مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

واما وجدانا فلفرق أهل الأدب بين أكرم زيدا ان جاءك وأكرم زيدا الجائي الأول بنحو قيد الحكم والثاني بنحو قيد الموضوع هذا أولا.

وثانيا في خصوص المقام صيرورة العنب زبيبا لا يخرجه عن الموضوعية بل الموضوع منحفظ والزبيبية من حالاته فلو رجع القيد إلى الموضوع أيضا لا يكون الانطباق في المثال صحيحا فاستدلالهم لأن كل قيد في الحكم يرجع إلى الموضوع لا يصح.

الوجه الثاني هو ان ما توهم من ان الأحكام غير فعلية قبل وجود الموضوع في الخارج لا وجه له لأن الحق عندنا هو ان الأحكام هي الإرادات وهي فعلية في جميع أقسام الواجب المطلق والمشروط والمعلق (١) فان الحج إذا كان مشروطا بالاستطاعة والصلاة إذا كانت معلقة بالدلوك لا يكون في أصل الحكم قصور وحالة منتظرة بل الانتظار يكون في المتعلق كل على نحو من الدخل وكل واجب يكون له ثلاث شعب من الوجوب المطلق بالنسبة إلى بعض الشروط مثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة والمشروط بالنسبة إلى بعض كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج والمعلق بالنسبة إلى البعض الآخر كالدلوك بالنسبة إلى الصلاة ألا ترى ان القائل إذا قال ان رزقت ولدا فاختنه لا يكون إرادته على الفرض إلا فعلية والإبراز لا يكون له الا الكاشفية ولذا لو حصل العلم بمطلوب المولى ولو بالرمل والأسطرلاب يحكم العقل بوجوب الامتثال ولو كان الإبراز بدون الإرادة لا يحكم العقل بوجوبه كما في موارد التقية والوجوب والاستصحاب وساير العناوين يكون منتزعا عن لب الإرادة.

وح فكل حكم قبل حصول شرطه وموضوعه في الخارج يكون فعليا فعلى هذا يظهر الجواب عن قول المانع من جريان الاستصحاب التعليقي بأن الحكم قبل

__________________

(١) أقول تفصيل الكلام في أقسام الواجب قد مر في المجلد الأول في بحث أقسام الواجب فارجع إليه.

١٢١

حصول الموضوع في الخارج لا يكون فعليا ففي مثال الغليان نقول يكون الحكم قبل حصول الغليان فعليا ولا مانع من جريان الاستصحاب فيه.

فان قلت لا بعث ولا تحريك للحكم قبل حصول الشرط قلت البعث والتحريك متأخران عن الحكم برتبتين يعنى الحكم والعلم به موجبان للتحريك ولا يتصور تقديم ما هو المتأخر ذاتا ولذا نقول ان الأحكام مشترك بين العالم والجاهل فان الجاهل وان لم يعلم الحكم ولكن يكون عليه الحكم يعنى الإرادة وعدم تحريكه لعدم علمه به لا ربط له بكون الحكم حكما فتحصل ان الحكم الفعلي موجود ويستصحب ولا وجه لقول المانع من هذا الوجه.

ولو أغمض عن ذلك وقلنا بأن الأحكام مجعولة فما هو محل البحث عند الفقيه ليس الحكم الشخصي الّذي هو في العنب المغلي في الخارج فانه ليس فعليه طبخ العنب وعصيرة ليقال قبل الغليان لا يكون الحكم فعليا بل الفقيه لا زال يكون شأنه استصحاب الحكم الكلي على فرض وجود الموضوع ولا شبهة في ان استصحاب الحكم على الفرض لا يكون فيه إشكال عدم فعلية الحكم لعدم تمامية الموضوع غاية الأمر في فرض غليان العنب لا شك في انه لو طبق في الخارج وحصل الغليان في العنب يكون الحكم بالحرمة والنجاسة بدون الإشكال واما في صورة غليان الزبيب فيكون الشك في التطبيق فيجب (ح) التماس دليل لا ثبات حكم العنب على الزبيب أيضا.

فنقول وبالله الاستعانة لا شبهة ولا ريب في ان العرض يتحصص وينقسم بانقسام محله ولا شبهة في ان الحكم عرض للموضوع وعليه فلا شبهة في ان حكم الحرمة على العنب المغلي يكون منبسطا على الجزءين العنب والغليان فبعد صيرورة العنب زبيبا تكون الحصة التي من الحكم على الغليان لها حالة سابقة يقينية والحصة الأخرى على العنب تكون مشكوكة لصيرورته زبيبا فحينئذ نقول تستصحب الحصة من الحكم على الغليان ولازمه بقاء الحكم على العنب أيضا.

١٢٢

فان قلت هذا لازم عقلي وهو لا يترتب لمعروفية عدم جريان الأصل المثبت ولذا يقال استصحاب الصحة التأهلية في الاجزاء الصلاتية بعد بطلان بعض الاجزاء بفقد الطهارة مثلا لا يجري لأن صحة لحوق بقية الاجزاء أثر عقلي والمقام كذلك.

قلت : المقام يكون المستصحب نفسه الحكم والآثار العقلية والشرعية على الحكم المستصحب مترتب بلا إشكال وهذا غير الموضوع الّذي يلازم شيئا بالملازمة العقلية.

فتحصل ان الاستصحاب في الموضوع الشخصي جار واما الاستصحاب على الفرض والتقدير فهو في صورة عدم طرو حالة على الموضوع فلا إشكال فيه من باب ان الفرض يكون بحيث لو طبق على الخارج يكون له واقع مثلا إذا كان الحكم الكلي غلى العصير العنبي لو غلى يكون هذا الحكم منطبقا على ما غلى في الخارج من حيث تطبيق الكلي على المصداق واما في صورة طرو حالة جديدة للموضوع مثل صيرورة العنب زبيبا.

فنحتاج إلى الاستصحاب للحكم الكلي بما مر من الحصص أو ما هو التحقيق من فعلية الأحكام قبل حصول الشرط وما علق عليه ولا يخفى ان ما ذكرناه من تحصص الحكم على اجزاء الموضوع يأتي في كل جزء من اجزاء المركب إذا شك في حكمه فتحصل ان القضايا الحقيقة فرض موضوعها يوجب الفرض وواقعه يوجب الواقع فالنار الفرضية أثرها الحرارة الفرضية والنار الواقعية أثرها الحرارة الواقعية ولكن القضايا الطلبية فرضها أيضا يوجب الواقع فواقع الحكم يكون على العنب إذا غلى يعنى إذا فرضناه من الغليان.

واما جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الملازمة كما عن الشيخ الأعظم فائضا لا إشكال فيه وما ذكره المانع من أن الملازمة امر تكويني لا يمكن استصحابها ممنوع لأن هذا التكوين يكون منشؤه التشريع فمن جعل الشرع الحكم على

١٢٣

الموضوع يستفاد الملازمة فإذا شك في بقائها لبعض العوارض يستصحب ما وجد من الحكم وليست الملازمة أثر الملزوم وهو الحكم حتى يقال لا يكون لنا حكم فعلا لأنه مشكوك وما هو المعلوم من الملازمة هو ما بين الحكم وتمام الموضوع لا بعضه بل أثر المناسبة بين الحكم والموضوع وهي امرها بيد الشرع.

ثم ان المحقق الخراسانيّ قده قال بما حاصله ان الاستصحاب في كل شيء يكون دائرا مدار موضوعه (١) فعلى أي نحو كان يستصحب كذلك فإذا كان الحكم على

__________________

(١) أقول كلامه قده على حسب مبناه في الواجب المشروط من عدم فعلية الحكم قبل الشرط متين جدا والتحقيق هو مبناه في ذلك الباب وان الواجب اما مطلق أو مشروط وليس لنا المعلق ضرورة ان قضية لا تنقض اليقين بالشك هو جر الحالة السابقة فان كان الحكم في السابق فعليا فهو المستصحب وان كان إنشائيا فكذلك وهكذا يفهم من عبارة الشيخ في الرسائل أيضا.

ولا يرد عليه اشكاله مد ظله بان المراد بالحكم ان كان هو الإنشائي فلا شك فيه الا من جهة احتمال النسخ لأن الشك فيه يتصور من جهة تغير بعض حالات الموضوع فانا لا ندري ان الحكم المنشأ على العنب على فرض الغليان هل يكون منشأ على فرض الغليان إذا صار العنب زبيبا أم لا فيستصحب ويكون الأثر عند التطبيق كما في فرض عدم تغيير حال الموضوع.

ولا يكون هذا مثل احتمال النسخ لأنه يكون في صورة الشك في انتهاء أمد الحكم على الموضوع الّذي يكون بحاله من دون تغيير ومنشأ الشك فيه لا يكون إلّا احتمال انتهاء أمد المصلحة وأمثال ذلك بخلاف المقام مضافا بأنه لو قيل بجريان الاستصحاب في صورة احتمال النسخ فله (قده) ان يقول هذا مؤيد لأن الحكم الإنشائي قبل احتمال النسخ ما كان فيه الشك وبعد احتماله كيف يستصحب لو كان الاستصحاب في الحكم الفعلي فقط.

والحاصل لا يحتاج هو قده إلى فعلية الحكم ليقال انه لا يكون له حالة سابقة والحكم الإنشائي في هذا الآن على هذا الموضوع مشكوك فكيف يقال لا شك فيه وما لا شك فيه ـ

١٢٤

العنب على فرض الغليان فشك فيه يستصحب هذا النحو من الحكم ولا نكون بصدد إثبات الفعلية للحكم ليمكن استصحابه فان الدليل لو كان مطلقا لكان إطلاقه شاملا للمقام الّذي يكون الشك فيه ولو كان مهملا فيكون الاستصحاب موسع دائرة الدليل وشمول الحكم للمشكوك أيضا.

ويرد عليه ان إنشاء الحكم لا شك فيه الا من جهة احتمال النسخ وهو أيضا مندفع بجريان الاستصحاب على فرض الشك وما هو المشكوك وهو الحكم الفعلي لا حالة سابقة له ليمكن استصحابه فلا يتم ما ذكره قده من البيان في ذلك.

ثم بقي إشكال آخر في خصوص مثال العنب إذا صار زبيبا فشك في حكمه بعد الغليان في جريان الاستصحاب وهو ان الزبيب غير العنب عرفا ولا بد من اتحاد الموضوع في باب الاستصحاب والمناط في الموضوع هو لسان الدليل الّذي أخذ الشيء الفلاني موضوعا للحكم فيه وهذا الإشكال غير وارد لأن الموضوع في نظر العرف للنجاسة هو ذات الجسم والعنبية جهة تعليلية وهي باقية بعد صيرورته زبيبا وغلى.

وتقسيم الشيخ قده من ان الموضوع اما ان يكون المناط فيه العقل أو العرف أو لسان الدليل تسامحي بل الموضوع لا زال يؤخذ من لسان الدليل.

واما ما عن شيخنا النائيني قده (١) من ان المناط اتحاد القضية المشكوكة

__________________

ـ فهو قبل هذا وكل الاستصحابات يكون كذلك.

فتحصل ان جريان الاستصحاب على مسلك من قال بفعلية الحكم قبل الشرط كما هو مسلكه مد ظله لا إشكال فيه ببيانه وعلى مسلك غيره أيضا يكون جاريا ببيان المحقق الخراسانيّ مع تنقيح منا هذا كله لو لم نقل بتغيير الموضوع في خصوص مثال العنب والغليان إذا صار زبيبا ولكن مع القول به كما هو الموافق للنظر نظرا إلى العرف فلا يجري في خصوص المثال.

(١) أقول البحث في الفوائد ص ١٧٢ و ١٧٣ والظاهر من كلامه هو ما ذكره مد ظله ـ

١٢٥

والمتيقنة سواء كان العنوان مقوما أو لا ولا دخل لملاحظة لسان دليل الحكم يكون من اشتباه المقرر لأن البحث يكون في الموضوع وهو لا زال يكون مأخوذا من لسان الدليل.

تتمة في إشكال آخر على الاستصحاب التعليقي

وهو أن الاستصحاب التعليقي على فرض القول بجريانه في ذاته ودفع جميع الإشكالات الماضية يكون معارضا باستصحاب تنجيزي في المقام وهو حال المشكوك قبل حصول ما علق عليه مثل الغليان في المقام فان الزبيب قبل الغليان كان حلالا وطاهرا فإذا شك فيه تستصحب الطهارة والحلية والتنجيزي مقدم على التعليقي.

وقد أجاب الشيخ الأعظم عن هذه الشبهة بأن الشك في الحلية والطهارة مسبب عن الشك عن انتهاء أمد الحكم بواسطة الغليان فإذا استصحب حكم العنب بعد غليان الزبيب فهو حاكم على استصحاب الحلية والطهارة لأن كل شيء طاهر وحلال إلى

__________________

ـ ببيان مفصل وكلما نتفكر يكون كلامه كلاما متينا وهذا التفصيل أيضا مما يبعد ان ينسب إلى المقرر واشتباهه وحاصل بيانه قده هو انه من الممكن عدم صدق الموضوع للدليل عند العرف قطعا مع مجال البحث في الاستصحاب فان موضوع الدليل للطهارة مثلا إذا كان الحطب لا يكون الحكم هو الحطب قطعا عند العرف ولكن عند الشك وملاحظة القضية المتيقنة والمشكوكة يرى اتحاد الموضوع للاستصحاب وهذا بخلاف صورة صيرورة الحطب رمادا فان الموضوع قد انقلب قطعا فمرجعية العرف في موضوع الاستصحاب غير مرجعيته في لسان الدليل وان كان أصل الموضوع في لسان الدليل هو الملاك للبحث وهذا كلام مطابق للوجدان والله العالم.

ثم انه في خصوص مثال الزبيب والعتب اختار تغير الموضوع لأن المغلي في الزبيب هو الماء الّذي كسبه من الخارج وفي العنب هو ماء نفسه ولا شبهة في ان الغليان يلاحظ بالنسبة

١٢٦

غاية وهي العلم بعد مهما وهو هنا حاصل تعبدا وشأن الاستصحاب توسعة دليل الحكم فكما أنه لو كان للدليل الوارد في العنب إطلاق لكان شاملا للزبيب أيضا ولم يكن استصحاب الحلية والطهارة جاريا كذلك إذا كان التوسعة في الموضوع بالاستصحاب.

والإشكال عليه هو أن الأصل السببي مقدم على المسببي إذا كان الترتيب شرعيا في لسان الدليل لأن اللازم العقلي غير مترتب لأنه من الأصل المثبت فإذا أخذ في لسان الدليل أن طهارة الثوب مشروط بطهارة الماء فيكون استصحاب الطهارة موجبا لرفع الشك عن طهارة الثوب في المثال المعروف في الشك السببي والمسببي واما في المقام فلا يكون كذلك أي لا يكون الترتب بين حلية الزبيب وحرمته وبين حرمة العصير العنبي بالغليان من الترتب الشرعي ليكون الأصل جاريا.

ثم ان شيخنا الأستاذ النائيني (قده) يفهم من كلامه تسليم عدم كون الترتب شرعيا ولكن يقول بان الترتب الشرعي يكون لازما في الموضوعات لا في الأحكام اما أصل الترتب فهو مسلم عنده.

وبيانه هو ان الشك في ان العصير الزبيبي هل يحرم بالغليان أم لا يكون ناشئا عن الشك في لسان الدليل فان دليل حرمة العصير العنبي إذا غلى لو كان له إطلاق بحيث يشمل الزبيب أيضا لم يكن الشك فيه فالشك في ذلك مسبب عن الشك في الإطلاق ولا عكس أي لا يكون الشك في الإطلاق مسببا عن الشك في حلية الزبيب وحرمته بعد الغليان بل من باب إهمال الدليل في نفسه وان كان ملازما للشك في الإطلاق واما استصحاب حكم العصير العنبي لترتب حرمة العصير الزبيبي ونجاسته بعد الغليان فهو لا إشكال فيه لأن الآثار العقلية والشرعية إذا كان المستصحب نفسه الحكم مترتبة واما في الموضوعات فحيث ان استصحاب الموضوع يكون من جهة ترتب الحكم عليه وما هو من اللوازم العقلية لا يكون من الأحكام الشرعية فلا يترتب عليه فعدم جريان الأصل المثبت فيه على القاعدة.

١٢٧

أقول انا إذا لاحظنا حال الزبيب قبل الغليان فلا مزاحمة بين الحرمة التعليقية والحلية التنجيزية واما بعد الغليان فكما يكون احتمال الحرمة الفعلية التنجيزية كذلك يكون احتمال الحلية التنجيزية في رتبة واحدة (١) فكيف يقدم استصحاب الحرمة التعليقية على استصحاب الحلية ولا إناطة بين عدم أحدهما ووجود الآخر لأن عدم أحد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ووجود أحدهما لا يثبت عدم الآخر فلا طولية لا عقلية ولا شرعية فاستصحاب الحرمة لا يجري لمعارضته باستصحاب الحلية ولا يمكن إثبات الإطلاق الا بعد طرد الشك عن الطرف الآخر وهو لا يثبت لجريان استصحابه أيضا.

فكلام الأستاذ قده ان كان المراد منه هو جريان استصحاب الحرمة لأنه حكم ولذا يترتب عليه الأثر العقلي ففيه ان استصحابه الحلية أيضا من استصحاب الحكم فيجري ويتعارض وان كان المراد انه يلزم من عدم الجريان لغوية الاستصحاب التعليقي لأنه لا زال يكون مبتلى بالمعارض كما ان قاعدة التجاوز والفراغ حيث تكون معارضة باستصحاب عدم الإتيان لا يعتنى بالاستصحاب في موردها للزوم لغوية جعل القاعدة.

ففيه ان ساير الموارد للاستصحاب يكفى موردا لدليل لا تنقض ولم يكن لنا دليل لخصوص جريان الاستصحاب التعليقي ليلزم اللغوية وان كان المراد هو ان اللازم من جريان استصحاب الحكم هو ان يطرد ضده فيطرد استصحاب الحرمة

__________________

(١) أقول هذا لا يكون ردا للسببية ببيانه قده فان الشك في الزبيب يكون منشؤه الشك في الإطلاق ولا عكس وهذا بخلاف ما إذا ورد دليل خاص في الزبيب أيضا وكان مجملا فان الشك في الخاصّ يوجب الشك في العام والمقام ليس كذلك والاستصحاب يفيد فائدة الإطلاق فاستصحاب الحرمة جار ولا يجري استصحاب الحلية لعدم الأثر كما سيجيء منه مد ظله في مختاره.

١٢٨

استصحاب الحلية فنقول استصحاب الحلية أيضا كذلك فتحصل انه لا وجه لكلامه قده ولذا عدل عن الفرق بين استصحاب الحكم والموضوع في الدورة الأخيرة من بحثه في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الآثار العقلية في الأول دون الثاني.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) له بيان في الكفاية وفي حاشيتها على ان المعارضة بين الاستصحابين منتفية لأن الشك واحد ولا يكون متعددا حتى يجيء فيه البحث عن السبب والمسبب ويجيء الإشكال من ناحية عدم كون الترتب شرعيا ومعنى وحدة الشك هو ان دليل حلية العنب قد تغير بعض بصورة الغليان فانه إذا غلى يحرم وينجس ومن المفروض ان العنب قد تغير بعض حالاته وصار زبيبا فكما ان الحرمة والنجاسة مقيدة بالغليان كذلك لازم هذا القيد هو ان الحلية أيضا مغياة بعدم الغليان وكذلك الطهارة فإذا شك في بقاء الحكم الّذي كان على العنب واستصحب يكون غاية الحلية والطهارة حاصلة ولا يضر وجودهما قبل الغليان مع هذا الأصل بالقطع واليقين فضلا عن صورة استصحابهما فان الحلية والطهارة كانتا إلى ما قبل الغليان والنجاسة والحرمة تكونان بعد الغليان ولا منافاة بينهما أصلا هذا كلامه رفع مقامه.

ولكن يرد عليه هو ان التقييد في عكس القضية وهو القول بان الحلية والطهارة مقيدة بعدم الغليان إذا كان من انتزاع العقل لا يفيد بالنسبة إلى جريان الاستصحاب لأنه لا يكون الحلية اللوية يعنى المعلقة (ح) الا مخلوق العقل ولا يكون من الآثار الشرعية وليته قال ان القيد في العكس أيضا يكون من اللوازم الشرعية لحكومة دليل الحرمة والنجاسة بالغليان على دليل الحلية واستصحاب الحرمة والنجاسة على فرض الغليان إذا جرى حيث يكون من استصحاب الحكم الشرعي يثبت لازمه العقلي شرعا فلا إشكال من حيث كونه مثبتا وهذا يكون بتقريبين.

١٢٩

الأول ان يقال (١) ان الإناطة بين الغليان وحرمة العنب ونجاسته كان قبل تغيير حالته وصيرورته زبيبا فتستصحب الإناطة ولازمه حصول الحرمة والنجاسة بعد الغليان للزبيب.

والتقريب الثاني ان يقال العنب بعد الغليان كان حراما ونجسا فإذا شك في الحرمة والنجاسة يستصحب نفسها والحاصل اما ان يجري الأصل في منشئهما وهو الإناطة أو في نفسهما واما استصحاب الحلية قبل الغليان فلا أثر له بعد حصول غايته به وكلما دار الأمر بين التخصيص والتخصيص فالثاني أولى والحكومة تكون من التخصص.

__________________

(١) أقول انه مد ظله في استصحاب الإناطة أعني الملازمة يكون موافقا للشيخ (قده) مع إنكار السببية والمسببية وفي استصحاب الحكم يكون موافقا لشيخه النائيني قده لكن مع إنكار السببية والمسببية أيضا بخلاف قده واشكاله عليه بعد فرض كون الاستصحاب في الحكم بان الشك في الحلية والحرمة في رتبة واحدة وهذا الإشكال على الشيخ قده بان بان الأثر غير شرعي فجوابه ما التزام به هنا في جواب المحقق الخراسانيّ قده من انه لا أثر لاستصحاب المحكوم بعد تقديم الحاكم واما اشكاله على المحقق الخراسانيّ قده من ان الترتب يعنى إثبات كون الحلية مغياة بالغليان من انتزاع حكم العقل بعد عدم تصريحه بذلك يعنى قيد العقلية غير وارد سيما مع طرده الإشكال في حاشيته على الكفاية في ذيل قوله فلا تغفل حتى تقول ان الترتب ليس شرعيا وهو مد ظله يقول بترتيب أثر المثبت من باب ان الاستصحاب استصحاب الحكم وهذا هو مراده قده أيضا فلو لم يكن عليه إشكال من جهة كون دليل الغليان مبينا للغاية وكون الشك واحدا لا متعددا يكون كلامه مد ظله قريب معه.

فتحصل ان الاعلام الثلاثة والأستاذ مد ظله كلهم قريب الكلام والتفاوت يكون قليلا كما عبر بعد إلقاء ما ذكرنا عليه بان التفاوت بشهرة ونقول يكون التفاوت في البيان ثم تصوير السببية والمسببية بما مر منه مد ظله بيانه عن النائيني (قده) لا يرد عليه ما مر منه مد ظله عليه لما مر واما الشيخ قده فيكون تعبيره هو الحكومة.

١٣٠

فتحصل أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب التعليقي من حيث الكبرى واما في الصغريات فيمكن ان يشكل الفقيه مثل المثال فانه من الممكن ان يدعى الفقيه ان الموضوع قد تغير بواسطة تغيير حالته فان الزبيب لا يكون هو العنب بل مباين معه والحكم على العنب لا ينوط بالزبيب.

ثم ان التفصيل في المقام بين كون القيد قيد الحكم فيجري فيه الاستصحاب التعليقي وبين كونه قيد الموضوع فلا يجري كما عن السيد محمد كاظم اليزدي في حاشيته على المكاسب في منجزات المريض لا وجه له لأن حاصل ما مر هو أنه كلما كان امره بيد الشرع يمكن جريان الاستصحاب فيه فإذا قيل العنب إذا غلى حكمه كذا يكون مثل ان يقال العنب المغلي حكمه كذا فان قيد الموضوع أيضا يكون امر وضعه ورفعه بيد الشرع فيمكن التعبد فيه.

فالمختار من بين الأقوال الثلاثة هو الجريان مطلقا ولا وجه لعدم الجريان مطلقا ولا للتفصيل بين قيد الحكم وقيد الموضوع.

التنبيه السابع

في استصحاب الأحكام في الشرائع السابقة

والبحث في ذلك في ضمن أمور الأول ان النسخ اما ان يكون من احتمال انتهاء أمد المصلحة للحكم في هذه الشريعة كمن يزعم بخياله الفاسدان الذبح في عيد الأضحى بمكة وإفساد اللحوم في زماننا هذا لا يناسب جعل هذا الحكم مع احتياج الناس إليه ووجود الفقراء في البلاد النائية وهذا لا كلام فيه في المقام واما ان يكون احتمال النسخ من جهة تبديل شريعة بشريعة أخرى مثل تبديل شريعة عيسى وموسى على نبينا وآله وعليهما‌السلام بشريعة الإسلام من باب عدم العلم بأن المنسوخ هل هو بعض الأحكام أو كله غير ما ثبت عدم نسخه وهذا يكون البحث فيه هنا.

١٣١

الأمر الثاني ان النسخ على قسمين قسم نشأ من جهة ندامة الجاعل للحكم وبروز المفسدة من جعله من جهة جهل المقنن بعواقب الأمور كما في القوانين الموضوعة عند البشر وقسم يكون من جهة كون المصلحة في إبراز العموم ثم بعد مضي زمان تكون المصلحة في بيان انتهاء أمده وهذا القسم هو الّذي يتصور في الشرائع واما القسم الأول فهو محال لأنه يلزم منه جهل الباري تعالى بعاقبة الأمور تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

الأمر الثالث ان الدليل الدال علي الحكم اما ان يكون له عموم افرادي وأزماني واما ان يكون له العموم الأفرادي فقط واما ان يكون من حيث العموم في الافراد والأزمان مهملا.

الأمر الرابع في ان الأحكام اما ان يكون على نحو القضايا الحقيقية أو الخارجية والمراد بالقضية الحقيقية هو أن يكون الحكم على الافراد على تقدير الوجود وفرضه وبالخارجية هو ما يكون الحكم على الافراد الموجودة في الخارج مثل أكرم من في الصحن ولا يكون المائز ما ذكره شيخنا النائيني (قده) من ان المراد بالقضية الحقيقة هو ان يكون الحكم على الافراد الأعم من الموجود والمعدوم والمراد بالخارجية هو ان يكون على خصوص الموجود فان هذا خلاف الاصطلاح ويكون الحقيقية عنده خارجية في الواقع للحاظ الافراد موجودة أيضا على فرضه إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور فقد أشكل في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الحكم الثابت في الشرائع السابقة بإشكالين.

الأول ان الموضوع في الاستصحاب لا يكون واحدا هنا لأن المدرك لشريعة إذا كان مخاطبا بخطاب هذه الشريعة ثم صار مدر كالشريعة أخرى وصار تحت لوائها لا يكون واحدا في نظر العرف فان اليهودي غير المسلم وهكذا الموجود في زمن الخطاب لا يكون كالمعدوم فمن لم يدرك الشريعة السابقة لا يكون موضوعا لحكمها وقد أجيب عن هذا الإشكال بان الأحكام يكون على نحو القضايا الحقيقية

١٣٢

لا على نحو القضايا الخارجية فيكون المخاطب الإنسان بما هو إنسان من غير دخل خصوصية الافراد ومن غير قيد الوجود والعدم.

أقول ان كان لسان الدليل ظاهرا في العموم بحسب الافراد والزمان (١) لا وجه لاحتمال النسخ أصلا لأن لسان الدليل متكفل لبيان شمول الحكم لجميع الزمان ولجميع الافراد ولا نحتاج إلى الاستصحاب مثل ما إذا فرض ان الحج يكون واجبا على المستطيع في كل زمان فان أصالة الجهة في الصدور يحكم بالبقاء ومعناها هو انه إذا احتملنا أن تكون المصلحة في الإبراز فقط من دون دخل للواقع فاحتملنا النسخ لا يكون هذا الاحتمال موافقا لظاهر الدليل من ان الإرادة الاستعمالية موافقة للإرادة الجدية كما هو أب العرف في تلقى الخطاب واما ان كان الدليل مهملا من حيث الافراد والأزمان فلا مجال لجريان الاستصحاب أيضا لعدم ثبوت الحكم من الأول على آحاد المكلفين واما ان كان الدليل مهملا من جهة الأزمان فالاستصحاب يكون من الاستصحاب التعليقي وبيانه انى لو كنت في الشريعة السابقة لكنت محكوما بحكمها والآن يكون الشك في ثبوت هذا الحكم التقديري فان الشخص الواحد يلاحظ بالنسبة إلى الوجودين الوجود السابق والوجود اللاحق كما ان العنب كان له حالة بالنسبة إلى نفسه وحالة بالنسبة إلى صيرورته زبيبا فمن قال بجريانه

__________________

(١) أقول ان الّذي يسهل الخطب عدم وجود كتاب صحيح من الشرائع السابقة بأيدينا لنلاحظ الإطلاق والعموم والإهمال ولو فرض وجود حكم بنحو الإطلاق لتابعي تلك الشريعة يشكل استفادة الإطلاق حتى بالنسبة إلى من هو خارج فان الإطلاق والعموم ظهورات عرفية من اللفظ ويتوقف العقلاء فيه بعد تحول شريعة إلى شريعة وصيرورة النصراني مسلما.

ثم ما وجدنا موردا نحتاج إلى إثبات حكم في هذه الشريعة من شريعة عيسى أو موسى عليه‌السلام بل لنا أحكام أولية وثانوية بحيث كان لنا غنى عن غيرنا بعد كون الدين عند الله الإسلام وقد شرفنا به.

١٣٣

مطلقا فيقول في المقام ومن منعه كشيخنا النائيني (قده) يمنع هنا أيضا فالكلام الكلام ومن قال بتغيير الموضوع في الصغرى يمكن ان يقول هنا أيضا لأن مدرك هذه الشريعة غير مدرك تلك الشريعة وعلى هذا لا فرق بين كون الأحكام على نحو القضايا الخارجية أو الحقيقية لأنه على فرض كونها على نحو الحقيقية أيضا يكون الموضوع غير منحفظ وفرض وجود موضوع في الخارج مغاير لهذا الموضوع في الشريعة التي هي بعد تلك الشريعة لا يوجب إسراء الحكم إليه من باب فرض الحقيقة فان الحكم لا زال يكون على موضوع منحفظ.

فتحصل انه لا وجه لاحتمال النسخ على فرض إطلاق دليل الحكم من حيث الافراد والأزمان حتى نحتاج إلى الاستصحاب وعلى فرض الإهمال من جهة الافراد والأزمان لا مجرى له من باب إهمال الدليل في نفسه وعلى فرض الإهمال من جهة الزمان يكون الاستصحاب تعليقيا.

الإشكال الثاني في استصحاب الشريعة السابقة هو وجود العلم الإجمالي بارتفاع بعض الأحكام قطعا فلا يمكن الاستصحاب بالنسبة إلى ما شك فيه العلم بانتقاض الحالة السابقة إجمالا وهذا الإشكال على مسلكنا من عدم الوجه لاحتمال النسخ الا في بعض الموارد قليل الفائدة (١).

وجوابه ان العلم الإجمالي قد انحل بواسطة وجدان كثير مما علم ارتفاعه

__________________

(١) أقول هذا التقريب لا يفيد للإشكال على الاستصحاب لأن المراد من قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر وان كان اليقين فيه مطلقا شاملا لليقين الإجمالي أيضا ولكن لا أثر له عملا فانا إذا علمنا بنجاسة الكأسين ثم علمنا بطهارة أحدهما إجمالا يكون الاجتناب عن كليهما لازما كما كان قبل والمقام أيضا كذلك فانا بعد فرض ثبوت أحكام ونسخ بعضها غير المعين لا إشكال في ان الواجب متابعة الجميع نعم على فرض احتمال تبديل الواجب بالحرام أو بالعكس يصير هذا إشكالا آخر في خصوص الأحكام ولا ربط له بحصول الغاية لليقين.

١٣٤

بحيث ينحل العلم الإجمالي بعلم تفصيلي بارتفاع جملة والشك البدوي في ارتفاع جملة أخرى فهذا الإشكال غير وارد على القائل بالاستصحاب لو لم يكن الإشكال الأول واردا.

التنبيه الثامن

في عدم حجية الاستصحاب بالنسبة إلى الأثر العقلي والعادي وبيان الأصل المثبت المعروف بين المتأخرين.

فانه لا شبهة عندهم في حجية مثبت الأمارات يعنى ترتيب الآثار العقلية والعادية على الواقع التعبدي الّذي يكون مؤدى الأمارة دون الأصول فمثل استصحاب الحياة لزيد لا يثبت طول لحيته ولذلك طرق من البيان.

الأول ما عن شيخنا النائيني قده في تقريرات بحثه ببيان مفصل ونحن نبين حاصلة وهو أن الأمارات تكون حجة من باب تتميم الكشف يعنى قول العادل يكون موجبا للظن الّذي هو نصف العلم بالواقع فإذا أمضى الشارع يكون معناه إلقاء احتمال الخلاف وجعل الظن كالعلم فيكون المظنون كالمعلوم ومن الواضح أن ما وجد واقعا يكون له تمام الآثار من العقلية والشرعية مثل من وجد زيدا في حال الحياة واقعا فانه يجد طول لحيته ويعلم وجوب نفقة زوجته فكذلك ما هو مثله فيكون حجية مثبت الأمارة مقتضى طبعها بخلاف الأصل فانه وظيفة قررت للشاك.

وبعبارة أخرى العلم الوجداني يكون له ثلاث آثار الأول كونه نورا في نفسه ومن الأمور التكوينية ومن الصفات الحاصلة للنفس. الثاني كونه مما يمكن الاحتجاج به بملاحظة إراءة الواقع ووسطيته في الإثبات والثالث الجري العملي على طبقه ومن المعلوم أن الأول تكوين ولا تناله يد الجعل وما تناله يد الجعل هو الوسطية في الإثبات والمجعول هو ذلك في الأمارات لأنها محرزة للواقع ويكون

١٣٥

إمضاء الشرع لها بهذا اللحاظ واما المجعول في الأصول فهو الثالث فقط يعنى جعل الجري العملي على طبقه ولو لم يكن له إحراز أو كان له إحراز ولم يكن مورد إمضاء الشارع كالاستصحاب وعلى هذا فيكون اللازم العقلي ولازم اللازم وهكذا مترتبا عليها بخلاف الأصول فلا تحتاج إلى دليل آخر لإثبات الآثار بخلاف الأصل فانه يثبت نفس المؤدى لا غير هذا كلامه رفع مقامه.

والجواب عنه ان الحق في باب حجية الأمارات وان كان تتميم الكشف ولكن لا يكون معنى جعل الوسطية في الإثبات هو الوسطية تكوينا بحيث يكون المؤدى هو المعلوم واقعا بل يكون تنزيلا من الشرع فلا بد من ترتب الآثار المتمشية من الشرع لا كل الآثار ففي المثل إذا قلنا زيد أسد يكون التشبيه في الشجاعة ولا يكون معناه وجود الذنب لزيد كما كان للأسد وما له واقع تكويني لا يمكن ان يكون الاعتبار مقام الواقع لوازمه فان العلم له واقعية ولغيره المنزل منزلته أثر الواقع بمقدار التنزيل واما الملكية فحيث لا يكون واقعها الا الاعتبار فاعتبارها يكون له تمام آثار الواقع ومن المعلوم ان العلم لا يكون مثل الملكية والحاصل حد آثار الاستصحاب أو المستصحب يكون بيد الشرع وحد أثر الأمارة أيضا يكون بيده فان قلنا بالتنزيل في جميعها ففيها نقول وان لم نقل فكذلك لو كان الفارق ما ذكره (قده).

وثانيا ان معني قول الإمام عليه‌السلام العمري ثقة خذ معالم دينك منه ان كان هو استعداد العادل لتصديق قوله لأنه عادل فكذلك يكون معنى لا تنقض اليقين بالشك هو أن اليقين حيث يكون له دوام يكون له استعداد عدم النقض بل الظهور في ذلك أقوى من ظهور ما دل على تصديق العادل فلا فرق بينهما من هذه الجهة.

١٣٦

وثالثا ان دليل الأمارة من أين يستفاد منه التنزيل منزلة العلم ولا يكون المستفاد منه أيضا هو الجري العملي فما ذكره قده لا يتم بوجه.

الطريق الثاني هو ما عن المحقق الخراسانيّ (قده) وحاصله هو أن اللفظ له دلالة بالمطابقة ودلالة بالالتزام فكما ان الدلالة المطابقية حجة كذلك الدلالة الالتزامية وحجية كل واحد منهما في عرض الآخر فعلى هذا إذا قامت أمارة على موضوع من الموضوعات يكون المدلول الالتزامي المستفاد من حكم العقل أيضا حجة بخلاف الأصول.

وقد أشكل عليه بان دلالة اللفظ على المعنى يكون من باب كاشفيته عن الإرادة الجدية للمتكلم فان كان المتكلم ملتفتا إلى لوازم كلامه نأخذ به وإلّا فلا وهذا حال الدلالة الفعلية واما الشأنية بمعنى انه لو التفت لأراد فلا يكون اللفظ بالنسبة إليها حجة فلا يؤخذ بالالتزام مطلقا بل يؤخذ بمقدار كان المتكلم في مقام بيانه.

وقد أجيب عنه بأن اللفظ إذا كان له الشمول في ذاته وقد صدر الخطاب يكون حجة ولو لم يكن المتكلم ملتفتا ولكن عدم حجية اللفظ بالنسبة إلى جميع المداليل يكون من باب قصور دليل اعتبار حجية الأمارة كما ان قاعدة الفراغ على القول بأماريتها تكون كذلك يعنى لا يكون جميع المداليل الالتزامية حجة في مورد جريانها فان جريانها بالنسبة إلى الصلاة مع الشك في الطهارة لا يثبت الطهارة بحيث لا يحتاج المصلى في صلاة أخرى إلى تحصيل الطهارة والحاصل ظاهر اللفظ الشمول والقصور من جهة قصور دليل اعتبار الأمارة.

وفيه ان كان المراد بالدلالة الدلالة التصورية فهو وان كانت موجودة وان صدر اللفظ عن النائم والساهي ولكن ليس الكلام فيه وان كان المراد الدلالة التصديقية فهي محتاجة إلى الالتفات الفعلي.

واما ذكره من قصور الدليل مثل قاعدة الفراغ فهو خارج عن محل الكلام

١٣٧

بل الكلام فيما لا يكون القصور محرزا ونريد ان نثبت اللازم بظاهر الخطاب.

فالتحقيق في المقام ان يقال بان الأحكام التي وصلت إلينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأئمة عليهم‌السلام حيث نعلم إحاطة المخبر فعلا بجميع شئون كلامه وليس مثل بقية البشر غير ملتفت إلى لازم كلامه تكون حجة في جميع المداليل لإحراز الالتفات واما الموضوعات فعدم التفات الشاهد بالنسبة إلى لوازم كلامه يوجب عدم حجية اللفظ بالنسبة إليه الا في صورة الإقرار على النّفس فان لوازمه حجة عند العقلاء ولو لم يلتفت المقر.

ومن هنا ظهر ما في كلام شيخنا العراقي (قده) من عدم الاحتياج إلى الالتفات في المداليل الالتزامية وكنا نورد عليه بان هذا يكون في الدلالات التصورية لا التصديقية فكان يجيب بأن الالتفات الإجمالي حاصل والوجدان حاكم بعدم حصوله كذلك أيضا فان جميع المداليل لا يكون الالتفات إليه.

والطريق الثالث عن بعض الاعلام وهو ان الفرق بين الأصل والأمارة بان الثانية حجة من باب الظن وحجية الظن بالشيء يوجب حجية الظن بلوازمه ولو لم يكن الالتفات إليه بخلاف الأول فان حجيته ليست من باب الظن بل هو وظيفة قررت للشاك.

والجواب عنه هو ان اللفظ هو الكاشف والحاكي عن المدلول فإذا كان قاصرا عن إثبات اللوازم مع عدم إحراز الالتفات فكيف يمكن الالتزام بذلك بصرف كون الحجية من باب الظن فالحق هو طريق المحقق الخراسانيّ (قده) في وجه الفرق مع التفصيل منا بأن ما صدر عن المعصوم عليه‌السلام يكون الالتفات إلى جميع مداليله حاصلا وفي الموضوعات يؤخذ بما التفت إليه البينة من اللوازم هذا كله وجه حجية مثبتات الأمارات.

واما وجه عدم حجية مثبتات الأصول فعلى مبنى شيخنا النائيني قده من تتميم الكشف في باب الأمارات فيكون من جهة ان دليل الأصل لا يفيد إلّا حجية

١٣٨

مؤداه ولا يكون له جهة كشف ولا دليل على حجية الزائد من المؤدى من اللوازم العقلية والعادية.

والجواب عنه كما مر هو ان الأصول الغير المحرزة وان كان كما ذكره قده ولكن المحرزة مثل الاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة فتكون مثل الأمارة فان حجيتها من باب الظن ولا قصور في قوله عليه‌السلام فلا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر لا ثبات حجية الظن كما في الأمارات.

واما طريق القائل بأن حجية الأمارات تكون من باب الظن ولازمه حجة دون الأصول ففيه ما مر آنفا في رد مائز شيخنا النائيني قده من حجية الأصول المثبتة أيضا من باب الظن مع عدم تماميته في نفسه كما مر.

واما طريق المحقق الخراسانيّ قده من التمسك بالدلالة الالتزامية كالمطابقية ففيه ان الأصول المحرزة تكون مثل الأمارات في ذلك فان المدلول الالتزامي في دليل الاستصحاب أيضا حجة لأنه أيضا حجة من باب الظن الكاشف عن الواقع فلا محيص للقول بعدم جريان مثبتات الأصول المحرزة الا التمسك بانصراف الدليل عن اللوازم لو ثبت ذلك فان القدماء كانوا قائلين بحجية الأصول المثبتة أيضا وما اشتره من عدم الحجية يكون من المتأخرين.

والحاصل ان الدليل الدال على حجية الأصول اما ان يكون التنزيل فيه بيد الشرع كما يقال الطواف في البيت كالصلاة واما ان يكون التنزيل فيه بيد المكلف فان كان التنزيل فيه بيد الشرع فربما يقال بأن التنزيل لا بد ان يكون بالنسبة إلى الآثار المتمشية من قبله مثل ما يقال بأن شرط الطواف الطهارة كما ان شرط الصلاة الطهارة وهذا هو الأثر الشرعي المتمشى من الشرع في هذا التنزيل وفيه ان الشارع لا يكون عاجزا عن ترتيب جميع الآثار فيؤخذ بعموم التنزيل والشاهد على ما ذكر هو قولهم بان الآثار الشرعية المترتبة على الآثار الشرعية بلا واسطة مترتبة فلو كان التنزيل في أثر واحد كيف يمكن ان يقال بترتيب جميع الآثار

١٣٩

فلا يتم هذا الوجه.

وقد استدل لعدم حجية المثبت بأن روح دليل الحجية هو جعل الحكم والأثر العقلي لا يكون من الحكم ليمكن ادعاء الجعل فيه فإذا نهى الشارع عن نقض اليقين بالشك يكون معناه وجوب النفقة على زيد باستصحاب حياته ، والجواب عنه هو أن الحكم المجعول لا يختص بموضوع واحد فقط بل يشمل كل حكم على كل موضوع في طول هذا الموضوع كشمول وجوب تصديق العادل في الاخبار مع الواسطة للموضوع الّذي حصل من تطبيق أحد افراد وجوب التصديق وفي المقام يكون وجوب البقاء على اليقين موجبا لموضوع آخر ذي أثر.

وقد أجاب المحقق الهمدانيّ قده بان تخيل جعل الحكم مما لا وجه له لأنه ربما يكون الاستصحاب ولا يكون الجعل ممكن لخروج الموضوع عن الابتلاء مثل ما إذا كان استصحاب الحياة للولد في صورة نذر الصوم على فرض بقائها موجبا لوجوب صوم يوم الخميس في يوم الجمعة لترتيب اثره في يوم الجمعة مثل وجوب الصدقة على من نذر أن يتصدق لو كان عليه وجوب الصوم في يوم الخميس فزمان الاستصحاب وهو يوم الجمعة حيث خرج الخميس عن الابتلاء وغفل من صومه لا يكون الحكم المجعول بالنسبة إليه مع جريانه لترتيب الأثر الّذي هو وجوب التصدق فلا يكون الحكم المجعول هو مفاد الاستصحاب.

وفيه ان زمان ترتيب الأثر هو يوم الجمعة ويكون هذا بحكم الاستصحاب بقاء فالاستصحاب الحياة في يوم الجمعة يكون له الأثر وهو وجوب الصوم في الخميس بلحاظ الأثر الشرعي وهو وجوب الصدقة فيكون الاستصحاب موجبا للحكم في جميع الموارد.

واما إذا كان التنزيل في دليل الاستصحاب بيد العرف كما هو رأى شيخنا العراقي قده فحيث لا يكون معنى تنزيل العرف الا الجري العملي فلا بد أن يقال بأن تنزيل المشكوك منزلة المتيقن معناه ترتيب كل أثر يكون على الواقع من الآثار

١٤٠