مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

في وسطه كما استفدنا من خصوص الرواية الواردة فيه واما مع تعدد القاعدتين فائضا يمكن ادعاء التعميم من بعض الروايات كما في ذيل رواية إسماعيل بن جابر كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه فان الصدر وان كان في حكم الصلاة واجزائها ولكن الذيل عام لكل ما يصدق على الشيء.

ولا يكون دليلنا فقط صحيحة زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك في شيء لم تجزه حتى يقال بأنها لو لم تكن ظاهرة في خصوص اجزاء الصلاة لا تكون ظاهرة في العموم.

فان قلت ان الكبرى في رواية إسماعيل بن جابر تكون دالة على العموم إذا كان المبنى في لفظة كل توسعة ما ينطبق عليه المدخول واما إذا كان لتوسعة ما يراد من المدخول كما عن المحقق الخراسانيّ قده وشيخنا النائيني قده فكلمة الشيء المدخولة للفظة كل يجب جريان مقدمات الإطلاق فيها حتى يظهر أن المراد منها العموم وحيث يكون في المقام ما يحتمل القرينية وهو ذكر اجزاء الصلاة في الرواية فلا يمكن جريان مقدمات الإطلاق فلا يظهر عمومية الشيء فكيف يقال بالعموم.

قلت ان هذا المبنى فاسد جدا فان لفظة كل وضعت للدلالة على العموم في ما ينطبق عليه المدخول ولا نحتاج إلى مقدمات الإطلاق وخصوصية المورد لا تضر بالعموم فلا شبهة في شمول قاعدة التجاوز لجميع موارد الفقه من الصلاة والحج والبيع وغيره.

واما الجهة الثانية فلا شبهة في جريان قاعدة التجاوز في كل مورد سواء كان الشك في جزء الجزء أو في الجزء المستقل الا في مورد يكون الدليل منصرفا عنه.

فما قيل من ان التجاوز عن الشيء يكون بالتجاوز عن محله والتجاوز عن المحل يكون في كل شيء بين الشارع المحل له وهذا يكون بأمره على جزء مثل تكبيرة الإحرام في الصلاة ثم امره بجزء آخر مثل القراءة وهكذا لنعلم ان محل

٢٨١

القراءة بعد التكبيرة وحيث ان هذا المعنى مفقود فيما يكون تحت امر واحد فلا يصدق التجاوز عنه فمن شك في لفظة الله بعد الدخول في لفظة أكبر لم يكن متجاوزا عن محل التكبيرة.

غير وجيه عندنا لأن الأمر بشيء يكون له الاجزاء ينحل إلى اجزائه فلفظة الله متقدمة على لفظة أكبر في المحل لكون انحلال الأمر عليها بالترتيب وإلّا فلما ذا لا يقدم لفظة الأكبر على لفظة الله وهذا القدر من بيان المحل كاف في تعيين المحل الشرعي للشيء.

نعم إذا كان الجزء بحيث لم يصدق التجاوز عنه في العرف وكان الدليل منصرفا عنه لا تجري القاعدة فيه كما إذا شك في السين من بسم الله بعد الدخول في ميمه فالدليل لو كان الانصراف نقبله واما ما استدل به هذا القائل فقد ظهر جوابه بما عرفت.

واما الجهة الثالثة وهي البحث في ان القاعدة هل تختص باجزاء المركب الواحد أو تعم التجاوز عن مركب مثل صلاة الظهر والدخول في غيره مثل صلاة العصر فالظاهر عموم الكبرى فيها أيضا خصوصا بملاحظة كون التجاوز في الوضوء على بعض الاحتمالات في موثقة ابن أبي يعفور بقوله عليه‌السلام إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك في شيء لم تجزه وهو احتمال كون التجاوز في الوضوء هو الدخول في غيره من المركبات بعد عدم مجيء قاعدة التجاوز في اجزائه واما على احتمال كون الجاري فيه هو قاعدة الفراغ فقط لا التجاوز فلا دلالة له لما نحن فيه وكيف كان فالعمومات كافية للقول بجريانها في المركب المرتب على مركب آخر (١) هذا كله البحث في قاعدة التجاوز في

__________________

(١) أقول وأضف إليه أيضا ان ما مر من الرواية في الأذان والإقامة في صورة الشك في الأذان بعد الدخول في الإقامة شاهد للعموم فان الأذان مركب والإقامة مركب آخر.

٢٨٢

الموضوع الأول.

واما البحث في الموضوع الثاني.

وهو البحث في قاعدة الفراغ فأيضا فيه الجهات الثلاث الماضية والحق هو عموميتها لجميع المركبات من الصلاة والصوم والحج والمعاملات وجريانها في الاجزاء أيضا كما انه يجري في المركب فإذا شك في صحة الحمد بعد الدخول في السورة لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ كما تجري قاعدة التجاوز.

وربما قيل جريان التجاوز مع كونه في الشك في الوجود يدل بالأولوية على جريان الفراغ لأنه يكون في الشك في الصحة بعد إحراز أصل الوجود ولكن لا نحتاج إلى هذه الإطالة بل نقول دليلنا العمومات الشاملة لذلك أيضا بقوله عليه‌السلام كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو فان المضي في الجزء أيضا صادق واما جريانها في المركب بعد الدخول في مركب آخر فهو غني عن البيان لأن المورد المتيقن منها هو هذه الصورة فتحصل ان العمومات في القاعدتين شاملة لجميع الجهات الثلاث التي ذكرناها ولو فرض ان الدليل عليهما بناء العقلاء أيضا فلا شبهة في عموميته لجميع ما ذكر.

الأمر العاشر

في ان اللازم في متعلق القاعدة هو ان يكون له أثر شرعي عملي.

وعليه فلا تجري في العناوين الإجمالية بل إحراز العنوان شرط في جريانها وعليه فلو صلى من كان جاهلا بجهة القبلة أربع صلوات إلى أربع جهات حسب الوظيفة المقررة له (١) ثم علم ببطلان إحدى الصلوات ولكن لا يدرى انها هي التي إلى

__________________

(١) أقول انه لا يخفى ان هذا الفرع غير مترتب على هذه الكبرى ولو وجد فرع آخر في ذكر الثمرة يجب التدبر فيه حسب مورده وذلك لأن المراد بالأثر الشرعي العملي هو ـ

٢٨٣

جهة القبلة أو غيرها فلا يجوز له جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى ما شك فيه فانه وان كان شاكا في صحة ما كان وظيفته في الواقع ولكن حيث لا يكون معلوما تفصيلا لا تجري قاعدة الفراغ لأن الأثر لا يترتب على هذا العنوان الإجمالي.

كما ان الرضاع المحرم لا يحصل بواسطة ما حصل في الخارج ولا يدرى انه ثلاث عشرة رضعة أو خمسة عشر لأن المحرم هو الرضعات الخارجية لا العنوان الإجمالي الّذي يكون مصداقا للرضاع فكما انه يجب إحراز از عدد الرضعات في الخارج كما عليه القوم كذلك إحراز العنوان الّذي يراد جريان قاعدة الفراغ فيه وهو في المثال غير محرز.

وقال شيخنا العراقي قده ولو صح الجريان في هذا المورد لصح فيما إذا علمنا تفصيلا ببطلان الصلاة إلى الجهة المعينة من الجهات مع عدم العلم بكونها جهة القبلة لأن الشك في الصلاة التي هي وظيفته وهي التي تكون إلى جهة القبلة واقعا يكون في هذا الفرض أيضا مع انه لم يقل به أحد وهذا شاهد عدم جريان القاعدة في

__________________

ـ الّذي يكون من ثمرات جريان القاعدة ولا يخفى ان القاعدة لو جرت هنا في العنوان الإجمالي أيضا يكفى لترتب الأثر وهو عدم الإعادة كما في صورة جريانها في كل واحد من الأطراف تفصيلا.

ولكن المشكل في المقام هو ان من يجب عليه الصلاة إلى أربع جهات يكون وظيفته إحراز إتيانها إلى الأربع ومع العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلوات كيف يمكن جريان قاعدة الفراغ فان العلم الإجمالي بالبطلان يوجب إحراز عدم إتيان الوظيفة والقاعدة تجري في صورة الشك في إتيان ما هو الوظيفة لا في صورة العلم بعدم إتيانها.

فلا يتم ما قيل في هذا الفرع وأمثاله فتدبر فيه فان إحراز بطلان إحدى الصلوات المعينة إلى بعض الجهات المعينة كما يوجب القول بالبطلان وإعادته كذلك العلم الإجمالي بعدم إتيان البعض موجب لإعادة الجميع.

٢٨٤

العنوان الإجمالي.

وفيه ان صورة العلم ببطلان صلاة جهة معينة خارجة عن البحث لأنه يعلم عدم إتيانه بما هو وظيفته من الصلاة إلى أربع جهات فان بطلان صلاة هذه الجهة يلحقه بعدم الإتيان أصلا بخلاف ما نحن فيه فانه لا يكون العلم بالبطلان كذلك فالنكتة في عدم جريان القاعدة هو عدم تطبيق الكبرى على العنوان الإجمالي في الخارج لا ما ذكره قده من الشاهد.

ثم لو جرت القاعدة في كل صلاة من الصلوات بعنوانها التفصيلي للشك في صحتها فلا بأس به وبعد جريانها في جميع الجهات يحصل له العلم بمخالفة إحدى القواعد الأربع للواقع لعلمه ببطلان إحدى الصلوات وهذا لا يضر لاحتمال كون الباطلة هي التي وقعت إلى غير جهة القبلة وهذا بخلاف صورة العلم التفصيلي ببطلان ما وقع إلى جهة معينة لأن القاعدة فيها لا تجري وفي غيرها لا تفيد بعد عدم الجريان في الجهة المعينة فتحصل ان إحراز منطبق كبرى القاعدة تفصيلا شرط في جريانها ليترتب الأثر الشرعي العملي.

الأمر الحادي عشر

في انه لا شبهة ولا ريب في جريان قاعدة التجاوز والفراغ في الاجزاء واما الشرائط ففيها تفصيل.

وهي على أنحاء أربع في الصلاة الأول ان يكون شرطا عقليا في تحقق عنوان المأمور به من الصلاتية والظهرية والعصرية فان هذه العناوين من العنوانات القصدية التي لا تحقق لها إلّا بالقصد فان الصلاة بدون قصد الظهرية والعصرية صلاة وليست مصداقا لصلاة الظهر والعصر فنيّة هذه العناوين شرط عقلي موجب لتحققها.

الثاني ما يكون شرطا شرعيا لصحة المأمور به مع الفراغ عن أصل تحقق العنوان كالطهور.

٢٨٥

الثالث ما يكون شرطا عقليا لنفس الجزء بمعنى كونه مما يتوقف عليه وجود الجزء بعنوان الجزئية للمركب كالموالاة ضرورة ان الاجزاء بدونها متشتتات لا مركبات.

الرابع ما يكون شرطا شرعيا للجزء كالجهر والإخفات بناء على كونهما شرطا للجزء لا للصلاة.

ثم ما يكون من الشروط الشرعية اما ان يكون في خصوص حال إتيان الاجزاء أو يكون شرطا مطلقا يعنى حتى في السكونات المتخللة كالستر والاستقبال إلى القبلة والطهارة عن الحدث فانها من الشروط المعتبرة في جميع الحالات.

وعلى أي تقدير اما ان يكون هذا النحو من الشرط مما له المحل الشرعي مثل كون محل صلاة الظهر قبل العصر والمغرب قبل العشاء فان تقدم إحداهما على الأخرى شرط لصحة الثانية على ما يقتضيه أدلة الترتيب واما ان لا يكون له محل شرعي كالستر والاستقبال إلى القبلة.

ولا يخفى ان هذا البحث بحث فقهي ذكروه في الأصول.

ثم ان صاحب المدارك وكاشف اللثام (قدهما) قالا بان القاعدة لا تجري في الشك في الشرط وفيما يكون الشك فيه من جهة الشك في الشرط تجاوزا كانت أو فراغا.

فنقول اما النحو الأول من الشرط وهو المحقق للعنوان كنية الظهرية فلأنه من الشروط العقلية فلا بد منها ولا يجري التعبد فيها لأنه يكون في الأمور الشرعية.

مضافا بأنه مع الشك فيها يكون الشك في أصل العنوان الّذي لا بد من إحرازه ليجري فيه القاعدة ضرورة انها تحكم بصحة صلاة الظهر أو العصر مثلا فما لم يحرز الظهرية والعصرية لا يكون المجال لجريانها لعدم إحراز المحل لها من غير فرق بين التجاوز والفراغ سواء قلنا بجريان قاعدة الفراغ في وسط العمل كقاعدة التجاوز أو لم نقل.

٢٨٦

مضافا بعدم المحل الشرعي المعتبر في صدق التجاوز والفراغ للنية كذلك هذا كله في النية التي هي محققة للعنوان.

اما النية التي هي شرط في كل عمل تعبدي بمعنى إتيان ذلك العمل بداعي الأمر المتوجه إليه كالصلاة والصوم والحج وغيره ففيه بحث.

فعن المحقق الهمدانيّ قده عدم جريان القاعدة فيها أيضا وبيانه هو ان قصد الأمر اما ان لا يكون مما يمكن أخذه في الأمر بإتيان العمل العبادي لأن قصد الأمر متأخر عن الأمر والمتأخر عن الشيء لا يمكن ان يكون في رتبة موضوعه فيكون الحاكم بوجوبه العقل واما ان يكون مما يمكن أخذه فيه بنحو نتيجة التقييد بان يكون للمولى إرادتان إرادة على نفس العمل وإرادة على إتيانه بداعي هذه الإرادة في طولها ثم يبرز الإرادة الثانية بدال آخر.

فعلى الأول لا تكون النية من الأمور الشرعية التي هي قابلة للتعبد وعلى الثاني فليس لها محل شرعي لتجري القاعدة بالعناية إلى التجاوز عن ذاك العمل لكون النية شرطا في جميع اجزاء الصلاة نعم يمكن ان يقال بان وجوب كونها في أول افعال الصلاة يوجب القول بان محله الشرعي هو أول الصلاة قبل تكبيرة الإحرام فإذا حصل التجاوز عنه تجري قاعدة الفراغ والتجاوز بالنسبة إليها.

فتحصل ان النية المحققة للعنوان لا تجري فيها القاعدة والنية التي هي شرط شرعي للعبادة يمكن جريانها فيها على بعض الوجوه.

واما النحو الثاني من الشرط وهو الشرط الشرعي للمأمور به وهو الّذي تعرض له الشيخ الأعظم في فرائده في الموضع السادس فجريان القاعدة بالنسبة إليه منوط بوجود المحل الشرعي له فان كان الشرط هو الطهارة التي هي النور الحاصل بالوضوء والغسل فهي لا محل لها لجريانها في جميع اجزاء الصلاة وان كان الشرط هو الوضوء وهو الغسلتان والمسحتان فالمحل الشرعي له يكون قبل الدخول في الصلاة فجريان القاعدة فيه لا إشكال فيه كما ان الغسل أيضا كذلك.

٢٨٧

واما النحو الثالث من الشرط وهو الشرط المقوم للمركب كالموالاة بين اجزاء كلمة واحدة (١) فالشك ان كان في نفسها فلا تجري القاعدة فيها لعدم المحل الشرعي لها واما ان كان الشك في إتيان الجزء السابق قبل هذا الجزء فلا شبهة في جريان القاعدة لصدق التجاوز لأن الشك فيها يرجع إلى الشك في وجود الكلمة لأنها من مقوماتها ومع الشك فيها يكون الشك في وجودها إلّا إذا كان موردا لانصراف الدليل عنه كالشك في سين بسم الله بعد ميمه فان قاعدة التجاوز منصرفة عنه لكونه في المحل عرفا لا بعد التجاوز عنه.

واما النحو الرابع وهو ما يكون شرطا للجزء مثل الجهر والإخفات فحيث ان إحراز تركهما سهوا بعد التجاوز أو الفراغ لا يوجب الإعادة فلا ثمرة في البحث عن الشك فيهما بعدهما وجريان القاعدتين وعدمه.

ثم ان الشروط التي لا محل لها شرعا وتكون شرطا لجميع أكوان الصلاة مثل الستر والاستقبال إلى القبلة والطهارة على فرض عدم المحل الشرعي لها باعتبار وجوبها قبل الصلاة كما مر فقاعدة التجاوز لا تجري فيها لعدم المحل الشرعي الّذي هو مقوم صدق التجاوز واما قاعدة الفراغ فحيث ان المحل لا يكون شرطا فيها فجريانها بعد الفراغ من الصلاة لا إشكال فيه وهكذا في وسط

__________________

(١) أقول لا فرق في الموالاة التي هي مقومة للكلمة والتي هي شرط في المركب فانه كما يرجع الشك فيها في المقومة إلى الشك في أصل الوجود كذلك في صورة الشك في الموالاة بين الركوع والقراءة مثلا يرجع إلى الشك في الوجود الصحيح فكما ان الأول مجرى قاعدة التجاوز فكذلك الثاني مجرى قاعدة الفراغ وللموالاة محل بحسب اجزاء المركب.

فمن شك في ما بعد الركوع في موالاته مع القراءة فقد جاوز عن محلها ومضى فيشمله العمومات فلا فرق بين الموالاة في الكلمة وغيرها في جريان القاعدة كما في الكلمات.

٢٨٨

الصلاة على ما هو التحقيق من جريانها في وسط العمل أيضا ولكن تثبت حصول الشرط إلى وقت الشك واما تحصيله لما بعد ذلك فهو لازم فيجب إحراز حصول الساتر والتوجه إلى القبلة لما بعد ذلك وهكذا تحصيل الطهارة من الوضوء أو التيمم إذا لم يكن من العمل الكثير في الصلاة بواسطة وجود وسائلها من الماء والتراب قريبا عنده فيتوضأ أو يتمم في وسطها وهذا لا يضر بها لأن ما ورد من انه لا عمل في الصلاة لا يكون شاملا لمطلق العمل ولو لم يكن كثيرا وإلّا فيلزم بطلانها باللعب باللحية أيضا ولم يقل به أحد.

ولكن لا يخفى ان القاعدة في القبلة تجري في صورة عدم انحفاظ صورة العمل مثل ما إذا شك فيها من جهة الظلمة وعدم علمه بأنه هل صلى إلى هذه الجهة أو تلك الجهة واما مع علمه بأنه صلى إلى الجهة الفلانية ولا يعلم انها القبلة أم لا فلا تجري قاعدة الفراغ لوجوب إحراز الجهة حينئذ.

واما ما له المحل الشرعي من الشرط فكشرطية كون العصر بعد الظهر وشرطية كون العشاء بعد المغرب وشرطية كون الوضوء والغسل قبل الصلاة فان محل كل واحد مما ذكر معلوم والإشكال في وجود المحل الشرعي فمن يكون في العصر وشك في إتيان الظهر فقد جاوز عن محل الظهر ودخل في العصر وهكذا من دخل في الصلاة فقد جاوز عن المحل الشرعي للوضوء فلو شك فيه عندها فقد جاوز عن محله فلا إشكال في جريان قاعدة التجاوز وهكذا قاعدة الفراغ.

وقد أشكل على أمثال هذه الشروط التي تكون من تقديم مركب مستقل على مركب مستقل آخر ولها وجوب مستقل وراء وجوبها من ناحية المشروط بعدم تطبيق ما هو الملاك في جريان القاعدتين ضرورة ان ما ورد من قوله عليه‌السلام هو حين العمل اذكر يكون في صورة كون العامل في صدد ترتيب مركب واحد من حيث الشرائط والاجزاء وهذا لا يكون في المركبات المستقلة لأن المتوضئ مثلا لا يكون داعية إتيان شرط الصلاة في جميع الموارد بل ربما يتوضأ لاستحبابه في نفسه

٢٨٩

أو لغاية أخرى غير الصلاة وهكذا من يصلى الظهر يكون في صدد امتثال امره لا في صدد تحصيل شرط العصر فحيث لا يكون في صدد تحصيل الشرط لا يقال انه حين العمل اذكر.

ولعل هذا هو مراد المدارك وغيره ممن لا يجري القاعدة في الشروط فتكون كبرى التجاوز والفراغ منصرفة عن هذا المورد هذا حاصل الإشكال.

واما الجواب عنه فهو ان الشرط لصلاة العصر ليس إلّا نفس إتيان الظهر لا بقصد تحصيل شرط العصر وهكذا الوضوء يكون نفسه الشرط للصلاة لا بعنوان كونه شرطا لها والفرض في صورة غفلة المكلف لا في صورة عمده بترك الشرط.

فعلى هذا نقول من دخل في الصلاة مع عدم تعمده بترك شروطها وبنائه على إتيان المركب تاما إذا شك في تحصيل الشرائط فيكون هو حين العمل اذكر من حين الشك.

وقال شيخنا النائيني قده ان قاعدة الفراغ لا إشكال في جريانها وتأمل في جريان قاعدة التجاوز وليته لم يتأمل في جريانها أيضا لعدم الإشكال فيها أيضا.

ثم انه على فرض جريان القاعدة فهل يترتب عليها جميع آثارها ولوازمها بالنسبة إلى غير العمل المشروط الّذي بيد المكلف أو يختص الأثر بخصوص المشروط فعلى الثاني جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ في صلاة العصر يثبت صحة صلاة العصر لا إتيان الظهر وهكذا جريانها بالنسبة إلى الطهارة لا يثبت طهارة المصلى حتى يصح إتيان ما شرطه الطهارة بهذا الحال فإعادة الظهر بعد العصر لازمة وكذا تجديد الوضوء لسائر الصلوات وعلى الأول لا يكون كذلك أي لا إعادة للظهر ولا تجديد في الوضوء؟

فيه وجهان بل قولان اما وجه ترتيب جميع الآثار فلان القاعدة اما ان تكون من الأمارات أو من الأصول فعلى فرض كونها من الأمارات لا شبهة في كون مثبتها حجة كما إذا قامت البينة على ذلك واما على فرض كونها من الأصول فيكون من

٢٩٠

الأصول المحرزة كالاستصحاب فكما ان استصحاب بقاء الوضوء يترتب عليه جميع الآثار كذلك ما ثبت بالقاعدة يترتب عليه جميع الآثار.

هذا وجه حجية لوازمها واما وجه عدمها فهو ان القاعدة بمناسبة ملاكها وهو الأذكرية حين العمل لا يكون لها لسان فوق تصحيح نفس المركب الّذي بيد المكلف للملازمة العادية بين إتيان العمل وإتيان شرائطه واما غير ما هو مربوط بالمركب فلا يكون من الأول في وسع القاعدة.

وربما يقال بان مفاد القاعدة ان كان وجود ما هو المشكوك أو صحته يترتب عليه جميع الآثار وان كان المفاد البناء على تحقق المشكوك من حيث الوظيفة العملية فلا يترتب عليها أثر غير تصحيح نفس المركب الّذي بيد المكلف ولكن الحق هو الثاني عندنا وعلى فرض الشك في ذلك فيكون من الشبهة المصداقية للقاعدة بالنسبة إلى هذا الأثر فلا يترتب عليها أيضا لعدم جريانها بالنسبة إليه.

الأمر الثاني عشر

في ان قاعدة التجاوز والفراغ يكون جريانهما مختصا بصورة كون الشك في انطباق المأتي به للمأمور به من جهة احتمال حصول غفلة في التطبيق بحيث لو لم يكن العمل لم يكن الشك في شيء من المأمور به من جهة الحكم أو الموضوع.

فمن لا يكون عالما بالاجزاء والشرائط حسب ما هو وظيفته من الاجتهاد أو التقليد ويدخل في العمل باحتمال انطباق عمله مع ما هو وظيفته في الواقع ثم يشك في الانطباق في الواقع لا يكون موردا لجريان القاعدة فمحلها الشك الطاري بعد العمل لا الشك الّذي كون حين العمل أيضا لانصراف القاعدة عنه بمقتضى ملاكها فان الأذكرية حين العمل يكون بالنسبة إلى ما يعلمه المكلف لا بالنسبة إلى ما لا يعلم أيضا.

ولا يقال ان العلم الإجمالي بوجود الحكم لازمه الاحتياط في العمل الا فيما

٢٩١

قامت الحجة على خلافه وقاعدة الفراغ والتجاوز حجة على عدم وجوب الاحتياط.

لأنا نقول لا يكون لسان القاعدتين جعل الحكم نظير الاستصحاب والبراءة في الأحكام بل لسانهما بيان حكم الشك في الامتثال فلا يكون في وسعهما رفع جزئية ما يكون جزء في الواقع أو شرطية ما يكون شرطا في الواقع ضرورة ان جريانهما مع الشك في كون السورة جزء للصلاة أو لا يرجع إلى عدم كون السورة جزء كما إذا جرى أصل البراءة عن الجزئية في صورة الشك فيها.

ثم لا فرق في ذلك بين انحفاظ صورة العمل وعدمه بعد كون العمل مشكوكا فيه من جهة الشبهة الحكمية.

فما توهم كما عن شيخنا النائيني قده من ان الشك في صورة عدم انحفاظ صورة العمل يرجع إلى الشك في الانطباق وفي غير هذه الصورة لا يرجع إليه غير وجيه.

فمن صلى مع الشك في كون السورة جزء أولا بدون السورة كالجاهل المقصر الّذي يصلى كذلك بدون اجتهاد أو تقليد لا تشمله القاعدة سواء كانت صورة العمل منحفظة بان يعلم انه صلى إلى هذه الجهة المعينة أو غير منحفظة بان لا يعلم انه صلى إلى هذه الجهة أو تلك الجهة للشبهة الحكمية.

وعدم العلم بصورة العمل لا يوجب كون الشك في مقام الامتثال.

ثم لا ريب في عدم عموم الروايات لصورة كون الشك بعد العمل لا قبله لأن القاعدة وظيفة قررت للشاك في انطباق المأتي به مع المأمور به لا للشاك قبل العمل فليس لأحد الدخول في العمل برجاء ان تشمله القاعدة فمن شك في كونه طاهرا من الخبث أو الحدث لا يكون له الدخول في الصلاة برجاء ان يكون الشك بعد ذلك في تطبيق المأتي به مع المأمور به فلا تشمله القاعدة.

ثم ان هنا صورا من الشك في الشك الطاري بعد العمل لا بأس بالإشارة إليها لكثرة الابتلاء بها.

٢٩٢

الأولى ان يكون الشك في الانطباق من جهة احتمال سهوه شيئا من المأمور به حين العمل وهذه الصورة هي مورد جريانها يقينا ضرورة ان ترك شيء من المأمور به سهوا وغفلة لو لم تشمله القاعدة لا يبقى لها مورد آخر.

الصورة الثانية ان يكون الشك في التطبيق بعد العلم بجميع الشرائط والموانع حكما ولكن مع احتمال ان يكون تركه للعمل من العمد لا السهو والنسيان وهذه الصورة فيها قولان.

قول بعدم جريان القاعدة كما عن شيخنا النائيني قده لانصراف الدليل وعدم انطباق الملاك الّذي ذكر في الروايات وهو الأذكرية حين العمل في المقام لأن هذا الملاك ينطبق على من كان في صدد إتيان المركب صحيحا مع الترتيب الصحيح ومن يحتمل كونه متعمدا في ترك الجزء أو الشرط ولو كان متذكرا لا تشمله القاعدة بهذا الملاك.

وقول بالجريان كما هو التحقيق لمنع الانصراف وعدم الوجه له في المقام واما الأذكرية فهي بالنسبة إلى هذا الشخص أقوى من حيث الانطباق لأنه لا يعلم الترك العمدي بل يحتمل وهذا الاحتمال يطرد بأن مريد العمل على الوجه الصحيح وطبق ما جعله الشارع كيف يمكن ان يترك ما هو الجزء أو الشرط للعمل عمدا فان الغالب هو إتيانه على الوجه الصحيح إلّا ان يكون لاعبا بالأمر وقانون الأذكرية محمول على الغالب.

ومن هنا ظهر انه لا وجه للتفصيل بين كون الأذكرية علة أو حكمة والقول بالجريان على فرض كونها حكمة لعدم الأذكرية في المقام والقول بعدم الجريان على فرض كونها علة لعدم العلة في المقام وجه الظهور هو تطبيقها في المقام ومع التطبيق لا فرق بينهما.

الصورة الثالثة ان يكون الشك بعد العمل مع عدم التفات المكلف حال الشروع إلى ما ينبغي وقوع العمل عليه بل عمل عملا ويحتمل مصادفته للواقع

٢٩٣

ويكون حاله بحيث لو التفت أيضا لكان شاكا مثل من توضأ وكان في يده خاتم يحتمل كونه مانعا عن وصول الماء إلى ما تحته وهذا تارة يكون مع انحفاظ صورة العمل مثل انه يعلم ان الخاتم كان في يده وحركة ومع ذلك يكون شاكا في وصول الماء تحته وتارة لا تكون صورة العمل منحفظة مثل انه لا يعلم انه حركه أم لا أو التفت إلى الخاتم أم لا.

والأقوال في جريان القاعدة وعدمه هنا ثلاثة.

الأول عدمه مطلقا والثاني جريانه مطلقا كما هو التحقيق والثالث التفصيل بين صورة انحفاظ صورة العمل فتجري القاعدة وبين عدم انحفاظ صورة العمل فلا تجري كما عن شيخنا النائيني قده.

اما الدليل على القول الأول فهو ان ما ورد في روايات الوضوء هو حين العمل اذكر منه حين يشك يكون في صورة التفات المكلف إلى عمله ومن لا يكون كذلك كيف يقال انه حين العمل اذكر فمن علم عدم التفاته إلى خاتمه حين الوضوء كيف يمكن ان يقال انه غسل ما تحته لكونه في العمل وحينه.

والدليل للقول الثاني هو ان المكلف بعد ما غفل ودخل في الصلاة كذلك بعد الوضوء بهذا النحو يحتمل مصادفة هذا العمل مع الواقع وهذا هو الملاك في جريان القاعدة والمفروض انه لم يدخل عمدا مع هذا النقص نعم لو كان ملتفتا إليه يجب عليه الفحص وإيصال الماء إلى ما تحت الخاتم يقينا ولكنه لم يلتفت.

وقال المحقق الهمدانيّ ان السيرة من الفقهاء الجريان في هذه الصورة ومعها لا وقع للإشكال بعدم صدق كبرى هو حين العمل إذا كر إلخ ولا للإشكال بوجوب الفحص لو التفت كما ان مستصحب الحدث إذا لم يلتفت ودخل في الصلاة ثم حصل الفراغ عنها واحتمل الانطباق يجوز له إجراء قاعدة الفراغ كما سيأتي في الفرع الآتي وان لم يجز له الدخول في الصلاة لو التفت إلى استصحاب الحدث ويجب عليه الوضوء قبلها.

٢٩٤

واما دليل المفصل فهو انه مع انحفاظ صورة العمل يمكن القول بأنه حين العمل اذكر لالتفاته إليه بخلاف من لا يكون ملتفتا إليه وفيه ان هذا لا يصير فارقا مع صدق كون الشك في الانطباق في المقامين الّذي هو ملاك تطبيق القاعدة وليس هذا مثل صورة الشك في الحكم مع عدم انحفاظ صورة العمل كما احتمله شيخنا النائيني لعدم جريان القاعدة كما مر في الشبهة التي تكون من جهة الحكم لعدم كون الشك (ح) من الشك في التطبيق بخلاف المقام.

الصورة الرابعة ان يكون الشك بعد الفراغ ولكن يكون له استصحاب الحدث قبل الدخول في الصلاة لو التفت ولكن لم يلتفت إلى حاله ودخل في الصلاة غافلا ثم التفت بعد الفراغ.

وهذا على وجهين الأول ان يكون محتملا لتحصيل الطهارة بعد الحدث والثاني ان لا يكون محتملا لذلك فيكون احتمال تطبيق عمله مع الواقع من جهة صرف احتمال الطهارة حين الدخول في الصلاة وان كان حكمه الشرعي لو التفت إليه هو الحدث بحكم الاستصحاب.

وكيف كان فالأقوال هنا ثلاثة الأول عدم جريان قاعدة الفراغ مطلقا كما عن شيخنا العراقي قده والثاني جريانها مطلقا كما هو التحقيق والثالث التفصيل بين صورة كونه محتملا لتحصيل الطهارة بعد الحدث فتجري القاعدة وعدم كونه محتملا لذلك فلا تجري كما عن شيخنا النائيني قده.

واستدل للقول الأول بأن المنساق والمنصرف من دليل القاعدة هو كون الشك الّذي هو موردها أو موضوعها غير مسبوق بشك آخر من سنخه أو غير سنخه وفي المقام حيث يكون مسبوقا بالشك في الطهارة فلا تجري القاعدة في الشك في الصحة من جهة الصلاة.

واستدل المفصل بان جريان القاعدة في صورة احتمال تحصيل الطهارة قبل الصلاة لا إشكال فيه مع وجود استصحاب الحدث لو التفت لأنه على فرض العلم بالحدث فضلا عن الشك

٢٩٥

فيه إذا احتمل تحصيل الطهارة تجري القاعدة ولا يزيد الشك الّذي يكون مجرى استصحاب الحدث عن العلم.

والاستصحاب بعد العمل محكوم لقاعدة الفراغ لأنه يلزم ان يكون من باب استصحاب المستصحب يعنى استصحاب الحدث الّذي كان مستصحبا قبل الصلاة ولا أثر له بعد الفراغ لأن اثره قبل الصلاة هو عدم جواز الدخول فيها واما بعدها فلا موضوع له لحصول الدخول قبله غفلة.

واما في صورة عدم احتمال طرو المطهر بعد الحدث فيكون مثل من دخل في الصلاة عالما بالحدث فكما انه لا تشمله القاعدة كذلك من كان الاستصحاب جاريا في حقه هذا.

ولكن الجواب عن القول الأول فهو ان ادعائه قده انصراف القاعدة إلى صورة عدم السبق بالشك فممنوع لعدم الانصراف كذلك لعدم الوجه له.

واما عن الثاني فلان الاستصحاب يجري في صورة كون الشك فعليا واما في صورة كونه تقديريا فلا ضرورة ان كل عنوان يكون عليه الحكم يكون الظاهر منه إرادة فعليته والاستصحاب حكم للشك والمكلف وان كان حاله بحيث لو التفت يجري في حقه ولكن بعد الفراغ لا يجري لعدم فعلية الشك مع عدم الأثر له لأن اثره قبل الدخول في الصلاة كان هو منع الدخول فيه وبعد الفراغ عنها لا موضوع للدخول.

ومن هنا ظهر وجه القول بالجريان مطلقا كما هو التحقيق وحاصله عموم الكبرى للمقام لعدم الوجه للانصراف إلى غير هذه الصورة وعدم جريان استصحاب المستصحب في الحدث لعدم الأثر له.

الصورة الخامسة ان يكون الشك بعد الفراغ من جهة قيام أمارة قبل الدخول في الصلاة على حصول الشرط مثل كون هذه الجهة قبلة أو كون هذا الماء الّذي استعمله في الطهارة عن الحدث طاهرا أو من جهة قيام أصل محرز كاستصحاب

٢٩٦

الطهارة عن الحدث ثم ظهر خلاف ذلك من باب إحراز فسق البينة أو الشك في عدالتها أو بطلان الأصل فيكون الشك هنا ساريا إلى أول الأمر.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الرابعة هو قيام الحجة على جواز الدخول ثم ظهر الخلاف هنا وعدم إحراز الحجة على الدخول في الصلاة هناك ويكون المجوز للدخول صرف الغفلة.

وفي جريان القاعدة وعدمه هنا أيضا خلاف فربما قيل هنا بعدم الجريان من باب انحفاظ صورة العمل وكشف الخلاف كما عن شيخنا النائيني قده وعن جملة من الاعلام والحقّ عندنا هو جريانها لأن انحفاظ صورة العمل وعدم انحفاظها لا تأثير له في كون الشك من جهة تطبيق المأمور به مع المأتي به كما هو الملاك في جريان القاعدة.

وجريانها في المقام أولى من جريانها في الصورة السابقة لإحراز جواز الدخول بواسطة الأمارة أو الأصل المحرز كاستصحاب الطهارة وان ظهر الخلاف بخلاف الصورة السابقة وحصول العلم بالخلاف له تأثير في احتمال التطبيق الّذي هو موضوع القاعدة ولا يكون ما ذكرناه مخالفا للإجماع فلا إشكال في جريان القاعدة في هذه الصورة أيضا.

الأمر الثالث عشر

في ان إجراء القاعدة في كل مورد تنطبق هل يكون على وجه العزيمة أو الرخصة فان المكلف لا يكون له الإعادة لما شك فيه بعد ما فرغ منه أو تجاوز عنه لو كان على وجه العزيمة ويكون له الإعادة لو كان على وجه الرخصة وفيه أيضا خلاف.

فقال شيخنا العراقي قده انه يكون على وجه العزيمة وادعى في مجلس الدرس الاتفاق عليه مع ظهور قوله عليه‌السلام بقوله بلى قد ركعت في ان المكلف لا يكون

٢٩٧

له البناء على عدم الإتيان ثم الإتيان بما شك فيه ولو رجاء لأنه يرجع إلى الزيادة العمدية التي توجب البطلان هذا.

ولكن يرد عليه وكنا نورد عليه ولا يقبله ان حسن الاحتياط مما لا شبهة فيه في العبادات ولو قامت الأمارة على عدم وجوبه وعليه سيرة العلماء ولذا كانوا يعيدون عبادة سنين من عمرهم والإعادة في وسط العمل للاجزاء وان كانت موجبة للزيادة ولكن لا تشملها أدلة من زاد في صلاته فعليه الإعادة فيكون مثل إعادة كلمة من الكلمات لاحتمال وقوع خلل فيها احتياطا ولا يعد هذا زيادة عندهم وليس لسان روايات الباب أيضا العزيمة بل يكون مثل ساير الأمارات والأصول المجعولة عند الشرع فتحصل ان الحق عندنا كون مفاد الأدلة الرخصة لا العزيمة.

في أصالة الصحة في فعل الغير

والبحث فيها في ضمن أمور

الأمر الأول في الدليل الدال عليها وهو الأدلة الأربعة في الجملة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل (١).

اما الكتاب فمن آياته قوله تعالى وقولوا للناس حسنا بناء على تفسيره في الكافي من قوله عليه‌السلام أي لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو ومنه قوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن إثم ومن المعلوم ان الظن السوء إثم.

واما السنة فمنها ما في الكافي عن أمير المؤمنين ضع امر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلا وغيرها من الروايات التي ذكروها في كتب الأصول وغيره.

__________________

(١) في الفرائد في هذا الفصل بيان أبسط في بعض جهات البحث فان شئت فارجع إليه

٢٩٨

وحاصل تقريبها هو ان البناء على أحسن ما يمكن ان يكون فعل الأخ المسلم يكون من جهة ترتيب الأثر العملي الفقهي على ما يفعله من العبادات والمعاملات وترك ذلك قبيح ليحصل به نظام الاجتماع.

فان قلت يمكن ان يكون الاخبار من باب بيان الوظيفة الأخلاقية لا من باب ترتيب الأثر الفقهي ألا ترى ما ورد في رواية محمد بن الفضيل من تكذيب خمسين قسامة أعني البينة العادلة وتصديق الأخ المؤمن فان تصديق الخمسين أولى من تصديق الواحد فكيف حكم عليه‌السلام بذلك فلا بد من الحمل على ان فعل المسلم ليس على ما هو ظاهر عند البينة لا على ترتيب الأثر لقول الواحد وعدم الترتيب لقول الخمسين كما عن الشيخ الأعظم الأنصاري قده.

قلت ان الظاهر من كل كلام صدر عن الشارع هو كونه في صدد بيان الحكم الفقهي والحمل على الوظيفة الأخلاقية لبقاء نظام أخلاقي في المجتمع يحتاج إلى قرينة وفي المقام حيث يكون المراد بالحمل على الصحيح هو الصحيح عند العامل لا عند الحامل يمكن ان تكون رواية الفضيل وأمثالها من هذا الباب.

واما الإجماع فالقولي منه مدركي والعملي منه وهو السيرة وبناء العقلاء على حمل فعل الغير على الصحة فيمكن الاعتماد عليه وكشف رأى المعصوم منه قطعا.

واما العقل فتقريب الاستدلال به هو انه لو لا حمل فعل الغير على الصحة لم يقم حجر على حجر وحصل اختلال النظام الاجتماعي ولزم العسر والحرج.

وفيه ان اختلال النظام يمكن ان يلزم في بعض الموارد واما في جميعها فلا والقائل بأصالة الصحة يقول بجريانها في جميع الأبواب من المعاملات والعبادات وهذا يكون دليلا في بعض الموارد فلا يتم.

واما العسر والحرج فاما ان يكونا ملاكين لجعل الحكم والمراد بهما العسر والحرج النوعيان مثل طهارة الحديد بهذا الملاك وهذا النحو في المقام يحتاج

٢٩٩

إلى دليل كما يكون الدليل الخاصّ في طهارة الحديد.

واما ان يكونا من باب الحرج الشخصي والعسر كذلك ومن المعلوم ان الحكم في مورده مخصوص بمورده ولا يمكن الحكم العام لجميع الموارد والمفروض في المقام هو القول بأصالة الصحة في جميع الموارد فالحق عدم تمامية هذا الدليل أيضا فتحصل ان بناء العقلاء مع إمضاء الشرع تام في الدلالة على حجية أصالة الصحة.

الأمر الثاني

في ان هذا الأصل هل يجري بالنسبة إلى عمل الغير فقط أو يجري بالنسبة إلى عمل نفس الشاك في صحة عمله.

فربما يقال بان الدليل الدال على أصالة الصحة ان كان بناء العقلاء والسيرة فلا يختص بعمل الغير.

وربما يقال ان قاعدة التجاوز والفراغ ان كانت مختصة بباب الصلاة والطهارة كما ورد في النص فلا بد في غيرها من جريان هذا الأصل واما على فرض التعميم لجميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات فلا احتياج إلى جريانه بل يلزم من جعله مع جعل قاعدة التجاوز والفراغ تعدد الجعل مع كون المجعول واحدا وهو البناء على صحة ما شك فيه.

والتحقيق عدم اختصاص القاعدتين بباب دون باب فلا نحتاج إلى إثبات حجية أصالة الصحة بالنسبة إلى عمل نفس الشاك نعم لو فرض وجودها أيضا لا يلزم ما ذكر من تعدد الجعل لمجعول واحد بل المجعول الواحد يكون له دليلان من الشرع وهما القاعدة وهذا الأصل ولا إشكال.

٣٠٠