مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

ولكنه واجب لملاك آخر وهو المصلحة في إبراز العموم وهذا نظير الأحكام الظاهرية بالنسبة إلى الأحكام الواقعية فان مورد أصل البراءة يمكن ان يكون الحكم في الواقع هو الحرمة ولكن مصلحة التسهيل على العباد اقتضت الحكم بالحلية كما حرر في محله في جواب شبهة ابن قبة في الأحكام الظاهرية.

واما ما قيل من ان الحكم اما ان يكون واقعا على الافراد غير الخاصّ واما ان يكون على الخاصّ أيضا فعلى الأول ينتهى أمد الحكم عند وجدان الخاصّ وعلى الثاني فلا يمكن رفعه لأن النسخ في الشرع يكون مثل البداء في التكوين فكما ان البداء بالنسبة إلى العالم بجميع شئون التكوين محال كذلك النسخ بالنسبة إلى الأحكام بالنسبة إلى العالم بعواقب الأمور محال.

نعم من كان جاهلا بالمصالح كعموم الناس فيمكن ان يضع الحكم ثم يرفعه بواسطة علمه بالمصالح بعد جهله بها فلا وجه له لأن الحكم يمكن ان يكون على الفرد الخاصّ في أمد الزمان لمصلحة في إبراز العموم لا من باب وجود المصلحة في نفس الخاصّ كالمصلحة التي اقتضت الحكم على ساير الافراد فليس تأخير البيان عن وقت الحاجة بهذا المعنى قبيحا لعدم الحاجة إلى البيان بل الحاجة في إبراز العموم فليس في تأخير البيان عن وقت إبراز العموم نقض غرض للمولى ولا تفويت مصلحة للعبد.

واما المقدمة الثانية فهي أيضا ممنوعة من جهة ان الحق عندنا هو ان فعلية الحكم ليست بفعلية موضوعه بل الأحكام كلها فعلية بصرف إبراز الإرادة فالواجب المطلق والمشروط والمعلق فعلى غاية الأمر في غير المطلق يكون فعلية الحكم على فرض وجود شرط وفرضه حاصل حين الإبراز فان قال المولى ان رزقت ولدا فاختنه يكون الحكم بختان الولد فعليا ولا حالة منتظرة له.

غاية الأمر ظرف امتثاله يكون ظرف رزق الولد كما حرر في الأصول في بحث تقسيمات الواجب فعلى هذا نسخ الحكم بعد إبراز الإرادة صادق ولو لم يأت وقت العمل وفي العرف أيضا يصدق النسخ فإذا نذر شخص ان يعطى دراهم إلى هاشمي

٤٠١

أو غيره ان حصل له الأمر الفلاني ثم قبل حصول الأمر ندم عما ذكر ورفع اليد عنه يقال انه نسخ ما حكم به.

والحاصل ان النسخ لا يحتاج إلى فعلية الموضوع بل يصدق مع عدمها أيضا فيمكن صدق التخصيص بعد وقت العمل والنسخ قبل وقته لكون المصلحة في الإبراز مع كون الفرد خارجا واقعا من أول صدور العام ولكون النسخ صادقا بصرف رفع الحكم المبرز فتدبر.

فإذا عرفت ما ذكر ففي صورة دوران الأمر بين النسخ والتخصيص قيل بتقديم التخصيص بوجوه.

الأول غلبة التخصيص على النسخ بحيث قيل ما من عام إلّا وقد خص فكأن الغلبة من القرائن الحافة بالكلام تمنع عن القول بالنسخ.

الثاني للمائز الماهوي بينهما من جهة ان النسخ هو التخصيص في الأزمان وهو تخصيص في الافراد والتخصيص بالافراد مقدم على التخصيص في الأزمان من جهة استمرار شرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وندرة النسخ في الأحكام الإلهية.

الثالث ان النسخ في التشريع كالبداء في التكوين فكما ان البداء في التكوينيات محال فالنسخ في التشريعيات محال عن الحكيم العالم بعواقب الأمور هذا ما قيل في وجه تقديم النسخ على التخصيص.

والتحقيق عدم تماميته اما الأول فلان الكلام في المخصصات المنفصلة ولا نسلم أغلبية التخصيص عن النسخ فيها بل في عرف العقلاء لا يكون التخصيص بعد وقت العمل فانهم يضمون مخصصات كلامهم إليه وقد مر ان التخصيص بالمنفصل يكون من دأب الشرع الأنور لمصالح انتظامية ومع ذلك لا نسلم كون التخصيص بعد وقت العمل أغلب من النسخ.

هذا مضافا إلى انه لو سلم الغلبة لا نسلم قرينيتها على تقدمه على النسخ بل على الأظهرية وهي تختلف حسب اختلاف الموارد واما الوجه الثاني فلمنع تقديم

٤٠٢

التخصيص بالافراد على التخصيص بالأزمان لأن تخصيص الافراد أيضا لازمه التخصيص في الأزمان بالنسبة إلى الفرد الخارج عن تحت العموم ولا يكون أغلب أيضا كما مر ولو سلم الغلبة لا قرينية لها.

مع ان إبراز العموم لمصلحة خارجة من نفس المكلف به يكون مثل صدور الحكم تقية في ساير الموارد فكما ان أصالة الجهة مثل أصالة الظهور وأصالة الظهور في جريانها في عرض واحد في غير المقام في صورة الشك في كون الصدور عن تقية أولا فكذلك في المقام.

فانه يكون من دوران الأمر بين رفع اليد عن أصالة ظهور العام في العموم ليكون الخاصّ بعد العمل به مخصصا وبين ان يكون رفع اليد عن أصالة الجهة ليكون الخاصّ ناسخا لأن حفظ أصالة الجهة لازمه القول بالنسخ لأنه إذا كانت المصلحة في العموم لا في إبرازه ثم جاء وقت العمل وعمل بالعموم ثم جيء بالمخصص يكون الخاصّ لا محالة ناسخا ولا أولوية لرفع اليد عن أصالة الظهور في العموم بعد الدوران بين رفع اليد عن أحد الأصلين للعلم الإجمالي بسقوط أحدهما.

واما الوجه الثالث وهو كون النسخ محالا كالبداء في التكوين فلا يتم أيضا لأن البداء في التكوين معناه انتهاء أمد المصلحة وكذلك النسخ وهذا لا يرجع إلى جهل المشرع والمكون بل هو لعلمه بعاقبة الأمور يعلم ان المريض يموت بالمرض الفلاني ويعلم انه لو تصدق مثلا يدفع الموت عنه فإخباره بالتكوين كذلك لا يلزم منه الجهل واخباره بالنسخ أيضا يكون اخبارا بانتهاء عامد الحكم.

وبعبارة أخرى لا يكون النسخ في الواقع بل المولى الحكيم يقطع بعد الحكم في الزمان الفلاني فيظن من لا يعلم الأشياء الا من سم الخياط انه ندم ونسخ فهو مثل من يرى قطار الإبل من سم الخياط واحدا بعد واحد والمولى الحكيم مثل من يعلم بذلك من مكان مرتفع يحيط بجميع الصف من أوله إلى آخره.

فتحصل ان القول بتقديم التخصيص على النسخ بما ذكر لا وجه له بل المدار على

٤٠٣

الأظهرية حسب الموارد.

ثم ان شيخنا الأستاذ النائيني قده في مقام الدوران بين النسخ والتخصيص بين وجه التقديم للتخصيص وللنسخ وحاصله ان وجه تقديم التخصيص هو انه أكثر وأغلب من النسخ وأورد عليه بما ذكرنا من عدم كون الغلبة بحيث يمكن ان تكون قرينة على التقديم.

واما وجه تقديم النسخ فتوضيحه هو ان العام له دلالة وضعية بالنسبة إلى الافراد ودلالة مستفادة من مقدمات الإطلاق في الاستمرار فدلالة العام على الفرد الخاصّ بالوضع ودلالته على الاستمرار بمقدمات الإطلاق فإذا دار الأمر بين تخصيص العام ليسقط الدلالة الوضعيّة في الفرد الخاصّ وبين النسخ الّذي هو موجب لسقوط الدلالة الإطلاقية في الفرد الخاصّ على الاستمرار يقدم تقييد الإطلاق على تخصيص العام نظير ما تقدم من تقديم تقييد الإطلاق الشمولي على تخصيص العام الأصولي.

ثم أجاب قده عن هذا الوجه واختار تقديم التخصيص على النسخ وحاصل الجواب هو ان النسخ يتوقف على ثبوت الحكم للعام على الخاصّ أيضا وهو أول الكلام لأن أصالة ظهور الخاصّ متقدمة على أصالة الظهور في العام بالحكومة ومع تقديمها لا يبقى موضوع للنسخ أصلا حتى يقال انه مقدم على التخصيص هذا أولا.

وثانيا ان ما ذكر من ان الاستمرار في الأزمان يكون مستفادا من مقدمات الإطلاق خلط في المقام لأن استمرار الأحكام مستفاد مما ورد من قوله عليه‌السلام حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة لا من جهة مقدمات الإطلاق فيدور الأمر بين تخصيص هذا العام وبين تخصيص العام المتكفل لبيان الحكم الواقعي فلا يكون النسخ من تقييد الإطلاق حتى يقدم على تخصيص العام فالأقوى هو تقديم التخصيص على النسخ لأن الخاصّ أقوى هذا كلامه رفع مقامه.

فأقول ان النسخ والتخصيص كما مر لا وجه لتقديم أحدهما على الآخر إلّا

٤٠٤

بملاحظة الأظهرية في المورد لأن العلم التفصيلي (١) بخروج الخاصّ عن تحت العام

__________________

(١) العلم التفصيلي يكون في صورة كون الخاصّ مؤخرا عن العام واما في صورة تقديمه فيدور الأمر بين كون العام ناسخا للخاص أو الخاصّ مخصصا للعام فلا يكون العلم التفصيلي بخروجه على أي تقدير.

واما الدوران بين الجهة والظهور فهو أيضا يكون في صورة تقديم الخاصّ على العام واما صورة تأخيره عنه فيدور الأمر بين حفظ أصالة الجهة في العام ليكون الخاصّ ناسخا وبين عدمه ليكون مخصصا مع حفظ أصالة الظهور للعام على كلا التقديرين وحفظ جهة الخاصّ ونصوصيته.

فلا يدور الأمر بين حفظ الظهور أو الجهة بل يدور الأمر بين حفظ الجهة وعدمه ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

ثم ان مراد شيخنا مد ظله من هذا الكلام هو ان النسخ ليس تخصيصا في الأزمان بل صرف أصالة الجهة يحكم بدوام الحكم إلى حين صدور الخاصّ إذا كان العام مقدما وإلى حين صدور العام إذا كان الخاصّ مقدما خلافا للقدماء.

فهو يقول إذا حفظنا جهة الصدور إلى وقت صدور المنافي فلا بد من رفع الحكم بالنسخ.

وفي هذا الكلام تأمل لأن معنى أصالة الجهة هو كون الإرادة الاستعمالية موافقة للإرادة الجدية ومعناها في المقام هو عدم صدور العموم مثلا للتقية أو لمصلحة أخرى في الإبراز بل المصلحة في نفس المكلف به وهذا لا يستفاد منه ان الحكم يكون دائما ومستمرا في كل زمان بل ساكت عن هذه الجهة.

فلذا في بحث المرة والتكرار في الأوامر يقول ان الأمر يكون للبعث إلى صرف الطبيعة من دون إثبات أحدهما ومن هذه الجهة تمسك بعضهم بقوله عليه‌السلام حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة وهذا وان لم يتم ولكنه شاهد عدم كون الاستمرار في نفس الحكم من جهة الإرادة الجدية.

نعم مع الفراغ عن جهة الاستمرار من دليل آخر يفيد الإرادة الجدية فتحصل انه مع حفظ أصالة الجهة لا يتم النسخ فيمكن حفظها والقول بالتخصيص أيضا.

٤٠٥

حاصل لنا وهو متولد من العلم الإجمالي بان أصالة الظهور الساقطة اما هي من جهة الصدور أو من جهة الظهور الدلالي لأن الخاصّ لو كان ناسخا يكون من باب كون إبراز العموم من جهة التقية أو لمصالح أخرى التي ترجع إلى سقوط جهة الصدور واما لو كان مخصصا فيوجب ان يكون الساقط هو أصالة ظهور العام في العموم من حيث الدلالة فإذا دار الأمر بين سقوط جهة الصدور أو الدلالة فلا ترجيح لأحد الظهورين على الآخر.

واما الإشكال في كلامه قده أولا هو ان تقديم الخاصّ على العام وتخصيص العام به ليس بالدلالة الوضعيّة هنا حتى يقال الوضع مقدم على الإطلاق بالحكومة بل يكون بالدلالة الإطلاقية المستفادة من مقدمات الإطلاق فان استمرار حكم الخاصّ في جميع الأزمنة لا يكون بالوضع فكما ان استمرار حكم العام بالنسبة إلى الأزمان يكون بالمقدمات للإطلاق كذلك استمرار حكم الخاصّ فكيف يقدم الخاصّ على العام من باب التخصيص لا النسخ بالأقوائية.

وثانيا ان ما ذكره قده من ان استمرار حكم العام يكون بالدلالة الوضعيّة وهي قولهعليه‌السلام حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة إلخ فائضا لا يتم لأن هذا الدليل يكون دليلا على ان شرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينسخ بشرع آخر ويكون أحكامه غير قابل للتغيير من قبل غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واما التغيير من قبله فلا دلالة له عليه والحاصل لا يدل على استمرار الأحكام الواقعية في كل مورد فهو أجنبي عما نحن بصدده وهو استمرار نفس الحكم الشخصي فعلى هذا ليس الاستمرار بالوضع حتى يقاوم مع أصالة العموم في العام هذا كله مضافا إلى ان كلامه قده لا ينطبق على صورة كون الخاصّ مؤخرا عن العام لخروجه على أي حال عن تحته سواء كان تخصيصا أو نسخا :

ثم انه ربما قيل بأن استمرار الحكم لا يمكن ان يستفاد من نفس الخطاب لأن استمرار الحكم فرع ثبوته فما يتفرع على الخطاب كيف يمكن ان يستفاد

٤٠٦

من قبله فإذا قال قائل تجب الصلاة لا يمكن استمرار حكم الوجوب بنفس هذا الخطاب.

فلا بد من إثبات الاستمرار في الأحكام الشخصية أيضا من قوله حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة إلخ فيكون الاستمرار بالوضع من هذه الجهة ولكن لا يتم هذا الكلام فانه من الممكن ان يجعل الدوام قيد الموضوع بان يقال تجب الصلاة في جميع الأزمنة أو تجب الصلاة ممتدة وأمثال تلك العبارة فلا محذور في بيان الاستمرار بغير ما ورد من الحديث (حلال محمد إلخ).

وقد يقال بتقديم التخصيص على النسخ من جهة ان أصالة السند في الخاصّ محفوظة في جميع الأزمنة إذا كان الخاصّ مخصصا للعام مع حفظ أصالة الظهور والسند في العام أيضا واما إذا كان العام ناسخا له فأصالة سنده غير محفوظة من حين صدور العام لأن المفروض نسخه بالعامّ فإذا دار الأمر بين حفظ السندين أو حفظ سند واحد فالجمع بينهما أولى من الطرح لأحدهما وان كان في القول بالنسخ حفظ أصالة السند والجهة في العام.

ولكن حفظ الأصل في السندين أولى من حفظ الجهة لأن أصالة الظهور في طول أصالة الجهة ولا تصل النوبة إليها بدون ملاحظة أصالة الظهور قبلها فعلى هذا يقدم التخصيص على النسخ.

والجواب عنه ان هذا الكلام لو تم يكون في صورة تقدم الخاصّ على العام واما في صورة تأخره عنه فلا لأن الخاصّ ناسخا كان أو مخصصا يكون خارجا عن تحت العام ويكون أصالة سندهما محفوظة ولكن لا يتم من أصله لأن العام ينحل إلى الافراد فإذا خصص بالخاص المقدم يكون لازمه إسقاط سند العام في خصوص الفرد المخصص فلا ترجيح للتخصيص على النسخ.

وما ذكر من تقديم أصالة الصدور على أصالة الجهة وتقديم أصالة الجهة على أصالة الدلالة كما في الكلمات عن القوم وعن شيخنا الحائري قده فغير وجيه من أصله لعدم

٤٠٧

الطولية بين الظهورات الثلاثة في الحجية بل الكل في عرض واحد والكل مركب يوجب تمامية كلام المتكلم ضرورة احتياج الكلام إلى حفظ الجهات الثلاثة ليصح الاعتماد عليه.

مضافا بان الطولية لو تمت تكون في الدليل الواحد لا الدليلين فان صدور كلام لا تقدم له على جهة كلام آخر ولا وجه له فتحصل انه لا وجه لتقديم التخصيص على النسخ ولا لتقديم النسخ عليه.

ثم على فرض الشك في النسخ والتخصيص ففي الخاصّ المتقدم ربما يقال ان مقتضى الأصل العملي هو استصحاب حكمه حتى بعد ورود العام.

وفيه انه مع احتمال ناسخية العام له لا علم لنا بالحالة السابقة على أي تقدير بل على تقدير عدم النسخ يكون باقيا وعلى تقديره فيكون فانيا هذا في الخاصّ المتقدم.

واما الخاصّ المتأخر فحيث لا ثمرة لاستصحاب حكم العام إلى حين ورود الخاصّ فلا أثر للاستصحاب فيه كما لا ثمرة في بحث النسخ والتخصيص فيه بعد العلم بخروج الخاصّ عن تحت العموم ولو فرض في المقام ثمرة تكون هي وجوب (١) الفحص عن

__________________

(١) أقول لا وجه لهذه الثمرة لأن الفحص عن مخصص العام أو ناسخه لازم على أي تقدير لعدم حجية العام بعد احتمال ذلك احتمالا عقلائيا.

مضافا إلى ما ذكره من كون النسخ أيضا كثيرا ولكن لا يكون البحث بدون الثمرة على ما حققناه وهي ان الخاصّ إذا كان ناسخا للعام لا بد من ترتيب الأثر على مورده الّذي كان إلى حين ورود الخاصّ فانه لو كان مما له قضاء يترتب عليه وهذا بخلاف كون الخاصّ مخصصا وهذا بعينه هو الثمرة التي كانت في الخاصّ المقدم والعام المؤخر وقد ذكره مد ظله فيما سبق فكيف يقول القوم لا ثمرة له فان كان المراد عدم وجدان الثمرة كذلك في الفقه فهو يكون في جميع الصور ولا اختصاص له بصورة دون صورة والحاصل تصوير الثمرة مما لا إشكال فيه في الصور.

واما وقوعها فالكلام وان كان فيه ولكن لا يختص بصورة دون صورة أيضا.

٤٠٨

المخصص لو كان الخاصّ مخصصا وعدم وجوبه لكونه ناسخا والنسخ نادر فلا يجب الفحص عنه.

ولكن هذا أيضا لا يتم لأن كل خاص إذا فرض كونه ناسخا لا يكون نادرا حتى لا يجب الفحص عنه فانه حينئذ يرجع كل تخصيص إلى النسخ فتحصل انه لا ثمرة من بين الصور الا في صورة كون الخاصّ مقدما وكون العام مؤخرا واحتملنا التخصيص للعام به أو نسخ العام لحكمه.

ثم انه قد ظهر من جميع ما تقدم حكم ما ورد من الروايات النبوية وما ورد من المخصصات العسكرية فانه من الممكن ان تكون المصلحة في إبراز العموم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم صارت المصلحة في الإبراز بعد زمان ومن الممكن ان يكون من باب التخصيص أيضا ويكون ما ورد من الروايات العامية الصادرة في المخصصات شاهدا على ان المخصص قد خفي بدس الدساسين.

واما أصل النسخ فقد مر انه في زمان الأئمة عليهم‌السلام ممكن لعلمهم بانتهاء أمد الحكم ولا يكون الخاصّ المتأخر موجبا لتأخير البيان عن وقت الحاجة واما في مقام الإثبات فقد اختار الشيخ الأعظم تقديم التخصيص على النسخ ونحن لا مرجح لنا لأحدهما فانهما متساويان بحسب الدليل.

الجهة السادسة

في التعارض بين الأكثر من الدليلين

مثل ان تكون الأدلة المتعارضة ثلاثة أو أزيد مع اختلاف النسبة بين العام والخاصّ والخاصّ والخاصّ من كونها عموما وخصوصا مطلقا أو عموما من وجه وتكون النسبة التباين فينبغي توضيح المقام ببيان كل صورة مع حكمها.

الصورة الأولى ان يكون لنا عام وخاصان مثل ما إذا قام دليل على وجوب إكرام النحويين ودليل آخر على عدم وجوب إكرام الكوفيين منهم ودليل آخر

٤٠٩

على عدم وجوب إكرام البصريين منهم فان النسبة بين العام وكل خاص هو العموم والخصوص المطلق والنسبة بين الخاصّين هو التباين من حيث الموضوع فان الكوفيين غير البصريين وبالعكس.

ففي هذه الصورة ان لم يلزم محذور من تخصيص العام بهما مثل عدم لزوم تخصيص الأكثر المستهجن يخصص بهما واما إذا لزم محذور تخصيص الأكثر أو كون العام بلا مورد فيدور الأمر بين تقديم العام أو تقديم الخاصّين لوجود التعارض بينهما وبين العام ضرورة انه لا تعارض بين العام وكل واحد من الخاصّين لأن تخصيصه بأحدهما لا يلزم منه محذور فلا بد من الرجوع إلى المرجحات السندية.

ولكن النراقي قده يحكم بتخصيص العام بأحد الخاصّين أولا ثم يلاحظ النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر وقال الشيخ الأعظم قده ولا أظن انه يلتزم به في الخاصّين الذين يكون دليلهما اللفظ بل يكون التوهم في صورة كون أحد الخاصّين دليلا عقليا أو إجماعا ليكون ذلك مثل الدليل المتصل الّذي يكون كالقرينة لتقطيع حجية العام في العموم.

وكيف كان فقد تنقلب النسبة بعد التخصيص المذكور إلى العام والخاصّ من وجه مثاله أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم ولا تكرم النحويين فإذا خصص العام بلا تكرم الفساق منهم تكون النسبة بينه وبين لا تكرم النحويين العموم من وجه فمورد الاجتماع النحوي الفاسق ومورد افتراق أكرم العلماء العالم العادل غير النحوي ومورد افتراق لا تكرم النحويين النحوي الغير العالم وهو قده ينكره لعدم الفرق بين كون الدليل المنفصل لفظيا أو غير لفظي.

فان قيل إذا كان المحذور في تخصيص العام بالخاصين فلا بد من تقديم تخصيص ما هو المقطوع من المخصصين وبعده تنقلب النسبة كما قال النراقي قده فأي إشكال عليه في هذا الفرض.

قلنا ان مراد الشيخ قده هو تساوى الظني والقطعي في كونهما مخصصين بعد فرض

٤١٠

حجية الظني أيضا ولا وجه لانقلاب النسبة بل المدار على الأظهرية في الدلالة ومع التساوي فلا بد من التخيير بين العمل بالخاصين أو العام ولا وجه لتقديم التخصيص في أحد المخصصين على الآخر وهو الحق عندنا ، الصورة الثانية ان يكون عام وخاصان مع كون النسبة بين الخاصّين أيضا هو العموم والخصوص المطلق مثل ان يقال أكرم العلماء ولا تكرم النحويين منهم ولا تكرم الكوفيين من النحويين.

فقال الشيخ النائيني قده ان تخصيص العام بالخاصين هنا أيضا مثل الصورة السابقة فان لم يلزم محذور من جهة كون العام بلا مورد معه أو صيرورته مستهجنا به يخصص بهما وإلّا فيدور الأمر بين ترجيح العام وبين ترجيح الخاصّين ، ولكن يرد عليه قده بوجوه من الفرق بين الصورتين الأول ان الترجيح في المقام يمكن تصويره بان يكون أحد الخاصّين وهو الأخص مخصصا دون الآخر لأنه مقطوع الخروج بخلافه في الصورة السابقة فان كل واحد من الخاصّين كان متساوي النسبة في تخصيص العام مع عدم إمكان تخصيصه بهما من جهة لزوم تخصيص الأكثر أو صيرورة العام بلا مورد.

وهذا واضح من جهة الإثبات أيضا فانه ان أحرزنا وحدة المطلوب في الخاصّين فلا شبهة في تخصيص العام بالأخص لأن المطلوب به وبالخاص امر واحد وعلى فرض تعدد المطلوب أيضا يمكن الفرق من جهة شدة الملاك في الأخص وضعفه في الخاصّ.

بخلاف الخاصّين المتساويين فانه لا وجه لتقديم أحدهما على الآخر بوجه ولا فرق بينهما في ذاتهما.

الوجه الثاني من الفرق هو إمكان البحث عن انقلاب النسبة في المقام بخلاف الصورة السابقة ضرورة ان العام إذا خصص بأخص الخاصّين الّذي هو خارج قطعا تنقلب النسبة بين العام وبين الخاصّ الآخر عموما من وجه بعد كونها قبل ذلك عموما مطلقا.

٤١١

فإذا خصص في المثال أكرم العلماء بلا تكرم النحويين من الكوفيين يكون مورد الاجتماع بين العام والخاصّ الآخر هو العالم النحوي غير الكوفي لأن النحوي يعم الكوفي وغيره والعالم الغير الكوفي يعم النحوي وغيره وهذا لا يكون إلّا من جهة إمكان ترجيح تخصيص العام بأخص الخاصّين والترجيح هنا ذاتي ولو فرض في السابقة لكان بدليل خارجي.

الوجه الثالث من الفرق هو إمكان تخصيص العام بالأخص هنا ثم تخصيصه بمقدار من الخاصّ الآخر لئلا يلزم محذور تخصيص الأكثر أو كون العام بلا مورد ولا يمكن ذلك في السابقة من جهة عدم المرجح لأحدهما بوجه بل الدوران كان بين سقوطهما أو سقوط العام.

والعجب عن الأستاذ قده حيث يقول بان المخصص المنفصل أيضا هادم للظهور ومع ذلك فرق بين المخصص المنفصل والمتصل وقال بإمكان انقلاب النسبة على فرض كونه متصلا وبعدم انقلابها مع كونه منفصلا مع انه على مسلكه لا فرق بين المتصل والمنفصل في هدم الظهور وتعنون العام بعنوان ضد الخاصّ.

الصورة الثالثة ما إذا ورد عام وخاصان وكانت النسبة بين الخاصّين العموم من وجه مثل ما إذا قيل أكرم العلماء ولا تكرم النحويين ولا تكرم الصرفيين فلا شبهة في تخصيص العام بهما.

ومورد اجتماع العنوانين وهو العالم الصرفي النحوي ينطبق كلا الخطابين ولا محذور في ذلك ولو كان في البين محذور تخصيص الأكثر أو بلا موردي للعام فالكلام هو الكلام في الصورة الأولى من حيث ملاحظة الترجيح في سند العام أو الخاصّين ، الصورة الرابعة ما إذا ورد عامان من وجه وخاص فان كان مفاد الخاصّ إخراج مورد افتراق أحد العامين تنقلب النسبة إلى العام والخاصّ المطلق.

وحيث ان الأمثلة المذكور في كتب الأصول لا ثمرة فقهية فيها ويكون المقام

٤١٢

من مقامات البحث عن انقلاب النسبة فنحن نذكر شرح الانقلاب ثم نكتفي بالمثال الشرعي الفقهي وما تعرضوا له من أدلة ضمان العارية وعدم ضمان الدرهم والدينار وعدم ضمان الذهب والفضة.

فنقول اما انقلاب النسبة فهو خلاف التحقيق عندنا تبعا للمحقق الخراسانيّ قده وخلافا للشيخ الأعظم قده ومن تبعه مثل شيخنا النائيني ، وحاصل كلامهم في تصويره هو ان للفظ ظهور تصوري وظهور تصديقي وظهور في مطابقة الإرادة الاستعمالية للإرادة الجدية والثالث هو الّذي يتوقف على عدم وجود قرينة صارفة عنه فإذا وجدت قرينة على عدم كشف اللفظ عن الإرادة الجدية في تمام المراد أو بعضه يسقط هذا الظهور والدليل المنفصل مثل الخاصّ بالنسبة إلى العام يوجب ضيق دائرة كشفه.

وميزان انقلاب النسبة هو ذلك فإذا لوحظ العام مع الخاصّ تنقلب النسبة مع المعارض الآخر بعد كونها عموما من وجه إلى العموم والخصوص المطلق.

أو يقال ان الخاصّ لأقوائية ظهوره يقدم على العام فتنقلب النسبة أو يقال انه قرينة فيسقط ظهور العام به وهذا يكون في صورة وجود خاص واحد في مقابل عامين من وجه فانه يخصص أحد العامين ولا يكون مثل خاصين في مقابل عام واحد حتى يقال لا مرجح لترجيح أحد الخاصّين في التخصيص.

فالخاص الواحد يلاحظ مع العام الّذي كون مخالفا له فيخصص به ولا يلاحظ مع العام الموافق لعدم الوجه لتخصيص أحد المثبتين بالآخر إلّا إذا أحرز وحدة المطلوب (١).

__________________

(١) أقول لو سلم جميع ما ذكره العلامة النائيني قده لا نسلم تقديم ملاحظة نسبة الخاصّ مع أحد العامين ثم ملاحظة النسبة مع العام الآخر بل لا بد من ملاحظة جميع المتعارضات دفعة واحدة.

٤١٣

وحاصل الجواب عن هذه المقالة هو ان تقديم الخاصّ على العام لا يكون من جهة كونه قرينة بل من جهة كونه أقوى ظهورا منه وليس شارحا للعام ليكون قرينة عليه ؛ واما الظهور التصوري والتصديقي للفظ فمن المعلوم عدم توقفه على شيء لأن الظهور التصوري تابع للعلم بالوضع والتصديقي بمعنى استعمال اللفظ في الدلالة

__________________

ولكن الّذي يجب التدبر فيه وما رأيت التعرض له الا في كلام العلامة الأنصاري قده في الفرائد هو ان القول بالانقلاب ربما لا بد منه لأنه يدور الأمر بين طرح النص أو الظاهر بدون دليل.

فعليك بعبارته قده في هذا المقام فانه قال وان كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة فان كان فيها ما يقدم على بعض آخر منها اما لأجل الدلالة كما في النص والظاهر أو الظاهر والأظهر واما لأجل مرجح آخر قدم ما حقه التقديم ثم لوحظ النسبة مع باقي المتعارضات فقد تنقلب النسبة وقد يحدث الترجيح.

كما إذا ورد أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم ويستحب إكرام العدول فانه إذا خص العلماء بعدولهم يصيرا خص مطلقا من العدول فيخصص العدول بغير علمائهم.

والسر في ذلك واضح إذ لو لا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النص أو طرح الظاهر المنافي له رأسا وكلاهما باطل وقد لا تنقلب النسبة فيحدث الترجيح إلخ انتهى موضع الحاجة من عبارته.

فنقول في توضيح قوله والسر في ذلك واضح لأنا إذا لم نقل بانقلاب النسبة ولم نخصص استحباب إكرام العدول بغير العلماء تكون النسبة بين أكرم العلماء ويستحب إكرام العدول العموم من وجه.

فمورد الافتراق في الأول العلماء الفساق ومورد الافتراق في الثاني العدول من المؤمنين ومورد الاجتماع العلماء العدول.

٤١٤

التصديقية لا ينقلب عما هو عليه لأن مقومه الاستعمال وقد وجد والظهور في الإرادة الجدية كفى فيه كاشفية اللفظ نوعا عن المراد والمدار عليه لا على الكشف الفعلي فعليه لا ينبغي القول بانقلاب النسبة لأن الكشف النوعيّ مع القرينة المنفصلة بحاله ، وإلّا فلو كان على الكشف الفعلي فلا معنى للتعارض لأن اللفظ لا يعارضه في كشفه الفعلي شيء والكشف النوعيّ يكون بحاله مع المعارض لعدم توقف ذلك على الظن الشخصي بل الظن النوعيّ كاف ولو كان الظن الشخصي بخلافه أو لم يكن على وفقه ، ولذا ترى عدم إجمال العام بعد التخصيص بالخاص في بقية الافراد فان ظهوره بحاله وانما قدم الخاصّ في مورده للأقوائية ، ثم ان العام بعد التخصيص لا يعنون بعنوان ضد الخاصّ فإذا قيل أكرم العلماء ثم خصص بلا تكرم الفساق لا يعنون العام بعنوان ضد الخاصّ وهو العدالة ليرجع العام إلى قولنا أكرم العلماء العدول ليلاحظ مع هذا العنوان مع العام الآخر مثل لا تكرم النحويين مثلا.

فتحصل انه لا وجه للقول بانقلاب النسبة والخاصّ المنفصل انما يوجب سقوط الحجية بالنسبة إلى العام لا سقوط الظهور.

__________________

فإذا تعارضا تساقطا فيلزم سقوط وجوب إكرام العلماء العدول بالتعارض ثم مع الملاحظة لقوله لا تكرم فساقهم يخرج الفساق عن تحت العام الّذي كان مورد الافتراق فلا يبقى للعام مورد أصلا.

وان لم نخرج فساقهم يلزم طرح النص وهو النهي عن إكرام فساقهم وهذا لا يلزم في صورة تخصيص إكرام العلماء بغير الفساق لتصير النسبة العموم والخصوص المطلق بعد ما كانت عموما من وجه.

فلا بد من القول بانقلاب النسبة في بعض الموارد وعليه الخراسانيّ قده في الفوائد فلاحظ وتدبر.

٤١٥

مثال انقلاب النسبة في العارية

اما المثال الفقهي في هذا البحث ففي العارية وفيه يظهر ثمرة القول بانقلاب النسبة وعدمه فنقول على ما في الكتب ان الروايات الواردة في العارية من حيث الضمان وعدمه على طوائف أربع بالنسبة إلى البحث المناسب للمقام وان كانت في نفسها أزيد من ذلك. وهي ما ورد في الوسائل ج ١٣ في باب ١ و ٢ و ٣ من أبواب العارية.

فمدلول الطائفة الأولى عدم الضمان في العارية مطلقا سواء كانت ذهبا أو فضة أو درهما ودينارا الا في صورة اشتراط الضمان.

كرواية مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال سمعته يقول لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت إذا كان المستعير مأمونا.

ومدلول الطائفة الثانية عدم الضمان الا في الدرهم كرواية عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ليس على صاحب العارية ضمان إلّا ان يشترط صاحبها الا الدراهم فانها مضمونة شرط صاحبها أو لم يشترط.

ومدلول الطائفة الثالثة عدم الضمان الا في الدينار كرواية عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تضمن العارية إلّا ان يكون قد اشترط فيها الضمان الا الدنانير فانها مضمونة وان لم يشترط فيها ضمانا.

ومدلول الطائفة الرابعة عدم الضمان الا في الذهب والفضة كرواية إسحاق بن عمار عنه عليه‌السلام ليس على مستعيرها ضمان الا ما كان ذهب أو فضة فانهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا.

ففي مقام الجمع نقول لا شبهة في تخصيص عموم عدم الضمان في العارية بأخص الخاصتين وهو عارية الدرهم والدينار لأنهما خارجان سواء كان الذهب والفضة أيضا خارجين أم لا ولا شبهة في ان المدلول المطابقي في رواية الدرهم والدينار يكون أظهر من المدلول الالتزامي فيهما فيؤخذ بهما في المدلول المطابقي ويخصص به العام.

٤١٦

فما قيل من ان المدلول الالتزامي في رواية الدرهم بقاء كل ما كان غيره تحت العموم حتى الدينار والمدلول الالتزامي في رواية الدينار يكون هو الضمان في كل شيء حتى الدرهم فيتنافيان فغير وجيه بعد الأخذ بالمدلول المطابقي فيهما وإلقاء المدلول الالتزامي.

ثم ان المهم ملاحظة العموم بعد التخصيص بالدرهم والدينار مع رواية الذهب والفضة فان هذا المورد هو المورد للبحث عن انقلاب النسبة الّذي يكون محل الكلام.

فان النسبة بين عموم عدم الضمان في العارية والضمان في عارية الذهب والفضة العموم والخصوص المطلق قبل تخصيص العموم بالدرهم والدينار واما بعد التخصيص فتنقلب النسبة إلى العموم من وجه لأن مفاد العموم بعد التخصيص هو عدم الضمان في العارية إلّا ان يكون درهما أو دينارا.

ومفاد رواية الذهب والفضة هو الضمان فيهما سواء كانا مسكوكين كالدرهم والدينار أو غير مسكوكين كالذهب والفضة الغير المسكوكين ، فمورد الاجتماع هو الذهب والفضة المسكوكين فان العموم ينفى الضمان والخصوص يثبته واما مورد الافتراق في العام فهو عارية غير الذهب والفضة مثل الثوب فانه لا ضمان فيه (١) ولا يعارضه الرواية فيهما ومورد الافتراق في الرواية فيهما هو الذهب والفضة المسكوكين كالدرهم والدينار فان الضمان يكون فيهما.

__________________

(١) أقول ما تراه من بيان مورد الافتراق والاجتماع لكلامه مد ظله بحيث يصح العموم من وجه حقيقة يكون مما ادى إليه فكري وقد أشار إليه العلامة الأنصاري قده ومورد الافتراق في خصوص الثوب لم يتعرض له مد ظله وكان يقول ان المقام ليس من العامين وجه حسب الاصطلاح بل واقعة العموم والخصوص المطلق والمراد به العامان من وجه الموردي تبعا لأستاذه قده ذكر هذا تحفظا لكلامه في الدرس.

٤١٧

ولا يعارض العام فيهما لأن المفروض انه خصص قبلا بهما فمن قال بصحة انقلاب النسبة يقول في المقام بالتعارض في مورد الاجتماع ولا بد له من مرجح أو مرجع ، فربما يتوهم ان المرجع هو العموم الفوق ولكنه ليس لنا عموم بعد التخصيص بالمنفصل لا ان العموم في روايتي الدرهم والدينار قد خصص بهما بنحو الاتصال والعام الّذي لا يتصل به الاستثناء أيضا يخصص بهما ، فما بقي شيء يكون مرجعا ولا مرجح أيضا فلا بد من القول بأصالة البراءة عن الضمان واما من لم يقل بانقلاب النسبة مثل صاحب المسالك فيخصص العام بكلا المخصصين فليس في العارية ضمان الا الذهب والفضة والدرهم والدينار.

وقال شيخنا النائيني قده بان الإنصاف هو تخصيص العموم الدال على عدم الضمان بمطلق الذهب والفضة وفاقا للمشهور لأن تخصيصهما بالدرهم والدينار يوجب الحمل على الفرد النادر لأن عارية الدرهم والدينار نادرة جدا وما هو الشائع من عارية الذهب والفضة هو الحلي فتخصيص عموم عدم الضمان هنا أولى من تقييد الذهب والفضة ولو قلنا بان تقييد الإطلاق في غير المقام مقدم على تخصيص العام في صورة الدوران بينهما ، وهذا الكلام منه قده يكون بعد تصويره العامين من وجه بنحو لا يخلو من تأمل ويرد عليه ان عارية الدرهم والدينار ليست نادرة لأنهما ربما يجعلان حليا مضافا بان الحمل على الفرد النادر يكون في صورة عدم تكفل نفس الدليل للصورة النادرة فإذا كان نفس الدليل حاكمة بالضمان في خصوص الدرهم والدينار فلا يضر قلة افراد هذا الدليل فلا إشكال من جهة الحمل على الفرد النادر بل لعدم تمامية انقلاب النسبة ولعدم دليل على حمل الخاصّ على الأخص فيخصص العام بهما ،

٤١٨

الجهة السابعة

في مقتضى الأصل الأولى في المتعارضين

وانه هل يكون مقتضاه التساقط أو التخيير أو التوقف وقبل الورود في البحث عنه ينبغي تقديم مقدمة في أمور الأمر الأول في ان المرجحات التي تستفاد من اخبار العلاج تكون من باب التعبد المحض أو هي مرجحات عرفية أيضا كالمرجحات الدلالية؟

والحق عندنا هو الثاني لأن العرف كما يجمع بين النص والظاهر والأظهر والظاهر بتقديم أحدهما على الآخر كذلك في مقام العلاج يرى ما هو أوثق من جهة كون راويه أعدل أو أفقه اقرب إلى الواقع فيكون ما صدر من الروايات في المرجحات إرشاد إلى ما يحكم به العقل والعقلاء فيكون ملاحظتها في رتبة الجمع الدلالي واما على فرض كونها من باب التعبد المحض فتكون من المرجحات التي تلاحظ في طول الجمع الدلالي ، الأمر الثاني في ان مورد النزاع هو تكاذب الخبرين اما بالذات مثل ان يكون العنوان الواحد مورد الترخيص والتحريم مثل ما يقال ثمن العذرة سحت ولا بأس بثمن العذرة واما بالعرض مثل كون المدلول الالتزامي في أحد الدليلين معارضا للمدلول كذلك في الدليل الآخر مثل ما إذا ورد وجوب صلاة الجمعة ووجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة.

فان التعارض بينهما لا يكون بالذات لا مكان الجمع بينهما ولكن حيث نعلم من الخارج عدم وجوب إحداهما يكون المدلول المطابقي هو وجوب إحداهما ومدلوله الالتزامي عدم وجوب الأخرى فيتعارضان وهذا بخلاف الأمر والنهي في عنوان واحد فانه لا يمكن اجتماعهما بالذات

٤١٩

لا يقال (١) ان التعارض مع العلم بكذب أحدهما غير متصور لأن الأمر يدور بين الحجة واللاحجة وما دار امره بينهما لا يكون حجة أصلا ولا يمكن التعبد بهما مع العلم بكذب أحدهما كما عن القدماء فهذا المورد خارج عن بحث التعارض للعلم الإجمالي بالكذب المانع من التعبد بهما ليحصل التعارض.

لأنا نقول الفرض في المتعارضين بالعرض هو عدم وحدة العنوان ليضر العلم

__________________

(١) أقول ان كان الإشكال هو العلم بكذب أحدهما من باب الإجماع مثلا على عدم وجوب صلاتين في ظهر الجمعة فيكون العلم بالكذب في الواقع في صورة التعارض بالذات لعدم إمكان صدور البعث والزجر بالنسبة إلى شيء واحد عن المولى الحكيم.

ولا فرق بين وحدة العنوان وتعدده في ذلك فالإشكال مشترك.

واما الجواب منه مد ظله بعدم سريان العلم إلى الخارج فلا يتم لأن العلم لا شبهة في كونه مرآة عن الخارج وبلحاظه وهو لا يجتمع مع الشك بل الشك في الانطباق على المعين مع العلم بأن المنطبق في الخارج بينهما.

مضافا بالنقض في مورد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الكأسين فكيف صار العلم الإجمالي باعثا للاجتناب عما في الخارج ، والحاصل لو لم يكن للعلم الإجمالي شأن في الخارج فلم يقول انه علة تامة للتنجيز وكون العلم والتمني والترجي من الصور القائمة بالنفس غير مضر بالتأثير الخارجي.

واما الجواب عن أصل الإشكال فهو ان يقال ان التعارض في المتعارضين بالذات وبالعرض يكون معناه حجية كل واحد من المتعارضين لو لا الآخر لا حجيته مطلقا ليضر العلم الإجمالي.

ولا يصير من الدوران بين الحجة واللاحجة من باب ان الفرض تمامية أبزار الحجية اللولائية والدوران كذلك يكون في صورة العلم بكذب أحد الخبرين من حيث أبزار الحجية فتحصل دخول الخبرين المتعارضين بالعرض أيضا في محل النزاع.

٤٢٠