مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

الفرد المردد فلا يكون حكم التخيير باقيا.

وإذا كان الشك في كون المسألة أصولية أو فقهية فيدور الأمر بين التعيين والتخيير في الحجة فانا نعلم بان الأخذ بالخبر الأول الّذي اختاره أولا حجة قطعا واما الأخذ بغيره فيكون الشك في حجيته ومن المعلوم ان اللازم هو الأخذ بالمعين للشك في حجية غيره والشك في الحجية يساوي القطع بعدم الحجية فلا بد من القول بعدم التخيير استمرارا على مقتضى القاعدة.

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري قده بان المنساق من الأدلة هو ان التخيير في الأخذ يكون لرفع التحير فإذا أخذ أحد الخبرين لا تحير له ثانيا ليشمله الحكم ومع الشك فلا مجال للاستصحاب لعدم بقاء موضوعه وهو المتحير.

وقد أشكل عليه شيخنا العراقي قده أولا بأن المنساق من الروايات ليس هو التخير البدوي فانها مطلقة تشمل الاستمراري أيضا وثانيا ليس التحير في لسان الدليل حتى يقال ان الموضوع قد ذهب بواسطة الأخذ ورفع التحير ولا نضايق كون التحير ملاكا لتشريع الحكم.

وفيه انه قده لم يدع ان الموضوع في لسان الدليل هو التحير بل يقول ان المنساق من الروايات هو التخيير البدوي والحق معه بعد اختيار شيخنا قده ان التخيير في المقام في المسألة الأصولية والمسألة الفرعية خارجة عن البحث لأن الروايات في مقام بيان العلاج تحكم بالتخيير فيكشف انا ان الحكم يكون لرفع التحير فإذا رفع بالاخذ فلا مجال للإطلاق ثانيا ولو قلنا بالإطلاق فهو يكون مثل التخيير في الحكم الفرعي وهو يخالف كون المسألة أصولية مع اعترافه بها.

ولذلك يقال ان العدول عن تقليد مجتهد إلى غيره غير جائز لأن المقلد بعد أخذه بفتواه لا تحير له وله الحجة فلا موضوع لرجوعه إلى مجتهد آخر وعلى فرض إنكاره لذلك وعدم كون المستفاد هو التخيير البدوي فالقول بإطلاق الروايات أيضا يحتاج إلى دليل.

٤٤١

وبعبارة أخرى ان شيخنا قده يقول ان الأمر بالاخذ في الروايات إرشادي وليس بمولوي فان معناه الأخذ ليصير ذا حجة ومن هذا يستكشف حجية إحدى الروايتين فيكون هذا حكم العقل وحكم العقل بحجية إحداهما باق بعد الأخذ أيضا وما يدل على صرف الوجود هو الخطاب المولوي وحكم العقل يكون على نحو الطبيعة السارية.

ونحن نقول ان ما ذكر من ان حكم العقل بلازم كل امر مستند إلى الشرع ظاهر في الطبيعة السارية لا بنحو صرف الوجود متين ولكن إذا كان هذا مستفادا من دليل لفظي واما في المقام فلم يكن الحكم بحجية أحد الخبرين الا من جهة استكشاف المكلف لا من جهة دليل لفظي فلا يمكن ان يقال ان الحجية مستمرة بل هي مهملة فنشك في ان الحجة هي ما أخذ ابتداء أو تعم غيره أيضا فيدور الأمر بين التعيين والتخيير في الحجة والمتعين فيه الأخذ بما هو المعين.

واستصحاب التخيير غير مفيد لأنه من الفرد المردد فانه على فرض كون التكليف بصرف وجود التخيير في الواقع لا حجية لأخذ غير الأول قطعا وعلى فرض كونه بنحو الطبيعة السارية فهو باق قطعا.

فتحصل ان التخيير بدوي حسب القاعدة الثانوية وليس باستمراري هذا كله في حكم الخبرين المتعارضين المتعادلين.

الجهة التاسعة

في المرجحات الخارجية والداخلية

اعلم ان ما له الترجيح فاما ان يكون مرجحه خارجيا كالكتاب والسنة فان موافقتهما ليست من مرجحات السند أو الدلالة في نفس الرواية واما ان يكون داخليا مثل ان يكون الراوي في أحدهما أعدل أو أفقه أو كان متن أحدهما فصيحا أو أفصح دون الآخر.

ثم انه يجب التوجه من باب المقدمة إلى ان الأصوليين لم يتفوهوا بإشكال فيما له

٤٤٢

المرجح الداخليّ مع الإشكال في الترجيح فيما له المرجح الخارجي وهذا يكون من جهة عدم التحير فيما له المرجح الداخليّ كما انه لا تحير فيما له الجمع الدلالي كالنص والظاهر أو الأظهر والظاهر بخلاف المرجح الخارجي.

ثم قبل ذكر المرجحات ينبغي البحث عن حكم الأصل عند الشك في كون الحجة هي ما له المرجح أو غيره فربما قيل كما عن الشيخ الأعظم ان مقتضى الأصل هو الأخذ بذي المزية لدوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجة ولا بد من أخذ المعين حينئذ وان لم نقل بالتعيين في غير المقام لأن الشك في حجية ما لا مرجح له مساو للقطع بعدم حجيته لأن مشكوك الحجية كالمقطوع في عدم حجيته في الأثر سواء كان في المسألة الفقهية أو المسألة الأصولية لأنه في الثانية أيضا بعد الأخذ يكون الشك في حصول الحجية مع وجود ذي المزية.

وقال شيخنا العراقي قده بما حاصله هو ان الباب ليس من باب التعيين والتخيير المصطلح لأن ذلك الباب معناه هو ان الأخذ بالمعين يكون مبرأ للذمة قطعا وغيره مشكوك فيه فلذا يؤخذ بالمعين واما في المقام فليس كذلك لأن المكلف ان أخذ بالمعين أيضا فيكون الشك في حجيته لأنه بالاخذ يصير حجة ولا يكون حجة واقعية لئلا يبقى الشك بعده في الواقع فإذا أخذ بذي المرجح لا يكون القطع بالحجية كما إذا أخذ بغير ذي المرجح فليس الباب باب التعيين والتخيير.

ومن زعم ذلك يكون من جهة زعمه ان روايات الترجيح أيضا يكون الأخذ بالمعين من مقومات حجيته كروايات التخيير مع انها مطلقة من قيد الأخذ حتى يقال الأخذ بالمعين معين والأخذ بغيره مشكوك.

فأقول ان كلامه قده متين إلّا ان التعيين هنا بملاك آخر وهو العلم الإجمالي بالتكليف مع الشك في الخروج عن عهدته إلّا بأخذ المعين ولعله قده أراد بكلامه هذا لأنه لا ينكر ترجيح ذي المزية من وجه آخر بل أنكره من باب التعيين والتخيير المصطلح.

٤٤٣

ثم لا بد من ملاحظة روايات الترجيح مع ما ورد في التخيير لتوضيح المرام فان المشهور تقديم روايات الترجيح على التخيير فإذا كان المرجح لأحد الخبرين فيجب ان يؤخذ به ويكون التخيير في صورة تساوى الخبرين وقد حكى ترجيح روايات التخيير على روايات الترجيح وحمل الثانية على الاستحباب لادعاء أن تقييد التخيير بما له الترجيح يوجب الحمل على الفرد النادر في اخبار التخيير لندرة تساوى الخبرين من جميع الجهات المذكورة في الروايات فيكون من التخصيص المستهجن.

الا على فرض القول بأن الخروج يكون بالتخصص لا بالتخصيص لأن موضوع روايات الترجيح صورة وجود المرجح لأحد الخبرين وموضوع روايات التخيير صورة التساوي من جميع الجهات فليس من التخصيص في الحكم.

وكيف كان فلو استقر التعارض بين اخبار الترجيح والتخيير ليس لنا رواية في تقديم أحدهما على الآخر لأن إثبات ترجيح اخبار الترجيح بنفسه دور وهكذا إثبات التخيير باخبار التخيير فان تقدم كل واحد منهما بما هو مفاده تقدم للشيء على نفسه مضافا بأنها في خصوص الأحكام لا في أحوال الرّواة.

وكيف كان فينبغي هنا ذكر اخبار الباب وهي على طوائف (١) الطائفة الأولى (١)

__________________

(١) وهي واردة في باب ٩ من أبواب صفات القاضي في ج ١٨ من الوسائل

(٢) كما في ح ٩ عن الكليني خذوا بالأحدث وفي ح ٧ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أرأيتك لو حدثتك بحديث

العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذه قال كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك الله.

وهكذا يفهم من ح ٨ وح ١٧ والكل في باب ٩ من أبواب صفات القاضي في الوسائل وهذه الروايات يمكن ان يكون الترجيح فيها من جهة ما ورد من ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.

كما في ح ٤ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ما بال أقوام يروون ـ

٤٤٤

ما دل على الترجيح بأحدثية الرواية أو كونها مؤخرة في النقل ولكن لم يتمسك بها القوم في مقام الترجيح لعدم تبدل رأى الإمام عليه‌السلام وان كان هذا في المحاورات العرفية والمرجحات.

ويستفاد من بعضها ان السر في ذلك هو الصدور بنحو التقية كما في ح ١٧ في الباب فإذا لم يكن التقية ثابتة في خصوص مورد من الموارد لا يكون المقدم هو الأحدث مضافا بان إثبات ذلك في زمان الغيبة مع تطاول الأزمنة مشكل جدا فانا لا نعلم المقدم من المؤخر.

الطائفة الثانية ما دل على التقديم والترجيح بصفات الراوي كالأعدلية والأوثقية.

فمنها مرفوعة زرارة وهي في فرائد الشيخ الأعظم عن كتاب غوالي اللئالي عن أبي جمهور الأحسائي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبر ان والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فقلت يا سيدي انهما معا مشهوران مأثوران عنكم فقال خذ بما يقول

__________________

ـ عن فلان وفلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.

ومعنى النسخ في أحاديثهم هو اخبارهم عليهم‌السلام عن انتهاء أمد الحكم فان لم يكن احتمال التقية ولا غيرها يمكن ان يكون الأحدثية مرجحة وعدم ذكر الأصحاب لهذا المرجح لا يكون دليلا على إعراضهم عنها فيمكن الاعتماد عليها بعد كونها منصوصة بالتعدي عن المنصوصة إلى غيرها كما سيجيء البحث فيه.

ولا شبهة في مرجحية هذه أيضا ومع الشك أيضا يكون المقدم هذه للشك في حجية غيرها فلا ينحصر الوجه في الأحدثية في تبدل الرّأي حتى نقول لا يتصور في حق الأئمة عليهم‌السلام بل احتمال النسخ بمكان من الإمكان وهكذا لا ينحصر الوجه في التقية مع انها ربما تكون في الحديث الأول أيضا.

٤٤٥

أعدلهما عنك وأوثقهما في نفسك فقلت انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ بما خالف.

فان الحق فيما خالفهم فقلت ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع قال عليه‌السلام اذن فخذ بما فيه الاحتياط لدينك واترك الآخر فقلت انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع فقال اذن فتخير أحدهما فتأخذ به ودع الآخر وتقريب الاستدلال على التقديم بالصفات هو الأخذ بالأعدل على ما هو صريح الرواية ولكن يرد عليه وجوه من الضعف الأول الضعف من حيث السند لكونها مرفوعة ومنقولة عن كتاب غوالي اللئالي وهو ضعيف وقد نسب وجودها في بعض كتب العلامة قده ولكن لم توجد في المطبوع منها فلعلها فيما لم يطبع من كتبه فانه قده صاحب مؤلفات كثيرة لم تطبع بعد.

الثاني الضعف من حيث الدلالة وهو على وجوه أيضا الأول من حيث المعارضة مع مقبولة عمر بن حنظلة في ترتيب المرجح فانه في هذه الرواية يكون ملاحظة الصفات بعد ملاحظة الشهرة وفي المقبولة تكون قبلها :

الثاني من جهة ان الراوي يفرض موافقة كلا الخبرين للاحتياط وموافقة المتعارضين كليهما للاحتياط لا تتصور.

الثالث ان الأخذ بالاحتياط في ما هو موافق له الّذي في هذا الخبر لا يقول به أحد في مقام الترجيح.

الرابع ان التقديم بمخالفة العامة لأحد الخبرين يكون في طول الترجيح بالصفة مع ان الخبر الموافق لهم كلما ازداد صحة ازداد ضعفا لأشدية احتمال التقية فكيف يقدم خبر الأعدل ولو كان موافقا لهم.

الخامس ان المراد بترجيح الصفات في الرّواة لا يختص براو واحد بل لا بد من ملاحظته مع جميع طبقاتهم وهو امر متعذر لأنا من أي دليل يحصل لنا الاطمئنان بأعدلية جميع الوسائط في خبر بالنسبة إلى خبر آخر مع عدم القدرة على إثبات

٤٤٦

ذلك بالنسبة إلى من كان في عصرنا فضلا عن الماضين بنقل أهل الرّجال.

السادس ان الأعدلية في مقبولة عمر بن حنظلة تكون بالنسبة إلى الحكمين فنحتمل كونها هنا أيضا كذلك فلا ربط له بالخبرين لاحتمال الخصيصة في الحكومة ثم انه لا يمكن انجبار ضعف الخبر بعمل المشهور بالنسبة إلى بعض الفقرات الأخر لأن عملهم غير ثابت مع وجود ما ذكر في ساير الاخبار الصحيحة وكفى في شدة ضعف هذه الرواية ما حكى ان صاحب الحدائق الّذي لا يكون دأبه الطعن في سند الرواية طعن في سند هذه.

ولا وجه لما ذكره الشيخ الأعظم من الجمع بين مقبولة عمر بن حنظلة وهذه من جهة التعارض في تقديم الشهرة في هذه وتأخيرها بقوله عليه‌السلام فان المجمع عليه لا ريب فيه بأن المقبولة أول المرجحات الخبرية في باب التعارض فيها هو الشهرة وما قبلها من الصفات يكون في شأن الحكمين فلا تعارض بينهما من هذه الجهة وهذا لأن الرواية بعد كونها بهذا الوجه من الضعف في الدلالة والسند لا يبقى لها شأن لنكون في صدد جمعها مع غيرها ورفع معارضتها.

ومنه يظهر ان ما ذكره العلامة الأستاذ النائيني قده من كونها مؤيدة للمقبولة غير وجيه لتعارضها معها في تقديم الشهرة فيهما وتقديم الصفات في المقبولة مع الضعف الّذي ذكره فهذه المقبولة ساقطة عن درجة الاعتبار.

ومن الروايات الدالة على الترجيح بالصفات المقيدة لإطلاقات التخيير على فرض وجودها مقبولة عمر بن حنظلة (في باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ١ في ج ١٨ من الوسائل) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحا كما إلى ان قال فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا) فقال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال فقلت فانهما عدلان مرضيان عند

٤٤٧

أصحابنا لا يفضل (ليس يتفاضل) واحد منهما على صاحبه؟ قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه.

إلى ان قال فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت جعلت فداك ان رأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ فقال ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا؟ قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

وتقريب الاستدلال في هذه الرواية من جهة الصفات وان كان واضحا مع كونها مقبولة من حيث السند ولكن لا يتم مطلوبنا بها لأن المطلوب إثبات الترجيح بالصفات في الخبرين المتعارضين لا في الحكمين وهي كما ترى تكون في الحكومة في منازعة الرجلين.

فان قلت الراوي والحاكم في صدر الإسلام كان واحدا قلت هذا ادعاء محض فان الحاكم في صدر الإسلام أيضا لم يكن كل راو للخبر فانه لا بد ان يكون مجتهدا ليمكنه حمل العام على الخاصّ وحمل المطلق على المقيد وعلاج الروايات المتعارضة التي تصل إليه مع عدم حضور الإمام عليه‌السلام عنده ولو كان حاضرا في بلد آخر وهذا لا يكون شأن كل راو للحديث.

فإذا كانت المقبولة في الحكمين واحتملنا دخل الحكومة في ذلك فلا يتم

٤٤٨

الاستدلال لكل خبرين متعارضين مع الفرق بين الخبر والحكم فان الحكم له الموضوعية فله اثره حتى بعد كشف الخلاف والخبر يكون له طريقية محضة.

ثم هنا خلط عن شيخنا الأستاذ النائيني قده ولعله من اشتباه المقرر وهو ان الخبرين المتعارضين إذا كان أخذ أحدهما هو الموجب لحجيته فلا فرق في ذلك بين كون الحاكم هو الآخذ أو يكون الآخذ غيره ووجه الخلط هو انه ليس الكلام في سند حكم الحاكم من الخبرين بل في الرجوع إليه ابتداء ليحكم في المنازعة وهو غير مربوط بالتخيير الأصولي الّذي يكون مداره الأخذ بأحد الخبرين.

فان قلت صدر الرواية يكون في مقام بيان حكم الحاكم واما ذيلها وهو قوله عليه‌السلام ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا إلخ في مقام بيان حكم الخبر.

قلت ان هذا مشكل في نفسه لأن المتنازعين ربما لا يكونان ممن هو قابل لأن يلاحظ صفات الراوي ويفهم سند الخبر ومع الغمض عنه فلا يعمل بهذه الرواية من جهة الترجيح بالصفات ولا قائل بتقديم الأعدل على العادل فهي ساقطة من حيث الترجيح بصفات الراوي.

ثم ان بعض الأعيان تبعا للشيخ الأعظم قال بان الكليني قده في ديباجة الكافي لم يذكر الترجيح بالصفات مع انه ذكر الترجيح بالشهرة فلو كان ذلك أيضا في صدر الإسلام لذكره فان قلت لوضوح الترجيح بها لم يذكره قلت الترجيح بالشهرة أيضا كذلك فان الفطرة حاكمة بتقديم ما هو المشهور فعدم الذّكر يكون من جهة عدم الاعتبار.

وفيه عدم ذكره لا يكون دليلا على عدم الاعتبار عنده فلعلّه لم يكن في مقام بيان كل المرجحات.

ثم انه على فرض تمامية الدلالة فقيل بان العمل بالترجيح يوجب حمل مطلقات التخيير على الفرد النادر لأن موارد عدم الترجيح من أي جهة في الروايات نادرة جدا إلّا ان يقال بأن خروج موارد الترجيح عن إطلاقات التخيير يكون

٤٤٩

بالتخصص لا بالتخصيص وقلة المورد للمطلق أو العام في نفسه غير مربوطة بالتخصيص المستهجن.

ومع فرض استقرار التعارض بين روايات التخيير والترجيح وتساقطهما فالأصل يقتضى تقديم ما له المرجح لدوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجة ولا شبهة في تقديم ما له المرجح ح.

ثم لا يقال ان روايات التخيير يكون في مقام البيان فلو كان للمزايا دخل في الحكم بالتخيير لزم ان يبين فيها فلا بد من الأخذ بإطلاقها وحمل روايات الترجيح على الاستحباب.

لأنا نقول مطلقات الترجيح أيضا تكون في مقام البيان ولم يذكر فيها الحكم بالتخيير بل بعضها آبية عن التقييد فان التعليل في بعضها بان الرشد في خلافهم أي خلاف العامة يأبى عن القول بالتخيير مع وجود هذا المرجح.

لا يقال ان روايات الترجيح في نفسها متعارضة في مقام بيان المرجحات فان ما دل على الأخذ بما وافق الكتاب أو السنة يكون مطلقا من جهة كون الموافق لهما مخالفا للعامة أم لا وهكذا ما دل على الأخذ بما خالف العامة مطلق من جهة كونه موافقا للكتاب والسنة أم لا فلا يمكن الجمع بينهما ، لأنا نقول يكون الاخبار في مقام بيان ما هو المرجح وعدّه ومن المعلوم ان ما دل على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة مثبت لهذا المرجح وما دل على الترجيح بمخالفة العامة مثبت لهذا وهكذا سواء كان عدّ المرجحات في رواية واحدة أو روايات متعددة.

لا يقال ان الروايات الدالة على الترجيح بمخالفة العامة لا تكون في مقام بيان الحجة عن غيرها ففي الواقع تكون في مقام بيان ما هو حجة وترجيح حجة على أخرى بل في مقام بيان تعيين ما ليس بحجة وهذا غير مربوط بالتعارض فقط بل الخبر الّذي لا معارض له أيضا يلاحظ

٤٥٠

فيه موافقة العامة ومخالفتهم في مقام إثبات حجيتها ففي الواقع ما وافق العامة لا مقتضى له في الحجية لا انه حجة في مقابل ما خالفهم.

لأنا نقول هذا الكلام فيما يكون التعارض بين الموافق والمخالف بالتباين له وجه.

واما ما كان على نحو العموم والخصوص من وجه فلا وذلك لأن العامين من وجه يكون التعارض فيهما في مورد الاجتماع واما في مورد الافتراق فيكون العمل بكل واحد منهما فلا يكون من دوران الأمر بين الحجة واللاحجة بل من دورانه بين الحجتين.

فتحصل من جميع ما تقدم ان المرجح ان كان صفات الراوي فالمقدم إطلاقات التخيير وان كان غيرها يؤخذ بماله المرجح هذا كله على فرض وجود إطلاق في التخيير كما زعمه القائل بمرجعية روايات التخيير مثل المحقق الخراسانيّ قده : ولكن التحقيق عندنا عدم وجود رواية مطلقة في التخيير بل بيانه يكون في ذيل ما دل على الترجيح وما ذكره قده في الكفاية من الروايات المطلقة في التخيير فلا يتم.

اما خبر الحسن بن جهم فلأنه قده ذكر ذيله لا صدره وهو في مقام بيان ذكر المرجح (فانه في الوسائل باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ٤٠) فقال ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يكن يشبههما فليس منا هذا صدره.

واما ذيله فهو ما ذكره قده ـ قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.

وانك ترى الصدر في مقام بيان الترجيح بالكتاب والسنة.

واما رواية حارث بن المغيرة (في الوسائل في الباب السابق ح ٤١) فلا تدل على التخيير بل على التوقف لقوله عليه‌السلام فموسع عليك حتى ترى القائم فترد إليه و

٤٥١

وقال شيخنا الحائري معناه التوسعة في الواقع لا الأخذ بأحد الخبرين.

واما مكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام في الباب ح ٤٤ وتكون في خصوص المستحب وهو ركعتي الفجر في المحل أو على الأرض ولا يستفاد منها حكم الواجبات وهكذا مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الحجة عليه‌السلام في الباب ح ٣٩ فانها أيضا في خصوص التكبيرات المستحبة (١).

فتحصل عدم وجود رواية مطلقة في التخيير ليمكن الاعتماد عليها وجعلها مرجعا عند الشك بعد تعارض المرجحات.

نعم نحن نقول بتقديم ذي المرجح من باب ان الدوران إذا كان بين التعيين والتخيير فلا بد من القول بالتعيين.

ثم انه بعد عدم القول بالترجيح بالمرجحات كما عن المحقق الخراسانيّ قده ذكر الإجماع على ترجيح ما له المرجح من باب الأخذ بأقوى الدليلين وفيه مع كونه سنديا وسنده الاخبار انه مخدوش لذهاب مثل الكليني قده إلى التخيير مع كونه في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النوّاب والسفراء قال في ديباجة الكافي ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير.

__________________

(١) أقول مضافا بان هذه المكاتبة كما مر تكون في مقام بيان التخيير الواقعي فان الإمام عليه‌السلام إذا قال في ذلك روايتان يكون معناه الاخبار عن الواقع لا الجهل بالحكم مع احتمال كذب إحداهما.

٤٥٢

الجهة العاشرة

في التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها

فان فيه الخلاف بينهم فالشيخ الأعظم الأنصاري قده اختار التعدي ولا يخفى ان هذا البحث ينتج ويثمر على مسلك من يقول بوجود مطلقات التخيير بعد عدم المرجح واما على ما مر من عدم وجود مطلق في التخيير فان الأصل يقتضى تقديم ما يحتمل ترجيحه سواء كان المرجح منصوصا أم لا وذلك لدوران الأمر بين التعيين والتخيير والمعين مقدم كما مر.

ثم استدل الشيخ قده على التعدي بأدلة ثلاثة وتبعه غيره فيها.

الأول ان روايات الترجيح تكون في خصوص الصفات بعنوان الأصدقية والأوثقية فمن هذا العنوان نفهم ان كل ما هو أصدق وأوثق ويكون له الطريقية إلى الواقع بنحو أقوى يكون هو المقدم.

وفيه ان هذا العنوان كان في المقبولة عن عمر بن حنظلة وفي المرفوعة عن زرارة وقد مر عدم تمامية الأولى دلالة في خصوص الصفات وعدم تمامية الثانية سندا ودلالة كما مر فان الترجيح بالصفات ساقط من أصله هذا أولا.

وثانيا ما يكون له الطريقية في نظر الشرع وأمضى طريقيته يكون هو الملاك لا كل ما يوجب الظن ولذا ترى ان الظن الحاصل من الخبر الواحد يكون هو الحجة لا مطلق الظن من أي طريق كان مثل الحاصل بالقياس والاستحسان والظن الانسدادي فليست الأصدقية والأوثقية علة للحكم بالترجيح بل تكون حكمة في جعل الحكم في خصوص المورد.

وثالثا ان الوثوق المعتبر اما ان يكون هو الوثوق الخبري ولو لم يكن الوثوق بالمخبر واما ان يكون المراد به هو الوثوق المخبري وان كان الغالب التلازم بينهما فالتعدي من المرجح المنصوص يتم على فرض كون الملاك هو الوثوق الخبري

٤٥٣

لا المخبري وظاهر روايات الترجيح هو ان الوثوق المخبري هو الملاك لا الوثوق الخبري لأن السؤال والجواب يكون في حال المخبر وعليه فلا يمكن الأخذ بكل ما يوجب الوثوق بالخبر بل لا بدّ من أخذ ما هو المنصوص من الوثوق بالمخبر فلا يتم هذا الوجه من البيان في تقديم ذي المزية مطلقا.

الدليل الثاني للتعدي قوله عليه‌السلام في تقديم ما خالف العامة فان الرشد في خلافهم فالملاك هو الرشد وهو يكون في الظن الأقوى أقدم من الظن القوى.

وقد أجاب عنه المحقق الخراسانيّ قده بأن الرشد في نفس المخالفة لا في مطابقة ما خالفهم للواقع حتى يكون كل ما يوجب الظن القوى بالواقع مثل مخالفة العامة في كونه مرجحا هذا أولا وثانيا ان البحث يكون في المتعارضين الذين هما حجتان لو لا المعارضة وقد مر ان ما وافق العامة ليس بحجة والحجة فقط هي ما خالفهم فيكون من باب دوران الأمر بين الحجة واللاحجة وبعبارة أخرى لا بد من كون أصالة الصدور وأصالة الجهة وأصالة الظهور في رواية تامة حتى يعمل بها وموافقة العامة توجب سقوط جهة صدورها فليست بحجة وان تم سائر الظهورات ومخالفتهم توجب سلامة جهة صدورها وهي عدم صدورها عن تقية.

والجواب عنه قده هو ان الرشد في نفس المخالفة لا ربط له بالخبر ومطابقته للواقع وعدمه مع ان هذه الفقرة تكون في الاخبار في مقام بيان المرجح لما هو المطابق للواقع وليس لنا رواية مستقلة بهذه العبارة وما ذكره في ديباجة الكافي لعله صار سببا لزعمه قده ان الرشد في نفس المخالفة فظن ان نقل هذه الفقرة منه رواية مستقلة وليس كذلك.

ولا غرو في كون مخالفة العامة من أبزار الحجية عند عدم التعارض لوجود قرينة على التقية ومن أبزار الترجيح معه لعدم إحراز مخالفة ما هو الموافق للعامة مع الواقع لأن الأحكام الموافقة للعامة وللواقع كثيرة في مذهبنا فليس كل موافق

٤٥٤

لهم خلاف الواقع.

الدليل الثالث للتعدي هو ما في المقبولة من قوله عليه‌السلام فان المجمع عليه لا ريب فيه ومن المعلوم ان المراد بعدم الريب ليس هو القطع بالحكم بل المراد به الظن القوى بالنسبة إلى ما ليس بمجمع عليه فعدم الريب إضافي لا حقيقي فكل ما يوجب قلة الريب في خبر يؤخذ به هكذا قيل ولكن المراد بعدم الريب في الرواية هو الوثوق بالصدور لا القطع ومن المعلوم ان المشهور لا ريب في الوثوق الحاصل منه.

ولكن لا يفيد التعدي لأن المحتمل هو اعتبار الوثوق الحاصل من صفات الراوي وما نصّ به في الروايات لا كل وثوق وظن جاء من أي وجه كان.

فتحصل ان التعدي عن المرجحات المنصوصة لا يجوز ولكن حيث لا يكون لنا مطلق في التخيير يكون مقتضى الأصل تقديم كل ما فيه المزية ولو لم تكن منصوصة من باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجة.

ثم ان المحقق الخراسانيّ قده بعد اختياره عدم التعدي عن المرجحات المنصوصة قال بما حاصله هو انا لو قلنا بالتعدي لا بد من القول به في كل ما يكون مزية سواء كانت مما له الطريقية إلى الواقع أولا وذلك لأن الروايات متضمنة لما لا طريقية له إلى الواقع كالأورعية والأفقهية فان كون الراوي ورعا أو فقيها أو أفقه لا ربط له بالكاشفية عن الواقع.

وفيه ما لا يخفى لأن من له الورع في ساير الجهات يكون له الورع من جهة نقل الخبر أيضا فالأورع يكون قوله أوثق من غيره ومن كان فقيها أو أفقه يكون حفظه لكلام المعصوم عليه‌السلام أضبط من غيره خصوصا في صورة نقل المعنى الّذي هو دأب الرّواة فان الفقيه إذا نقل معنى الرواية يكون الوثوق بفهمه أزيد من الوثوق بنقل الراوي الّذي ليس بفقيه.

فما ذكر قده من المنصوص الّذي يكون بنظره من المرجحات التعبدية لا وجه

٤٥٥

له هذا مضافا إلى ان القائل بالتعدي يقول به لملاك فهمه من المنصوص كما مرّ من جهة كونه رشدا أو لا ريب فيه أو اقرب إلى الواقع للأصدقية فلو فرض عدم الملاك لعدم فهمه ذلك لا يبقى وجه للتعدي عنه.

الجهة الحادية عشر

في تقديم الجمع على العلاج

اعلم انه لا شبهة في تقديم الجمع العرفي على العلاج فإذا كان عام وخاص ومطلق ومقيد وظاهر أو أظهر لا يتوقف العرف في الجمع بينهما بحمل العام والمطلق على الخاصّ بحمل الظاهر على الأظهر فإذا كان التعارض بالتباين بحيث لا يمكن الجمع تصل النوبة إلى روايات العلاج.

وقد خالف هذا الأساس (١) المحقق الخراسانيّ قده وحاصله ان من قال بتقديم الجمع العرفي قال به من جهة ان مورد روايات العلاج هو التحير وأبناء المحاورة لا يتحيرون في ما له الجمع العرفي بعد التعمق وهذا غير تام لأن التحير الابتدائي كاف في شمول روايات التخيير في المتعارضين الذين يكون تعارضهما في بدو النّظر أيضا فلو كان للعرف النّظر في الجمع بعد التدقيق يمكن ان تكون هذه الروايات رادعة عن نظرهم إلّا ان يستند بسيرة المتشرعة بالجمع بين روايات الأئمة عليهم‌السلام في الموارد المذكورة من الصدر الأول فلا يمكن ردع هذه الروايات عنها.

أقول ان ما ذكره قده خلاف التحقيق اما على مبنى مثل شيخنا النائيني قده

__________________

(١) أقول ويظهر منه قده في الكفاية ان نظره هو الجمع العرفي وان كان البحث العلمي في كلامه ابتداء كذلك والسند هو سيرة المتشرعة على الجمع في الروايات إذا كان المعارضة في مثل العام والخاصّ كما ذكره مد ظله عنه فليس هو قده مخالفا في الرّأي فارجع إلى الكفاية في ج ٢ ص ٤٠٢ لتمام بيانه قده.

٤٥٦

القائل بسقوط عموم العام عن الظهور حتى في المخصص المنفصل وهكذا المطلق والظاهر فلا تعارض أصلا لتصل النوبة إلى روايات العلاج.

واما على ما هو التحقيق من سقوط الحجية لا الظهور فالتعارض وان كان محققا ولكن لا يمكن ان تكون الروايات رادعة عن الجمع لأن الجمع يكون في مقام الدلالة وروايات العلاج يكون نظرها إلى الجهة والصدور فكيف يمكن ان تكون رادعة في غير موردها مضافا بان التبعيض في دلالة الروايات بكونها إمضاء لبناء أهل المحاورة في مورد وردعا في مورد آخر بعيد عن مساقها مستهجن فانها اما رادعة أو تكون في صدد الإمضاء :

وثالثا ان الجمع العرفي بين العام والخاصّ لا بد ان يكون في خصوص العام والخاصّ في الكتاب واما الروايات فعلى هذا الفرض لا بد ان لا يكون الجمع بين عامها وخاصها وإدخال مواردها في أدلة العلاج وهو مستهجن لا يقول به فقيه فتحصل ان مورد العلاج هو التحير المستقر لا الابتدائي وهو يكون بعد عدم إمكان الجمع العرفي.

لا يقال ان لنا في بعض موارد العام والخاصّ الأمر بالتخيير في روايات التخيير فكيف يقال بحمل العام على الخاصّ ولو كان التكليف هو ذلك فلا بد من بيانه في المورد فعدم بيانه وبيان التخيير دليل على ان المراد بالتحير هو الابتدائي الّذي يكون في العام والخاصّ والمطلق والمقيد والظاهر والأظهر.

فمنها ما في الوسائل (باب ٩ من أبواب صفات القاضي في ج ١٨ ـ ح ٥) عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في امر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال : يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه.

وتقريب الاستدلال هو ان الجمع بين الأمر والنهي بالكراهة ممكن بأن نرفع اليد عن ظهور كل خبر بنص الخبر الآخر فان النهي نصّ في الهزارة ظاهر في

٤٥٧

الحرمة والأمر نصّ في الجواز ظاهر في الوجوب والجمع بينهما بالكراهة فكيف يجعل عليه‌السلام الحكم بحمل الظاهر على النص مع وجود هذا الطريق للجمع في المورد لم وجعل المدار على التخيير بقوله عليه‌السلام فهو في سعة.

ومنها مكاتبة عبد الله بن محمد (في الباب ح ٤٤) إلى أبي الحسن عليه‌السلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلها في المحمل وروى بعضهم لا تصلها الا على الأرض فوقع عليه‌السلام موسع عليك بأية عملت.

ومنها مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (في الباب ح ٣٩) إلى صاحب الزمان عليه‌السلام إلى ان قال عليه‌السلام في الجواب عن ذلك حديثان اما أحدهما فإذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير واما الآخر فانه روى انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا.

فان الجمع بين الأمر بالصلاة في المحمل وعدم الصلاة الا على الأرض بحمل الصلاة في المحمل على الجواز مع الكراهة في المكاتبة الأولى والجمع بين العام والخاصّ بحمل العام وهو التكبير في كل انتقال علي الخاصّ وهو عدم وجوب التكبير في القيام بعد القعود فيخصص العموم به ومع ذلك جعل المدار على التخيير فيكون هذا وأمثاله شاهد عدم الاعتناء بالجمع العرفي ولزوم التخيير عند التعارض الابتدائي.

لأنا نقول اما الرواية الأولى فلا تدل على التخيير لأن قوله عليه‌السلام فهو في سعة حتى يلقاه معناه البراءة عن التكليف (١) بأحد الأطراف لا وجوب الأخذ به مضافا بان

__________________

(١) أقول لا يكون السعة معناها البراءة عن التكليف لأن المتعارضين باعترافه مد ظله ينفيان الثالث والحكم بها خلاف ما يستفاد من المتعارضين.

وما قال بان الجمع بين الأمر والنهي يكون في الأمر والنهي بالصيغة لا بالمادة لا أظن ان يلتزم به في باب الأمر والنهي لأن استعمال الأمر والنهي بالمادة في غير الواجب ـ

٤٥٨

الأمر والنهي بالمادة غير الأمر والنهي بصيغة افعل ولا تفعل فان قول القائل آمرك بكذا وقوله أنهاك عن كذا غير قابلين للجمع بالكراهة وهو مختص بالأمر والنهي بالصيغة.

واما المكاتبة الأولى والثانية فهما لا يستفاد منهما التخيير فان التوسعة في العمل غير الحكم بالتخيير فانها تناسب البراءة فلا يكون الحكم بالتخيير مع إمكان الجمع.

وما قيل في المكاتبة الثانية بأنها تكون فيها النقل بالمعنى في كلامه عليه‌السلام والجمع بين العام والخاصّ يكون في صورة النقل باللفظ لا وجه له لأن الإمام عليه‌السلام قادر على النقل باللفظ ولا داعي لنا في الحمل على ذلك مضافا بعدم اختصاص حمل الظاهر على الأظهر والعام على الخاصّ بصورة النقل باللفظ فلا يتم القول بالتحير الابتدائي في الحكم بالتخيير بما ذكر من الروايات كما زعمه هذا القائل فالمراد به هو التحير المستقر الّذي يكون بعد عدم إمكان الجمع العرفي.

__________________

ـ والحرام كثير في كلماتهم عليهم‌السلام كما في نواهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخصال وفي الفقيه ولا يكونان نصا في الوجوب والحرمة.

فلا بد من حمل هذه الرواية على صورة عدم إمكان الجمع مثل ثمن العذرة سحت ولا بأس بثمن العذرة خصوصا إذا قلنا بان التعارض لا يكون إلّا في هذه الصورة.

واما المكاتبتان فليستا في مقام التخيير بين الروايات المتعارضة بالتخيير الظاهري بل المراد هو التخيير الواقعي ضرورة عدم جهل الإمام عليه‌السلام بالواقع فجوابه عليه‌السلام يكون اخبارا عن الواقع مضافا بكونهما في المستحبات والبناء فيها على التسهيل.

وليس المراد فيهما التوسعة من جهة الحكم بالبراءة بل التخيير لقوله عليه‌السلام بأية عملت وقوله عليه‌السلام فبأيهما أخذت من باب التسليم إلخ فان هذه العبارة ظاهرة في التخيير فتدبر.

٤٥٩

وينبغي التنبيه على أمور

الأمر الأول في ان اخبار العلاج هل تشمل المتعارضين الذين يكون تعارضهما بالعموم من وجه أم لا فيه خلاف الشمول مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين السند والجهة بشمولها له في الجهة وعدم شمولها له في السند كما عن شيخنا النائيني قده (في التنبيه الخامس من كتاب فوائد الأصول).

وحاصل كلامه قده ان المعارضة في العامين من وجه تكون في مادة الاجتماع وفي مادتي الافتراق ولا وجه لإسقاط أحد الخبرين في صورة عدم المعارضة وفي صورة المعارضة أيضا لا وجه لاختيار أحد الخبرين من حيث المرجح في الصدور لأن لازمه التبعيض في السند وذلك للأخذ ٠ بهذا الخبر المرجوح في مورد عدم المعارضة وهو مورد الافتراق والطرح لسنده في مورد الاجتماع لتقديم الراجح عليه وهو غير ممكن.

فان قلت ان الأحكام تكون بنحو القضايا الحقيقية فالخبر الواحد بواسطة موارد مضمونه ينحل إلى خبرين أو أزيد فلا إشكال في تصديق المخبر في مورد لا مزاحم له وعدم تصديقه في المورد الّذي يكون له المزاحم.

قلت كون الأحكام بهذا النحو من القضايا لا يوجب ان يكون الخبر الواحد اخبارا متعددة بل المراد هو انحلال الحكم الّذي استفدنا من الدليل على الموضوع الّذي ينحل إلى الافراد الموجود فعلا والمقدر وجوده فإذا قيل أكرم العلماء يكون الموضوع الموجودين من العلماء ومن قدر وجوده فلا إشكال في عدم جواز التبعيض في السند.

واما الرجوع إلى المرجحات الجهتية ومع عدمها الرجوع إلى المرجحات المضمونية فلا يكون فيه هذا الإشكال لانحفاظ السند في الرواية مع فرض كون مورد الاجتماع عن تقية وكيف كان فبعد عدم المرجح من حيث الجهة والمضمون فالقاعدة تقتضي التخيير ولكن المانع هو تسالم الأصحاب على التساقط في مورد الاجتماع

٤٦٠