هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا يوم يقول الله ـ عزوجل ـ لآدم «ـ عليه‌السلام ـ قم (٣)» فابعث بعث

__________________

(١) فى أ : مناد ، ز : ملك.

(٢) ثم : من ز ، وليست فى أ.

(٣) «ـ عليه‌السلام ـ قم» : من ز ، وليست فى أ.

١١٣

النار من ذريتك. فيقول : يا رب وما بعث النار ، قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون (١) إلى النار وواحد إلى الجنة ، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا ، فلما أصبحوا أتوا النبي ـ صلى الله عليه ـ فقالوا : «وما توبتنا وما حيلتنا (٢)». فقال لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أبشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا فى أمة قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ـ ما أنتم فى الناس إلا كشعرة بيضاء فى ثور أسود ، أو كشعرة سوداء فى ثور (٣) أبيض ، أو كالرقم فى ذراع الدابة ، أو كالشامة فى سنام البعير ، فأبشروا وقاربوا وسددوا واعملوا. ثم قال : أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله؟ قال : أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله؟ قال : أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ، قال : فإنكم أكثر أهل الجنة ، أهل الجنة عشرون ومائة صف ، أمتى من ذلك ثمانون صفا وسائر أهل الجنة [٢٠ أ] أربعون صفا ومع هؤلاء أيضا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل رجل سبعون ألفا.

فقالوا : من هم يا رسول الله؟ قال : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محصن الأسدى ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم. قال : فإنك منهم ، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من هذيل ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم. قال : سبقك بها عكاشة.

__________________

(١) فى أ : وتسعون ، ل ، ز : وتسعين.

(٢) «وما توبتنا وما حيلتنا» : من ز ، وفى أ : ما أخبرتنا بآية هي أشد علينا من هذه الآية.

(٣) فى ز أ : الثور.

١١٤

قوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعلمه نزلت فى النضر بن الحارث القرشي وأمه اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصى ، قال : (وَيَتَّبِعُ) النضر (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) ـ ٣ ـ يعنى مارد (كُتِبَ عَلَيْهِ) يعنى قضى عليه يعنى الشيطان (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) يعنى من اتبع الشيطان (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) عن الهدى (وَيَهْدِيهِ) يعنى ويدعون (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ـ ٤ ـ. يعنى الوقود ثم ذكر صنعه ليعتبروا فى البعث ، فقال ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعنى كفار مكة (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) يعنى فى شك من البعث بعد الموت فانظروا إلى بدء خلقكم (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) ولم تكونوا شيئا (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) مثل الدم (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ) يعنى من النطفة مخلقة (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) يعنى السقط يخرج من بطن أمه مصورا وغير مصور (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) (١) (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) فلا يكون سقطا (٢) (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يقول خروجه من بطن أمه ليعتبروا فى البعث ولا يشكوا فيه أن الذي بدأ خلقكم لقادر على أن يعيدكم بعد الموت ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من بطون أمهاتكم (طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) ثماني عشرة سنة (٣) إلى أربعين سنة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) من قبل أن يبلغ أشده (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ) بعد الشباب (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) يعنى الهرم (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ) كان يعلمه (شَيْئاً) فذكر بدء الخلق ثم ذكر الأرض الميتة كيف يحيها ليعتبروا فى البعث فإن البعث ليس بأشد من بدء الخلق ومن

__________________

(١) «لنبين لكم» : ساقطة من أ.

(٢) فى أ : سقط ، ز : سقطا.

(٣) فى أ ، ل : ثماني عشرة سنة ، ز : ثمان عشرة سنة.

١١٥

الأرض حين يحيها من بعد موتها ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) يعنى ميتة ليس فيها نبت يعنى متهشمة (١) (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) يعنى المطر (اهْتَزَّتْ) الأرض يعنى تحركت بالنبات [٢٠ ب] (كقوله : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ) (٢) أى تحرك كأنها حية) (٣). ثم قال للأرض (٤) : (وَرَبَتْ) يعنى وأضعفت النبات (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ـ ٥ ـ يعنى من كل صنف من النبات حسن (ذلِكَ) يقول هذا الذي فعل ، هذا الذي (٥) ذكر من صنعه ، يدل على توحيده بصنعه (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) وغيره من الآلهة باطل (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) فى الآخرة (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٦ ـ من البعث وغيره قدير (وَأَنَّ السَّاعَةَ «آتِيَةٌ») (٦) (لا رَيْبَ) يعنى لا شك (فِيها) أنها كائنة (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ) فى الآخرة (مَنْ فِي الْقُبُورِ) ـ ٧ ـ من الأموات فلا تشكوا فى البعث (وَمِنَ النَّاسِ) يعنى النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن السياف (٧) ابن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرة ومن الناس (مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعنى يخاصم فى الله ـ عزوجل ـ ان الملائكة بنات الله ـ تعالى ـ (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ـ ٨ ـ «ولا هدى» ـ ولا بيان معه من الله ـ عزوجل ـ بما يقول «ولا كتاب» من الله ـ تعالى ـ «منير» يعنى مضيئا (٨) فيه حجة بأن الملائكة بنات الله فيخاصم بهذا.

__________________

(١) فى ز : يعنى ميتة متهشمة ليس فيها نبت.

(٢) سورة القصص : ٣١.

(٣) ما بين القوسين (...) : من ز : وفى أ : كقوله للحية (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ) لم تزل.

(٤) اللام بمعنى عن ، والأنسب : ثم قال عن الأرض.

(٥) الذي : من ز ، وليست فى أ.

(٦) فى أ : لآتية ، ز : آتية.

(٧) فى ل : السياف ، ز : الساق ، ا : السابق ولعلها محرفة عن السباق.

(٨) فى ز : مضيئا ، ا : مضيء.

١١٦

قال الفراء وأبو عبيدة فى قوله ـ عزوجل ـ : (ثانِيَ عِطْفِهِ) يقول يتبختر فى مشيته تكبرا.

ثم أخبر عن النضر فقال ـ سبحانه ـ : (ثانِيَ عِطْفِهِ) ـ يقول يلوى (١) عنقه عن الإيمان (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يقول ليستزل عن دين الإسلام (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) يعنى القتل ببدر (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) ـ ٩ ـ يعنى نحرقه بالنار (ذلِكَ) العذاب (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) من الكفر والتكذيب (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ـ ١٠ ـ فيعذب على غير ذنب (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) يعنى على شك «نزلت فى أناس من أعراب أسد بن خزيمة وغطفان (٢).

قال مقاتل : إذا سألك رجل على كم حرف تعبد الله ـ عزوجل ـ فقل : لا أعبد الله على شيء من الحروف ، ولكن اعبد الله ـ تعالى ـ ولا أشرك به شيئا لأنه واحد لا شريك له (٣).

كان الرجل يهاجر الى المدينة فإن أخصبت أرضه ، ونتحبت فرسه ، وولد له غلام ، وصح بالمدينة ، وتتابعت عليه الصدقات ، قال : هذا دين حسن.

يعنى الإسلام ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) يقول رضى بالإسلام وإن أجدبت أرضه ، ولم تنتج فرسه ، وولدت (٤) له جارية ،

__________________

(١) فى أ : ملوى ، ز : يلوى.

(٢) ما بين القوسين «...» من ز ، وفى أ : نزلت فى رجل من غطفان.

(٣) قول مقاتل هذا من أ ، وليس فى ز.

(٤) فى ز : وولدت ، ا : وولد.

١١٧

وسقم بالمدينة ، ولم يجد عليه بالصدقات قال : هذا دين سوء ، ما أصابنى من ديني هذا الذي كنت عليه إلا شرا فرجع عن دينه ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) يعنى بلاء (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) يقول رجع إلى دينه الأول [٢١ أ] كافرا (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) خسر دنياه التي كان يحبها ، فخرج منها ثم أفضى إلى الآخرة وليس له فيها شيء ، مثل قوله (١) ـ : (... إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...) (٢) يقول الله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) ـ ١١ ـ يقول ذلك هو الغبن البين ، ثم أخبر عن هذا المرتد عن الإسلام ، فقال ـ سبحانه ـ : (يَدْعُوا) يعنى يعبد (٣) (مِنْ دُونِ اللهِ) يعنى الصنم (ما لا يَضُرُّهُ) فى الدنيا إن لم يعبده (وَما لا يَنْفَعُهُ) فى الآخرة إن عبده (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ـ ١٢ ـ يعنى الطويل (يَدْعُوا) يعنى يعبد (لَمَنْ ضَرُّهُ) فى الآخرة (أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) فى الدنيا (لَبِئْسَ الْمَوْلى) يعنى الولي (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) ـ ١٣ ـ يعنى الصاحب ، كقوله ـ سبحانه ـ «... وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...» (٤) يعنى وصاحبوهن بالمعروف ، ثم ذكر ما أعد للصالحين فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يقول تجرى العيون من تحت البساتين (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) ـ ١٤ ـ (مَنْ كانَ يَظُنُ) يعنى يحسب (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ

__________________

(١) من ز ، وليس فى أ.

(٢) سورة الزمر : ١٥.

(٣) فى أ : يعبدون ، ز : يعبد.

(٤) سورة النساء : ١٩.

١١٨

فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يعنى النبي (١) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) يعنى بحبل إلى سقف البيت (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) يعنى ليختنق (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) يقول فعله بنفسه إذا فعل ذلك ، هل يذهبن ذلك ما يجد فى قلبه من الغيظ بأن محمد لا ينصر (ما يَغِيظُ) ـ ١٥ ـ هل يذهب ذلك ما يجد فى قلبه من الغيظ.

نزلت فى نفر من أسد وغطفان قالوا : إنا نخاف الا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يجيرونا ولا ياوونا.

(وَكَذلِكَ) يعنى وهكذا (أَنْزَلْناهُ) يعنى القرآن (آياتٍ بَيِّناتٍ) يعنى واضحات (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي) إلى دينه (مَنْ يُرِيدُ) ـ ١٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ) قوم يعبدون الملائكة ويصلون للقبلة (٢) ويقرءون الزبور (وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ) يعبدون الشمس والقمر والنيران (٣) (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) يعنى مشركي العرب يعبدون الأوثان فالأديان ستة فواحد لله ـ عزوجل ـ وهو الإسلام وخمسة للشيطان (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ) يعنى يحكم (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (شَهِيدٌ) ـ ١٧ ـ (أَلَمْ تَرَ) يعنى ألم تعلم (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة وغيرهم (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) سجود هؤلاء الثلاثة حين تغرب الشمس (٤) قبل المغرب [٢١ ب] لله ـ تعالى ـ تحت العرش.

__________________

(١) المراد : من يظن أن الله لا ينصر محمدا.

(٢) من ل وفيها القبلة ، وأما أ : فقد جعلت هذا الوصف للنصارى ، وهو خطأ.

(٣) كذا فى أ ، ل ، ز ، والمراد النار.

(٤) من ز ، وليست فى أ.

١١٩

(وَ) يسجد (الْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) : ظلهم حين تطلع الشمس وحين تزول إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده ، (١) ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَ) يسجد (كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) يعنى المؤمنين (وَ) يسجد (كَثِيرٌ) ممن (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) من كفار الإنس والجن سجودهم هو سجود ظلالهم (٢).

(وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) ـ ١٨ ـ فى خلقه فقرأ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذه الآية فسجد لها هو وأصحابه ـ رضى الله عنهم ـ (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) نزلت فى المؤمنين وأهل الكتاب» (٣) ثم بين ما أعد للخصمين ، فقال : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى اليهود والنصارى (قُطِّعَتْ لَهُمْ) يعنى جعلت لهم (ثِيابٌ مِنْ نارٍ) يعنى قمصا من نحاس من نار فيها تقديم (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) ـ ١٩ ـ إذا ضربه الملك بالمقمعة ثقب رأسه ثم صب فيه الحميم الذي قد انتهى حره (يُصْهَرُ) يعنى يذاب (بِهِ) يعنى بالحميم (ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) ـ ٢٠ ـ يقول وتنضج الجلود (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) ـ ٢١ ـ (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) وذلك إذا جاء جهنم ألقت الرجال فى أعلى الأبواب فيريدون الخروج فتعيدهم الملائكة يعنى الخزان فيها بالمقامع وتقول لهم الخزنة إذا ضربوهم بالمقامع (وَذُوقُوا) (٤)

__________________

(١) فى ز ، وفى أ ، ل : نقص.

(٢) فى أ ، ل : سجودهم ظلهم ، ز : سجودهم ظلالهم.

(٣) أخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس أنها نزلت فى أهل الكتاب قالوا للمؤمنين : نحن ولى بالله منكم ، وأقدم كتابا ونبينا قبل نبيكم. فقال المؤمنون : نحن أحق بالله ، آمنا بمحمد بينكم ، وبما أنزل الله من كتاب ، وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة مثله. وانظر لباب النقول سيوطى : ١٥١.

(٤) فى أ ، ل ، ز «ذوقوا».

١٢٠