مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

عنايات كثيرة في آن واحد ألا ترى انها تتصور الموضوع والمحمول والنسبة بينهما عند الحكم ومن الضروري لزوم حضور المتحاكمين في الذهن عند الحكم ولا يمكن نسيان الموضوع أو المحمول عند الحكم ففي المقام يراد من الشيء الواقع وهو مع الشك فيه والدال عليه أيضا يفهم من قرينة الذيل للصدر ولكن في مقام الإثبات يكون خلاف الظاهر لأن الغاية غاية للصدر وتابعة له ويكون الظاهر امتداد الصدر واقعا والحمل على الظاهر يكون مع العناية فلا بد من القول بقاعدة واحدة وهي قاعدة الطهارة فقط واما الاستصحاب فلا يستفاد من الرواية لأن الظاهر من دوام الحكم هو دوام نفس حكم المشكوك واعتبار الحالة السابقة المتيقنة ثم صيرورته مشكوكا يحتاج إلى عناية زائدة كما قال الشيخ قده في الرسائل فتحصل ان الرواية لا تدل على الاستصحاب ولا على الواقع بل على القاعدة فقط وكذلك رواية كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام يستفاد منها قاعدة الحلية فقط ولا وجه للقول بان الغاية غاية الواقع الا على رأي صاحب الحدائق في خصوص الطهارة والنجاسة بأنها أحكام جعلية فلا يكون البول مثلا نجسا الا بعد العلم بالنجاسة وهو غير تام على المشهور.

تتمة في مقدار دلالة الروايات

والشك في المقتضى والرافع

فنقول قد عرفت مما مر حجية الاستصحاب في الجملة فيجب البحث في ان الحجية تكون في جميع الصور المتصورة أو في بعض الصور فقد اختلف كلمات الاعلام فربما يقال بجريانه في الأمور الوجودية دون العدمية وربما يقال بالفرق بين الموضوعات والأحكام أو الفرق بين الوضعيات والتكليفيات أو الفرق بين الشك في الرافع والشك في المقتضى كما مرت الإشارة إلى الأقسام في أوائل البحث عن الاستصحاب والمهم في المقام البحث عن التفصيل في الشك في الرافع والمقتضى والتفصيل بين الوضعيات والتكليفيات ولا نطيل البحث في ساير الأقسام

٦١

المتصورة.

فنقول قد اشتهر عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضى عن المحقق الخوانساري وتبعة الشيخ الأنصاري قده في الرسائل والناظر من إلى هذا الكلام قد جعلوا للشك في المقتضى أقساما ثلاثة وتوهموا ان الشيخ قده يريد التقسيم بهذه الأقسام مع انه قده ما جرى على قلمه يكون من باب المثال وقالوا بأن المناسب للبحث هو الثالث من الأقسام وهو الشك في استعداد الشيء لبقاء.

القسم الأول من الصور هو ان يكون أشك في المقتضى معناه الشك في اقتضاء ملاك الحكم مثل ان التغير بأحد الأوصاف في الماء يكون موجبا للنجاسة فبعده زوال هذا التغيير بنفسه بدون الاتصال إلى العاصم يكون الشك في ان الملاك هل يكون بحيث يبقى حتى بعد زوال التغيير حتى يكون الشك في الرافع أو لا يكون له استعداد البقاء حتى يكون من الشك في المقتضى.

القسم الثاني ان يكون المراد بالمقتضى هو جعل الشرع سببية شيء لشيء مثل جعل النكاح سببا لحصول علقة النكاح والطلاق رافعا لها فالشك في المقتضى هو ان يكون الشك في استعداد الجعل للبقاء حتى بعد قول القائل مقام أنت طالق أنت خلية أو برية فان كان له استعداد البقاء يكون الشك في الرافع وان لم يكن يكون من الشك في المقتضى.

القسم الثالث هو ان يكون المراد به هو استعداد البقاء لشيء بطبعه وعدم استعداده مثل الدار في البلاد الجافة فان للبناء استعداد البقاء إلّا ان يحصل رافع واما الدار على ساحل البحر فلا يكون له استعداد البقاء لأنه يكون في معرض الزوال فالشك شك في الرافع في الأول وفي المقتضى في الثاني.

ثم قالوا بان القسمين الأولين لا يمكن ان يكونا موردا البحث في الاستصحاب لأن لازمه عدم جريان الاستصحاب أصلا لعدم العلم بملاكات الأحكام وكونه قابلا للدوام أو لا الا لمن يوحى إليه ومعه لا سبيل للأصل لحصول العلم بالوحي وكل حكم

٦٢

يكون الشك فيه كذلك ولا طريق لنا لإثبات كونه من الشك في الرافع وهكذا جعل الشارع لا سبيل إلى كيفيته ليحصل العلم بأنه من الشك في الرافع أو المقتضى فالمناسب هو البحث في القسم الثالث من الموضوعات. هكذا قيل ولكن ليس مناسبا لمقتضى الصناعة فان معنى المقتضى يكون في جميع الأقسام هو مأمنه المعلول وما هو المؤثر فيه ولا فرق بين الأقسام من هذه الجهة ويكون هذا مراد الشيخ قده ولا يكون المراد تقسيمه إلى الأقسام.

ثم الدليل على عدم جريان الأصل في الشك في المقتضى على وجوه كلها غير تامة عندنا والحق جريان الاستصحاب في جميع الأقسام المتصورة فمنها هو ان ظاهر الدليل هو حرمة نقض اليقين بالشك بقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ويجب حفظ هذا الظهور. فنقول اما ان يكون المراد من اليقين اليقين الّذي يكون مرآتا إلى المتيقن أو يكون المراد هو اليقين نفسه من حيث انه صفة من صفات النّفس أو يكون المراد هو عدم نقض المتيقن فعلى فرض كون المدار على عدم نقض اليقين مرآتا عن المتيقن فلا يصدق النقض لوجهين الأول ان النقض يقال بالنسبة إلى شيء يكون له استعداد البقاء واما ما لا يكون كذلك فهو منقوض بنفسه والثاني ان المراد بالاستصحاب هو الجري العملي ولا فطرة على اتباع ما لا يكون له استعداد البقاء حتى ينهى عنه فان النهي يكون في صورة اتباع الشك في المقتضى أيضا والجواب عنه هو ان الظاهر من اليقين هو اليقين نفسه والحمل على المتيقن خلاف الظاهر.

لا يقال القرينة قائمة على خلاف هذا الظاهر لعدم الأثر على اليقين من حيث انه صفة من صفات النّفس بل اليقين بلحاظ المتيقن يكون منشأ الأثر وهو بلحاظ نفسه لا أثر له لأنه مغفول.

لأنا نقول وان كان اليقين مرآتا لافراد اليقين في الخارج وهو يكون بعض افراده منشأ الأثر بلحاظ المتيقن ولكن لا يكون كل افراده كذلك وللعبارة إطلاق يشمل جميع الافراد الصادقة من اليقين ولليقين أثر في بعض الموارد بنفسه مثل

٦٣

اليقين الّذي أخذ جزء الموضوع فان كل أثر يكون على اليقين الوجداني يكون على اليقين التعبدي بالاستصحاب فالمراد بعدم النقض هو عدمه بالنسبة إلى آثار الحاكي والمحكي فكل أثر على اليقين أو المتيقن مترتب على اليقين الاستصحابي.

لا يقال اللازم مما ذكر هو الجميع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في استعمال واحد يعنى اليقين بلحاظ المتيقن مرآة وبلحاظ نفسه مستقل فكيف ذلك مع عدم جواز استعمال اللفظ في المعنيين لأنا نقول عدم الجمع بين اللحاظين كلام عتيق وان اشتهر لأن للنفس عنايات متعددة والمثال المشهور لعناياتها في آن واحد هو تصور الحكم والموضوع في آن واحد مع النسبة الحكمية إذا قيل زيد قائم مثلا وهكذا لا إشكال ـ في الاستعمال أيضا بدال آخر (١) بل معجزة القرآن الشريف في استعمال اللفظ الواحد في الأكثر من معنى واحد وكذا فصاحته وبلاغته فان له سبعة أبطن أو سبعين بطن هذا أولا.

وثانيا ان التنزيل على قسمين قسم يكون في لسان دليل الشرع مثل ان يقال الطواف في البيت صلاة بلحاظ الأثر الّذي هو شرطية الطهارة وقسم يكون التنزيل بيد المكلف مثل مقامنا هذا فان تنزيل المشكوك أو الشك منزلة المتيقن أو اليقين يكون بيد المكلفين لا بيد الشارع في الأول يكون التنزيل بالنسبة إلى الأثر المتمشى من قبله وهنا يكون بالنسبة إلى جميع الآثار الّذي يمكن ان يكون لهذا العنوان فإذا كان المناط الجري على طبق اليقين في العمل فربما يكون الأثر على المتيقن وربما يكون الأثر على اليقين كما في اليقين الّذي يكون جزء الموضوع مثل ما إذا

__________________

(١) أقول والكلام في المقام في الدال الآخر ولم يبينه مد ظله ولا نجد في الكلام ويمكن ان يقال ليس هذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر من معنى بل إطلاق اليقين بلحاظ الافراد يوجب شموله لليقين الاستقلالي واليقين الآلي مثل استعمال لفظ العالم في أكرم العالم في جميع من يمكن صدق هذا العنوان عليه.

٦٤

قيل إذا علمت بغصبية شيء لا يجوز الصلاة فيه فإذا كان استصحاب الغصبية في مورد يكون اليقين الحاصل بالتعبد مقام العلم ويحصل جزء الموضوع.

وثالثا من المسلم بين الفقهاء هو تقديم الاستصحاب على أصالة البراءة من باب الحكومة وهو لا يمكن إلّا إذا جعل الآثار على اليقين أيضا فإذا قيل كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر فلا بد من وجدان غاية الأصل وهي العلم الوجداني حتى ينقطع أمده فلو لم يكن مفاد استصحاب النجاسة هو ترتيب أثر العلم فكيف يكون حاكما ولذا التجأ مثل المحقق الخراسانيّ (قده) القائل بأن التنزيل يكون بلحاظ المتيقن بعد عدم إمكان إرادة الحقيقة لأنه من اقرب المجازات إلى ان يقول ان المراد بالغاية هو الأعم من الواقع الواقعي أو الواقع التعبدي وبجريان الاستصحاب وان لم يحصل الواقع الوجداني ولكن يحصل الواقع التعبدي وهو النجاسة بحكم الأصل فلا مجرى للبراءة بعده ولكن لا ملزم لنا بهذا القول لأن الأثر على اليقين مترتب وتنزيل المتيقن منزلة المشكوك لا يفيد هذا الأثر.

هذا كلامنا في الدورة السابقة تبعا لشيخنا العراقي (قده) ولكن عدلنا عنه وندعي ان الغاية حاصلة ولو كان التنزيل في خصوص المتيقن فقط بيان ذلك هو ان القطع الّذي يكون الاستصحاب مقامه اما ان يكون القطع الطريقي المحض واما ان يكون القطع الجزء الموضوعي كما في مثال إذا علمت بغصبية شيء لا يجوز الصلاة فيه واما ان يكون القطع الغائي مثل قوله عليه‌السلام كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام وكل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر.

ثم لا يخفى ان لسان دليل الاستصحاب بعد النّظر إلى الأدلة الأولية هو التوسعة في الواقع مثل ما إذا كان شرط جواز الاقتداء العدالة الواقعية فان الاستصحاب يحكم بان العدالة الاستصحابية أيضا تكون مقام العدالة الواقعية أو مثل ما إذا كان شرط صحة الصلاة عدم نجاسة البدن أو اللباس ومانعية النجاسة الواقعية فيحكم الاستصحاب بوجود هذا الواقع تعبد فالنجاسة التعبدية والغصب التعبدي يكون مثل المعلوم

٦٥

وجدانا في ترتيب أثر الواقع.

فإذا كان القطع بأي قسم من الأقسام الثلاثة في لسان الدليل يكون ترتيب اثره على المعلوم كذلك مما لا إشكال فيه فما ذكرنا من الإشكالات على كون التنزيل في المتيقن لا وجه له.

فان قلت ان ما ذكرت يكون بيانا لا مكان كون التنزيل في المتيقن كالتنزيل في اليقين ولكن هذا الخلاف ظاهر الدليل فان الظاهر منه التنزيل في اليقين قلت ان الغالب هو ترتيب أثر المتيقن لا اليقين فان اثره قليل فالامر مرجح لاتباع ظهور اليقين والإنصاف ان يقال التنزيل بلحاظ اليقين والمتيقن كليهما صحيح وفطرة الفقهاء أيضا على هذا في الموارد التي ذكرت حكومته على البراءة فلا إشكال في تنزيل المتيقن أيضا.

ثم ان المراد باستحكام المستصحب ليكون الشك فيه شكا في الرافع اما ان يكون الاستحكام بالنسبة إلى اليقين واما بالنسبة إلى المتيقن فعلى الأول يكون اليقين في ذاته هو المحكم والمتقن ولو لم يكن للمتيقن استحكام والظاهر ان استحكام اليقين فقط كاف فيكون كل الموارد من الشك في الرافع فلا وجه للتفصيل بين الشك في المقتضى والرافع والنقض أيضا مما يتوجه إلى اليقين لا إلى المتيقن فان رفع الحجر عن مكانه لا يسمى نقضا والآثار كلها على اليقين لا على المتيقن فان الشخص يفر مما زعمه حية ولو لم يكن في الواقع الا حبلا من القطن فلا بد ان يقال بان النهي عن النقض مطلقا يدل على حجية الاستصحاب مطلقا ولو قلنا بأنه يجري في الشك في الرافع فقط لا يبقى له الا موارد نادرة لعدم العلم بمقتضيات الأشياء حتى يظهر الاستحكام وعدمه بل بالنسبة إلى الأحكام لا سبيل الا الوحي فالاستصحاب حجة في الشك في الرافع والمقتضى كليهما.

٦٦

في التفصيل بين الأحكام

التكليفية والوضعيّة في الاستصحاب

ومن التفاصيل المهمة في الاستصحاب هو جريانه في الشك في بقاء الأحكام التكليفية وعدم جريانه في الأحكام الوضعيّة.

وحاصل البيان عليه هو ان الاستصحاب حيث يكون من التعبدات الشرعية لا بد ان يكون له أثر شرعي ليصح التعبد بالنسبة إليه والمستصحب اما حكم شرعي أو موضوع ذي حكم والأحكام الوضعيّة لا تكون مجعولة حتى يمكن استصحابها وهذا البيان للتفصيل ساقط رأسا لأن الأحكام الوضعيّة يمكن ان تكون مجعولة ضرورة انها في اختيار الشارع ولو فرض عدم كونها مجعولة فصرف كونها في اختياره كاف لصحة التعبد بالنسبة إليها ثم لا بأس (١) ببسط الكلام في الأحكام الوضعيّة لمناسبته للمقام ولا يكون لنا مورد مستقل للبحث فيها في الأصول فنقول اما بيان مجعوليتها فبتقريبين الأول ان المقنن وهنا هو الشارع إذا رأى مصلحة نوعية أو شخصية بالنسبة إلى شيء يجعل القانون مثل قانون النظام لكل من بلغ إلى عشرين سنة في الدول والتقريب الثاني هو انه بعد ما رأى للمصلحة في شيء يحبه ويشتاق إليه مثل الحج للمستطيع وحيث يكون الحب متوجها إلى صدور هذا الفعل من غيره والغير إرادة واختيار فلا بد أن يجعل الداعي للإتيان بالوعد بالجنة والوعيد بالنار ثم يأمر وينهى وهذا ليس إلّا الجعل وهذا البيان في التكليفيات والوضعيات على نحو سواء فجعل الصلاة والحج يكون لمصلحة وإمضاء البيع بقوله أحل الله البيع أيضا عن مصلحة ولا فرق بينهما هذا على ما هو المشهور من كون الأحكام مجعولة واما على ما هو التحقيق من

__________________

(١) هذا البحث في الرسائل في ذيل بيان حجة القول السابع في الاستصحاب في ص ٣٢٩ في الرسائل الحاضر عندي وذكر هذا التسهيل الأمر على الراجع لأنه لم يرتب البحث لا على طبق الكفاية ولا الرسائل غالبا.

٦٧

ان الأحكام ليست إلّا أرادت مبرزة بحيث لو تفوه فهم الحكم من الشارع بطريق آخر يكون هو الإرادة وهي ليست من الأمور الجعلية بل من الأمور التكوينية ومع عدم كشفها بالإبراز وان لم يكن الحكم بمعنى فرمان في الفارسية صادقا عليه ولكن موضوع وجوب الامتثال ليس إلّا كشف إرادة المولى (١) ثم لتوضيح البحث عن الأحكام الوضعيّة يلزم التوجه إلى امر وهو ان الوجود اما أصيل وهو ان يكون الخارج ظرف وجوده واما انتزاعي وهي ما يكون لفظه في التعبير بلسان العربي مذيلا بكلمة (يت) أو (وة) مثل فوقية وزوجية وجزئية وكلية ومثل أبوة وبنوة ويكون الخارج ظرف خارجيته لا وجوده وهو المعقول الثاني واما ان يكون اعتباريا مثل البيع والشراء والضمان والملك على المشهور وفرقه مع الانتزاعي (٢) هو ان منشأ الانتزاع فيه موجود ولو لم يكون في العالم لاحظ فان الفوق

__________________

(١) أقول موضوع وجوب الامتثال وان كان كشف الإرادة الإلزامية ولكن هذا مع تسليمه مد ظله بان الحكم لا يصدق عليه لعله غير مراد للقائلين بان المجعول هو الحكم بل حيث رأوا انه لا طريق في العرف وفي القوانين المدونة في الدول الا بالإبراز بكتابة أو لفظ أو غير ذلك وفي الشرع أيضا غير ممكن الا للأنبياء بالوحي وإبرازه بواسطة مثل جبرئيل قالوا بان الحكم هو الإبراز وهو امر غير الإرادة وان كان ناشئا منها وما ذكره مد ظله تبعا لشيخه العراقي قده وان كان متينا في الواقع ولكن الكلام على ما هو المتفاهم من عنوان البحث هو هذا المعنى من حيث الصدق العرفي ومع عدم دخله في وجوب الامتثال وعدمه ومع عدم الفرق بين الأحكام الوضعيّة والتكليفية لا ثمرة في النزاع.

(٢) أقول ما في كلامه مد ظله من ان الانتزاعي يكون الخارج ظرف خارجيته الا نفهمه وما وجدنا في كلام أهل الفلسفة هذا التعبير فان الخارج اما ان يكون ظرف وجود الشيء أو لا يكون الشيء فيه بل في الذهن فقط وما لا يكون له ما بإزاء في الخارج يكون هو المعقول الثاني باصطلاح المنطقيين وهو في اصطلاح أهل الفلسفة يطلق في الأعم من ذلك كما حرر في ومحله والمعقول الثاني معناه ما يعقل ثانيا وفي أمثال ما ذكره من الانتزاعيات لا يكون ـ

٦٨

يكون في الخارج وله الفوقية بخلاف الاعتباري فان وجوده قائم بوجود اللاحظ وهو من له الاعتبار.

فإذا عرفت ذلك فنقول ما هو المشهور من ان الأحكام الوضعيّة اعتبارية كلام عتيق لأن الملكية إذا اعتبرت لشخص عند البيع تكون من افعال النّفس وكذلك الملك فان الخارج ولا يكون فيه إلا الدار والفراش وأمثال ذلك وليس لنا مقولة تسمى بالملك في الخارج ولا يكون امرا اعتباريا وان قلت انه من صفات النّفس أيضا على الاختلاف فيه فلا يضر فانه سواء كان فعلا أو صفة يكون امرا وجوديا وما يقال من ان اعتبار يكون في الوعاء المناسب له فلا محصل له لأنا لا نجد له وعاء فهل كان وعائه مثل جابلسا وجابلقا غير معلوم وفي باب الضمان كسر كأس الغير امر شخصي خارجي ويكون موضوعا لحكم الشرع بالضمان فليس لنا امر مجعول هو الضمان أو الملكية أو الملك ليكون هو الاعتبار بل لنا واقعيات يترتب عليها الأثر وتكون مخلوقات للنفس مردودات إليها ثم الأحكام الوضعيّة على ثلاثة أنحاء كما ذكره المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية وفي الحاشية على الرسائل.

__________________

ـ له ما بإزاء في الخارج ولا حقيقة له الا في صقع الذهن فلو لم يكن عاقل ولاحظ لا يكون الوجود الانتزاعي في صقع فان منشأ الانتزاع مثل الفوق والتحت يكون في الخارج اما الفوقية والتحتية لا تكونان شيئا في الخارج فكيف يقل مد ظله هذا فرق مع الاعتباري فان منشأ الانتزاع من الوجود الأصيل ومن القسم الأول والخارج ظرف وجوده ولا فرق مع عدم وجوده في الخارج بينه وبين الاعتباري واما ما يقول مد ظله من ان الملك وأمثاله من الاعتباريات فيكون في صقع النّفس من صفاته وأفعاله ولا يكون له الوعاء في الخارج بعدم الوجدان فقط استبعاد محض ولكن فرقه مع الانتزاعي هو ان هذا الا يكون له منشأ انتزاع أصلا بل هو في النّفس والانتزاعي وان كن في النّفس ولكن يكون مستقلا بالاعتبار وان لم يكن لهما خارج.

٦٩

النحو الأول

ما لا يكون قابلا للجعل لا مستقلا ولا بتبع التكليف ، الثاني ما يكون قابلا له بتبع التكليف لا غير والثالث ما يكون قابلا للجعل ابتداء وبتبع التكليف أيضا.

اما النحو الأول فهو مثل السببية والشرطية والمانعية والرافعية المنتزعة من السبب والشرط والمانع والرافع بالنسبة إلى التكليف والدليل على عدم إمكان الجعل بالنسبة إلى ما ذكر من التكليف هو ان التكليف متأخر ذاتا عما هو سبب لجعله وما هو المتأخر ذاتا كيف يمكن ان يكون منشئا لانتزاع ما هو المتقدم ذاتا فان السبب مقدم بتقدم العلة على المعلول وهكذا الشرط والمانع والرافع فمثل الدلوك إذا كان سببا لوجوب الصلاة والاستطاعة سببا الوجوب الحج فلا بد ان يكون السببية بينهما قبل ذلك ضرورة الارتباط بين العلة والمعلول والمناسبة ولا يكون كل شيء سببا لكل شيء حتى يكون النار علة للبرودة والماء علة للحرارة فاما ان يكون هذه السببية والربط قبل الجعل أو لا تكون فان كانت فلا يكون الجعل سببا لانتزاعها وان لم تكن فلا يكاد يمكن ان يجعل هذا الشيء سببا فلا يمكن انتزاع السببية من الجعل تكوينا فان الله تعالى ما جعل المشمشة مشمشة بل أوجدها كما عبر بذلك أهل الفلسفة.

أقول السببية والمسببية من المتضايفين ولا إشكال في ان طرفي التضايف في رتبة واحدة ومن المعلوم ان ما هو المقدم هو ذات السبب لا سببيته ولذا لا يكون مجعولا بجعل شرعي بل مجعول بجعل تكويني واما السببية فهي مخلوقة للنفس مردودة إليها وانتزاعية من جهة توجه التكليف بالمسبب ولذا يقول الشيخ قده بانتزاعيتها فقد ظهر ان كلام المحقق الخراسانيّ قده متين من جهة التقدم في التكوين وغيره متين من جهة إنكار الانتزاع.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال بان المحقق الخراسانيّ قد خلط بين سبب الجعل

٧٠

وسبب المجعول لما في نظره قده من ان الدلوك مثلا سبب لداعي جعل المولى لا سبب لوجوب الصلاة وهو المجعول والكلام يكون في سبب الجعل لا في سبب المجعول ومن المعلوم ان سببية المجعول متأخرة عن الجعل والحاصل انه قده يقول بان ما يكون سببا تكوينا هو سبب الجعل واما سبب المجعول فليس كذلك.

والجواب عنه قده ان الجعل والمجعول مثل الإيجاد والوجود لا يكون الفرق بينهما إلّا باعتبار وهما واحد في الواقع ولا ينفك سبب الجعل عن المجعول فيكون الخلط في كلامه قده لا في كلام المحقق الخراسانيّ (قده) فوجوب الصلاة وان كان مجعولا في الشرع ولكن دخل الدلوك فيه يكون من التكوين.

النحو الثاني من أنحاء الوضع وهو الّذي لا يمكن انتزاعه إلّا بتبع الجعل فهو مثل جزئية شيء للمأمور به فانه من الضروري ان جزئية شيء للمركب المأمور به يلزم ان يكون بعد الأمر به واما قبله فلا يكون الجزء متصورا حتى ينتزع الجزئية ولا يكون الجعل المستقل متوجها إليه وكذلك الشرطية والمانعية للمأمور به لا للأمر وقد فصل شيخنا العراقي قده في المقام أيضا بأن دخل الشرط والمانع في المأمور به تكويني لا ينوط بالجعل بخلاف الجزء فان الجزئية منتزعة عن التكليف بالمركب وفيه ان هذا خلط عجيب فان الشرائط والموانع للمأمور به أيضا لا يكون إلّا بعد توجه التكليف بالمركب وبعد جعل الشرع هذا مانعا وذاك شرطا فان الانتزاع يكون بعد الجعل وقبله لا معنى لشرطية شيء لشيء فهذا الكلام لا وجه له.

النحو الثالث وهو ما يكون قابلا للجعل ابتداء وتبعا للتكليف مثل الحجية والقضاوة والولاية والزوجية والملكية.

أقول الأقوال في الاعتباريات طرا ثلاثة ولنا قول رابع الأول هو ان تكون وجودات ادعائية تنزيلية فكما يكون للشخص جدة حقيقية كالتلبس والتعمم كذلك يعتبر في مثل الملكية بالنسبة إلى الأراضي وساير ما ينقل وما لا ينقل وكذلك ينزل التحجير منزلة سبب الجدة الحقيقة وأثر هذا التنزيل القلب والانقلاب بالنقل والانتقال بالأسباب

٧١

الشرعية مثل البيع والإجارة وكذلك ساير العناوين مثل الملكية فان أثر الحجية والقضاوة كذلك يعتبر بلحاظها المناسب القول الثاني هو ان تكون الاعتباريات طرا لها وعاء اعتبار في الخارج بان يوجد في الخارج بعد إجراء الصيغة مثلا أو بعد نصب الإمام عليه‌السلام في الولاية من قبله عليه‌السلام شيء في الخارج فيكون لها واقع اعتباري لا ان تكون ادعاء محضا كالأول والقول الثالث عن الشيخ الأعظم (قده) وهو ان تكون الملكية وغيرها من الأحكام الوضعيّة انتزاعية من التكاليف الشرعية مثل انتزاع الملكية عن تكليف الشرع بأنه يجوز التصرف وانتزع عدمها من قوله لا يجوز التصرف فان جميع الوضعيات عنده قده منتزع من التكليفيات.

وقال المحقق الخراسانيّ (قده) ان الوضعيات طرا قابلة للجعل الابتدائي والوضع يكون منتزعا من التكليف فما صار ملكا يجوز التصرف فيه ومن صار قاضيا يجب اتباع حكمه والقول بان الوضع منتزع من التكليف يكون عنده من تبعيد المسافة والشاهد على هذا هو وجود الضمان للصغير أيضا مع عدم التكليف مضافا بان ما يقصد في المعاملات هو حصول الملكية ويكون السبب وهو العقد سببا لها ولا يكون الأحكام مثل يجوز ولا يجوز باختيار العاقد ليكون هو المقصود بالإنشاء.

ولكن يمكن الجواب عنه بان الشيخ قده وان كان يقول بان الوضع منتزع من التكليف ولكن يكفى التكليف بعد البلوغ لحصول الضمان قبله فان التكليف البعدي كاف كما يقول في ضمان التالف بان البدل له يجب ان يكون بحيث يفرض التالف كأنه لم يتلف ولذا يختار قيمة يوم التلف في القيميات واما القول بان الحكم لا يكون في العقد باختيارنا فيكون له ان يقول ان ما هو باختيارنا ويكون منشئا للحكم هو العقد وهو السبب والحكم يتبعه وما هو اختياري بمنشئه يكون اختياريا فلا إشكال عليه من هذه الجهة ويرد على القول بوجود الوعاء المناسب بان وجود وعاء الاعتبار في الخارج كلام عتيق فانا لا نجد شيئا الا اعتبار الشخص وهو صفة أو فعل للنفس والعقلاء يعتبرون هذا الاعتبار في الملكية وهو أيضا صفة أو فعل لأنفسهم والكل تكوين ولا دليل

٧٢

على وجود شيء وراء ذلك فالأقوال صارت أربعة تنزيلية الاعتباريات ووجود الوعاء لها في الخارج وانتزاعيتها والقول بأنها من التكوينيات ولا وعاء لها في الخارج هذا في الملكية (١).

ومن الوضعيات الولاية والقضاوة

وهي على قسمين الأول الحكم الكلي على الموضوع الكلي مثل جعل الحكم لمن روى حديثهم عليهم‌السلام والثاني ان يكون على الموضوع الشخصي مثل جعل أبان بن تغلب قاضيا وكل من نصب من قبل الإمام عليه‌السلام بشخصه وعلى أي تقدير اما ان يكون النصب لهذا المقام اخبارا عن رقاء النّفس وقابلية الشخص لهذا المقام كما يكون لنفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام رقاء وعلو وشرافة يوجب كونهم كذلك فيكون من الأمور التكوينية لا مجعولة وهذا هو الحق عندنا ولو فرض الجعل بالنسبة إلى هذا المقام باعتبار الفقيه قاضيا فائضا نقول بان الاعتبار كذلك أيضا تكوين من التكوينيات ولكن الشيخ الأعظم قده يقول في المقام أيضا بالانتزاع فمن جواز تصرف الفقيه في أمور المسلمين يفهم انه يكون واليا عليهم ومن يقول بوجود الوعاء المناسب لذلك

__________________

(١) أقول ما يكرره مد ظله في هذا المقام من ان الاعتبار تكون لا أظن ان ينكره القائلون بالانتزاع وبالوعاء المناسب فان الاعتبار في مقابل التكوين بهذا المعنى هو العدم ولا يقول القائل بالجعل انه عدم والقائل بالوعاء المناسب ما صرح بان الوعاء المناسب أي شيء هو فمن الممكن ان يكون هو أذهان العقلاء بعد اعتبار المتبايعين أو سائرها ما يعتبر بنوعهم ولذا يزول الاعتبار عن نفس المعتبر بموته أو باعتبار عدمه ولكن لا يزول من نفس العقلاء وكل من جعل للاعتباريات حدا من الوجود من أهل الفلسفة أيضا لا ينكر تكوينها نعم الخارج الّذي لا يكون في أذهان العقلاء لا نجد إليه سبيلا ولم يبين مد ظله وجه تضعيف قول الشيخ الأعظم في الانتزاع ويلزم زيادة توضيح لرده كما قد يتشبث لرده بان ما ورد من انه من حاز ملك يكون ظاهرا في ان الحيازة سبب التمليك لا ان التكليف سبب الوضع.

٧٣

أيضا في الخارج فكلامه أيضا غير تام لعدم الدليل عليه فان الخارج لا يكون إلا رقاء النّفس أو نفس اعتبار المعتبر.

ومن الوضعيات الحجية

وهي يختلف المشارب فيها حسب اختلاف المباني في الأمارات فان حجية الأمارة اما ان تكون من باب تنزيل الظن أو الشك منزلة العلم من باب تتميم الكشف فهي واسطة في التنجيز واما ان تكون من باب تنزيل المؤدى منزلة الواقع فهي واسطة في التكليف والأقوال فيها ثلاثة قابليتها للجعل ابتداء كما عن المحقق الخراسانيّ قده وعدم قابليتها له رأسا بل ادعاء ومجعوليتها بتبع جعل التكليف والحق هو القول الثاني وهو عدم المجعولية بل هي امر ادعائي تكويني واما مقالة الشيخ قده بأنها تابعة للتكليف فتكون من تبعيد المسافة وكذلك القول بوجودها مستقلا والعجب عن القائل بتنزيل المؤدى في باب الأمارات وقوله بالمجعولية الاستقلالية.

ومن الوضعيات الصحة والفساد

والحق فيهما أيضا عدم المجعولية لأن الصحة بمعنى التمامية والفساد بمعنى عدم التمامية وهذا يختلف باختلاف والأغراض بالنسبة إلى شيء ما فان الصلاة مثلا صحتها وتماميتها بان تكون معراجا للمؤمن وفسادها بخلافها وهذا امر تكويني لا جعل فيه وهكذا لو كان المراد بالصحيح مطابقة المأمور به مع المأتي به فان المطابقة امر تكويني عقلي محضا ولا جعل فيه فالبحث عن المجعولية لغو إلّا انه ربما يقال بوجه يمكن البحث عن الجعل وهو ان قاعدة الفراغ أو التجاوز في الصلاة إذا كانت جارية وكان معناها تمامية الصلاة لا العفو عن الجزء الفائت فعليه لا يكون مطابقة المأمور

٧٤

به مع المأتي به ولا يكون الغرض حاصلا إلّا ان الشارع جعل الصحة بالنسبة إلى هذا العمل فهذا الوجه من الصحة يمكن ان يقال انه جعلي ولكن على ما هو التحقيق ان هذا النحو من التنزيل أيضا يرجع إلى التكوين وفرض الناقص تاما بوجه من وجوه المصلحة فالصحة والفساد أيضا ليسا جعليين.

ومن الوضعيات الوكالة والنيابة وهذان الأمران أيضا يكون الكلام فيهما كالكلام في غيرهما من ان التحقيق عدم الجعل فيهما واعتبار السلطنة للغير يكون من الأمور التكوينية ولا يكونان انتزاعيين ولا انهما في وعاء الاعتبار المناسب لهما واما الفرق بينهما فربما قيل بأن الوكالة هي التنزيل في البدن والنيابة هي التنزيل في العمل وربما يقال بالعكس فعلى فرض كون الوكالة هي التنزيل البدني لا يحتاج الوكيل في المعاملة إلى ذكر الموكل لأنه هو هو تنزيلا ولذا لا يصح الوكالة عن الميت بل في حقه يتصور النيابة لأنها هي التنزيل في البدن وكيف كان فإثبات كونهما تنزيلا في العمل أو في البدن منوط بالفقه وما نحن بصدده في المقام هو عدم المجعولية على التحقيق وان كانتا من الأمور الوضعيّة.

في نتيجة البحث عن الأحكام الوضعيّة في الاستصحاب

فنقول إذا عرفت ما قدمناه من تعريف الأحكام الوضعيّة فاعلم ان البحث عن المجعولية وعدمها كان من جهة توهم جريان الاستصحاب على فرض كونها مجعولة وعدم جريانه على فرض عدمها فقال المحقق الخراسانيّ (قده) بعدم جريان الاستصحاب في النحو الأول وهو ما لا تناله يد الجعل من السببية والشرطية للأمر مثل الدلوك والاستطاعة لأن الأثر الشرعي للتعبد مفقود هنا لأن الدخل تكويني فاما ان يكون أولاد.

ولكن يمكن الجواب عنه بأنه إذا شككنا في كيفية دخل الدلوك أو الاستطاعة يمكن استصحابه لأن أصل الدخل قد ورد من الشرع وهذا يكفى في التعبد بالبقاء

٧٥

ولو لا ذلك يجب عدم جريان الاستصحاب في مورد في الموارد إذا شك في الموضوع لتغيير بعض الخصوصيات ومن العجب انه قده يقول في المقام بان ترتيب الأثر على المستصحب يجب ان يكون شرعيا وحيث لا يكون الترتب هنا الا عقليا لا يجري الاستصحاب ومع ذلك يلتزم بجريان استصحاب بقاء الاجتهاد أو بقاء الأعلمية لترتيب الأثر الّذي هو جواز التقليد مع ان الترتب فيهما أيضا يكون من العقلي لا الشرعي مع ان الإشكال في ذلك أقوى من المقام لكون وجوب تقليد المجتهد والاعلم من العقليات المحضة وحل الإشكال فيه لا يكون بهذا النحو.

هذا كله في جريانه بالنسبة إلى السببية والشرطية واما بالنسبة إلى السبب والشرط فلا إشكال في الجريان وهو قده يكون مراده عدم الجريان في الأول دون الثاني واما جريانه في النحو الثاني وهو الشك في شرطية شيء للمأمور به أو مانعيته أو قاطعيته فلا إشكال فيه لأن امر الوضع والرفع فيه بيد الشرع وهكذا في النحو الثالث سواء قلنا بانتزاعية الاعتباريات أو وجود الوعاء المناسب لها أو التكوين فجريان الاستصحاب في جميع الوضعيات مما لا إشكال فيه على التحقيق.

فصل في تنبيهات الاستصحاب

وهي مما قال بعض أهل العلم بالنسبة إليها انها مما به ماء وجه الاستصحاب فزينة الاستصحاب تنبيهاته التنبيه الأول في انه يعتبر فيه ان يكون الشك واليقين فيه فعليا فغير الملتفت لا يجري في حقه الاستصحاب لأنه وظيفة قررت للشاك فانه وان كان على تقدير الالتفات في حقه الاستصحاب ولكن لا يكفى اليقين والشك التقديري ولذا يحكم بصحة صلاة من كان محدثا ثم غفل وصلى ثم شك في صحة صلواته من باب عدم العلم بتحصيل الطهارة قبلها فانه لو كان ملتفتا قبل الصلاة كان له استصحاب الحدث ولكن بعدها يشملها قاعدة الفراغ وقد مر البحث عن هذا التنبيه في صدر الاستصحاب فلا نعيد.

٧٦

التنبيه الثاني في أنه هل يكفى في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته وان لم يحرز ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا وفيه خلاف ولذا وقع الإشكال في استصحاب الأحكام التي قامت الأمارة المعتبرة على مجرد ثبوتها فان اللازم هو استصحاب مفاد الأمارة لو كان له واقع ولا علم وجدانا بالبقاء وهكذا يكون الخلاف في استصحاب مفاد الأصول المحرزة وغير المحرزة والحق جريانه على ما هو التحقيق من المبنى في الاستصحاب وفي الأمارات.

فنقول وبالله الاستعانة البحث في هنا في مقامات ثلاث.

الأول في جريانه في مفاد الأمارات فنقول ان في أصل حجية الأمارات ثلاثة مبان تتميم الكشف وتنزيل المؤدى وجعل الحجية والأول هو التحقيق وفي حجية الاستصحاب مبنيان تنزيل الشك منزلة اليقين وتنزيل المتيقن منزلة المشكوك فعلى القول بتتميم الكشف في الأمارات يكون مؤدى الأمارة كالمعلوم لأن الظن إذا ألقى احتمال خلافه يكون كالعلم ودليل الاستصحاب يدل على حرمة نقض اليقين بالشك فمن قامت الأمارة عنده يكون له العلم التعبدي فنزل الشك في الواقع منزلة العلم بحكم الاستصحاب بعد حكومة الأمارة عليه لأن الظاهر من اليقين اليقين الوجداني بالواقع الواقعي كما هو الظاهر من كل عنوان أخذ في لسان دليل فإذا قيل أكرم العلماء تكون الجملة ظاهرة في الإكرام الواقعي بالنسبة إلى العالم الواقعي فإذا نظرنا إلى دليل الأمارة نرى التوسعة بالنسبة إلى اليقين فان اليقين التعبدي أحد افراد اليقين عند الشرع فلا يجوز نقضه فجريان الاستصحاب لا إشكال فيه.

واما إذا كان المبنى في الاستصحاب هو تنزيل المتيقن منزلة المشكوك وكان مفاد الأمارة حصول اليقين تعبدا فلا إشكال في جريان الاستصحاب أيضا لأنه وان كان مفاد الأمارة هو اليقين والنهي عن النقص يكون بالنسبة إلى المتيقن ولكن حيث لا يكون اليقين في باب الأمارات حجة من باب الصفتية بل من باب المرآتية ويكون المراد ترتيب أثر المتيقن فلا إشكال في جريان الاستصحاب أيضا فيستصحب

٧٧

الطهارة التي قامت الأمارة عليها بعد الشك فيها والحاصل لو قلنا بتتميم الكشف وحصول العلم التعبدي في باب الأمارات فيكون العلم طريقا فيحرم نقض المتيقن بحكم الاستصحاب.

ثم قال شيخنا النائيني قده بان اليقين الّذي يحرم نقضه يمكن ان يكون مطلق المحرز مع قوله بتتميم الكشف في باب الأمارات فمن قامت الأمارة عنده يكون محرزا للواقع فيترتب عليه اثره الأعم من المتيقن أو اليقين ويحرم نقض المحرز.

ولكن (١) يرد عليه ان الظاهر من اليقين هو اليقين الوجداني بالواقع الواقعي وإرادة الإحراز منه خلاف الظاهر كما هو شأن كل عنوان أخذ في لسان دليل مضافا بان لازم هذا ورود الأمارات على الاستصحاب لا حكومتها لأن الإحراز التعبدي حاصل بالوجدان بعد قيام الأمارة.

هذا كله على فرض تتميم الكشف في باب الأمارات اما على قول الشيخ القائل بتنزيل المؤدى فيشكل جريان الاستصحاب على المسلكين فيه يعنى تنزيل الشك منزلة اليقين كما هو التحقيق وتنزيل المشكوك منزلة المتيقن على ما هو رأى الشيخ قده لأن معنى تنزيل المؤدى هو ترتيب أثر الواقع على مؤدى الأمارة.

__________________

(١) أقول ما صار موجبا لهذا القول من هذا التحرير هو ندرة اليقين الوجداني بالواقع الواقعي في الشرعيات ومع هذا يمكن ان يقال يكون اليقين ظاهرا في مطلق المحرز فكلامه قده ليس ببعيد عن الحق لو لم نقل انه المتعين ولا إشكال في القول بالورود وو القول بحكومة الأمارات على الاستصحاب يكون على حسب المشهور ثم لا يخفى انه على فرض تنزيل المؤدى وعلى فرض جعل الحجية إطلاق المحرز أيضا فيه تسامح لأنه ليس لنا إلّا ترتيب أثر الواقع بدون لحاظ الإحراز فالتعبير الصحيح ان يقال مطلق قيام الدليل والحجة على الواقع يكفى أو مطلق المنجز يكفى.

٧٨

ولا يكون هذا يقينا ولا متيقنا ليمكن ان يصير النقض متوجها إليه فلا يقين ولا متيقن لا وجدانا ولا تعبدا ويمكن توجيه الاستصحاب في المقام على فرض كون المبنى فيه تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بطريقين الأول ان يقال ان من آثار الواقع هو حرمة نقضه بالشك فكذلك إذا كان التعبد ببقائه مثلا لو كان لنا واقع الطهارة لكان نقضها بالشك منهيا عنه فإذا كان التعبد بترتيب أثر الواقع على مؤدى الأمارة يحرم نقضها بواسطة الشك لأنه كالواقع.

والطريق الثاني ان يكون المراد باليقين في دليل الاستصحاب هو مطلق المحرز الأعم من اليقين والمتيقن فما قامت الأمارة عليه يكون عليه المحرز ويحرم نقضه لأنه محرز وهذا الطريق يرد عليه ما مر عن شيخنا النائيني (قده) بأنه خلاف ظاهر اليقين ولازمه ورود الأمارات على الاستصحاب مع قولهم بالحكومة.

واما على مبنى المحقق الخراسانيّ (قده) القائل بجعل الحجية في باب الأمارات بمعنى المنجزية لو أصابت الواقع والمعذرية لو لم تصب فعدم جريان الاستصحاب على حسب مبناه متين لعدم توسعة دليل الأمارة في اليقين ولا في المتيقن حتى يكون دليل الاستصحاب شاملا لموردها إلّا ان يقال ان المراد باليقين هو ما قام عليه الحجة فمؤدى الأمارة قامت الحجة عليه فيستصحب ولكن هذا خلاف الظاهر.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) على حسب مبناه صار في صدد بيان جريان الاستصحاب وله بيان في الكفاية وبيان في الحاشية على الرسائل اما بيانه في الكفاية فهو ان مقتضى دليل الاستصحاب جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء فعدم نقض اليقين بالشك يدل على ان ما علم حدوثه يكون باقيا فإذا حصل العلم بنجاسة شيء ثم شك في زوالها تحكم الملازمة بوجودها وحيث ان وجودها واقعا أو بالأمارة يكون من لوازمها العقلية نجاسة ملاقيها فلا إشكال في القول بترتيب اللازم لأن مثبت الأمارة حجة.

٧٩

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني (قده) أولا بان جعل الحجية على حسب مبناه قده لا معنى له الا كون مفاد الأمارة منجزا عند الإصابة ومعذرا عند الخطاء والمنجزية والمعذرية مما لا تنالها يد الجعل فانها اما واصلة إلى الواقع أولا فلا يمكن جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء وعلى فرض تتميم الكشف حيث تكون الأمارة وسطا في إثبات الحكم يمكن جعل الملازمة.

وفيه ان هذا الإشكال يرجع إلى المخالفة في المبنى في باب الأمارات ولكن لا وجه له لأن مراد المحقق الخراسانيّ (قده) ليس مجعولية المعذرية والمنجزية حتى تكونان غير قابلتين للجعل بل مراده مجعولية الحجية كما ان الملكية والوكالة والنيابة أيضا مجعولة على حسب المشهور عند العرف فمبدؤهما إذا كان مجعولا وهو الحجية كفى هذا أولا وثانيا الوسطية في الإثبات أيضا تكون من التكوينيات ولا تنالها يد الجعل فإشكاله قده وارد عليه أيضا.

وقد أشكل عليه ثانيا بأن الملازمة التي يريد إثباتها بدليل الاستصحاب غير مجعولة لأنها أيضا من الأمور التكوينية وفيه ان الملازمة بين اللازم والملزوم الواقعي غير مجعولة واما الملازمة الظاهرية يعنى الحكم بالملازمة مما تناله يد الجعل والمراد جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء بحكم الشرع فلا يرد عليه قده إشكال شيخنا النائيني (قده) بوجه بل الإشكال عليه هو ان مفاد لا تنقض اليقين بالشك يكون حرمة نقض اليقين بالشك ولا يكون المفهوم منه جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء فانه خلاف الظاهر.

فان قلت الأمارة القائمة على المستصحب حجة وحرمة نقض الحجة تلازم القول بالملازمة بين الحدوث والبقاء قلت إرادة الحجة من اليقين خلاف ظاهره فانه ظاهر في العلم والقطع بشيء.

فان قلت يكون المراد من اليقين الأعم من الوجداني والتعبدي والحجة فلا إشكال في إرادة الحجة منه قلت لو كان الأمر كذلك لا نحتاج إلى جعل الملازمة

٨٠