مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

يكون اليقين فيه أعم من اليقين الإجمالي والتفصيلي وهكذا اليقين بعدم الإسلام يوم الأربعاء المشكوك يوم الجمعة نعلم إجمالا بنقضه.

اما يوم الخميس أو يوم الجمعة فلو كان يوم الخميس لكان مقدما على الموت فلا يمكن استصحاب عدمه لاحتمال نقض اليقين السابق باليقين اللاحق إجمالا يوم الخميس فيصير المقام من الشبهة المصداقية لأن اليقين السابق ان لم ينقض في الواقع قبل الجمعة لكان المقام مصداقا لدليل الاستصحاب ولو نقض لم يكن مصداقا له والتمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية غير جائز فالدليل قاصر عن شمول المقام فلا يجري الاستصحاب أصلا.

وقد أجاب شيخنا النائيني والعراقي عن هذه الشبهة بان الوجدان حاكم بان يوم الجمعة يكون لنا الشك في الحياة إلى زمان الإسلام والشك في الإسلام إلى زمان الموت باعتبار يوم الخميس وهذا الشك واليقين متصلان وقد أقام البرهان على ذلك شيخنا العراقي (قده) بان موطن العلم والشك والظن والتمني والترجي هو النّفس ولا يسرى الشك والعلم إلى الخارج ولذا ترى خلاف الواقع في الخارج لكونه جهلا مركبا وترى المضادة بين الشك التفصيلي والعلم الإجمالي لو سرى إلى الخارج فان العلم والشك لا يجتمع في الخارج بل يكون متعلقا بالصور الذهنية.

وعليه ففي المقام لا يسرى العلم الإجمالي بالحدوث اما يوم الخميس أو يوم الجمعة إلى الخارج حتى يكون مضرا وموجبا لانفصال الشك عن اليقين.

أقول الفرق بين الشك البدوي والمقرون بالعلم الإجمالي واضح ولذا تجري البراءة في الشبهات البدوية ولا تجري في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ولو كان كل واحد من الأطراف مشكوكا والعلم والشك وان لم يسر إلى الخارج ولكن يكونان مرآتا عن الخارج ويترتب الأثر على الخارج بلحاظه.

١٦١

الكلام في الحادثين المتضادين

إلى الآن كان الكلام عن الحادثين اللذين لم يكونا متضادين في الوجود والآن يكون الكلام في الحادثين الذين يكون بينهما التضاد بحيث لا يجتمعان كالطهارة والحدث فانهما لا يجتمعان في شخص واحد فإذا علم المكلف بحدوث حدث منه وحدوث طهارة من الوضوء أو الغسل ولكن لا يعلم ان السابق هو الطهارة أو الحدث ففي جريان الاستصحاب والسقوط بالتعارض أو عدم جريانه أصلا خلاف بين العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري (قده) والمحقق الخراسانيّ والفرق بينهما هو الاستصحاب الوجوديّ هنا يعنى استصحاب الحدث أو استصحاب الطهارة والاستصحاب العدمي في السابق كما في استصحاب عدم التقدم في الإسلام أو عدم التقدم في الموت حيث كان الشك في التقدم والتأخر.

ودليل الشيخ قده على الجريان هو تمامية المقتضى وعدم المانع فيستصحب بقاء الحدث وبقاء الطهارة ويتعارضان ويتساقطان واما الخراسانيّ قده فيقول بأن المانع هو عدم اتصال الشك باليقين السابق لأن موضوع الاستصحاب هو الشك في بقاء ما كان وفي الحادثين يكون لنا ثلاث أزمنة زمان اليقين بالحدث إجمالا وزمان اليقين بالطهارة كذلك وزمان الشك فيهما.

فإذا عرفت ذلك فنقول لا يجري الاستصحاب في الحادثين المتضادين لوجوه ثلاثة التي أبدعها شيخنا العراقي قده أو أخذها من درس أستاذه المحقق الخراسانيّ قده وان لم تكن في الكفاية الوجه الأول هو لزوم اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة ومن المعلوم عدم اتحاده في المقام لأن الطهارة كانت في السابق فلو كان الحدث بعدها في الواقع لكان آن احتمال الارتفاع غير آن الشك في البقاء ضرورة ان الشك في البقاء الآن وآن احتمال الارتفاع في السابق واللازم اتحاد آن احتمال الارتفاع و

١٦٢

الشك في البقاء الإشكال (١) حسب منصرف دليل لا تنقض اليقين بالشك.

وبعبارة أخرى لا شك في الآن الثالث بل الطهارة اما باقية في هذا الحين قطعا لو لم يتأخر الحدث أو فانية قطعا ان تأخر فلا يكون الشك فيه وكذلك استصحاب الطهارة.

الوجه الثاني هو ان الشك الّذي يكون موضوعا للاستصحاب يجب ان يكون متصلا إلى اليقين ولا شبهة في عدم اتصاله هنا من باب العلم الإجمالي بحدوث الحدث فانه لو كان متأخرا قد انقطع حبل الشك عن اليقين والظاهر من الدليل هو وجوب اتصاله إليه.

والوجه الثالث هو ان معنى الاستصحاب هو انه لو تقهقرنا لوصلنا إلى اليقين السابق وفي الفرض لا نصل إليه لاحتمال فصل الطهارة بالحدث وبالعكس فلا يجري الاستصحاب لذلك.

نقض في المقام

وهو ان انفصال الشك عن اليقين لاحتمال وجود الفاصل لو كان مضرا في توارد الحالتين بجريان الاستصحاب لكان هذا الإشكال في جريانه في الشبهات

__________________

(١) لا شبهة في كون الشك في البقاء واحتمال الارتفاع في هذا الحين متحدين وقبله لم يحصل الالتفات إليه وتقدم الارتفاع في الواقع يكون شأن كل استصحاب فان احتمال الزوال يكون قبل احتمال البقاء والعلم الإجمالي بتوارد الحالتين لا أثر له بالنسبة إلى كل فرد والجامع لا أثر له الا تعارض الاستصحابين.

ومن هنا يظهر ان الحق مع الشيخ قده القائل بالجريان والتعارض والنقض في المقام في محله سواء في ذلك الشبهة البدوية المحضة أو المقرونة بالعلم الإجمالي لقيام الاحتمال على الجميع التقادير وعدم إحراز الفصل على الجميع.

١٦٣

البدوية أيضا ضرورة احتمال وجود الفاصل بين اليقين والشك بطرو احتمال النقض مع انه لم يقل أحد بعدم جريانه فيه.

ولا يخفى ان الإشكال لا يكون في الشبهة البدوية المحضة كما إذا كان متيقنا بالطهارة السابقة ثم يشك فيها بل فيما إذا كان مقرونا بالعلم الإجمالي كما إذا علم ان الطهارة قد حصلت له اما في أول الصبح أو أول الظهر ثم شك في بقائها في العصر فانه في الآن الثالث لا يعلم بقاء الطهارة في الآن الثاني لأنه يكون طرف علمه الإجمالي بأنها اما كانت في الصبح أو الظهر والآن الأول لا يجري الاستصحاب بالنسبة إليه لاحتمال فصل الحدث بينه وبين الآن الثالث بحيث لو تقهقرنا لا نصل إلى اليقين بالطهارة فيكون مثل توارد الحالتين.

والجواب عنه هو ان الشك يكون متصلا اما باليقين الوجداني في الآن الأول واما باليقين التعبدي في الآن الثاني لأنه لو كان له طهارة في الآن الأول يلزم استصحابها في الآن الثاني أيضا فالشاك لو رجع إلى القهقرى لوصل إلى المتيقن وهذا بخلاف توارد الحالتين فانه لا يصل إلى اليقين بدون الفصل بينه وبين الشك ولو كان في الواقع في الآن الثاني يصل إلى الواقع فالواقع الأعم من التعبدي والوجداني لا فصل بينه وبين شكه.

ثم ان الوظيفة العملية على فرض عدم الجريان أو الجريان والتعارض الاشتغال إذا لم نعلم الحالة السابقة على الحالتين من الحدث والطهارة فان أراد إتيان ما يشترط بالطهارة يجب تحصيلها واما على فرض العلم بالحالة السابقة فربما يظهر من كلمات العلامة (قده) الأخذ بضد الحالة السابقة فإذا فرض كونها الطهارة يؤخذ بالحدث وإذا كانت الحالة السابقة الحدث يؤخذ بالطهارة لأن المعلوم هو نقض تلك الحالة فإذا كان بالحدث لا نعلم انه قد زال بالطهارة ثانيا أم لا وإذا كان بالطهارة فكذلك فيستصحب كذلك.

ويرد على بان استصحاب أحدهما معارض بالاستصحاب الآخر فانه بعد الحالة

١٦٤

السابقة حدث الحدث والطهارة ولا نعلم تقدم أحدهما على الآخر أو تأخره عنه.

وربما يظهر من كلامه الأخذ بمثل الحالة السابقة لأنا لا نعلم ان تلك الحالة حدث بعدها مثلها أو حدث امر آخر ضدها بعد المثل أو قبله فتستصحب.

وفيه انه بعد العلم بحدوث الضد أيضا يكون استصحابه معارضا باستصحاب ذاك الضد فتحصل انه لا طريق لنا الا القول بالاشتغال على تقدير العلم بالحالة السابقة وعدمه كما هو المشهور.

التنبيه الحادي عشر

في أن المستصحب يجب ان يكون حكما شرعيا فعليا أو موضوعا ذي حكم شرعي فعلى بحيث ينتهى إلى العمل ولو بوسائط عديدة كما في استصحاب الطهارة لإتيان قضاء الصلاة فلو لم يكن له أثر عملي كالخارج عن محل الابتلاء أو الحكم التعليقي لا يجري الأصل فيه ولا فرق في ذلك بين القول بان الاستصحاب هو الجري العملي كما عن شيخنا العراقي قده أو جعل المماثل كما عن المحقق الخراسانيّ قده أو تنزيل المؤدى كما عن الشيخ الأعظم قده لأنه على الأول هو العمل وعلى غير يكون الظاهر من دليله هو عدم النقض عملا وبقاء مثله أو مؤداه بحاله كذلك.

والسر في ذلك كله هو أن النهي عن النقض يكون تعبدا من الشرع ولا تعبد في صورة عدم لزوم العمل سواء كان ذاك العمل عمل الجوارح أو عمل الجوانح كعقد القلب على نبوة مستصحب النبوة أو الإمامة.

ثم ان الترتب بين ذي الأثر والأثر أيضا يجب ان يكون شرعيا ولا يكفى وجود الأثر فقط فعلى هذا إذا شك في عدالة شخص يمكن استصحابها لجواز الاقتداء لأن دخل العدالة شرعي في جواز الاقتداء أو جواز التقليد واما إذا شك في بقاء اجتهاد المجتهد من باب كبر السن لا يمكن جريان الاستصحاب بالنسبة إليه لأن

١٦٥

جواز الرجوع إلى صاحب الرّأي من أحكام العقلاء والعقل وهو رجوع الجاهل إلى العالم والخبرة في كل فن فجواز التقليد وان كان شرعيان (١) ولكن دخله فيه ليس بشرعي وان كان من دأب البعض جريان الاستصحاب فيه أيضا كما يقولون بجواز البقاء على تقليد الميت باستصحاب وجود الرّأي له ولكنه غير تام عندنا.

التنبيه الثاني عشر

في جريان الاستصحاب في الاعتقادات أيضا لأنها من عمل الجوانح

والأمور الاعتقادية مثل عقد القلب على نبوة شخص وإمامة آخر وراء العلم بذلك فان العلم بشيء غير الاعتقاد به لأن الاعتقاد هو البناء النفسيّ علي الالتزام

__________________

(١) أقول ان جواز التقليد ان كان حكما شرعيا يكون استصحاب الاجتهاد مثل ساير الاستصحابات الموضوعية لترتب الحكم.

فان موضوع حكم الشرع بالرجوع إليه هو الاجتهاد وان لم يكن حكما شرعيا بل يكون حكما عقليا فحيث إمضاء الشارع.

بقوله عليه‌السلام اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه إلى قوله فللعوام ان يقلدوه يكون مثل ساير الأحكام الشرعية.

ومع الغمض فلا يكون الإشكال في الترتب بل في أصل شرعية الحكم على ان نفس الاجتهاد يمكن ان يقال انه من الموضوعات المجعولة المحددة الشرعية.

ولذا ترى عدم الاعتماد على اجتهاد من كان سنده القياس والاستحسان والشارع أمضى قبول قول من عرف حرامه وحلاله وهذا القدر يكفى لجواز الاستصحاب كما سيجيء عن المحقق الخراسانيّ في التنبيه الثاني عشر جريان استصحاب النبوة والإمامة على فرض مجعولية هذا المنصب وان كان الأثر بعد الجريان عقليا وهو وجوب الرجوع إليهما والاعتقاد بهما.

١٦٦

بلوازم ما علم وبالفارسية دل دادن به چيزى است ولكن العلم به يمكن ان يكون بدون هذه المرتبة ولا فرق في جريان الاستصحاب بين ذلك وبين غيره ولكن يلزم ملاحظة الأثر الشرعي في ذلك كله ليصح التعبد كما مر في التنبيه السابق فان المستصحب ما لم يكن من الأحكام أو من الموضوعات التي لها حكم شرعي لا يجري الاستصحاب بالنسبة إليه ففي المقام اما ان يكون الاعتقاد في السابق واجبا مثل وجوب الصلاة ثم يشك في بقاء الوجوب فهو من استصحاب الحكم واما ان يكون استصحاب أصل النبوة والإمامة من الموضوعات التي لها حكم شرعي فيستصحب مثل كون حكمها وجوب الاعتقاد بها فلو فرض عدم الوجوب الشرعي لا يبقى وجه له.

ثم من أركان الاستصحاب الشك اللاحق واليقين السابق ففي المقام يتصور الشك في بعض الصور ولا يتصور في البعض فنقول توضيحا لذلك ان النبي والإمام عليهما‌السلام لهما نفس كلية وهي الواسطة في الفيض وكونها في سلسلة علل الموجودات قبل نزولها في عالم الناسوت ولهما نفس جزئية وهي المتعلقة بالبدن في هذا العالم العنصر كما ان نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون له نفس كلية ونفس جزئية وهي ولد مكة في الأمس.

ولا يخفى ان النّفس الجزئية أيضا يمكن ان تكون في هذا العالم العنصري مؤثرة تكوينا كما ان الشمس أحد العناصر ولها تأثير بالنسبة إلى الأرض وساير الكرات فان نضح المعادن وإنبات النبات يكون التأثير الشمس على ما هو محرر عند أهله فالإمام والنبي عليهما‌السلام يمكن ان يكونا كذلك.

وهذان المقامان مما لا يكون جزافيا بل يكون مطابقا لنظم العالم ولا يكون زائلا وإليها الإشارة بما ورد في الأثر بنا عرف الله وبنا عبد الله وما ورد في الجامعة بكم فتح الله وبكم يختم إلخ ولا يجيء الشك فيهما (١) فان موت النّفس هذه ورفع

__________________

(١) أقول اختلاف العلل وقيام علة مقام علة أخرى غير عزيز في العالم الوسيع ويمكن الشك في تغيير هذا النحو من السببية نعم لو ثبت الانحصار لا يجيء الشك فيه وفي تقريرات بحث شيخه العراقي قده أيضا الالتزام بحصول الشك فلا يرد الإشكال من هذه الجهة.

١٦٧

علائقها عن عالم الناسوت لا يوجب إلا شدة التصرف في العالم فلا يكون الشك الّذي هو ركن الاستصحاب في ذلك ليمكن الاستصحاب.

وللنبي والإمام عليه‌السلام منصب جعلي وهو التصرف في البلاد وهو ركن الاستصحاب في ذلك ليمكن الاستصحاب وللنبي والإمام عليه‌السلام منصب جعلي وهو التصرف في البلاد وهو ان كان قابلا للزوال ويجيء الشك فيه ولكن لا يجري الأصل في لعدم الأثر الشرعي لأن وجوب الاعتقاد ومتابعة النبي والإمام عليهما‌السلام يكون من حكم العقل ومن لوازم وجوب شكر المنعم الّذي هو واجب بحكم العقل فان الشاكر لله تعالى مقتضى شكره هو قبول سفرائه وأوصيائهم فلا فرق في عدم جريان الاستصحاب بين الأقسام.

فما عن المحقق الخراسانيّ قده من الجريان على فرض كون ذلك من المناصب المجعولة غير وجيه عندنا (١).

ثم ان الداعي لهذا البحث هو ما وقع بين السيد محمد باقر القزويني في قرية ذي الكفل وبين كتابي يريد إلزام المسلم بدينه بواسطة العلم بالنبوة لعيسى فيستصحب

__________________

(١) أقول ان السر في كون الأثر يجب ان يكون شرعيا هو صحة التعبد فإذا فرض كون هذا المنصب مجعولا شرعيا يكفى الإمكان التعبد به على فرض الشك فيه ولو كان الجعل لملاك وهو رقاء النّفس فما عن المحقق الخراسانيّ هو الحق.

وهكذا نقول في استصحاب اجتهاد المجتهد فانه أيضا من المناصب المجعولة بما ورد عنهم عليهم‌السلام من عرف حلالنا وحرامنا فليرضوا به حاكما أو ما ورد من ان من كان من الفقهاء صائنا لنفسه إلى قوله عليه‌السلام فللعوام ان يقلدوه ولا إشكال فيه وقد مر الإشكال عنه مد ظله في التنبيه الحادي عشر من هذا الكتاب ونظير هذا القول هو ان الشارع إذا حكم بتمامية صلاة من نسي السورة يكون الاجزاء من الآثار العقلية مع ان الأصل والأمارة لا فرق فيهما من حيث وجوب كون التعبد بلحاظ الأثر فالموضوعات الشرعية مثل الأحكام الشرعية في كفاية كون نفسها الأثر في إمكان التعبد بها نعم ان قلنا بان المنصبين مما يجب إحرازهما باليقين في ترتيب الأثر وهو الاعتقاد بهما وغيره فلا يكفى الاستصحاب من هذا الباب أولا يجري للإشكالات الأخر.

١٦٨

مع الشك فيه ومما ذكرنا ظهر عدم وجه للتمسك بالاستصحاب لعدم تمامية أركانه لأن الكتابي ان كان مراده إثبات نبوة عيسى عليه‌السلام للمسلم لا وجه له لأن المسلم لا شك له في نبوة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا شك له في نفاد أمد عيسى عليه‌السلام وان كان مراده استصحابه لنفسه فهو أيضا لا شك له في نبوة نبيه فانه نصراني على الفرض فلا يحتاج إلى الاستصحاب لعدم الشك أصلا نعم لو فرض له الشك في بقاء نبوة نبيه من جهة ما سمع من صيت الإسلام المقدس يمكن ذلك ولكن لا يجري لعدم الأثر الشرعي له لأن وجوب الاعتقاد من أحكام العقل لا الشرع.

ثم ان ذلك كله يدور مدار سند حجية الاستصحاب فان أراد الاستصحاب في دينه فيدور لأن حجية الاستصحاب في دينه متوقفة على إثبات دينه وإثباته متوقف على جريانه مع الشك فيه ضرورة انه من أحكام الدين المشكوك فيه وان أراد استصحاب المسلم في دينه فهو أيضا غير مفيد لأن الدين الّذي لا يعتقد الكتابي به كيف يعتقد به بالاستصحاب الّذي يكون من أحكام هذا الدين فان الاعتقاد به متوقف على الاعتقاد بهذا الدين وهو خلاف مرامه.

فما عن السيد المذكور من إلزام الكتابي في جوابه بأن نقبل نبوة كل عيسى وموسى أخبر بنبوة نبينا وخاتميته كما هو مضمون مباحثة ثامن الحجج علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في مناظرته مع الكتابي يعنى الجاثليق يكون من باب إقناعه ولا يريد ان لنا عيسى وموسى بالنحو الكلي أي المسمى بهذا الاسم وانا نؤمن ببعض افراده بل من باب ان الشخص الّذي هو بهذه الصفة هو النبي ولنا القطع بنسخ شريعته فهذا الوصف ليس من مفرداته بل من أوصافه كسائر الأوصاف من كونه راكب الحمار أو أسمر اللون وأمثال ذلك.

فتحصل انه لا وجه لجريان الاستصحاب في النبوة والإمامة مطلقا اما لعدم وجود أركانه أو لعدم الأثر الشرعي.

١٦٩

التنبيه الثالث عشر

في ان العام بعد التخصيص بمخصص في زمان إذا شك بعد هذا الزمان في بقاء الحكم للعام أو للمخصص فهل المرجع استصحاب حكم المخصص أو عموم العام مثاله قوله تعالى أوفوا بالعقود فانه قد خصص بخيار الغبن ففي أول آن العلم بالغبن لا شبهة في التخصيص واما في غير هذا الآن يكون فيه الشبهة لأنا لا نعلم مثال فورية الخيار وعدمها فهل المرجع بعد عدم إعماله في أول آنات إمكانه عموم العام أو المخصص فيه بحث وقبل الورود في ما هو الحق يلزم تقديم مقدمات.

المقدمة الأولى في ان طبع الخطاب لو لا القرينة يقتضى ظرفية الزمان لا قيديته ومن المعلوم ان الزماني لا بد ان يقع في الزمان فان الموجودات في عالم الناسوت من الجواهر والاعراض لا تكون خارجة عن الزمان ولكن لا يخفى ان الزمان لو ثبت كونه ظرفا لا يمنع عن القول بعدم جريان الاستصحاب في بعض الصور كما سيجيء فإطلاق القول بجريان الاستصحاب في المخصص لو كان الزمان ظرفا وعدم جريانه لو كان قيدا كما توهم ممنوع ومن المعلوم ان القيدية في الزمان يحتاج إلى البيان.

المقدمة الثانية في ان مدار جريان الاستصحاب كما مر ليس على الظرفية ومدار عدم جريانه على القيدية لأن الظرفية أيضا على أنحاء ، الأول ان يكون الحكم شخصيا على كل فرد فرد من الزمان بان يكون في كل فرد من الزمان هذا الحكم الشخصي المستمر ولا يكون قابلا للانحلال إلى الأزمان ليقال هذا فرد من الحكم وذاك فرد آخر بل هو فرد واحد من الحكم في طول الزمان بحيث لو انقطع هذا الشخص لم يكن الخطاب متكفلا لحكم آخر لشخص موضوعه ولا يكون قابلا للتكثر :

الثاني ان يكون الحكم على الموضوع على نحو القضية المهملة بحيث يكون قابلا للانحلال بحسب الأزمان مثل أحل الله البيع فانه قابل للتطبيق على كل فرد من

١٧٠

افراد البيع في كل زمان من الأزمنة وبمقدمات الحكمة يثبت السريان.

الثالث ان يكون الحكم بنحو السريان والشمول لكل فرد من الافراد بنحو العموم مثل أكرم كل عالم في كل زمان فان كل فرد من افراد العلماء يشمله هذا الحكم بالوضع.

إذا عرفت ذلك فنقول على الأول لا مجال للبحث عن استصحاب حكم المخصص أو عن التمسك بعموم العام لأن الحكم الواحد لا يكون إلّا واحدا ولا شك في عدمه بعد التخصيص واما على الأخيرين فللبحث عن ذلك مجال فلا يختص البحث عن جريان الاستصحاب بصورة الظرفية دون القيدية لأنه على الظرفية أيضا يكون للبحث عن استصحاب حكم المخصص أو عموم العام مجال.

ثم ان الزمان إذا كان قيدا للحكم اما ان يكون قيديته على نحو المجموع من حيث المجموع مثل زمان الصوم بالنسبة إليه كما قيل فان مجموع الزمان من طلوع الفجر إلى الغروب يكون قيد الوجوب الإمساك بحيث لو لم يكن آن من الآنات صائما لبطل الصوم من أصله فهذه القطعة من الزمان هي القيد أو يكون قيديته لكل فرد من الافراد بحيث يكون كل فرد من الزمان قيد كل فرد من الموضوع فيكون كل فرد في كل زمان غير هذا الفرد في الزمان الآخر.

مثل ان يقال إكرام زيد واجب في كل زمان أي كل إكرام زيد يكون هذا الفرد منه غير ذاك الفرد فإكرام الصبح غير إكرام العصر فيتعدد الإكرام بتعدد الزمان وما صار سببا للتعدد هو قيدية كل زمان وإلّا فعلى الظرفية لا فرق بين إكرام الصبح والعصر.

والحاصل ان التكليف على فرض كون القيد مجموع الزمان واحد وعلى فرض كونه كل فرد منه يكون متعددا والإطاعة والعصيان أيضا واحدة أو متعددة فتحصل من هذه المقدمة ان الزمان اما ان يكون قيدا أو ظرفا وعلى الظرفية أيضا يجيء اختلاف جريان الاستصحاب وعدمه بعد تخصيص العام في برهة من الزمان فلا يتوهم

١٧١

انه على الظرفية لا إشكال في الجريان وعلى القيدية لا إشكال في عدم الجريان كما توهم.

المقدمة الثالثة في ان العموم والاستمرار بحسب الزمان لا بد ان يكون بقيام الدليل عليه اما من نفس الخطاب أو من الخارج ، اما من نفس الخطاب فمثل ان يقال إكرام زيد واجب في كل زمان أو مستمرا أو يحب إكرام العلماء في كل زمان أو مستمرا فان هذه العبارة وأمثالها صريحة في الدلالة على استمرار الحكم واما فهم الاستمرار من الخارج فمثل ان يقال شرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستمر إلى يوم القيامة ثم الاستمرار المستفاد من الخطاب اما ان يكون وصفا للموضوع أو للمتعلق بالموضوع أو يكون وصفا للحكم ضرورة انه إذا قيل أوفوا بالعقود ينحل إلى موضوع وهو الوفاء فيقال الوفاء مستمرا واجب وإلى المتعلق بالموضوع وهو العقد فيقال العقد وفائه مستمرا واجب وإلى الحكم وهو الوجوب فيقال وجوب الوفاء بالعقد مستمر.

ثم أنحاء استفادة العموم والاستمرار من الخطاب متفاوت ففي مثل أوفوا بالعقود وأحل الله البيع حيث يلزم اللغوية من القول بوجوب الوفاء بعقد دون آخر وفي زمان دون زمان وإمضاء بيع دون آخر وفي آخر وفي زمان دون آخر في كلام الشرع فيقال ان الوفاء بالعقد وحلية البيع يكونان في كل زمان وفي كل فرد من الافراد.

ثم لا فرق في استفادة الاستمرار بين ان يكون صفة للحكم أو للموضوع أو لمتعلق الموضوع عندنا على ما هو الحق وكذا عند شيخنا الأستاذ العراقي قده ولكن شيخنا النائيني قده قد خالف في استفادة الاستمرار للحكم من نفس الخطاب وحاصل كلامه قده هو ان الوصف لا بد له من موصوف ولا إشكال في وجوب تقدم الموصوف على الوصف فكما ان العرض لا يمكن تقومه الا بالجوهر كذلك الوصف لا قيام له الا بالموصوف فعلى هذا إذا قلنا يجب الوفاء بالعقد مثلا يكون الوجوب

١٧٢

هو المستفاد من هذه العبارة واما استمرار الوجوب فلا يمكن استفادته منه لأنه فرع ثبوته والاستعمال الواحد واللحاظ الواحد لا يمكن ان يكون في المعنيين الوجوب واستمراره فوصف الحكم وهو الاستمرار لا يمكن استفادته من الخطاب بخلاف وصف الموضوع ومتعلقه.

وفيه ان هذا الكلام لا يتم وجدانا وبرهانا اما الوجدان فانه لا يأبى عن استفادة الاستمرار من قول القائل يجب الوفاء بالعقد مستمرا (١) واما برهانا فلان الوصف والموصوف لا يكونان من العلة والمعلول حتى لا يمكن ثبوت المعلول الا بعد ثبوت العلة ليكون بينهما فاء الترتيب ذاتا مثل الفاء في تحركت اليد فتحرك المفتاح بل من الممكن إيجادهما معا لكن بدال آخر والدال الآخر اما ان يكون الموضوع أو لمتعلق الموضوع فان دوام الوفاء أو العقد يكون دالا على دوام الوجوب أيضا يعنى من دوامهما يفهم دوام الحكم.

ثم قال الشيخ الأعظم في المقام في الرسائل بما حاصله هو ان الزمان ان أخذ بالنسبة إلى العام بالعموم الأفرادي لكل زمان مثل ان يقال أكرم العلماء كل يوم ثم خصص بمخصص مثل ان يقال إكرام زيد العالم في يوم ممنوع بالإجماع مثلا فلا شبهة في عدم جواز استصحاب حكم المخصص لأن الدليل في كل آن يكون دلالته بالوضع وتخصيص بعض الزمان موجب لإخراج هذا الفرد واما ساير الافراد فيكون تحت الحكم بنفس الدليل بل لو لم يكن لنا عموم لا يكون المرجع استصحاب حكم المخصص بل الأصول الأخر واما إذا أخذ الزمان لبيان استمرار الحكم كقوله أكرم العلماء دائما ولم يكن لكل زمان حكم بخصوصه فإذا

__________________

(١) أقول قيد الاستمرار هنا يفهم من دال آخر وهو كلمة مستمرا وان كان الكلام في انه كيف يتعين كونه قيدا للحكم لا للمتعلق وفرضه قده في صورة كون الحكم بدون الدال الآخر ليكون اشكاله تعدد اللحاظ والمعنى مع الاستعمال الواحد.

١٧٣

خصص بخصوص في زمان في فرد من افراد العام ثم شك في بقاء الحكم له بعد هذا الزمان أم لا فيتمسك باستصحاب حكمه لأنه لا يلزم منه تخصيص زائد على التخصيص المعلوم لأن الخارج هو الفرد الواحد في جميع الأزمان لأن مورد التخصيص الافراد دون الأزمنة من غير فرق بين استفادة الاستمرار من اللفظ صريحا كالمثال المتقدم أو استفادته بمقدمات الإطلاق مثل قوله تواضع للناس بناء على استفادة الاستمرار منه ولا يكون هذا من تخصيص العام بالاستصحاب هذا حاصل كلامه رفع مقامه.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال ان مراد الشيخ قده من هذا الكلام هو ان قيد الاستمرار حيث لا يمكن ان يؤخذ من نفس الخطاب إذا كان قيد الحكم بخلاف صورة كونه قيدا للموضوع أو لمتعلق الموضوع فلا يكون للحكم السريان والشمول بحسب الأزمان فان القيد إذا كان قيدا للموضوع والمتعلق يمكن استفادة العموم الأزمانى منه فلا يتمسك باستصحاب حكم المخصص واما إذا كان قيدا للحكم فحيث لا يستفاد منه الاستمرار في الأزمان فيمكن التمسك باستصحاب حكم المخصص وقال كلامه وان كان مجملا ولكن يكون مراده هذا فمورد نفى استصحاب المخصص هو كون متعلق الحكم محل الكلام ومورد إثباته هو صورة كون الحكم محله انتهى حاصل ما أفاده.

وأقول كلام الشيخ قده وان كان مشكلا ولكن لا يكون فيه شاهدا لكون مراده ما ذكر وسيأتي زيادة توضيح لكلامه قده عند أخذ النتيجة من المقدمات.

المقدمة الرابعة في ان الكلام في الخاصّ أيضا يكون مثل الكلام في العام فان الزمان اما ان يكون قيدا فيه أو ظرفا بالتفصيل السابق في أقسام القيد وأقسام الظرف فإن ملاحظته أيضا لازم في مقام أخذ النتيجة.

إذا عرفت ما ذكرناه فان كان الزمان مأخوذ أعلى نحو الواحدة والاستمرار ولم يكن له عموم فردي بحيث يكون لكل زمان حكم مع كون الخاصّ مهملة

١٧٤

قال الشيخ الأعظم كما مر بجريان استصحاب حكم المخصص ولا يخفى ان الخاصّ إذا كان مهملا من حيث كون الزمان مأخوذا فيه على نحو الوحدة والاستمرار أو على نحو الفرد الاستغراقي يكون محل البحث وإلّا فلو أحرز كون التخصيص في الخاصّ أيضا في كل زمان من الأزمنة فلا شبهة في بقاء حكمه ولا نحتاج إلى الاستصحاب وهذا الفرض هو محل الكلام في المقام واما إذا كان العام بنحو العموم الاستغراقي بالنسبة إلى افراد الزمان فلا شبهة في التمسك بعموم العام وعدم المجال لجريان استصحاب حكم المخصص لأن ما هو الخارج على هذا الفرض هو الزمان الواحد واما ساير الأزمنة فيكون فردا للعام وأصالة العموم حاكمة بالنسبة إليه كما قال الشيخ قده وغيره واما في الفرض الأول فيجيء الاختلاف من جهة ان المرجع هو عموم العام مطلقا أو المرجع استصحاب حكم الخاصّ مطلقا أو يفصل بين كون العام منقطع الأول والآخر فيكون هو المرجع وبين كونه منقطع الوسط فيكون المرجع استصحاب حكم المخصص وجوه وأقوال.

وقد اختار الشيخ قده كما مر التمسك باستصحاب حكم المخصص لأن افراد الزمان لا يكون الحكم بالنسبة إليه محرزا بل أخذ الزمان على نحو الاستمرار والواحدة ولا يلزم من تخصيص الفرد بالحكم الخاصّ في ما بعد الزمان المتيقن زيادة تخصيص بالنسبة إلى العام (١) لأن الخارج هو الفرد فإذا قيل أوفوا بالعقود ثم دل الدليل على الخيار في أول زمان العلم بالغبن يكون خروج العقد الغبني من العام خروج فرد من افراد المتعلق فان كان خارجا إلى الأبد أو في الآن الأول لا فرق فيه والمفروض ان افراد الزمان غير داخل في الحكم بنحو الفردية ليكون إخراج ساير

__________________

(١) أقول كيف لا يلزم زيادة التخصيص مع ان العقد الغبني بالنسبة إلى الأزمان يكون له افراد ولازمه تخصيص زائد بالنسبة إلى افراد المتعلق ضرورة ان الخارج هو الواحد بالنوع لا بالشخص هذا ـ

١٧٥

الأزمان موجبا الزيادة التخصيص بالنسبة إليه وقد فصل المحقق الخراسانيّ قده بين صور العام والخاصّ في الكفاية وتنظر في إطلاق كلام أستاذه قده ولكنه حيث كان مؤسسا ما كان له مجال لتوضيح الصور.

وقد أشكل على مقالة الشيخ قده أو لا بان الزمان الواحد الّذي فرض ظرفا للافراد الّذي يكون متعلق الحكم كيف يبقى على وحدته ولا ينحل إلى الافراد فان الواحد لا بد ان يتعدد بالانطباق على الكثير ففرض الصورة كذلك لا يخلو عن الغموض.

وقد أجيب عنه بان الانحلال التبعي يعنى بتبع الافراد وان أمكن ثبوتا ولكن الآمر إذا لاحظ الوحدة وجهة الاتصال في الزمان لا وجه له.

وقد أشكل عليه ثانيا بان هذا الإطلاق في المقام مثل ساير الإطلاقات فكما إذا قال المولى أعتق رقبة يتمسك للإطلاق الأفرادي والزماني فيه بمقدمات الحكمة فكذلك إذا قال المولى أوفوا بالعقود نتمسك بالإطلاق الأحوالي والأفرادي فتعدد الفرد والزمان يفهم من الإطلاق.

وقد أجاب الحائري قده من هذا الإشكال بان الإطلاق قابل للتخصص فيمكن ان يكون لنا إطلاق بالنسبة إلى قيد العدالة في أعتق رقبة في الكلام ولم يكن هذا الإطلاق بالنسبة إلى قيد الإيمان إذا دل الدليل على التقييد فكذلك في المقام الإطلاق من جهة الافراد لا ينافى عدمه من حيث الأزمان فإذا لاحظ اللاحظ الزمان متصلا واحدا لا يكون لنا القول بالإطلاق ،

__________________

ـ واما أصل كلامه قده فكيف يمكن الالتزام به مع ان اللاحظ لو كان لحاظه بالنسبة إلى الزمان بنحو الوحدة بحيث يكون امتثال جميع الافراد امتثالا واحد فإذا خرج فرد من الافراد في الوسط يكون الامتثال فيما بعده امتثالا آخر نعم التخصيص في أول العام وآخره لا يضر بالامتثال الواحد وعلى فرض الغمض عن هذا فزيادة التخصيص بالنسبة إلى الافراد لازم بالبيان السابق فأصالة العموم في العام محكمة.

١٧٦

ولا يقال ان الوحدة هنا ليست شخصية بل نوعية فان الزمان الطويل زمان واحد وله اجزاء فكيف لا ينحل إلى الافراد.

لأنه يقول ان الواحد النوعيّ إذا لاحظه اللاحظ واحدا شخصيا لا يجيء فيه الانحلال فكلام الشيخ قده متين في المقام وعليه فإذا سقط العام عن الحجية في الوسط بواسطة التخصيص وقطع اتصال الزمان لا يمكن التمسك إليه بل المتمسك هو استصحاب حكم المخصص.

نعم إطلاق كلامه قده لا يتم على ما هو التحقيق للفرق بين منقطع الأول والآخر وبين منقطع الوسط فان العام إذا انقطع أوله يكون ظهوره في الشمول بعد الانقطاع شاملا لبقية الافراد ولا يجيء فيه ما يوجب سقوطه وهكذا إذا كان التخصيص في آخره.

واما في الوسط فحيث يكسر ظهوره فلا محيص بعده إلا عن استصحاب حكم المخصص ولا يكون نظره قده إلى الإطلاق أيضا ليرد عليه الإشكال كما لا يكون كلامه في صورة كون العام بنحو الاستمرار في الزمان والحكم على الخاصّ بنحو الشمول لجميع افراد المخصص في كل زمان ليقال هذا لا إشكال في ان المرجع فيه هو التمسك بحكم الخاصّ دون العام هذا كله بيان كلامه قده في الرسائل.

واما ما في المكاسب في خيار الغبن فقد فهم شيخنا النائيني قده منه ان الزمان ان كان قيدا أو ظرفا للحكم فلا يكون له إطلاق بالنسبة إلى افراد الزمان واما ان كان قيدا أو ظرفا للمتعلق أو الموضوع فيكون له إطلاق وعليه بنى كلام الشيخ قده في المقام وقد مر البحث فيه والإشكال عليه بأنه غير منوط بكلامه قده.

١٧٧

تتمة

في تأسيس الأصل إذا شك في نحو العموم الزماني

والكلام تارة يكون في أصل العموم وتارة في مصبه من حيث كون العموم في الحكم أو في المتعلق بتعبير الأستاذ النائيني أو من حيث العام المجموعي والأفرادي بتعبيرنا.

اما إذا كان الشك في أصل العموم كما إذا شك في استمرار الوجوب بعد قول المولى إكرام العلماء ولا نعلم انه أراد الدوام أو يكفى الإتيان بصرف الطبيعة فان الأصل يقتضى البراءة عن استمرار الحكم لأنه قيد زائد على إتيان أصل الطبيعة والمتيقن من الخطاب هو ذلك لا غيره فان صرف الوجود كاف في الامتثال.

وقال شيخنا الأستاذ النائيني قده ان الإتيان بالطبيعة في الآن الأول هو الواجب واما بقية الآنات فالأصل يقتضى البراءة عنه لعدم البيان للاستمرار في الخطاب ولا في غيره من الخارج.

ويرد عليه ان الآنات والزمان لا مرجح (١) لفرد منها على الآخر تساويها من حيث كونها ظرفا للفعل فيكون المكلف مخيرا في جميع الآنات في إتيان ما هو صرف الوجود لو كان المراد هو الصرف فقط واما ان كان الحكم لفرد خاص من الزمان ولا نعلم انه الأول أو الآخر أو الوسط فمقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط كما في أيام الحيض الدائر بين أول الشهر أو وسطه أو آخره.

__________________

(١) أقول لعل مراده قده هو ان المكلف ابتداء عمله هو الشروع وهو الآن الأول وبعد هذا الامتثال يعد الامتثال الآخر ثانيا واما يكون المراد هو ان الأمر إذا اقتضى الفور فيكون الآن الأول لا بد منه وساير الآنات مشكوك فيه.

١٧٨

فتحصل انه لا خصيصة في الآن الأول إذا شك في استمرار الحكم وكيف كان فالأصل عدم العموم في صورة الشك فيه.

واما إذا كان الشك في مصب العموم يعنى في كونه عاما مجموعيا أو عاما افراديا فربما قيل ان العموم الأفرادي لكل زمان يحتاج إلى مئونة زائدة مع اشتراكهما في أصل العموم كما عن شيخنا العراقي قده فانه يدعى ان الفطرة تقتضي القول بالعامّ المجموعي.

وفيه انه أيضا يحتاج إلى مئونة زائدة فان المجموعية أيضا مثل الافراد من الزمان محتاجة إلى مئونة زائدة.

وقال شيخنا النائيني قده ان العام الأفرادي أقل مئونة من العام المجموعي فهو المتعين ويرد عليه انه ادعاء لا شاهد له ومقدمات الحكمة لا تكون في المقام جارية في إثبات أحد النحوين ولا يمكن هنا التمسك بأصالة البراءة عن أحدهما وعليه فإذا خصص بمخصص ولا نعلم ان المخصص يكون في جميع الأزمان أو بعضه كما هو عنوان أصل التنبيه لا يكون لنا السبيل إلى استصحاب حكم المخصص لأنه من الشبهة المصداقية له فانه لو كان العام مجموعيا يجري وان كان افراد يا فلا يجري وهذا التمسك بعموم العام لا يمكن في هذا الفرض هذا على أساسنا في المقام.

واما على أساس شيخنا النائيني قده من ان الاستمرار ان كان مستفاد من الدليل للحكم فالعام عام مجموعي وان كان للمتعلق فالعام عام افرادي وحيث يكون الشك فيه فيكون الأصل اللفظي عنده هو إثبات العام المجموعي دون الأفرادي.

وحاصل الكلام في بيانه هو ان الإطلاق والتقييد امران متلازمان ففي كل صورة أمكن الإطلاق أمكن التقييد وبالعكس وفي كل صورة لا يمكن الإطلاق لا يمكن التقييد وبالعكس فهما متلازمان في ذلك.

ثم على هذا الأساس قال ان قيد الحكم وهو الاستمرار حيث لا يمكن استفادته

١٧٩

من نفس الخطاب لعدم إمكان إثبات الصفة والموصوف بلحاظ واحد واستعمال واحد فلا يمكن إثبات إطلاق الحكم عن هذا القيد لأن الإطلاق والتقييد متلازمان فإذا لم يمكن إطلاق الحكم فلنا التمسك بإطلاق المتعلق لأنه مما يمكن تقييده فمع الشك في استمرار المتعلق نثبت إطلاقه عن هذا القيد.

فإذا لم يكن القيد وهو العموم والاستمرار للمتعلق فلا بد أن يكون للحكم وحيث ان الحكم لا يكون في وسعه الاستمرار الفردي في الزمان فيكون الاستمرار بنحو العام المجموعي للحكم.

ولا يقال عليه بان الطلاق الحكم أيضا يثبت كون القيد للمتعلق لأنه فرض عدم إمكان إطلاق الحكم فلا تجري أصالة الإطلاق فيه لتعارض مع أصالة الإطلاق في المتعلق هذا كلامه رفع مقامه.

وأقول (١) ان التلازم بين الإطلاق والتقييد يكون في الإطلاق والتقييد اللحاظي واما الإطلاق الذاتي فهو غير منكر في الحكم فان الحكم في ذاته يمكن ان يكون له الاستمرار الفردي والاستمرار بنحو العام المجموعي مضافا بان مقدمات الإطلاق في أي موضع جرت توجب رفض القيود ولا يثبت الإطلاق في شيء آخر فإطلاق المتعلق

__________________

(١) أقول وأضف إليه ان القيد إذا كان للحكم أيضا يرجع معناه بالفارسية إلى ان يقال اين حكم هميشه هست يا تا يك سال هميشه هست وليس معناه مجموعية العام فانه مثل كون القيد للمتعلق بان يقال بالفارسية اين متعلق مثل اكرام هميشه يا يك سال حكم دارد.

والعلم الإجمالي بان العام اما ان يكون مجموعيا أو افراد يا لا يثبت المجموعية ولا الإفرادية ولا يكون لازمه الاحتياط لعدم إمكانه في المقام في الأثر الّذي يترتب عليه وهو التمسك بحكم العام أو المخصص بعد التخصيص بل مقتضاه التخيير بعد عدم إثبات شيء.

١٨٠