مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

الأمر الثالث

في ان المراد بالصحّة التي يحمل عليها فعل المسلم هل هي الصحة عند العامل أو الصحة عند الحامل أو الصحة الواقعية فان الصحة قابلة للتقسيم كذلك.

والحق ان هذا يختلف حسب اختلاف الأدلة لحجية أصالة الصحة فان كان الدليل هو لزوم العسر والحرج واختلال النظام يكون المدار على الصحة في الواقع (١) واما الصحة بنظر الحامل أو العامل فلا يوجب الحمل عليها إصلاح النظام ورفع العسر والحرج وان كان الدليل الروايات والآيات فالمراد بها الصحة عند العامل لأن هذا هو الظاهر من قوله عليه‌السلام ضع امر أخيك على أحسنه ضرورة ان المسلم يأتي بالعمل بالنحو الصحيح عنده لا عند غيره.

ثم انه هل يكون الشرط في جريانها في حق العامل هو ان يكون عالما بالحكم والموضوع بمعنى إحرازه لشرائط العمل الّذي يأتي به أو يكفى صرف إتيانه العمل ولو لم يكن عالما بالاحكام والموضوعات فيه خلاف.

واما علمه بالموضوع فمثاله ما إذا علم الغاسل نجاسة الثوب في مقابل الجاهل بها فعلى فرض عدم لزوم العلم تجري أصالة الصحة في الغسل ولازمها الحكم بطهارة الثوب.

فربما يقال ان الدليل ان كان غير العسر والحرج واختلال النظام فلا بأس بعدم علم العامل بالاحكام كما كان كذلك في صدر الإسلام فان في سوق المسلمين لم يكن الا الإعراب الذين لم يعلموا من أحكام المعاملات الا قليلا وفي مسألة حجية

__________________

(١) أقول لا فرق بين الأدلة فانه في صورة كون الدليل العسر والحرج واختلال النظام أيضا يمكن ادعاء ان إصلاح النظام يكون بواسطة حمل فعل الناس على الصحة عندهم وكذا رفع العسر والحرج فاختلاف الأدلة غير فارق هنا.

٣٠١

اليد علل حجيتها بعدم قيام سوق للمسلمين لو لا حجيتها فصرف احتمال مطابقة العمل اتفاقا على ما هو الواقع يكفي في جريان هذا الأصل واما ان كان الدليل هو العسر والحرج واختلال النظام فلا بد من العلم بالاحكام لئلا يحصل ما ذكر (١).

هذا كله إذا لم يكن الحامل عالما بفساد عمل العامل بنظره واما إذا كان عالما بذلك مثل ان يكون العامل ممن لا يعتقد وجوب السورة في الصلاة ويكون اما ما للجماعة ويعلم المقتدي انه لا يقرأ السورة التي هي واجبة عنده اجتهادا أو تقليدا فالحق في هذه الصورة عدم جريان الأصل وان قال الشيخ الأعظم قده في بعض الموارد ان الحكم الظاهري للإمام واقعي للمقتدي فيكون له الاقتداء وان اعتقد فساد صلاة الإمام :

هذا في صورة العلم بعدم إتيانه السورة واما مع احتمال إتيانه بها احتياطا واستحبابا فيمكن ان يقال بجريان أصالة الصحة بصرف احتمال المطابقة مع الواقع كما عن شيخنا النائيني قده ومن هذا الباب كون أحد المتعاقدين في عقد واحد معتقدا بصحته بالفارسية والآخر معتقدا فساده كذلك بل العربية فيه هو المتعين عنده فعلى فرض كفاية كون كون الحكم الظاهري للغير واقعيا للطرف المقابل يكفى هنا الفارسية ولو بالنسبة إلى من يعتقد وجوب العربية فيمكن ان يكون عقد واحد مركبا من الإيجاب الفارسي والقبول العربي وبالعكس وقد قال الشيخ قده بصحته كذلك في مكاسبه.

__________________

(١) أقول مر عدم الفرق بين الأدلة في ذلك لأنه يمكن إصلاح النظام ورفع العسر والحرج ولو في صورة الجهل بالحكم لا الجهل الكلي بل الجهل في الجملة ببعض ما هو شرط الصحة عند الشرع.

٣٠٢

الأمر الرابع

في ان إحراز عنوان العمل الّذي يراد إجراء أصالة الصحة فيه لازم أم لا فمن يريد إجراء أصالة الصحة في وضوء الغير هل يجب عليه ان يحرز ان الغسل يكون للوضوء أو تجري ولو احتمل الغسل بعنوان التبريد فان العناوين القصدية يكون تحققها بالقصد فان الغسل والمسح يصيران وضوء بقصد العامل وان كان أصل الغسل والمسح مما لا يحتاج إلى القصد في صدق أصل العنوان.

وعمدة الكلام يكون في القسم الأول الّذي لا بد له من القصد وان إحرازه لازم أم لا.

فنقول البحث يكون في مقامين المقام الأول في وجه الاحتياج إلى إحراز العنوان والمقام الثاني فيما يحرز به العنوان من مشاهدة العمل فيما يمكن المشاهدة فيه واخبار المخبر فيما لا يمكن الشهود فيه لأنه لا يعلم الأمن قبل العامل اما المقام الأول فربما يقال في وجهه بما حاصله ان الصحة لا شبهة في كونها من الأوصاف والصفة فرع الموصوف فإحراز الموصوف لازم فمن أراد إجراء أصالة الصحة في الصلاة أو الوضوء يجب عليه إحراز ان الغسل يكون غسلا وضوئيا وان الحركة حركة صلاتية لأن صرف الغسل لا يكون هو الوضوء وكذلك صرف الانحناء والقيام لا يكون هو الصلاة.

وفيه ان المراد بالعنوان ان كان هو العنوان الّذي يكون مصب الأثر الشرعي فلا زال لا يمكن إجراء أصالة الصحة فيه للشك في اجتماع الشرائط ولذا نحتاج إلى إجراء الأصل فلا يحرز العنوان بهذا المعنى أبدا واما ان كان غيره فلا نحتاج إلى إحرازه أزيد مما يصدق عليه العنوان عرفا فالعبادات في ذلك مثل المعاملات فكما ان الموضوع لوجوب الوفاء هو العقد العرفي والموضوع للحلية هو البيع كذلك فكذلك الصلاة والوضوء هكذا قيل.

٣٠٣

ولكن لا يكون للعرف الدخل في الموضوعات الشرعية ولا يقاس بباب المعاملات التي تكون بيد العرف فصدق الصلاة والوضوء بنظر العرف غير مفيد لإحراز الموضوع الشرعي ولذا قيل ان إحراز الموضوع الواقعي غير لازم ويكفى إحراز كون المكلف بصدد إتيان الوضوء والصلاة وأمثالهما والّذي يسهل الخطب ان إحراز العنوان غير لازم بل صرف إحراز العمل كاف في ذلك.

ويدل عليه عمومية بناء العقلاء والسيرة ولذا ترى عدم فحصهم عن حال العوام الذين في السوق يتجرون من دون العلم بحدود الموضوع الشرعي نعم ان كان السند لهذا الأصل حمل فعل المسلم على الصلاة بمقتضى الروايات فإحراز الحدود والقيود لازم فضلا عن إحراز الموضوع وكون المكلف في صدد إتيان العمل الفلاني.

فعلى هذا نقول إذا غسل الغاسل الثوب ولم يعلم النجاسة وكان الثوب نجسا يمكن ترتيب أثر الطهارة بصرف إحراز عنوان الغسل.

ومن العجب هو ان شيخنا النائيني قده يقول بأن إحراز العنوان لازم وهكذا إحراز كون المكلف في صدد إتيان العمل بالعنوان الخاصّ مع عموم السيرة وبناء العقلاء حتى في صورة عدم إحراز العنوان والصددية فتحصل ان الملاك كون المكلف في نقش العمل لا في إحراز عنوانه.

اما المقام الثاني وهو ما يحرز به العنوان فتارة يكون في عمل الشخص نفسه لنفسه وتارة في عمل الشخص لغيره فعلى الأول صرف مشاهدة العمل كاف في إحراز كون المكلف في صدد نقش العمل (وبالفارسية در صدد نقش بردارى بودن مكلف كافى است) أو قيام البينة على إتيان العمل كذلك.

واما على الثاني فصرف إتيان العمل لا يكفى فيه لأن ظاهر حال كل عامل هو ان يكون العمل لنفسه فلا بد من إثبات كون العمل عمل المنوب عنه في النيابة أو عمل الموكل في الوكالة بإحراز كون المكلف بصدد وهذه الصددية كافية في إجراء الأصل لو شك في صحة العمل من جهة الاجزاء والشرائط.

٣٠٤

ولكن حيث ان الصددية مما لا يمكن إثباتها الا من قبل العامل فلا بد من قبول اخباره في ذلك للكبرى العامة في أن كل ما لا يعلم إلّا من قبل الشخص نفسه يقبل قوله فيه كما يكون أحد موارده اخبار المرأة بالحمل أو بالحيض لنفسه وعلى هذا لا يشترط عدالته ولا الوثوق به في ذلك فكل مخبر يكون خبره عن نفسها يقبل قوله.

والظاهر ان هذه الكبرى في مقابل كبرى البينة التي لا بد فيها من الوثوق أو العدالة ويمكن ان يستدل لذلك بان من ملك شيئا ملك الإقرار به والشخص مالك لعمل نفسه فمالك للإقرار به ولكن هذا الوجه ضعيف لأن الإقرار يصح في صورة كونه على النّفس لا لها فان إقرار العقلاء على أنفسهم جائز لا لأنفسهم ومن هنا ظهر ما في الأمر الرابع من كتاب الفرائد من إشكال القوم في الفرق بين الصلاة عن الميت والصلاة على الميت من جهة كفاية إحراز نفس العمل في الصلاة على الميت وعدم كفايته في الصلاة عنه بل يلزم إحراز العنوان في الصلاة عنه بالبينة العادلة فانهم قالوا لا فرق بينهما في ذلك وجه الظهور هو ان الصلاة على الميت إذا شك في صحتها يكون من الشك في عمل الشخص من حيث كونه عمل نفسه فيكفى إحراز نقش العمل واما في الصلاة عن الميت فلا بد من إحراز كونه في صدد ما هو نائب فيه وإلّا فالصلاة وغيرها من الأعمال يكون ظهورها الأولى في وقوعه عن قبل نفسه كما ان الزيارة تحصل بحضور الزائر عند المزور ولا يحتاج إلى شيء آخر مثل ان ينوي الزيارة عن قبل نفسه واما إذا كان نائبا عن الغير فلا بد ان يقصد ذلك الغير ليتحقق النيابة.

واما الشيخ الأعظم قده في مقام الذنب عن هذا الإشكال فقد تصدى لطريق صعب وهو ان لفعل النائب جهتين جهة كون الفعل الخارجي من الصلاة والصوم عن الغير موجبا لاستحقاق النائب للأجرة وجهة كونه مبرأ لذمة المنوب عنه فمن الجهة الأولى يكون مثل إتيان الشخص لعمل نفسه فصرف إحراز العمل كاف واما بالنسبة إلى الجهة الثانية فلا بد من إحراز كونه في صدد ذلك فالصلاة على الميت

٣٠٥

مثل الصلاة عن الميت بلحاظ الجهة الأولى لا بلحاظ الجهة الثانية ولذا يجب إحراز عنوانها بالبينة العادلة بلحاظ الجهة الثانية دون الجهة الأولى.

فتحصل انه قده قائل بعدم لزوم إحراز العنوان في الصلاة عن الميت في الجهة التي تكون منوطة بفعل المكلف من حيث اثره لنفسه وقائل بلزومه من جهة كونه سببا لبراءة ذمة المنوب عنه.

وقد أشكل عليه تلامذته جملتهم بان الجهتين طوليتان ضرورة توقف براءة الذّمّة على صحة العمل واستحقاق الأجرة فمن يستحق الأجرة مع صحته كيف لا يكون عمله كذلك موجبا لبراءة ذمة الميت.

ولكن مراده قده هو كون الجهتين عرضيتين وهما أثر لفعل واحد ويترتب أحدهما لعدم الاحتياج إلى أزيد من نقش العمل ولا يترتب الآخر للاحتياج إلى إحراز عنوان العمل (١) ومن هنا ظهر صحة التفصيل بين كون الشخص أجيرا للوضوء أو أجيرا للتوضي للعاجز عن الوضوء فانه لا يحتاج إلى إحراز العنوان في الوضوء لأنه عمله ويحتاج إلى ذلك في التوضي لأنه عمل تسبيبي ولا بد من إحراز كون النائب في صدد إتيان العمل للمنوب عنه كما عن المحقق الهمدانيّ.

الأمر الخامس

في انه لا شبهة في تقدم أصالة الصحة على أصالة الفساد في المعاملات كما انه لا شبهة في تقدمها عليها أيضا في العبادات ولكن البحث في انه هل جريانها في المعاملات يكون في خصوص الشك من ناحية شرائط السبب وهو العقد أو يعم شرائط

__________________

(١) أقول ما يستفاد من كلامه قده في الفرائد هو اشتراط العدالة أيضا في المخبر وقد أنكرها مد ظله آنفا.

٣٠٦

العوضين والمتعاقدين وشرائط المسبب أيضا؟ وهذا امر مهم له نتائج مهمة في أبواب المعاملات وتوضيحه ان الشك في الصحة والفساد اما ان يكون من ناحية السبب وهو العقد كالشك في الصحة من جهة وقوع العقد بالفارسية أو العربية التي هي شرطه على بعض الأقوال أو كالشك في الموالاة بين الإيجاب والقبول التي هي شرط عرفي وشرعي.

واما ان يكون من ناحية المتعاقدين كالشك في البلوغ الّذي هو شرط العاقد واما ان يكون من ناحية العوضين مثل كونهما مما يملك واما ان يكون من ناحية المسبب كالشك في كون البيع ربويا أو غيره.

والبحث في ذلك كله يكون في الشك من جهة الشبهة الموضوعية لا الحكمية مضافا بان الشك في الشروط يلزم ان يكون من جهة الشرائط الشرعية واما الشرائط العرفية فهي مما به قيام الموضوع والحكم لا يمكن ان يكون محققا لموضوعه فان العمومات مثل قوله تعالى أحل الله البيع وقوله تعالى أوفوا بالعقود تشمل كل ما كان بيعا أو عقدا عرفا وما ليس كذلك يكون خارجا عنها بالتخصص لأن المعاملات طرا من الأمور العرفية وان تصرف الشارع فيها من جهة عدم إمضاء ما هو مخل بنظام الاجتماع مثل البيع الربوي.

وعليه فكل مورد يكون الشك من جهة اجتماع الشرائط والاجزاء عند العرف فلا بد من إحرازها ولا يتمسك بأصالة الصحة بل يتمسك بأصالة الفساد فوزان أصالة الصحة وزان عمومات حل البيع والتجارة عن تراض ووجوب الوفاء بالعقد وهذا مما استقر عليه رأى العلمين الأستاذين النائيني والعراقي (قدهما).

فأقول ان السند إذا كان العمومات (١) فالامر كما ذكروا ما إذا كان الأصل

__________________

(١) أقول العمومات أيضا شاملة لما يصدق عليه العقد ولو بالتسامح كما هو نظره مد ظله فيما سيجيء من كفاية إحراز الموضوع ولو بالتسامح فلا فرق بينها وبين أصالة الصحة

٣٠٧

فهو أوسع من ذلك.

لأن عمدة الدليل على جريانه السيرة وبناء العقلاء ونحن نرى بالوجدان التعميم في الأسواق ضرورة انه لا يسأل عن صحة معاملة السودان وغيرهم ممن هو جاهل غالبا بالاحكام وبالشرائط العرفية أو لا يراعيها ولو كان الشك من جهة شرط عرفي يحتمل فقده في المعاملة الخاصة واما إذا كان السند العمومات فهي مختصة بصورة إحراز الشرائط العرفية.

ثم القائل باختصاص الأصل بالشرعية في العقد فقط كشيخنا النائيني قده يستدل بان الدليل على صحة هذا الأصل الإجماع والمتيقن منه هذه الصورة لا صورة كون الشك في شرائط المتعاقدين كالبلوغ أو في شرائط العوضين كعدم كونهما خمرا أو خنزيرا وصحة العقد من ناحية السبب لا تنافي فساده من جهة ساير الأركان وهذا لا يكون من جهة كون أصالة الصحة أصلا لا أمارة ليقال مثبتات الأصول غير حجة ومثبتات الأمارات حجة وهذه ليست أمارة بل من جهة ان صحة كل شيء بحسبه وصحة العقد من حيث الإيجاب والقبول غير منوط بصحته من ناحية العوضين أو المتعاقدين والنقص من هذه الناحية ليس نقصا بالنسبة إلى العقد فالشك في البيع الموجب للنقل غير الشك في سببه.

وهذا القول يكون أخذا من المحقق الثاني قده حيث قال ان الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها إلخ ما نقله عنه في الفرائد.

مضافا بأنه فرق بين الشروط الدخيلة في المالية مثل عدم كون العوضين خمرا أو خنزيرا فلا تجري فيه وبين ما كان غير دخيل مثل العلم بالعوضين فتجري فيه.

ولكن الحق عندنا هو التعميم لجميع صور الشك وليس دليلنا الإجماع فقط بل دليلنا السيرة وبناء العقلاء وهما شاملان لجميع الصور ولجميع أقسام الشروط سواء كان الشك في الشرائط العرفية والشرعية نعم إحراز العنوان العرفي بالنحو المسامحي لازم

٣٠٨

لا بالدقة فإذا أحرز البيع يعنى صورته يكفينا لجريان أصالة الصحة.

وقد صرح الشيخ الأعظم قده بذلك على فرض كون الدليل السيرة وبناء العقلاء لاختلال النظام لو لا جريانها.

فتحصل ان قولنا وقول شيخنا الأستاذ قده في جهة الإفراط والتفريط لقولنا بالجريان مطلقا وقوله بعدم الجريان الا في الشرائط الشرعية للسبب ولا أجد موافقا له ظاهرا الا المحقق الثاني والقول الوسط هو ان يقال ان الشرائط العرفية مطلقا إحرازها لازم والشرائط الشرعية مطلقا يجري فيها الأصل.

نعم لا يترتب على جريانه إلّا اثره فقط وهو صحة العقد ولا يثبت لوازمه فلو كان الشك في البلوغ وجرى الأصل لا يثبت البلوغ بحيث لو كان له أثر غير صحة العقد يترتب عليه كما انه إذا كان الشك من جهة احتمال إكراه المتعاقدين وقد جرى الأصل لا يثبت عدم الإكراه فلو فرض وجود أثر على عدمه كالنذر وشبهه لا يثبت العدم به.

فتحصل من جميع ما تقدم ان الإشكال على شيخنا النائيني قده من وجوه.

الأول ان الدليل ليس هو الإجماع فقط حتى يقول ان المتيقن منه صورة كون الشك في السبب فقط لا غير.

والثاني من جهة انه لأي دليل يجب إحراز شرائط المتعاقدين والعوضين والمسبب ولا يجب إحراز شرائط السبب حتى تجري أصالة الصحة فيه دون غيره نعم لو كان المراد هو ان الشك في غير السبب يرجع إلى الشك في الشروط العرفية بخلاف غيره والشروط العرفية في المعاملة يجب إحرازها يكون له وجه على مبنى من يقول بالاختصاص بالشرائط الشرعية ولكن لا يقول بذلك لأن ظاهر كلامه هو التعميم من جهة الرجوع إلى العرفية وعدمه.

والثالث انه على فرض رجوع شرائط غير السبب إلى الشرائط العرفية فلأي دليل يقول لا تجري أصالة الصحة في الشرائط العرفية بعد إحراز نفس العمل وصورته

٣٠٩

ولو بالتسامح.

والرابع انه يقول ان الشرط ان كان مما لا دخل له في مالية العوضين تجري أصالة الصحة فيه مثل علم المتبايعين بالعوضين فان العلم بهما لا دخل له في المالية فلو فرض جهلهما بهما أيضا تكون المالية بحالها واما ان كان له دخل في المالية مثل عدم كونهما خمرا أو خنزيرا فلا تجري أصالة الصحة فيه ان شك فيه وهذا الا دليل عليه بل ادعاء محض والحق انه لا فرق بينهما وتجري أصالة الصحة في جميع الصور من أنحاء الشك في المعاملات.

الأمر السادس

يظهر من الشيخ الأعظم في الفرائد في الأمر الثالث على حسب ترتيبه اختصاص جريان أصالة الصحة بصورة كون الأمر دائرا بين الصحة والفساد لا صورة دوران الأمر بين الصحة الفعلية والصحة التأهلية فان أصالة الصحة لا تجري ولا تثبت الصحة الفعلية.

فإذا شك في تحقق القبول بعد العلم بحصول الإيجاب من البائع فلا تقضى أصالة الصحة في الإيجاب بوجود القبول لأن القبول معتبر في العقد لا في الإيجاب وكذا لو شك في تحقق القبض في الهبة أو في الصرف أو السلم بعد العلم بتحقق الإيجاب والقبول لم يحكم بتحققه من حيث هذا الأصل وكذا لو شك في إجازة المالك لبيع الفضولي لم يصح إحرازها بأصالة الصحة.

وأولى بعدم الجريان ما لو كان العقد في نفسه لو خلى وطبعه مبنيا على الفساد بحيث يكون المصحح طارئا عليه كما لو ادعى بائع الوقف وجود المصحح لبيعه لأنه لو خلى وطبعه لا يجوز بيعه إلا بطرو مجوز وكذا الراهن إذا باع عين المرهونة وشك في إجازة المرتهن أو اذنه لذلك فان أصالة الصحة لا تثبت الاذن.

ولا يخفى ان مراده قده ليس عدم حجية هذا الأصل بالنسبة إلى ما ذكر من

٣١٠

جهة عدم حجية الأصل المثبت المعروف عندهم بل من جهة ان مجراها لا يكون إلّا في صورة الشك في الصحة والفساد لا في الصحة التأهلية والفعلية هذا.

ولكن التحقيق ان ادعاء ذلك لا دليل عليه من جهة الكبرى والصغرى اما الكبرى فلان عموم الدليل وهو بناء العقلاء والسيرة شامل لهذه الصورة أيضا يعنى الشك في الصحة التأهلية والفعلية ألا ترى انهم لا يتوقفون في ترتيب الأثر على بيع كان الشك في وجود القبول فيه بعد إحراز الإيجاب وهكذا غيره واما الصغرى فلان الأمر في ما ذكر من الأمثلة وأمثالها يدور بين الصحة والفساد بالنسبة إلى المعاملة وان لم يكن الشك في الإيجاب كذلك فتجري أصالة الصحة في كل ما ذكر.

نعم ان قلنا ان القبض في الصرف والسلم يكون من متممات العقد فحيث يكون الشك في موضوع أصالة الصحة وهو العقد بدونه فلا تجري من هذا الباب واما الشك في صحة عقد الفضول للشك في لحوق الإجازة فهو أيضا غير منطبق على المقام لأن صحة العقد بالنسبة إلى الفضول لا أثر لها وبالنسبة إلى غيره فلا إحراز للإجازة ليترتب عليه اثره.

نعم على فرض كون الإجازة في الفضولي كاشفة بالكشف الحقيقي أو بالكشف الانقلابي فيمكن ان يكون الشك في الصحة والفساد بالنسبة إلى العقد الصادر عن الفضول ولكن الّذي يسهل الخطب هو جريان الأصل بالنسبة إلى المعاملة لا بالنسبة إلى العقد الّذي هو السبب لها فإذا شك في معاملة فضولية وقعت على شيء من جهة لحوق الإجازة وعدمه فنجري الأصل في المعاملة ونصلي مثلا على فرش يكون في دار زيد مع هذا الشك ولا نتفحص عن الصحة والفساد ودليلنا السيرة وبناء العقلاء.

واما بيع الوقف مع الشك في المجوز فكذلك من جهة الشك في أصل المعاملة.

والعجب عن شيخنا النائيني قده حيث قال ان إحراز المجوز في بيع الوقف لازم من جهة ان طبع الوقف عدم جواز النقل والانتقال فيه ولا يكفى أصالة الصحة

٣١١

لترتيب الأثر مضافا بان الأصل الموضوعي هو عدم حصول المجوز للنقل والانتقال فيكون الشك في قابلية المعقود عليه لذلك والأصل عدمها.

ووجه التعجب هو انه لو لم يكن للأصل هنا مجرى لقصور دليله عن شمول المقام لا يكون تمسكه بالأصل الموضوعي موجها لبطلان المعاملة من جهة عدم جريان أصالة الصحة وان كان لها مجرى فهي متقدمة على الاستصحاب فان مثبتها حجة بالنسبة إليه ولو لم يكن كذلك بالنسبة إلى غيره.

ثم انه (قده) قد تعرض لفرع يكون من فروع عدم جريان أصالة الصحة عنده لأن الشك ليس في الصحة والفساد بل في الصحة الفعلية والتأهلية وهو ان الراهن والمرتهن لو اختلفا في وقوع البيع قبل اذن المرتهن أو بعده بعد كون وقوع الاذن مسلما بان يدعى المرتهن رجوعه عن اذنه قبل وقوع البيع ويدعى الراهن وقوعه بعده فلا يمكن ان يقال كما قيل ان أصالة صحة الاذن تقضى بوقوع البيع صحيحا ولا أصالة صحة الرجوع تقضى بكون البيع فاسدا لأن المفروض صحتهما بعد صدورهما عمن له أهلية لذلك لأن البيع لو وقع بعد الاذن يكون صحيحا ولو وقع بعد الرجوع يكون فاسدا وفساده لا يضر بصحة الاذن أو الرجوع.

والحق عدم جريان الأصل هنا لا في البيع ولا في الاذن ولا في الرجوع.

اما في البيع فلان الشك انما وقع في رضاء من له الحق وهو المرتهن وقد تقدم ان صحة الإيجاب والقبول لا تقضى بتحقق الرضاء ممن يعتبر رضاه سواء كان مالكا كما في بيع الفضولي أم كان له حق في البيع كما في المرتهن فان العين المرهونة تكون متعلقة لحقه وليست ملكه ، واما في الاذن فلان صحته تقضى بصحة البيع إذا فرض وقوعه عقيبه لا بوقوعه عقيبه كما ان صحة الرجوع تقضى بفساد ما فرض وقوعه بعده لا ان البيع وقع بعده ثم تأمل (قده) في المسألة انتهى كلامه.

والجواب عنه ما مرّ من ان أصالة الصحة لا اختصاص لها بالشك في الصحة

٣١٢

والفساد فقط ومع التسليم للكبرى فالمقام أيضا يكون من الشك في الصحة والفساد بالنسبة إلى أصل المعاملة واما تعيين كون الحق مع أيهما فهو مربوط بقوانين باب القضاء ولا يكون في وسع الأصل إثباته فالأثر المترتب على نفس صحة البيع لا إشكال في ترتبه ودليلنا عموم دليل أصالة الصحة وهو السيرة وبناء العقلاء كما مر.

فان قلت لنا في المقام استصحاب بقاء الاذن إلى حين العقد فيصح العقد بعد التعبد ببقاء الاذن.

قلت لو كان المعتبر في باب العقود نشوء العقد عن الرضا المتقدم لا يثبت هذا الاستصحاب تقدمه وعلى قرض كفاية الرضا ولو لم يكن متقدما فيمكن القول به لكون الموضوع مركبا من جزءين جزء بالوجدان وهو العقد وجزء بالأصل وهو الاذن وهو قده حيث يرى شرطية كون العقد ناشئا عن الرضا لم يعتن بهذا الاستصحاب (١).

__________________

(١) أقول هذا مثل ساير الاستصحابات في الشك في تقدم أحد الحادثين وتأخره فنقول استصحابه هذا معارض باستصحاب عدم وقوع العقد إلى حين الرجوع فان الرجوع بالوجدان والشك يكون في تقدم العقد عليه.

ولا يقال لا أثر له لأنا نقول اثره القول بالبطلان فان العقد بدون اذن المرتهن باطل فان قلت ان هذا لا يثبت وقوع العقد بعد الرجوع قلت هذا الإشكال مشترك الورود لعدم إثبات كون العقد بعد الاذن باستصحاب الاذن أيضا.

٣١٣

الأمر السابع

في عدم حجية مثبتات أصالة الصحة

وفيه خلاف فربما يقال بعدم الحجية مطلقا في اللازم سواء كانت أصلا أو أمارة وربما يقال بعدم الحجية على فرض كونها أصلا لعدم حجية مثبتات الأصول واما على فرض كونها أمارة فمثبتاتها حجة كما حرر في محله.

والحق عندنا عدم الفرق بين كون الدليل أمارة أو أصلا بل يختلف حجية اللوازم وعدمها حسب اختلاف الموارد فليس مثبت كل أمارة حجة ولا مثبت كل أصل ليس بحجة فمن الممكن ان يكون المثبت في الأصل أيضا حجة وان لا يكون مثبت الأمارة حجة.

والحق في أصل الأمر هنا هو عدم كون أصالة الصحة أمارة لأن الأمارة تحتاج إلى جهة كشف ونحن حيث نجريها حتى في صورة جهل العامل بالاجزاء والشرائط باحتمال التصادف مع الواقع فلا نقول بأماريتها لعدمها في صورة الجهل.

وكيف كان ان المستدل بعدم حجية مثبتها يحتج بأن الدليل على حجية أصالة الصحة نفسها هو الإجماع أو بناء العقلاء وهو لبي والمتيقن منه إثبات مورد الشك في الصحة لا إثبات لوازمها فلو شك في صحة عقد من حيث الشك في بلوغ العاقد نجري أصالة الصحة في العقد ولا نقول بلازم جريانها وهو الحكم ببلوغ العاقد حتى يترتب عليه آثاره التي غير هذا الأثر أيضا ولا فرق بين كونها أصلا أو أمارة اما على الأول فواضح واما على الثاني فلما مر من ان المتيقن من الأمارة هنا هو إثبات ما شك فيه من الاجزاء والشرائط بالنسبة إلى هذا العمل الخاصّ لا بالنسبة إلى غيره.

ثم ان غاية ما قيل في تقريب الأمارية هو ان أصالة الصحة في عمل الغير تكون مثل قاعدة الفراغ في عمل نفسه وقد مر ان السر فيها هو الأذكرية حين العمل فان كل عامل بمركب مرتب الاجزاء يأتي به على وفق ترتيبه ولا يتجاوز عنه بدونه

٣١٤

فيكون هذا جهة كشف في هذه القاعدة فأمضاها الشارع.

وفي المقام أيضا كذلك فأصالة الصحة أمارة من جهة ان العامل لا يتخطى عن الاجزاء والشرائط المعتبرة في العمل الّذي يكون في صدد إتيانه.

ويرد عليه بان الأذكرية تفيد بالنسبة إلى العامل إذا شك في صحة عمله واما الحامل كما في أصالة الصحة في عمل الغير فلا تفيده ولو سلم فيكون الإثبات للوجود الحيثي لا للوجود المطلق يعنى تثبت أصالة الصحة مثلا وجود صلاة الظهر المشكوك من حيث ترتب العصر عليه لا من حيث وجوده المطلق حتى لا نحتاج إلى إعادته فليست مثل الخبر الواحد في الأحكام والبينة في الموضوعات حتى نرتب عليها جميع آثار الوجود المطلق.

كل ذلك على فرض عدم جريانها في صورة الجهل بالحكم واما إذا كان العامل جاهلا به وقلنا بالجريان فلا وجه لأماريتها لعدم وجه للكشف على هذا الفرض.

هذا كله في صورة احتمال غفلة العامل عن إتيان جزء أو شرط واما في صورة احتمال الترك عمدا فيكون الدليل على صحة العمل من حيث ظهور حال العاقل المسلم على إتيان المركب على حسب وضعه ضرورة ان العاقل المسلم يأتي بالعمل على وفق الوضع ولا ينقص منه شيئا وهذا النحو من ظهور الحال وان كان له نحو طريقية وكاشفية للواقع ولكن إثبات إمضاء الشرع من هذه الجهة مشكل والمقوم للأمارية وجود الكشف والإمضاء بهذه الجهة فلا تكون أصالة الصحة في هذه الصورة أمارة.

واما على فرض احتمال الترك جهلا بالحكم أو الموضوع فقد مر عدم وجه للكاشفية حتى يقال انها أمارة بل انها أصل ومثبت الأصل غير حجة.

فتحصل من جميع ما تقدم عدم حجية مثبتات أصالة الصحة أصلا كانت أو أمارة خلافا للقدماء في الجملة.

٣١٥

فروع الشيخ قده في مثبتات أصالة الصحة

ثم ان هنا فروعا قد تعرض لها الشيخ الأعظم في الفرائد في الأمر الخامس عنده اثنان منها عن العلامة قده وواحد أسسه قده ونتعرض لما أسسه رعاية للاختصار وهو انه لو شك في ان الشراء الصادر من الغير كان بعين من أعيان ماله مما يملك أو كان بعين من الأعيان الغير المملوكة شرعا كالخمر والخنزير فان أصالة الصحة بالنسبة إلى المعاملة والحكم بصحة التصرف في المبيع بعد هذا الشك لا يلزمها القول بان البيع وقع في مقابل العين المملوكة فلو مات المشتري لا نحكم بخروج العين المملوكة عن تركته وان كان هذا من لوازم الحكم بصحة المعاملة وذلك لما مر من عدم حجية لوازم أصالة الصحة فالأصل عدم خروج العين عن ملك المورث.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني قده في الأمر الخامس في تقريره مع تنقيح منا أولا من حيث المبنى وهو عدم جريان أصالة الصحة عنده إذا كان الشك في ما هو دخيل في مالية العوضين ومن المعلوم ان الشك في خمرية الثمن أو خليته يكون من الشك في مالية أحد العوضين.

وثانيا لا بد من القول بخروج شيء عن ملك المشتري في مقابل ما أخذه من المثمن فكيف يقال بصحة البيع وخروج المبيع عن كيس البائع من دون دخول شيء في كيسه.

وثالثا ان المشتري نفسه وورثته يبتلى بعدم جواز التصرف في أمواله للعلم الإجمالي بأن عينا من الأعيان خرجت عن ملكه ولا يدرى عينها.

ولكن لا يرد اشكاله قده مبنى لأن الثمن سواء كان مما يملك أو مما لا يملك يكون مالا عند العرف والملاك في مالية العوضين هو نظر العرف لا نظر الشرع فإذا تحققت المالية بنظره يتحقق العقد الّذي هو موضوع جريان الأصل عرفا فحينئذ نقول بجريان أصالة الصحة حتى مع الشك في الشرائط الراجعة إلى مالية العوضين شرعا

٣١٦

واما ما ذكره من ان العلم الإجمالي مانع من التصرف في أموال المورث فهو لا يتم لعدم التأثير للعلم الإجمالي الّذي لا يوجب التكليف في جميع أطرافه فان الثمن لو كان في الواقع هو الخمر لا يوجب الاحتراز عن ساير الأموال لعدم خروجه عن ملكه فلا يجب الاحتياط.

واما العلم بخروج شيء عن كيس المشتري فلازمه المصالحة مع البائع في ما يكون حقه في الواقع (١) فلا محذور في القول بعدم ثبوت اللازم لأصالة الصحة لو جرت ولا إشكال في أصل جريانها أيضا.

الأمر الثامن

في بيان ورود هذا الأصل أو حكومته على الاستصحاب

والبحث في مقامين المقام الأول في تقديم أصالة الصحة على الأصل الحكمي كما في أصالة عدم الانتقال عند الشك في صحة المعاملة وفسادها والتقديم لا يكون بالورود كما في تعبير الشيخ الأعظم قده بل بالحكومة أو التخصيص والتعبير بالورود لعله يكون من اشتباه الناسخ.

والمقام الثاني في تقديمها على الأصل الموضوعي مثل الشك في البلوغ الّذي هو شرط العقد فان أصالة عدم البلوغ أصل موضوعي في مقابل أصالة الصحة فنقول.

__________________

(١) أقول وهنا علم إجمالي بان الثمن لا يكون خارجا عما في البين فان كان الثمن هو ما يملك فيكون في الأعيان وان كان مما لا يملك أيضا يكون من الأعيان فنعلم إجمالا اما بطلان العقد شرعا أو صحته شرعا.

والحكم بالصحّة وجعل الثمن من غير الأعيان امر مشكل جدا فاما ان نقول بان أصالة الصحة تثبت هذا اللازم وهو كون العوض مما يملك ونحكم بخفاء الواسطة وان كانت أصلا أو نقول بعدم جريان أصالة الصحة والقول بالصحّة وجعل الثمن خارجا عما في الخارج بعيد.

٣١٧

اما المقام الأول فقال الشيخ الأعظم قده فيه بتقديم أصالة الصحة على الأصل الحكمي من جهة ان الشك في الانتقال مثلا مسبب عن الشك في تحقق الأثر فإذا حكمنا بتحقق الأثر بحكم أصالة الصحة لا يكون للشك في الانتقال مجال فان قلنا ان مفاد أصالة الصحة هو الحكم باستجماع العقد للشرائط المعتبرة فيه تعبدا يكون التقديم بالحكومة وان قلنا ان مفادها هو الحكم بترتيب أثر الصحيح فلا محالة يحصل التعارض بينها وبين الاستصحاب لأن مفاده أيضا ترتيب أثر عدم الانتقال ولكن بعد التعارض لا يحكم بالتساقط بل يقدم أصالة الصحة ويخصص دليل الاستصحاب لأنا لم نجد موردا لم يكن في مقابل أصالة الصحة استصحاب عدم الانتقال فيلزم عدم المورد لدليلها فلا بد من تقديمها على الأصل الحكمي اما بملاك الحكومة أو التخصيص.

واما المقام الثاني وهو صورة المعارضة مع الأصل الموضوعي فللشيخ الأعظم قده كلام في المقام.

ولأجل تلامذته الميرزا محمد تقي الشيرازي كلام آخر في الحاشية وفي بعض النسخ كلامه في المتن وكلام شيخه في الحاشية وقد حصل الخلط بينهما في كلام بعض كما عن شيخنا النائيني قده وقد وقع الخلط في نسخ الفرائد ونحن وجدنا كلام كل واحد منهما من النسخة المصححة من الفرائد مستقلا ولذا ننقل كلام كل واحد منهما مستقلا ثم نحكم بين الكلامين.

اما حاصل كلام الشيخ قده ان العقد حاصل بالوجدان والبلوغ مشكوك فيه فيستصحب عدمه فيكون هنا عقد وعدم الصدور عن البالغ فيكون فاقدا للشرط ويعارضه أصالة الصحة الحاكمة بان العقد صحيح من ناحية الشرط ثم أجاب عنه بان الأثر مترتب على عدم صدور العقد عن البالغ لا على الصدور عن غير البالغ ولا يثبت بأصالة عدم البلوغ عدم صدور العقد عن البالغ الأعلى المثبت والأصول المثبتة غير حجة فتقدم أصالة الصحة بعد عدم تأثير الاستصحاب في الفساد.

٣١٨

هذا إذا كان مفاد أصالة الصحة ترتيب الأثر فقط واما إذا كان مفادها استجماع العقد للشرائط المعتبرة في العقد فهي متقدمة على الاستصحاب لأن مفاده عدم اقتضاء العقد الصادر عن غير البالغ لترتيب الأثر وهي تقتضي ترتيب أثر الصحيح ولا معارضة بين المقتضى واللااقتضاء فيكون الأصل الحكمي مقدما على الأصل الموضوعي عنده قده خلافا لجملة من الفقهاء.

وهذا كله بناء على كون أصالة الصحة أصلا من الأصول العملية واما على فرض أماريتها فلا إشكال في تقديمها على الأصول الموضوعية لحجية مثبت الأمارة فيثبت البلوغ المشكوك فيه بجريانها.

ويرد على هذا الكلام بشقه الأول وهو عدم الأثر لأصالة عدم البلوغ لأن الأثر لعدم صدور العقد عن البالغ لا لصدوره عن غير البالغ بان عدم المعلول كما يكون بعدم العلة وعدم المقتضى كذلك يكون من لوازم عدم شرط العلة والمقتضى فإذا صدر عقد ولم نحرز شرطه وهو البلوغ يكفى لعدم الأثر لهذا العقد فمقتضى أصالة عدم البلوغ بطلان العقد ومقتضى أصالة الصحة صحته فيتعارضان.

ويرد عليه بشقه الثاني بان الاستصحاب بعد كونه من الأصول المحرزة يحرز الفساد كما ان مقتضى أصالة الصحة الصحة فيتعارضان ولا يكون من مقابلة المقتضى مع اللااقتضاء فتصل النوبة إلى أصالة عدم الانتقال هذا حاصل كلام الشيخ قده مع ما يرد عليه.

واما كلام السيد محمد تقي الشيرازي فيكون حاصله هو ان الاستصحاب يوجب عدم الشرط وأصالة الصحة توجب وجوده فيتعارضان وحيث ان الاستصحاب يكون من الأصول المحرزة دونها فيقدم الأصل المحرز على غيره فينتج فساد العقد إذا كان مفاد أصالة الصحة ترتيب أثر الصحيح واما إذا كان مفادها استجماع العقد للشرائط المعتبرة فيتعارضان لكونهما في رتبة واحدة واستجود شيخنا النائيني قده كلامه قده ثم أشكل عليه بما حاصله عدم تمامية القول بالتعارض على جميع التقادير

٣١٩

والتحقيق في المقام هو ان هذا الاختلاف يكون ناشئا عن الاختلاف بين المباني في الاستصحاب وملاحظة أصالة الصحة معها وليس الاختلاف على مبنى واحد فان المباني في الاستصحاب ثلاثة الأول جعل مماثل الحكم الواقعي في مورده كما عن المحقق الخراسانيّ قده والثاني تنزيل الشك منزلة اليقين كما عن شيخنا العراقي قده والثالث تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كما عن الشيخ الأعظم قده.

ثم ان أصالة الصحة اما ان تكون أمارة أو أصلا فعلى الأمارية اما ان نقول بحجية مثبت كل أمارة أيّ أثر كان واما ان لا نقول بذلك مطلقا بل يختلف حجية مثبتها حسب اختلاف الموارد وعلى فرض كونها أصلا فاما ان تكون من الأصول المحرزة واما لا تكون كذلك.

فعلى فرض كونها أمارة وكون مثبتها حجة مطلقا فلا شبهة في التقديم على الاستصحاب على جميع المباني فيه ولعل هذا هو المراد من كلام السيد قده بشقه الثاني من جهة كون اللازم من أصالة الصحة هو استجماع العقد للشرائط لا ترتيب الأثر فقط واما على فرض عدم حجية مثبتها وان كانت أمارة أو كانت أصلا محرزا لموردها وكان المبنى في الاستصحاب تنزيل الشك منزلة اليقين فيتعارضان لإحراز الفساد بالاستصحاب وإحراز الصحة بأصالة الصحة والمرجع أصالة عدم النقل.

واما لو كانت أصلا ومفادها ترتيب الأثر فقط لا استجماع الشرائط فاستصحاب عدم البلوغ حاكم عليه.

والحاصل لا فرق في المسالك إذا كان المبنى حجية مثبتها والمعارضة أو تقديم الاستصحاب تكون بعد فرض عدم حجية المثبت وحيث كان مبنى الشيخ قده عدم حجية المثبت قال بالمعارضة في بعض كلامه.

واما على فرض كونها أمارة ومثبتها غير حجة فائضا تكون المعارضة بين مفادها ومفاد الاستصحاب.

واما على فرض كون المبنى في الاستصحاب جعل المماثل أو تنزيل المشكوك

٣٢٠