مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

الإجمالي بالكذب بل مع تعدد العنوان كما مثلناه بالظهر والجمعة ومع ذلك لا يضر العلم الإجمالي بكذب أحدهما لأن العلم والتمني والترجي صور ذهنية لا تنطبق على الخارج فلذا ترى اجتماع العلم الإجمالي مع الشك التفصيلي في كل واحد من الأطراف فان كان الخارج ظرف وجوده لا يمكن ان يجتمع مع الشك وهذا هو الشاهد لما نقول دقة فالعلم بكذب أحدهما غير مضر بحجيتهما والتعارض بينهما.

الأمر الثالث في بيان ما هو المعروف بينهم من ان الجمع مهما أمكن أولى من الطرح وقد أنكره بعضهم وفرق الشيخ الأعظم قده بين كون الدليلين مقطوعي الصدور أو غيره فقال بلا بدية الجمع في المقطوعين دون المظنونين لأن مقطوعية الصدور عنده قده شاهد ارتكاب خلاف الظاهر فيهما واما عند أساتيذنا فهو ساقط مطلقا.

فنقول موارد تطبيق هذه الكبرى ثلاثة الأولى الجمع بين النص والظاهر كحمل العام الظاهر في العموم على الخاصّ الناص في الخصوص مثل أكرم العلماء ولا تكرم زيدا العالم.

الثاني الجمع بين الظاهر والنص الإضافي مثل تعارض ما دل على النهي عن عمل ما وما دل على جواز فعله فان النهي نصّ في الهزازة وظاهر في التحريم والجواز نصّ في الترخيص ظاهر في عدم الهزازة فالجمع بينهما برفع اليد عن ظاهر كل واحد منهما بنص الآخر فينتج القول بالكراهة.

والثالث ان الجمع بتقدم تقييد المطلق الشمولي على تخصيص العام الأصولي وتقديم اقرب المجازات كحمل الأمر على الاستصحاب على غيره وغير ذلك مما ذكر في الضوابط النوعية وقد مرت فيما سبق وقلنا لا وجه لهذه الضوابط والمدار على نظر الفقيه في إحراز الظاهر والأظهر.

والحاصل الجمع بين الدليلين بما ذكر يكون من الجمع العرفي الّذي لا كلام

٤٢١

فيه واما الجمع بالتصرف في ظاهر كلا الدليلين والأخذ ببعض مدلول كل واحد منهما تحفظا لسندهما فلا وجه له أصلا.

فإذا عرفت هذه الأمور في المقدمة فنقول البحث في مقتضى الأصل الأولى اما ان يكون على طريقية الأمارات أو على سببيتها فعلى الطريقية فربما قيل بأن الأصل الأولى يقتضى تساقط الخبرين لأن شمول دليل حجية الخبر للواحد الّذي يكون مطابقا للواقع أو لأحدهما الغير المعين أو لأحدهما المعين بالتخيير لا أثر له.

فان التعبد بالواحد في الواقع ومعناه بالفارسية پذيرفتن آنى كه در واقع مطابق است لا أثر له في الخارج لأن معنى التعبد هو الجري العملي على طبق المتعبد به وهو غير ممكن مع عدم التعيين وأسوأ حالا منه كون أحدهما المبهم هو المتعبد به لأن الأحد بهذا العنوان غير موجود في أي صقع فرض وهذا بخلاف الأول فان الواحد في الواقع له الواقع الموجود ولكن لا أثر له واما التخيير بان يكون أحدهما حجة بالاخذ فهو لا دليل عليه لعدم الترجيح فلا بد من القول بالتساقط.

مضافا بان ما يكون امره دائرا بين الفعل والترك لا محالة لا معنى لتعبد الشارع به لأن المكلف بدونه أيضا فاعل أو تارك فالتعبد به لغو (١).

نعم الالتزام بما في الواقع وان كان نافيا للثالث لانحصار الحكم في مفادهما ولكن هذا لا يختص بمسلك التخيير فقط بل على جميع المسالك من التساقط والتخيير وغيرهما يكون اللازم هو نفى الثالث.

فان قلت ان كل واحد من المتعارضين يكون مشمولا لإطلاق دليل تصديق العادل غاية الأمر حيث لا يمكن الجمع بينهما يقيد إطلاق دليله بعدم السبق إلى

__________________

(١) لا يخفى اختصاص هذا الإشكال بصورة وحدة العنوان واما مثل الظهر والجمعة فيمكن تركهما معا في تعبد بأحدهما.

٤٢٢

أحدهما فيكون اللازم هو الأخذ بأحدهما المخير ولا يتساقطان.

قلت الكلام كله في ان عنوان أحدهما غير قابل لتعلق الحكم به لعدم تقرره وما في الواقع أيضا لا يترتب على التعبد به أثر.

ثم انه نقل شيخنا قده عن المحقق الخراسانيّ قده تقريبا عن درسه وهو ان إطلاق دليل تصديق العادل يشمل كلا الخبرين لتمامية أبزار الحجية فيهما وانما المانع عن الجمع بينهما من حيث العمل فيؤخذ بأحدهما فان قلت نعلم بكذب أحدهما قلت ليس (١) العلم بالكذب بل نعلم عدم مطابقة أحدهما مع الواقع وهذا لا يضر بحجية الخبر وإلّا فاللازم منه هو القول بعدم حجيته ولو لم يكن له معارض لاحتمال عدم المطابقة للواقع فان الخبر لا يلازم مع الواقع دائما.

فان قلت لنا في المقام العلم الإجمالي بعدم مطابقة أحدهما مع الواقع وهذا بخلاف صورة احتمال خلاف الواقع بدوا قلت العلم الإجمالي لا يسرى إلى الخارج كما مر منا أيضا فان التمني والترجي والعلم صقعه الذهن لا الخارج ولذا يجتمع مع الشك التفصيلي في كل واحد من الأطراف فلا إشكال في التعبد بكلا الخبرين فما أخذه المكلف يصير حجة عليه بالاخذ هذا حاصل ما نسب إليه بتنقيح منا.

وقد أجيب عنه بان اللازم من التعبد بالخبرين هو التعبد بالمتناقضين لأن المدلول الالتزامي في كل خبر ينفى المدلول المطابقي في الخبر الآخر في المتعارضين بالعرض والمدلول المطابقي في كل واحد منهما ينفى المدلول المطابقي في الآخر في المتعارضين بالذات مثل صل ولا تصل ومحالية الأمر بالمتناقضين ضرورية.

__________________

(١) أقول العلم بالكذب غير احتمال عدم المطابقة مع الواقع لحصول الخطاء من الراوي أو غيره والجواب بعدم سريان العلم الإجمالي إلى الخارج مر ما فيه آنفا فان أثر العلم في الخارج لا انه في الخارج والأمر بالمتناقضين الّذي أجابوا به في غير ما له عنوان واحد يكون من ثمرات العلم الإجمالي لا غير.

٤٢٣

فان قلت في الواجبات التخييرية كيف يحكم بالتخيير فكذلك في المقام فان إطلاق دليل كل واحد منهما يقيد بعدم امتثال الآخر مثل خصال الكفارات من الصوم والإطعام والعتق.

قلت الفرق بين المقامين واضح فان العنوان في الواجبات التخييرية متعدد فان الصوم غير العتق فلذا يمكن توجه الأمر بهما والتخيير في مقام الامتثال ولكن في مقامنا هذا كيف يمكن ان يكون العنوان الواحد مثل الصلاة متعلقا للأمر والنهي (١) هذا ما قيل على ما هو المشهور.

ولكن التحقيق عندنا هو ان الخبرين المتعارضين يكون عند العقلاء لهما وجه علاج كما يعالجون الدلالة بحمل الظاهر على الأظهر أو على النص مثل حمل العام على الخاصّ وغيره والروايات الواردة في الشرع من التعبد بماله المرجح والتخيير عند تساوى الخبرين ليس تعبدا محضا بل إرشاد إلى ما عليه بناء العقلاء فانهم يلاحظون الخبرين فان كان أحدهما مشهورا أو كان راويه أعدل فيقدمونه وان لم يجدوا وجه مزية لأحدهما يحكمون بالتخيير بعد كونهم لا بدين من العمل بأحدهما.

فالأصل الأولى هو الترجيح مع المرجح والتخيير مع عدمه ولذا لا نفرق بين الخبرين في ذلك أو فتوى المجتهدين واما القائلين بأن الأصل الأولي هو التساقط فيرد عليهم النقض بفتوى المجتهدين من جهة انهم يقولون بالتخيير مع ان لازم

__________________

(١) هذا الجواب تام في مثل صل ولا تصل أو يجب الصلاة وتحرم لوحدة العنوان واما في مثل صل الجمعة وصل الظهر مع العلم بعدم وجوب أحدهما مع تعدد العنوان فلا يتم لتعدد العنوان.

فلا بد ان يقال في دفعه في هذه الصورة أيضا بأن كل واحد من افراد التخيير في الواجبات التخيير له مصلحة في الواقع وقابل لأن يكون مجعولا بخلاف المقام فان أحدهما لا مصلحة فيه أصلا لعلمنا بكذبه فكيف يمكن التخيير بين ما لا مصلحة فيه وما فيه المصلحة.

٤٢٤

مذهبهم هو القول بالتساقط فللشارع ان يسقط المدلول الالتزامي في كل واحد من المتعارضين بالعرض ويقول بأخذ المدلول المطابقي فيهما على التخيير وكذلك في المتعارضين بالذات يمكنه الحكم بالتخيير.

فان قلت التخيير بين الفعل والترك في مثل صل ولا تصل تكويني كما مر وهو حاصل لا محالة فكيف يحكم الشرع به قلت بعد كون الحكم بالتخيير في الروايات إرشادا لا يضر التخيير التكويني بالأمر به والإشكال يكون في صورة كون الأمر بالتخيير تعبدا محضا.

فتحصل ان الأصل الأولى أيضا عندنا التخيير كما في الروايات العلاجية مع عدم الترجيح.

ثم انه على القول بالتساقط بمقتضى الأصل الأولى فيكون لسان كل واحد من المتعارضين نفى الثالث وانما الكلام في انه يكون بهما أو بأحدهما وفي انه هل يكون الفرق بين كون العنوان واحدا فيكون مقتضاه نفى الثالث أو متعددا فلا يكون نافيا له.

فنقول يلزم التوجه قبل الكلام في أصل المطلب إلى انه على الفرض وهو فرض التساقط لا شبهة في سقوط المدلول المطابقي في كلا المتعارضين عن الحجية ولا بد من نفى الثالث بالمدلول الالتزامي.

فقال شيخنا النائيني قده ان المدلول الالتزامي تابع للمطابقي في الوجود لا في الحجية فإذا سقطت المطابقية عن الحجية يكون حجية المدلول الالتزامي بحالها وهذا الكلام وان كان صحيحا في نفسه (١) من جهة عدم التبعية في الحجية.

__________________

(١) أقول قد مر الإشكال في ذلك لتبعية المدلول الالتزامي مع المطابقي في الحجية أيضا ولكن في المقام يكون الحق هو التخيير على ما اختاره مد ظله فينفى الثالث بالمدلول المطابقي في إحداهما.

٤٢٥

ولكن يلزم في المقام إثبات شيء آخر وهو ان أهل المحاورة مع عدم التفاهم في كلماتهم إلى المداليل الالتزامية كيف يصير المدلول مدلولا لكلامهم مع عدم إرادتهم له.

ففي مقام دفع هذا الإشكال يمكن ان يقال ان عمدة البحث في رواياتنا الصادرة عن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وهم عين الالتفات إلى جميع المداليل واما بالنسبة إلى غيرهم أيضا فيمكن ان يقال ان التفات النوع إليه كاف ولا يلزم التفات الشخص إليه فان الظهورات محمولة على النوع في السوق.

ان قلنا ان المعصومين عليهم‌السلام في محاوراتهم يكونون على طبق محاورات العقلاء ولا يكونون في صدد إعمالهم علمهم بالموجودات فنقول بذلك يعنى التفات النوع إلى المداليل الالتزامية فلا إشكال في طرد الثالث بهما على ما ذكر من بقاء الدلالة الالتزامية فيهما بعد سقوط المطابقية ولا يخفى ان طرد الثالث على القول بالتخيير يكون بمقتضى المدلول المطابقي في أحدهما المخير.

ثم ان معنى الحجية لطرد الثالث هو عمل العرف على ذلك في الخارج ونحن لا نجد أهل السوق والمحاورة كذلك فانهم لا يعملون بالمداليل الالتزامية من غير فرق بين ان يكون قريبا أو بعيدا نعم في المداليل التي لا تنفك عن المطابقية يكون العمل على طبق المدلول الالتزامي كما في المقام فان الأمر بالصلاة والنهي عنها اللازم منهما الوجوب والحرمة ينفى الثالث وهو الإباحة أو الاستحباب أو الكراهة.

فإذا عرفت ذلك فنقول قد اتضح منه وجه القول بأن النفي بهما بمقتضى المدلول الالتزامي فيهما على التساقط لأن وجوب الصلاة لازمه عدم حكم آخر لها وحرمتها كذلك فيدور الأمر بين الحرمة والوجوب ولا ثالث واما على التخيير فيكون النفي بأحدهما فإذا اخترنا الوجوب ينفى جميع ما عداه وكذلك إذا اخترنا الحرمة.

ثم ان المحقق الخراسانيّ قده ممن يظهر منه ان النفي يكون بأحدهما

٤٢٦

لا بهما فانه قد ظهر من كلامه السابق ان العلم بكذب أحدهما لازمه التسليم لما هو صادق في الواقع لأن غيره غير حجة وضم الحجة باللاحجة لا يوجب تأثير اللاحجة شيئا فلا أثر لما ليس بحجة وهو قده لم يجعل الإشكال هو لزوم الأمر بالمتناقضين بواسطة الالتزام بهما فعلى مبناه قده يكون كلامه في نفى الثالث بأحدهما أيضا تاما مع قطع النّظر عن الإشكال المبنائي.

وقال في الكفاية بأن نفى الثالث يكون بأحدهما لا بعينه فان كان المراد بالأحد هو الأحد الواقعي فله وجه وان كان المراد الأحد المفهومي فهو لا وجود له لأن المردد بما هو مردد لا يكون موجودا لا في الذهن ولا في الخارج وكيف كان فكلامه على مبناه متين.

واما ما يتوهم من الفرق بين المتعارضين بالذات وبين المتعارضين بالعرض بأن اللازم نفى الثالث في الأول دون الثاني فلا وجه له.

بيانه ان القائل بهذا وهو شيخنا النائيني قده يقول إذا كان الدليل على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وعلى حرمته فلا مجال للقول بالكراهة والاستحباب والإباحة واما إذا دل الدليل على عدم وجوب إحدى الصلاتين من الظهر والجمعة فليس مفاده عدم وجوب صلاة أخرى بل وجوب إحداهما.

ولو فرض العلم بوجود فريضة في الجمعة ويكون الشك في التطبيق على الظهر أو الجمعة لا يمكن إجراء أصالة البراءة فان العلم بها ينفى الثالث وهو البراءة ولكن ليس مفروض الكلام هذا بل الكلام في الشك في وجوب خصوص كل واحد من الصلاتين والجواب عنه ان المدلول المطابقي في الدعاء عند رؤية الهلال أيضا لا يكون إلّا وجوبه أو حرمته وبالمدلول الالتزامي ينفى الثالث ففي المقام أيضا يكون وجوب الظهر أو الجمعة نافيا لحرمتهما وإباحتهما واستحبابهما فما رآه من الفرق غير فارق عندنا ثم لا بأس بالإشارة إلى كلام بعض الفضلاء فانه أورد نقصا على نفى الثالث

٤٢٧

بأنه لو وقع قطرة دم في أحد الكأسين بشهادة البينة ثم ظهر فساد البينة فعلى القول ببقاء المدلول الالتزامي لا بد من القول ببقاء النجاسة لأنها لازمة للدم وان سقط المدلول المطابقي ولم يقل به أحد فكيف يقال بنفي الثالث في المقام.

ثم بعده أشكل عليه حلا بان الإباحة من ناحية الوجوب أو من ناحية الحرمة وان لم تكن في صورة دلالة الخبرين عليهما ولكن الإباحة من جهة أخرى فلم يثبت نفيها.

والجواب عنه ان الثابت النجاسة من ناحية الدم لا من وجه آخر فلذا لا تبقى بعد سقوط المدلول المطابقي فيه وامّا الوجوب والحرمة فمن باب المصلحة الملزمة في الترك أو الفعل ينفى الإباحة من أي جهة كانت أي فيهما اقتضاء عدم الإباحة فلا وجه لهذا الإشكال نقضا وحلا.

هذا كله إذا كان حجية الأمارات من باب الطريقية كما هو الحق عندنا.

واما على السببية فالأصل يقتضى التخيير لأن الباب على هذا يصير باب التزاحم.

ولا يخفى ان السببية لها معان ثلاثة لا بد من النّظر إليها ليتضح المقام من حيث ان المتزاحمين لا بد ان يكون الملاك فيهما فعليا ويكون المانع من جهة الامتثال فقط مثل عدم إمكان إنقاذ الغريقين في آن واحد فان إحراز الملاك على بعض المعاني مشكل.

الأول ان يكون قيام الأمارة موجبا لحدوث مصلحة واقعية في المؤدى فان كان مؤدى الأمارة الوجوب بالنسبة إلى الشيء الفلاني فهو واجب وان كان مؤداها الحرمة فهو حرام وهذا تصويب محال عقلا لأنه يلزم منه ان يكون الشارع تابعا في الإرادة لإرادة الناقلين والكاذبين وهو كما ترى.

الثاني السببية التي نسبت إلى المعتزلة وهي ان تحدث في مؤدى الأمارة مصلحة غالبة على مصلحة الواقع فالحكم في الواقع وان كان شيئا آخر ولكن قيام

٤٢٨

الأمارة توجب ان يكون المؤدى هو الحكم فيكون الحكم في الواقع هو حكم الشارع ولكن بعد قيام الأمارة تحصل المصلحة الملزمة لأن يكون في طول الواقع حكم آخر.

وهذا وان لم يكن فيه إشكال عقلا ولكنه خلاف الإجماع عند الإمامية ونظير ذلك هو ان المستحب في ذاته بواسطة عنوان النذر يصير واجبا وهكذا بواسطة عنوان الإجارة فصلاة الليل بعنوان انها منذورة واجبة والوجوب كذلك لا ينافى استحبابه لأنه في طوله لا في عرضه.

والثالث السببية بمعنى وجود مصلحة في التسلك بالأمارة وهي التي لا إشكال فيها عقلا ولا إجماع على خلافها لأن حكم الواقع بحاله ويكون الادعاء هو وجود مصلحة في نفس تصديق العادل.

وهذا هو المصلحة السلوكية التي عليها الشيخ الأعظم قده ويقول بالتزاحم في المقام من جهة ان إطلاق كل دليل يقيد بعدم وجود الآخر لعدم إمكان الجمع فكما ان وجوب إنقاذ هذا الغريق يكون في ظرف عدم إنقاذ الغريق الآخر فكذلك في المقام التسلك بهذه الأمارة مقيد بعدم التسلك بالأخرى قبلها.

ولكن يرد عليه ان المكلف لا بد ان يكون فاعلا أو تاركا في الخارج وهو كذلك ولو لم يكن الأمر بالتخيير والتسلك يكون بنفس العمل لا بشيء آخر فهو حاصل به فلا أثر للتعبد (١).

ولا دليل على وجوب الالتزام في الأحكام ليكون التعبد بالنسبة إليه فان

__________________

(١) أقول لا يخفى اختصاص الإشكال بصورة كون التعارض ذاتيا واما صورة كونه بالعرض مثل المعارضة بين الظهر والجمعة فلا إشكال في صحة التعبد والمكلف قادر على تركهما لو لا التعبد بالتخيير.

٤٢٩

ذلك يكون في ما هو محتاج إلى القصد والمفروض عدم وجوب القصد على العمل على طبق تلك الأمارة لا غيرها في مقام التخيير فالحق في المقام هو القول بان الروايات في التخيير لا تكون إلّا إرشادا إلى الفعل أو الترك الّذي هو حاصل.

وقد أشكل شيخنا النائيني قده عليه بأن المصلحة السلوكية تكون في أمارة لم تسقط طريقيتها عن الاعتبار واما فيما هو كذلك كما في المقام من جهة العلم يكذب إحداهما فليس كذلك والحاصل سلوك ما ليس طريقا لا مصلحة فيه.

والجواب عنه ان الطريقية الفعلية تكون حاصلة بنفس قيام الأمارة فذات كل خبر كاشفة عن الواقع لو لا الآخر ومطابقة الواقع غير معتبرة في الطريق وإلّا يلزم مثله في صورة عدم المعارضة أيضا لأنه ربما لا طريقية له للواقع في الواقع لاحتمال خطاء العادل في الخبر.

فتحصل ان الإشكال فقط يكون من جهة عدم إمكان التعبد لأن المكلف اما فاعل في الواقع أو تارك هذا في السببية الصحيحة عندنا واما الباطلة فلا ثمرة للكلام فيها لبطلانها من أصلها.

ثم ان القول بالتخيير على الطريقية لا بد من تصويره ليمكن التعبد به فنقول ان معنى حجية الأمارات في جميع الموارد هو الوصول إلى الواقع على فرض الإصابة والمعذرية على فرض عدمها فان أصابت فهي الحجة وإلّا فهي المعذر.

وفي مقامنا هذا أيضا كذلك لكن يكون التوسعة في معنى المعذرية لأنه مع العلم بعدم إصابة الواقع في أحدهم لا بد من ان يكون ما أخذنا معذرا ان لم يصب الواقع ولو اتفق في الواقع كون الكاذب في البين هو ما أخذناه فالشارع خير المكلف لمصلحة التسهيل أو غيرها بين الأخذ بهذا أو ذاك فبالأخذ يصير حجة وهذا التخيير مثل ساير التخييرات الّذي يكون مهاره بيد الشرع فله ان يخير العبد وان لا يخيره كما في التخيير بين الصلاة والإزالة وهو تخيير أصولي.

لا يقال ان هذا لا يتم في المتعارضين بالذات مثل صل ولا تصل لأن المكلف اما

٤٣٠

فاعل أو تارك لأنا نقول حيث ان الشارع له ان لا يجعل الحكم بالاخذ في أحدهما وله ان يجعل فجعل التخيير يكون التخير فيهما أيضا أصوليا.

والسر في ذلك هو ان المكلف من حيث العمل اما ان يكون فاعلا أو تاركا واما من حيث البناء على العمل بأحدهما فيمكن ان لا يكون بانيا على العمل بهذا أو ذاك فيتعبده الشارع بأنه يجب الأخذ بأحدهما.

نعم لنا ان نقول ان جعل الأخذ حيث يكون طريقا إلى الواقع والواقع لا يكون إلّا أحدهما فيتكاذب الجعلان كالتكاذب في المدلول ويتساقطان والمكلف حيث يكون فاعلا أو تاركا يكون الروايات إرشادا إلى ذلك ولا تعبد فيها كما مر.

فتحصل ان التخيير يكون من باب التوسعة في المعذرية مع عدم الإصابة بالواقع كما ان الأمارات طرا تكون عذرا عند الخطاء أو من باب التخيير في الأخذ الّذي به يصير الحجة حجة لما ورد من انه بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك.

هذا كله مقتضى الأصل الأولى في المقام.

الجهة الثامنة

في الأصل الثانوي في المتعارضين

بحسب الروايات الواردة في هذا الباب وهي اما واردة في المتساويين من حيث المرجح أي المتعادلين واما واردة في ما له الترجيح ففي صورة التعادل يكون الأقوال في التخيير أو التوقف أو الأخذ بأحوطهما أو الفرق بين زمن الحضور فالتوقف وزمن الغيبة فالتخيير مختلفة حسب اختلاف الاستفادة من الروايات فالمهم البحث عن دلالتها وهي على طوائف.

الطائفة الأولى ما يدل على التخيير مطلقا كرواية حسن بن جهم عن الرضا عليه‌السلام (في باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ٤٠ في ج ١٨ من الوسائل) ففي ذيلها قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق فإذا لم تعلم فموسع

٤٣١

عليك بأيهما أخذت.

ودلالتها على التخيير المطلق أي سواء كان في زمن الحضور أم لا واضحة والمراد التخيير في الأخذ لا في العمل لقوله عليه‌السلام فموسع عليك بأيهما أخذت وهكذا ح ٣٩ مكاتبة عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان وهكذا ح ٤٤ في الباب عن علي بن مهزيار (١).

والطائفة الثانية ما دل على التخيير في خصوص زمن الحضور وهي ما عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الباب السابق من أبواب صفات القاضي ح ٤١) قال إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه‌السلام فترد إليه.

فان هذا الحديث صريح في كون الحكم بالتخيير في زمن الحضور لقوله عليه‌السلام حتى ترى القائم عليه‌السلام والمراد بالحديث هو الأعم من الواحد بدون المعارض أو الحديث الّذي له المعارض مع الاشتراك في احتمال عدم الموافقة مع الواقع في الواحد والمتعارض فيكون معناه التوسعة في الجعل من حيث المعذرية ولو كان المكلف فاعلا أو تاركا في المتعارضين بالذات فان اللازم وجوب الأخذ.

والطائفة الثالثة ما تدل على التوقف في زمن الحضور فمنها ذيل مقبولة عمر بن حنظلة (في باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قوله قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك الحديث.

فان المراد بالإرجاء إلى ملاقاة الإمام عليه‌السلام هو الإرجاء في صورة إمكان

__________________

(١) أقول هذه الرواية تكون في التخيير الواقعي لأن الإمام عليه‌السلام هو الّذي يقول ان في ذلك روايتين فمراده عليه‌السلام هو ان الحكم الواقعي كذلك لا انه عليه‌السلام لا يعلم الواقع فلا تفيد للمقام فارجع إليها.

٤٣٢

الوصول إليه عليه‌السلام لا صورة عدم إمكانه فمع التساوي يلزم التوقف ثم قد ادعى طائفة أخرى دالة على التوقف مطلقا ولم نجدها.

وحاصل الجمع بين الطوائف هو ان المطلق والمقيد حيث يكونان مثبتين ولم نحرز وحدة المطلوب فيهما لا تعارض بينهما فلا تعارض بين ما دل على التخيير المطلق وما دل عليه في زمن الحضور وهكذا لا تعارض بين ما دل على التوقف المطلق وما دل عليه في زمن الحضور وانما التعارض بين ما دل على التخيير المطلق وبين ما دل على التوقف المطلق فيحمل (١) ما دل على التخيير على صورة عدم

__________________

(١) أقول وبالله الاستعانة هذا النحو من الجمع الّذي أخذناه منه في مجلس الدرس وبعده لا يوافق ما ادعاه مد ظله وان كان المدعى حقا من وجه آخر.

وذلك لأن تخصيص ما دل على التخيير مطلقا بما دل على التوقف في زمن إمكان الوصول إلى الإمام عليه‌السلام وان كان صحيحا يوافق المشهور والارتكاز ولكن تخصيص ما دل على التوقف مطلقا بما دل على التخيير في زمن إمكان الوصول وهو زمان الحضور بتعبير القوم خلاف المشهور والارتكاز.

لأنه على التوقف في صورة إمكان الوصول ومعه وإمكان السؤال كيف يمكن القول بالتخيير فهذا الوجه في الجمع غير تام.

واما ما ذكره العلامة النائيني قده أيضا فلا يتم أولا من جهة عدم كون النسبة بين المطلقين العموم من وجه بل النسبة التباين على ما بلغ إليه النّظر وفهمنا ان الأستاذ مد ظله أيضا كان اشكاله عليه بهذا أيضا وان لم يذكره في الدرس وقال بعده ان ما في تقريره غلط من الناسخ.

ولقد أجاد في قوله انه على فرض انقلاب النسبة أيضا كيف لاحظ نسبة أحد الخاصّين ولم يلاحظ نسبة الخاصّ الآخر فما ذكراه لا يفيد في الجمع.

نعم يمكن توجيه ملاحظة النائيني الخاصّ الدال على التوقف في زمن الحضور مع ـ

٤٣٣

إمكان الوصول إلى الإمام عليه‌السلام وما دل على التوقف على صورة إمكانه كما هو المطابق مع الاعتبار العرفي وهذا يكون بتقييد مطلقات التخيير بما دل على التوقف في زمن الحضور وبتقييد مطلقات التوقف بما دل على التخيير في زمن الحضور فانه مع إمكانه لا وجه للتخيير هذا :

وقد جمع شيخنا النائيني قده بين الروايات بوجه يرجع إلى القول بانقلاب النسبة بين الطوائف في الجمع وأثبت مقالة المشهور من ان التوقف يكون في زمن الحضور والتخيير في زمن الغيبة ولكن المبنى عندنا باطل فانه لا وجه للقول بانقلاب النسبة ، وحاصل بيانه قده هو ان التعارض لا يكون بين المطلق والمقيد لأنهما مثبتان كما مر ولم نحرز وحدة المطلوب وانما التعارض بين ما يدل على التخيير مطلقا وعلى التوقف مطلقا والنسبة بينهما عموم من وجه والنسبة بين ما يدل على التخيير في زمن الحضور والتوقف فيه بالتباين ولكن لا يهمنا البحث عن رفع التعارض بين المتباينين.

مضافا بأنه لم يعلم العمل بما دل على التخيير في زمن الحضور فالحري رفع

__________________

ـ مطلقات التخيير من جهة ان هذا هو الموافق للارتكاز ثم لاحظ المطلق في التوقف ولكن هذا بنفسه لا يتم المطلوب به.

فنقول لا بد من إسقاط ما دل على التخيير في زمن الحضور أي زمن إمكان الوصول لإعراض المشهور وعدم كونه موافقا للارتكاز فان الارتكاز على السؤال مع إمكانه فمطلقات التخيير يقيدها ما دل على التوقف في زمن الحضور ومطلقات التوقف تحمل على التوقف في زمن الحضور لإحراز وحدة المطلوب بالارتكاز.

هذا على فرض وجود طائفة من الروايات في التوقف المطلق ومع عدمها فلا نحتاج إلى ذلك أي إثبات وحدة المطلوب فتدبر جيدا فانه دقيق.

٤٣٤

التعارض من مطلقات التخيير ومطلقات التوقف فنقول نسبة ما دل على التخيير مطلقا مع ما دل على التوقف في زمن الحضور بالعموم والخصوص المطلق فلا بد من تقيد الإطلاق بغير زمن الحضور فينتج ان التخيير في زمن الغيبة لا الحضور فتنقلب النسبة بين مطلقات التخيير بعد التقييد بغير زمان الحضور وبين مطلقات التوقف إلى العموم والخصوص المطلق بعد ما كان قبل ذلك من العموم من وجه فمطلقات التوقف تقيد بصورة عدم كون التعارض في زمان الغيبة فينتج التخيير في زمن الغيبة وعدم إمكان الوصول إلى الإمام والتوقف عند إمكان الوصول إليه وهو في زمن الحضور وهو المشهور وهذا مقتضى الجمع بحسب صناعة الإطلاق والتقييد ففي زمان الغيبة لا وجه للقول بالاحتياط بعد التوقف في الفتوى ولا للأخذ ٠ بما هو موافق للاحتياط لخبر الغوالي من قوله عليه‌السلام اذن فخذ بالحائطة لدينك لأن الخبر ضعيف غير معمول به هذا حاصل كلامه رفع مقامه.

وحاصل الإشكال عليه أو لا بفساد المبنى لأنا لا نقول بانقلاب النسبة في المتعارضات مضافا بان النسبة لا تكون عموما من وجه بل النسبة بين مطلقات التوقف والتخيير هي التباين وثانيا كما انه قيد مطلقات التخيير بغير زمان الحضور فانقلبت النسبة لنا ان نقيد مطلقات التوقف بما دل على التخيير في زمن الحضور فيكون مفادها بعد التقيد هو التخيير في زمن الحضور والتوقف في زمن الغيبة عكس النتيجة سابقة فلما ذا يقدم تقييد أحد المطلقين على الآخر لينتج موافقة المشهور.

ومن المعلوم ان التخير في زمن الحضور يوافق التخير المطلق فما أفاده قده من الجمع غير وجيه وان كان ادعائه وهو موافقة المشهور حقا لا محيص عنه ثم ان ما ذكره من عدم العمل في زمن الحضور وعدم الفائدة فيه فلا يهم البحث عنه أيضا ممنوع من جهة ان التخيير في زمن الحضور أيضا ربما يكون مما لا بد منه لعدم وصول الناس كلهم إليه عليه‌السلام ولا موضوعية للحضور والغيبة بل المدار على إمكان

٤٣٥

الوصول إليه وعدمه ونظير جمعه جمع شيخنا العراقي قده ويرد عليه ما قلنا من إنكار انقلاب النسبة وعدم تمامية البناء عليه أيضا.

وينبغي التنبيه على أمور

الأول في ان القول بالتخيير هل يختص بالخبرين المتعارضين أو يشمل كل ما كان دليلا مثل ما إذا تعارض أقوال أهل الرّجال في مدح رجل وذمه أو تعارض أقوال أهل اللغة في معنى كلمة في الرواية فان هذا وأمثاله مما ينتهى إلى الأثر الشرعي العملي يمكن البحث عنه.

والحق عندنا هو شمول أمثال ذلك أيضا وشاهدنا انهم قالوا بان اختلاف تلامذة محمد بن يعقوب الكليني في نقل رواية ملحق بتعارض الروايتين وكذلك إذا اختلف نسخ التهذيب في نقل رواية أيضا يكون من هذا الباب ولكن مقتضى الجمود على ظاهر النقل بقوله يأتي عنكم الخبران هو ان المدار على صدق تعارض الخبرين لا غيره ولذا أنكر بعضهم إلحاق مثل اختلاف النسخ بهما وهكذا غيره من الأدلة المتعارضة وعلى هذا يشكل عليهم قوله بالتخيير في العمل بفتوى المجتهدين إذا تعارضتا ولا إشكال على من يعمم الحكم بتمام صور التعارض.

الثاني في ان التخيير في المقام تخيير أصولي أو فقهي والمراد بالتخيير الأصولي هو ما يكون الحجية لأحد الخبرين بواسطة الأخذ والمراد بالتخيير الفقهي هو التخيير في العمل مثل مواطن التخيير بين القصر والإتمام فان المكلف من حيث العمل يكون مخيرا بينهما ففي المقام ربما قيل بان التخيير أصولي لأن ما ورد من قوله عليه‌السلام بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك معناه التخيير من جهة الأخذ فبالأخذ يصير حجة ثم يجب العمل على طبقه.

٤٣٦

وربما يقال بأن التخيير فقهي لما ورد في رواية ابن مهزيار من (١) قوله

__________________

(١) أقول مر ان هذه المكاتبة تكون في التخيير الواقعي لأن الإمام عليه‌السلام لم يكن جاهلا بالواقع حيث قال ان في ذلك روايتين فانظر إليها.

والحقيق في المقام هو اختيار كون التخيير أصوليا أو فقهيا ولم يختر مد ظله شيئا ولا يخفى ان أصل الحكم بالتخيير في الروايتين المتعادلتين مسألة أصولية يجب تنقيحها في الأصول لتكون كبرى للصغريات في الفقه.

واما الموارد فهو من المسألة الفقهية فللمجتهد الفتوى بالتخيير والفتوى بالتعيين مشكلة فإذا كان خبران هذا يدل على الوجوب والآخر يدل على الاستحباب أو الحرمة فالفتوى بالاستحباب أو غيره تعيينا خلاف ما يكون واصلا إلى المجتهد من الحكم.

واما ما قالوا بأنه بالاخذ يصير حجة فلا نفهمه لأن ما هو الحجة يجب الأخذ به ولا موضوعية للأخذ ٠ ليصير ما ليس بحجة به بل العلم الإجمالي بوجود الحجة مع الأمر بالتخيير يقتضى تطبيق العمل على طبق أحد الخبرين.

ومن هنا يظهر ان ترتيب الثمرة على كون التخيير أصوليا أو فقهيا بجواز الفتوى على التعيين وعدمه على الثاني غير وجيه لأن المجتهد كما انه نائب عن المقلد في الأحكام الفرعية نائب عنه في الأحكام الأصولية فما استفاد من الأدلة يلزم ان يجعله في اختيار المقلد وأخذه بأحد الخبرين يكون من حيث العمل لا من حيث الاعتقاد.

وأصل استنباط التخيير في المسألة الأصولية في المتعادلين يكون مثل استنباط الحكم الفرعي من الروايات وعدم قدرة المكلف على استنباط الأصولية لا يكون دليلا على ان التخيير أصولي فان المكلف ربما لا يقدر على استنباط الحكم الفرعي فما عنه مد ظله في تحقيقه غير تام.

واما ما ذكر من ان التخيير لو كان خطابه متوجها إلى المقلد فرب شيء يكون مرجحا في نظر المقلد غير مرجح في نظر المجتهد كما في كلام الشيخ الأعظم فهو غير وجيه ـ

٤٣٧

عليه‌السلام فموسع عليك بأية عملت فان التخيير يكون من جهة العمل.

ولا يخفى ان الثمرة بين كون التخيير أصوليا أو فقهيا متحققة فمنها انه على القول بالأول لا بد للفقيه من الأخذ بأحد الخبرين والفتوى بمضمونه ليعمل المقلد عليه لأنه بالاخذ يصير حجة له ولمقلديه ولا يكون للمقلّد التخيير في الأخذ بأيهما شاء.

واما على الثاني وهو فرض كون التخيير فقهيا فلا يجب الفتوى بالتعيين بل المجتهد كما انه مخير في العمل كذلك له الفتوى بالتخيير ليختار المقلد في مقام العمل أيهما شاء فربما يختلف نظرهما في الأخذ بأحدهما من باب وجود مرجح في نظر المقلد مع عدم كونه مرجّحا في نظر المجتهد وربما يكون الأمر بالعكس.

فان قلت كما انه يحتمل ان يكون أخذ أحدهما من باب الطريقية للواقع كذلك يحتمل ان يكون الأخذ له الموضوعية فلا فرق بين الأخذ بهذا أو ذاك كما في التخيير الواقعي.

قلت وان كان هذا معقولا في مقام الثبوت ولكن في مقام الإثبات لا نسلمه من جهة ان حجية الأمارات من باب الطريقية لا من باب الموضوعية ولا فرق بين صورة كون الخبر معارضا بغيره أو لا فالتخيير في المقام لا يكون كالتخيير بين القصر والإتمام من باب موضوعية الأخذ فهو وسيلة لصيرورة أحدهما حجة.

__________________

ـ لأن الفرض يكون في المقلد لا من بلغ ولو في مسألة درجة الاجتهاد والنّظر في المرجحات.

فان الفتوى بالتخيير الأصولي بمعنى التخيير في كل خبرين متعادلين في مورد انطباق الكلي على الفرد يكون فقها ويحتاج إلى الاجتهاد وهو شأن المجتهد ولا نصيب للمقلد فيه فليس ما ذكر ثمرة للنزاع تاما فتدبر.

٤٣٨

ثم في المقام كلام وهو المجتهد والمقلد إذا كانا مشتركين في التكاليف الطريقية كالتكاليف النفسيّة في الخطاب فلا وجه للقول بان المجتهد يجب ان يفتى بأحدهما معينا الّذي صار حجة بالاخذ بل له الفتوى بالتخيير أيضا لأن خطاب التخيير متوجه إلى المقلد كما انه متوجه إلى المجتهد فعليه لا بد للمقلد من النّظر في موضوع التخيير وهو تساوي الخبرين من حيث المرجح فربما يخالف نظره نظر مجتهده.

واما قصوره عن الفحص فهو لا يضر لأنه في الأحكام النفسيّة أيضا قاصر فيكون المجتهد نائبا عنه فمع اشتراكهما في الخطاب لا فرق بين الفتوى بالتعيين أو بالتخيير نعم على فرض اختصاص خطاب التكاليف الطريقية بالمجتهد وعدم الحظ للمقلد فيه فلا يكون له الفتوى بالتخيير لأن الخطاب متوجه إليه لا إلى المقلد وكان شيخنا الحائري قده مصرا باشتراك المقلد والمجتهد في التخيير الأصولي.

فان قلت ليس المقلد أهلا لا مثال هذه الخطابات فكيف يتوجه إليه قلت ربما لا يفهم المقلد الخطابات النفسيّة أيضا مع انه مكلف بها والمجتهد نائب عنه فيما هو قاصر عنه فيهما هذا.

ولكن التحقيق هو الفرق بينهما وما ذكر وان كان معقولا ثبوتا ولكن من حيث الإثبات فلا فان المكلف الّذي لا شأن له في إثبات الحجج والطرق ولا يجيء في ذهنه الخبران المتعارضان لا يصح ان يكون مكلفا بالتخيير من باب اختيار الحجة فالامر هنا متوجه إلى المجتهد فله اختيار أحد الخبرين والفتوى عليه ولا يكون للمقلد ذلك فالتخيير أصولي في المقام.

ومن الثمرات هي انه على فرض كون التخيير أصوليا لا بد من ان يكون بدويا فإذا أخذ المكلف بأحد الخبرين لا يكون له الأخذ بالآخر في زمان آخر لأنه صار ذا حجة واما على فرض كون التخيير فقهيا فيكون التخيير استمراريّا لأنه يكون مثل ساير موارد التخيير في الفقه كما في التخيير بين

٤٣٩

القصر والإتمام.

وسره ان موضوع التخيير الأصولي هو من لا حجة له وقد صار ذا حجة بالاخذ واما التخيير الفقهي فالمصلحة في جعل الحكم كذلك وهو لا يختص بزمان دون آخر ففي المقام إذا كان التخيير فقهيا بمعنى العمل بإحدى الروايتين فلا مجال للبحث عن كونه بدويا أو استمراريا بل هو استمراري وهذا عن شيخنا العراقي قده في بيان الثمرة بين كون التخيير في المسألة أصوليا أو فقهيّا.

ويرد عليه ان ما ذكر من الدليل على كون التخيير بدويا على فرض كونه أصوليا ينطبق على فرض كونه فقهيا أيضا لأن أحد استدلالاتهم هو ان الأمر بالتخيير يكون بنحو صرف الوجود لا بنحو الطبيعة السارية وصرف الشيء لا يتكرر فمن تخير لا يكون له التخيير ثانيا وهذا يكون في المسألة الفرعية أيضا فانه إذا تخيّر أحد الأطراف فقد تحقق صرف الوجود من التخيير فلا موضوع له ثانيا هذا أولا.

وثانيا ان قول المشهور في الحكم الفرعي بالتخيير الاستمراري يكون من جهة بقاء المصلحة ففي المقام يمكن ادعاء ان التخيير يكون في الأخذ ومصلحته باقية فأخذ هذا أو ذاك يكون له الملاك دائما ولا يكون مصلحة التخيير في صيرورة الشخص ذا حجة فقط لئلا يبقى الملاك.

مضافا بأن الأخذ في المسألة الفرعية أيضا يكون متحققا فلو كان الأخذ في المسألة الأصولية هو الملاك للقول بالتخيير البدوي ففي الفرعية أيضا كذلك.

وقال شيخنا النائيني بان التخيير في المقام بدوي لأنه في المسألة الأصولية والمكلف بالاخذ صار ذا حجة ولا مجال للأخذ ٠ ثانيا وعلى فرض الشك في كونه استمراريا أو بدويا لا مجال للأخذ ٠ بحكم التخيير بالاستصحاب لأنه على فرض كون التخيير في المسألة الأصولية يكون الحكم مرتفعا قطعا وعلى فرض كونه في المسألة الفرعية فهو باق قطعا ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب في

٤٤٠