مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

بالنسبة إلى جميع الصلوات يعلم بأن إحدى القواعد كانت خلاف الواقع وهو لا يضر (١).

في استصحاب الكلي في القسم الثالث

وهو أن يعلم بوجود الطبيعي في ضمن فرد وقد علم زوال هذا الفرد ولكن لا يعلم ان الطبيعي هل هو باق في ضمن فرد آخر أم لا وهذا على ثلاثة أقسام.

الأول ان يكون العلم بالطبيعي في ضمن فرد ثم علمنا بزوال الفرد واحتملنا حدوث فرد آخر بعد زوال هذا الفرد مثل صورة العلم بوجود حيوان في الدار في ضمن زيد ثم علمنا موته ولا نعلم انه هل جاء عمر وفي الدار بعد موته أم لا الثاني ان يكون العلم بوجود الطبيعي في ضمن الفرد مع احتمال ان يكون معه فرد آخر حين وجوده ثم بعد زواله نشك في أن الكلي هل بقي في ضمن فرد آخر أم لا.

والثالث ان يكون الفرد من الافراد القابلة للتشكيك والمرتبة وعلمنا بوجود الطبيعي في ضمن الفرد الشديد ثم علمنا بزوال هذه المرتبة ولكن يكون الشك من باب احتمال قيام المرتبة الضعيفة مقامها كاللون الشديد والضعيف وهذا على قسمين

__________________

(١) أقول في هذه الصورة يمكن ان يقال ان المكلف مأمور بإتيان أربع صلوات صحيحة وحيث علم ببطلان أحدها فالاشتغال يحكم بإتيان الرابع فيكون مثل العلم بعدم إتيان جزء من اجزاء الصلاة الواحدة لو كان مما يجب الإعادة به والقاعدة تجري في صورة الشك لا العلم ومع عدم تسليم هذا من جهة الشك وعدم إحراز ما هو الباطل.

نقول ان قاعدة الفراغ الظاهر من دليلها هو جريانها في صورة إحراز عنوان المشكوك بخصوصها يعنى الصلاة المعينة ومنصرفة عن المقام فيجب إتيان الأربع وهو مد ظله في غير هذا المقام يلتزم بهذا الإشكال وان لم يذكره هنا والوجه الأول في نظره غير تام ولا إصرار لنا عليه فان الثاني يكفينا.

١٠١

قسم يكون الفرد الضعيف المحتمل مما يحسب عرفا وأحدا مع المرتبة السابقة مثل ان يكون لنا حمرة شديدة ووقع عليها الماء ولا نعلم انه زالت من أصلها أو بقي مرتبة ضعيفة تحسب عند العرف حمرة أيضا والثاني ان تكون المرتبة الضعيفة مما لا تحسب واحدة مع المرتبة القوية كاحتمال بقاء شيء من الحمرة يحسب عند العرف صفرة فهي فرد مباين للحمرة.

إذا عرفت الأقسام ففي جريان الاستصحاب في جميع الصور أو عدم جريانه فيه أو جريانه في خصوص الثالث في القسم الأول منه دون غيره أو جريانه فيه وفي القسم الثاني من الأقسام وهو احتمال مقارنة فرد مع الفرد الزائل وجوه وأقوال.

اما الدليل على الجريان مطلقا فلان العلم بالطبيعي في ضمن الفرد قد حصل ويكون الشك في زواله بزوال الفرد في جميع الأقسام فيستصحب وأجاب الشيخ الأعظم بان الجريان في القسم الأول ممنوع لأن الطبيعي يكون في ضمن الافراد والحصة التي علمنا بوجودها في ضمن هذا الفرد قد علمنا بزوالها بزواله ولا يكون لنا علم بوجود حصة أخرى ولكن في القسم الثاني منه وهو احتمال مقارنة فرد آخر مع هذا الفرد فحيث يكون العلم بالطبيعي في ضمن فردين فلا يكون زوال فرد واحد موجبا للعلم بزواله لاحتمال بقائه باحتمال وجود فرد آخر فيمكن استصحابه.

وقد أجاب أساتيذنا عن هذا البيان بان الطبيعي الّذي يكون في ضمن حصة معينة لا يكون قابلا للبقاء بعد زوال هذا الفرد المعين لزواله بزوالها قطعا وهذا بخلاف الكلي في القسم الثاني من اقسامه فان الفرد لا يكون طوله وقصره معلوما من أول الأمر وزوال فرد لا يوجب العلم بزوال الطبيعي بخلاف المقام.

وفيه ان الطبيعي اما ان يكون له وجود أو لم يكن الا الحصص فعلى تقدير الجامع إذا علمنا بوجوده في الخارج يكون زوال الفرد موجبا للشك فيه سواء كان العلم به في الكلي القسم الثاني أو في القسم الثالث وعلى تقدير الحصص فزواله بزوال

١٠٢

الفرد في الثاني والثالث فكيف يقال بالفرق بينهما وكلامهم وان كان دقيقا ولكن لا يفيد للجواب.

فالحق ان يقال ان الموضوع عند العرف باق في القسم الثاني ويكون نقضه نقضا لليقين بالشك فيه واما في القسم الثالث فكون نقضه نقضا باليقين فالحاكم بالفرق هو العرف.

ومن هنا ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ النائيني (قده) حيث فرق بين المقامين بان الحصة في المقام إذا زالت زال الطبيعي لأنه ليس إلّا الحصص ووجه الظهور ما مر من عدم الفرق بين القسم الثاني والثالث على الحصص أيضا.

واما ما كان من قبيل الاعراض قابلا للشدة والضعف فربما توهم ان زوال مرتبة من المراتب لا توجب العلم بزوال الكلي فلذا يجري الاستصحاب بالنسبة إليه من باب ان الطبيعي باق في ضمن الفرد الحادث بعد الشك في زواله ويرد عليه أو لا ان الوجود يكون له مراتب ويسمى حدوده بالماهيات فلكل وجود حد فالحمرة الشديدة يكون لها حد من الوجود والحمرة الضعيفة لها حد آخر وكل حد غير الحد الآخر فالحصص في الاعراض أيضا متباينات لتباين كل مرتبة مع المرتبة الأخرى فلو كان الجامع في زيد وعمرو هو الإنسانية يكون الجامع بين افراد الحمرة من الضعيفة والشديدة هو الحمرة ولا فرق في ذلك بين الوجود الجوهري والعرضي.

وثانيا علي فرض تسليم كون المراتب غير متباينة فنقول الوحدة الاتصالية مساوقة للوحدة الشخصية فإذا ارتفع الفرد ارتفع الكلي أيضا وثالثا ان هذا الكلام لا يتم في جميع أقسام ماله المراتب بل في صورة عدم كون المرتبة الضعيفة مباينة للمرتبة القوية ففي صورة بقاء الصفرة من الحمرة لا يجري الأصل واما في صورة بقاء الحمرة الضعيفة فيمكن جريان الاستصحاب لبقاء الموضوع عرفا.

والحاصل ان المدار في الاستصحاب بالنسبة إلى بقاء الموضوع وعدمه هو العرف

١٠٣

وهو حاكم في بعض الصور غير حاكم في البعض الآخر ومن ذلك الوجوب والاستصحاب فان المستحب مباين للواجب فإذا ذهبت المرتبة القوية وهي الوجوب لا يمكن الالتزام ببقاء المرتبة الضعيفة وهي الاستحباب واما الدقة العقلية الفلسفية فلا تفيد في المقام ولقد أجاد شيخنا الأستاذ العراقي (قده) حيث فرق بين صورة كون المرتبة الضعيفة مباينة عند العرف للقوية أو غير مباينة بجريان الاستصحاب في الثانية دون الأولى.

تذييل

ان للفاضل التوفي قده كلاما يناسب المقام يعنى استصحاب الكلي في القسم الثالث ويكون كلامه ردا لمن تمسك باستصحاب عدم التذكية في الجلد المطروح أو الحكم المطروح الّذي يكون الشك فيه لا ثبات النجاسة.

وحاصله ان هذا الاستصحاب يكون مثل استصحاب الكلي في القسم الثالث في صورة زوال الفرد المقطوع به والشك في مجيء الفرد الآخر مقامه لأن الّذي هو الموضوع للنجاسة هو الموت حتف الأنف وهو لا يثبت بواسطة الاستصحاب يعنى استصحاب عدم التذكية لأن ما له حالة سابقة عدمية يقينا وهي عدم التذكية حال الحياة قد انقلب بواسطة زهوق الروح وعدم التذكية الّذي يكون لازمه هو الموت حتف الأنف وهو الموضوع للأثر لا يكون له حالة سابقة لأنا لا نعلم ان زهوق الروح هل كان مع الشرائط المعتبرة حتى تكون التذكية حاصلة أو لم يكن الشرائط حتى يكون عدم التذكية صادقا وباستصحاب العدم الّذي كان حال الحياة لا يمكن ترتيب أثر هذا الفرد فلا موضوع للاستصحاب ولا يمكن ترتيب أثر الكلي بعد العلم بزوال الفرد الّذي كان الكلي في ضمنه وهذا مثل استصحاب في الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقق بوجود زيد في الدار في الوقت الأول فان زوال زيد يوجب زوال لازمه الأخص وهو الضحك أيضا ولا يمكن

١٠٤

إثبات وجود عمرو بواسطة وجد الضاحك في الدار الّذي هو العنوان الّذي ينطبق عليها.

فتحصل ان مبني الإشكال يكون على فرض كون الموضوع للنجاسة هو الموت حتف الأنف.

فقال الشيخ قده (١) أقول ولقد أجاد فيما أفاد من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور ونظيره إلّا ان نظر المشهور في تمسكهم على النجاسة إلى ان النجاسة انما رتب في الشرع على مجرد عدم التذكية كما يرشد إليه قوله تعالى إلا ما ذكيتم الظاهر في ان المحرم انما هو لحكم الحيوان الّذي لم يقع عليه التذكية واقعا أو بطريق شرعي ولو كان أصلا إلخ.

وحاصل كلامه قده هو ان الموضوع للحلية والطهارة المذكى والموضوع للحرمة والنجاسة هو عدم المذكى وهو يثبت بواسطة جريان أصالة عدم التذكية ولو لم يثبت الموت حتف الأنف ومخالفة الفاضل التوني قده وجملة مع المشهور في اللحم المطروح والجلد كذلك بالقول بجريان قاعدة الطهارة بالنسبة إلى الشك فيها وإثبات الحرمة بواسطة أصالة عدم التذكية يكون على غير هذا الفرض :

والحاصل عدم المذكى موضوع للحرمة كما يستفاد من الآيات التي تعرض لها الشيخ قده وموضوع النجاسة وان كان هو الميتة بمقتضى أدلة نجاسة الميتة ولكن الكلام في معنى الميتة ويدور امره بين أمور ثلاثة كونه هو الموت حتف الأنف أو الأمر الوجود الحاصل من عدم التذكية أو هو عين الأمر العدمي يعنى كون الميتة عين عدم التذكية فان كان معناها الثالث فيمكن جريان أصالة عدم التذكية حال الحياة فتثبت النجاسة وأصالة الحرمة حالها فتثبت الحرمة.

وعلى فرض الشك في كون الميتة هي الأمر الوجوديّ أو العدمي

__________________

(١) في الرسائل الحاضر عندي في ص ٣٥٢

١٠٥

فلا سبيل إلى جريان الاستصحاب فقاعدة الطهارة محكمة واما أصالة عدم التذكية بالنسبة إلى الحرمة فلا شبهة فيها لأن موضوع الحرمة هو عدم التذكية فكما ان لسان دليل الحلية والحرمة غير لسان دليل النجاسة في تعيين الموضوع كذلك الأصل في كل واحد منهما غير الأصل في الآخر من حيث الأثر.

فتحصل ان مخالفة التوني (قده) وغيره مع المشهور يكون على فرض إثبات كون الميتة هي التي حصلت بالموت حتف الأنف وجوابه هو ان هذا لا شاهد له لا في اللغة ولا في الشرع.

ثم يمكن توجيه كلامه (قده) بوجه آخر وهو انه على فرض كون الموضوع للنجاسة هو الأمر العدمي يعنى عدم التذكية لكنه يكون العدم المقيد بكونه بعد زهوق الروح لا العدم الّذي يكون قبل زهوقه وهو لا حالة سابقة له وأوله إلى استصحاب الطبيعي مع العلم بزوال الفرد كما مر بيانه.

وفيه ان الدليل الدال على النجاسة لا يدل على انها مترتبة على العدم المقيد بكونه بعد زهوق الروح بل الموضوع هو الأمر البسيط فيكون زهوق الروح بالوجدان وعدم التذكية يثبت بالاستصحاب وعلى فرض كون الزهاق ظرف الحكم بالنجاسة فالامر واضح من جهة تحقق الظرف بالوجدان والمظروف بالأصل اما الأصل قبل وجود الحيوان وهو العدم الأزلي فائضا لا إشكال في جريانه وانقلاب ليس التامة بليس الناقضة أيضا لا يضر يعنى إثبات عدم التذكية بعد زهوق الروح باستصحاب العدم الأزلي الّذي هو مفاد ليس التامة لا إشكال فيه لزهوق الروح بالوجدان وهذا ليس من الأصل المثبت.

١٠٦

التنبيه الرابع

في استصحاب الزمان والزماني

والبحث في ذلك في مقامات المقام الأول في جريان الاستصحاب في نفس الزمان مثل الليل والنهار إذا شك في بقائهما كما إذا شك في بقاء النهار للإفطار وعدمه في الصوم أو شك في بقاء الليل وعدمه لجواز الأكل وعدمه فيه أيضا أو شك في بقاء الوقت للصلاة والحق هو جريانه لأن الليل هو السواد المحدود بين الحدين والنهار هو البياض المحدود بين الحدين عند العرف وبمجرد دخول السواد بعد المغرب ودخول البياض بعد طلوع الفجر يكون عنوان الليل والنهار صادقا.

ولا يكون التدريج في هذا العنوان فالحدوث والبقاء لا شبهة فيهما فاليقين بالحدوث والشك في البقاء يكون مما تم به أركان الاستصحاب وهذا هو معنى ما تعرض له المحقق الخراسانيّ (قده) من ان الحركة التوسطية مما يجري فيها الاستصحاب ولا يكون الاجزاء فيها متدرجة بخلاف الحركة القطعية ومن المعلوم ان الزمان هو مقدار الحركة ولا يكون شيئا في نفسه.

واما الإشكال الّذي يتوهم في جريان استصحاب الزمان فهو انه لا قرار له فان الجزء الماضي منه قد انعدم والمستقبل منه لم يأت بعد وهو لا زوال كذلك وهذا حال الحركة دائما.

والجواب عنه ما مر من ان العنوان من الليل والنهار لا تدريج فيه وما فيه التدريج لا يكون هو المستصحب وعلى فرض عدم تسليم ما ذكرناه فنقول الأمر التدريجي يكون له وحدة اتصالية مساوقة للوحدة الشخصية (١) واما ما قيل من ان النقض صادق

__________________

(١) ويمكن ان يقال بان الزمان وهو مقدار الحركة يكون له دوام في عدم القرار ودوام كل شيء بحسبه فهو في نحو وجوده ثابت كما هو المعروف بين أهل الفن في مقام ربط الحادث بالقديم فيقال انه من وجه ثبوته يربط بالثابت لا من وجه تزلزله.

١٠٧

ما دام لم يحصل العلم بالعدم إذا ابني على العدم ولو لم يكن له البقاء فلا يتم لأن المدار في الاستصحاب على اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة ومع عدم إثبات البقاء بأي نحو كان لا يحصل هذا المعنى هذا كله في استصحاب الزمان بمفاد كان التامة واما استصحابه بنحو كان الناقصة يعنى استصحاب بقاء الليل لإثبات ان هذا الجزء من الليل واستصحاب النهار لإثبات ان هذا الجزء من النهار فقيل بأنه لا يجري بالنسبة إليه لأنه مثبت ضرورة ان هذا من الآثار العقلية.

ولكن الحق هو جريان الاستصحاب في الجزء كالاستصحاب في الكل لأنه بصرف دخول البياض ثبت عنوان دخول النهار وعنوان كون هذا الجزء من النهار وكذلك بدخول السواد ثبت وجود الليل وان هذا الجزء من الليل فيستصحب وجود الجزء أيضا ويترتب عليه اثره.

ثم ان الزمان الّذي يكون في لسان الدليل مأخوذا اما ان يكون قيدا أو يكون ظرفا أو يؤخذ مقارنا وعلى التقادير اما ان يكون في الحكم أو في المتعلق وبعبارة أخرى اما ان يكون قيدا للوجوب أو ظرفا أو يؤخذ معه واما ان يكون قيدا للواجب أو ظرفا له أو أخذ مقارنا معه فعلى فرض كون الزمان قيدا للحكم فحيث ان استصحاب الحكم مثل وجوب الظهر لا يكون مثبتا لكون الصلاة في الظهر الا على نحو المثبت فلا يجري استصحابه عند الشيخ الأعظم قده وتمسك باستصحاب بقاء الحكم في هذه الصورة فان نحو الوجوب وطوره كان هو وجوب الصلاة في الظهر فإذا استصحب الحكم وان كان لازمه العقلي هو الوقوع في الوقت المخصوص ولكن هذا لا يضر لأن الوجوب نفسه الحكم وهو الأثر الشرعي ويترتب عليه لازمه العقلي أيضا.

وبعبارة أخرى وقوع الصلاة في الوقت يكون من آثار الاستصحاب لا من آثار المستصحب وآثار الأول مترتب عليه وان كان عقليا وآثار الثاني إذا كانت عقلية لا تترتب عليه ولكن مر منا عدم الاحتياج إلى رجوعه قده إلى استصحاب الحكم بل

١٠٨

نفس الموضوع يمكن استصحابه لوجود الحالة السابقة له كنفس العنوان في نظر العرف وعند الدقة إثبات أصل العنوان أيضا بملاحظة الجزء الّذي يتخذ منه العنوان الّذي هو متدرج يكون محل الإشكال كما قال شيخنا العراقي قده من انه لو انفتح باب هذا الإشكال يجري في أصل الزمان أيضا.

واما إذا كان الزمان ظرفا للوجوب أو ظرفا للواجب أو أخذ بنحو المعية فلا إشكال في جريان الاستصحاب لأن وجود جزء من الاجزاء يكون بالوجدان وهو وقوع الفعل في الزمان ووجود جزء آخر بالتعبد وهو إثبات ان هذا الزمان زمان النهار أو الليل أو الظهر وغيره ولا نحتاج إلى إثبات وقوع العمل في هذا الوقت المخصوص حتى يكون مثبتا وقد استظهر الحاج آقا رضا الهمدانيّ (قده) بأن أدلة الموقتات طرا يستفاد منه الظرفية لا القيدية.

وقال شيخنا النائيني قده بأن القيدية تكون في صورة كون أحد الموجودين جوهرا والآخر عرضا واما في الجوهرين أو العرضين فلا قيدية بل مطلق التقارن والصلاة والوقت يكونان من قبيل العرضين والشاهد على ذلك هو ان استصحاب الوضوء يترتب عليه إتيان الصلاة ولا يتوقف أحد فيه لعدم إثبات كون الصلاة في الطهارة لأن هذا من اللوازم العقلية لبقاء الوضوء وليس هذا الأمن جهة كون الوضوء والصلاة متقارنين ولو كان الوضوء قيدا لما أمكن إثبات وقوع الصلاة في الطهارة الا علي نحو المثبت.

واما إذا كان الزمان قيدا للواجب فلا يجري استصحابه لكونه مثبتا ولا يمكن استصحاب الحكم ولكن هذا كله على فرض عدم إمكان استصحاب الزمان نفسه في الجزء وقد مر جريانه.

فتحصل ان استصحاب الزمان جار مطلقا في جميع الأقسام ولا نحتاج إلى عدول الشيخ قده من استصحاب الموضوع إلى استصحاب الحكم.

١٠٩

المقام الثاني

في استصحاب الزمانيات المتدرجة

وهي مثل التكلم والحركة وجريان الماء وسيلان الدم ونحوه والشك في أمثال ذلك يكون مناشؤه أربعة.

الأول ان يكون الشك في انتهاء حركته وسيلانه مع إحراز استعداده لاحتمال طرو المانع كالشك في بقاء تكلم الواعظ من جهة احتمال منعه عنه والثاني الشك في أصل الاقتضاء كالشك في انه هل يكون للمبدإ اقتضاء ليبقى إلى الآن كما في صورة عدم العلم باستعداد المتكلم للتكلم ساعة أو ساعتين لعدم العلم لمحفوظاته أو معلوماته الثالث ان يكون الشك في بقاء الطبيعي بعد العلم بزوال الفرد وهذا على قسمين الأول ان يكون الفرد الّذي يحتمل حدوثه مباينا للفرد الّذي كان العلم بحدوثه وحدث القطع بارتفاعه مثل ان يكون المتكلم تاليا للقرآن ونعلم ان محفوظاته من القرآن قد تمت ولكن لا نعلم انه حدث فرد آخر للتكلم في ضمن الدعاء أم لا الثاني ان يكون احتمال حدوث الفرد الآخر من باب احتمال فرد غير مباين مثل احتمال حدوث الداعي له لإدامة قراءة القرآن بعد القطع بان السورة التي شرع فيها قد تمت.

إذا عرفت هذه الأقسام فلا شبهة في جريان الاستصحاب في الفرد وفي الطبيعي إذا كان له أثر لعدم القطع بارتفاع ما حدث مثل صورة وجود حيوان في ضمن زيد نشك في بقائه بعد الشك في حياة زيد وهو من الكلي القسم الأول واما في الصورة الثانية فائضا لا شبهة في جريانه على ما هو التحقيق من جريانه في هذه الصورة واما في الصورة الثالثة ففي القسم الأول منها فلا شبهة في عدم جريان الاستصحاب لأنه يكون من القسم الثاني من القسم الثالث من أقسام الكلي لأن القسم الثاني من الثالث هو

١١٠

العلم بزوال الفرد المقطوع والشك في حدوث فرد آخر بعده وهذا هو بعينه ولا فرق في عدم جريانه بالنسبة إلى الشخص وبالنسبة إلى الكلي كما مر فيما سبق من بيان اقسامه.

واما القسم الثاني منها وهو احتمال حدوث الداعي له للتكلم مثل من يكون في الحمام فانعكاس صوته يوجب عشقه بإدامة الكلام فهو أيضا من القسم الثاني من القسم الثالث من أقسام الكلي ولكن حيث يكون للكلام وحدة اتصالية مساوقة للوحدة الشخصية يمكن استصحاب الشخص لبقاء الموضوع عرفا وان لم يكن العلم ببقائه دقة واما استصحاب الكلي فلا يجري.

وما يتوهم من عدم الفرق بين الصورتين لا وجه له لأن الوحدة العرفية هنا صادقة (١)

__________________

(١) أقول قد مر فيما سبق ان القسم الثاني من الثالث لا يجري فيه الاستصحاب بوجه ولم يحتمله مد ظله ولكن في بعض صور القسم الثالث من القسم الثالث احتمل الشيخ قده وهو مد ظله الجريان وهو في صورة كون الموجود مثل اللون له مرتبة شديدة ومرتبة ضعيفة مع عدم تباين المرتبة الضعيفة مع الشديدة مثل الحمرة الضعيفة بالنسبة إلى الشديدة لا الصفرة بالنسبة إليها.

وفي المقام ان كان مثل هذا القسم فهو يكون من القسم الثالث في القسم الثالث من أقسام الكلي لا الثاني منه إلّا ان يقال المدار على العرف والصدق العرفي في أي قسم كان ولكنه مشكل حسب ما بين من معنى القسم الثاني من الثالث لعدم صدق الوحدة عرفا ثم ان جريان استصحاب الشخص دون الكلي لا نفهم وجه إلّا إذا رجع إلى عدم تصور الأثر له.

١١١

المقام الثالث

في استصحاب الأمور المقيدة بالزمان

وهذا المقام يكون نتيجة البحث في المقامين الأولين والتطبيق فيه في بعض الموارد والمثال المعروف له هو أن الجلوس إذا كان واجبا يوم الجمعة ثم شك في بقاء الوجوب يوم السبت فهل يجري استصحاب بقاء الوجوب أم لا وفي الصوم إذا شك بعد الزوال في زوال الوجوب قبله لحدوث مرض يحتمل ان يكون الصوم مضرا عليه فهل يستصحب وجوب الصوم أم لا وساير الأمثلة ذكره قده في الرسائل مع أصل المطالب وأخذ شيخنا النائيني والعراقي قده عنه ونحن أيضا تابع لهم والزمان في ذلك اما ان يكون قيدا أو ظرفا وكل واحد منهما اما ان يكون في الشك في الحكم أو في الموضوع.

فعلى فرض كون الزمان قيدا للموضوع فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب في الشخص ضرورة انه من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر مباين له فان الجلوس المقيد بكونه يوم الجمعة مباين للجلوس المقيد بكونه يوم السبت فإذا تغير الموضوع لا يجري الاستصحاب لأن بقاء الموضوع شرط لجريانه وهو غير باق على الفرض فيكون تباين الجلوسين من نوع واحد كتباين الصلاة والصوم من نوعين.

وبعبارة أخرى الإرادة المتشخصة متعلقة بالجلوس يوم الجمعة ولا تكون بعده واحتمال تعدد المطلوب لا يفيد بعد إحراز كون الزمان قيدا.

واما استصحاب الكلي فهو أيضا لا يجري في هذا الفرض لأنه من القسم الثاني من القسم الثالث من أقسام الكلي وهو صورة العلم بارتفاع ما حدث والشك في حدوث من القسم الثالث من أقسام الكلي وهو صورة العلم بارتفاع ما حدث والشك في حدوث الفرد الآخر فلا يمكن استصحاب بقاء الكلي الّذي هو الوجوب لو كان له أثر إلّا ان يكون الزمان في نظر العرف حالا من حالات الموضوع ولم يكن الجلوس بعد الجمعة

١١٢

غير الجلوس فيها كما في اللون الشديد والضعيف ولا يبعد الاتحاد عرفا (١) ولكن لا ضابطة لنظر العرف فربما يحكم بالاتحاد في مورد وبالتباين في مورد آخر وما له المراتب من الشدة والضعف هو الحكم بالنسبة إلى الإرادة.

وربما قيل بان الحكم الّذي هو الإرادة وان كان في المقام له مراتب لتصوير الإرادة الشديدة والضعيفة على الجلوس يوم الجمعة ويوم السبت ومن هذا الوجه يكون كاللون ولكن استصحاب الكلي لا يثبت الفرد الّذي هو وجوب جلوس يوم السبت لأنه من اللوازم العقلية.

ولكن يرد عليه على فرض عدم الإشكال فيه من غير هذه الجهة بأنه لا يكون هذا الإشكال وأرادا لأن الاستصحاب هنا يكون في الحكم الّذي يكون نفسه الأثر وترتب الأثر العقلي على الأثر الشرعي لا يكون من المثبت المعروف.

ثم ان الشيخ الأعظم (قده) تعرض لكلام النراقي (قده) في المقام وهو معارضة الاستصحاب الوجوديّ باستصحاب العدم الأزلي وتقريبه هو انا قبل يوم الجمعة لم يكن لنا الوجوب بالنسبة إلى الجلوس وبعده حصل العلم بوجوبه في خصوص يوم الجمعة وما بعده يستصحب العدم فإذا كان استصحاب الوجوب أيضا جاريا في الكلي يتعارضان ولكن مع عدم جريانه فلا تعارض وعلى هذا الفرض وان كان مقتضى الأصل البراءة عن الوجوب ولكن الاستصحاب حاكم عليها لأنه أصل محرز والحق هو جريان استصحاب العدم الأزلي في المقام سواء قلنا بالتعارض أو لم نقل.

وقد أشكل عليه بان العدم الأزلي قد انقلب إلى الوجود بعد إحراز الوجوب يوم الجمعة ولا حالة سابقة للعدم بعده ليستصحب كما عن شيخنا النائيني قده وبيانه (قده) في المقام هو ان جعل الحكم وان كان له عدم أزلي لأن وجود الأحكام يكون في

__________________

(١) أقول ان العرف لو رأى الوحدة يكون من جهة ان الزمان ظرف غالبا ومع إحراز القيدية لا يرى الوحدة بين الجلوسين لأنهما متباينان فإذا كان الاستصحاب في الفرد من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر كذلك يكون استصحاب الكلي.

١١٣

الأزل وعدمه أيضا كذلك ولكن استصحابه لا يفيد عدم المجعول لأنه مثبت فان المجعول هو وجوب الجلوس يوم الجمعة واما وجوبه يوم السبت وعدمه كذلك فلا حالة سابقة له وان كان مؤثرا لو جرى الأصل بالنسبة إليه فما هو المؤثر لا حالة سابقة له وما له الحالة السابقة غير مؤثر.

وفيه ان الإشكال غير وارد لأن العدم الّذي انقلب إلى الوجود هو عدم وجوب جلوس يوم الجمعة واما عدم وجوب جلوس يوم السبت فلم ينقلب إليه فللعدم حصص بالنسبة إلى الوجودين حصة منه منقلبة إلى الوجود وحصة منه باقية بحاله فيستصحب واما إشكال المثبتية فقدر الجواب عنه من جهة ان استصحاب الحكم لا إشكال في ترتيب آثاره العقلية عليه مضافا بأنه لا تفكيك بين الجعل والمجعول كما لا تفكيك بين الإيجاد والوجود فتحصل ان الاستصحاب العدم الأزلي جار فعلى فرض جريان استصحاب الوجوب لا دعاء الوحدة العرفية فيتعارضان كما قال النراقي (قده) وعلى فرض عدم جريانه فلا معارضة كما هو رأى الشيخ (قده).

هذا كله في صورة كون الزمان قيدا للموضوع.

واما على فرض كون الزمان ظرفان للموضوع على حسب ما استفيد من لسان الدليل فيكون الشك في بقاء الحكم من جهة الشك في أن أمد الحكم قد انتهى في غير هذا الظرف أو يكون باقيا بعده وهذا يكون من جهة إجمال الدليل في بيان الظرفية مع عدم إمكان أخذ الإطلاق منه ويمتاز عن صورة كون الزمان قيدا بان القيد يوجب تكثر الموضوع والظرف لا يوجب تكثره وهنا تارة يكون الخطاب بنحو صرف الوجود وأخرى بنحو الطبيعة السارية ولا شبهة في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الوجود وحيث لا يكون الزمان قيدا لا يكون الموضوع متكثرا فلا يكون من باب إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر بل يكون مثل الشك في بقاء نجاسة الماء بعد زوال تغييره فان زوال التغيير من حالات الموضوع فيستصحب الحكم وانه منشأ للشك وفي المقام تغيير الزمان يكون منشأ للشك في بقاء ما كان

١١٤

فإذا شك في وجوب الجلوس يوم السبت بعد العلم بوجوبه يوم الجمعة يكون الزمان من حالات الموضوع ومنشأ للشك واستصحاب الوجوب لا إشكال فيه واما استصحاب العدم الأزلي فأيضا يكون جاريا فان الوجوب قبل الجمعة لم يكون والآن نشك فيه بعد العلم بخروج فرد وأحد من العدم إلى الوجود فيستصحب عدمه ويتعارض الاستصحابات كما عن النراقي (قده) واما إذا كان الخطاب بنحو صرف الوجود (١) لا بنحو الطبيعة السارية فاستصحاب العدم الأزلي لا يكون جاريا لانقلاب صفحة العدم بصفحة الوجود ولا يكون التحصص في العدم بخلاف الطبيعة السارية فانه يمكن ان يقال ان العدم بالنسبة إلى هذا الفرد غير العدم بالنسبة إلى ذلك الفرد وما انقلب إلى الوجود هو عدم هذا الفرد لا كل الافراد.

__________________

(١) أقول ان استصحاب الوجود وكذلك العدم لا معنى له إذا كان الخطاب بنحو صرف الوجود مع إتيان فرد واحد لعدم الشك بعد إتيان الصرف وهكذا استصحاب العدم لا معنى له بعد عدم إتيان الفرد لأن اللازم هو إتيانه قطعا وفرض الشك يكون في صورة عدم إتيان الصرف في ظرفه ثم شك في الوجوب بعد ذلك من باب كون الزمان ظرفا وحينئذ لا شبهة في جريان الاستصحاب الوجوديّ كما انه لا شبهة في جريان استصحاب العدم الأزلي بالنسبة إلى قبل زمان الوجود فالفرق في المقام في غير محله واما إذا كان الخطاب بنحو الطبيعة السارية ومعنى السريان هو مطلوبية الافراد في كل زمان فلا شبهة في شمول العموم لما بعد الزمان الّذي هو ظرف لأن المفروض ان نفس هذا الزمان لا شبهة فيه بل فيما بعده ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب وما ذكرنا لم يكن مشروحا في الكلمات ولم يشرحه الأستاذ مد ظله حتى بعد المراجعة إليه نعم يمكن ان يكون المراد هو الشك في السريان وصرف الوجود فانه إذا شك في ذلك بعد الزمان المعين يكون مجرى الاستصحاب الوجوديّ والعدمي فاللازم التوجه إلى جهات البحث لئلا يختلط المرام.

١١٥

تتمة

في ان التقسيم إلى كون الزمان قيدا أو ظرفا لا يكون جزافيا فانه قد توهم بأنه لا فرق بين القيد والظرف ففي صورة وجوب الجلوس يوم الجمعة اما ان يكون لهذا الوقت دخل في الإرادة والحكم أولا يكون له دخل فان كان له الدخل فلا فرق بين كونه قيدا أو ظرفا وان لم يكن له الدخل فلأي سبب أخذ في لسان الدليل ولكن هذا الكلام لا وجه له لأن الفرق بينهما هو الفرق بين القضية المشروطة والحينية فان الشرط يكون له الدخل في الإرادة والحكم والظرف لا يكون له الدخل فيه بل يراد الجلوس في هذا الوقت فيمكن أن يكون المصلحة للجلوس فقط لا للجمعة كما أن قصد إقامة العشرة عند شيخنا الحائري (قده) يكون يكون موجبا للحكم بوجوب التمام في الصلاة ولو لم تكن الإقامة عشرة بل ولو لم تقصد الإقامة واقعا (١).

فان قلت القيد المأخوذ في الحكم يكون راجعا إلى الموضوع كما عن شيخنا النائيني (قده) فإذا قيل لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا يكون المعنى يجب الحج على المستطيع وإذا قيل يجب الجلوس إذا كان يوم الجمعة يصير معناه ان جلوس يوم الجمعة هو واجب لا غيره فإذا لم تكن الجمعة لم يكن الحكم من غير فرق بين كونه قيدا أو ظرفا وهذا من جهة ان الحكم من المعاني الحرفية المغفولة عند الشيخ قده والأحكام يكون على نحو القضايا الحقيقية يعنى على الموضوع المحرز وجوده.

قلت لا وجه لهذا القول عندنا لأن الهيئة لا تكون مغفولة وتكون قابلة للتقييد فان الوجوب والحرمة من الأحكام مستفاد من الهيئة ومع ذلك لم يقل أحد بعدم

__________________

(١) وان كان الحق عندنا هو طريقية قصد إقامة العشرة للحكم بالتمام لا موضوعيته.

١١٦

جواز تقييده واما قيد الحكم فلا يرجع إلى الموضوع لأن الحكم متأخر عن الموضوع برتبتين الموضوع والعلم به ثم الحكم عليه فكيف يمكن ان يكون المتأخر دخيلا في المتقدم الّذي لا بد من وجوده قبله هذا برهانا واما وجدانا فالعرب يكون الفرق عنده بين قيد الموضوع مثل ان يقال أكرم زيدا الجائي أو أكرم زيدا ان جاءك فان الثاني قيد الحكم والأول يكون المجيء قيد الموضوع (١) فتحصل ان الفرق بين القيد والظرف مسلم لا إشكال فيه عندنا.

التنبيه الخامس في عدم الفرق بين كون دليل الاستصحاب العقل أو غيره وحيث مر الكلام عنه في أوائل البحث عن الاستصحاب عند بيان الأقوال لم نذكره هنا.

التنبيه السادس في الاستصحاب التعليقي

وقد اختلف الأقوال فيه من جريانه مطلقا وعدم جريانه والتفصيل بين كون القيد قيد الحكم فيجري وكونه قيد الموضوع فلا يجري ومثاله هو المثال المعروف في العصير العنبي فان الحكم فيه معلق علي الغليان إلى ان العصير العنبي إذا على يحرم وينجس.

والمهم في المقام تنقيح محل النزاع ثم البحث عن أدلة المانعين والمجوزين

__________________

(١) أقول وقد مر مرارا انا لا نجد الفرق بين العبارتين بحسب ما هو المتفاهم العرفي في تلقى الخطاب وامتثاله وان كان من حيث الدقة العقلية لهذا الكلام وجه واما تأخر الحكم عن الموضوع فهو مسلم ولكن ليس الكلام فيه بل الكلام في المعنى المتفاهم من الخطاب وهو بعد إمكان كون القيد قيدا للموضوع لا إشكال فيه وهكذا الكلام فيما سيجيء من هذا البحث.

١١٧

والمفصلين فنقول ان محل البحث في التعليقات لا يكون في صورة كون احتمال عدم الحكم من جهة (١) الشك في النسخ فانه إذا علمنا بان العنب بعد الغليان يكون حكمه النجاسة والحرمة ثم حصل الشك في هذا الحكم من جهة احتمال النسخ فلا شبهة عندهم في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الحكم الموجود قبلا وهكذا ما يكون مثل احتمال النسخ مثل الجعالة في السبق والرماية وغيرهما فيمن قال بأن من رد على عبدي فله على كذا أو من سبق أو وقع سهمه على الهدف له على كذا ثم شك في ان هذا العقد هل يكون لازما وغيره قابل للفسخ أو يكون جائزا وقابلا له فلا شبهة عندهم في جريان استصحاب حكم الجعل فان احتمال الفسخ يكون كاحتمال النسخ.

والحاصل احتمال النسخ لا يمنع عن جريان الاستصحاب التعليقي.

وهكذا لا إشكال عندهم في جريانه بعد حصول ما علق عليه في الخارج ثم الشك في زواله مثل الماء إذا تغير في الخارج بإحدى الأوصاف الثلاث فصار نجسا

__________________

(١) أقول لو كان الإشكال في عدم الجريان عند المانعين عدم فعلية الحكم لعدم فعلية الموضوع لعدم حصول الغليان مثلا في الخارج فلأي دليل لم يكن احتمال النسخ فيه النزاع قبل حصول الغليان.

ولا يقال ان الحكم الفعلي حيث لم يكن لا يكون مجرى للاستصحاب فمن قولهم بعدم النزاع هنا نستكشف عدم تمامية المانع للمانعية اما على مسلك القائل بأن الأحكام قبل حصول الشرائط فعلية فواضح لفعلية الحكم واما على مبنى مثل المحقق الخراسانيّ (قده) من عدم فعلية الحكم قبل فعلية الشرط فلان المستصحب هو الحكم الكلي الإنشائي ولا إشكال فيه ومبناه أيضا متين وان لم يكن مبنى مخالفه أيضا بعيدا عن الحق فان الفعلي بمرتبة وهو البعث إلى بعض المقدمات يكون كالإنشائي إذا التزم القائل به بأن أثر الحكم الإنشائي أيضا البعث إلى البعض وتطويل الكلام في محله في الواجب المشروط.

١١٨

ثم حصل الشك في النجاسة بعد زوال تغييره بنفسه وكذلك العنب إذا غلى ثم ذهب ثلثاه بغير النار فشك في نجاسته وحرمته فان استصحاب النجاسة والحرمة جار ولا إشكال فيه.

وانما الكلام في صورة تغيير بعض حالات الموضوع مثل صيرورة العنب زبيبا مع عدم حصول الغليان في الخارج والاستصحاب هنا اما ان يكون في الحكم الفعلي أو التقديري أو في الملازمة الحاصلة بين الغليان والحرمة كما يكون الثالث في كلام الشيخ الأعظم قده تلويحا.

في استدلال المانعين لجريان الاستصحاب التقديري

ثم استدل المانعون ومنهم شيخنا النائيني (قده) لعدم الجريان مطلقات بان استصحاب الشخص في الحكم الفعلي غير جار بمقدمتين.

الأولى ان كل قيد في الحكم يرجع إلى الموضوع فإذا قيل العنب إذا غلى يحرم وينجس يكون معناه العنب المغلي هو الموضوع للنجاسة والحرمة ولا فرق بين كون القيد قيدا للحكم في لسان الدليل أو قيدا للموضوع في الأثر.

الثانية ان فعلية الحكم فإذا كان زيد في الخارج مستطيعا يكون حكم وجوب الحج عليه فعليا وإلّا فلا وفي المقام إذا كان الغليان فعليا في الخارج مع العنب يكون الحكم بالحرمة والنجاسة فعليا وإلّا فلا.

فإذا عرفت ذلك فاستصحاب الشخص لا يجري بمقتضى المقدمتين لأن شرط الحكم وهو الغليان يرجع إلى الموضوع وح فحيث لا يكون الموضوع متحققا في الخارج بجميع اجزائه فلا يكون لنا حكم ليستصحب فان البقاء فرع الحدوث وهو هنا غير حادث ليحكم ببقائه.

واما استصحاب الحكم التقديري بأن يقال ان العنب على فرض الغليان

١١٩

وتقديره كان نجسا ومحرما فهكذا عند الشك في بقائه على هذا الحكم فهو وان كان جاريا ولكن هذا يرجع إلى الاستصحاب عند الشك في الحكم من باب احتمال النسخ وقد مر عدم النزاع فيه ولا كلام فيه.

واما استصحاب الملازمة الحاصلة بين الحرمة والغليان وكذلك النجاسة والغليان فلا يجري لأنها غير مجعولة ولا بد من كون المستصحب اما حكما أو موضوعا ذي حكم وما لا تناله يد الجعل حدوثا لا تناله يد الجعل بقاء بالتعبد وثانيا الملازمة من لوازم الحكم وهو هنا مشكوك يعنى إذا ثبت الاستصحاب في الحكم فالملازمة تابعة وإلّا فلا وجه لها هذا خلاصة بيان المانع من جريان الاستصحاب في التعليقيات.

واما بيان المفصل فهو ان القيد ان رجع إلى الحكم فحيث ان الموضوع يكون باقيا بحاله يكون لجريان الاستصحاب مع انحفاظ الموضوع وجه واما إذا رجع إلى الموضوع فحيث انه يعدم بعدم بعض اجزائه فلا يكون الموضوع منحفظا ليترتب الحكم عليه بالاستصحاب.

في الاستدلال على الاستصحاب التعليقي جوابا عن المانعين

فنقول ان ما ذكره المانع من الجريان لا يتم بوجوه.

الأول ان ما توهم من ان قيد الحكم يرجع إلى الموضوع غير صحيح كما مر منا مرارا فان الحكم متأخر عن الموضوع برتبتين أعني رتبة الموضوع ورتبة العلم به ثم رتبة الحكم فكيف يمكن ان يكون قيد المتأخر قيدا للمتقدم فان الحكم بمنزلة المعلول للموضوع فالمتأخر لا دخل له بالنسبة إلى المتقدم (١) هذا برهانا

__________________

(١) أقول مر ما في هذا الكلام آنفا.

١٢٠