نفحات القرآن - ج ٥

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٥

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-99-7
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٨٨

أسماء المعاد في القرآن الكريم

تمهيد :

ورد ذكر المعاد في القرآن المجيد في مئات من الآيات وبتعابير متنوعة ، ويُعد كل تعبير من تلك التعابير بمثابة إشارةً إلى بعدٍ من أبعاد مفهوم المعاد ، وتلك التعبيرات بمجموعها توضح عمق هذه المسألة وأهداف الحياة الآخرة.

وبما أنّ مطالعة عبارات القرآن المتنوعة للمعاد تفتح أمامنا آفاقاً جديدة في هذه المسألة العقائدية المهمّة ، فإننا نتعرض لدراسة تلك العبارات.

وأهم العبارات القرآنية في هذه المسألة هي العبارات الثمانية التالية والتي تشكّل أساس الآيات الشريفة :

١ ـ «قيام الساعة».

٢ ـ «إحياء الموتى».

٣ ـ «البعث».

٤ ـ «الحشر».

٥ ـ «النشر».

٦ ـ «المعاد».

٧ ـ «لقاء الرّب».

٨ ـ «الرجوع».

بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن لنمعن خاشعين في نماذج من التعبيرات الآنفة الذكر:

١ ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الُمجرِمُونَ). (الروم / ١٢)

٢١

٢ ـ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وانَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَانَّهُ عَلَى كُلِّ شىءٍ قَدِيرٌ). (الحج / ٦)

٣ ـ (وَانَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّارَيْبَ فِيهَا وَانَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ). (الحج / ٧)

٤ ـ (وَانَّ ربَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ انَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). (الحجر / ٢٥)

٥ ـ (وَاللهُ الَّذِى ارْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ). (فاطر / ٩)

٦ ـ (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). (الاعراف / ٢٩)

٧ ـ (قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ). (يونس / ٤٥)

٨ ـ (كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ الَيْنَا تُرْجَعُونَ). (العنكبوت / ٥٧)

جمع الآيات وتفسيرها

١ ـ القيامة

«القيامة» : هي أكثر العبارات شيوعاً عن المعاد وهي مأخوذة من مادّة «القيام» ، وقد عبّر القرآن المجيد عن ذلك اليوم العظيم في ٧٠ موردا بتعبير «يوم القيامة» ، وفي بعض الآيات مثل الآية الاولى من آيات بحثنا ذكره بتعبير (يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) ، حيث قال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُوُم السَّاعَةُ يُبْلِسُ الُمجْرِمُونَ) (١).

ومن الطبيعي أن ييأس المذنبون ويكتئبوا في ذلك اليوم ويلزموا جانب الصمت ؛ لأنّهم يرون نتائج أعمالهم بعد أن لم يبق أمامهم طريق لتدارك ما مضى ، يقول الفخر الرازي في تفسيره بعد أن يقسّم اليأس إلى نوعين :

«يوم تقوم الساعة يكون للمجرم يأس محير لا يأس هو احدى الراحتين ، وهذا لأنّ الطمع إذا انقطع باليأس فإذا كان المرجو أمراً غير ضروري يستريح الطامع من الانتظار وإن

__________________

(١) «يبلس» من مادة «ابلاس» ، قال الراغب : الابلاس هو الغم والهم الحاصل من شدّة اليأس والقنوط ، وفسر البعض الابلاس باليأس بينما فسره البعض الآخر من المفسرين واللغويين بأنّه يعني السكوت الناشىء من عدم وجود الادلّة. (المفردات ؛ والصحاح ؛ والتحقيق ؛ وتفسير روح المعاني ؛ وتفسير الميزان).

٢٢

كان ضرورياً بالابقاء له ينفطر فؤاده أشدّ انفطار ، ومثل هذا اليأس هو الابلاس» (١).

فأحياناً ، يحلُّ اليأس في مواردٍ يحتاج الإنسان إلى مقصوده احتياجاً مبرماً ، فمن البديهي في مثل هذه الموارد يكون اليأس سبباً للحيرة والضياع ومصَدراً للألم والغم القاتل ، فكلمة «إبلاس» تستعمل في المعنى الثاني (بينما كلمة «يأس» ليست كذلك).

ثم إنّ القرآن الكريم يعبّر عن المعاد ايضا بـ (يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ). (إبراهيم / ٤١)

وتارةً يقول : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). (المطففين / ٦)

وتارة يذكره بعبارة : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوُحُ وَالْمَلَائِكَةُ). (النبأ / ٣٨)

وأخرى بعبارة : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ). (غافر / ٥١)

بلى إنّ ذلك اليوم هو يوم القيامة ، يوم قيام الساعة وقيام الحساب وقيام الناس وقيام الملائكة وقيام الأشهاد ويوم قيام كل شيء.

والملفت للنظر هو أنّ التعبير بقيام الساعة له مفهوم خاص من بين هذه التعبيرات ؛ لأنّ الساعة ـ كما قلنا سابقاً ـ تعني الجزء من الزمان فهل يعني هذا أنّ للزمان قيام؟ يعتقد البعض أنّ هذا التعبير يدلّ على أنّ يوم القيامة يمكن أن يُتَصوّر له التلبس بالقيام والنهوض كما هو الحال في الموجودات الحيّة (فتأمل).

* * *

٢ ـ احياء الموتى

احياء الأموات هو عنوان آخر يُشاهد بشكل واسع في الآيات المختصة بالمعاد ، وكما سيأتي ـ بإذن الله ـ في بحث أدلّة المعاد أنّ عدداً كبيراً من هذه الأدلة تُوْكّد على هذا العنوان ، وتُصّور إمكان الإحياء بعد الممات بطرق مختلفة.

ومن جملتها الآية التي هي مورد بحثنا ، فبعد أن ذكر القرآن المجيد ثلاثة امور مهمّة هي (مسألة خلق الإنسان من التراب ، والتطوّرات المختلفة للجنين ، وإحياء الأرض بعد نزول

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ٢٥ ، ص ١٠١.

٢٣

الغيث) قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَانَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وانَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ).

«الحق» : يعني الواقع والثبوت ، والتعبير السابق ـ على حد قول «الميزان» يُشير إلى أنَّ الله عزوجل هو عين الواقع لا أنّه وجودٌ له واقع ، إنّه عين الثبوت والواقع ، وبالاحرى أنَّ واقعية وثبوت كل شيّ في العالم مترشح من فيض وجوده (١).

وما يقابل الحق هو الباطل ، فإنّه لا واقع ولا ثبوت له ، بل هو خيالٌ وظنٌ باطل وسرابٌ لا غير.

والملفت للنظر في هذه الآية هو الامور الثلاثة المذكورة أعلاه (خلق آدم من التراب ، وتطورات الجنين ، واحياء الأرض الميّتة) فإنّها جاءت كدليل على إثبات المبدأ الأول أي إثبات أصل وجود الله ، وعلى إثبات المعاد وإثبات صفات الله (مثل القدرة).

إنّ هذه التغيّيرات الواسعة والمهيمنة على كل موجودات العالم هي في الواقع دليل على وجود محورٍ ثابت في عالم الوجود ، وهذا النظم العجيب الذي يُهيمن على الظواهر المختلفة هو دليلٌ على حكمة وقدرة ذلك المحور ، وتدلّ كل هذه الامور بوضوح على إمكان الحياة بعد الموت.

وكما أشرنا سابقاً بأنّ تعبير «احياء الموتى» ورد بشكل واسع في آيات المعاد ، فإنّ هذا التعبير يدلّ بوضوح على كون المعاد جسمانيّاً ، لا عودة الروح فحسب ، بل يعاد في الآخرة الجسم المتعلق بها أيضاً (ولكن على مستوىً أعلا وأرقى كما ستأتي الإشارة إليه لاحقاً) فلو كان المعاد بالروح فقط لما كان للحياة الآخرة مفهوم أصلاً ، لأنّ الروح بعد انفصالها عن البدن تستمر في الحياة وتحافظ على بقائها.

* * *

٣ ـ البعث

ومن التعابير الاخرى التي وردت في آيات القرآن عن القيامة هو «البعث» ، ففي الآية

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١٤ ، ص ٣٧٨.

٢٤

اللاحقة لتلك الآية السابقة من سورة الحج من آيات البحث قال تعالى : (وَانَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فِيهَا وَانَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ).

لقد ورد هذا التعبير في القرآن بشكل واسع جدّاً فأحد أسماء القيامة هو «يوم البعث» (الروم / ٥٦)، أو «يوم يُبعثون» وجاء هذا التعبير في ست آيات من القرآن(١).

وهذا التعبير تكرر ذكره كثيراً حتى في أسئلة المشركين التي كانوا يسألونها من النبي الأكرم مثل : (ءَاذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماًءَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (٢). (الصافات / ١٦)

«البعث» : له مفهوم واسع في اللغة ، فقد حمله البعض على أنّه بمعنى «الارسال» والبعض الآخر على أنّه بمعنى «الايصال» ، وفّسره آخرون ، ب «النشر» ولكن يظهر من موارد استعماله المختلفة أنّ له مفهوماً واحداً ، إلّاأنّه يتغيّر تبعاً لمورد استعماله بما يناسبه ، كارسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لابلاغ الرسالة ، وبعث الجيش للجهاد ، أو الإنسان النائم لأداء وظيفته ، أو نشر الأموات للحساب ، أو ارسال الحيوان للحركة (٣).

والسبب في اطلاق هذا التعبير على القيامة للمناسبة الموجودة بين البعث وابتداء الحركة في الأموات الذين يخرجهم الله من القبور ، ومن ثم يبعثهم للحساب نحو محاكم القيامة ، وبعدها نحو الجنّة أو النار ، فكلّ واحد من هذه المراحل هو مصداق «للبعث».

ويلاحظ أنّ هناك تعبير آخر في آيات القرآن يقارب في افُقِه مادة «البعث» وهو مادة «بَعْثَرة» (على وزن مَنْقَبَة).

ولم يأتِ هذا التعبير في القرآن إلّافي آيتين ، الموضع الأول : (وَاذا القُبُورُ بُعْثِرَتْ). (الانفطار / ٤)

وفي الموضع الآخر هو الآية : (أَفَلَا يَعْلَمُ اذَا بُعثِرَ مَافِى القُبُورِ). (العاديات / ٩)

وبالرغم من أنّ ارباب اللغة فسّروا مادة «بعثرة» بالتقليب والنشر ، لكنّ الراغب في المفردات احتمل أن تكون هذه الكلمة مركبة من كلمتي «بعث» واثيرت» ، فتكون الاولى

__________________

(١) الأعراف ، ١٤ ؛ الحجر ، ١٦ ؛ المؤمنون ، ١٠٠ ؛ الشعراء ، ٨٦ ؛ الصافات ، ١٤٤ ؛ ص ، ٧٩.

(٢) جاء هذا المعنى في الآيات التالية : الاسراء ، ٤٩ و ٩٨ ؛ المؤمنون ، ٨٣ ؛ الواقعة ، ٤٧ ؛ الانعام ، ٢٩ ؛ المؤمنون ، ٣٧.

(٣) المفردات للراغب ؛ ومقاييس اللغة ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.

٢٥

بمعنى الانهاض ، والثانية بمعنى النشر ، ولذلك اشتملت هذه الكلمة «بعثرة» على المعنيين.

أمّا «البيضاوي» فإنّه نقل هذا المطلب بتعبير آخر وهو أنّ «بعثرة» مركبة من «بعث» و «رأى» في «اثارة» (١).

* * *

٤ ـ الحَشْر

لقد ورد تعبير آخر عن القيامة في آيات عديدة من القرآن المجيد وهو «الحشر» كما جاء في آية بحثنا : (وَانَّ ربَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ انّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

«حكمته» : توجب أن لا ينتهي كل شيء بموت الإنسان ، وإلّا فإنّ الحياة الدنيا والنوم والأكل والشرب واللّبس لا قيمة لها حتى تكون الهدف من خلق الإنسان الرفيع المستوى ويكون الهدف من خلق هذا العالم الوسيع ، «علمه» أيضاً يكون رافعاً للعقبات في أمر معاد العباد وحشرهم ونشرهم وحسابهم (جمع ذرات أبدانهم المنتشرة في التراب وكذلك جمع أعمالهم وأقوالهم) ، وذلك لأنّه عالم بكل شيء وقد أحصى كل شيء.

التعبير بـ «الحشر» عن القيامة استخدم فيما يقارب ٣٠ مرّة في آيات القرآن المجيد وفي سورٍ مختلفة ، وهذا المقدار من الاستعمال هو دليل على أهميّة الحشر في القرآن.

«الحشر» في اللغة ـ نقلاً عن «مقاييس اللغة» ـ بمعنى الجمع المقارن للسَوق والقوْد ، ويطلق أحياناً على كل جمع أيضاً ، وعن «مفردات الراغب» بمعنى اخراج مجموعة من مقرّهم لساحة الحرب أو ما شابه ذلك ، ولذا جاء في الروايات : «النّساءُ لا يُحشَرْنَ» أي لا يُسَقْنَ نحو سوح القتال.

وجاء في «التحقيق» إن مادة «حشر» تحمل في طياتها ثلاثة معانٍ : «البعث» و «السَوق» و «الجمع».

فحشرات الأرض تعني الدواب الصغيرة وسُميت بذلك لكثرتها وتحركها ولكونها منبوذة.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ذيل الآية ٤ من سورة الانفطار.

٢٦

واستُخدم هذا التعبير للمعاد ويوم القيامة لأنّ جميع البشر الذين عاشوا على مرّ التاريخ الإنساني سوف يجمعون في ذلك اليوم في مكانٍ واحد ، ويساقون للحساب نحو محكمة العدل الإلهي ، ثم يساقون نحو الجنّة أو النار.

علاوةً على هذا فإنّ ذرات بدن كل إنسان والتي انتشرت في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية وحتى التي انتشرت أحياناً في البحر والفضاء فإنّها سوف تجمع في ذلك اليوم بأمر الله ، وتعاد الروح إليها ، ولايقتصر الأمر على جمع الذرات فقط بل يشمل جمع الأعمال أيضاً ، وعلى هذا فإنّ يوم القيامة هو يوم الجمع والحشر في ابعادٍ مختلفة.

بل يستفادُ أيضاً من الروايات الإسلامية أنّ الأمر لايختص بأهل الأرض فقط بل يجتمع معهم في هذا الأمر سكان السماوات أيضاً ولهذا السبب جاء في تفسير «يوم التلاق» الذي هو أحد اسماء القيامة الوارد في سورة غافر الآية ١٥ عن الإمام الصادقعليه‌السلام : (يوم يلتقي أهلُ السماء واهلُ الأرض) (١).

* * *

٥ ـ النشر

«النشر» : أو «النشور» هو تعبير آخر ليوم القيامة ورد في القرآن المجيد في آياتٍ متعددة ، يُبيّن بُعداً آخراً من أبعاد حياة الإنسان بعد الموت ، كما تشير إلى ذلك الآية الخامسة من آيات بحثنا هذا : (وَاللهُ الَّذِى ارْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَاحيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ). (فاطر / ٩)

«النشر» : و «النشور» في الأصل ـ على ماقاله الراغب في المفردات ـ بمعنى التوسيع والبسط ، كما هو المستعمل في بسط القماش وصفحات الورق والغمام والنِّعَم في تعبيرات الأحاديث.

ورد في «مقاييس اللغة» : النشر في الأصل «يدل على فتح شيء وانتشاره».

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٥٩ ، ح ٥.

٢٧

ومن أجل هذا اطلق لفظ «النشر» على انتشار العطور الطيبة في الهواء.

واطلِق هذا التعبير على المعاد إما لِأجل انتشار البشر في نقاط مختلفة في محشرهم ، كما اشير إلى ذلك في الآية المذكورة ، أو لأجل انتشار كتب الأعمال ، كما جاء في قوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ). (التكوير / ١٠)

وقد جاء في بعض الروايات عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إذا أراد الله عزوجل أن يبعث الخلق أمطر السماء أربعين صباحاً فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم» (١).

وبذلك تنشق الأرض ويخرج الموتى من تحت التراب (وكأن الأرض بمثابة الرحم لهم).

ونقرأ في حديث آخر أنّ شخصاً سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كيف يحيي الله الموتى؟ فقال ما مضمونه : هل مررت على أرضٍ يابسة لاماء فيها ولا كلأ ، ثم مررت عليها مرّة أخرى وهي مخضرة؟ فقال السائل : نعم يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هكذا يُحيي الله الموتى أو قال «هكذا الحشر» (٢).

* * *

٦ ـ المعاد

عبّرت مجموعة اخرى من الآيات عن يوم القيامة ب «العود» ورجوع البشر ، والمراد هنا هو العود إلى الحياة مرّة اخرى ، كما جاء في الآية السادسة من آيات بحثنا : (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).

وسنرى ـ بإذن الله ـ من خلال البحث عن أدلة المعاد أنّ هذه الجملة أقصر وبنفس الوقت أوضح دليل على إمكان المعاد ، إذ تجعل امكان الخلق ابتداءً دليلاً على إمكان الخلق مرّة أُخرى.

__________________

(١) تفسير روح البيان ، ج ٧ ، ص ٣٢٣ (باختصار) ؛ وبحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٣٣.

(٢) تفسير روح البيان ، ج ٧ ، ص ٣٢٣.

٢٨

ومن الملفت للنظر أنّ التعبير ب «العود» جاء على لسان المشركين وجاحدي المعاد أيضاً : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَّرةٍ). (الاسراء / ٥١)

والتعبير ب «المعاد» اخِذَ من هنا أيضاً ، بالطبع أنّ هذا التعبير دليل واضح على مسألة المعاد الجسماني ، وذلك لأنّ الروح لا معاد لها ، بل إنّها تحافظ على بقائها حتى ما بعد الموت ، والذي يعاد في يوم القيامة هي الحياة الجسمانية للجسم ، حيث تحل الروح بالجسم ثانية.

والنقطة المهمّة التي تجب الإشارة إليها هي أنّ التشبيه هنا طبقاً للتفسير الوارد في آية بحثنا هذه هو تشبيه لأصل العود إلى الحياة (أتى بهذا التفسير المرحوم الطبرسي في أول كلامه عن هذه الآية ، وورد هذا التفسير في روح البيان أيضاً).

ولكن عدداً من المفسرين من بينهم الفخر الرازي في «التفسير الكبير» والعلّامة الطباطبائي في «الميزان» وصاحب المنار في تفسيره وآخرون قالوا : إنّ التشبيه هنا بالنحو التالي ، وهو أنّ الله خلق الناس في البداية على فريقين : فريق مؤمن وفريق كافر (انتخب فريق طريق الهداية تحت ظل هداية الأنبياء ، وانتخب الآخر طريق الضلالة تحت تأثير وساوس الشيطان) وفي يوم القيامة أيضاً يحشرهُم على شكل فريقين : فريق مؤمن سعيد وفريق كافر شقي مستشهدين بالآية التالية : (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ). (الاعراف / ٣٠)

والأعجب من ذلك هو أنّ الفخر الرازي جعل هذه الآية دليلاً على الجبر في السعادة والشقاء الذاتيين!

بينما لو دقّقنا النظر في آيات القرآن الأخرى المشابهة لهذه الآية لوجدنا أنّ التشبيه إنّما هو في مسألة الهداية بعد الموت لا في الهداية والضلالة الحاصلين في الدنيا ، جاء في قوله تعالى : (اللهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِليهِ تُرْجَعُونَ). (الروم / ١١)

وفي الآية (٢٧) من نفس السورة قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم / ٢٧)

وهناك آيات اخرى أيضاً تُعطي نفس هذا المعنى (سورة يونس / ٤ ، النمل / ٦٤ ، العنكبوت / ١٩).

٢٩

ومن الممكن أن يقال هنا أن تفسير الآية بمسألة السعادة والشقاء هو الوارد في التفسير المنقول عن علي بن إبراهيم عن أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه‌السلام حيث قال : «خَلَقَهُمْ حِينَ خَلَقَهُمْ مؤمناً وكافراً وسعيداً وشقياً وكذلك يعودون يومَ القيامة مُهتدياً وضالاً ...» (١).

ولكن لا شك في كون هذا الحديث من المتشابه ، وراوية «أبوالجارود» وهو «زياد بن المنذر» وهو مذموم بشدّة في كتب الرجال حتى أنّ البعض اطلقوا عليه اسم «سَرْحُوب» وهو أحد أسماء الشيطان وفي بعض الروايات عُدَّ كذاباً وكافراً ، وينسبون إليه تأسيس الفرقة «الجارودية» المنحرفة وهي (فرقة من الزيدية).

وعلى هذا فالتفسير الأول هو الصحيح.

* * *

٧ ـ لقاء الله

التعبير الآخر الذي ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم والذي أشار إلى يوم القيامة والبحث ، هو تعبير «لقاء الله» و «لقاء الرب» ، حيث نلاحظ هذا في الآية السابعة التي وردت في بحثنا هذا.

حيث قال تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (٢).

والتعبير بـ «لقاء الله» و «لقاء الرب» الذي تكرر ذكره في آيات القرآن له معنىً عميق جدّاً ، رغم أنّ عدداً من المفسرين قد مرّوا عليه مرور الكرام.

فقالوا حيناً : إنّ المراد من «لقاء الله» ملاقاة ملائكة الله في يوم القيامة ، وقالوا حيناً آخر : إنّ المراد هو تلقي حسابه وجزاءه وثوابه.

وقالوا حيناً ثالثاً : إنّه بمعنى ملاقاة حكمه وأمره.

وعلى هذا الترتيب فإنّ كل واحد منهم جاء بكلمة لتقدير المعنى مع أننا نعلم بأنّ التقدير

__________________

(١) تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٢٢٦ ؛ وتفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٨.

(٢) جاء هذا التعبير أيضاً في آيات اخرى مثل : الانعام ، ٣١ و ١٤٥ ؛ يونس ، ٧ و ١١ و ١٥ ؛ الرعد ، ٢ ؛ الكهف ، ١٠٥ و ١١٠ ؛ الفرقان ، ٢١ ؛ العنكبوت ، ٥ و ٢٣ ؛ الروم ، ٨ ؛ السجدة ، ٢٣ ؛ فصلت ، ٥٤ ؛ السجدة ، ١٠ و ٢٠.

٣٠

خلاف الأصل وما لم يتوفر الدليل على التقدير فلا يجب الأخذ به.

وبناءً على هذه الحقيقة نعود إلى التفسير الأول ، فممّا لا شك فيه أنّ ملاقاة الربّ ليست حسيّة ، وذلك لأنّ الملاقاة الحسيّة تصدق في موارد الجسم الذي له مكان وزمان ولون وكيفيات اخرى ، على نحوٍ يمكن مشاهدتها بواسطة العين.

بل المراد هو المشاهدة الباطنية والملاقاة الروحية والمعنوية مع الله ، وذلك لأنّ الحُجُب تُرفع يوم القيامة ، وتظهر آيات الله في المحشر وجميع مشاهد ومواقف القيامة بنحوٍ يجعل الكافرين أيضاً يشاهدون الله ويلاقونه ببصائر القلوب! (وإن كانت تلك اللقاءات متفاوتة كيفياً).

يقول المرحوم العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان : «ينبىء أنّه تعالى هو الحق لا سترة عليه بوجه من الوجوه ولا على تقدير من التقادير فهو أبده البديهيات التي لا يتعلق بها جهل لكن البديهي ربما يغفل عنه فالعلم به تعالى هو ارتفاع الغفلة عنه الذي ربّما يعبر عنه بالعلم وهذا هو الذي يبدو لهم يوم القيامة فيعلمون أنّ الله هو الحق المبين ، كما أشار إلى ذلك الآية الكريمة : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (١). (النور / ٢٥)

وفي حديث طويل أتى رجل إلى الإمام علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : حصل لي شك في القرآن المجيد!

قال له الإمام عليه‌السلام : «ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟».

قال الرجل : إني وجدت الكتاب يكذِّبُ بعضهُ بعضاً ... ثم قال بعد طرحه عدَّة إشكالات : يقول القرآن الكريم : (وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرةٌ) ، ويقول في موضع آخر : (لَّاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) ، فقال له الإمام عليه‌السلام : «اللقاء هنا ليس بالرُّؤية ، بل اللِّقاءُ هنا بمعنى البعث فافهَمْ جميع ما في كتاب الله من لقائهِ فانَّهُ يَعني بذلك البعث» (٢).

وفي الحقيقة أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام يفسّر مسألة لقاء الله تعالى بشيء يكون الله تعالى من

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١٥ ، ص ٩٥ وج ١٠ ، ص ٦٩.

(٢) توحيد الصدوق ، ص ٢٦٧ (مع التلخيص).

٣١

لوازمه ، أجل ، فيوم القيامة يوم زوال الحجب وظهور آيات الحق جلّ وعلا ، وتجلّيه للقلوب ، ومن تعبير الإمام هذا ، يدرك كل شخص ما المقصود منه كلٌ حسب استعداده واختلاف مستواه ، وكما قلنا سابقاً إنّ الشهود الباطني لأولياء الله يوم القيامة يختلف كثيراً عن شهود الأفراد العاديين.

* * *

٨ ـ الرجوع إلى الله

وأخيراً ، ورد تعبيرٌ آخر بصورة واسعة (عشرات المرات) في الآيات القرآنية لوصف القيامة ، وهو عبارة «الرجوع إلى الله» أو عبارة «العود إلى الله» ومشتقاتها ومن ضمنها الآية الأخيرة من آيات بحثنا ، قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

التعبير بالرجوع والعود ـ كما قلنا ـ تكرر ذكره في الآيات فقد ورد أحياناً : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً). (المائدة / ٤٨)

وأحياناً خاطب به النفس المطمئنة والروح المتكاملة حيث قال تعالى : (ارْجِعى إِلَى رَبِّكِ). (الفجر / ٢٨)

وأحياناً لبيان قدرة الله يقول : (انَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ). (الطارق / ٨)

وأحياناً يقول نقلاً عن لسان المؤمنين : (إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُون). (البقرة / ١٥٦)

ويقول أحياناً : (إِنَّ الَى رَبِّكَ الرُّجْعَى). (العلق / ٨)

هذه التعبيرات التي لها نظائر كثيرة في القرآن المجيد تُشير إلى أنّ القيامة والحشر في نظر القرآن هي نوع من الرجوع ، ويتّضح من مفهوم تلك الكلمة أنّ الشيء الذي يأتي من نقطةٍ ما ، يعود إلى تلك النقطة.

وهناك سؤال يطرح نفسه وهو كيف ينطبق هذا المعنى على يوم القيامة؟ وبأيّ نحوٍ أتينا من عند الله وكيف نرجع إليه؟!

للجواب عن هذا السؤال قدّر بعض المفسرين كلمة في الآية وقالوا : إنّ التقدير هو «إلى

٣٢

حُكمه ترجعون» كما يقال أحياناً : «رَجَع امرُ القوم إلى الأمير».

ولكن هل من الصحيح أن نعتبر حذف مثل هذه الكلمة في جميع الآيات؟ وما هو الداعي أساساً للتقدير والقول بالحذف؟ ، بل إنّ هناك سبب خاص لهذا التعبير القرآني حتماً والذي يجب علينا البحث عنه من خلال سعينا المتواصل ، ومن أجل الحصول على جواب لهذا السؤال علينا أن نعود إلى بداية خلق الإنسان.

خاطب تعالى الملائكة في القرآن بقوله : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِديِنَ). (الحجر / ٢٩)

ممّا لا شك فيه أنّه لا يُقصَد من الروح في الآية الروح التي انفصلت عن ذاته تعالى ؛ وذلك لأنّه واجب الوجود وأنّه بسيط وفاقد للأجزاء التركيبية في جميع الأبعاد ، بل المقصود هو نفخ روحٍ منفصلة عن روح عظيمة ، والتي هي من أشرف مخلوقات الله ، (وباصطلاح الحكماء إنّ هذه الإضافة هي «إضافة تشريفية»).

وعلى هذا فإنّ روح الإنسان الرفيعة سيقت من العالم العِلوي إلى العالم الترابي واتحدت بهذا التراب المظلم ، كي ترقى إلى درجات الكمال ثم تنفصل عن التراب وتعود إلى العالم العِلوي ثانية.

ومن الصحيح أنّ الجسم والروح كلاهما يعادان في يوم القيامة طبقاً لمبنى المعاد الجسماني ، ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الروح هناك لا تعود إلى الجسم بل الجسم هو الذي يعود إليها فيرتقي ويتكامل! ولذلك فإنّ الجسم الاخروي يخلو من النواقص والعاهات الجسمية التي حلت به في الدنيا ، فتلف وفساد الأبدان والكهولة وقابلية الفناء والألم والمرض والتعب كلها تزول في ذلك اليوم (فتأمل).

ولتصوير مسألة حلول الروح في البدن ومن ثم العودة إلى العالم العِلوي فقد شبه بعض العلماء روح الإنسان بالغوّاص الذي يربط في رجله جسم ثقيل للغوص في أعماق البحر لاستخراج الجواهر الثمينة ، فإنّه عندما يصل إلى قعر البحر ويجمع الجواهر يُلقي بذلك الجسم الثقيل من أجل العود إلى سطح البحر ، وهذا هو معنى «الرجوع» (فتأمل).

٣٣

النتيجة :

وخلاصة البحث أنّ يوم الحساب له مراحل ومواقف عبّر القرآن المجيد عن كلٍ منها بتعبير خاص.

فأولاً : جرى البحث عن «قيام الساعة» وتحولات العالم.

ثم يصل البحث إلى مرحلة «احياء الموتى».

بعد ذلك يبعثهم الله وتبدأ مرحلة «البعث».

ثم يجمعهم ، وهذه هي مرحلة «الحشر» وبعد ذلك يفرّقهم وهذه هي مرحلة «النشر».

ثم يعيدهم إليه وهذه هي مرحلة «المعاد».

ثم يسوقهم إلى لقائه وهذه هي مرحلة «لقاء الله».

وأخيراً يتجهون نحو ذلك الوجود الّلامتناهي والكمال المطلق وهذه مرحلة «الرجوع» إلى الرّب.

* * *

٣٤

للقيامة

سبعون عنواناً في القرآن

٣٥
٣٦

للقيامة سبعون عنواناً في القرآن

تمهيد :

بعد أن تعرضنا للتعبيرات العامة التي أوردناها في البحث الماضي نلاحظ أنّ القرآن انتخب «للمعاد» اسماءً كثيرةً تشير جميعها إلى جزئيات أوصاف ذلك اليوم العظيم ، والمسألة الملفتة للنظر هي أنّ القرآن المجيد لا يعبّر عن القيامة بتعبير واحد وذلك بسبب ما يظهر في يوم القيامة من حوادث مختلفة ومتنوعة كثيرة ، وكل واحد من تلك الأحداث تمثّل وجهاً وبعداً من أبعاد ذلك اليوم.

إنّ القرآن ومن أجل توضيح هذه الخصائص والمميزات ، ذات الآثار التربوية العميقة استخدم أسماءً متنوعة ؛ وذلك لإعطاء صورة دقيقة من خلال الآيات لذلك اليوم العظيم والأحداث المهيبة جدّاً.

ولا شك أنّ المقصود من «الاسم» هنا ليس هو «الاسم العَلَم الشخصي» بل ما هو أوسع معنىً والذي يشمل «الأسماء الوصفية» أيضاً ، أي العناوين التي تعبّر عن صفات ذلك اليوم ومميزات تلك الحياة.

بعد هذه الإشارة نذهب لنتعرف على أسماء القيامة في القرآن ، ونودّ أن نذكّر القّراء الكرام ثانيةً بهذه المسألة وهي أنّ التعمّق في هذه الأسماء له آثار تربوية عميقة وله تأثير كبير في تهذيب النفوس وإصلاح القلوب والدعوة إلى التقوى والردع عن ارتكاب السيئات في الصحوة والغفلة.

قال المرحوم «الفيض الكاشاني» في «المحجّة البيضاء» : «... تحت كل اسم من أسماء القيامة سرّ ، وفي كلّ نعتٍ من نعوتها معنى ، فاحرص على معرفة معانيها ، ونحن الآن نجمع

٣٧

لك أساميها ...». ثم ذكر مائة اسم ليوم القيامة (١).

ولم يأت ذكر هذه الأسماء جميعها في القرآن المجيد ، بل استُخرجَ قسم منها من الأحاديث الشريفة ، لذلك فهي خارجة عن بحثنا التفسيري ، ونحن لا نتابع فعلاً إلّااسماء القيامةالواردة في القرآن. هذا من جانب ، ومن جانبٍ آخر فإنّ الأسماء التي ذكرها الفيض الكاشاني لم ترد لا في صريح القرآن ولا في صريح الأحاديث ، بل هي استنباطات إجمالية من الكتاب والسنّة ، لذا من الأفضل متابعة الأسماء التي صُرِّح بها في القرآن المجيد (وليس المهم أن تكون تلك الأسماء من الأسماء الخاصة التي لها عدد محدّد أو ممّا يقصد بها الوصف والبيان لخصوصيات ذلك اليوم).

ويمكن تقسيم تلك الأسماء إلى ثلاثة أقسام :

* * *

القسم الأول :

الأسماء المركبة من كلمة «يوم» باضافة كلمة اخرى ، وهذه الاسماء تبيّن أحد أبعاد أو خصوصيات ذلك اليوم ، وهي عبارة عن :

* * *

١ ـ يوم القيامة

هذا الاسم هو من أشهر أسماء ذلك اليوم ، وقد تكرر ذكره بالتحديد سبعين مرّة في القرآن المجيد ، فمنها قوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَومِ الْقِيَامَةِ). (الأنبياء / ٤٧)

وللجواب عن سبب تسميِتِه بيوم القيامة فالقرآن نفسه يميط اللثام عن هذا السر فيقول : لأنّ ذلك اليوم هو : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). (المطففين / ٦)

وهو يومٌ يقوم فيه أشرف ملائكة الله الذي يسمى «الروح» مع سائر الملائكة ، وفيه أيضاً

__________________

(١) المحجّة البيضاء ، ج ٨ ، ص ٣٣١.

٣٨

يقوم الشهود للشهادة على أعمال الناس : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشهَادُ). (غافر / ٥١)

وأخيراً في ذلك اليوم يقوم الحساب : (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ). (إبراهيم / ٤١)

إنّ هذا الأمر من الامور المتَّبعة في المحاكم ، فعند اعلان رأي المحكمة يقوم جميع الحاضرين من القضاة والمتهمين وغيرهم ثم يُعلَن الرأي النهائي ، فهذا القيام لأجل احترام رأي المحكمة والخضوع أمامه.

وفضلاً عن هذا الأمر فإنّ الإنسان إذا أراد أن ينجز عملاً جاداً فإنّه يقوم حتى يتهياً لإنجازه ، لذلك فإنّ مسألة «القيام» تدل على الإرادة الصلبة والتهيؤ والاحترام لانجاز مثل هذا العمل ، ومن المحتمل إن تكرار كلمة «القيامة في القرآن المجيد هو لهذه العلّة».

بالإضافة إلى ذلك فإنّ قيام الموتى وخروجهم من القبور من أحد أسباب تلك التسمية. جاء في حديث عن الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : «أشدُّ ساعات ابن آدم ثلاثُ ساعات : الساعة التي يُعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقومُ فيها من قبره ، والساعةُ التي يقفُ فيها بين يدي الله تبارك وتعالى» (١).

* * *

٢ ـ اليوم الآخر

اليوم الآخر هو الاسم الثاني ، وهو مشهور ومعروف وورد بشكل واسع في القرآن المجيد مثل : «الدار الآخرة» و «اليوم الآخر» وجاء باختصار مثل «الآخرة» وقد تكرر ذكر هذه الأسماء مائة وأربعين مرّة في القرآن المجيد وفي سورٍ مختلفة.

ورد في توضيح معنى البرّ ، قوله تعالى : (وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَومِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِييِنَ). (البقرة / ١٧٧)

وفي عبارة اخرى قال تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَايُرِيدُونَ عُلُوّاً فى الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً). (القصص / ٨٣)

__________________

(١) بحارالانوار ، ج ٧ ، ص ١٠٥ ، ح ١٩.

٣٩

وفي تعبير آخر أيضاً قال تعالى : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون). (البقرة / ٤)

أمّا التعبير بـ «اليوم الآخر» أو «الدارُ الآخرة» أو «الآخرة» فيقع مقابل التعبير عن دار الدنيا بـ (النشأة الاولى) كما جاء في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ). (الواقعة / ٦٢)

وفي آية أخرى أيضاً : (وَلَلْآخِرَةُ خَيرٌ لَّكَ مِنَ الْاولَى). (الضحى / ٤)

قال فقهاء اللغة : إنّ «الآخِر» هو ما يقابل الاوّل ، و «الآخَر» هو ما يقابل «الواحد».

قال المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : سمّيت الآخرة بذلك لكونها بعد الدنيا ، والدنيا من أجل دنوِّها من الناس سميت بالدنيا (من مادة دُنُو) وقال آخرون من أجل دنائتها وضعتها بالنسبة للآخرة (١).

وجاء في تفسير روح البيان وتفسير الفخر الرازي أيضاً ما يشابه ذلك (٢).

وهذا التعبير يبيّن هذه الحقيقة ، وهي أن مسير تكامل الإنسان يبدأ من هذا العالم ويستمر ، وأنّ العالم الآخر هو نهاية هذا المسير ، فالدنيا هي بمثابة منزل استراحة في وسط ذلك الطريق ، والآخرة هي المقرّ النهائي والأبدي.

وهذا هو تحذير لجميع البشر كي لا يعتبروا الدنيا منزلاً للخلود وكي لا تتعلق بها قلوبهم ولا يعتبرونها الهدف الرئيسي ولا يبذلوا قصارى جهدهم للحصول على نعيمها ، بل ليجعلوها ممرّاً للوصول إلى دار الآخرة.

* * *

٣ ـ يوم الحساب

«يوم الحساب» : أيضاً من الاسماء المشهورة للقيامة ، وقد ورد في خمس آيات من القرآن الكريم ، والسبب في هذه التسمية هو أنّ جميع أعمال الإنسان صغيرها أو كبيرها ،

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٤٠.

(٢) تفسير روح البيان ، ج ١ ، ص ٤١ ؛ وتفسير الكبير ، ج ٢ ، ص ٣٢.

٤٠