مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

لا من باب الأمارية واما في الحكم بالتذكية لا سبيل الا إلى اليد مندفع لأنه خلاف ظاهر كون الكفر علة منحصرة في مقابل الإسلام.

والثاني بتنقيح المناط وهو ان الحكم بالتذكية في صورة كون الغالب المسلمين ليس إلّا من باب الغلبة فغلبة الكفر أيضا أمارة لعدم التذكية ولا خصوصية للغلبة بالنسبة إلى الإسلام فقط والشاهد على ذلك هو ان الإمام عليه‌السلام يكون في صدد بيان تمام الجهات في هذه الرواية فلو كان الغلبة في المسلمين موجبة للحكم بالتذكية ولم يكن الغلبة في الكفار موجبة للحكم بعدمها يجب ان يبين فمن ذلك نفهم عدم الفرق وإلّا يلزم الإهمال بالنسبة إلى هذه الجهة وهو خلاف دأبه عليه‌السلام هذا.

والجواب عن التقريب الأول هو ان المشهور بين الأصوليين عدم الاعتبار لمفهوم الوصف إلّا ان تكون قرينة على الاعتبار من جهة إحراز علية العنوان للحكم ولكن في المقام تكون القرينة على خلاف ذلك وهو مفهوم الشرط وهو قوله عليه‌السلام إذا كان الغالب فيها المسلمين فلا بأس (١) فان مقتضى مفهوم الشرط هو ان المسلمين إذا لم يكونوا غالبين ففيه بأس لكن لا من باب أمارية يد الكافر على عدم التذكية بل لوجود المندوحة وهي أصالة عدم التذكية فإذا أمكن حمل الحكم على هذا الأصل لا يبقى للوصف مفهوم فمعنى العبارة عدم أمارية يد المسلم إذا لم تكن غالبة واما أمارية يد الكفر فمحتاجة إلى دليل آخر.

واما الجواب عن التقريب الثاني أولا فهو ان الغلبة في نفسها لا حجية لها بدون ضميمة التصرف الّذي هو كاشف عن التذكية والتصرف الّذي هو كاشف عن التذكية هو تصرف المسلم لجريان أصالة الصحة في عمله واما الكافر فلا وقع لتصرفه وان كان التصرف تصرفا يكون لازمه التذكية لعدم جريان أصالة الصحة في عمله

__________________

(١) أقول مع وجود مفهوم الشرط في المقام لا يبقى مجال لمفهوم الوصف أصلا وما مر من تقريب مفهوم الوصف منه مد ظله أيضا يكون روحه الاستفادة من مفهوم شرط.

٢٤١

مضافا بأنه قياس محض ولا علم لنا بالملاك لنقول غلبة الكفار مثل غلبة المسلمين في الدلالة على عدم التذكية.

واما الشاهد لذلك فائضا ممنوع لأن ارتكاز المسلمين يكون على الاجتناب عما في يد الكافر ولذا ترى ان السائل يسأل في الرواية بقوله فان كان فيها غير أهل الإسلام فان السؤال يكون من جهة هذا الارتكاز فلو لم يبين عليه‌السلام مع وجود أصالة عدم التذكية بالنسبة إلى الكافر لا يلزم الإهمال.

واما رواية ابن عيسى فهي بخلاف مقصود من قال بأمارية يد الكافر أدل لأن قوله عليه‌السلام عليكم ان تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك يكون معناه وجوب الفحص ليظهر الحال لا الاعتماد على أمارية يد المشرك على عدم التذكية.

إلّا ان يقال ان الفحص في المقام يكون مقدمة للعلم بحال اليد وشاهده هو عدم وجوب الفحص في الموضوعات في غير المقام فلا يكون الفحص واجبا لنفسه.

ولكنا نقول عدم وجود الفحص مسلم وهو غير واجب بالنسبة إلى يد الكافر والمسلم ولكن هذا لا يكشف عن أمارية يد الكافر كما ان عدم وجوبه لا يكشف عن أمارية يد المسلم أيضا ولكن القول بالأمارية في يد المسلم يكون من جهة عدم سبيل لحجية يده الا ذلك واما في يد الكافر فأصالة عدم التذكية موجودة فيكون المعتمد الأصل بخلاف يد المسلم فانه لا يكون أصالة التذكية بالنسبة إليه.

فتحصل انه لا سبيل لنا إلى إثبات أمارية يد الكافر على عدم التذكية.

ثم انه قد يدعى الأمارية ليد الكافر على عدم التذكية بلازم بعض الفروع الفقهية من باب الإجماع على الحكم بعدم التذكية لما في يد الكافر من اللحم والجلد في سوق المسلمين أو سوق الكفار فلا بد من أمارية يده على عدم التذكية :

ولكن لا يتم لأن القول بأمارية يد المسلم يكون من جهة الغلبة مع الشك في التذكية واما في صورة القطع بكون اليد يد الكافر فلا غلبة في عدم التذكية إذا كان في

٢٤٢

سوق المسلمين لعدم كون الغالب كذلك فلا أمارية ليده على العدم فلا اعتناء بيده لرفع الشك بل في مورد الشك يكون الأصل هو عدم التذكية.

ثم لا يخفى ان المحقق الهمدانيّ جعل (١) أرض المسلمين وسوقهم أمارة على الأمارة وهي اليد فإذا كان شيء في يد المسلم وعليه آثار يده يحكم بتذكيته واما يد الكافر فليست أمارة على عدم التذكية وان كان الشيء في سوقهم لعدم تحفظ الكافر على كون الحيوان غير المذكى نعم لا يعتنى بالتذكية وعدمها ولكنا نقول ان الروايات تكون في خصوص السوق والأرض ولا اشعار فيها لليد الا في رواية ابن عيسى (٢) ونحن بتناسب الحكم والموضوع قلنا بان اليد أيضا. لازمة في حجية السوق من جهة تعرض الإمام عليه‌السلام لما يكون لازمه اليد كالبيع وكونه مصنوعا للمسلم فالحصة التوأمة من السوق والأرض حجة لا اليد فقط عليه فحيث لا يكون في عمل الكافر شهادة على التذكية لعدم أصالة الصحة في عمله وان رتب آثار التذكية لا يكون يده أمارة التذكية وحيث لا يكون في قيد عدم التذكية أيضا لا يكون يده أمارة على العدم وعليه فلا بد في مقام الشك من جريان أصالة عدم التذكية.

__________________

(١) في كتاب طهارته في أواخره في ص ٦٥٥ عند بيان أحكام الأواني.

(٢) أقول الإشعار فيها ليس إلّا كالإشعار في ساير الروايات لأن قوله عليه‌السلام إذا كان البائع مسلما وقوله عليه‌السلام إذا

رأيتم يصلون فيه يكون مثل قوله عليه‌السلام في صحيح الحلبي تباع في السوق ومثل قوله عليه‌السلام في صحيح البزنطي فيشتري جبة فراء فان اليد تكون من لوازم البيع والشراء وكذلك الصلاة في الثوب تكون اليد من لوازمها.

٢٤٣

في ثمرة أمارية يد الكافر على عدم التذكية

ثم ثمرات أمارية يد الكافر على عدم التذكية في مقابل كون السند لعدمها الأصل كثيرة ذكرها في جواهر الكلام في الفقه.

منها ما إذا كان في سوق الكفار مسلم وفي يده شيء من اللحم أو الجلد فان قلنا بأمارية سوق الكفار لعدم التذكية فيد المسلم أمارة التذكية وسوق الكافر أمارة عدمها فتتعارضان وتتساقطان واما على فرض عدم أمارية يد الكافر فيد المسلم أمارة مقدمة على أصالة عدم التذكية ضرورة تقدم الأمارة على الأصل.

ولكن لا يتم هذه الثمرة عندنا لأن المورد ليس مورد أمارية يد المسلم ولا سوق الكافر لأن السند للأمارية هو الغلبة ولا غلبة للتذكية في يد لا تكون في سوق المسلمين ولا في سوق الكفار إذا كان الشيء في يد المسلم على فرض تسليم أمارية سوق الكفار فالأصل هنا حاكم بعدم التذكية.

هذا إذا كان المسلم عارفا واما إذا كان المسلم غير عارف فلا بد من الفحص كما في رواية ابن عيسى وبإطلاقها تشمل حتى صورة كون المسلم في سوق الكفار.

ومن الثمرات صورة كون اليد مشتركة بين المسلم والكافر كالشركة بين المسلم والكافر في بيع الجلود واللحوم كما هو الدارج اليوم وان كان لكل واحد منهما ميزان مستقل فيشتري المسلمون من المسلم والكفار من الكافر فقيل هنا أيضا على ان أمارية يد الكافر تتعارض مع يد المسلم وعلى فرض عدم أمارية يد الكافر فالأمارية ليد المسلم وأصالة عدم التذكية محكومة للأمارة فيصح البيع والشراء وترتيب آثار التذكية.

وقال صاحب الجواهر قده ان يد المسلم مقدمة على يد الكافر ولو على الأمارية لأن كثرة أدلة يد المسلم توجب ترجيحها على يد الكافر لقلة أدلتها.

٢٤٤

وقد أشكل عليه بعض الأعيان بان التعارض هنا يكون في هذا المورد من اليد لا في دليل اليدين لنلاحظ الترجيح هذا أولا وثانيا لا سند لأمارية يد الكافر الا رواية ابن عيسى وهي مشتركة بين دليليتها ليد المسلم ويد الكافر والدليل الواحد لا معنى للتعارض فيه وساير الروايات يكون في سوق المسلمين وأرضهم لا في اليد لنحاسب الترجيح.

والجواب عنه ان التعارض في المورد يسرى إلى التعارض في الأدلة فكيف (١) يقول هذا العين بان التعارض في المورد لا في الدليل واما بقية الروايات غير رواية ابن عيسى فهي حجة على اليد لما مر من التقريب بان سوق المسلمين وأرضهم لا يخلو من اليد في الأغلب وقلما مورد يكون السوق بدون اليد مثل أخذ المتاع من دكة في السوق ووضع الثمن في ذاك المكان بدون حضور البائع فالقول بان دليل اليد هو رواية ابن عيسى فقط غير تام.

والحاصل ان السوق جدار والأرض صحراء لا أمارية لهما بل ما له الأمارية هو اليد اما من جهة كون الأرض والسوق أمارة على الأمارة وهي اليد أو من جهة ان الحصة من اليد التي تكون في سوق المسلمين أو أرضهم هي الحجة لا غيرها كما هو المختار في فهم الروايات فأصل دلالة الروايات على أمارية يد المسلم لا إشكال فيه واما أمارية يد الكافر فلا تفهم منها.

فتحصل انه لا أمارية ليد الكافر مطلقا وفي المقام بالخصوص لأن السر في الأمارية هو الغلبة وهي مفقودة في اليد المشتركة مع المسلم واما أمارية يد المسلم هنا على التذكية أيضا غير ثابتة لعدم إطلاق للدليل الدال عليها لهذه الصورة في مقام الإثبات لو سلمنا

__________________

(١) أقول النسبة بين الدليلين هي العموم من وجه ويشكل شمول أدلة الترجيح له حتى نقول بتقدم ما هو المشهور رواية على غيره لأن لازمه التبعيض في السند في غير مورد المعارضة ولعل هذا هو مراد القائل في المقام.

٢٤٥

الثبوت يعنى غلبة التذكية هنا أيضا ولكن قد عرفت عدم الثبوت أيضا فالمرجع أصالة عدم التذكية في صورة اشتراك يد الكافر والمسلم في صورة الشك.

ومن الثمرات لأمارية يد الكافر على عدم التذكية هو صورة كون الشيء في يد المسلم أو سوقه مع العلم بسبق يد الكافر كالأمتعة التي نعلم بأنها تجلب من بلاد الكفار إلى سوق المسلمين أو بالعكس كأن يكون الشيء مسبوقا بيد المسلم في سوق الكفار مثل الجلود التي تكون في الممالك الوسيعة ونعلم أنهم يجلبونها من بلاد المسلمين فعلى أمارية يد الكافر تتعارض مع يد المسلم في الصورتين وعلى عدمها فالتقديم مع يد المسلم لتقدم الأمارة على أصالة عدم التذكية ، ولا يخفى ان البحث في صورة سبق يد المسلم بيد الكافر يكون من جهة احتمال التذكية في يد الكافر مثل احتمال جلبه من بلاد المسلمين واما مع القطع بعدم سبق يد المسلم على يده فهو خارج عن البحث وان احتمله الفقيه.

ففي صورة الاحتمال قال صاحب الجواهر تبعا لأستاذه كاشف الغطاء ان يد المسلم مع القطع بسبق يد الكافر أمارة على التذكية لأن كلما يوجد في سوق المسلم مما لم يعلم حاله يحكم بتذكيته سواء علمنا بسبق يد الكافر بيد المسلم قبل ذلك أم لا.

ولكني أقول يشكل المساعدة على ما ذكراه (قدهما) في مقام الثبوت والإثبات اما الثبوت فلعدم الغلبة في التذكية في هذا المورد خصوصا إذا كان المسلم ممن لا يتفحص مع علمه بسبق يد الكافر وأمارية اليد تكون من جهة الغلبة واما الروايات في مقام الإثبات فائضا لا إطلاق لها لتشمل المقام فان قوله عليه‌السلام في رواية ابن عيسى عليكم ان تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه لا يدل على ان السوق حجة وان كان يد المسلم مسبوقا بيد الكافر وبالعكس يعنى إذا كان يد الكافر في سوق المسلمين فتقريب الاخبار بعدم بيان الاستفصال لحجية اليد في السوق كذلك وإثبات الإطلاق غير وجيه.

٢٤٦

لا يقال ان ترك الاستفصال يفيد في صورة إثبات كون السوق في زمن صدور الروايات كذلك أي كان الكافر في سوق المسلمين وبالعكس واما مع عدم إحرازه فلا معنى له ليكون شاهدا للإطلاق.

لأنا نقول لا يرد الإشكال من هذه الجهة لأن الدليل لا يكون منحصرا بالمطلقات بل العمومات (١) دلالتها عليه بالوضع لا من جهة ترك الاستفصال.

مضافا بأنه يمكن ادعاء ان صدر الإسلام أيضا كان سوق المسلمين فيه الكفار وبالعكس فلا يرد الإشكال على الإطلاق من هذه الجهة بل من جهة ان الغلبة حيث لا تكون في أمثال هذه الأيادي لا أمارية للسوق لأنه جدار بدونها.

نعم لو كان الملاك لحجية اليد في السوق هو التسهيل وحفظ النظام كما يشهد له ما ورد من عدم قيام سوق للمسلمين لو لا ذلك فيمكن القول بحجية اليد ولو لم تكن الغلبة ولكن قد عرفت ان المستفاد من الروايات هو حجية اليد من باب الغلبة كما في قوله عليه‌السلام في صحيح إسحاق بن عمار إذا كان الغالب عليها (أي على الأرض) المسلمين فلا بأس ولا يكون للسوق والأرض حجية بدونها فلنا شيء واحد هو الحجة وهو اليد التي تكون في سوق المسلمين من المسلمين بل مع استعمال المسلم أيضا للجلود فيما يشترط فيه الطهارة كما في رواية ابن عيسى إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه.

وعلى هذا يشكل الحكم بطهارة النعال وغيرها من الجلود التي هي في سوق المسلمين مع العلم بسبق يد الكفار بالجلب من أسواق الممالك الغير الإسلامية.

__________________

(١) أقول لا يخفى عدم وجود عموم في الروايات يدل على حجية كل سوق وإلّا لما بقي له مد ظله إشكال آخر أيضا من جهة عدم الغلبة في المقام وكتبنا ما ذكره حفظا لكلامه في الدرس.

٢٤٧

ولكن الّذي يسهل الخطب عندنا هو ان احتمال سبق يد الكفار بيد المسلم كاف للأمارية خصوصا مع كثرة التبادل في الأسواق بالنسبة إلى الأشياء في هذا الزمان ولا يجب الفحص عن الموضوعات فما وجدناه في سوق المسلمين مع هذا الاحتمال نحكم بتذكيته ونرتب آثارها عليه.

فنحن مع عدم القول بمقالة صاحب الجواهر قده وغيره من حجية اليد وان كانت مسبوقة بيد الكافر تكون في سعة من حيث العمل من هذه الجهة.

ثم هنا مسألة أخرى لا بأس في التعرض لها لكثرة الابتلاء ويبقى سائر الفروع ولكن لا نتعرض له خوفا للإطالة وهي ان المسلم الّذي يكون يده حجة هل هو المسلم الّذي لا يرى مطهرية جلد الميتة بالدبغ ولا يرى طهارة مذبوح الكتابي أو يكون أعم منه فيشمل الدليل يد من يرى طهارة ذبائح أهل الكتاب ومطهرية الدبغ للميتة فيه خلاف.

وقد نسب إلى المشهور الأخذ بالعمومات والإطلاقات حتى في صورة كون المسلم ممن يعتقد بطهارة ما ذكر وخالف العلامة والشيخ في النهاية والمحقق الثاني وجعلوا الحجية مختصة بالمسلم الخاصّ.

فنقول ان كان الملاك للحجية التسهيل للعباد يمكن التعميم واما ان كان الغلبة أو ظهور حال المسلم الّذي يتحصل بتصرف دال على الطهارة فلا لعدم الغلبة وعدم ظهور الحال في يد غير المسلم الخاصّ.

لكن الإنصاف ان الّذي يمنع عن مخالفة المشهور هو وجود السيرة القطعية على ترتيب آثار التذكية على اليد مطلقا وعدم الاعتناء بوجود القائل بحصول الطهارة بالدبغ أو بذبح أهل الكتاب لقلتهم وعدم الاعتناء بشأنهم عند المسلمين العامة والخاصة وحيث نحاسب نسبتهم مع ساير الفرق من المسلمين نراهم نادرين بالنسبة إلى الجمع الكثير فالغلبة أيضا متحققة.

٢٤٨

مضافا بان القول بحجية يد المسلم الخاصّ يوجب عدم قيام سوق للمسلمين (١) والعمومات أيضا شاملة للمقام ومخالفة العلامة والشيخ الطوسي (قدهما) غير معلوم الوجه.

واما ما ذكر من الردع عن هذه السيرة من الروايات فهو ضعيف سندا وقاصر دلالة مع قطع النّظر عن السند فمنها رواية أبي بصير (٢) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الفراء فقال كان علي بن الحسين رجلا صردا (٣) لا يدفئه فراء الحجاز لأن دباغها بالقرظ (٤) فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الّذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته.

ومنها خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى ادخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الّذي يدعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية فيقول بلى فهل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية فقال عليه‌السلام لا ولكن لا بأس ان تبيعها وتقول قد شرط لي الّذي اشتريتها منه انها ذكية قلت وما أفسد ذلك قال عليه‌السلام استحلال أهل العراق للميتة وزعموا ان دباغ جلد الميتة

__________________

(١) لا يخفى ان القول بندرة المسلمين القائلين بمطهرية الدبغ وذبائح أهل الكتاب فيما سبق يمنع عن القول بعدم قيام سوق للمسلمين لأن الاجتناب عما في أيديهم في صورة كون اليد يدهم لا يوجب عدم قيام سوق للمسلمين نعم لو كان السوق سوقهم أجمع فيلزم ذلك لكن امره سهل لهم لجريهم على مذهبهم ولغيرهم قواعد أخر.

(٢) في باب ٦١ من أبواب لباس المصلى في الوسائل ح ٢

(٣) الصرد بفتح الصاد وراء الرّجل كان قويا على احتمال البرد أو كان ضعيفا عليه وهو من لغات الضد.

(٤) القرظ بالفارسية چيدن قرظ الأديم دبغه بالقرظ.

٢٤٩

ذكاته .. (١) ..

اما ضعف دلالة الرواية الأولى عن أبي بصير فهو ان الشبهة لا تكون في المصداق بل في الحكم من حيث السؤال عن الصلاة في الفراء لا ان ما في السوق طاهر أم لا.

مضافا بأن لبس جلد الميتة غير جائز فكيف يلبسه الإمام عليه‌السلام فيمكن ان يكون من باب عدم كون اللباس من المحكوم بالميتة بل كان يكره الصلاة فيه كما يشير إليه مصحح الحلبي تكره الصلاة في الفراء الا ما صنع في أرض الحجاز أو علمت منه ذكاة (٢).

واما رواية عبد الرحمن بن الحجاج فتكون أيضا من البيان في الشبهة الحكمية لا الموضوعية من جهة اليد في السوق فحاصل دلالتها هو عدم جواز الاخبار بالتذكية وجواز الاخبار باب البائع باع على انها ذكية ومما دل على عدم المحكومية بحكم الميتة هو تضمن الروايتين للبيع والشراء مع ان الميتة لا يجوز بيعها وشرائها فلا يفهم منهما الا الكراهة في اللبس.

والحاصل مع وجود السيرة القطعية على جواز بيع الجلود واللحوم من أسواق المسلمين من دون الفحص عن حال البائع مما لا محيص عنه فما يؤخذ من أيديهم محكوم بالتذكية وفاقا للمشهور وقد تم البحث عما أردنا إيراده من مباحث قاعدة اليد الحاكمة على الاستصحاب والحمد لله أولا وآخرا.

__________________

(١) في الوسائل باب ٦١ من النجاسات ح ٤

(٢) الوسائل باب ٦١ من أبواب لباس المصلى ح ١

٢٥٠

فصل في قاعدة التجاوز والفراغ

ثم من الأمارات التي هي متقدمة على الاستصحاب ما يسمى بقاعدة الفراغ والتجاوز والمعروف بين النجفيين هو تعدد القاعدتين والمعروف بين أهل سامراء من القوم من اتباع الميرزا الشيرازي قده هو وحدة القاعدتين.

والبحث هنا في جهات.

الجهة الأولى في انه لا شبهة في تقديم القاعدة على الاستصحاب وانما الكلام في وجه التقديم من جهة انه بالحكومة أو من باب تخصيص دليل الاستصحاب في موردها أو من باب عدم وجود المورد لها لو لم تقدم عليه لأن في جل موارد القاعدة يكون استصحاب عدم الإتيان جاريا فلو فرض تقديمه عليها يلزم عدم وجود المورد لها وسقوط الروايات الدالة عليها فيكون التقديم من باب تقديم أصل محرز على أصل محرز آخر بملاك عدم المورد للقاعدة.

فقال شيخنا العراقي قده بأن القاعدة أمارة من جهة ان الغريزة عند الإتيان بمركب ذي اجزاء على الإتيان حسب الترتيب المقرر بوضع كل جزء في محله وعلى حسب ترتيبه وعدم المضي عنه بإسقاط بعض الاجزاء كما اني رأيت حجارا في الطهران يحفر جملة بسم الله الرحمن الرحيم وغيرها على الحجر في حال النوم واليقظة حسب ما هو المرتكز في ذهنه من هذا النقش فان العين وان كانت غير رائية لكن النّفس مجبولة على الترتيب المرتكز في الذهن وفي المقام أيضا كذلك والإمضاء يكون من جهة الكشف الّذي ذكرناه بقوله عليه‌السلام هو حين العمل أذكر.

ويرد عليه أولا ان الترتيب الّذي يلاحظ بالنسبة إلى المركبات التكوينية غير الترتيب الّذي يلاحظ بالنسبة إلى المركبات الاعتبارية أو المرتبات أيضا كذلك فان قاعدة التجاوز تجري بالنسبة إلى صلاة الظهر إذا كان الشك في إتيانه في حين الاشتغال بالعصر مع عدم العناية إلى الترتيب بينهما كما في المركبات

٢٥١

التكوينية وهكذا قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الوضوء أو مطلق الطهارات جارية في حين الشروع في الصلاة إذا شك في وجوده مع انه لا يكون الترتيب بينهما مثل الترتيب بين اجزاء المركب حتى يقال ان الارتكاز على وضع كل شيء في محله حتى نقول بان الإمضاء في الشرع يكون بهذا اللحاظ.

وثانيا ان الأمارة تكون حجة بالنسبة إلى لوازمها العقلية وليس كذلك في الشك في تحصيل الطهارة في صلاة الظهر مثلا لأن المفروض عندهم وجوب تحصيل الطهارة للعصر بعد الفراغ عن الظهر مع ان الوضوء لو كان محكوما بوجوده يلزم ان يكون كافيا للعصر أيضا فمن هذا نفهم حجية القاعدة لا أماريتها.

وثالثا ان الروايات غير ما يكون شاهدا للأمارية بقوله عليه‌السلام هو حين العمل اذكر لا تكون الأمارية مستفادة من لسانها بل الموضوع فيها هو الشك كما في رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض إلخ.

وهكذا غيرها والفرق بين الأمارة والأصل هو ان الأولى موضوعها ليس هو الشك بل موردها كذلك والثاني يكون موضوعه الشك ففي المقام لا مجال للقول بالأمارية حسب هذه الروايات فيمكن ان يكون التقديم على الاستصحاب من باب تقديم أصل محرز على أصل آخر من باب الحكومة أو التخصيص والظاهر انه على وجه الحكومة لأن الاستصحاب يكون على فرض الشك وبقائه ولسان هذه الروايات طرد نفس الشك كما في صحيح زرارة فشكك ليس بشيء فيكون النّظر إلى الاستصحاب في مورد القاعدة فكأنه شارح لدليله وهذا هو مناط الحكومة.

واما التخصيص فيكون في الحكم وهو خلاف الظاهر هنا وعلى فرضه فيكون التقديم من جهة عدم بقاء المورد للقاعدة لو لم تقدم على الاستصحاب بوجود استصحاب عدم الإتيان مطلقا أو على الوجه الصحيح في جميع الموارد فتحصل عدم طريق لنا للقول بالأمارية.

٢٥٢

الجهة الثانية

في البحث عن وحدة قاعدة الفراغ والتجاوز وتعددها حسب الكبرى المجعولة في المقام وتحريره يكون في مقامين مقام الثبوت ومقام الإثبات.

والبحث في المقام الأول لازم من جهة ان ما لا ثبوت له لعدم إمكانه لا إثبات له ولو كان للدليل ظهور في الإثبات فيما لا ثبوت له فيجب تأويله أو طرحه فان ما لا يمكن وقوعه لا يقع فنقول لو كان للقاعدتين جامع مقولي يمكن القول بوحدتهما وإلّا فلا.

وربما ينكر الجامع في المقام بوجوه من الأشكال.

الأول ان قاعدة التجاوز تكون جارية في صورة الشك في أصل الوجود كما إذا شك في السجود في أصل إتيان الركوع وقاعدة الفراغ تكون في صورة الشك في صحة الموجود كما إذا شك في ان القراءة هل وقعت على الوجه الصحيح أم لا بعد الدخول في الركوع أو الفراغ من الصلاة وهذان متغايران ولا يمكن لحاظهما بلحاظ واحد ولا جامع بين الشك في أصل الوجود والشك في صحته إلّا بنحو فوق المقولة مثل كونهما تحت عنوان الشيء والأمر ونحوهما.

وقد أجاب الشيخ الأعظم الأنصاري قده بأن الشك في الصحة أيضا يكون من الشك في الوجود الصحيح وهو نحو آخر من كان التامة لأن الشك في الوجود والشك في الوجود الصحيح كليهما شك في الوجود وهو الجامع بينهما واقعا.

وقد أجاب عنه شيخنا النائيني قده بجواب يرجع إلى الإشكال من جهة مسألة فقهية ولا يكون إشكالا عقليا على مقالته قده وحاصله ان إثبات صحة الموجود (١)

__________________

(١) أقول بعد كون الوجود الصحيح هو الموجود بوصف الصحة لا يبقى للإشكال ـ

٢٥٣

بجريان قاعدة الفراغ في الوجود الصحيح يكون من الأصل المثبت لأن ذلك من اللوازم العقلية.

فان قلت لا نحتاج إلى إثبات صحة الموجود بل يكفى الحكم بالوجود الصحيح ولو لم ينتزع منه صحة الموجود بحيث لو فرض محالا الاكتفاء بما لم يحرز صحته لكان هذا العمل كافيا.

قلت هذا في التكاليف الشرعية كذلك لأن الوجود الصحيح كاف في إسقاط التكليف واما في الوضعيات فلا لأن الأثر فيها مترتب على صحة الموجود فان العقد الّذي أحرز صحته يكون منشأ للآثار لا غيره.

وفيه ان هذه الدعوى في التكليفيات والوضعيات لا شاهد لها فان الأثر مترتب على الوجود الصحيح فيهما وبعبارة أخرى الصحيح هو الكامل والتام وله فردان فرد كامل في الجزء وفرد كامل في الكل فالجزء الكامل كامل والكل الكامل كامل أيضا فتطبيق كبرى واحدة عليهما لا إشكال فيه.

وبعبارة أخرى بعد إحراز الوجود الصحيح بتطبيق الكبرى يكون الصحة أيضا في الموجود من لوازمه والأصل المثبت غير حجة إلّا إذا كانت الواسطة خفية وفي المقام ندعي خفائها فلا إشكال.

الإشكال الثاني في وحدة القاعدة هو ان التجاوز في قاعدته يكون عن محل الشيء فإذا كان الشك في الركوع في حال السجدة فيكون التجاوز عن المحل

__________________

ـ وجه من هذه الجهة واما أصل ان الأثر يكون على صحة الموجود فكلام مجمل فان الصحيح في كل شيء بحسبه ولا فرق بين التكليفيات والوضعيات من هذه الجهة وما فهمنا وجهه فان كلامه في التقريرات (الفوائد) مجمل وهكذا في تقريره مد ظله ولذا أجاب مد ظله بما أجاب.

ولا يخفى ان الإشكال يكون من جهة كون القاعدة من الأصول وإلّا فعلى فرض الأمارية كما لا يبعد فمثبتها حجة ومبنى العلامة النائيني الأمارية فإشكاله خلاف مبناه.

٢٥٤

الّذي هو ما بين القراءة والسجدة واما في قاعدة الفراغ فيكون التجاوز عن نفس الشيء فإذا فرغ من الصلاة وشك في صحة القراءة أو جزء آخر منها يكون الشك بعد التجاوز عن نفس الشيء المحرز وجوده والشك في الشيء غير الشك في محله فلا يمكن تكفل كبرى واحدة لهما.

وقد أجاب شيخنا النائيني قده بأن التجاوز عن الشيء نفسه أيضا يكون باعتبار محله فالمحل مقدر فيه أيضا كما في قاعدة التجاوز.

وفيه ان التقدير خلاف الظاهر والأصل فان الشك في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها يكون شكا في نفس الشيء وان كان الزماني لا بد ان يكون في الزمان والمكاني في المكان.

والحق ان يقال التجاوز في كلتا القاعدتين يكون عن الشيء نفسه غاية الأمر في قاعدة الفراغ بدون العناية وفي قاعدة التجاوز مع العناية وهي أن من جاوز عن محل الشيء فقد جاوزه أيضا.

والإشكال الثالث هو ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز يكون نفس الجزء بحيال ذاته واما في قاعدة الفراغ فكون المتعلق نفس المركب بماله من الوحدة الاعتبارية ولفظ الشيء في قوله عليه‌السلام انما الشك في شيء لم تجزه لا يمكن ان يعم الجزء والكل لأن الكل وان كان فيه الجزء أيضا.

ولكن لا يكون الجزء ملاحظا بحيال ذاته واما في لحاظ الجزئية فلا بد ان ينظر إليه بنظر استقلالي فعند لحاظ الكل لا بد ان يكون لحاظه تبعيا لا استقلاليا فاللازم التعدد في الكبرى المبينة لحدودهما وفي هذه الرواية اما ان يراد الجزء فتختص بقاعدة التجاوز أو يراد الكل فتختص بقاعدة الفراغ وقال المشكيني قده باختلافهما من هذه الجهة مفهوما ومورد أو دليلا أي اختلاف القاعدتين في الثلاثة.

وهذا الإشكال كأنه كان عويصا عند شيخنا النائيني قده فأجاب بوجه لطيف غير تام عندنا وهو انه قده قال بان قاعدة الفراغ تعم جميع أبواب الفقه من الصلاة

٢٥٥

والحج والطهارة وقاعدة التجاوز تختص بباب الصلاة فقط والروايات الواردة في المقام تكون في مقام بيان حكم كلي في صورة الشك في الشيء سواء كان ذلك الشيء هو الكل أو الجزء ففي مقام التطبيق يمكن ان يقال ان الجزء بحيال ذاته كل في نفسه قبل التركيب والجزئية تنتزع عما بعد التركيب فالجزء أيضا كل في مقام التنزيل كما انه في باب الحكومة بالنسبة إلى توسعة الموضوع يكون التعبد بدخول فرد ليس من افراد العام واقعا مثل ما إذا قيل أكرم العلماء ثم قيل زيد من العلماء بعد عدم كونه منهم واقعا وسر التنزيل شمول الحكم له ففي المقام الجزء أيضا فرد للكل تعبدا وتنزيلا بعد ما رأينا شمول الدليل له بعنوان الشيء مع اختصاص الشك فيه بباب الصلاة فهو قده من الجمع بين الاخبار استقر رأيه على هذا التنزيل.

وفيه أولا ان التنزيل لا يوجب وحدة القاعدتين بل لكل حكمه على حدة.

وثانيا اعتبار الجزء كلا غير ممكن مضافا بان جمعهما في لحاظ واحد غير ممكن والشيء جامع لكن يكون فوق المقولة ونحن نحتاج في الوحدة إلى جامع تحت المقولة وهو مفقود.

والتحقيق هو عدم ورود الإشكال رأسا لأنا لا نحتاج إلى لحاظ الجزء بعد لحاظ الكل بل يكون اللحاظ بالعنوان الجامع بدون لزوم استعمال لفظ واحد في معاني متعددة وهو ان الصحيح هو التام والكامل فالشك إذا كان في أصل الوجود أو في الوجود الصحيح يكون الشك بعنوان جامع وهو الشك في التمامية (١).

الإشكال الرابع ان اللازم من وحدة القاعدتين التضاد في المدلول في مثل قوله عليه‌السلام انما الشك في شيء لم تجزه لو كان الشك يعم الشك في الجزء والكل فانه

__________________

(١) أقول الصحيح والتام أيضا مما هو فوق المقولة فلو لم تكن الوحدة بجامع لفظة الشيء لا يصح بهذا العنوان ولكن الحق كفاية كون الجامع هو الشيء بان يكون عنوانا عاما صادقا على الكل والجزء كما فعله المحقق النائيني قده.

٢٥٦

لو شك المصلى في الحمد وهو في الركوع فباعتبار الشك في الحمد قد جاوز محله فلا يجب عليه العود وباعتبار الشك في صحة الصلاة لم يتجاوز عنها لأنه بعد في الأثناء فيجب عليه العود.

وهذا الإشكال على ما اخترناه من ان المراد بالتجاوز هو التجاوز عن نفس الشيء بدون اعتبار المحل في القاعدتين لا يرد لأن التجاوز هنا صادق ولا يكون باعتبار الصلاة شيئا آخر فان التجاوز عن القراءة صادق سواء تجاوز عن الصلاة أو لم يتجاوز والشاهد عدم ذكر المحل في الروايات والتجاوز عنه إلّا انه في الكل يكون التجاوز بلا عناية وفي الجزء مع العناية إلى المحل.

والإشكال الخامس هو ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو نفس الجزء وفي قاعدة الفراغ ليس المتعلق هو الكل بل هو ظرف للشك فلا يمكن ان يجمعهما كبرى واحدة ومما ذكرنا ظهر الجواب عنه أيضا لأن المدار يكون على الجزء الّذي جاوزه في الكل والجزء.

والشك في الكل دائما يكون مسببا عن الشك في إتيان جزء أو شرط وليس الكل ظرفا للشك.

فتحصل انه على فرض عدم إمكان تصوير وحدة القاعدتين كما عن شيخنا العراقي قده لا بد من حمل الروايات في مقام الإثبات على القاعدتين لا قاعدة واحدة لأن إثبات الوحدة فرع ثبوتها واما على فرض إمكان الوحدة ثبوتا فللبحث في مقام الإثبات عن الوحدة والتعدد مجال.

فلا بد لنا من ذكر الروايات واستظهار مدلولها وهي على طائفتين ما يستفاد منها قاعدة التجاوز وما يستفاد منها قاعدة الفراغ.

اما الطائفة الأولى فمنها صحيحة زرارة قال (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل

__________________

(١) في الوسائل باب ١٣ من أبواب الركوع ح ٤

٢٥٧

شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال عليه‌السلام يمضى عليه قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضى قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضى في صلاته ثم قال عليه‌السلام يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء.

وتقريب الاستدلال بها هو ان مقوم قاعدة التجاوز الفراغ عن الشيء والدخول في غيره المرتب عليه وهذه الرواية تكون في مقام بيان هذا المورد.

ومنها رواية إسماعيل بن جابر (١) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه.

ومنها موثقة أبي يعفور (٢) إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه.

والتقريب في الجميع بنحو التقريب في رواية زرارة.

ولا يقال بان الشك في قاعدة الفراغ أيضا يكون مسببا عن الشك في الجزء فصرف كون الشك في الجزء لا يكون موجبا للتطبيق على قاعدة التجاوز بل يمكن ان تشملهما الروايات المذكورة.

لأنا نقول بعد كون التطبيق في الجزء في موارد السؤال في الروايات وعدم كون المورد الشك في الكل من جهة الشك في الجزء نفهم ان المورد يكون مورد قاعدة التجاوز لا الفراغ.

واما الطائفة الثانية فمنها موثقة ابن مسلم قوله عليه‌السلام كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (٣).

__________________

(١) في الوسائل باب ١٣ من أبواب الركوع ج ٤ ح ٤

(٢) في الوسائل باب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ٢

(٣) يوجد في الفرائد في هذا المقام

٢٥٨

ومنها قوله عليه‌السلام (١) كلما مضى من صلواتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا إعادة عليك :

وتقريب الاستدلال ان الشيء الّذي شك فيه وقد مضى يكون ماضيا لا يعتبر الشك فيه غاية الأمر الرواية الثانية تكون في الصلاة والطهور والرواية الأولى عامة شاملة لجميع المركبات وحيث لم يكن فيها الذّكر عن الدخول في شيء آخر يفهم منه انه يكون في مقام قاعدة الفراغ لا التجاوز والشيء وان كان من الممكن على ما نحن عليه في القاعدتين ان يكون أعم من المضي عنه أو عن محله ولكن المضي عن المحل حيث يحتاج إلى عناية تقدير المحل فحمل الرواية عليه خلاف الظاهر مضافا بان قوله عليه‌السلام فامضه كما هو لا ينطبق عليه لأن ما يكون الشك في وجوده لا يرجع ضمير فامضه إليه فلا داعي لنا لإرادة التعميم للقاعدتين في هذه الروايات بل هي في قاعدة الفراغ والطائفة الأولى في قاعدة التجاوز.

ولا وجه لحمل بعضها على بعض آخر وإرجاع الشك في الشيء إلى الشك في الوجود الصحيح ليشمل القاعدتين بادعاء وحدة السياق كما فعله الشيخ الأعظم الأنصاري (قده) لعدم وحدة السياق في رواية واحدة ولا داعي لضم بعضها إلى بعض لتحصيل الوحدة كذلك.

فتحصل ان الجامع لو أمكن أخذه في مقام الثبوت للقاعدتين لا يمكن الالتزام به في مقام الإثبات من جهة مخالفته لظاهر الروايات ولو لم يمكن أخذه كما عن شيخنا العراقي فلا بد من الحمل على القاعدتين.

__________________

(١) في الوسائل باب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ٦.

٢٥٩

الجهة الثالثة

في ان الثمرة في البحث عن وحدتهما أو تعددهما ربما قيل تظهر في صورة العلم بفوت سجدة واحدة في الصلاة أو التشهد كذلك مع الشك في صحة الصلاة من ناحية الترتيب أو الموالاة.

فانه على فرض تعدد القاعدتين تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الترتيب والموالاة فتصير صحيحة بذلك ثم يأتي بقضاء السجدة أو التشهد لأن القضاء يكون بعد فرض صحة الصلاة من ناحية الشروط والاجزاء الأخر واما على فرض وحدة القاعدتين فحيث ان الترتيب والموالاة لا يكونان من الاجزاء فلا يصدق عليهما الشيء لتنطبق عليهما القاعدة بهذا العنوان فلا سبيل (١) إلى صحة الصلاة لنقول بوجوب قضاء السجدة والتشهد لأنهما من آثار صحة الصلاة.

__________________

(١) أقول مرجع الشك في الترتيب والموالاة إلى الشك في إتيان الجزء صحيحا فان الركوع الصحيح هو الّذي وقع قبل السجدة وبعد القراءة ولم يكن فصل بينه وبين ما يترتب عليه بحيث يضر بالموالاة فمن كان مشغولا بالسجود وشك في الترتيب أو الموالاة فقد جاوز محل الجزء الّذي يكون الشك من جهته فتجري قاعدة التجاوز في الصلاة وبعدها على فرض وحدة القاعدتين أيضا هذا أولا.

وثانيا ان الموالاة والترتيب أيضا مما يصدق عليهما الشيء فكيف لا يكون التجاوز عنه التجاوز عن الشيء فلا احتياج إلى إتعاب النّفس بجعل مرجعهما الشك في الجزء مضافا إلى فساد المبنى فان الظاهر من الأدلة هو جعل قاعدتين لا قاعدة واحدة وان أمكن الوحدة بجامع فوق المقولة مثل الشيء.

٢٦٠