مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

ولا بأس بثمن العذرة أو بالعرض كما إذا قام الإجماع على عدم وجوب صلاتين في ظهر يوم الجمعة على المكلف فيتعارض دليل وجوب الجمعة ودليل وجوب الظهر من جهة مانع خارجي وهو الإجماع وإلّا فلا مانع في الجمع بينهما.

وهذا بخلاف المثال المتقدم فان سحتية ثمن العذرة وعدمها لا تجتمعان أصلا فالتنافي في ذاتهما لا من الخارج والمدلولان حيث لا يجتمعان ضرورة عدم اجتماع السحتية واللاسحتية لا يجتمع الدليلان.

ثم عدل المحقق الخراسانيّ قده عن هذا التعريف فقال بان التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة في مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد وقد توهم المحشين من هذا الكلام هو ان مراده قده منه هو التنافي في الكاشف في مقابل شيخه القائل بالتنافي في المنكشف وهو المدلول.

ولكن ليس مراده قده هذا المعنى بل مراده هو تنافي الحجتين وتكذيب

__________________

ـ التنافي في الملاك أيضا على ما هو الحق.

فالتعارض هو تنافي الدليلين لتنافي المدلولين الذين هما الحكمان المتنافيان ولذا لا ترى التنافي بين وجوب صلاة الظهر وصلاة الجمعة يوم الجمعة ابتداعا لعدم تنافيهما ذاتا فلو دل إجماع على عدم وجوب الجمع يكون هذا موجبا للتنافي ومنشأ لضدية أحد الوجوبين مع الآخر كضدية الوجوب والحرمة ويفهم التنافي في المدلول الالتزامي لكونهما ضدين.

فما أضاف المشهور إلى تعريفه من ان التعارض تنافي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد في محله.

وما ذكره مد ظله من عدم الاحتياج إلى إضافة التضاد واكتفائه بالتنافي الالتزامية يكون اعترافا بمنشإ الالتزام وهو الضدية.

ضرورة ان الضدين امران وجوديان لا يجتمعان والوجوب والحرمة ووجوب صلاة الظهر مع وجوب صلاة الجمعة على فرض عدم وجوب غير الواحدة منهما كذلك.

٣٦١

إحداهما الأخرى بمدلولها الالتزامي وهذا لا ربط له بالمدلول ابتداء.

والتنافي بين الملاكين للبعث والزجر غير مفيد لما نحن بصدده من القول بالتساقط حسب الأصل الأولى وبالتخيير أو الترجيح بالأصل الثانوي وهو ما دل من الاخبار هذا في البعث والزجر.

واما التنافي بين البعثين كما في صلاة الجمعة والظهر فيكون من باب قيام الدليل من الخارج على كذب أحدهما فالعلم الإجمالي هو الموجب لتنافي الحجتين ثم الثمرة بين مسلك العلمين (قدهما) هو انه على مبني الشيخ قده يكون الحاكم والمحكوم والوارد والمورود والعام والخاصّ والمطلق والمقيد داخلا في بحث التعارض ويكون خروج الموارد عن حكمه من باب التخصيص في الحكم من باب انصراف الدليل عنها.

واما على مبنى المحقق الخراسانيّ قده يكون الخروج خروجا موضوعيا لعدم تكذيب إحدى الحجتين الأخرى بعد التدبر.

ثم ان المشهور تعرضوا للتنافي على وجه التضاد في تعريفهم ليدخل مورد العلم الإجمالي بكذب أحد البعثين في الضابطة والحق عدم الاحتياج إلى هذا القيد لأن التعارض فيهما أيضا من جهة المدلول الالتزامي في كل بعث بعد العلم الإجمالي بكذب أحدهما كما انه كذلك في مثل يجب الصلاة ويحرم الصلاة في الجمعة فان التنافي في المدلول الالتزامي.

ثم لا يخفى ان البحث في التعارض يكون في صورة إحراز حجية كلا الدليلين لو لا التعارض واما مع عدم إحرازها من جهة الإشكال في الصدور أو الجهة في أحد الخبرين فهو خارج عن البحث لأنه من موارد اشتباه الحجة واللاحجة.

فتحصل من جميع ما تقدم ان الضابطة في التعريف هو تنافي الدليلين من حيث الدليليّة خلافا للشيخ قده ولا احتياج إلى إضافة قيد التضاد خلافا للخراساني قده

٣٦٢

الأمر الثاني في بيان ضابطة التعارض والتزاحم

ولا يخفى ان البحث في ما نحن بصدده في التعادل والترجيح يكون في التعارض ولا يكون البحث في التزاحم ولكن نحتاج في البحث عن التزاحم أيضا ليتضح موضوع التعارض للرجوع إلى المرجحات في هذا الباب ولا يشتبه أحدهما بالآخر لأن مرجحات باب التزاحم غير مرجحات باب التعارض فان المناط فيه أقوائية الملاك بإحراز أهمية أحد المتزاحمين على الآخر أو احتمال أهميته وفي المقام أقوائية السند.

فلا بد من إحراز الموضوع ببيانه والبحث هنا في جهات.

الجهة الأولى البحث في مقام الثبوت فنقول ملاك التزاحم عندنا هو ان يكون الحكم على العنوانين المتمايزين (١) مع التمانع في مرحلة الامتثال لعدم القدرة على أحدهما وهكذا التمانع في مرحلة الإنشاء والإرادة والمصلحة مثل وجوب إنقاذ أحد الغريقين لعدم القدرة على إنقاذهما.

واما التعارض فهو ان يكون الحكم على العنوان الواحد في مقام الجعل والامتثال مع العلم بكذب أحد الحكمين على العنوان الواحد.

فملاك التزاحم هو عدم قدرة العبد على الجمع بين التكليفين وملاك التعارض هو وحدة العنوان المأمور به والمنهي عنه والتكاذب بين الخطابين يكون في جميع المراتب في مقام الجعل مثل صل الجمعة ولا تصلها أو بتعبير آخر تجب صلاة الجمعة ولا تجب أو تجب وتحرم.

__________________

(١) أقول وأضف إليه أو يكون الحكم على الفردين أو الافراد من عنوان واحد فإن الإنقاذ عنوان واحد ويتصور التزاحم فيه بلحاظ تزاحم الافراد كما لا يخفى.

٣٦٣

في ضابطة التزاحم والتعارض عند النائيني قده

ثم العمدة في المقام التعرض لكلام شيخنا النائيني قده في ضابطة التزاحم والتعارض وحاصله هو ان ملاك التعارض هو عدم وجود الخطاب والملاك الا للواحد ففي مقام الامتثال اما ان يكون الملاك لوجوب الصلاة في الجمعة مع عدم الملاك للظهر أو الملاك لتركها فيها مثلا ووجود الملاك لصلاة الظهر فيها فقط وفي مقام الإرادة والحب والإنشاء أيضا كذلك فالمراد والمحبوب والمنشأ واحد فقط اما الفعل أو الترك.

واما الملاك في باب التزاحم فهو عدم قدرة العبد على الامتثال بالنسبة إلى المتزاحمين في مقام الامتثال فقط واما في مقام الجعل الإنشائي والإرادة والحب والملاك فلا إشكال في الحكمين ولا تزاحم.

فيمكن إنشاء الخطابين على إنقاذ هذا الغريق وذلك ولو لم يقدر المكلف الأعلى امتثال أحد الخطابين في مقام الامتثال ففي هذا المقام يقيد إطلاق الخطاب في أحدهما بعدم الإتيان بالآخر وهذا هو الفارق بين التزاحم والتعارض.

والحاصل يكون التمانع في التعارض في جميع مراتب التكليف وفي التزاحم في مرتبة الامتثال فقط لعدم القدرة على الجمع عقلا أو لقيام الدليل من الخارج على عدم وجوب الجمع بينهما كما في بعض فروع زكاة المواشي كما لو كان المكلف مالكا لخمس وعشرين من الإبل في ستة أشهر ثم ملك واحدا آخر من الإبل وصارت ستة وعشرين فمقتضى أدلة الزكاة هو وجوب خمس شياة عند انقضاء حول الخمس والعشرين ووجوب بنت مخاض عند انقضاء حول الستة والعشرين.

ولكن قام الدليل على ان المال لا يزكى في عام واحد مرتين فيقع التزاحم بين الحكمين لأنه لا بد من سقوط ستة أشهر اما من حول الخمس والعشرين واما من حول الستة والعشرين فانه لو لا السقوط وبقاء كل حول منهما على حاله يلزم تزكية المال

٣٦٤

في ظرف ستة أشهر مرتين ولكن الغالب هو صورة عدم القدرة على الامتثال في آن واحد لكليهما.

ثم بين للتزاحم أقساما خمسة.

الأول في صورة كون ذلك من باب اتحاد متعلقي الخطابين من باب الاتفاق كما في موارد اجتماع الأمر والنهي في الصلاة في الدار المغصوبة فان متعلق النهي هو الغصب ومتعلق الأمر هو الصلاة ولهما مورد افتراق وقد اتفق الاجتماع هذا على فرض كون التركيب بين الصلاة والغصب انضماميا مثل المادة والصورة فانهما متحدتين في الوجود متمايزتين في الذات واما على فرض القول باتحادهما كالجنس والفصل من حيث الذات فهو من باب التعارض لعدم إمكان تعلق الأمر والنهي بوجود واحد.

القسم الثاني من موارد التزاحم هو صورة اتفاق الملازمة بين متعلقي الحكمين مثل صورة لزوم استدبار القبر المطهر للإمام عليه‌السلام من إتيان الصلاة إلى القبلة فان هذا من موارد الاتفاق وليس دائما كذلك فيكون من باب التزاحم.

اما في صورة كون الملازمة دائمية فيكون من صغريات باب التعارض وهذا مثل حرمة استدبار الجدي ووجوب الصلاة إلى القبلة ففي البلاد التي تكون مواجهة القبلة دائما ملازمة مع استدبار الجدي كالعراق فلا يكون من باب التزاحم لامتناع جعل الحكمين الذين يلزم من امتثال أحدهما مخالفة الآخر دائما.

القسم الثالث هو صورة اتفاق كون متعلق أحد الحكمين مقدمة لامتثال الحكم الآخر كما في صورة لزوم الدخول في الدار المغصوبة لإنقاذ الغريق فان التصرف فيها حرام وإنقاذ الغريق واجب مع عدم السبيل إلى النجاة الا بهذا النحو فهذا من موارد المتزاحمين الذين لا بد من ملاحظة الأهمية في تقديم أحد الحكمين وإذا كان هذا دائميا يكون من باب التعارض لما مر.

القسم الرابع هو ان يكون المضادة بين متعلقي الحكمين من باب الاتفاق

٣٦٥

أيضا لا دائما مثل اتفاق نجاسة المسجد وقت ضيق وقت الصلاة.

والقسم الخامس هو ان يكون أحد المتعلقين مترتبا في الوجود والامتثال على الآخر مثل وجوب القيام في ركعات الصلاة مع عدم قدرة المكلف الا للقيام في ركعة واحدة اما الأولى أو الثانية فان التزاحم بين الخطابين من باب عدم القدرة الا على امتثال أحد الخطابين فهذه الخمسة جملة أقسام التزاحم.

ثم الثمرة في جعل الخطابين في باب التزاحم في مقام الإنشاء هو عدم احتياج المولى إلى إنشاء جديد بعد حصول القدرة على الامتثال بواسطة الجهل بالحكم الآخر هذا كلامه رفع مقامه.

ويرد عليه أولا بان البحث في التزاحم والتعارض يكون من جهة الرجوع إلى مرجحات كل باب في مقام الدوران فان الملاك في تقديم أحد الأطراف في باب التزاحم هو أقوائية الملاك في أحد الأطراف عند العقل وفي باب التعارض هو أقوائية السند في أحدهما عند الشرع والجعل في مقام الإنشاء وعدم الجعل في ذاك المقام غير مربوط بما نحن في صدده فان الحاكم في التزاحم هو العقل وهو يرى المصادمة في الملاك ولا ينظر إلى إمكان الجعلين وعدمه في مقام الجعل ، وثانيا ان المولى في مقام (١) الإنشاء كيف ينشئ الحكم على غير القادر مع

__________________

(١) أقول ان كان المراد بالإنشاء هو الاخبار بمطلوبية كلا المتزاحمين فهو غير مربوط بعالم الامتثال فمن الممكن ان يكتب المولى في دفتر قانونه ان المطلوب والمحبوب لي هو إنقاذ الغريقين ولو من زيد ولكن في مقام الخطاب لا يبعث إلّا بواحد وان كان ينتف لحيته في مقام الجعل من جهة عدم قدرة العبد على الامتثال بالوجدان.

ومعناه انه لو فرض انقلاب حاله من عدم القدرة إلى القدرة لكان التكليف فعليا بالنسبة إلى الجميع.

ولا تنحصر الثمرة بصورة الجهل بأحد المتزاحمين بل في صورة العلم مع انقلاب حاله ـ

٣٦٦

ان القدرة شرط عقلي لكل تكليف فاما ان يكون الإنشاء بنحو الإهمال وهو ممنوع واما بنحو الإطلاق وهو أيضا ممنوع لعدم القدرة.

فلا بد ان يكون مقيدا بصورة عدم إتيان الآخر فلا يمكن الإنشاء في مقامه أيضا كما لا يمكن فعلية التكليف بالنسبة إلى الطرفين في مقام الامتثال فالفرد الغير المقدور لا إنشاء بالنسبة إليه.

ولا ثمرة لذلك أيضا فان التكليف بنفس انحلاله يشمل في صورة الجهل بأحد المتزاحمين للفرد الآخر المعلوم ولا نحتاج إلى الإنشاء كذلك.

__________________

ـ إلى القدرة لا يحتاج إلى تكليف على حدة.

مضافا بأنه قده يكون في مقام بيان المائز ثبوتا ولو لم يترتب عليه الثمرة كما يقول مد ظله ان التكليف بانحلاله على الافراد يغنى عن جعله كذلك.

وان كان هذا في خصوص مثل الأمر بالإنقاذ بلحاظ الفردين واما مثل الأمر بالصلاة وبالإزالة عن المسجد فلا ينحل امر الصلاة على الإزالة كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر ان ما قاله مد ظله من الإشكال الأول عليه لا يتم من جهة ان المائز الثبوتي إذا كان كذلك يفيد في مقام الرجوع إلى المرجحات والتزاحم وان كان في الملاك ولكن الحكم يجعل التكليفين إنشاء معناه ثبوت الملاكين بل ثبوت الجعل في طولهما أيضا.

واما قوله مد ظله بالتزاحم على فرض كون التركيب بين الصلاة والغصب اتحاديا في اشكاله الثالث فائضا لا يتم لأنه بعد عدم إمكان الانفكاك في أي وقت كيف يمكن الإنشاءان فان الملاك في التزاحم هو عدم القدرة على الامتثال الّذي يمكن انقلابه إلى القدرة واما عدم القدرة الدائمية فهي مانعة عن الجعلين ، ومن هنا ظهر الإشكال في الإشكال الرابع فان دوام التنافي مانع عن الجعل.

والمولى الحكيم لا يكون لاغيا في جعل التكليفين في صورة التفات المكلف وفي صورة الجهل بأحد العنوانين لا يكون الجعل من أول الأمر الا واحدا.

٣٦٧

وثالثا ما قال من ان التزاحم في القسم الأول يكون في صورة كون التركيب بين الصلاة والغصب انضماميا لا اتحاديا لا يتم لأنه على فرض الاتحاد أيضا يمكن تعلق الأمر والنهي في مقام الإنشاء بالجهة لأنه على فرض الاتحاد أيضا لا إشكال في تعدد الجهة.

وثمرته هو بقاء أحد الإنشاءين في مقام الفعلية أيضا عند الجهل بأحد العنوانين فان الصلاة صحيحة عند الجهل بعنوان الغصب.

ورابعا لا وجه لما كرره قده من ان الملازمة الدائمية توجب كون المورد من صغريات باب التعارض لأنه إذا أحرزنا الملاك لكل جهة من الجهات لا بد من تقديم أقوى الملاكين لا تقديم أقوى السندين الّذي هو ملاك الترجيح في باب التعارض.

وذلك لما ذكرنا من ان البحث في عنوان التزاحم والتعارض يكون لفهم الرجوع إلى مرجحات هذا الباب أو ذاك ولا أدري كيف منع الملازمة الدائمية عن القول بجعل الإنشاءين الّذي هو مسلكه قده في باب التزاحم فان قلت كيف يبقى الملاك لهما مع العلم بسقوط أحد الخطابين قلت سيجيء الجواب عن هذا بما حاصله هو بقاء الملاك بعد سقوط الخطاب أيضا.

وخامسا ان (١) التكاذب في الجعل مطلقا لا يكون ملاك التعارض فربما يكون التكاذب في الجعل ويكون من باب التزاحم كما في العامين من

__________________

(١) أقول قد مر منا في الجزء الأول من الكتاب ان مورد الاجتماع في العامين من وجه لا يرجع فيه إلى مرجحات باب التزاحم ولا التعارض لأنه يلزم منه التبعيض في السند على فرض الرجوع إلى المرجحات في باب التعارض.

والخطاب ساكت عن مورد الاجتماع فان العالم الفاسق موضوع على حدة فلا بد من بيان حكمه بدليل آخر غير خطاب أكرم العالم ولا تكرم الفاسق فلا يرجع فيه إلى مرجحات باب التزاحم أيضا بل يرجع إلى الأصل العملي لو لم يوجد دليل اجتهادي لبيان حكمه.

٣٦٨

وجه فان التكاذب يكون من جهة فعلية التكليف وانحلاله ولا يكون التكاذب في مقام الإنشاء.

فتحصل ان كلامه قده لا يمكن التزامه بوجه.

والحق عندنا كما مر في صدر البحث هو ان الملاك في باب التزاحم هو تعدد العنوان مع عدم القدرة على الامتثال بالنسبة إلى كليهما وملاك التعارض وحدة العنوان.

ومع تعدد العنوان لا فرق بين الحكمين إذا كانا من سنخ واحد كالوجوب في مثل صل وأزل النجاسة عن المسجد أو كانا من سنخين كالواجب والحرام في مثل صل ولا تغصب وفي الصلاة والغصب لا فرق بين ان يكون التركيب في مورد الاجتماع انضماميا كما هو رأى بعض أو اتحاديا كما عن آخر فان عنوان الصلاة غير عنوان الغصب فيكون من باب التزاحم لا التعارض.

فما عن شيخنا النائيني قده من الفرق بين التركيب الاتحادي والانضمامي في الصلاة في الدار المغصوبة من قوله بالتعارض على الاتحادي وبالتزاحم على الانضمامي غير وجيه بعد تعدد العنوان هذا كله في البحث في مقام الثبوت.

الجهة الثانية

في إثبات التزاحم والتعارض من الخطاب

ولا بد في هذا المقام من إثبات وجود الملاكين مع عدم القدرة على الاجتماع ليحصل التزاحم بينهما فيرجع إلى مرجحات هذا الباب والعمدة هنا التوجه إلى ان أحد الخطابين إذا سقط عن الحجية فمن أين يثبت الملاك بعد سقوط الخطاب ضرورة ان كشفه كان بالخطاب لعدم الطريق إلى المصالح والمفاسد عند الشرع الا بالكاشف الّذي هو الخطاب.

ولهم في إثبات الملاك بعد سقوط الخطاب طريقان الأول وهو المشهور من

٣٦٩

من التمسك بإطلاق المادة بعد سقوط إطلاق الهيئة عن مورد الابتلاء بالمزاحم فان إنقاذ هذا الغريق واجب في صورة عدم وجوب إنقاذ ذاك مع عدم قدرة العبد على الجمع وبالعكس ولكن ما سقط يكون هو الأمر.

واما إطلاق مصلحة الإنقاذ حتى لصورة عدم القدرة فلا مانع منه فنفس الإنقاذ فيه المصلحة ولو كان في الفرد مزاحما بالفرد الآخر من جهة عدم القدرة على الامتثال وهذا العدم تقيد المصلحة والملاك بالقدرة في لسان الشرع وانما هي شرط عقلي في مقام الامتثال.

فإطلاق المادة يثبت الملاك حتى في صورة عدم القدرة على الامتثال ولذا في صورة الشك في القدرة لا بد من الإقدام على العمل حتى يظهر عدمها فلو كانت شرطا شرعيا للتكليف لم يكن وجه لوجوب الإقدام بدون إحرازه فهذا الوجه دليل على ثبوت الملاك بعد سقوط الخطاب.

ويرد عليه ان التمسك بإطلاق المادة يكون صحيحا في صورة عدم وجود ما يحتمل القرينية في المقام وفي المقام نحتمل ان يكون الملاك مختصا بصورة وجود الخطاب فبسقوطه نحتمل سقوط الملاك وعدم بيان المولى قيد القدرة يمكن ان يكون اتّكالا على سقوط الخطاب فان سقوطه يحتمل ان يكون بيانا لسقوط الملاك بعدم القدرة فهذا الطريق غير تام عندنا.

والحاصل لا بد من تقييد الخطاب في أحد المتزاحمين بعدمه على الآخر لعدم القدرة ولا يمكن القول بإطلاق كون المادة ذات مصلحة ولو بدون الخطاب بصرف عدم ذكر القيد لاحتمال سقوطها بسقوطه.

الطريق الثاني وهو المختار هو ان سقوط الخطاب عن الحجية لا يوجب سقوط الملاك وان الملاك في حدوثه وان كان متوقفا على الخطاب واما في بقائه يمكن ان لا يكون متوقفا عليه.

لأن للخطاب مدلول مطابقي ومداليل التزامية فان المدلول المطابقي هو

٣٧٠

البعث بالوجود وفي طوله المداليل الالتزامية وهي كون المكلف به تحت إرادة الآمر وكونه محبوبا له وكونه عن ملاك ضرورة ان ملاحظة الملاك مما يوجب محبوبية الشيء مما يوجب الإرادة والجزم والعزم على طلبه وهذه الظهورات للخطاب مما لا ينكر.

وكل في طول الآخر من جهة التكوين ولكن لا إشكال في اعتبار المعتبر حجية الجميع عرضا لا طولا فإذا سقط الخطاب عن الحجية لا يسقط الظهور في الملاك والمحبوبية وان سقطت الإرادة الفعلية التي لازمها البعث نحو العمل فأحد الخطابين وان سقط عن الفعلية في المتزاحمين ولكن الملاك باق بحاله فيتزاحمان.

فان قلت الإشكال السابق الّذي توجه إلى القائلين بإطلاق المادة من احتمال قرينية الخطاب لكون المادة مقيدة بصورة القدرة على الامتثال يكون متوجها عليكم أيضا لاحتمال دخل القدرة في الملاك وعدم ذكر الدخل لعله من جهة اتكال المولى على ان المكلف يلتفت إليه بواسطة سقوط الخطاب فكيف يمكن إحراز الملاك بعد سقوطه.

قلت ليس كل ما يحتمل قرينيته موجبا لصرف الإطلاق فان القرائن العقلية على قسمين قسم محفوف بالكلام وقسم لا بد فيه من التدبر والتعقل في مرتبة ما دون الخطاب والمقام يكون من هذا القبيل.

ولذا ترى مثل شيخنا النائيني قده يقول بإمكان التكليف في مقام الإنشاء بالنسبة إلى المتزاحمين دون المتعارضين فلا يكون صرف الخطاب مثل صل وأزل النجاسة عن المسجد بحيث يحكم العقل بسقوط أحد الخطابين واحد الملاكين ابتداء.

وهكذا ترى بعضهم يقول بجواز اجتماع الأمر والنهي في الواحد ذي الجهتين

٣٧١

كالصلاة في الدار المغصوبة (١).

والحاصل لا يمكن الاتكال على سقوط الخطاب في تقييد الملاك بالقدرة.

ومن الشواهد لنا على بقاء الملاك بعد سقوط الخطاب هو قولهم بالتزاحم في الملاكين فلو لا بقائهما كيف يمكن القول بالتزاحم.

ومن الشواهد قولهم بالترتب فانه لو لا بقاء ملاك الأقوى والأضعف كيف يمكن القول بالخطاب بالنسبة إلى المهم بعد سقوط خطاب الأهم بالعصيان فلا بد من القول ببقاء الملاك بعد سقوط الخطاب فتحصل ان إثبات التزاحم يكون بواسطة إثبات الملاكين ولو لم تكن القدرة الا لامتثال أحدهما هذا ملاك إثبات التزاحم.

واما التعارض فهو ان وحدة العنوان بنفسها شاهدة على عدم إمكان البعث والزجر بشيء واحد فان الصلاة في يوم الجمعة كيف يمكن ان تكون مأمورة بها ومنهية

__________________

(١) أقول القدرة شرط عقلي لكل خطاب قبل ملاحظة المزاحمة وسقوط الخطاب لعدمها ومن القرائن الحافة فكما نحتمل سقوط إطلاق المادة بسقوطه كذلك نحتمل سقوط المداليل الالتزامية بواسطة سقوط الخطاب.

وصرف احتمال اعتبار حجية المداليل الالتزامية في عرض المطابقية لا يكفى لإثباته بعد عدم الدليل من الشرع عليه مع ان العلة للحدوث هو الخطاب وهو الكاشف فقط فإذا كان انحلال الخطاب على الأحمد مثلا محالا لعدم القدرة فلا يكفى وجود الملاك لوجود الخطاب على المحمود.

والحاصل مع عدم استعداد زيد لتأثير مصلحة الصلاة في وجوده في هذا الوقت الخاصّ يكون القول بوجود المصلحة الفعلية له في هذا الوقت من المحال.

ولذا لا نقول بوجود الملاكات الفعلية في التزاحم كما في التعارض غاية الأمر العلم الإجمالي بوجود خطاب واحد في البين هو الموجب للقول بوجوب امتثال واحد مع كونه من الدوران بين المحذورين.

٣٧٢

عنها وثمن العذرة كيف يمكن ان يكون سحتا وغير سحت فان كل واحد من الخطابين يكذب الخطاب الآخر.

وبتقريب آخر ان الأمر كاشف عن المصلحة في المأمور به والنهي كاشف عن المفسدة في المنهي عنه والعقل يحكم بأنه اما يلزم طرد المصلحة بالمفسدة أو طرد المفسدة للمصلحة لعدم إمكان الاجتماع ولا فرق في هذه الجهة بين كون المضادة والمناقضة بنحو يجب ولا يجب أو يجب ويحرم وبين العام والخاصّ مثل صل ولا تصل في الحمام أو بنحو العامين من وجه مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فان العالم الفاسق الّذي هو متعلق متعلق التكليف وهو الإكرام لا يمكن اجتماع أكرم ولا ـ تكرم عليه.

فتحصل ان التنافي الحكمين الذين لا يمكن اجتماعهما بوجه في عنوان واحد هو ملاك التعارض.

__________________

غاية الأمر الحاكم في المتزاحمين هو العقل وهو حيث يرى المانع لفعليتهما قصور المكلف يحكم بأن الضرورات تتقدر بقدرها فلذا يحكم بتعيين الأهم أو محتمل الأهمية وبالتخيير مع التساوي ولا شك للعقل في حكمه.

واما في المتعارضين فحيث يكون المانع من جهة بيان الشرع فيلاحظ بيانه في المرجحات وهكذا في صورة عصيانه امر الأهم لا يرى المولى مرفوع اليد عن المهم فيثبت امره بالترتب.

حتى ان اخبار المولى بوجود الملاكين لا بد ان يكون على فرض حصول القدرة لا مطلقا فالحق في المقام مع من ينكر بقاء الملاك بسقوط الخطاب كما عن الجواهر والمحقق والبهائي (قدس‌سرهم)

٣٧٣

الجهة الثالثة في مرجحات باب التزاحم

فنقول بعد تمام الكلام في ضابطة التعارض والتزاحم فلا بد لنا من البحث في مرجحات باب التزاحم (واما مرجحات باب التعارض فسيأتي مفصلا لئلا تتداخل المرجحات) وهي أمور كما ذكره شيخنا النائيني قده.

الأول تقديم المضيق على الموسع مثل وجوب أداء الدين بالنسبة إلى الصلاة إذا كانت موسعة الوقت فان أداء الدين مقدم وإتيان الصلاة مؤخر.

واستدل له بأن المقتضى للأداء في هذا الوقت تام واما الصلاة بالنسبة إلى هذا الوقت تكون لا اقتضاء لوسعة وقتها والمقتضى مقدم على اللااقتضاء.

وفيه ان أصل المدعى صحيح من جهة تقدم أداء الدين على أداء الصلاة لكونه أهم واما الاستدلال فغير تام لأن وجوب الصلاة بانحلال الأمر على الطبيعي يكون أيضا مقتضيا في ظرف أداء الدين (١) فيكون من باب تزاحم المقتضيين.

الثاني تقديم ما له البدل على ما لا بدل له ومثاله ما إذا كان للمكلف الماء الّذي لا يفي الا بإزالة الخبث عن الثوب والبدن أو بتحصيل الطهارة عن الحدث فهنا قيل ان الطهارة عن الحدث لها بدل وهو التيمم واما إزالة الخبث فحيث لا بدل لها فهي متقدمة.

واستدل شيخنا النائيني قده للتقديم بهذا الوجه بتقريبين الأول ان الخطاب فيما له البدل لا اقتضاء له بالنسبة إلى ما لا بدل له ولذا يجوز إهراق الماء قبل الوقت

__________________

(١) أقول لعل مراد القائل بالاقتضاء في المضيق هو انه يحكم بان الوقت يكون لي لا لغيري واما الأمر الصلاتي مثلا فلا يحكم بأن الوقت لها هو هذا لا غير بل يحكم بوجوبها في هذا الوقت أو غيره.

وانحلال الأمر لا يضاد هذا المعنى فانه من مقومات القول بالتزاحم ضرورة عدمه بدونه.

٣٧٤

اختيارا ليصير موضوعا لحكم البدل وهو دليل التيمم كما ان المسافر له ان يجعل نفسه حاضرا ليشمله تكليف الصلاة تماما وبعكسه الحاضر.

وفيه ان البدل لو أحرزنا وفائه بتمام مصلحة المبدل يكون لما ذكره وجه ولكن ليس كذلك في جميع الموارد فان الملاك احتمال الأهمية نعم لو كان لنا دليل في خصوص تقديم إزالة الخبث بالماء وتبديل الطهارة المائية بالطهارة الترابية فلا غرو في التقديم.

التقريب الثاني له قده هو ان الأمر إذا دار بين المقيد بالقيد الشرعي وبين المقيد بالقيد العقلي فالمقدم هو المقيد بالقيد العقلي ففي باب التيمم انا إذا لاحظنا قوله تعالى فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا يكون قيد الطهارة المائية هو الوجدان بقرينة المقابلة فيرجع إلى قولنا ان وجدتم الماء فتوضئوا وان لم تجدوا فتيمموا فعليه إذا صرف الماء في إزالة الخبث لا يكون واجدا للماء الّذي هو قيد الطهارة عن الحدث.

وفيه ان البدل في الآية مقيد بعدم الوجدان ولا يصير المبدل مقيدا بالوجدان شرعا بل الوجدان فيه قيد عقلي فلا تقديم لإزالة الخبث عليه ولا يكون أدب العرب مقتضيا لصرف الكلام إلى هذا النحو من القيد والمقيد (١).

الثالث تقديم المقيد بالقدرة العقلية على المقيد بالقدرة الشرعية ومثاله المعروف في الفقه هو انه إذا نذر زيارة قبر الحسين سيد الشهداء عليه‌السلام وروحي له الفداء في وقت مخصوص مثل يوم عرفة فحصلت القدرة والاستطاعة له في السنة بحيث يمكنه الحج أو الزيارة له عليه‌السلام أو يمكنه الجمع بينهما لو لا وحدة

__________________

(١) أقول وعلى فرض التسليم فيكون الكلام في تقديم المقيد بالقيد العقلي على المقيد بالقيد الشرعي وانه لا وجه لصرف القدرة في المقيد بالقيد العقلي ليذهب موضوع الحكم المقيد بالقيد الشرعي كما سيأتي منه في الوجه الثالث بعد هذا الوجه.

٣٧٥

الموسم فقيل ان وفاء النذر مقدم على الحج فيأتي به ويترك الحج في هذه السنة فإذا صرف القدرة في النذر لا يبقى موضوع للحج لعدم وجود الملاك له بواسطة عدم القدرة التي هي دخيلة فيه.

وفيه أولا ان القدرة في النذر أيضا شرعية لا عقلية كما ان صاحب الجواهر قده في النذر قال بهذا القول استفادة من أدلته.

وثانيا يمكن ان يقال بأن القدرة عقلية فيهما ولا ترجيح لصرفها في النذر حتى لا يبقى موضوع للحج فلا بد من ملاحظة أهمية كل واحد منهما من الأدلة في الحج وزيارة مولانا الحسين عليه‌السلام واما وجه تقديم ما تكون القدرة شرطا عقليا فيه على ما كانت القدرة شرطا شرعيا فقال شيخنا العراقي انه هو دخل القدرة الشرعية في الملاك فحيث فقد الشرط فقد المشروط وهذا بخلاف القدرة العقلية فان الملاك في متعلق التكليف محرز من أول الأمر.

وقد أجاب شيخنا الحائري قده على ما سمعنا منه في الدرس بأن كل قيد أخذ في لسان الدليل دخيل في الملاك الا القدرة فان أخذها فيه لا يحرز كونها دخيلة في الملاك لاحتمال كونه من باب الإرشاد إلى ما حكم به العقل ضرورة ان القدرة شرط امتثال كل التكاليف ففي المقام لا ترجيح للحج على الوفاء بالنذر بصرف كون القدرة مأخوذة في الخطاب بقوله تعالى لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.

الرابع من موارد التقديم في المتزاحمين هو كون المتعلق للتكليف متدرجا في الوجود من حيث الامتثال كما إذا كان الشخص قادرا على القيام اما في الركعة الأولى أو الثانية.

فعن شيخنا النائيني قده هو تقديم القيام في الركعة الأولى وهو على حسب مبناه تام لأن مبناه في الواجب هو ان فعلية الحكم تكون بفعلية الموضوع والموضوع

٣٧٦

للقيام في الركعة الأولى وهو القراءة مقدم على الموضوع في الركعة الثانية.

واما على ما هو التحقيق من فعلية الحكم قبل فعلية الموضوع فلا بد من القول بالتخيير إلّا إذا احتمل الأهمية في الركعة الأولى (١) لعدم الترجيح بعد كون الحكم بالنسبة إليهما متساويا.

وما قيل من ان الوجوب في الركعة الأولى مطلق وفي الركعة الثانية معلق على مجيء وقتها فالحكم في الأولى منجز وفي الثانية معلق فيقدم المنجز على المعلق فلا وجه له عندنا لأن الحكم في الواجب المعلق أيضا فعلى قبل الوقت.

فتحصل ان ما ذكر ملاكا للتقديم في باب التزاحم لا يتم والملاك هو إحراز الأهمية أو احتمالها ففي أي صورة كان فيكون هو الملاك للتقديم كما انه كذلك في صورة الدوران بين الموسع والمضيق.

ثم القول بالتخيير في باب التزاحم يكون من جهة حكم العقل وفي باب التعارض من جهة حكم الشرع بعد كون الأصل الأولى التساقط وثمرة التخيير العقلي والشرعي (٢) قد مر في الجزء الأول عند بيان اجتماع الأمر والنهي فلا نعيد رعاية للاختصار.

__________________

(١) أقول وكفى في احتمال الأهمية هو ان الارتكاز العرفي في أمثال المقام على لزوم صرف القدرة في الركعة الأولى وإرجاع الأمر فيما بعده إلى الله تعالى فلعل الله يحدث بعد ذلك امرا وعليه بناء العقلاء.

(٢) أقول بل وعمدة مباحث ضابط التزاحم والتعارض أيضا قد مر فيه كما ترى في الجزء الأول من هذا الكتاب.

٣٧٧

الجهة الرابعة

في ان التعارض بين الدليلين لا بد ان يكون في مورد واحد بحيث لا يمكن الجمع الدلالي سواء كان التعارض هو تنافي الدالين كما عن المحقق الخراسانيّ قده أو تنافي الحجتين كما نحن نقول به وأرجعنا إليه كلامه أو تنافي الدليلين كما عن الشيخ الأعظم قده ولذا قد خرج عن حكم المتعارضين موارد كالدليل الحاكم بالنسبة إلى الدليل المحكوم والوارد بالنسبة إلى المورود والعام والخاصّ والمطلق والمقيد والظاهر والأظهر فان الجميع مشترك في وجود الجمع العرفي وعدم المعارضة بعد التعمق والتدبر.

ولكن لا بد من بيان خصوصية الموارد الخارجة عن حكم المتعارضين فلا يقال أي فرق بين الموارد بعد وجود الجمع العرفي بعد التدبر ووجود التنافي في بدو الأمر لأنا نقول البحث في خصوصية كل واحد منها من جهة الثمرة المترتبة عليه فان الثمرة بين كون أحد الدليلين مقدما على الآخر بالحكومة توسعة أو تضييقا في الموضوع وبين كونه مقدما بالتخصيص هي ان الحاكم مقدم على المحكوم وان كان أضعف ظهورا منه بخلاف العام والخاصّ فان تقديم الخاصّ على العام يكون من باب تقديم أقوى الظهورين على الآخر فربما يكون ظهور العام في العموم أقوى من ظهور الخاصّ لإباء العام عن التخصيص وربما يكون بالعكس وهذه ثمرة مهمة بينهما.

فنقول قال الشيخ الأعظم في ضابطة الحكومة ان الحاكم لا بد ان يكون بمدلوله اللفظي شارحا للمحكوم وناظرا إليه ولذا لا بد ان يكون المحكوم مقدما عليه ليكون الحاكم ناظرا إليه وإلّا فلا يكون الموضوع لها متحققا ومثاله ما إذا أورد لا شك لكثير الشك بعد ما ورد من شك بين الثلاث والأربع بني على الأربع فموضوع دليل البناء على الأربع هو الشك والحاكم ينفى الموضوع من جهة نفيه الشك فيكون شارحا لدليل البناء على الأربع وناظرا إليه بالتصرف في موضوعه لا من جهة

٣٧٨

التخصيص في الحكم فقط فما لم يكن الحكم السابق في البناء على الأربع أو غيره في الشكوك لا يبقى معنى لقول القائل لا شك لكثير الشك.

كما ان الأدلة الثانوية من اللاحرج واللاضرر تكون ناظرة إلى الأدلة الأولية في الأحكام مثل الوضوء الضرري والحرجي.

وقد أشكل عليه المحقق الخراسانيّ قده في الفوائد أولا بما حاصله هو ان الحاكم لا يلزم ان يكون شارحا للفظ ليرجع الكلام إلى كون الحاكم شارحا له بأي التفسيرية أو أعني بل المهم هو نظر الحاكم إلى المحكوم ورفع التنافي بأي طور كان بنحو التوسعة في الموضوع مثل فرض غير العالم عالما بعد قوله أكرم العلماء أو فرض الموضوع كالعدم تضييقا مثل لا شك لكثير الشك.

والجواب عنه قده ان مراد أستاذه قده هو ان يكون الشارح من الأدلة اللفظية سواء رجع إلى التفسير بأي وأعني أم لا وذكر اللفظين يكون من باب المثال في مقابل الأدلة العقلية فان قوله عليه‌السلام لا شك لكثير الشك دليل لفظي شارح للموضوع في أدلة الشكوك في الصلاة.

وقد أشكل ثانيا بأن تقديم المحكوم غير لازم في الحكومة لأن الحاكم دليل مستقل غير محتاج إلى المحكوم فإن الأمارات متقدمة على الأصول بنفس دليلها ولا شك لكثير الشك له معنى مستقل وكذلك اللاحرج واللاضرر فلا نحتاج إلى تقديم المحكوم شرعا.

والجواب عنه ان الحاكم والمحكوم متضايفان فانه كيف يمكن الانفكاك بينهما فان الأبوة لا تنتزع من شخص لا ابن له وبالعكس فكيف يكون الحاكم حاكما مع عدم المحكوم له فالحاكم الفعلي محتاج إلى محكوم فعلى فالحق مع الشيخ الأعظم في بيانه.

ثم ان هذا التعريف في الحاكم في موارد تطبيقه على المصداق لا يخلو عن مناقشة فمن الموارد تقديم الأمارات على الأصول بالحكومة ولا يخفى ان المراد

٣٧٩

تقديم دليل حجية الأمارة على الأصل لا المصداق الّذي يكون التنافي فيه كتقديم الأصل السببي على المسببي بالحكومة أو المورد الّذي يكون مصداقا للأمارة والأصل فان التنافي بينهما واضح.

ووجه المناقشة في الحكومة هو ان الأمارات على مسلكه قده حجة من باب تنزيل مؤداها منزلة الواقع لا من باب تتميم الكشف الّذي يكون هو الحق عندنا فإذا كان موضوع الأصل هو الشك ومورد الأمارة أيضا كان الشك فيكون التنافي بينهما في المورد والأصل وان لم يكن المدلول الالتزامي له حجة ولكن يكون حجة في مدلوله المطابقي فيحكم الأمارة بترتيب أثر الواقع ويحكم الأصل بترتيب أثر المشكوك وغاية الشك هو العلم وهو غير حاصل بتنزيل المؤدى فقط فإذا قال عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام يكون غايته حاصلة عندنا بعد وجدان الأمارة على الحرمة لأنها علم تعبدي ولا تكون الغاية حاصلة على مبناه لعدم إفادة التعبد الا ترتيب الأثر.

إلّا ان نقول انتصارا له ان المراد بالعلم الّذي هو الغاية أعم من العلم بالواقع الواقعي أو العلم بالواقع التعبدي فعليه من قامت عنده الأمارة يكون له العلم الواقع التعبدي للزوم ترتيب أثر الواقع على ما أدت إليه الأمارة وان لم يقل به قده.

ولكن مع هذا يكون الفرق بين ما نقول من تتميم الكشف وبين هذا القول متحققا فان الغاية حاصلة على الثاني والموضوع أيضا باق وهو الشك واما على الأول فالموضوع أيضا منتف لرجوعه إلى قولنا أيها الشاك قد انقلبت عالما بقيام الأمارة عليك ورجوع البيان الثاني إلى قولنا أيها الشاك يكون الواقع عندك بقيام الأمارة.

وهكذا تكون المناقشة في الحكومة على مبنى المحقق الخراسانيّ قده لأنه قائل بجعل الحجية في الأمارات فغاية الأصل وهي العلم غير حاصلة على هذا المبنى أيضا لأن من له الحجة لا يكون عالما ولذا يعترف قده بان الحكومة لا أصل لها وتقديم

٣٨٠