مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

العقلية والعادية والشرعية فان معنى تنزيل المكلف هو البناء على وجود الواقع عملا فهو كما يترتب جميع الآثار ولو كان عقليا في صورة وجود الواقع واقعا كذلك عند الاستصحاب إلّا ان يدعى الانصراف في دليله إلى اللوازم الشرعية يعنى ان التنزيل وان كان بيده ولكن يكون بالنسبة إلى ما هو المتمشى من قبل الشرع وغيره يكون خارجا عن دائرة الشرعية وهذا الانصراف غير الانصراف إلى الآثار بلا واسطة اللازم العقلي أو العادي الّذي يدعى على فرض كون التنزيل بيد الشرع.

ثم انه لا فرق بين المباني في الاستصحاب من كونه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن أو تنزيل الشك منزلة اليقين أو جعل المماثل الّذي هو رأى المحقق الخراسانيّ (قده) بعد فرض كون التنزيل بيد الشرع في كون اللوازم مطلقا حجة وفي القول بعدم الحجية بالنسبة إلى اللوازم العقلية والعادية بالانصراف إلّا ان القول بجعل المماثل أظهر في كون الحجة هي الأثر على نفس المستصحب وجعل الحكم المماثل للواقع بالنسبة إليه فقط بطبع الدليل وعدم الاحتياج إلى الانصراف لعدم كون التنزيل في غيره فليس عليه الحكم.

فتحصل ان الطريق في عدم حجية مثبتات الأصول هو ادعاء الانصراف عنها ولو لم يتم لا يكون لنا طريق لمخالفة القدماء في قوله بحجية مثبتات الأصول كالأمارات وبعبارة أخرى لو كان السند الانصراف فلقائل أن يقول به في الأمارات أيضا لأن التنزيل فيها أيضا يكون بلحاظ الأثر الشرعي فان كان دليل الأمارة شاملا للمثبت يكون دليل الأصل أيضا كذلك مضافا بأنه لو لم يكن الإطلاق للدليل كيف يترتب الآثار الشرعية التي هي مع الواسطة فالإنصاف ان الحق طريق المحقق الخراسانيّ (قده) في المقام بقوله ان الأمارة لها حكايات بالنسبة إلى المداليل الالتزامية في عرض المدلول المطابقي فلو فرض المداليل الالتزامية مائة يكون للفظ مائة حكاية واما الأصول فلا يكون لها دلالة بالنسبة إلى المدلول الالتزامي أصلا فضلا عن

١٤١

الحكايات (١).

ثم انه ربما قيل بأن الفرق بينهما هو صدق النقض وعدمه في الاستصحاب ولا يكون هذا في الأمارات فنقض اليقين بالشك في المداليل المطابقية يعنى ما هو مؤدى الأصل ومجراه صادق ولكن في المداليل الالتزامية غير صادق.

وفيه ان حجية الأمارات أيضا تكون من باب التنزيل وفرض الظن منزلة العلم فكيف يلاحظ التنزيل في أحدهما كذلك بل انهما مثلان في هذا الحكم.

ثم انه على فرض جريان استصحاب المثبت قيل بأنه معارض باستصحاب عدم الأثر العقلي أو العادي فاستصحاب حياة زيد لإثبات طول لحيته يكون معارضا باستصحاب عدم اللحية وهو العدم الأزلي أو العدم حين صباوة زيد وقد أجاب الشيخ الأعظم الأنصاري (قده) عن المعارضة بأن الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي وهنا يكون الشك في وجود اللحية مسببا عن الشك في الحياة فنحن إذا أجرينا الأصل بالنسبة إليها وقلنا بثبوت الأثر العادي كما في المقام لا يبقى شك في وجود اللحية لنحتاج إلى استصحابه وقلنا بالمعارضة وانما الكلام في أصل ثبوت هذا الأثر العقلي أو العادي.

__________________

(١) أقول هذا ادعاء محضا بعد كون دليل الأصل هو الأمارة وينحل إلى كل مورد من الموارد فان كان موارد الاستصحاب يكون مصداقا لقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك واما ادعاء الانصراف فلا يكون بإطلاقه تماما بالنسبة إلى الأمارات والأصول فرب دلالة التزامية للأمارة يمكن ادعاء الانصراف عنها ورب دلالة التزامية للأصل لا يكون الانصراف بالنسبة إليها لخفاء الواسطة وما ترى في الفقه من ادعاء انصراف أمارة عن شيء يكون شاهدا على ما ذكرناه فلو كان لنا شيء قابل للتمسك إليه فيه الفرق بين الأصول والأمارات يكون هو الانصراف وهو أيضا لا يتم لما ذكرناه.

١٤٢

وينبغي التنبيه في الأصل المثبت على أمور

الأول ان البحث في المثبت المعروف يكون في صورة وجود أثر شرعي للأثر العقلي أو العادي لنفس المستصحب واما إذا كان الأثر أثرا للأعم من الواقع والتعبد به فلا يكون الكلام في إثباته بجريان الأصل وترتيب ذاك الأثر فإذا كان اللازم أثر شرعي وهو مترتب على الأعم من إحرازه في الواقع أو بالاستصحاب يكون هذا الأثر مترتبا فإذا نذر شخص صدقة درهم على فرض وجود اللحية لزيد ولو بالاستصحاب بالنسبة إلى الحياة فهذا الأثر لا إشكال في ترتبه.

واما ما ترى في الكلمات (١) من المثال بوجوب الإطاعة الّذي هو حكم

__________________

(١) أقول البحث في المثبت المعروف هو في وجود الأثر الشرعي للأثر العقلي أو العادي ولكن البحث من جهة عدم إثبات الأثر العقلي أو العادي يشمل بظاهره كل مورد فلقائل أن يقول ان وجوب الإطاعة وان كان من الآثار العقلية ولكن حيث يكون مترتبا على إثبات التنجيز اما واقعا كما في غير مورد الاستصحاب واما بالتعبد كما في صورة الشك فوجوب الإطاعة خارج عن بحث المثبت لأن المستصحب نفسه الحكم ويترتب عليه اثره فلا خلط عن القوم هنا.

واما ما ذكره مد ظله من خروج ما ذكره من المثال فهو مما خفي علينا وجهه لأن الأثر وان كان على الأعم من الوجود الواقعي والتعبدي ولكن إذا كان المستصحب نفس اللحية فمن أين يثبت استصحاب الحياة وجود اللحية مع انها أثر عادي فالخلط كأنه يكون في هذا المثال واما الخلط الثاني منهم فهو أيضا غير خلط لأن الأثر إذا كان أثرا للاستصحاب كما يكون هذا في استصحاب الأحكام لا كلام فيه كما في مثال وجوب الإطاعة واما إذا كان أثرا للمستصحب كما في استصحاب الحياة لوجود اللحية فكيف يثبت وهذا أول الكلام.

١٤٣

العقل وهو مترتب على استصحاب بقاء الأمر فلا ربط له بالمثبت أصلا لأنه أثر عقلي ولا يكون له أثر شرعي ليقال انه من المثبت أم لا فهذا أخلط في الكلمات.

وخلط آخر أيضا في كلماتهم وهو أن المثبت المعروف يكون في صورة كون الأثر أثرا للمستصحب واما ما كان أثرا للاستصحاب فهو مترتب عقليا كان أو عاديا لأنه أثر للاستصحاب ولا ربط له بالمستصحب ووجه الخلط في ذلك هو أن المستصحب تارة يكون الأثر على لازمه الواقعي وتارة يكون الأثر على اللازم الأعم من وجوده الواقعي والتعبدي والثاني خارج عن مورد النزاع والأول داخل فيه ولو لم يكن الأثر أثر الاستصحاب فالعدالة المشكوكة استصحابها بالنسبة إلى جواز الاقتداء جار لأن جوازه مترتب على العدالة سواء كانت في الواقع أو في الظاهر واما جواز الاخبار والشهادة بها فمترتب على واقع العدالة لا على العدالة التعبدية ولا يثبت بالاستصحاب مع كون الأثر على كلا التقديرين أثرا للمستصحب لا للاستصحاب فلا يختص الخروج عن محل النزاع بكون الأثر أثرا للاستصحاب فقط بل أثر المستصحب أيضا ربما يكون خارجا عن محل النزاع.

الأمر الثاني

في ان القول بعدم جريان الأصل المثبت على فرض تسليمه يكون عند الشيخ قده في صورة عدم خفاء الواسطة واما إذا كانت الواسطة خفية بحيث يحسب الحكم الشرعي من أثر نفس المستصحب عند العرف فلا كلام في جريان الاستصحاب

__________________

ولم أجد هذا البحث الا في تقريرات شيخه العراقي (قده) وهو يكون مثاله وجوب الإطاعة ولا يجيء في النّظر الخلط فيه وكلما أصررنا عليه (مد ظله) بعد الدرس لم يأتنا بمقنع بل مال بعض الميل إلى ما ذكرناه.

١٤٤

لترتيب ذاك الأثر بحيث لو فرض عدم ترتيب ذاك الأثر يكون من نقض اليقين بالشك وهكذا يقول المحقق الخراسانيّ قده في الحاشية على الرسائل (١).

وقد أجاب عن ذلك شيخنا النائيني قده (٢) بأن العرف يكون مرجعا في المفهوم فقط وتطبيق المفهوم على المصداق يكون بالدقة العقلية ولا اعتناء بشأن العرف في ذلك ففي المقام اما ان يكون الأثر الشرعي أثر للمستصحب واقعا فهو خارج عن محل البحث واما ان يكون أثرا للواسطة فما كان أثرا لها لا يترتب على استصحاب شيء هو ذو الواسطة بعد فرض عدم حجية الأصل المثبت.

وفيه ان العرف اما ان يكون مرجعا في المصداق أيضا كما عن شيخنا الحائري (قده) مؤسس الحوزة العلمية فلا كلام لأنه هو المرجع في صدق النقض في الموارد واما ان يكون مرجعا في المفهوم فقط كما التزم به شيخنا النائيني (قده) فعلى هذه الفرض نقول ان العرف عند تلقى الخطاب يفهم ان النقض صادق في صورة خفاء الواسطة بواسطة تناسب الحكم والموضوع فمفهوم النقض في القضية المركبة عند تلقى الخطاب صادق إذا لم يرتب أثر الواسطة وان كان معناه بحسب الانفراد غير هذا كما قال المحقق الخراسانيّ (قده) في حاشية الرسائل.

فالمفرد له أثر والمركب له أثر آخر ويتغاير المفهوم بالنسبة إلى شيء واحد في المفرد والمركب (١).

__________________

(١) يعنى فوائد الأصول في ص ٢٠٣ و ٢٠٤ فارجع إليه.

(٢) في تقريرات بحثه المسماة بفوائد الأصول ص ١٨١ و ١٨٢.

(٣) أقول حيث كان ملاك جريان أصل المثبت وعدم جريانه هو انصراف الدليل وعدمه كما مر نقول إذا كانت الواسطة خفية لا يكون الدليل مثل لا تنقض منصرفا عن إثبات الحكم ـ

١٤٥

ثم انه مع الشك في الاستصحاب عند خفاء الواسطة فحيث تكون الشبهة مصداقية للا تنقض لا يجري الاستصحاب ولا بد من التماس أصل آخر لرفع الشك.

ثم ان جلاء الواسطة في بعض الموارد أيضا لا يكون مانعا عن جريان الأصل المثبت وهو إذا كان الأثر من الآثار اللازمة للمستصحب مثل العلة والمعلول كما في المتضايفين فان استصحاب أبوة زيد لعمر ويلازم بنوة عمر ولزيد ولا ينفك أحدهما عن الآخر لقانون التضايف فكل أثر يكون على البنوة أيضا مترتب وهذا أيضا يكون يكون مثل ما مر في خفاء الواسطة من جهة صدق مفهوم النقض في أمثال ذلك إذا لم ترتب الأثر على الواسطة فان الملازمة في الواقع يلازم الملازمة في الظاهر أيضا في نظر العرف ولو كان الأثر لخصوص الواسطة ولم يكن أثر لذي الواسطة أيضا يجري الاستصحاب لأن أمثال المورد من المتلازمين كالشيء الواحد الّذي يكون له وجهان وهذا أيضا عن المحقق الخراسانيّ (قده) في الحاشية على الرسائل.

الأمر الثالث

(وهو التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب حسب ترتيبها في الكفاية) فيما يتوهم كونه مثبتا مع عدم كونه كذلك وهو أمور.

الأول استصحاب بقاء الاستطاعة لا ثبات وجوب الحج وبيانه ان الاستطاعة شرط للوجوب ويكون دخل الشرط في المشروط من باب التكوين فترتب الوجوب عليها يكون من ترتب الآثار العقلية على المستصحب وهذا معنى المثبت فكيف أجمع الفقهاء على جريان استصحابه.

__________________

ـ للازم العقلي أو العادي كما في الأمارات وان كانت الأمارة أيضا منصرفة عن بعض اللوازم وما ذكره المحقق الخراسانيّ (قده) مؤيد لوجه عدم الانصراف في بعض الموارد.

١٤٦

والجواب عنه ان مهار الشرطية حيث كان بيد الشرع يكفى لجريان الاستصحاب لأنه جعل الاستطاعة شرطا للحج ولذا يلاحظ الاستطاعة العرفية ولا تكفي العقلية فلا يقال ان الدخل هنا تكويني ويكون جعل الشارع من باب الإرشاد إلى ما حكم به العقل فانه يكفى كون الدخل في طور خاص بيد الشرع فلا إشكال.

الثاني استصحاب شرط الواجب فان استصحاب الطهارة يكون من لوازمه التكوينية وجود التقيد وحصوله لمثل الصلاة والطواف ومن المعلوم ان حصول التقيد باستصحاب القيد يكون من الآثار العقلية.

وجوابه ان الشرط ان كان معنى دخله هو دخل التقيد فنقول حيث ان الإناطة تكون بيد الشرع يكفى لكونه قابلا للتعبد بالبقاء مثل ما مر في الاستطاعة فان قوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور فهم منه الإناطة واما ان كان دخل الشرط مثل دخل الجزء من دون احتياج إلى القول بالتقيد فيكون الإشكال مرتفعا من أصله لعدم الواسطة العقلية بين استصحاب القيد وترتب الأثر وهي التقيد بل نفس الشرط المجعول من قبل الشرع يحصل التعبد به بالاستصحاب.

الثالث مما يتوهم المثبتية فيه هو استصحاب الجزء فان لازم ذلك هو صحة لحقوق ساير اجزاء المركب وهو عقلي فهو مثبت.

وفيه ان المركب اما ان يكون مركبا من جوهرين أو عرضين أو مركب من جوهر وعرض ويكون الجوهر متصفا بالعرض ولا إشكال في غير الأخير فان المركب إذا كان اجزائه مترتبة من دون دخل الجزء بنحو الاتصاف بل بحيال ذاته فيكون بعض الاجزاء حاصلا بالوجدان والبعض الآخر بالأصل فإذا وجدنا جوهرا بالوجدان وشك في الجواهر الأخر يستصحب وجوده وكذلك في العرضين ولا نحتاج إلى شيء آخر واما إذا كان بنحو الاتصاف كما إذا كان زيد متصفا بالعلم ثم شك في وجود زيد وهو وجود جوهري أو شك في وجود العلم فلا يمكن استصحاب أحدهما

١٤٧

لحصول الاتصاف فاستصحاب ذات زيد لا يوجب حصول صفة العلم فيه وكذلك استصحاب ذات العلم فانه لا يمكن ان يقال العلم موجود في زيد بعد استصحاب العلم لأن الاتصاف من الآثار العقلية.

فان قلت في الجوهرين والعرضين أيضا يكون استصحاب الجزء موجبا لترتب ساير الاجزاء عليه وحصول النظام وهو عقلي لأن النظام امر عقلي.

قلت هذا لكون كل حصة من الأثر لحصة من الاجزاء ولا يكون المركب الا الاجزاء لا ان يكون كل جزء منوطا بالجزء الآخر.

الرابع مما يتوهم كونه مثبتا هو استصحاب الفرد وترتيب أثر الكلي مثل استصحاب زيد لترتيب أثر الطبيعي وهو الإنسان (١) وقال في الكفاية بما حاصله هو ان المحمول اما ان يكون بالصميمة وهو حمل ذاتيات الشيء عليه كما يقال الإنسان حيوان ناطق واما ان يكون المحمول بالضميمة مثل قولنا زيد عالم فان وصف العلم خارج عن ذاتيات زيد ففي الأول لا إشكال في استصحاب الفرد وترتيب أثر الكلي لأن الكلي في الغالب لا يكون إلا مرآتا للحصص والحصص عين الطبيعي فإذا كان زيد مستصحبا بعنوان انه إنسان وحصة منه يكون المستصحب في الواقع هو الإنسان.

واما إذا كان المحمول بالضميمة فلا يكون استصحاب الفرد موجبا لا ثبات الوصف فإذا جرى الاستصحاب بالنسبة إلى زيد لا يثبت انه الأبيض لأن إثبات الموضوع لا يترتب عليه إثبات الوصف إلّا بالملازمة العقلية أو العادية فإذا كان زيد أبيض فباستصحابه لا يثبت إلّا نفسه لا وصفه وهو البياض انتهى.

__________________

(١) أقول قد مر فيما سبق في أقسام الكلي ان في هذه الصورة وهي القسم الأول من أقسام الكلي لو لم يجر استصحاب الفرد لترتيب أثر الكلي لا مانع من جريان الاستصحاب في نفس الكلي فالامر فيه سهل.

١٤٨

أقول ومن المعلوم ان استصحاب الفرد يترتب عليه أثر الطبيعي إذا لم تكن الخصوصيات الفردية مثل كون زيد بطول كذا وعرض كذا ولون كذا تحت الخطاب كما هو الغالب وإلّا فاستصحابه لا يفيد بالنسبة إلى الكلي واما في صورة كون المحمول بالضميمة فالتفصيل فيه ما مر من ان التقارن بين الجوهرين والعرضين لا يمنع من استصحاب أحدهما مع كون أحد الجوهرين أو العرضين بالوجدان لأن المركب يتحصل ح من جزء تعبدي وجزء وجداني واما في صورة الاحتياج إلى إثبات الاتصاف فجريان الأصل في أحدهما لا يثبت الاتصاف الا على القول بالأصل المثبت.

الخامس مما يتوهم كون الأصل مثبتا فيه الفروع الفقهية التي تعرض لها الشيخ قده في الرسائل (١).

فمنها ما نقله عن المحقق في الشرائع وجماعة ممن تقدم عليه وجماعة ممن تأخر عنه وهو ما إذا اتفق الوارثان على إسلام أحدهما المعين في أول شعبان والآخر في غرة رمضان واختلفا فادعى أحدهما موت المورث في شعبان والآخر موته في أثناء رمضان كان المال بينهما نصفين لا أصالة بقاء حياة المورث ووجه كون الأصل هكذا مثبتا هو أن يكون اللازم إثبات كون الإسلام في حال موت المورث واستصحاب بقاء حياة المورث يكون من لوازمه العقلية وقوع الموت في حال إسلام الوارث إلّا ان يقال ان المقصود هو إثبات إسلام الوارث في حال حياة المورث وهو يثبت باستصحاب الحياة في غرة رمضان وعلى هذا فيكون لنا جزء بالوجدان وجزء بالأصل اما الجزء الّذي هو بالوجدان فهو إسلام الوارث واما الجزء الّذي هو بالأصل فهو حياة المورث وهذا الوجه ذكره الشيخ (قده) ولم يجزم به.

فنقول ان أحرزنا أن الموضوع هو حياة المورث وإسلام الوارث فيكون

__________________

(١) أقول في جميع هذه الفروع حيث لا يكون دليل الاستصحاب منصرفا عن الآثار الغير الشرعية يجري الاستصحاب لما مر من أنه لا دليل على عدم جريان الأصل المثبت الا الانصراف وبعده عدم خفاء الواسطة وان كان هو وجه الانصراف أيضا.

١٤٩

من قبيل الموضوع المركب من العرضين وقد مر عدم الإشكال في ذلك واما ان كان الموضوع هو الإسلام المتصف بكونه في حال موت المورث فيشكل إثباته بجريان الأصل إلّا ان يدعى خفاء الواسطة وعلى فرض الشك في كون الموضوع بنحو النعت أو الاستقلال في الاجزاء فلا يجري الاستصحاب لكون المورد من الشبهة المصداقية لدليله فالعلم الإجمالي بكون المال اما لذا أو ذاك يحكم بالتنصيف للاحتياط في باب الأموال وحكومة قانون العدل والإنصاف فيها فالفتوى بالتنصيف في محله اما لجريان الأصل أو للاحتياط.

ومنها استصحاب الرطوبة في أحد الشيئين لإثبات نجاسة الطاهر منهما بالملاقاة مع جفاف أحدهما فان الموضوع للنجاسة الملاقاة والسراية لا الملاقاة فقط واستصحاب الرطوبة يكون من لوازمه العادية السراية ومن آثار السراية النجاسة فالأصل مثبت وقال الشيخ (قده) ان هذا أشبه شيء باستصحاب الكرية حين الملاقاة في ماء كان كرا ثم نقص عن الكرية ولا لاقاه النجس ولا نعلم ان الملاقاة كانت في زمان الكرية حتى نقول بصيرورة النجس طاهرا بملاقاتها أو بعدها في زمان النقص حتى نقول بنجاسة الملاقى والملاقى فان استصحاب بقاء الكرية حين الملاقاة لا يثبت كون الملاقاة مع الكر إلّا إذا قلنا بجريان الأصل المثبت فكيف من لا يقول بجريان استصحاب الكرية يقول به هنا فلعل السر خفاء الواسطة في نظرهم هنا لا هناك أو كان المستصحب هو الرطوبة المسرية لا نفس الرطوبة كما قال به شيخنا العراقي (قده) وان كان غير تام عندنا لعدم الحالة السابقة للسراية.

ومن الفروع التي توهم كونه من الأصل المثبت ولم يذكره الشيخ قده هنا هو صورة كون اليد على مال لا نعلم انها يد عدوانية يعنى بدون رضاء المالك أو لا تكون عدوانية فان استصحاب عدم الاذن إلى وضع اليد لا يثبت كون اليد عدوانية مع انه من المتسالم جريان الأصل هنا فيكون دليلا على حجية المثبت عندهم.

وقد أجاب شيخنا العراقي (قده) بان موضوع الضمان ليس اليد العدوانية بل اليد الغير الأمانية فجزء بالوجدان وهو اليد وجزء بالأصل وهو عدم الاذن فلا يكون مثبتا.

١٥٠

وربما قيل كما تعرض له شيخنا النائيني (١) بأن اللازم اما القول بالأصل المثبت في الفرع أو التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية لأن عموم على اليد ما أخذت حتى تؤديه قد خصص باليد الأمانية وعنوان الأمانية أيضا من العناوين التي يحتاج إلى الإثبات وحيث لا طريق إلى إثباته فيكون اليد المشكوكة من الشبهة المصداقية لعموم على اليد فالقول بالضمان يكون من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لعموم على اليد فالقول بالضمان يكون من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ولكن الحق عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية والطريق هو ما ذكره قده من ان الموضوع للضمان مركب من اليد وعدم الاذن كما قال شيخنا العراقي (قده) فلا يكون المقام من الأصل المثبت ولا من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

ومن الفروع استصحاب عدم الحاجب في صورة الشك في وصول الماء إلى البشرة في الوضوء أو الغسل وقد استدل لعدم وجوب الفحص عن الحاجب بأمور فان كان سنده الاستصحاب فيكون مثبتا لأن استصحاب عدم الحاجب لا يثبت وصول الماء إلى البشرة لأنه أثر عادي له فقولهم بجريانه دليل على حجية المثبت ولو كان سنده الإجماع أيضا فيستكشف من وجوده في المورد حجية المثبت (٢) إلّا ان يقال انه سندي وسنده الأصل فيكون المدار نفيا وإثباتا عليه.

وربما يدعى ان السند يكون هو بناء العقلاء كما عن شيخنا العراقي (قده) والحاج آقا رضا الهمدانيّ (قده) نظير بنائهم على جريان أصالة عدم القرينة في صورة الشك في كون اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي أو المجازي ففي المقام يكون بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال المانعية في صورة كون الغالب عدم المانع مثل من كان شغله الكتابة ولا يحصل له المانع ولذا لا يكون الأصل العقلائي جاريا في صورة كون الاحتمال مما يعنى به العقلاء مثل احتمال المانع بالنسبة إلى الجصاص الغلبة

__________________

(١) في فوائد الأصول تقريرات بحثه قده ص ١٨٥.

(٢) أقول هذا على ما احتمل بعض في المقام وإلّا فوجود الإجماع على مورد خاص لو تم يكون بنفسه دليلا على ذلك برأسه ولا ربط له بدليل آخر مثل وجود رواية في مورد خاص فان وجودها لا يكشف عن حجية غير موردها.

١٥١

وجود المانع وهكذا في صورة الشك في مانعية الموجود مثل الشك في كون الخاتم مانعا عن وصول الماء إلى البشرة فان أصالة عدم المانع لا تجري في هذا الفرض لعدم البناء عليه.

وفيه ان أصالة عدم القرينة لا تكون سندا لاستعمال اللفظ في معناه الحقيقي بل المدار على الظهور عند العقلاء سواء كانت أصالة عدم القرينة أو لم تكن فإذا قيل جئني بالماء لا يفهم من الماء الا معناه الحقيقي على ما هو التحقيق في باب الظهورات خلافا للقدماء فان المدار عندهم على أصالة عدم القرينة فالكلام في المقيس عليه غير تام فضلا عن المقيس ولو تم لا يكون القياس تاما لأن بناء العقلاء في أصالة عدم القرينة لا يثبت بنائهم في المقام نعم لو كان لهم بناء مستقل في المقام لا يكون الكلام فيه ويتم المطلوب به.

وقد ادعى الشيخ في الرسائل (١) وجود السيرة في المقام وقال فيها نظر ولعل وجه هو ان المتيقن منها صورة الشك في أصل وجود المانع لا مانعية الموجود لأن مصدر التفتيش عندهم وهو وجود ما من شأنه ان يكون مانعا موجود مع ان السيرة مثل الإجماع سندية وسندها الأصل.

فالحق ان يقال في المقام ان الواسطة خفية فان العرف لا يرى جريان أصالة عدم المانع الا مؤثرا في الحكم بحصول الطهارة ولا يرى الواسطة وهي وصول الماء إلى البشرة.

__________________

(١) أقول كلامه في آخر التنبيه السادس على حسب ترتيبه وعبارته هكذا وربما يتمسك في بعض موارد الأصول المثبتة بجريان السيرة أو الإجماع على اعتباره هناك مثل إجراء أصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده على محل الغسل أو المسح لا ثبات غسل البشرة ومسحها المأمور بهما في الوضوء والغسل وفيه نظر.

(في الرسائل الحاضر عندي ص ٣٦٦)

١٥٢

وقد ذكر شيخنا العراقي (قده) هنا وجها آخر لا نفهمه وهو ان المستصحب هنا يكون هو الماء مع سريانه وجريانه الّذي قد حدث بأول جزء من الغسل لأن مباشرة الماء لهذا الموضوع المشكوك فيه لا يكون لها حالة سابقة لتستصحب فهذا الطريق أيضا غير تام فأحسن الطرق القول بخفاء الواسطة وبعده بناء العقلاء في خصوص المورد على عدم الاعتناء بالشك بالتفصيل الّذي مر.

التنبيه التاسع من تنبيهات الاستصحاب

في ان الملاك في وجوب كون المستصحب هو الأثر الشرعي أو ذو أثر شرعي يكون هو الأثر حال التطبيق يعنى تطبيق دليل الاستصحاب لا الأثر وقت حدوث المستصحب فوجود الأثر بقاء يكفى لجريان الأصل فلو فرض شيء غير مؤثر في ظرف الحدوث ثم كان في ظرف البقاء ذو أثر شرعي يجري فيه الاستصحاب مثل استصحاب العدم فانه في الزمان السابق لم يكن له أثر لأنه عدم ولكن في الزمان اللاحق ربما يكون له الأثر مثل استصحاب عدم التكليف واستصحاب عدم التذكية ومطلق الاعدام الأزلية وقولهم الاستصحاب إبقاء ما كان كما كان لم يرد في لسان الدليل بل مرادهم عدم نقض اليقين بالشك كما هو لسان الدليل فكل مورد صدق النقض وكان له الأثر الشرعي ينطبق الدليل.

فلا يقال ان العدم في السابق لم يكن مجعولا ولم يكن له أثر شرعي أيضا بل ربما يكون بلحاظ حال قبل الشرع الّذي لم يكن الكلام عن الجعل فيه أصلا فكيف يكون في حال تطبيق الدليل ووجود الأثر إبقاء لما كان كما كان لأنه يقال كما مر لا التزام لنا بهذا التعبير بل المدار على صدق النقض ووجود الأثر للعدم ولو بلحاظ استمراره كما في الاعدام الأزلية فيما لا يزال يكفى لتطبيق الدليل كما عن المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية.

فتحصل انه لا إشكال في استصحاب العدم الأزلي من باب عدم الأثر له في الأزل ولكن بعد يبقي مورد قالوا بجريان الاستصحاب فيه مع خروجه عن الابتلاء وعدم

١٥٣

الموضوع لجريان الأصل كما إذا لاقى شيء مع العباء النجس ولم يكن التوجه في ظرف الملاقاة إلى رطوبته لعدم الأثر له في ذاك الحين ثم شك في بقاء الرطوبة للعباء حين الملاقاة فان كانت فتنجس الملاقى له ولا يصح الصلاة معه وإلّا فلا مع فرض خروج العباء عن الابتلاء في هذا الحين لحرقه أو غرقة وغير ذلك فحينئذ يقال بجريان استصحاب بقاء الرطوبة في العباء لترتيب أثر النجاسة في هذا الحين مع ان استصحابها يكون مثل استصحاب العرض بدون الموضوع فان الرطوبة كالعرض للعباء.

ومن المعلوم أن التعبد بالعرض بدون الموضوع وان كان مما لا إشكال فيه ثبوتا وانما الإشكال في بقائه بدونه في التكوين ولكن يمكن ان يقال أن دليل الاستصحاب منصرف إلى التعبد بما هو ممكن في التكوين فان زيدا يمكن ان يكون في حال العدالة كما كان في السابق فإذا شك في وصف العدالة يستصحب واما إذا كان الشك فيها مع العلم بفناء زيد فلا يستصحب لأن العدالة بدون الموضوع وهو زيد لا يمكن في التكوين فيكون الدليل منصرفا عن أمثال هذه الموارد فكيف يمكن تصحيح ما عن الفقهاء من استصحاب الرطوبة من خروج الموضوع لها عن الابتلاء فانه مشكل جدا.

التنبيه العاشر من تنبيهات الاستصحاب (١)

في انه كما يجري الاستصحاب فيما شك في أصل حدوثه وتحققه يجري في صورة الشك في تحققه في بعض اجزاء الزمان والبحث هنا في مقامين.

المقام الأول ان يكون الأثر على نفس الوجود أو العدم في الزمان الخاصّ أو ان يكون الأثر على الوجود المتقدم أو المقارن أو المتأخر مع إحراز هذا الوصف.

__________________

(١) وهو الحادي عشر في الكفاية.

١٥٤

فعلى الأول لا إشكال في جريان الأصل ولا يكون مثبتا مثل ما إذا علم حياة زيد في يوم الخميس وعلم موته في يوم السبت وشك في حياته يوم الجمعة فان استصحاب الحياة في يوم الجمعة يكون جاريا بالنسبة إلى الأثر الّذي يترتب عليها في ذاك اليوم واما لو كان الأثر على تقدم الحياة على يوم السبت وتأخرها عن يوم الخميس فلا يترتب لأن استصحاب الحياة في يوم الجمعة يكون من آثاره العقلية تقدمها على يوم السبت وتأخرها عن يوم الخميس.

وقد اختاره المحقق الخراسانيّ قده في المقام أيضا جريان الاستصحاب بوجوه ثلاثة.

الأول ان الواسطة خفية الثاني أن التقدم والتأخر من اللوازم الّذي لا ينفك عن الملزوم والمثبت كذلك يكون حجة كما ان استصحاب الأبوة يكون اثره بقاء البنوة ولا ينفك إحداهما عن الأخرى والثالث ان يكون المقام من المركبات التي يكون جزء منها بالوجدان وجزء بالأصل فان عدم الموت يوم الخميس بالوجدان وتقدمه على الجمعة بالأصل وعدم الحياة يوم السبت بالوجدان وتأخره عن الخميس بالأصل.

فتحصل ان الأثر لو كان على عنوان التقدم والتأخر أيضا يترتب.

والجواب عنه ان خفاء الواسطة ممنوع لجلائها هنا ولو لم تكن الواسطة هنا جلية لا يكون لنا جلاء الواسطة في مقام واما التضايف في المقام فممنوع (١) لأنه يكون في مثل تقدم موت الأب على الابن فان بينهما التضايف كما ان استصحاب ذات

__________________

(١) أقول الّذي يفهم من هذا الكلام هو ان المستصحب لو كان هو التقدم أو التأخر بالنسبة إلى شيئين يمكن جريان الاستصحاب وإثبات لازمه مثل استصحاب تقدم موت زيد على موت عمر وفان لازمه تأخر موت عمر وعنه.

١٥٥

التقدم يلازمه تأخر غيره والمقام ليس كذلك ولا يكون المقام (١) مما يكون جزء منه بالوجدان وجزء بالأصل لأنه يكون في صورة الشك بين الجوهرين أو العرضين لا ما يكون مركبا من جوهر وعرض وهو الذات ووصف التقدم في المقام فانه لا يثبت الاتصاف هذا كله في المقام الأول من ملاحظة المستصحب مع اجزاء الزمان.

واما المقام الثاني وهو مقام قياس أحد الحادثين مع الآخر وهو مورد توارد الحالتين على شيء واحد مثل ملاقاة الماء مع النجس وصيرورته كرا مع عدم العلم بالتقدم والتأخير ومثل موت المورث وإسلام الوارث مع عدم العلم بالتقدم والتأخر والبحث هنا أيضا في موردين الأول في ملاحظة نفس أحد الحادثين مع الآخر والثاني في حساب صور معلومية تاريخ أحدهما ومجهولية تاريخ الآخر أو الجهل بتاريخهما واما صورة معلومية تاريخهما فلا يكون محل البحث لإحراز التقدم والتأخر ثم قبل الورود في المطلب هنا يجب تقديم مقدمتين.

المقدمة الأولى في أن التقدم والتأخر هل يكونان من الأمور الانتزاعية التي يكون لها منشأ انتزاع كالفوقية والتحية المنتزعة من الفوق والتحت أو يكونان من الاعتباريات التي لا وعاء لها الا الاعتبار مثل الملكية فعلى الأول لا يكون اللحاظ داخلا في حقيقته بل لو لم يكن لاحظ أصلا يكون له تقرر بمنشإ انتزاعه وعلى الثاني فلا بد من اللحاظ لأن الاعتبار يكون قوامه بالمعتبر.

فقال المحقق الخراسانيّ قده انهما من الأمورات الاعتبارية ومن المحمولات بالضميمة لا من المحمول بالضميمة فان المقدم مقدم بدون الاحتياج إلى المؤخر.

ولكنا نقول انهما من الانتزاعيات لعدم انتزاع وصف التقدم من المتقدم

__________________

(١) هذا غاية التقريب لكلامه مد ظله وكان بيانه في مجلس الدرس أجمل وأضف إليه ان التقدم والتأخر في هذا الفرض لا حالة سابقة لهما ليمكن استصحابهما ومع إحراز التقدم والتأخر بالنسبة إلى زمانين كإحراز تقدم الحياة على الجمعة لا احتياج إلى الاستصحاب.

١٥٦

الا بعد وجود المتأخر وقبل ذلك لا يمكن انتزاع هذا الوصف ووجه توهم كونهما اعتبارا محضا هو ان الزمان من البعد الموهوم ولا يكون له قوام في الخارج والتقدم والتأخر يكون بلحاظه.

ثم الاعتبارية والانتزاعية هل يكون لها دخل في جريان الاستصحاب وعدمه فيه بحث وقد توهم شيخنا العراقي (قده) ان الاستصحاب يكون جاريا في صورة كون التقدم والتأخر من الانتزاعيات (١) ولكن المحقق الخراسانيّ (قده) قال بأن الاستصحاب يجري مطلقا ولا دخل لهذا الاختلاف فيه وهو الحق لأن المدار فيه علي صدوق النقض وعدمه والبقاء على الموجود الاعتبار أيضا يكون بحسبه.

المقدمة الثانية في انه هل يكون لنا ضابطة لاستفادة التقدم أو التأخر أو التقارن في الوجود بالنسبة إلى الشيئين من لسان الدليل أم لا فربما قيل بان الأثر إذا كان في لسان الدليل على شيء مع عرض من الاعراض يكون الظاهر منه النعتية يعنى ان الموضوع للحكم يكون كلاهما وان كان التفكيك في التعبد بين العرض والمعروض جائزا فانه يمكن التعبد بعدالة زيد مع موته ولكن في صورة التصريح في الدليل بذلك وإلّا فالظاهر من ذكر العرض مع الموضوع هو الاتصاف واما في العرضين مثل إسلام الوارث وموت المورث فلا يكون الاتصاف بل التقارن في الوجود فقط وكذا في الجوهرين ولا احتياج إلى الاتصاف فان الإسلام يستصحب ولا يلزم ان يثبت اتصافه بكونه بعد موت المورث وكذا حياة المورث يستصحب من دون الاتصاف بكونها في ظرف الإسلام.

وبعبارة أخرى العرض وجوده في نفسه اما ان يكون عين وجوده في غيره أو غير

__________________

(١) أقول وتفصيل الكلام في تقريرات بحثه وحاصلة ان الانتزاع حيث يكون له منشأ الانتزاع يصح استصحابه لوجود الحالة السابقة الوجودية والاعتبار حيث لا يكون كذلك فلا يكون شيئا يمكن استصحابه وجوابه يكون كما قررناه

١٥٧

وجوده في غيره فعلى التقديرين ففي الجوهر والعرض يستظهر الاتصاف وإثبات الوجود الرابط بينهما من الدليل بخلاف الجوهرين أو العرضين إلّا ان يكون التصريح في لسان الدليل بالتعبد بوجود العرض بدون الموضوع.

فإذا عرفت ذلك فاما أن يكون الحادثان اللذان يقاس أحدهما بالآخر معلومي التاريخ واما مجهولي التاريخ أو يكون أحدهما مجهولا والآخر معلوما فالأوّل خارج عن محل الكلام لأنه مع العلم بتاريخهما لا يكون الشك في التقدم والتأخر واما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ أو كانا مجهولي التاريخ فالبحث اما ان يكون في مفاد كان التامة وليس التامة مثل استصحاب نفس الحياة أو استصحاب عدم إسلام الوارث أو يكون بنحو كان الناقصة وليس الناقصة مثل استصحاب حياة المورث في ظرف إسلام الوارث واستصحاب عدم إسلام الوارث في ظرف موت المورث فلا بد من ملاحظة جريان الاستصحاب على كلا التقديرين.

فنقول ان المشهور في صورة مجهولة تاريخ أحدهما هو جريان الاستصحاب في المجهول وعدم جريانه في المعلوم فإذا علمنا بتاريخ إسلام الوارث وكان الشك في موت المورث قبل إسلامه يستصحب حياة المورث إلى وقت إسلام الوارث ويترتب عليه الأثر وهو كون هذا الشخص لكونه مسلما حين موت المورث سهيما في التركة ولا نحتاج إلى إثبات كون الإسلام في حين الموت بل يكون من الموارد التي يكون جزء منها بالأصل وجزء منها بالوجدان فان إسلام الوارث حاصل بالوجدان وحياة المورث إلى وقت إسلام الوارث مشكوكة فتستصحب.

وبعبارة أخرى يكون الحياة عرض من الاعراض والإسلام أيضا كذلك فهما من العرضين الذين يكون أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل من دون الاتصاف بينهما كما في استصحاب الجوهرين الذين لا ربط بينهما لأن الجوهر لا يوصف بالجوهر واما موت المورث في ظرف إسلام الوارث فحيث لا يكون له حالة سابقة لا يمكن استصحابه وهكذا إذا كان تاريخ الإسلام مجهولا وتاريخ موت المورث معلوما يستصحب عدم إسلام

١٥٨

الوارث إلى حين موت المورث واثره عدم كونه شريكا في التركة ولا يعارض الاستصحاب في المجهول الاستصحاب في معلوم التاريخ لعدم جريانه لعدم الشك فيه فان الإسلام إذا كان تاريخه يوم الجمعة لا شك فيه حتى يكون أركان الاستصحاب موجودا وكونه في ظرف موت المورث وان كان مشكوكا ولكن لا ربط له بالاستصحاب لأن مفاد دليله جر المستصحب في عمود الزمان لا جره بالنسبة إلى حادث آخر.

فتحصل ان الاستصحاب في معلوم التاريخ لا يجري بمفاد كان التامة والناقصة وهكذا بمفاد ليس التامة والناقصة واما في مجهوله يكون جاريا بمفاد كان التامة أو ليس التامة لا الناقصة هكذا قيل كما عن شيخنا النائيني (قده).

ولكن يمكن ان يقال عدم جريان الاستصحاب بمفاد ليس الناقصة وكان الناقصة يكون ممنوعا إذا كان بنحو النعتية واما إذا كان بنحو العدم الأزلي فلا إشكال فيه الا الإشكال في الاستصحاب العدم الأزلي في جميع المقامات ففي المثال يمكن ان يقال ان إسلام الوارث حين لم يكن لم يكن مقارنا لموت المورث فحدث ولا نعلم انه كان مقرونا أم لا فالأصل عدم كونه مقرونا به وهذا يكون معارضا باستصحاب عدم موت المورث إلى حين إسلام الوارث ثم ان الّذي ينبغي ان يقال هو ان دليل الاستصحاب منصرف عن صورة كون الحادث معلوم التاريخ لأن مفاده هو جر المشكوك من حيث الزمان كما في المثال بالطهارة الّذي في النص فانها مشكوكة بالنسبة إلى عمود الزمان فتستصحب وإذا كان الشك من جهة ملاحظة هذا الحادث مع حادث آخر فلا تعرض للاستصحاب له ففي المقام ما كان تاريخه معلوما لا شك فيه من حيث الزمان ويكون الشك في مقارنته أو تقدمه أو تأخره عن حادث آخر وهذا الشك لا يطرد بالاستصحاب لانصراف الدليل.

فتحصل ان الاستصحاب لا يجري بالنسبة إلى معلوم التاريخ لوجود هذا الإشكال فيه.

وربما يقال كما عن شيخنا النائيني قده ان الشك في معلوم التاريخ مسبب عن

١٥٩

الشك في المجهول فإذا جري الأصل في المجهول لا يبقى الشك في المعلوم ليجري الأصل فيه والجواب عنه ان هذا كان كذلك تكوينا ولكن الملاك في السببية والمسببية هو ان تكون الطولية شرعية كما في الشك في الطهارة الثوب النجس المغسول بالماء المشكوك طهارته فان الشارع جعل من شرط طهارة النجس طهارة الماء وفي المقام يكون الموضوع للإرث هو إسلام الوارث وموت المورث فإذا كان جزء منه بالوجدان وهو الإسلام وجزء بالأصل وهو عدم الموت إلى حين الإسلام يكون حصول المركب بحصول اجزائه تكوينيا فالحق هو الانصراف في الدليل عن الصورة كون التاريخ معلوما لكون دليل الاستصحاب مختصا بصورة كون الشك في عمود الزمان.

واما صورة كون الحادثين مجهولي التاريخ فاما ان يكون الأثر لكلا الحادثين واما ان يكون لأحدهما فقط فإذا كان الأثر لكليهما فالنزاع بين العلامة الأنصاري (قده) وبين المحقق الخراسانيّ (قده) في الجريان وعدمه فان الأول قد اختار الجريان وقال بالتعارض والتساقط والثاني يقول بعدمه والدليل على الجريان هو إطلاق دليل الاستصحاب وهو لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر الشامل للمقام أيضا ولا مانع منه الا ما عن المحقق الخراسانيّ قده من المنع وحاصله ان اليقين والشك المأخوذين في لسان الدليل لا بد من اتصالهما ليكون المتيقن هو المشكوك ويكون الاختلاف باختلاف زمان الحدوث والبقاء وفي المقام ليس كذلك.

وبيانه ان لنا ثلاث أزمنة زمان اليقين بعدم الحادثين وزمان الشك فيهما وزمان اليقين بوجودهما ففي مثال الإسلام والموت يكون يوم الأربعاء مثلا زمان العلم بعدم الموت وعدم الإسلام ويوم الخميس زمان العلم بحدوث الموت والإسلام فان استصحاب الحياة إلى زمان الإسلام وهو يوم الجمعة غير جار لاحتمال ان يكون الموت يوم الخميس للعلم الإجمالي بحدوث الموت اما يوم الخميس أو يوم الجمعة فلو كان الموت في الواقع يوم الخميس لصار غاية للحياة فاليقين بالحياة يوم الأربعاء غير متصل بالشك يوم الجمعة مع ان دليل لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر

١٦٠