مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

ففي المثال إذا كان العلم بالعدالة لزيد في وقت طلاق فلانة حاصلا ثم شك في عدالته وقت الطلاق يكون معنى عدم نقض اليقين هو صحة الطلاق اللازمة للعدالة.

واما من جهة المتيقن فقال قده فلان الزمان لا يلاحظ في المتيقن في الاستصحاب فان المشكوك العدالة مثلا والمتيقن العدالة ولكن الشك يكون في بقائها فقط واما في القاعدة فلا بد من لحاظ الزمان بأن يفرض الشك في أصل حدوث العدالة في يوم الخميس مثلا فالمتيقن هو العدالة يوم الخميس لا نفس العدالة فلا يجتمعان من هذه الجهة.

وفيه ان الحدوث والبقاء لا يكونان امرين متأصلين فان الشك في الحدوث أو في البقاء لا يكون موجبا لتعدد المتيقن واختلافه بل العدالة مشكوكة في الموردين.

واما من جهة النقض فلان معنى عدم النقض في الاستصحاب هو الجري العملي على طبق الحالة السابقة بلحاظ المتيقن وفي القاعدة يكون بلحاظ نفس اليقين من جهة لحاظه استقلالا.

وفيه ان النقض في القاعدة أيضا يكون بلحاظ الجري العملي لا بلحاظ اليقين لعدم لحاظه استقلالا فان الأثر على العدالة لا على اليقين فيها أيضا كما مر.

واما من جهة الحكم فلان الحكم المجعول في الاستصحاب هو البناء العملي على المتيقن في زمان الشك فيه وفي القاعدة يكون من جهة البناء العملي في زمان اليقين ضرورة ان الشك يكون في اليقين الّذي كان يوم الخميس فيكون الحكم بعدم النقض بلحاظ الأثر الّذي وقع في زمان اليقين.

وفيه ان الأثر على الجري العملي على طبق المتيقن في زمان الحدوث في القاعدة وفي زمان متأخر في الاستصحاب والحدوث والبقاء امران انتزاعيان.

ثم ان روح جميع الإشكالات عدم جواز استعمال اللفظ الواحد في المعنيين

٢٠١

المتضادين وقد مر ان الاستعمال في المعنيين جائز غاية الأمر يحتاج إلى تعدد الدال وهو مفقود في روايات الباب فيكون الإشكال من هذه الجهة لا من جهة عدم إمكان اللحاظين في آن واحد فانه ممكن لأن للنفس عرض عريض ففي آن واحد يكون لها لحاظات متعددة :

ومن هنا ظهر ما في كلام شيخنا العراقي قده من ان الاتحاد دقة لا يكون في الاستصحاب أيضا لأن اليقين يكون في الحدوث والشك يكون في البقاء ففي المقام يكون دائرة التسامح أوسع لأن اليقين يكون في ظرف الحدوث مشكوكا فيه في القاعدة وفي الاستصحاب يكون مشكوكا فيه في ظرف البقاء فلا إشكال في التسامح.

ووجه النّظر هو ان الحدوث والبقاء لا يكونان إلّا امرين منتزعين عن الوجود ولا يكون لهما تأصل ليلاحظ التسامح بالنسبة إليهما لا في أصل الاستصحاب ولا في المقام واستعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد جائز إلّا انه لا دال على التعدد.

وهكذا نقول في جوابه من حيث انه يقول في الاستصحاب ان أصل الحدوث يكون مفروغا عنه فيه وفي القاعدة لا يكون كذلك لأن اليقين مشكوك فيه من أول الأمر فان الحدوث والبقاء لا يكونان سببا لطولية اليقين في المقام بالنسبة إليهما لأنهما امران انتزاعيان.

فأخذ الجامع هنا لا إشكال فيه بان يقال ان اليقين في المقامين واحد بالنوع والتعدد يكون من خصوصية الفرد فيمكن لحاظهما وتصور الجامع بينهما والإشكال في الدال على التعدد.

والروايات العامة في باب الاستصحاب بدون التطبيق مثل قوله عليه‌السلام اليقين لا ينقضه الشك كما في الخصال وان كانت قابلة للتطبيق على القاعدة وعلى الاستصحاب إلّا انها مجملة من حيث التطبيق وضعيفة من حيث السند فعلى فرض الغمض عن السند نقول ان الروايات الواردة في الاستصحاب من حيث التطبيق على المورد

٢٠٢

تكون شاهدة للمراد من العمومات فلا دليل لنا على القاعدة في روايات الاستصحاب ولا بد من التماس دليل آخر لها غيرها.

بقي في المقام أمور

الأول ان الشيخ الأعظم قده (١) قال بان الروايات على فرض شمولها للقاعدة لا تفيد لأنها تكون معارضة مع الاستصحاب دائما لأن العلم بعدم عدالة زيد مقدم على العلم بعدالته فإذا علمنا يوم الجمعة عدالة زيد وشككنا يوم السبت فيها ويكون قبل يوم الجمعة أيضا ظرف العلم بعدم العدالة فيكون لنا حالتان سابقتان فاستصحاب عدم العدالة قبل العلم بها جار لشمول دليل الاستصحاب له فيعارض مع القاعدة وهما ساقطان بعد التعارض فلا فائدة لشمول الروايات.

ثم أجاب قده عن الإشكال بما حاصله ان اليقين السابق قد انتقض بواسطة حصول اليقين بالعدالة يوم الجمعة.

وقد أجاب شيخنا العراقي عنه بأن عدم النقض بلحاظ ظرف الجري يكون بالنسبة إلى العدالة بعد اليقين بها ولا مجرى لاستصحاب عدم العدالة قبل هذا الحين وأقول لعل مراده قده هو عدم اتصال الشك واليقين لاحتمال نقض الحالة السابقة بالعدالة في ظرف العلم بها وعليه فيكون من موارد الشبهة المصداقية للا تنقض اليقين فانه ان حصلت العدالة في ظرف العلم بها في الواقع فلا يكون مصداقا له وان لم تحصل فيكون المورد مصداقه وحيث يكون الترديد فيه فلا مجال للتمسك بعمومه

__________________

(١) ينبغي المراجعة إلى كلامه قده في الرسائل لضبط خصوصياته فانه متعرض له والأستاذ مد ظله تعرض في درس واحد لتمام الأمور وتعرض لكلامه ولكلام المحقق الخراسانيّ قده ولكلام العراقي قده ولإيراداته وشرح كل محتاج إلى بيان أزيد من هذا ولذا ترى ان الأمر الثاني والثالث لا يكون فيهما بيان لمختاره مد ظله.

٢٠٣

لعدم إمكان التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية فلا مجرى له بل تكون القاعدة بلا معارض.

وقال المحقق الخراسانيّ قده بما حاصله هو ان التعارض في المقام ممنوع لأنه متوقف على كون نقض اليقين بعدم العدالة في عرض نقض اليقين بالعدالة وليس كذلك فان نقض اليقين بعدم العدالة بالشك متوقف على عدم جريان القاعدة بالنسبة إلى العدالة المقيدة بالعلم بها فان شملها الدليل فلا يكون نقض اليقين بالعدالة نقضا لليقين بالشك بل يكون من نقض اليقين باليقين ولا عكس لأن نقض اليقين بالعدالة المقيدة بالعلم بها يكون نقضا لليقين بالشك من غير توقف على عدم شمول النهي لنقض اليقين بعدم العدالة المطلقة فالقاعدة سالمة عن المعارض على فرض شمول الدليل لها انتهى كلامه (١).

فأقول ان الشك السببي والمسببي يكون في صورة كون الشكين فيهما فعليين كالشك في طهارة الثوب الناشئ عن الشك في كرية الماء أو إطلاقه.

واما في المقام فلا فعلية بينهما لأن الشك في القاعدة والاستصحاب يكون في العدالة من حيث الوجود والعدم مثلا إذا كانت هي مشكوكة بل يكون لنا شكان تقديريان.

الأمر الثاني يمكن إثبات موضوع الاستصحاب بواسطة شمول الاخبار للقاعدة بان يثبت أصل العدالة بواسطة عدم نقض اليقين في ظرفه مثل يوم الجمعة مثلا ثم يستصحب تلك العدالة في يوم السبت لترتيب آثارها يوم السبت أيضا ففرد من افراد لا تنقض يوجب ثبوت الموضوع للفرد الآخر منه كما في الاخبار مع الواسطة فان تصديق الراوي الّذي ينقل عن غير الإمام عليه‌السلام يوجب إثبات الموضوع لمن يروى عن الإمام عليه‌السلام فان شمول تصديق العادل لكل فرد يكون في طول الآخر ولا إشكال و

__________________

(١) كلامه قده في حاشية الرسائل المسماة بفوائد الأصول ص ٢٢٦

٢٠٤

البحث محرر في محله عند ذكر الاخبار الآحاد وحجيتها وانه لا بد من وجود أثر شرعي لها يشملها أدلة وجوب التعبد بها.

الأمر الثالث ينبغي التوجه إلى ان الاستصحاب هل يمكن ان يكون أثرا لتطبيق الدليل على القاعدة أو لا فان جريان قاعدة اليقين لو شملها الدليل بالنسبة إلى اثره في المتيقن مثل العدالة لا كلام فيه وانما الكلام في انه إذا أردنا ان نرتب الأثر فعلا بواسطة الاستصحاب فهل يمكن التعبد بالعدالة بمقتضى القاعدة حتى يمكن استصحابها ثم ترتيب أثرها عليه أم لا فان التعبد لا بد وان يكون بلحاظ أثر شرعي فهل الاستصحاب أثر شرعي أم لا.

المقام الثاني في تقديم الأمارة على الاستصحاب

لا شبهة ولا ريب عند المتأخرين في تقديم الأمارة على الأصل مطلقا ومنه الاستصحاب سواء كانت الأمارة موافقة أو مخالفة له في المفاد خلافا للمتقدمين.

وانما الكلام في وجه التقديم من حيث كونها متقدمة بالحكومة أو بالورود أو بالجمع العرفي بين دليل الاستصحاب ودليل حجية الأمارة.

والتقديم على أي تقدير هو المشهور بين المتأخرين واما في القدماء فليس بهذا الوضوح وقبل الورود في وجه التقديم ينبغي تقديم كلام في معنى الحكومة والورود والتخصيص والتخصص.

فنقول اما التخصص فهو ان يكون شيئا من الأشياء خارجا عن تحت العموم بالوجدان من باب عدم كونه مصداقا له مثل ان يقال أكرم العلماء فكل عالم يكون الحكم عليه ولكن الجاهل لا يكون الحكم شاملا له من أول الأمر لأنه ليس بعالم فلم يكن مصداقا للعموم فيكون خروجه بالتخصص.

واما التخصيص فهو يكون بعد كون الشيء مصداقا للعام ولكن يكون خارجا عن حكمه مثل ان يكون زيدا عالما ومع ذلك لم يكن عليه حكم الإكرام الشامل

٢٠٥

للعلماء وهذا في الاصطلاح يسمى بالتخصيص.

واما الورود فهو يكون في صورة كون الخروج وجدانيا بالتعبد مثل تقديم الأمارة على أصل البراءة فان الموضوع للبراءة هو الجاهل الّذي لم يكن له البيان والأمارة بيان عند الناس.

ولذا طبق عليها في الروايات لفظ العرفان كما ورد بالنسبة إلى الحاكم انه من عرف حلالنا وحرامنا فيكون كذا وكذا فهي بيان ولا موضوع للبراءة عنده ولكن ثبت البيانية بالتعبد.

واما الحكومة فيكون معناها هو تقديم أحد الدليلين على الآخر بالتعبد بالتصرف في عقد الوضع أو عقد الحمل مثل ما إذا جعل الحكم للشك ثم يقال لا شك لكثير الشك فانه خروج موضوعي فمع كونه شاكا يقال لا شك لكثير الشك كما إذا قيل أكرم العلماء ثم يقال ان زيدا ليس بعالم مع انه من العلماء.

أو تكون الحكومة من باب التوسعة في الموضوع مثل ما يقال في المثال المتقدم ان زيدا من العلماء وان كان غير عالم بعناية كونه خادما لهم أو ساير الوجوه الّذي يكون موجبا لإدخاله تحت حكم الإكرام.

وبالتصرف في عقد الحمل مثل ان يقال لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ولا حرج في الدين فان التصرف هنا يكون في الحكم أي لا حكم ضرري في الإسلام ولا حكم حرجي في الدين فلو لزم من إطلاق حكم الضرر أو الحرج فلا يكون الحكم في هذه الصورة.

وفرقها مع التخصيص هو ان الخارج من الحكم أو الموضوع وان كان في الواقع مثل التخصيص لأوله إلى خروج هذا الفرد الكذائي عن تحت الحكم ولكن المخصص في الحكومة يتصرف في عقد وضع الحكم فيرى ما هو الموضوع غير الموضوع أو يرى ما هو الحكم غير الحكم واما في التخصيص فلا يتصرف في الموضوع بل يخصصه من حيث الحكم بدون التصرف في عقد الوضع أو الحمل.

٢٠٦

واما فرقها مع الورود فهو ان الدليل الوارد يوجب انهدام الموضوع في المورد كما مر ولكن الحاكم يكون ناظرا وشارحا لدليل المحكوم ولا يلزم ان يكون شارحا بلفظ أي وأعني كما ذكره الشيخ قده بل بكل وجه كان مفاده النّظر يكفى.

ثم ان شيخنا النائيني قده اصطلح في المقام بأن الحكومة على قسمين ظاهرية وواقعية ولا نفهم مراده فانه ان كان مراده بالحكومة الظاهرية ما إذا كان الحاكم أو المحكوم من الأحكام الظاهرية وبالحكومة الواقعية ما إذا كانا من الأحكام الواقعية فلا سبيل لهذا الاصطلاح لأن ظاهرية طرفي الدليل لا توجب كون الحكومة ظاهرية بل هي واقعية في الحكمين الظاهريين وفي الحكمين الواقعيين فلا وجه لهذا التقسيم.

ثم اعلم ان المباني في الأمارة والاستصحاب يجب تحفظها لفهم الحكومة أو الورود.

فان المباني في باب الأمارات ثلاثة تتميم الكشف وهو التحقيق بمعنى ان دليل الأمارة يوجب تتميم الظن الّذي هو نصف العلم ويجعله مقام العلم والثاني تنزيل مؤدى الأمارة منزلة الواقع كما عن الشيخ الأعظم والثالث جعل الحجية أو الحجة كما عن المحقق الخراسانيّ قده.

واما المباني في الاستصحاب فهي أيضا ثلاثة تنزيل الشك منزلة اليقين كما هو التحقيق وتنزيل المشكوك منزلة المتيقن كما عن الشيخ الأعظم (قده) وجعل المماثل كما عن المحقق الخراسانيّ قده فإذا عرفت هذه المقدمة.

فنقول الأقوال في كون التقديم في الأمارة على الاستصحاب بالحكومة أو بالورود مختلفة.

فقال المحقق الخراسانيّ قده لا أصل للحكومة بل هي واردة على الاستصحاب وقال جملة الاعلام من المتأخرين لا أصل للورود بل التقديم بالحكومة.

٢٠٧

ونحن نقول ان التقديم مسلم ولكن لا نعلم أنه بالحكومة أو بالورود أو بالجمع العرفي بين الدليلين.

اما تقريب الورود فهو على وجوه

الأول ما ذكره في الكفاية من ان دليل الاستصحاب يكون غايته اليقين بالخلاف والأمارة هو اليقين التعبدي فمن كان عنده الأمارة يكون عالما لا شاكا وان كان الظاهر من دليل الاستصحاب ان اليقين هو اليقين الوجداني لا التعبدي.

لا يقال لو كانت الأمارة علما تعبديا فكيف تحصل غاية الدليل الدال على ان المراد باليقين هو الوجداني لأنا نقول لو كان لنا العلم الوجداني لكان خارجا بالتخصص لا بالورود واما إطلاق العلم على ما قامت عليه الأمارة فيكون من باب صدق العرفان عليه فانه ورد في الأثر ان من عرف حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما ولا يكون مثل أبان بن تغلب الا عارفا بالروايات الصادرة عنهم عليهم‌السلام هذا.

ولكن يرد عليه ان هذا الكلام لا يتم على جميع المسالك في باب الأمارات أولا ولا يصح الورود ثانيا اما عدم تماميته على مسلك المحقق الخراسانيّ في الأمارات والاستصحاب فلأنه قائل في الأمارات بجعل الحجية أو الحجة وفي الاستصحاب قائل بجعل مماثل حكم الواقع في مورده وعليه فلا يحصل العلم التعبدي على المسلكين في البابين.

بل يتم الكلام من هذه الجهة على ما هو التحقيق من تتميم الكشف في الأمارات وتنزيل الشك منزلة اليقين في الاستصحاب.

ثم لا يتم الورود من جهة ان الوارد لا بد ان يذهب بموضوع المورد كما مر معناه وفي المقام لا يكون كذلك فان الأمارة لا توجب نفى الموضوع وهدمه في الاستصحاب ضرورة ان الموضوع هو الشك وهو باق بعد الأمارة أيضا غاية الأمر يكون الموضوع في الاستصحاب هو الشك وفي الأمارة يكون المورد هو الشك فيدور الأمر بين تخصيص دليل الاستصحاب في مورد الأمارة وبين كون مورد الأمارة خارجا

٢٠٨

بالتخصص لكون الأمارة كالعلم وكلما دار الأمرين بين التخصيص والتخصص فالثاني مقدم لأن أصالة العموم منحفظة في الثاني.

ثم ان هذا البيان لا يتم في المقام للحكومة أيضا لأن الأمارة كما توجب هدم موضوع الاستصحاب كذلك الاستصحاب يوجب هدم مورد الأمارة ضرورة انهما دليلان تعبديان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بهذا البيان فالتخصص يكون في الطرفين بالنسبة إلى المورد والموضوع فلا حكومة في البين ولا ورود بهذا البيان.

وبتقريب آخر لنفي الحكومة هو ان معناها كما مر هو كون أحد الدليلين ناظرا إلى الدليل الآخر كما في حكومة لا ضرر على الأدلة الأولية واما في المقام فلا نظر لدليل الأمارة على الأصل بل هما متعارضان بإطلاقهما يعنى إطلاق دليل الاستصحاب يشمل حتى مورد الأمارة وإطلاق دليل الأمارة يشمل حتى مورد الاستصحاب ولا ترجيح لأحدهما.

فالذي هو التحقيق هو ان يقال ان التقديم مسلم من جهة ان العرف حسب ارتكازه يرى من كان عنده الأمارة عالما ومن كان له الاستصحاب شاكا وهو يقدم العالم بهذا المعنى على الشاك ولكن لا نعلم انه يكون بملاك الحكومة أو الورود أو الجمع بين الدليلين فان كان معنى التقديم كقول القائل أيها الشاك تعبد بأنك غير متحير لوجود الأمارة فيكون هو الحكومة وان كان معناه أيها المتحير لست المتحير ونزّل نفسك منزلة العالم فيكون التقديم بالورود ولكن هذا خفي علينا ولا نقدر على إثبات أحد الأقسام.

ثم لو كان المبنى في الأمارات تتميم الكشف وفي الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن لا تنزيل الشك منزلة اليقين فلا سبيل الا إلى القول بالحكومة على المشهور من جهة ان الأمارة مفيدة للعلم التعبدي والاستصحاب لا يفيد إلّا ترتيب أثر المتيقن فلا يكون في وسعه المعارضة مع الأمارة.

واما على فرض تنزيل المؤدى في باب الأمارات وتنزيل المشكوك منزلة

٢٠٩

المتيقن كما هو مسلك الشيخ قده فيمكن أيضا القول بالحكومة ولا وجه للورود لعدم إفادة الأمارة الا ترتيب أثر المؤدى ولا يوجب العلم وهكذا الاستصحاب لأنه أيضا يكون مفاده ترتيب آثار المتيقن لا اليقين ولكن يرد عليه ان الحكومة محتاجة إلى النّظر وهو مفقود في المقام فلا سبيل للتقديم الا ما ذكرنا من ارتكاز العرف على انه لا شك مع وجود الأمارة.

التقريب الثاني للورود هو ان الغاية في دليل الاستصحاب وان كان اليقين الوجداني ولا يمكن نقض اليقين الا به ولكن يكون أعم من جهة كون اليقين الوجداني بالتعبد كما هو مفاد الأمارة أو بالوجدان ولا شك ان اليقين التعبدي يحصل بواسطة الأمارة لأنها فرد من افراد العلم تعبدا والعارف بها عارف بالحكم وغير شاك عند العقلاء فغاية عدم النقض حاصلة ولا ينطبق دليل الاستصحاب لانعدام موضوعه وهو الشك.

وفيه أولا ان مفاد الأمارة لا يكون هو الواقع التعبدي بل على ما هو التحقيق من كونها حجة من باب تتميم الكشف تكون منجزة للواقع ان أصابت إليه ومعذرة ان لم تصب.

وثانيا على فرض اختيار مسلك الشيخ قده من كون مفادها هو تنزيل مؤداها منزلة الواقع وان كان التعبد بالواقع ولكن مع فساد المبنى يرد عليه أيضا ان مفاد الاستصحاب أيضا كذلك لأن مفاده على فرض تنزيل المشكوك منزلة المتيقن الّذي هو رأى الشيخ قده هو التعبد بالواقع في ظرفه فكيف يقال بتقديم الأمارة عليه بالورود.

وثالثا ان الظاهر من الدليل هو ان غاية الاستصحاب هي اليقين الوجداني بالواقع الواقعي لا الواقع التعبدي فتحصل انه لا وجه لهذا التقريب أيضا للورود.

التقريب الثالث للورود هو ان يقال ان معنى لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر هو ان المراد باليقين في الصدر والذيل هو الإحراز الأعم من الإحراز

٢١٠

الوجداني والتعبدي ألا ترى ان مؤدى الأمارة يستصحب مع انها ليست يقينا وجدانيا.

ويرد عليه أولا ان اليقين هو اليقين الوجداني في ظاهر الدليل لا الإحراز.

وثانيا ان الاستصحاب أيضا يكون موجبا لإحراز الواقع فانه من الأصول المحرزة فيذهب بمورد الأمارة فكيف تقدم عليه بالورود فتحصل من جميع ما تقدم ان الورود لا وجه له بجميع التقاريب على جميع المباني وهكذا الحكومة لعدم إثبات النّظر لدليل الأمارة على الأصل واما أصل التقديم عند العرف فلا إشكال فيه اما بالجمع بين الدليلين أو بسرّ آخر فتدبر جيدا.

٢١١

فصل

في بيان الأصل عند الشك في الأمارية

والأصلية وفي قاعدة اليد

فنقول ان البحث السابق قد انتج تقديم الأمارة على الأصل اما بالورود أو بالحكومة أو بوجه آخر وفي هذا الفصل يكون البحث عن مقتضى الأصل عند الشك في أمارية شيء مثل قاعدة اليد أو أصليته.

ويترتب عليه ثمرات في الفقه منها التقديم على أصل آخر لو كان أمارة ومنها حجية مثبته على فرض الأمارية وعدم حجية مثبته على فرض الأصلية.

والأقوال في الأمارية والأصلية في خصوص قاعدة اليد مختلفة ولتوضيح المقام ينبغي البحث في مقامين.

المقام الأول في اليد التي تكون أمارة للملكية.

مثل ان ما في أيدي الناس من الدار والفرش يقال انه ملكهم لكونه تحت أيديهم والبحث في هذا المقام في جهات.

الجهة الأولى في معنى اليد من حيث كونها هو وضع الجارحة على شيء أو بمعنى الاستيلاء عليه ولو لم يكن تحت يده والحق هو البحث فيها من حيث الاستيلاء بالمعنى الحدثي لا بالمعنى الجامدي وهو اليد التي تكون من جوارح الإنسان كالرجل ولكن الاستيلاء تارة يكون مع كون الشيء تحت اليد بمعنى الجارحة كالقلم الّذي يكون في يد الكاتب وتارة لا يكون معه مثل من يكون مسلطا على الدار بكون مفتاحها في صندوقه ولا جامع بين اليد بمعنى الجارحة وما هو بمعنى الاستيلاء ومن شواهد ما ذكرناه هو انه ربما يكون تحت اليد بمعنى الجارحة ولا استيلاء مثل من يستأجر حمارا ويركب عليه مع كونه تحت استيلاء المكاري.

٢١٢

فتحصل ان المراد باليد هو الاستيلاء.

الجهة الثانية من البحث وهي العمدة البحث في كونها أمارة أو أصلا بعد الشك في ذلك فربما يتمسك بالأصل العملي في المقام ويقال بأنه يقتضى ان تكون قاعدة اليد أصلا من الأصول.

وبيانه بوجهين من التقريب :

الأول ان المقام من الدوران بين الأقل والأكثر لأن الأمارة مثبتها حجة بخلاف الأصل فإذا شككنا في ان اليد هل يترتب عليها أثر نفسها أو يترتب عليها لازمها أيضا فنقول ان الأصل عدم الأكثر يعنى عدم ترتيب اللوازم فينتج انها أصل.

والثاني ان الأمارة تتحقق بأمرين الأول أن تكون كاشفة عن الواقع والثاني ان تكون ممضاة في نظر الشرع من جهة كشفها واما الأصل فلا يلزم ان يكون كاشفا ولا يكون الإمضاء من جهة كشفه ولو فرض كونه كاشفا في الواقع كالاستصحاب وكلاهما مشتركان في وجوب الجري العملي على طبقهما فإذا شككنا في ان اليد هل تكون ممضاة بجهة كشفها أم لا فالأصل عدم الإمضاء كذلك وما هو المتيقن هو حجيتها في نظر الشرع لا ما هو الزائد عن ذلك.

وكلا التقريبين مخدوشان اما الأول فلأنه لا دليل لنا على ان الأصل مثبته ليس بحجة والأمارة مثبتها حجة بل يدور مدار الموارد فرب أمارة لا يمكن استفادة حجية لوازمها منها ورب أصل يمكن استفادة حجية اللوازم منه كما مر فيما سبق ولذا تراهم يتمسكون بخفاء الواسطة في بعض الموارد حيث يرون حجية اللازم في الأصل أيضا فلا يرجع البحث إلى الأقل والأكثر.

واما التقريب الثاني فهو مخدوش من جهة ان الاستصحاب ولو كان أصلا ولكن كان عند القدماء ممضى بجهة كشفه مع كونه كاشفا في ذاته أيضا ولذا يقال انه من الأصول المحرزة ويقع مقام القطع الجزء الموضوعي وعدم الكاشفية وعدم الإمضاء من جهة الكشف لا يكون في جميع الأصول بل في مثل البراءة من الأصول فلا يتم هذا الكلام في تقريب الأصلية وعدم الأمارية.

٢١٣

نعم يمكن ان يقال ان الأصل يقتضى عدم حجية مثبتات اليد بخصوصها ولكن لا من حيث الكبرى الكلية وهو عدم حجية مثبت الأصول مطلقا كما مر.

ثم انه ربما قيل انه لا ثمرة للنزاع في كونها أصلا أو أمارة لأن سندها بناء العقلاء وهم لا يكون التعبد في أمورهم بل يتبعون مقتضى اليد حسب ما رأوا من كاشفيتها عن الملك فلا تكون اليد أصلا تعبديا.

ولكن لا وجه له لأن العقلاء أيضا يكون بينهم وظائف مقررة الرفع الشك وهي الأصل ويكون بينهم كاشفات عن الواقع مثل رئيسهم وهو الشرع الأنور فانه رئيس العقلاء وجعل بعض الأمور من باب افادته الظن وبعض الأمور لحفظ النظام ورفع التحير من باب عدم قيام سوق للمسلمين لو لا ذلك فللبحث عن الأمارية والأصلية مجال.

إذا عرفت ما ذكرناه فيكون البحث عن كونها أمارة أو أصلا بحسب الدليل تارة في مقام الثبوت وأخرى في مقام الإثبات.

اما الثبوت فاللازم هو وجود الكاشفية لها في الواقع وإلّا فما لا كاشفية له لا يأتي البحث في إمضائه بجهة كشفه.

والوجوه الاصطيادية لتقريب كونها كاشفة في الواقع ثلاثة.

الأول ان الاستيلاء على شيء تنتزع منه الملكية وتستكشف منه ذلك كشف العلة عن المعلول فلو لا الملكية يلزم انفكاك العلة عن المعلول كما ان الفوقية والتحتية تنتزع من الفوق والتحت فمنشأ انتزاع الملكية هو الاستيلاء كما عن بعض الاعلام.

وفيه ان الملكية لها أسباب أخر مثل الإرث والبيع والشراء وغيره ولا يكون من أسبابها الاستيلاء ولا ينتزع منه الملكية.

الثاني ما عن الشيخ الأعظم قده من ان اليد مع ملاحظة الغلبة توجب الكشف عن الملكية وذلك لأن الغالب ان ما في أيدي الناس يكون ملكا لهم والشيء يلحق

٢١٤

بالأعم الأغلب وفيه ان اليد كاشفة عن ملك الناس بضم الميم لا كاشفة عن ملكهم بكسر الميم ضرورة ان الأيادي الملكية مثل يد الوكيل والولي والوصي تكون كثيرة في الناس فلا تكون اليد الكاشفة عن الملك بكسر الميم الا كثيرة في مقابل الكثيرة ولا تكون في الغلبة كذلك نعم في مقابل الأيادي العادية تكون أغلب ولكن هذا لا يفيد.

فان قلت ان اليد في السوق بحسب الفطرة كاشفة عن الملك لا من باب كون الاستيلاء منشأ لانتزاع الملكية فطبعها يقتضي ما ذكر قلت الأمر كذلك من حيث الدلالة على الملك بضم الميم لا من حيث الدلالة على الملك بكسرها إلّا ان يقال ان اليد كذلك يضم إليها أصول أخر عقلائية مثل أصالة عدم كونها يد الوكالة ولا الوصاية ولا الولاية ولا الإجارة وغير ذلك فتفيد الملكية بكسر الميم فلعل هذا يكون مراده قده هذا هو البحث في أصل الثبوت وكاشفية اليد عند العقلاء.

واما البحث في مقام الإثبات فلا بد فيه من ملاحظة الدليل الدال عليها لنرى ان إمضائها هل يكون بجهة الكشف بعد فرض كاشفيتها أو بسائر الجهات والدليل عليها أمور:

الأول الروايات فمنها صحيحة حفص بن غياث (١) الدالة على الحكم بالملكية على ما في يد المسلمين لما في ذيلها لو لم يجز ذلك لم يقم للمسلمين سوق.

__________________

(١) أقول وهي في الوسائل ج ١٨ باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان أشهد انه له قال نعم قال الرّجل اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أفيحل الشراء منه؟ قال نعم فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فلعله لغيره فمن أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق.

٢١٥

وغاية ما يستفاد منها حجية اليد والحكم بالملكية في ظرفها واما الأمارية وكونها كشفا عن الواقع وعلما ناقصا فلا والتعليل بعدم قيام سوق للمسلمين لولاها يكون من جهة ان حفظ النظام يقتضى ذلك فطريقية اليد لا تستفاد من هذه الرواية.

واما حكم المشهور بأنه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعي انتزعت منه العين إلّا ان يقيم البينة على انتقالها إليه فليس من تقديم الاستصحاب بل لأجل ان دعواه الملكية في الحال إذا انضمت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدعى يرجع إلى دعوى انتقالها إليه فينقلب المنكر مدعيا والمدعى منكرا ولذا لو لم يكن في مقابله مدع لم يقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيته وحجية اليد كذلك غير مربوطة بأماريتها بل يمكن ان تكون من الوظائف المقررة.

ومنها رواية مسعدة بن صدقة (١) وهي من الروايات التي استدلوا بها للبراءة وهي أيضا لا تدل الا على حجية اليد إلى قيام البينة لأن في ذيلها والأشياء كلها على ذلك حتى يستبين أو تقوم به البينة وهي لا تدل أيضا الا على الحجية لها لا الأمارية والطريقية.

ومنها (٢) ما ورد في محاجة على مع أبي بكر في امر فدك فانه كان في

__________________

(١) في باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ح ٤

(٢) أقول وهي في باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم في ج ١٨ من الوسائل عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث فدك ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال لا قال فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة قال إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين قال فإذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادعوا على كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم إلى ان قال وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.

٢١٦

يد فاطمة سلام الله عليها واستدل عليه‌السلام باليد على الملكية فيها وهي أيضا لا تدل الا على الحجية لا على الطريقية.

ومنها (١) موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في امرأة تموت قبل الرّجل أو رجل قبل المرأة قال ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرّجال والنساء فهو بينهما ومن استولى على شيء منه فهو له (٢).

وهذه الرواية أيضا انما تدل على ان الاستيلاء على شيء يكون حجة على الملكية ولا يفهم الأمارية والطريقية منها.

فتحصل انه لا طريق إلى القول بأمارية اليد لا ثبوتا ولا إثباتا بحسب الروايات وهكذا لو كان سندها الإجماع فانه أيضا يدل على حجية اليد لا على أماريتها وادعاء كونها كاشفة عن الملكية عند الفقهاء ممنوع.

واما بناء العقلاء فلو كان هو السند من باب غلبة كون اليد على الأموال يد المالكية فان كان من باب الكشف عندهم فيمكن ان يقال ان الشارع لم يردع عنه ولكن أصل الغلبة ممنوع كما مر والكشف عندهم غير ثابت عندنا فلذا يشكل حكومتها على الاستصحاب من باب الأمارية عندي وان قال به الفقهاء وأما التقديم من جهة صيرورة اليد بلا مورد لوجود الاستصحاب في جل موارد تطبيقها فهو المتعين.

__________________

(١) في الوسائل باب ٨ من أبواب ميراث الزوجين ح ٣ في ج ١٧.

(٢) أقول واستدل أيضا بحديث ٥ من باب ١٥ من أبواب إحياء الموات ـ وبحديث ١ باب ٥ من أبواب بيع الحيوان فان شئت فارجع إليه.

٢١٧

ثم هنا مسائل

الأولى في ان اليد هل هي حجة مطلقا أو تكون حجة في خصوص مشكوك العنوان يعنى ما لا يعلم كونه يد ملكية أو يد أمانة أو غيرها واما معلوم العنوان فلا تكون حجة فيها كما علمت حالته السابقة فيه خلاف والأكثر على اختصاصها بمشكوك العنوان واما معلوم العنوان فاستصحاب العنوان فيه حاكم على اليد ولو قلنا بأماريتها فما أحرز كونه لغير صاحب اليد في السابق والآن نحتمل صيرورته ملكا له وكان تحت اليد لا يحكم فيه بالملكية لعدم أمارية اليد هنا.

ثم ان العنوان اما ان تكون محرزا قبل إثبات اليد ونحتمل صيرورة اليد عليه بسبب ناقل كالبيع ونحوه واما ان يكون بعد إثباتها عليه يكون الشك في بقاء العنوان بعد ذلك مثل ما إذا علمنا بأن الدار كان لزيد واستأجرها عمرو وكان اليد ابتداء يد إجارة ولكن نحتمل صيرورتها ملكا بعد ذلك.

ثم ان القول بسقوطها عن الاعتبار في صورة إحراز العنوان اما ان يكون للقصور في المقتضى أو لحكومة الاستصحاب عليها أي استصحاب العنوان فنقول يدور هذا مدار السند في حجية اليد.

فان كان هو الغلبة كما عن الشيخ الأعظم قده فحيث ان الغلبة في اليد التي أحرز عنوانها ممنوعة لأن هذا القسم من اليد لا يكون الغالب فيه الانتقال إلى الغير فلا حجية لليد هنا ويكون الدليل قاصرا ولا نحتاج إلى استصحاب العنوان وان كان السند هو الروايات أو بناء العقلاء فيمكن ان يقال بتعميم الدليل في ذاته لهذا المورد أيضا لو لم نقل بان بنائهم مختص بغير هذه الصورة والروايات إرشاد إليها فلا بد من استصحاب العنوان الحاكم على اليد لأنه محرزا للعنوان فلا يبقى الموضوع لليد فمع العلم يكون اليد عادية قبل ذلك لا يتمسك بها للملكية.

وكلام شيخنا النائيني قده فيه خلط من جهة قوله بالحكومة تارة وبقصور

٢١٨

الدليل أخرى ولم يحرز ان الحكومة في صورة عدم قصور الدليل ومعه لا وجه له.

ثم ان الاستصحاب حاكم على اليد في صورة كون الشك في العنوان والجهل به مأخوذا في لسان دليل اليد وإلّا فلا يبقى وجه لحكومته.

فإن قلت ان الجهل بالعنوان إذا كان من ابتداء الأمر وحدوثه فلا تشتمل القاعدة من أول الأمر لأن العنوان كان محرزا فلا نحتاج إلى إحرازه بالاستصحاب قلت ان الاستصحاب يكون من جهة إحراز العنوان بقاء لا حدوثا.

وهذا الكلام يرد عليه بان الأمارة لم يؤخذ في موضوعها الشك بل موردها هو الشك فكيف يحرز عدم موضوعها بواسطة حكومة استصحاب العنوان والمدلول المطابقي في اليد هو الملكية لصاحبها ومدلولها الالتزامي هو عدم كونها عادية ومثبتات الأمارات ولوازمها حجة كمدلولها المطابقي إلّا ان يقال بان تقدم استصحاب العنوان يكون من باب كونه في رتبة الموضوع لليد ضرورة كون اليد حجة في غير ما كان محرزا لعنوان.

ثم ان استصحاب العنوان يفيد على فرض عدم حجية اليد وإلّا فيتعارضان ويتساقطان.

المسألة الثانية

في ان اليد هل تكون حجة فيما يكون بطبعه قابلا للنقل والانتقال أو يشمل حتى ما يكون قابليته بواسطة طرو عنوان موجب لذلك مثل الوقف فان بيعه ابتداء غير جائز ولكن مع احتمال الخراب أو ساير المجوزات لبيعه كما حرر في محله يجوز بيعه فعلى هذا إذا كان الوقف في يد شخص ونحتمل صيرورته ملكا له فهل هذا اليد أيضا أمارة للملكية أم لا فيه بحث.

فقد ذهب السيد محمد باقر الأصفهاني قده إلى ان اليد هنا أيضا لها الأمارية وخالفه شيخنا النائيني والعراقي قدهما ولا يخفى ان اليد اما ان تكون

٢١٩

على الوقف ولكن نحتمل تغييرها واما ان نحتمل الانتقال إليها من ابتداء الأمر بحصول مجوز للانتقال إليها فلا يكون وقفيته في يده محرزة.

واما لا نعلم بالوقف أصلا ولكن نحتمل باحتمال بدوي انه كان وقفا ثم لا بحث في القسم الأول واستصحاب عنوان الوقف والثالث أيضا لا يكون مطرحا في الكلمات وانما الكلام في القسم الثاني وفي هذا القسم قد اختار السيد محمد كاظم اليزدي صاحب العروة الوثقى في ملحقات العروة في كتاب القضاء أمارية اليد على الملكية وخالفه جملة ومنهم شيخنا النائيني قده وحاصل كلامه قده في الرد هو ان اليد حجة فيما يكون قابلا للنقل والانتقال بطبعه واما مثل الوقف فلا تكون اليد فيه حجة لاستصحاب عدم طرو مجوز للبيع.

وقد أشكل عليه شيخنا العراقي قده بأن المراد بالقابلية ان كانت القابلية الواقعية فلازم هذا الكلام ان يقال بعدم حجية اليد حتى في القسم الثالث الّذي قلنا بان احتمال الوقفية احتمال بدوي فيه ولا يقول قده به لأنه لو لم تكن اليد حجة في هذه الصورة لا يبقى لها مورد للتمسك بها واما لو كان الشرط عدم العلم بعدم القابلية فاستصحاب عدم طرو المجوز وان كان له مجال ولكن يفيد على فرض كون المبنى في الاستصحاب تنزيل الشك منزلة اليقين لحصول العلم بعدم القابلية تنزيلا على هذا المعنى فلا يمكن التمسك باليد واما على مبناه قده من تنزيل المشكوك منزلة المتيقن فلا سبيل له إلى هذا الكلام لأن غاية الاستصحاب هو التعبد بآثار المتيقن وهو يعارض مع ما هو مقتضى اليد من الملكية.

أقول وفي كلام الأستاذين نظرا ما ما قال شيخنا النائيني من ان المأخوذ في موضوع اليد هو القابلية للنقل بالطبع فلأنه لا دليل لنا على دخلها في الموضوع غاية الأمر ان الدليل حيث كان بناء العقلاء والشرع أمضاه يكون المتيقن منه صورة وجود القابلية كذلك ولكن معه لا يكون مما هو دخيل في موضوع اليد وعليه لا احتياج إلى استصحاب عدم طرو المجوز في الصورة الثالثة وهي صورة كون الوقفية مشكوكة

٢٢٠