مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

المطابقي برهانا لا من باب الانصراف واليقين الحاصل بنفس الاستصحاب لا يمكن ان يكون غاية له.

ولا يتم الورود على فرض تسليم أعمية اليقين أيضا لأن استصحاب نجاسة الثوب وان لم يكن من آثاره نجاسة الماء كما أذعن به قده ولكن نجاسة نفس الثوب تكون من المدلول المطابقي للاستصحاب وهذا يعارض مع المدلول الالتزامي في السبب الّذي هو طهارة الثوب ولا دليل لنا على تقديم استصحاب السبب ليوجب الحكم بطهارة الثوب الّذي هو من آثاره لرفع الموضوع وهو الشك في نجاسته في المسبب فلا أساس للورود بهذا البيان.

واما وجه الحكومة عن الشيخ الأعظم قده فحاصله بوجهين على ما يظهر من كلامه في الفرائد في الوجه الثاني من وجوه الدليل على تقديم الأصل السببي على المسببي.

الأول هو ان أثر استصحاب السبب طهارة الثوب وليس أثر استصحاب المسبب نجاسة الماء بالبيان السابق عن الخراسانيّ قده مع كون أحد الدليلين ناظرا إلى الدليل الآخر وكون المبنى في الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن لا تنزيل الشك منزلة اليقين ليحصل الورود بالبيان المتقدم عن قائله قده وان لم يتم.

والجواب عنه هو الجواب عن القائل بالورود فان التعبد بترتيب أثر الطهارة في الماء يعارض مع استصحاب نجاسة الثوب وان لم يكن من آثاره نجاسة الماء ولا تقديم لاستصحاب السبب ولا وجه لجريانه قبل جريانه في المسبب.

والوجه الثاني لتقريب الحكومة هو ان الحكم بطهارة الثوب الّذي هو مستفاد من استصحاب طهارة الماء في رتبة الموضوع لاستصحاب نجاسة الثوب الّذي هو الشك فموضوع المسبب في طول موضوع السبب فإذا جرى الأصل في السبب لا يبقى موضوع للمسبب لذهابه بالحكم في السبب وهو الحكم بطهارة الثوب بواسطة الحكومة.

والجواب عنه ان طولية الموضوع كذلك لا تنافي عرضية تطبيق دليل

٣٤١

الاستصحاب لأن قوله لا تنقض اليقين بالشك له افراد بالانحلال ويكون التطبيق دفعة واحدة فيتعارضان في الأثر.

واما بيان الحكومة على فرض كون المبنى في الاستصحاب تنزيل الشك منزلة اليقين فهو ان الغاية لاستصحاب المسبب وهي اليقين حاصلة بجريانه في السبب ولا عكس لعدم حصول اليقين بنجاسة الماء من استصحاب نجاسة الثوب.

والجواب عنه ان استصحاب طهارة الماء على هذا الفرض يوجب اليقين بطهارته لا اليقين بطهارة الثوب بل طهارته يكون من آثار اليقين بطهارة الماء فلا تكون غاية نجاسته وهي اليقين بالطهارة حاصلة بالمدلول المطابقي هذا أولا.

وثانيا يكون التعارض بين الاستصحابين في الأثر كما مر ولا وجه لتقديم استصحاب السبب في التطبيق.

بيان العراقي قده في حكومة استصحاب السبب

ولشيخنا العراقي قده وجه أبدعه في تقريب الحكومة وهو انها لا تختص بالتوسعة والتضييق في موضوع دليل المحكوم بل تحصل بالتصرف في الحكم أيضا كما في الأدلة الثانوية الحاكمة على الأدلة الأولية مثل قاعدة لا ضرر بالنسبة إلى الأحكام الأولية مثل الوضوء والغسل فان نفى الضرر يتوجه إلى حكم الوضوء في صورة الضرر أي ان الحكم منفي عن الوضوء الضرري والغسل كذلك.

ففي المقام يقول ان استصحاب السبب يوجب رفع حكم المسبب بحيث إذا لاحظنا استصحاب السبب يكون له توجه إلى نفى حكم استصحاب المسبب وهو نجاسة الثوب فالحكم بالنجاسة مرفوع بواسطة الحكم بالطهارة من ناحية السبب ولا عكس.

ولكن كنا نورد عليه وان لم يقبل بان هذا الكلام على فرض التسليم يكون في الأصول المحرزة وليس البحث فيها فقط بل الأصل في السبب مقدم ولو كان

٣٤٢

من أردأ الأصول الغير المحرزة كالبراءة ومن المعلوم عدم نظر للبراءة إلى حكم استصحاب المسبب هذا أولا.

وثانيا الحكومة تحتاج إلى النّظر ولا نظر لأحد الاستصحابين بالنسبة إلى الآخر بل كل يثبت اثره ولو سلم يكون عدم نظر استصحاب المسبب إلى حكم السبب في المقام لمانع وهو كونه مثبتا بالنسبة إلى نجاسة الماء والأصول المثبتة غير حجة فلو لا المانع لكان لحكم المسبب أيضا نظر إلى حكم السبب فيتعارضان ومع هذا المانع أيضا يكون استصحاب المسبب بالنسبة إلى المدلول المطابقي وهو نجاسة الثوب حجة وان لم يكن له المدلول الالتزامي وهو نجاسة الماء فيعارض مع المدلول الالتزامي لطهارة الماء وهو طهارة الثوب.

وعن شيخنا الأستاذ الحائري قده مؤسس الحوزة العلمية كلام في وجه الحكومة وحاصله هو ان الشك في المسبب حيث يكون مسببا عن الشك في السبب ومعلولا له يكون تطبيق الدليل على ما هو المقدم في الرتبة مقدما فينطبق دليل الاستصحاب على الشك في السبب وبعد جريانه فيه لا تصل النوبة إلى التطبيق في المسبب لذهاب موضوعه بواسطة الحكم بالطهارة بحكم الاستصحاب المتقدم في السبب.

وهذا نظير من كان له قدرة للقيام اما في الركعة الأولى من الصلاة أو الثانية فكما انه بصرف القدرة في الركعة الأولى لا يبقى موضوع لوجوبه في الثانية فكذلك في المقام والجواب عنه أولا ان الشك في المسبب لا يكون معلولا (١) للشك في السبب بل معلولا لعلله التكوينية سلمنا ولكن التمانع بين الشكين في الموضوعية

__________________

(١) الشك وان كان معلولا لعلله في التكوين كما في شك السبب ولكن الشك في المسبب يكون علته التكوينية الشك في السبب ويدور مداره وأن المفروض القطع بنجاسة الثوب قبل الغسل والشك فيها بعده فعلته الشك في طهارة الماء وان كان مد ظله مصرا على هذا الكلام في المقام في الرد على أستاذه قده

٣٤٣

للاستصحاب لا يكون في مقام الجعل وفي عنوان الشكين لأن موضوعية أحدهما لا تمنع عن موضوعية الآخر فكما يمكن ان يقال إذا شككت في طهارة الماء لا تنقض اليقين بالشك فكذلك يمكن ان يقال ان شككت في نجاسة الثوب لا تنقض اليقين بالشك وانما التمانع حصل من حيث الوجود الخارجي وعدم جمع أثر الاستصحابين في موضوع واحد وهو الثوب من حيث الحكم بالطهارة والنجاسة.

فعلى هذا لا توجب الطولية في الوجود الخارجي الطولية في العنوان من حيث العنوان ليلزم تقدم أحدهما على الآخر بل هما عرضيان من حيث تطبيق الحكم وان قلنا بالطولية في العنوان أيضا لأن التقدم في العلة والمعلول بالرتبة لا بالزمان فتطبيق الحكم يكون في آن واحد وما يفيدنا هو التقدم في الزمان لا في الرتبة كما نقول بذلك في تطبيق الحكم في ملاقى الشبهة المحصورة.

هذا كله مضافا إلى ان هذا الكلام يكون في صورة التمانع في الأثر والقوم يقولون بالتقديم ولو في صورة توافق الأثر وان توهم بعض اختصاصه بصورة التمانع فاستصحاب الطهارة في السبب مقدم على استصحابها في المسبب لو فرض كذلك في مقام من المقامات فلا تتم الحكومة بهذا الوجه أيضا.

توجيه العلامة النائيني لحكومة الأصل السببي

وقد وجه الحكومة شيخنا النائيني قده على ما في التقرير ببيان طويل وحاصله انه لو لا الحكومة للأصل السببي على الأصل المسببي يلزم اما التخصيص بلا وجه أو الدور أو تقدم الشيء على النّفس الّذي هو ملاك الدور اما التخصيص بلا وجه فلما مر من ان جريان الأصل في المسبب لا يوجب إعدام موضوع الأصل السببي وإخراجه عن شمول دليل الاستصحاب فالقول بعدم جريانه فيه مع بقاء الموضوع لا بد ان يكون من باب تخصيص دليله مع عدم وجود المخصص.

واما جريان الأصل في السبب فحيث يكون موجبا لإعدام موضوع الأصل

٣٤٤

في المسبب فلا محذور فيه وعدم جريانه في المسبب يكون من باب الخروج عن دليله تخصصا فيقدم ما لازمه التخصص على ما لازمه التخصيص بلا وجه وهو الأصل السببي.

واما تقريب الدور فهو ان الحكم في المسبب لا شبهة في احتياجه إلى موضوعه فالحكم بعدم نقض اليقين بالشك يكون على فرض وجود الشك الّذي هو الموضوع ووجوده يتوقف على عدم جريان الأصل في السبب لأنه لو جرى لا يبقى للاستصحاب في المسبب موضوع لرفعه بجريانه في السبب وعدم جريانه متوقف على الجريان في المسبب لأنه لو جرى فيه لا يجري في السبب فجريانه متوقف على عدم جريانه في السبب وعدم جريانه فيه متوقف على جريانه في المسبب.

وهذا دور وتقدم للشيء على نفسه (١) وحيث لا يلزم الدور في العكس

__________________

(١) أقول من الواضح لمن تدبر عدم لزوم الدور لعدم التوقف بمعنى العلية والمعلولية بين وجود الأصل في المسبب وعدمه في السبب وبالعكس ومن المعلوم ان عدم الضد ليس علة لوجود الضد الآخر ووجود الضد ليس علة لعدم الضد الآخر بل كل معلول لعلته.

ففي المقام وان كان مفاد الأصلين في الحكم بطهارة الثوب ونجاسته متضادا ولكن لا دور والتقريب الّذي ذكره يأتي في السبب أيضا لأن جريان الأصل فيه متوقف على عدم جريانه في المسبب وعدم جريانه في المسبب متوقف على جريانه في السبب بمعنى المضادة بين مفاد الأصلين وتقريب الدور يكون هكذا بنظره مد ظله.

واما شيخه النائيني قده فلم يصرح بالدور ولا بتقدم الشيء على نفسه على ما في تقريره بل يكون مراده من هذا الكلام هو عدم بقاء الموضوع للأصل المسببي مع جريان الأصل في السبب لتقدمه في الرتبة ولو أراد الدور لا يتم بما ذكرناه مضافا إلى ان الدور يكون بين التوقف في الوجودين لا بين وجود وعدم وجوابه مد ظله عنه يرجع إلى ما ذكرناه بوجه من التعمل من جهة إنكاره التوقف وان كان مصرا على تثبيت الدور.

٣٤٥

يعنى على فرض جريان الأصل في المسبب لعدم التوقف على استصحاب المسبب فهو مقدم.

والجواب عنه قده أولا هو عدم العلية بين الشكين كما مر لعدم كون الشك في المسبب علة للشك في السبب بل معلول لعلله تكوينا.

وثانيا لا طولية بين العنوانين في صقع الجعل فان موضوع استصحاب النجاسة والطهارة هو الشك وانما الطولية من جهة الوجود الخارجي بعد غسل الثوب بالماء فكلا الدليلين منطبقان وطولية الموضوع لا توجب طولية الحكم كما ان الاجتناب في ملاقى الشبهة المحصورة لازم عندنا مع طولية الموضوع وشمول الحكم بالاجتناب على جميع الافراد بنحو العرضية فلا ملازمة لطولية الموضوع مع طولية الحكم.

ثم وجود الأصل في السبب لا يوجب إعدام الموضوع للأصل في المسبب حتى يتوقف وجود الموضوع له على عدم جريانه في السبب لبقاء الشك مع جريانه أيضا فلا وجه لتقريب الحكومة بهذا النحو أيضا لبقاء المعارضة بين الأصلين فتحصل من جميع ما تقدم عدم صحة الحكومة وان اشتهرت.

في وجه تقديم الأصل السببي على المسببي عندنا

والتحقيق هنا (١) هو ان نتمسك بذيل العرف في ذلك فنقول لا يذهب الذهن

__________________

(١) أقول حكم العرف أيضا لا يكون جزافا بل سره ما ذكره الاعلام من ان جريان الأصل في السبب يوجب إعدام الموضوع في المسبب بعد جعل الشارع سببية الماء لطهارة الثوب ويرى تطبيق دليل الاستصحاب في الفرد السببي مقدما على المسببي.

وكيف كان فالامر سهل بعد عدم الخلاف في التقديم للأصل السببي على المسببي.

نعم ان كان المراد بالفطرة هو سيرة المتشرعة أو بناء العقلاء فهو دليل مستقل على التقديم كما تعرض له الشيخ قده في وجوه التقديم بناء على حجية الاستصحاب من باب الظن لا من باب الاخبار.

٣٤٦

إلى جريان الاستصحاب في المسبب وتكون الفطرة على إحراز حكم الماء في المثال في المقام فكما انه لو كان عالما بطهارة الماء لم يكن له شك في طهارة الثوب كذلك إذا أحرز طهارته بالاستصحاب.

والشاهد لما ذكرناه ما ورد في رواية زرارة وقد مرت في أوائل الاستصحاب عند بيان الاخبار من قوله عليه‌السلام فان ظننته انه قد اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة إلخ :

فان زرارة قده لم يذهب ذهنه إلى استصحاب عدم صحة الصلاة ولم يتكلم عليه‌السلام عنه مع انه كما كان متيقنا بالطهارة كان متيقنا بعدم الصلاة الصحيحة وكما انه كان شاكا فيها كان شاكا في الصلاة أيضا فعدم الاعتناء بالشك واليقين في الصلاة شاهد على عدم الاعتناء بالشك في المسبب مع الشك في السبب.

ويمكن ان يقال أيضا ان الأمر حيث يدور بين التخصيص بلا وجه والتخصص مع قلة المورد على ما عليه الشيخ الأعظم قده لاستصحاب السبب لو قدمنا المسبب يكون تقديم الأصل السببي هو المختار.

هذا كله مضافا إلى الإجماع على تقديمه.

في حكم الأصول في أطراف العلم الإجمالي

هذا كله في مقام التعارض بين الشك السببي والمسببي واما إذا لم يكن بينهما سببية كما إذا كان التعارض من باب العلم الإجمالي بنقض الحالة السابقة في أحد الأطراف كما إذا علمنا بطهارة الكأسين ثم علمنا إجمالا بنقض الحالة السابقة في أحدهما بواسطة وقوع النجس فيه ففيه صور :

الصورة الأولى ان يكون جريان الأصل في الأطراف موجبا للمخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال فان استصحاب الطهارة في الكأسين بعد العلم الإجمالي بوجود نجاسة في أحدهما يلزم منه المخالفة العملية القطعية للعلم باستعمالها في الشرب أو ما يشترط بالطهارة.

٣٤٧

ولا يخفى ان البحث عن مقتضى العلم الإجمالي قد مر في الشك في المكلف به في بحث البراءة وفي القطع الإجمالي مفصلا وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض المباحث إجمالا.

فنقول ان العلم الإجمالي اما ان يكون علة تامة لتنجيز التكليف بمعلومه على المكلف كما هو المختار واما ان يكون مقتضيا بمعنى انه لو تعارض الأصول في أطرافه يكون منجزا للتكليف ولو وجد أصل بلا معارض في أطرافه لا يوجب التنجيز كما عن الشيخ الأعظم وشيخنا النائيني قده.

ولكن وجود الأصل بدون المعارض في أطرافه يكون محل الكلام فربما يقال ليس لنا مورد كذلك فلا زال يكون الأصول متعارضة فالعلم يؤثر اثره.

واما المثال للأصل بلا معارض فهو في صورة كون أحد الكأسين الذين يكون النجس بينهما إجمالا مما له حالة سابقة معلومة وهي الطهارة والآخر لا يكون له حالة سابقة كذلك فحينئذ يعارض الاستصحاب فيما له الحالة السابقة مع قاعدة الطهارة فيما لا حالة سابقة له كذلك وتبقى قاعدة الطهارة فيما له حالة سابقة بلا معارض فلا يؤثر العلم الإجمالي بالنسبة إليه.

وقد أشكل عليه بأن جعل الاستصحاب وقاعدة الطهارة في شيء واحد ممنوع فالقاعدة والاستصحاب لا تكون في طرف والقاعدة في طرف آخر بل الاستصحاب فقط في طرف والقاعدة في طرف آخر فيتعارضان.

ولكن يرد عليه انه لا إشكال في تطبيق الجعلين على شيء واحد بحيث لو قطع اليد عن أحدهما كان الآخر مؤثرا فالاستصحاب وان كان أصلا حاكما على قاعدة الطهارة ولكن بعد سقوطه عن الاعتبار بواسطة المعارضة تصل النوبة إلى الأصل المحكوم وهو القاعدة ولكن الكلام في أصل المبنى.

ثم ان حاصل دليلنا على العلية التامة مطلقا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية وترك المخالفة القطعية هو ان الشارع كما انه ليس له الترخيص في مقطوع

٣٤٨

المعصية للتناقض في الأمر بالشيء والترخيص في تركه إذا كان الأمر إلزاميا وهكذا النهي فكذلك ما احتمل كونه معصية.

فكما انه إذا نهى عن شرب الخمر وعلمنا بان المشروب الفلاني خمر لا يكون له الترخيص في شربه لأنه مناقض للنهي فكذلك إذا كان الخمر مرددا بين الكأسين فلا يمكن ترخيصه في ارتكاب أحدهما لأنه ترخيص فيما يحتمل كونه معصية والعقل حاكم بالمناقضة وعدم جواز الترخيص فكما ان ارتكاب كليهما ممنوع كذلك ارتكاب كل واحد منها ممنوع.

فعلى هذا لا يمكن جريان الأصل وان كان بلا معارض في أحد الأطراف لأنه ترخيص في محتمل المعصية وعليه فلا يتم مبنى القائل بذلك وهو من رأي العلم الإجمالي مقتضيا بالنسبة إلى المخالفة الاحتمالية وعلة تامة بالنسبة إلى ترك المخالفة القطعية.

ثم ان هنا بحث في ان أدلة (١) التعادل والترجيح الّذي تنطبق على الروايات هل تنطبق على الأصول أيضا أم لا.

__________________

(١) أقول ان أدلة التعادل والترجيح في الخبرين يكون من جهة تعارضهما في الصدور واما إذا كان التعارض من حيث المورد كما في المقام فلا مجال للبحث عنه ضرورة عدم التعارض في فردين من عام لا تنقض اليقين وعدم الكلام في الصدور.

كما ان العامين من وجه أيضا في مورد التعارض لا يرجع فيه إلى أدلة التعادل والترجيح فلا بد من التوقف.

والعلامة النائيني قده وان كان مبناه اقتضاء العلم الإجمالي في التنجيز ولكن اثره في صورة وجود الأصل بلا معارض لا في صورة التعارض ليقال عليه ان لازم ذلك هو التخيير وان لم يسلك قده في البيان ما ذكرناه في عدم شمول أدلة التعادل في المقام كما يفهم من مطاوي كلام الشيخ في الفرائد.

٣٤٩

فان شيخنا النائيني قده قال بعدم الانطباق في الأصول ولذا يحكم بأن الأصول في أطراف العلم الإجمالي متعارضة متساقطة فلا تصل النوبة إلى التخيير أو الترجيح بمرجح خارجي.

وحاصل كلامه قده هو ان الأمارات اما ان تكون حجة من باب الطريقية إلى الواقع فيكون التخيير بعد عدم الترجيح أو تعيين أحد الأطراف بعد ترجيحه لدرك الواقع واما ان تكون حجة من باب السببية بمعنى كون المصلحة في سلوكها فيكون التخيير من باب اختيار أحد افراد المتزاحمين الذين لا أهمية لأحدهما على الآخر وفي صورة الأهمية لا بد من تقديم الأهم على ما حرر في محله.

ومن المعلوم ان الأصول وظيفة قررت للشاك ولا يكون جعلها من باب الطريقية ولا السببية فلا بد من القول بالتساقط لا غير.

وفيه أولا انه قده حيث يقول بالترخيص في أحد الأطراف في صورة وجود الأصل بلا معارض يلزم ان يقول بان إطلاق دليل لا تنقض مثلا يشمل حتى صورة وجود المعارض وحيث لا يمكن الجمع لا بد من التخيير.

والأصول وان لم تكن حجة من باب الطريقية ولا السببية ولكن يكون امرها امرا بينهما فلا يمكن الإسقاط من أصله بعد التعارض.

ثم ان الشيخ الأعظم قده قال بان دليل الاستصحاب في المقام قاصر الشمول فيكون العلم علة تامة للتنجيز بعد كونه مقتضيا في ذاته.

وجه قصور دليل الاستصحاب هو انا لو قلنا بجريان الأصل في أحد الأطراف تناقض الصدر والذيل في دليله لأن ظاهر الصدر بقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك هو عدم جواز النقض بالشك سواء كان الشك الناقض مقرونا بالعلم الإجمالي أو لم يكن فلو حملنا الذيل بقوله عليه‌السلام بل انقضه بيقين آخر على اليقين الإجمالي يلزم منه نقض اليقين بالشك المقرون بالعلم الإجمالي وهذا هو التناقض في المدلول بمقتضى الصدر والذيل.

٣٥٠

فلا ينطبق دليله على الشك المقرون بالعلم الإجمالي فالعلم الإجمالي علة تامة لوجوب الاجتناب عن الأطراف.

والجواب عنه أولا بأن رواياته لا تختص بماله الذيل بل يكون لنا روايات لا ذيل لها فيمكن الأخذ بإطلاق الشك ليكون الشك المقرون بالعلم الإجمالي أيضا ناقضا كما قال بذلك المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية.

وثانيا على فرض تقييد ما لا ذيل له بما له الذيل فنقول ان النهي عن النقض في الصدر يكون تعبديا لأن اليقين قد نوقض في التكوين والنهي عن نقضه يكون تعبدا فيمكن أخذ الإطلاق منه والقول بعدم جواز النقض في مورد العلم الإجمالي أيضا.

واما الذيل فاما ان يكون تأكيدا للصدر أو تحديدا له من جهة ان حد عدم النقض هو صورة عدم وجود يقين آخر مثله أو من باب قضاء الفطرة بذلك وهو ان اليقين مما له دوام وثبات ولا وجه لنقضه بالفطرة الا بيقين آخر.

وعلى التقديرين الأولين يكون نقض اليقين باليقين هو النقض في التكوين وهو صورة كون اليقين هو اليقين التفصيلي واما الإجمالي فلا يكون ناقضا.

وعلى التقدير الأخير وهو الفطرة فالقول بشمول اليقين لليقين الإجمالي أيضا لا بد له من أخذ الجامع بين الإجمالي والتفصيلي وهو ركيك فالأصول في الأطراف جارية ومتعارضة فتصل النوبة إلى العمل على طبق الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي.

وثالثا لو كان السر في عدم الجريان وجود الذيل في الرواية فلا فرق بين صورة لزوم المخالفة القطعية العملية أو عدم لزومها كما فيما سيأتي فلا اختصاص له بالأول فقط.

ثم انه قده تمم بيانه بأن التخيير في جريان أحد الأصلين أيضا ساقط لعدم كونه فردا للعام فان افراد العام هو ما في الخارج ولا ثالث ينطبق عليه النهي وان لم يكن المناقضة بين الصدر والذيل.

٣٥١

فان قلت على ما ذكرت من ان الذيل يكون المراد منه النقض باليقين التفصيلي لا الإجمالي وهو خلاف ما عليه القوم في صورة اليقين بطهارة الكأسين إذا حصل اليقين بنجاسة أحدهما مع انهم يقولون بالاجتناب ورفع اليد عن اليقين السابق فقد نقض اليقين الإجمالي اليقين التفصيلي وهذا خلاف فرضك وهكذا لو علمنا بخمرية الكأسين ثم علمنا بصيرورة أحدهما خلا.

قلت اليقين بالواحد هو تفصيلي (١) وانما الإجمال في الخارج من حيث

__________________

(١) أقول لو كان هذا ملاك الإجمال والتفصيل فليس لنا علم إجمالي أصلا ولكن ليس كذلك بل في جميع الموارد يكون المراد بالإجمال الإجمال في المنطبق لا في العلم فهذا الجواب غير تام والإشكال وارد.

فكما ان العلم التفصيلي ينطبق عليه عنوان اليقين كذلك الإجمالي في صدر دليل الاستصحاب وذيله.

والشك في لسان الدليل ينطبق على الشك السازج لا المقرون بالعلم الإجمالي ليحصل التنافي بين الصدر والذيل.

وما في كلام الأستاذ مد ظله من ان العلم لا يسرى إلى الخارج ولا يجامع الشك في الأطراف تفصيلا مما لا نفهمه.

فان العلم الإجمالي يكون له الأثر بلحاظ المنطبق في الخارج لا في صقع المفهوم فان وجود الخمر في الخارج بين الكأسين موجب للقول بالاجتناب عنهما في الخارج.

وهذا الاجتناب من بركات العلم الإجمالي في نشأة الخارج وإلّا فالشك التفصيلي في الطرفين على ما اعترف به موجب لجريان الأصل.

واما ما ذكره الشيخ الأعظم قده من عدم القول بالتخيير في الأصلين من باب عدم وجود ثالث في البين ليتعلق به خطاب النهي لعله يكون منشأ لكلامه مد ظله والجواب ـ

٣٥٢

المنطبق عليه فنعلم نقض الحالة السابقة يقينا لانقلاب العلم بطهارتهما إلى العلم بعدم طهارتهما وان كان الواحد في الواقع بحاله.

الصورة الثانية في الأصل في أطراف العلم الإجمالي

هو صورة عدم لزوم مخالفة عملية بجريان الأصلين كما في متمم الكر فان الماء القليل إذا كان نجسا ثم صب عليه الماء الطاهر حتى صار بقدر الكر يكون محل النزاع من جهة شمول دليل الكر له فمع الشك استصحاب طهارة ما هو الطاهر ونجاسة ما هو النجس لا يلزم منه مخالفة عملية إلّا ان الإجماع قام على عدم الحكمين للماء الواحد فلولاه أمكن القول بجريان الاستصحابين.

فالمانع لا يكون إلّا الإجماع واللازم منه العلم ببطلان أحد الأصلين.

وللعلامة الهمدانيّ قده هنا كلام غير تام وهو ان المقام يكون نظير استصحاب السببي والمسببي لأن استصحاب نجاسة الماء يكون لازمه نجاسة ما ألقى عليه أيضا بالملاقاة فالشك في الطهارة يكون ناشئا عن الشك في النجاسة فإذا أحرزت النجاسة لا شك في نجاسة المتمم والأصل السببي مقدم على الأصل المسببي.

ولكن يرد عليه ان المتمم ان لم يصر نجسا بواسطة الملاقاة وحصول الكرية لا شك في نجاسة غيره فان استصحاب طهارته أيضا رافع للشك عن النجاسة ولذا تأمل قده في قوله.

__________________

ـ مضافا بأن عدم القول بالتخيير على ما هو المختار لعدم الدليل على التخيير في المقام كما مر لا لعدم إمكانه فان أدلة التعادل والترجيح لا تشمل الأصول فتدبر.

٣٥٣

الصورة الثالثة

ان لا يكون جريان الاستصحابين موجبا للمخالفة العملية أصلا كما إذا توضأ بمائع مردد بين البول والماء فان استصحاب طهارة البدن واستصحاب بقاء الحدث يكونان جاريين.

ولا إجماع على وحدة الحكمين وان كانت الملازمة العقلية بين الحكمين ثابتة لأن بقاء الحدث لازمه نجاسة البدن لأنه لو كان ماء يلزم ان يكون مطهرا عن الحدث وطهارة البدن لازمها الطهارة عن الحدث لأن الماء إذا كان طاهرا يرفع الحدث ولكن الاستصحاب لا يثبت لازم بولية المائع أو مائيته.

ثم حاصل دليل الأنصاري قده في المقام على عدم لزوم المخالفة العملية هو ان الواحد المردد بين الحدث والطهارة لا أثر له شرعا حتى يكون ترتيبه مانعا عن العمل بالاستصحابين ولا يلزم من الحكم بوجوب الوضوء وعدم غسل الأعضاء مخالفة عملية لحكم شرعي أيضا.

ولكن الجواب عنه قده هو ان العلم الإجمالي حيث يكون مقتضيا عنده لا فرق بين هذه الصورة والصورة الأولى من جهة الترديد.

فلو لم يكن للواحد المردد بين الطهارة والحدث أثر مع العلم بمخالفة أحدهما للواقع لم يكن للواحد المردد من الكأسين الّذي هو نجس أيضا أثر وكما ان نقض اليقين باليقين الإجمالي في ذاك المقام كان لازمه تناقض الصدر والذيل في دليل الاستصحاب فكذلك في المقام فلا فرق بينهما.

فالمخالفة العملية ان لم تلزم في المقام يكون إشكال التناقض بين الصدر والذيل في المقامين.

وقد نقل عن مجلس بحثه قده بأن المراد باليقين في الذيل هو اليقين المنجز والمردد لا يكون منجزا فيما لا مخالفة عملية فيه.

٣٥٤

ولكن يرد عليه أيضا بان اليقين بنجاسة أحد الكأسين بعد العلم بطهارتهما أيضا غير منجز فان لم يكن لغير المنجز أثر فلا بد من جريان الاستصحابين في الصورة الأولى أيضا مع انه قده لم يفرق بين كون الحالة السابقة في الكأسين الطهارة أو النجاسة في الصورة الأولى فارجع إلى عبارته في الفرائد.

ولذا لا نفرق في حكم الشبهة المحصورة بين كون الحالة السابقة في المشتبهين هي الطهارة أو النجاسة وبين عدم حالة سابقة معلومة.

فان مقتضى الاحتياط فيهما وفيما تقدم من مسألة الماء النجس المتمم كرا الرجوع إلى قاعدة الطهارة إلخ والحاصل ان كلامه قده غير تام ولا يخلو عن التشويش.

واما شيخنا النائيني قده القائل بان التنزيل في الاستصحاب في الطرفين مخالف للواقع في البين في الصورة الأولى فلا يقول بهذه المقالة في هذه الصورة.

وحاصل كلامه قده هنا هو ان التعبد في مقام الظاهر بخلاف ما نعلمه إجمالا لا إشكال فيه مع وجود الملازمة بين طهارة البدن وزوال الحدث وبين نجاسته وبقاء الحدث واقعا ولكنها لا تضر بجريان الأصلين في مقام الظاهر.

والجواب عنه هو عدم تمامية المبنى فان التعبد على خلاف الواقع لا إشكال فيه على ما مر فان الفرق بين الواقع وكان الواقع واضح وموطن العلم هو الذهن ولا يسرى إلى الخارج فان الشك في الطرفين موجود واما عدم تمامية البناء فقد مر آنفا من عدم الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى في وجود الواقع المردد الّذي يخالفه الاستصحابان.

هذا كله مضافا إلى انه قده قائل بجريان الأصول الغير المحرزة مثل أصالة البراءة والإباحة في أطراف العلم الإجمالي مع عدم الفرق من حيث المخالفة مع الواقع ولا دخل لكون الأصل محرزا أو غير محرز في دفع الإشكال.

٣٥٥

الصورة الرابعة

فيما إذا لم يكن لأحد الاستصحابين أثر عملي فلا إشكال في جريانهما وقال الشيخ الأعظم قده وهذه الصورة في الحقيقة خارجة عن تعارض الاستصحابين لعدم التعبد بما لا أثر له شرعا كما إذا علم إجمالا بطرو الجنابة عليه أو على غيره وأمثلة هذه كثيرة.

فمنها ما إذا علم إجمالا بحصول التوكيل من الموكل إلّا ان الوكيل يدعى وكالته في شيء خاص والموكل ينكر توكيله في ذلك الشيء فانه لا خلاف في تقديم قول الموكل لأصالة عدم توكيله فيما يدعيه الوكيل ولم يعارضه أحد بان الأصل عدم توكيله فيما يدعيه الموكل مثل ان يدعى الوكيل وكالته في شراء العبد والموكل يدعى توكيله في شراء الجارية.

ومنها ما إذا حصل النزاع بين الزوج والزوجة من جهة كون النكاح دائما أو منقطعا فان أصالة عدم كونه دائما حيث يكون لها الأثر وهو عدم وجوب النفقة وعدم الإرث والقسم جارية ولا أثر لعدم كون النكاح منقطعا.

أقول هذا الكلام من الشيخ الأعظم قده في هذا المثال يكون في صورة كون الشك من جهة كون الصيغة الخاصة بالمتعة مثل لفظة متعت أو المشترك بين الدائم والمنقطع مثل زوجت وأنكحت واما إذا علمنا ان اللفظ الصادر كان مشتركا ولكن لا نعلم ان المدة ذكرت في الصيغة ليصير منقطعا أو غير مذكورة ليصير دائما فالأصل عدم ذكر المدة ولازمه دوام النكاح.

فتحصل ان الأصل الآخر لا يجري في صورة عدم وجود الأثر له فلا تعارض بين الأصلين.

ثم انه قده قال ولك ان تقول بتساقط الأصلين في هذه المقامات والرجوع إلى الأصول الأخر الجارية في لوازم المشتبهين إلّا ان ذلك انما يتمشى في الأمور الخارجية واما مثل أصالة الطهارة في كل من واجدي المني فانه لا وجه للتساقط هنا انتهى.

٣٥٦

ولعل وجهه هو ان الاستصحاب يجري (١) مع استقرار موضوعه وهو الشك واما مع عدم الاستقرار فلا وجه له وفي المقام حيث يكون العلم الإجمالي في البين يمنع عن استقرار الشك في كل طرف من الأطراف وكل شك كان مع العلم الإجمالي لا يجري الأصل فيه فلا بد من المراجعة إلى الأصول الأخر في خصوص المسألة.

ففي مثال الوكالة إذا ادعى الوكيل وكالته على شيء خاص مثل بيع الجارية وأنكره الموكل وادعى وكالته في شيء آخر مثل بيع العبد فأصالة عدم انتقال

__________________

(١) أقول تعبيره قده بتساقط الأصلين كاشف عن التعارض بواسطة الجريان ومن المعلوم ان الجريان يكون في صورة عدم الإشكال في الموضوع فلو عبر بسقوط الأصلين لكان لما ذكره مد ظله وجه.

ولكنه بعيد للشك المستقر في كل طرف من الأطراف بالوجدان وليس المقام مثل صورة احتياج رفع الشك بواسطة رفع اللحاف عن الرّأس لرؤية الصبح.

والعلم الإجمالي لو كان علة تامة أيضا على مبناه مد ظله لا يوجب رفع الشك عن النجاسة بل يوجب رفع الشك عن وجوب الاجتناب وهو خلاف مبنى الشيخ الأعظم قده فلا يتم هذا التوجيه.

فلعل نظره قده هو ان ادعاء عدم الأثر في طرف آخر كلام غير تام لأن أصالة عدم التوكيل على بيع العبد أثرها الوكالة على بيع الجارية بمقتضى العلم الإجمالي.

فالأصلان متعارضان متساقطان فلا بد من الرجوع إلى ساير الأصول بعدم عدم الأثر للوكالة الإجمالية في المقام وهكذا الصيغة المرددة بين النكاح الدائم والمنقطع.

واما فرقه قده بين المقام وبين واجد المني في الثوب المشترك فلان اللازم في العلم الإجمالي هو إيجاد التكليف بأي طرف وقع وليس كذلك فيه لأنه لو كان المني من غيره لا يوجب التكليف لهذا الشخص فمع عدم الأثر للعلم لا وجه لملاحظة جريان الأصلين بل كل يجري الأصل بدون المعارض فتدبر.

٣٥٧

الجارية وأصالة عدم كون الثمن في عهدة المشتري وأصالة عدم وجوب تسليم المبيع جارية وإلّا فلا وجه لكلامه قده بعد عدم جريان الأصل في ما لا أثر له.

فالنكتة عدم استقرار الشك وعلى هذا الا فرق بين الأمور الخارجية والداخلية فان واجد المني في الثوب المشترك كيف لا يكون له جريان أصالة عدم الجنابة لو لا جهة عدم استقرار الشك كما في صورة عدم الأثر فالقول بتساقط الأصول في الأمور الخارجية ولو فيما لا أثر له لازمه القول بتساقطه في الأمور الداخلية كواجد المني في الثوب المشترك.

وكيف كان فقوله قده بالرجوع إلى الأصل في كل مورد من الفروع هو الصحيح وان لم يكن فرقه قده بين الأمور تاما عندنا.

تذييل

وهو انه لا شبهة في عدم وجوب الفحص عن الشبهات الموضوعية البدوية فهل يجب هنا الفحص عن أن مورد العلم من أي صورة من الصور التي تصورناها في العلم الإجمالي في المقام ليتضح مورد جريان الأصول وعدمه أولا.

ويستنتج الشيخ قده من هذا البحث جواز إجراء الأصل ان فرض عدم وجوب الفحص وعدم جوازه الا للمجتهد على فرض وجوبه لأنه العارف بموارد الحاكم والمحكوم.

ثم اختار قده ما حاصله ان تشخيص المورد من الحاكم والمحكوم من الأصول السببية والمسببية وغيرها لا بد ان يكون المقلد خبيرا فيه وليس شأن كل مقلد وإلّا فيجب أخذ المورد من المجتهد.

أقول ان البحث في المقام يكون من البحث عن دليلية الدليل فان البحث عن الحاكم والمحكوم يكون من متممات أصل الدليل مثل الاستصحاب ولا ربط له بالمقلد لنقول إذا لم يكن الفحص واجبا يكون للمقلد إجراء الأصول وليس البحث عن

٣٥٨

الموضوعات ليقال ان المقام هل يجب الفحص فيه بخصوصه مع عدم وجوبه في الشبهات الموضوعية في غير المقام فليس هذا شأن المقلد لعدم كونه من الموضوعات.

واما ما فرض كونه من الموضوعات الخارجية مثل الخمر والخل فعلى فرض وجوب الفحص فيها فلا نقول ان المجتهد أقدم من المقلد فان العوام ربما يكونون أبصر بمعرفة الخمر والخل كما لا يخفى.

فليس كل موضوع محتاج إلى الفحص وظيفة المجتهد وكل موضوع غير محتاج إليه وظيفة المقلد بل الفحص في الأحكام وظيفة المجتهد والتطبيق يمكن البحث فيه من جهة انه وظيفة المجتهد أو يعمه والمقلد.

والفحص في الموضوعات على فرض الوجوب ينوط بنظر من هو أخبر فيهما وهذا الكلام منه قده خلاف شأنه في المقام أعلى الله درجته في الجنان.

وقد تم الفراغ عن بحث الاستصحاب بعون الله الملك الوهاب والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الأبرار الأطهار.

في تاريخ الخامس من شهر ربيع الثاني سنة ١٣٩٦ من الهجريّ القمري.

٣٥٩

في التعادل والتراجيح

وهذا البحث في الأصول بحث شريف جدا وله فوائد كثيرة في الفقه حتى عبر عنه بعضهم بأنه الفقه الأكبر.

والبحث ابتداء في أمور :

الأمر الأول في معنى التعارض لغة واصطلاحا اما في اللغة فربما قيل انه بمعنى العرض والإظهار لأن كل واحد من المتعارضين يظهر في مقابل غيره.

وقيل من العرض في مقابل الطول ومعناه ان الأمارة في طول الأصول فلا زالت متقدمة على الأصول وليست في عرضها واما الأمارة مع الأمارة فهما دليلان في عرض واحد فإذا كان الدليلان في مورد واحد متنافيين يقال انهما متعارضان.

واما بحسب الاصطلاح فقد اختلف فيه فيظهر عن الشيخ الأعظم قده ان التعارض هو تنافي الدليلين لتنافي المدلولين (١) سواء كان التنافي بالذات مثل ثمن العذرة سحت

__________________

(١) أقول تعريفه قده امتن من تعريف المحقق الخراسانيّ قده لأن المراد بالمدلول هو الحكم وتنافي الحكمين هو الّذي يوجب تنافي الدليلين وتكذيب أحدهما الآخر وإلّا فالدليلان من أين حصل التنافي بينهما.

والمراد بالحجة أيضا هو الدليل الدال على الحكم من الوجوب والحرمة وهو الكاشف عن الحكم أيضا فمن فهم من كلام المحقق الخراسانيّ قده التنافي في الكاشف لا يكون فهمه خلاف الحق.

وتعبيره مد ظله بأن مراده التنافي في الحجتين لا ينافى قول هذا القائل بعد كون المراد من الحجة هو الدليل الكاشف عن الحكم.

ويظهر من كلامه مد ظله ان المراد من المدلول هو الملاك الّذي دل عليه الحكم ولذا يقول لا ربط للتنافي بين الملاكين بتنافي الدليلين وان كان التنافي في الحكم يرجع إلى ـ

٣٦٠