مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

لا يثبت القيد للحكم فيحصل التعارض بين الإطلاقين (١).

التنبيه الرابع عشر

في استصحاب بعض اجزاء المركب الارتباطي إذا تعذر بعض اجزائه.

فقد ذكره الشيخ قده في الرسائل في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب وقد ذكره الاستصحاب ووجهه بتوجيهات ثلاثة.

اما أصل بيان الاستصحاب فهو ان المركب مثل الصلاة إذا تعذر بعض اجزائها مثل السورة في الصلاة كان واجبا فيما سبق فيستصحب وجوبه.

وإشكال على هذا التقريب بان المستصحب ان كان الوجوب النفسيّ لبقية الاجزاء فهو مشكوك فيه من أصله فان المحرز هو الوجوب بتبع بقية الاجزاء وان كان هو الوجوب الغيري فيكون مقطوع العدم لانتفائه بتعذر الجزء ومن المعلوم ان اليقين السابق والشك اللاحق يكون من أركان الاستصحاب وهو هنا

__________________

(١) أقول وفي مقام العمل لا بد ان يلاحظ مقتضى الأصل الآخر فان المقام يكون نظير الأقل والأكثر ففي العموم الأزماني الأفرادي يكون الحكم لكل فرد من الزمان ولا يكون للفرد من الزمان حكم في العام المجموعي فإذا شك في وجوب إكرام فرد بعد تخصيص العام بفرد في زمان يكون المتيقن هو خروج الفرد عن تحت العام في الآن الأول واما ساير الآنات فان كان العام افراديا فهو باق تحت حكم العام وان كان مجموعيا يكون تحت حكم الخاصّ فحيث يدور الأمر بين الوجود والعدم فلا بد من التخيير لعدم إمكان الاحتياط بإكرام فرد وترك إكرامه هذا على ما هو الدارج من الفرق بين العام الأفرادي والمجموعي في صورة الشك في التخصيص.

اما على فرض عدم الفرق كما لا يبعد بل هو المتعين فاللازم هو التمسك بعموم العام بعد تخصيص ما هو المتيقن.

١٨١

مفقود لعدم اليقين بشيء كذلك.

ولذا قد وجه الاستصحاب بتوجيهات ثلاثة التوجيه الأول هو ان يكون المستصحب هو القدر المشترك في البين ولو علم بزوال الفرد المشخص له فان المستصحب هو مطلق المطلوبية الدائرة بين الاجزاء فان الاجزاء الباقية مطلوبة ولو في ضمن الكل والعرف لا يرى مغايرة بين القبل والبعد من حيث تعذر بعض الاجزاء وعدمه فيكون نظير استصحاب الكلي في القسم الثاني.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني قده بأن وجوب الاجزاء لا يكون وجوبا مقدميا في ضمن الكل بل الوجوب منبسط على الكل انبساط البياض على الجسم هذا أولا.

وثانيا ان هذا يكون من استصحاب الكلي في القسم الثالث لأن الوجوب النفسيّ مغاير للوجوب الغيري حقيقة وسنخا ولا يكون بينهما الشدة والضعف بان يقال الوجوب النفسيّ شديد والوجوب الغيري ضعيف والمقام يكون من القسم الثاني من أقسام (١) الكلي القسم الثالث فان هذا القسم كما مر يكون له ثلاثة أقسام.

الأول ان يكون العلم بوجوب حيوان مثلا في الدار وحصل العلم بموته ولكن لا ندري وجود حيوان آخر فيه في ضمن فرد آخر حتى يكون الحيوان باقيا في الدار أو لم يكن حتى لا يكون باقيا.

والثاني ان نعلم بوجود حيوان في الدار في ضمن فرد مثل الفرس ونعلم زواله بالموت أو غيره أيضا ولكن لا ندري انه حين زواله حدث فرد آخر أم لا.

__________________

(١) أقول حيث نحتمل ان يكون جعل الحكم نفسا على هذا الجزء مع كونه مقدمة على فرض الغمض عن ساير الإشكالات مثل إنكار مقدمية الجزء للكل فيكون من الكلي القسم الأول من القسم الثالث لا القسم الثاني منه لأنه لا يكون الشك في مجيء الحكم النفسيّ بالجعل بالمستقل بعد ذهاب المقدمي فتدبر.

١٨٢

والثالث هذا القسم لكن في صورة كون الفرد الآخر من المراتب الضعيفة للفرد الباقي كما إذا علمنا بزوال الحمرة الشديدة ولكن نحتمل وجود فرد آخر من الحمرة الضعيفة فيكون المقام بعد زوال الوجوب المقدمي على فرض كونه مقدميا في الاجزاء الشك في حدوث فرد آخر الّذي هو النفسيّ فيكون من القسم الثاني في الكلي القسم الثالث إلّا ان يقال ان النفسيّة والغيرية من الحالات للوجوب لا من المقومات.

وقد أشكل عليه بان استصحاب بقاء الجزئية حتى في حال الاضطرار حاكم على استصحاب الوجوب بالنسبة إلى البقية فلا تصل النوبة إليه لأنه إذا أحرزت الجزئية حتى في حال الاضطرار يسقط المركب عن الاعتبار لتعذره بتعذر بعض اجزائه وقد أشكل عليه بان هذا الاستصحاب مثبت بالنسبة إلى إثبات عدم بقاء جزئية البقية في حين الاضطرار وليس الأصل المثبت حجة على المشهور.

وفيه ان اللازم الّذي يترتب على الأعم من الواقع والظاهر لا إشكال في ترتبه على الاستصحاب فان جواز الاقتداء هو الأثر للعدالة ولكن الا العدالة الواقعية فقط بل العدالة التي ثبتت بالاستصحاب أيضا كذلك وهكذا جواز الاخبار عنها وكذلك وجوب الإطاعة أثر عقلي مترتب على الوجود الأعم من الواقعي أو الظاهري المحرز بالاستصحاب أو دليل آخر.

وفي المقام عدم جزئية البقية يكون من الآثار التي تترتب على جزئية الاجزاء المضطرة إليها سواء أحرزت الجزئية في هذا الحال بالوجدان أو بالاستصحاب فلا إشكال في ترتب هذا الأثر.

فان قلت الجزئية مما لا تنالها يد الجعل حتى يمكن استصحابها والتعبد ببقائها بل هي امر تكويني ولا يجري الاستصحاب في التكوينيات.

قلت الجزئية التكوينية بعد التعذر ساقطة والجزئية بمعنى الوجوب الفعلي للجزء مرفوع قطعا لتعذره ولكن الجزئية في ظرف التشريع والجعل تكون مشكوكة وانا لا ندري ان المركب بعد تعذر اجزائه هل هي باقية أو لا وفائدة الجعل عدم وجوب البقية ومن هذا الوجه يجري الاستصحاب.

١٨٣

التوجيه الثاني ان يكون المستصحب نفس الوجوب النفسيّ لا الجامع بان يقال ان معروض الوجوب سابقا والمشار إليه بقولنا هذا الفعل كان واجبا وهو الباقي إلّا انه يشك في مدخلية الجزء المفقود في اتصافه بالوجوب النفسيّ فيكون محل الوجوب النفسيّ هو الباقي ووجود الجزء المتعذر وعدمه كالحالات المتبادلة فان الصلاة مثلا مع التشهد وبدونه تكون كالصلاة في حال القيام والقعود وتبدل الأحوال كذلك يكون منشأ للشك واستصحاب بقية الاجزاء لا مانع منه بعد عدم دخل المتعذر في قوام المركب وهذا النحو من الاستصحاب لا يكون إلا في الوجوب الشخصي على بقية الاجزاء لا في القدر المشترك فلا يرد عليه ما أورد على التوجيه الأول ومثل هذا استصحاب بقاء الكرية بعد نقص الماء.

وقد أشكل شيخنا النائيني قده أيضا عليه بان كون الجزء من الأركان أو من الحالات الغير المقومة للمركب لا يكون بيد العرف في المركبات الشرعية فمن الممكن ان يكون الجزء المتعذر مما به قوام المركب بحيث لا يكون لبقية الاجزاء مصلحة بدون كما ان قاعدة الميسور أيضا لا تجري في المركبات الشرعية لعدم إحاطة العرف بالمصالح والمفاسد الشرعية التي هي ملاك جعل الأحكام البعثية والزجرية.

والجواب عنه هو ان الشارع إذا بين في الصلاة الأركان بواسطة دليل لا تعاد الصلاة الا من خمس وكذلك بين ما هو الركن في الحج بواسطة بيان موارد النسيان ولم يبين في الجملة ان الجزء المتعذر من الأركان أم لا فهمنا انه أو كل ذلك إلى نظر العرف في قاعدة الميسور وفي المقام والحاصل انه لو كان ركنا لبينه وحيث لم يبين فلنا إجراء الأصل بالنسبة إلى البقية وفرض وجود هذا الجزء وعدمه للمركب كالحالات التي صارت منشئا للشك.

التوجيه الثالث عن الشيخ قده وهو استصحاب وجوب نفس الاجزاء الباقية ولكن الجزء لا ندري انه جزء مطلقا أو يكون جزء في حال الاختيار فنستصحب

١٨٤

الوجوب بالنسبة إلى الاجزاء الباقية ونثبت به ان الجزء كان جزء في حال الاختيار فقط لا في حال الاضطرار وهذا نظير استصحاب الكر في هذا الإناء لا ثبات كون الباقي كرا فيه.

أقول وقد صرح الشيخ قده وشيخنا النائيني أيضا بان جريان الأصل هكذا مثبت والأصل المثبت غير جار ولكنا لا نكون بصدد (١) الأثر الّذي يكون الأصل بالنسبة إليه مثبتا وهو إثبات ان الجزء جزء في حال الاختيار فقط بل يجري الاستصحاب بالنسبة إلى نفس الوجوب الّذي هو حكم من الأحكام الشرعية.

ثم ان شيخنا النائيني قده أجرى الاستصحاب بتقريب آخر ليسلم عن الإشكالات التي مرت وهو انه قال ان المركب ليس إلّا الاجزاء بالأسر ولا يكون الجزء مقدمة الكل كما حرر في باب وجوب المقدمة فتمام المركب يكون كالخط الطويل وبعضه يكون كالخط القصير والقصر والطول لا يؤثران بالنسبة إلى الوجوب فهو باق بعد تعذر البعض بالأصل وتعذره يكون مثل تبدل الحال في الموضوع فلا يكون المستصحب هو القدر المشترك ولا الوجوب النفسيّ بالمعنى المتقدم فلا إشكال فيه أصلا فان قلت فعلى هذا يلزم ان يكون الوجوب باقيا وان بقيت القدرة في مثل الصلاة على السلام فقط.

قلت اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة أيضا شرط في جريان الاستصحاب وهو مفقود في هذا الفرض فلا بد من الرجوع إلى العرف في ذلك وهو لا يحكم بالبقاء الا بعد بقاء معظم الاجزاء.

ولكن يرد على جوابه قده ان العرف كيف صار هنا حاكما في اتحاد القضيتين وقد مر آنفا منه انه ليس له تشخيص الميسور في المركبات الشرعية فكيف صار هو

__________________

(١) أقول هذا يكون من باب الخروج عن الفرض في التقريب ويكون تسليما للتوجيه الثاني الّذي هو خال عن هذا الإشكال.

١٨٥

المرجع هنا واما أصل هذا البيان لجريانه ليس إلّا التوجيه الثالث (١) عن الشيخ قده وهو ما أراد بتوجيه الا هذا النحو من الأصل ضرورة ان المتعذر إذا كان غير دخيل يمكن استصحاب شخص الوجوب في البقية وإلّا فمع احتمال زوال الوجوب لاحتمال كونه مقدمة للكل فكيف يمكن الاستصحاب بهذا البيان.

فتحصل ان الاستصحاب جار بالتوجيه الأخير في اجزاء المركب المتعذر بعضه.

تتمة

ان الظاهر من كلام الشيخ قده في جريان استصحاب الاجزاء عدم الفرق بين صورة كون الشك في وجوب بقية الاجزاء بعد تعذر البعض في الوقت وبين كونه في خارجه فان الشك واليقين يكون بالنسبة إلى الحكم النوعيّ فقبل دلوك الشمس إذا كان بعض اجزاء الصلاة متعذرا بلحاظ الوقت يمكن استصحابه بالبيان السابق كما إذا كان بعد دخول الوقت وقد فهم شيخنا الأستاذ النائيني قده من كلامه ان المراد هو الاستصحاب التعليقي يعنى هذا التكليف بالنسبة إلى المكلف هل يكون بعد دخول الوقت لو بقي التعذر أم لا فأشكل عليه من جهة عدم جريان الاستصحاب التعليقي عنده في جميع المقامات.

والمحقق الخراسانيّ قده في الحاشية على الرسائل ص ٢١٩ فرق بين استصحاب الاشتغال واستصحاب الوجوب بعد كون الاستصحاب كذلك تعليقيا عنده فقال بجريانه في الوجوب قبل الوقت دون الاشتغال لعدمه قبله لأن الاشتغال قبل دخول الوقت لا معنى له واما الوجوب فيمكن استصحابه لإمكانه قبل الوقت أيضا.

__________________

(١) أقول بل يشبه التوجيه الثاني وهو سالم عن إشكال مثبتية الاستصحاب الّذي كان في التوجيه الثالث.

١٨٦

أقول ولا يخفى عليكم ان البحث تارة يكون في ان الناقص هل يجب بعد تعذر الجزء وهو أصل البحث وتارة يكون الشك في الاستصحاب من جهة عدم دخول الوقت وفعلية التكليف ومن هذا الجهة يشبه بالتعليقي وحيث ان المختار جريان الاستصحاب التعليقي أيضا فلا إشكال خلافا للنائيني قده وعلى فرض عدم جريانه فان كان المقام من قبيل استصحاب المجتهد فيجري الاستصحاب (١) فان المجتهد يكون موضوع حكمه هو الفرض فانه يفرض ان الماء إذا أزال تغييره بنفسه فهل يكون استصحاب النجاسة جاريا أولا ولو لم يكون فعلا مورد ابتلائه ولا مورد ابتلاء مقلده ففي المقام يفرض مركب ويفرض تعذر بعض اجزائه ثم يبحث عن جريان الأصل وعدمه وهذا هو الثمرة في البحث فان كان تعليقيا فهو لا يجري قبل الوقت لعدم جريانه عند بعض.

واما ان كان من قبيل استصحاب المجتهد فهو يجري مطلقا وإحرازه في المقام مهم جدا أي إحراز كونه من قبيل استصحاب المجتهد أو التعليقي والمحقق الخراسانيّ قده وان كان قائلا بجريان الاستصحاب التعليقي.

ولكن في المقام فرق بين استصحاب الوجوب فقال بجريانه كما مر وبين استصحاب الاشتغال فقال بعدم جريانه.

__________________

(١) أقول ان الظاهر كونه مثل استصحاب المجتهد لأن المقلد يفرض المركب بعد دخول الوقت ويفرض تعذر الاجزاء فيحكم بالاستصحاب انه واجب كذلك بعد الوقت وهذا الفعل من المقلد يكون اجتهادا في الحكم وليس شأنه بل هذا شأن المجتهد غالبا.

ولا يكون مثل استصحاب الحرمة في العصير الزبيبي بعد الغليان بعد كون الدليل في العنب انه إذا غلى يحرم وينجس فان الموضوع قد تغير ويمكن القول بعدم الجريان.

ولكن في المقام يكون الحكم على الفرض وفرضه بعد دخول الوقت حاصل فيكون مثل قيام أمارة على وجوب الصلاة في الوقت فنزاع الاستصحاب التعليقي لا يجيء هنا والظاهر أن مراد الشيخ الأعظم أيضا كذلك حيث جعل الشك واليقين بالنسبة إلى النوع.

١٨٧

ولكن فرقه لا يكون في محله لأن استصحاب الوجوب أيضا يكون هو استصحاب الاشتغال فحيث لا وجوب فلا اشتغال أيضا (١)

التنبيه الخامس عشر

في ان المراد بالشك الّذي أخذ في دليل الاستصحاب وهو قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ليس هو خصوص هذا الوصف يعنى الشك المتساوي الطرفين بل يشمل الظن الغير المعتبر شرعا خصوصا بملاحظة ما ورد في الرواية فان حركت في جنبه شيء وهو لا يعلم فان هذه الفقرة شاهدة للتعميم لأن من حرك في جنبه شيء وهو لا يلتفت يحصل له الظن بالنوم ومع ذلك لا يعتنى به ويقال بان اليقين هو المعتبر.

وسند الشيخ قده هو الإجماع على ذلك وان المراد بالشك هو خلاف اليقين ولو كان ظنا غير معتبر وحكومة الظن المعتبر على هذا الدليل في الاستصحاب من جهة انه بمنزلة اليقين فيصير غاية للدليل.

وقال قده بما حاصله ان الظن الغير المعتبر يكون مشكوك الحجية وهو مثل الشك ويرد عليه ان عدم الدليل على الحجية لا يوجب كونه كالشك.

__________________

(١) أقول نظره المبارك إلى ان الاشتغال هو مقام الفعلية للتكليف وهو لا تحقق له قبل الوقت ومراده من الوجوب الوجوب في عالم الجعل والإنشاء قبل الفعلية فيمكن استصحابه بدون النّظر إلى الفعلية واثره الوجوب الفعلي في الوقت ضرورة انه قائل في الأحكام بالمراتب من الإنشاء والفعلية والتنجيز نعم مبنى الأستاذ مد ظله هو فعلية الأحكام قبل الوقت أيضا فلا فرق عنده وعليه يكون الاستصحاب للحكم الفعلي قبل الوقت ولنا في الوجوب الفعلي والإنشائي بحث قد مر في مباحث الواجب المشروط في الجزء الأول من كتاب مجمع الأفكار المطبوع في سنة ١٣٩٥ ق وما ذكرنا لا يكون في كلامه في الحاشية ولكن يكون انتصارا له في كلامه.

١٨٨

ولكن مقصوده قده هو ان الشك في لسان دليل الاستصحاب هو الأعم من الشك في الحجية أو الشك في الموضوع فلا ينقض اليقين بالشك سواء كان الشك في بقاء الموضوع أو في حجية الظن.

ولكن هذا خلاف ظاهر أدلة الاستصحاب فان ظاهرها هو الشك في المورد لا شك في اعتبار الظن فكلامه قده لا شاهد له (١) وكيف كان فعدم صيرورة الظن الغير المعتبر غاية لدليل الاستصحاب مما لا إشكال فيه وإلى هنا قد تمت التنبيهات بحمد الله والمنة.

تتمة في اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب

لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه فهاهنا مقامان :

المقام الأول في انه لا شبهة في لزوم اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة في الاستصحاب ضرورة انه بدونه ان يكون من إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر فان شك في العدالة يلزم ان يكون اليقين السابق متعلقا بها أيضا لا بشيء آخر وإلّا فلا يمكن الاستصحاب لأنه عبارة عن إبقاء ما كان كما كان ومنصرف رواياته أيضا كذلك وهذا واضح ولكن الاختلاف وقع بين المحقق الخراسانيّ قده وأستاذه الشيخ الأعظم قده في مناط الوحدة فذهب الثاني بان الوحدة لا تصدق الا بعد إحراز الموضوع فهو مقوم لها وأنكر الأول بان إحراز الموضوع لا يكون شرطا في غالب الموارد فإذا أردنا استصحاب العدالة بعد الشك فيها ـ فقال الشيخ قده يجب إحراز حياة زيد ليمكن استصحاب عدالته.

__________________

(١) أقول وتفصيل الكلام في كتابه الرسائل في التنبيه الثاني عشر فان بيانه قده أبسط من جهة كون الاستصحاب حجة من باب الظن أو من الاخبار الواردة للتعبد به ومن جهة شواهد كون المراد بالشك في الدليل هو خلاف اليقين الّذي يشمل الظن فارجع إليه.

١٨٩

واستدل قده في الرسائل عليه برهنا ولم يقنع بما هو منصرف الروايات بما حاصله ان العرض لا بد له من موضوع يقوم به ومن المعلوم ان العدالة عرض من الاعراض النفسانيّة ولا بد لها من موضوع هو الإنسان الحي فوجودها وتشخصها بالموضوع ولا أثر للعدالة الكلية.

وأجاب عنه المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية وفي حاشيته على الرسائل مع تفاوت يسير في البيان بما حاصله ان وحدة القضيتين لا تتوقف على إحراز الموضوع في عالم التعبد فان العدالة التكوينية لا بد لها من موضوع تكويني وهو زيد الحي مثلا.

واما العدالة التعبدية لترتيب الأثر الّذي يمكن ان يكون أثرا لها بدون الموضوع فلا يحتاج إلى إحرازه فلا نحتاج لا ثبات جواز تقليد زيد بعد الشك في عدالته الا إلى إحراز العدالة ولو لم نحرز حياة زيد فان التقليد تعبدا ممكن واما الآثار التي لا بد في ترتيبها إلى وجود الموضوع مثل استصحاب عدالة زيد للاقتداء به ولا كرامة بتقبيل يده وغيره أو إعطائه شيئا فلا بد من إحراز حياته بإحراز وجوده في الخارج ضرورة انه لا يمكن الاقتداء بمن هو غير محرز الوجود وهكذا غيره من الآثار التي ذكرناها والحاصل ان التعبد قليل المئونة ويمكن تصويره في كل أفق في الوعاء المناسب له.

والجواب عنه هو ان مراد الشيخ قده ليس إنكار إمكان التعبد كما ذكره فان إمكانه لا غير وفيه ولكن المراد هو ان منصرف روايات الباب هو ان ما هو ممكن في التكوين يكون التعبد بالنسبة إليه كالموارد التي تكون في الروايات من الطهارة عن الحدث والخبث فان بقائه ممكن في التكوين في شيء أو شخص فيتعبد به.

واما غير الممكن في التكوين وهو وجود العرض بلا موضوع فلا يكون منصرف الروايات والحاصل المحال التكويني لا يكون التعبد بالنسبة إليه أيضا.

ولكن التحقيق هو ان منصرف الدليل يكون جريان الاستصحاب مع إحراز

١٩٠

الموضوع فان الممكنة في التكوين هي التي يجري التعبد فيها في التشريع فلا بد من إحراز الموضوع في استصحاب العدالة لعدم إمكان وجودها لا في الموضوع والموارد التي ذكرت في الروايات تكون كذلك وفاقا للشيخ الأعظم وخلافا للمحقق الخراسانيّ قده من غير فرق بين كون الاستصحاب جاريا في الشك في الرافع فقط كما عليه الشيخ قده أو أعم من ذلك يعنى جريانه فيه وفي الشك في المقتضى وسيجيء بعيد هذا نظر الفارق بين المسلكين في المقام.

والدليل يتم بهذا التقريب واما القول بوجوب إحراز الموضوع لأن وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة لا يمكن إحرازها بدونه ففيه ما ذكره المحقق الخراسانيّ قده من ان الوحدة صادقة إذا كان الشك في العدالة بعد ما كان اليقين فيها من غير استصحاب عدالة زيد لتقبيل يده فان التقبيل لا يمكن إلّا بعد إحراز الموضوع.

ثم ان القائل بجريانه في صورة عدم إحراز الموضوع إذا كان الشك في المقتضي مجرى للاستصحاب وبعدم جريانه إذا كان المجرى له هو الشك في الرافع فقط يكون نظره في المقام إلى ان العدالة بدون الموضوع لم يحرز استعداد بقائها ليمكن استصحابه بعد الشك في رافعها بخلاف صورة إحراز الموضوع فان استعداد البقاء قد أحرز ويكون الشك في الرافع واما مع عدم إحرازه فيكون الشك في المقتضى لأنه مع الشك لم يكن استعدادها للبقاء محرزا فلا يجري الاستصحاب فيه على القول بعدم جريانه في الشك في المقتضى وحيث ان الشيخ قده يكون مسلكه عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضى فلا بد له ان يقول بعدم جريان الاستصحاب بدون إحراز الموضوع.

فتحصل ان له قده ان يقول بأن إحراز الموضوع شرط بطريقين.

أحدهما هو الانصراف الّذي ذكرناه انتصارا له من غير فرق بين الشك في المقتضى والرافع.

١٩١

وثانيهما هو مختاره في الاستصحاب من عدم جريان في الشك في المقتضى مع كون إحراز الموضوع من إحراز استعداد المستصحب للبقاء والفرق بين الطريقين واضح فان الثاني مختص بمسلكه ومسلك من تبعه واما الأول فيعم الشك في الرافع والمقتضي وحيث ان التحقيق عندنا هو الجريان في الأعم منهما يكون الطريق لنا هو الأول وهو الانصراف فافهم واغتنم.

ثم ان الميرزا محمد تقي الشيرازي قده قال بان الاستصحاب تارة يكون بمفاد كان التامة مثل استصحاب العدالة فان استصحاب وجودها أو عدمها وان كان في موضوع ولكن الموضوع هو الماهية من حيث هي ولا نحتاج إلى إحراز وراء ذلك واما ان كان الاستصحاب بنحو كان الناقصة مثل إثبات العدالة لزيد فإحراز الموضوع لازم لعدم وحدة القضيتين بدونه فان اليقين بعدالة زيد مع الشك فيها كذلك يمكن جره إذا كان الموضوع محرزا اما بالوجدان أو بالأصل.

وفيه ان وجود العدالة حيث لا يمكن في الخارج بدون الموضوع وهو الإنسان الحي فلا بد من إحراز الموضوع فان التعبد كما مر يكون في صورة كون المتعبد به ممكنا في التكوين فلو فرض الأثر على نفس العدالة مثل نذر تصدق درهم لو كانت العدالة ثابتة لزيد لا يمكن اجزاء الأصل الا بعد إحراز حياة زيد لعدم إمكان وجود العدالة بدون الموضوع فكلامه قده غير تام.

١٩٢

عويصة في كلام الشيخ الأعظم الأنصاري قده

ثم ان المشكل في المقام ما ذكره الشيخ قده بقوله فان قلت إذا كان الموضوع محتمل البقاء فيجوز إحرازه في الزمان اللاحق بالاستصحاب قلت لا مضايقة من جواز استصحابه في بعض الصور إلّا انه لا ينفع في استصحاب الحكم المحمول عليه بيان ذلك إلخ.

فأقول حاصل الإشكال بتوضيح منا هو ان الموضوع الّذي يكون دخيلا في وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة اما ان يكون محرزا بالوجدان فلا كلام واما ان يكون محرز العدم فلا كلام أيضا واما ان كان مشكوك البقاء فأي إشكال في جريان الاستصحاب بالنسبة إليه مضافا إلى جريانه بالنسبة إلى ما يترتب عليه فإذا شك في عدالة زيد وشك في حياته أيضا فيجري استصحاب بالنسبة إلى الحياة واستصحاب بالنسبة إلى العدالة فجريان الاستصحاب في العدالة مع الشك في الموضوع بعد إمكان إحرازه به أيضا لا إشكال فيه فكيف يقال لا يجري استصحاب العدالة مع الشك في الموضوع وهو الحياة.

واما حاصل جوابه قده بتنقيح منا هو ان الشك في بقاء الحكم يكون على ثلاثة أقسام.

الأول ان يكون الشك فيه من غير ناحية الموضوع بحيث لو كان الموضوع محرزا لكان الشك فيه من جهة أخرى مثل ان يكون الشك في العدالة ناشئا عن احتمال زوالها بما هو موجب للفسق.

الثاني ان يكون الشك فيه مسببا عن الشك في الموضوع بحيث لو أحرز الموضوع لما كان الشك في الحكم لكن مع معلومية الموضوع بحدوده وقيوده مثل ان يكون الشك في النجاسة ناشئا عن الشك في زوال التغيير الّذي كان هو موضوع النجاسة بحيث لو كان التغيير باقيا لا يبقى شك في النجاسة وكذلك الشك في مطهرية

١٩٣

الماء من جهة الشك في كريته أو إطلاقه بحيث لو أحرز الإطلاق أو الكرية لا يكون الشك في المطهرية.

والثالث ان يكون الشك في الحكم أيضا مسببا عن الشك في الموضوع ولكن الموضوع امره دائر بين ما هو معلوم الارتفاع أو معلوم البقاء قطعا مثل ان يكون الشك في النجاسة ناشئا عن الشك في التغيير ولكن لا يدرى ان التغيير بحدوثه يكفي للحكم بالنجاسة حتى يكون نجسا حينئذ لفرض زواله أو ان التغيير الفعلي شرط للحكم حتى لا يكون نجسا فعلا لفرض زواله فعلى فرض يكون الحكم باقيا قطعا وعلى فرض يكون فانيا قطعا وكذلك الشك في نجاسة الكلب من جهة عدم العلم بأن الموضوع للنجاسة هو الكلب بوصف الكلبية أو الكلب بوصف الجسمية حتى يكون باقيا حتى بعد صيرورته ملحا.

فإذا عرفت أقسام الشك فنقول كما قال قده انه على الأول لا إشكال في جواز استصحاب الموضوع أيضا كاستصحاب الحكم ولكن استصحاب الحكم كالعدالة لا يحتاج إلى إحراز الموضوع فانه جار على فرض بقاء الحياة وعلى تقديرها غاية الأمر يحصل الفرض باستصحاب الحياة أيضا.

فهنا مستصحبان لكل واحد منهما موضوع على حدة وهما حياة زيد وعدالته على فرض الحياة ولا يعتبر في الثاني إثبات الحياة هذا كلامه قده في هذا القسم رفع مقامه.

ويرد عليه ان مآل هذا الكلام إلى ان استصحاب الحكم مع الشك في الموضوع أيضا يكون جاريا وهو خلاف مسلكه (١) وقد مر ان المحقق الخراسانيّ قده قائل

__________________

(١) أقول ان المحقق الخراسانيّ قده لا يكون بصدد فرض الموضوع بل يكفى عنده الشك في العدالة مع كون اليقين متوجها إليها في السابق كما انه في استصحاب الحكم أيضا يقول بهذه المقالة.

واما الشيخ الأعظم قده في المقام وان كان التسامح في عبارته حيث عبر عن مثل العدالة ـ

١٩٤

بهذا المقالة نعم لو قال بأن الاستصحاب في العدالة مع الشك في الموضوع لا يجري في المقام من باب ان استعداد بقاء الحكم بدون إحراز الموضوع غير ثابت وعلى مسلكه من جريان الاستصحاب في الشك في الرافع دونه في الشك في المقتضى يكون المقام بهذا النحو من الشك في المقتضى فلا يجري الاستصحاب فيه.

واما على القسم الثاني والثالث من الشك فلا يجري الاستصحاب عنده بالتفصيل الّذي في الرسائل فراجع هذا هو البحث في الجهة الأولى من البحث في المقام وهو ان وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة لازمه على أي تقدير.

__________________

ـ بالحكم ضرورة ان العدالة أيضا موضوع من الموضوعات وليس حكما مثل الوجوب والحرمة غاية الأمر تكون من الاعراض القائمة بالموضوع كعروض الحكم للموضوع وهو متوجه إلى ما ذكرنا ولذا ترى في ذيل عبارته التعبير بأنها موضوع والحياة أيضا موضوع ولكن لم يكن كلامه مخالفا لمبناه فانه لم ينس احتياج الاستصحاب إلى إحراز الموضوع ولذا يقدر الحياة في استصحاب العدالة ويقول انه لا يحتاج إلى إحرازه في هذا الحين بل يحصل فرضه باستصحاب آخر.

وبعبارة أخرى ان الاستصحاب التعليقي لا يحتاج إلى إحراز الموضوع والاستصحاب التنجيزي يحتاج إلى إحرازه ولذا ترى في عبارته فهنا مستصحبان لكل منهما موضوع فانه رأى كل واحد من الحياة والعدالة على فرض الحياة موضوعا والموضوع لا يحتاج إلى الموضوع وما يحتاج إلى الموضوع هو الحكم كجواز تقليد العادل أو الاقتداء به فان استصحاب الحكم تعليقا على فرض إمكان إحراز الموضوع بأصل من الأصول يكون جاريا لحصول الغرض.

واما بدون إحرازه فلا يجري عنده والفرق بين القول بعدم الاحتياج إلى الموضوع والقول بجريان الاستصحاب التعليقي على فرض الموضوع يكون واضحا بما بيناه وقد عرضت هذا البيان عليه مد ظله في توجيه كلام الشيخ قده بعد الدرس وتقريره فتلقاه بالقبول والله المعين.

١٩٥

في مناط الموضوع في الاستصحاب

ثم الجهة الثانية من البحث هو ان الموضوع الّذي يجب ان يكون واحدا في القضية المتيقنة والمشكوكة هل هو الموضوع بنظر العقل أو هو الموضوع في لسان الدليل أو هو الموضوع عند العرف فيه بحث.

ولا يخفى ان الاحتياج إلى هذا البحث يكون من جهة ان الشك في الحكم غالبا يكون ناشئا عن الشك في الموضوع لأن احتمال النسخ في الحكم لا مجال له بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونشأ هنا إشكال وهو ان الموضوع لو تغير فلا وحدة للقضية المشكوكة مع المتيقنة لتغييره بالدقة وحينئذ يلزم عدم جريان الاستصحاب في حكم من الأحكام فلذا آل البحث إلى تنقيح الموضوع من حيث وحدته.

فان قيل ان الملاك هو حكم العقل في تشخيصه فيرد عليه بان العقل لا سبيل له إلى تعيين موضوع حكم الشرع لعدم علمه بملاك الحكم.

وان قيل الملاك هو حكم العرف فيرد عليه ان العرف هو المرجع في المفهوم واما في المصداق فالملاك هو الدقة في التطبيق وليس مشرعا ليعين الموضوع فإذا علمنا منه ان الحنطة نبت كذا أو ان المنّ مثقال كذا نرجع إلى الدقة في تعيين مصداقه.

وان قيل ان الملاك في الموضوع ما أخذ في لسان الدليل فنقول لا خصيصة للاستصحاب في ذلك بل جميع الموضوعات الشرعية يؤخذ من لسانه كالصلاة والصوم ثم إذا كان في لسان الدليل التغيير جزء للموضوع بان يقال الماء المتغير نجس لا يكون للعرف الدخل فيه بجعله الموضوع الماء والتغير من الحالات وإذا كان في لسان الدليل الماء إذا تغير يكون نجسا لا يكون له دخل الوصف في الموضوع فانه في لسان هذا الدليل هو الماء والتغير من حالاته.

وعلى أي حال فإذا كان الموضوع ما هو في لسان الدليل فتغير الموضوع

١٩٦

بواسطة تغيير بعض أوصافه فقال الشيخ الأنصاري قده انه يحصل لنا القطع حينئذ بارتفاع الموضوع في الدقة العقلية ولا مجال لاستصحاب الحكم بعد القطع بارتفاع موضوعه وقال شيخنا النائيني قده ان أقصى ما يلزم منه هو الشك في بقاء الموضوع لاحتمال كون الخصوصية المفقودة دخيلة في الموضوع ويحتمل أيضا ان لا يكون لها الدخل بل تكون علة لحدوث الحكم فقط ولكن الشك في بقاء الموضوع كالعلم بعدمه في منعه عن جريان الاستصحاب فلا يجري استصحاب الحكم بناء على اعتبار بقاء الموضوع عقلا ودقة ـ فينسد بابه وينحصر الاستصحاب بما إذا كان الشك في بقائه لاحتمال وجود الرافع أو الغاية حقيقة لبقاء الموضوع فيهما حقيقية واتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة عقلا وهو قده لدفع الإشكال يتمسك بوحدة القضية المشكوكة والمتيقنة بنظر العرف.

وحاصل كلامه هو ان المناط في الموضوع وان كان لسان الدليل ولكن العرف في القضايا التركيبية له نظر غير نظره في المفردات وتطبيقها على الخارج ومن القضايا التركيبية قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر فكلما صدق اتحاد القضيتين بنظره وصدق النقض يكون مجرى للاستصحاب وهذا يختلف حسب اختلاف الموارد وبتناسب الحكم والموضوع يفهم ذلك ويكون العلاج في نظر الشيخ الأعظم قده إلى ان بقاء الموضوع يكون بنظر العرف ومثل له بان الكلب نجس والإنسان طاهر بحسب لسان الدليل ولكن بعد الموت يحكم ببقاء موضوع النجاسة وهو الكلب ويحكم بزوال موضوع الطهارة وهو الإنسان مع ان الموت طار عليهما.

أقول وفي كلام الاعلام مواقع من النّظر.

الأول ان زوال قيد أو وصف من الموضوع يوجب العلم بعدمه إلّا ان يكون القيد قيدا احتياطيا فما ذكره الشيخ قده هو الصحيح ولا يرد عليه ما عن شيخنا النائيني قده من انه يوجب الشك.

١٩٧

والثاني ان الموضوع لو كان مشكوكا لا ينسد باب الاستصحاب في الأحكام كما عنه قده بل يكون دائرا مدار المبنى فمثل الشيخ قده الّذي لا يجريه مع الشك في الموضوع له ان يقول ان هذا موجب لسد باب الاستصحاب في الأحكام واما مثل المحقق الخراسانيّ قده فهو في غني عن هذا لأنه يجري الاستصحاب حتى مع الشك في الموضوع :

والثالث ان استصحاب الموضوع مع الشك فيه يكون جاريا فإذا كان مشكوكا يثبت به واستصحاب الحكم أيضا لا مانع منه.

نعم على مذهب شيخنا النائيني قده من ان كل قيد في الموضوع يرجع إلى الحكم يشكل جريان الاستصحاب فيه.

ولذا ينكر الواجب المشروط وكذلك الشيخ قده ولكن ليس كذلك فان قيد الحكم له طور من الدخل وقيد الموضوع له طور آخر فانه يكون فرقا واضحا عند أهل المحاورة بين ان يقال الماء المتغير نجس بجعل التغير قيد الموضوع وبين ان يقال الماء نجس إذا تغير بجعل التغيير علة للحكم.

والرابع على فرض التسليم يكون الإشكال في استصحاب الحكم في صورة كون الشك في المقتضى.

واما على مبنى العلمين من انه مختص بالشك في الرافع فلا يبقى إشكال في البين لانحفاظ الموضوع في صورة الشك في الرافع وانما الإشكال على معمم الاستصحاب في الشك في المقتضى والرافع.

فالتحقيق ان يقال ان كلام الاعلام لا يتكئ إليه بل الحق هو ان الموضوع لا بد ان يؤخذ من لسان الدليل ونحن إذا لاحظناه نرى انه يرى الموضوع في لسان الدليل ذات الماء إذا قال القائل الماء ينجس إذا تغير ويراه الذات مع الوصف إذا قيل الماء المتغير نجس فإذا فقد التغير يرى تغير الموضوع وبعد أخذه من

١٩٨

لسان الدليل لا مسامحة له في التطبيق بل لا بد ان يكون التطبيق بالدقة.

فلا محصل للقول بالمسامحة في التطبيق عند ملاحظة اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة ولا للمسامحة عند ملاحظة النقض.

لا يقال كما عن شيخنا العراقي قده ان التسامح في دليل الاستصحاب مما لا بد منه فان قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك لا شبهة في كون المراد باليقين فيه هو اليقين بالحدوث وفي كون المراد بالشك هو الشك في البقاء فلا يكون لحاظ اليقين والشك بنحو واحد فإذا كان كذلك ففي الموضوع أيضا يتصرف ويقال بالتسامح فيه من حيث بقائه في نظر العرف.

لأنا نقول ان الحدوث والبقاء لا يكونان إلّا امرين انتزاعيين عن حاق الوجود ومن أطواره فاليقين بالعدالة مثلا والشك فيها أيضا ولكن اليقين بلحاظ حدوثها والشك بلحاظ بقائها.

الكلام في عدم شمول دليل الاستصحاب لقاعدة اليقين

أقول هذا البحث وان مر في أوائل البحث عن الاستصحاب ولكن لزيادة التوضيح نتعرض له في المقام في خاتمته.

فنقول قد اختلف الكلام من حيث شمول دليل الاستصحاب لقاعدة اليقين المسماة بالشك الساري فربما قيل بشموله لها وربما قيل بعدم شموله لها واستدل القائلون لعدم الشمول بمحالية استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد وبيانه هو انا إذا شككنا في عدالة زيد يوم الجمعة بعد ما كان عادلا يوم الخميس وكان اليقين بها في يوم الخميس بحالة يكون مجرى للاستصحاب ويكون الشك في البقاء بعد العلم بالحدوث.

واما إذا شككنا في أصل العدالة يوم الخميس من حيث احتمال كون العلم بها فيه جهلا مركبا فيكون الشك في الحدوث فإذا قلنا بشمول قوله عليه‌السلام لا تنقض

١٩٩

اليقين بالشك لهما فلا بد ان يراد من الشك الشك في الحدوث والشك في البقاء وكذلك لا بد ان يراد من اليقين المشكوك في حدوثه واليقين المشكوك في بقائه.

وهذان معنيان للشك واليقين ولا يمكن استعمال اللفظ الواحد فيهما لاحتياج المعنيين إلى لحاظين وإلى استعمالين فلا بد ان ينطبق الدليل على أحدهما وهو الاستصحاب فقط لأن مورد الروايات هو الشك في البقاء لا في الحدوث ويمكن الجواب عن هذا الاستدلال بان للنفس عرض عريض فيكون له لحاظ امرين متضادين في آن واحد غاية الأمر لا بد ان يبرز اللحاظ المتعدد بدال متعدد.

وقال الآغا رضا الأصفهاني قده ان من إعجاز القرآن استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد فانه جائز ولكن الإشكال في المقام هو عدم وجود دال آخر في الروايات ليفهم منه قاعدة اليقين بل موردها الاستصحاب فقط.

وقد استدل لمنع الشمول شيخنا النائيني قده بأنه لا يمكن اجتماع القاعدة والاستصحاب في اللحاظ أصلا لا من جهة اليقين ولا من جهة المتيقن ولا من جهة النقض ولا من جهة الحكم.

اما من جهة اليقين فلان لحاظ اليقين في الاستصحاب يكون من جهة مر آتيته عن الواقع فان معنى عدم نقض اليقين بالعدالة هو ترتيب أثر المتيقن وهو العدالة لا ترتيب أثر اليقين واما في القاعدة فيكون ملحوظا استقلالا فكيف يجتمع اللحاظ الآلي والاستقلالي في استعمال واحد :

وفيه ان لحاظ اليقين فيهما يكون بنحو المرآتية فان اليقين بالعدالة في يوم الخميس الّذي يكون الشك في حدوثه يكون معنى عدم نقضه ترتيب أثر العدالة في الخميس كما ان ترتيب الأثر عليها في الاستصحاب يكون بلحاظ الأثر يوم الجمعة فلا يكون لحاظه استقلاليا ليرد الإشكال فهو كلام ضعيف يكون صادر عن قائل عظيم الشأن.

٢٠٠