مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

فتحصل أنه لا شبهة في وجوب كون ركني الاستصحاب وهما الشك واليقين فعليين ولا يكفى التقديري.

وتظهر ثمرة البحث على ما ذكره الشيخ الأنصاري قده في موارد منها هو (١) أنه من كان محدثا ولم يلتفت إلى حاله ثم صلى وبعد الفراغ منها شك في أنه هل صار متطهرا أم لا.

فعلى فرض القول بأن الشك واليقين الفعليين مناط الاستصحاب لا يجري في المقام لعدم حصول الشك الا في زمان يحكم بصحة الصلاة بواسطة قاعدة الفراغ ولا يكون العلم بعدم الطهارة حينها ومجرى القاعدة هو الشك في الصحة بعد الفراغ واما على فرض كفاية الشك التقديري فلا مجرى لجريان القاعدة لأنه لو التفت إلى حاله قبل الصلاة لكان شاكا فيكون له استصحاب الحدث في الواقع وهو يمنع عن جريان قاعدة الفراغ.

نعم لو التفت إلى حاله قبلها ثم غفل ودخل في الصلاة لا يكون له إجراء قاعدة الفراغ لجريان الاستصحاب في حقه قبل جريانها هذا بالنسبة إلى الصلاة التي صلاها واما بالنسبة إلى غيرها فيجب تحصيل الطهارة للشك فيها هذا ما قيل.

أقول في الصورة المذكورة ثمرة للبحث وهي أنه في صورة الشك بعد الصلاة لا فرق في جريان قاعدة الفراغ بين كون المناط في الاستصحاب الشك التقديري أو الفعلي لأنه الأول أيضا ولو فرض وجود استصحاب في ما قبل الصلاة ولكن حيث لا يكون في ظرف الفراغ مؤثرا لمضي أمده لا يمكن أن يكون مانعا من جريان قاعدة الفراغ.

نعم لو كان شرط جريان القاعدة عدم محكوميتها في آن من الآنات بالاستصحاب لكان وجوده في الزمن السابق مضرا ولكن دليلها مطلق وموضوعها الشك وهو حاصل فليس ما ذكر من الثمرة تاما.

__________________

(١) قد ذكرها قده في ذيل الأمر الخامس في الرسائل الحاضر عندي ص ٣٠٢

٢١

نعم لو كان الشك في الطهارة في وسط الصلاة تظهر الثمرة لأن قاعدة الفراغ لا موضوع لها لعدم الفراغ فلو كان الاستصحاب في حقه بالشك التقديري من أول الصلاة يكون ما بقي باطلا لبطلان ما سبق اما لو لم يكن فلا وجه للقول ببطلان ما سبق من الاجزاء بعد التجاوز عنه.

لا يقال في هذه الصورة أيضا يمكن أن يكون الاستصحاب محكوم قاعدة الفراغ بعد حصول الفراغ منها لأنا نقول الشك في قاعدة الفراغ يكون مجرى قاعدته إذا كان بعد الفراغ واما إذا كان قبل الفراغ لا يكفى والشك في الوسط قبل الفراغ لا يكون مجرى للقاعدة ولقد أجاد الشيخ الأنصاري قده فيما أفاد في المقام وإشكال الهمدانيّ قده في حاشيته غير وارد عليه.

الأمر السادس في تقسيمات الاستصحاب

ينقسم الاستصحاب باعتبار اختلاف المستصحب من كونه امرا وجوديا أو أمرا عدميا أو غير ذلك وباعتبار الدليل الدال عليه من كونه عقلا أو بناء العقلاء أو النص وباعتبار الشك المأخوذ فيه من كونه الشك في المقتضى أو في الرافع وعلى الثاني اما ان يكون الشك في رافعية الموجود أو في أصل وجود الرافع والصور كثيرة قد تعرض لها الشيخ قده وعد الأقوال ولا وجه لإحصائها هنا.

والحق عندنا هو جريانه في جميع الصور المتصورة حتى في الشك في المقتضى كما سيجيء في طي الأقوال والمباحث فنقول في المقام مما اختلف فيه من جهة كون الاختلاف في دليله هو التفصيل عن الشيخ قده فانه فصل بين كون الدليل الدال عليه هو الشرع أو العقل فقال بجريانه في الأول دون الثاني وحاصل دليله هو أن العقل لا شبهة له في حكمه ولا في موضوع حكمه فكل ما أحرز علله وشرائطه يحكم بحكمه ومع عدم إحرازه لا يكون له حكم أصلا ولا يشك حتى يستصحب حكمه السابق وشكه في وجود القيد لموضوعه مساو لقطعه بعدم الحكم فإذا كان الكذب الضار

٢٢

موضوعا لحكمه بالحرمة والقبح لم يكن له حكم بالنسبة إلى الكذب الغير الضار لفقدان القيد وفقدان الموضوع وحاصله ان القيود في الأحكام العقلية كلها راجعة إلى الموضوع.

وحاصل الجواب عن هذا الاستدلال هو أن الكلام.

اما ان يكون في استصحاب حكم العقل أو في استصحاب حكم الشرع المستكشف من حكم العقل اما على الثاني فجريان الأصل مما لا إشكال فيه لأن الحرمة الشرعية إذا استفيدت من حكم العقل بحرمة الكذب الضار بالملازمة فمن الممكن الشك في بقاء الحكم الشرعي وان لم يكن للعقل حكم حينئذ لاحتمال توسعة الحكم في نظر الشرع فيمكن استصحاب الحرمة على الكذب الغير الضار أيضا والتبعية لحكم العقل يكون في مقام الثبوت لا الإثبات فمع عدم حكم العقل يمكن إثبات حكم الشرع مضافا بان الموضوع في الاستصحاب عرفي ولو كان المناط بالدقة العقلية لا يجري في الشرعيات أيضا.

واما ما يكون المستصحب حكم العقل لا الشرع.

فنقول أولا نمنع أن كل قيد في الحكم يرجع إلى الموضوع لأنه من الممكن أن يكون القيد من الجهات التعليلية للحكم لا التقييدية فيكون موضوع الحرمة هو ذات الكذب والضارية جهة تعليلية فيصير العقل شاكا في الحكم من جهة كونه علة فيمكن أن يكون الكذب الموجب للقتل والهرج والمرج قبيحا وحراما عنده من باب أنه هو الفرد المتيقن واما فيما دون ذلك يمكن الشك فكيف يقال لا يكون للعقل شك في حكمه فركن الاستصحاب وهو الشك موجود على أي تقدير ولا فرق في ذلك أي عدم دخل قيد الحكم في الموضوع بين استصحاب حكم العقل أو الشرع.

ثم أنه ربما يقال ان الملازمة بين الحكمين يعنى العقلي والشرعي المستكشف منه من اللوازم العقلية لأن إثبات أحد المتلازمين يوجبه إثبات اللازم الآخر ومن

٢٣

المعلوم أن الأصل المثبت غير جار فاستصحاب حكم العقل لإثبات الحكم الشرع غير مفيد ولا يكون الحكم الشرعي أثر الاستصحاب بل من لوازمه فلا يكون مثل استصحاب الموضوع لترتب أثر شرعي لأنه لا إشكال فيه.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال بأن الأحكام العقلية على قسمين قسم يكون ملاكه واضحا عند العقل مثل الظلم والإحسان إلى اليتيم وقسم لا يكون كذلك بل يحتاج إلى التدبر والتفكر مثل حكمه بملازمة المقدمة مع ذيها وبمحالية تكليف غير القادر وما لا يكون للعقل فيه الشك ولا يجري فيه الاستصحاب هو القسم الأول واما ما يكون فيه الشك ولا يجري فيه الاستصحاب هو القسم الأول وأما ما يكون فيه الشك وهو القسم الثاني فكيف يقال بأنه واضح والعقل لا يشك في حكمه.

والحاصل إشكال عدم جريان الاستصحاب في القسم الأول من باب كونه مثبتا غير الإشكال من باب كونه مما لا يجيء فيه الشك.

وفيه ان كلامه قده غير تام لأن البحث يكون فيما يجيء فيه الشك لا ما لا يكون كذلك وإشكال عدم جريان الاستصحاب فيه يكون من باب كونه مثبتا فقط لا من باب عدم الشك.

فتحصل أن استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي على فرض كون دليله العقل لا إشكال فيه واما استصحاب الحكم العقلي لإثبات الحكم الشرعي لا يجري لأنه مثبت لا من باب أن العقل لا يشك في حكم نفسه أبدا.

ثم ان استصحاب الموضوع الّذي حكم العقل بحسنه أو قبحه والشرع بحرمته أو وجوبه لا يجري علي التحقيق وان نقل عن صاحب الجواهر قده جريانه لأن الموضوع ان كان القيد دخيلا فيه على وجه القيدية لا يبقى بعد انتفائه قطعا وان كان لا على هذا الوجه فهو باق قطعا فيكون من الفرد المردد المعروف عدم جريان الاستصحاب فيه كما في صورة الشك في الرضاع المحرم من جهة أن المحرم هو ثلاث عشرة رضعة أو خمسة عشر واما استصحاب الموضوع بوصف موضوعيته للحكم فهو من استصحاب

٢٤

نفس الحكم فذات الموضوع لا يمكن جريان الاستصحاب فيها في المقام.

فالتحقيق هو جريان الاستصحاب الحكم الشرعي المستكشف من العقلي وعدمه في الحكم العقلي والموضوع لحكمه.

واما التفصيل من ناحية المستصحب فمنه ما نقل عن أستاذ أستاذ الشيخ الأنصاري قده (شريف العلماء) يعنى صاحب الرياض.

وحاصله ان استصحاب العدم في العدميات مما لا شبهة في جريانه واما الاستصحاب في الأمور الوجودية فلا يجري (١) والشاهد له هو جريان أصالة عدم القرينة وأصالة عدم المعارض والمزاحم وأصالة عدم النقل وأصالة عدم الحائل والمانع عند الجميع واما غير ذلك من الوجوديات فيكون فيه الإشكال فلا يجري.

ولكن لا وجه لما ذكره من التفصيل لأن كل ما ذكره من الأصول لا يكون جريانه من باب الاستصحاب بل الأصول العقلائية هي الحاكمة ولا مجال لجريان الاستصحاب أصلا الا على فرض القول بحجية أصل المثبت أو عد الاستصحاب من الأمارات وكلاهما باطلان.

اما أصالة عدم القرينة لإثبات كون استعمال اللفظ في الموضوع له أو لإثبات عدم التخصيص والتقييد فهي من الأصول العقلائية ولا شبهة لأحد فيها ولذا ترى أن من لا اعتقاد له بالشرع أيضا يجريها عملا وهذه جارية سواء كانت في القرينة المتصلة أو المنفصلة وسواء كان المدار على الظهور الصادر أو على الظهور الواصل فإذا شك في أن

__________________

(١) عدم الجريان في الوجوديات كلام والقول بأن مورد النزاع مختص بالوجوديات كلام آخر وما يظهر من تقريرات الشيخ محمد تقي البروجردي لدرس أستاذه العراقي قده هو التعبير الثاني وهذا أولى بالاعتبار لا ان النص في خصوص الوضوء وارد وهو امر وجودي فكيف يمكن القول بعدم الجريان أصلا وكما يظهر من رسائل الأنصاري قده فانه بين ان العدميات أيضا داخلة في محل النزاع وهذا هو مراده مد ظله أيضا وان كان تعبيره بهذا النحو وقد كتبناه حفظا لكلامه.

٢٥

المراد بلفظ زيد في جاءني زيد هل هو الرّجل الشجاع أو الأسد تجري أصالة عدم القرينة لإثبات الاستعمال في معناه الحقيقي وإذا شك في ان العلماء في جملة أكرم العلماء هل المراد منه العدول فقط أو عام للفساق أيضا يجري أصالة عدم القرينة.

واما الاستصحاب فلا يجري لأن من اللوازم العادية بعد جريان الأصل هو كون هذا اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي وهو من الأصل المثبت ولا أثر شرعي له ولا خصيصة في المقام حتى نقول بأن الأصل كذلك لا يجري في غير هذه الموارد وفي المورد يكون جاريا.

واما أصالة عدم المعارض والمزاحم أيضا جارية من باب أن المدار عند العقلاء على الظهورات ولا تعبد عندهم فيها وعلى فرض كون الأصل تعبديا يمكن جريان الاستصحاب وهكذا أصالة عدم النقل قبل استعمال اللفظ في لسان المتكلم أو بعده على فرض كون المدار على الظهور وعلي فرض التعبد عندهم فالمدار على الاستصحاب واما أصالة عدم الحائل مثل من يحتمل أن يكون في بعض أعضائه في الوضوء مانعا وحائلا فهي أيضا أصل عقلائي وعدم الاعتناء بأن وصول الماء إلى البشرة من اللوازم العادية لهذا الأصل وكونه مثبتا شاهد عدم كونه منه نعم لا يجري عندهم هذا الأصل بالنسبة إلى من كان جصاصا فيحتمل وجود الجص في أعضائه وهذا أيضا يكون من جهة احتمال كون سنده الغلبة في الخارج بكون العدم عقلائيا في غير الجصاص وهو فيه عقلائي فلا يكون من باب الاستصحاب.

نعم أصل سندية الغلبة محل الكلام فينحصر سنده بين كونه بناء العقلاء فيكون من الأصول العقلائية وبين الاستصحاب والحق هو الأول لأنهم يفرقون بين الشك في أصل وجود المانع ومانعية الموجود بالقول بعدم الجريان في الثاني مع أن الاستصحاب لا يفرق فيه كذلك.

ثم في خصوص المقام يمكن جريان استصحاب وجودي فنقول أن المتوضئ أو المغتسل إذا صب الماء على بشرته وعلم بحدوث الصب والجري على البشرة يستصحب

٢٦

بعد الشك هذا العنوان وكونه من التدريجات لا يضر كما أنه لا إشكال في استصحاب بقاء الليل وبقاء النهار من التدريجيات وهذا كما ترى استصحاب وجودي لا ربط له بما ذكره صاحب الرياض فتحصل أن كلامه قده لا يتم في هذا التفصيل.

ومن التفاصيل ما هو عكس صاحب الرياض وهو القول بجريان الاستصحاب في الأمور الوجودية فقط لا العدمية.

ووجهه هو أن التعبد لا بد أن يكون بالنسبة إلى الأثر الشرعي والعدم نفى محض لا أثر له حتى يستصحب بخلاف الأمر الوجوديّ فان الأثر مترتب عليه.

والجواب عنه ان العدم بحدوثه وان كان لا علة له إلا عدم العلة ولكن بقائه يكون له الأثر وامر دفعه واستمراره بيد الشرع فيمكن التعبد بالنسبة إليه بأن يقول تعبد على عدم الوجوب أو تعبد بالوجوب.

في الاستدلال على حجية الاستصحاب

وقد استدل على حجيته بوجوه.

الوجه الأول الإجماع المحكي في كلام جماعة كالمبادي والنهاية وهو الوجه الثالث في كلام المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية وقد أشكل (قده) عليه كما عن شيخنا الأستاذ العراقي (قده) بأن الإجماع في هذه المسألة منقوله لا يفيد ومحصله غير حاصل لاختلاف العلماء الذين تقدم ذكرهم فكيف يمكن أن يكون سندا له ولو فرض يكون سنديا وسنده النص أو بناء العقلاء كما سيجيء مع أنه دليل لبي والقدر المتيقن منه هو الحجية في الشك في الرافع لا في صورة الشك في المقتضى.

وفيه ان مخالفة من تقدم ممن هو معلوم الحال ومعروف الاسم من العلماء لا يضر به لأنه لا يضر بكشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام فالإشكال بأنه غير حاصل غير تام نعم بقية إشكالاتهم من سنديته وعدم وجود الإطلاق له في محله.

الوجه الثاني لحجيته بناء العقلاء وديدنهم في مراسلاتهم في تجاراتهم وسائر

٢٧

شئونهم الاجتماعية فانهم لا يعتنون بالشك في حياة من إليه المراسلة ومن يرسل إليه البضاعة في البلاد البعيدة وهذا البناء في الحيوانات أيضا ألا ترى أن الطيور يرجعون إلى عشهم ولا يعتنون باحتمال الخراب وحيث لا يكون ردع عن الشارع فهو حجة هذا.

ولكن فيه بحث وهو أن فطرة العقلاء والحيوانات تكون بدون الالتفات إلى الشك ولا يكون لهم جرى عملي بعد الشك في البقاء بل كل إنسان يرجع إلى داره بدون الالتفات إلى الشك ولو فرض الشك والالتفات يكون غالبا اما لاطمئنانهم بالبقاء وهو علم عادي متبع واما للاحتياط رجاء وبحثنا في التعبد الإلزامي منهم على ذلك فبناؤهم مجمل لا يتعين في خصوص ما هو البحث فيه مضافا بأن كلا منا في أمور الدين وإثبات حكم الشرع أو الموضوع الذي يترتب عليه الحكم وهم من حيث هم عقلاء لا يكون عندهم استصحاب الحكم الشرعي ولا كلام عندهم من الدين ، وأقول يمكن أن يقال ان الرجاء والاطمئنان في أكثر الموارد غير حاصل ويكون لهم بناء على البقاء عند الشك فيه وهم بما هم عقلاء أيضا لهم أمور اجتماعية نظامية وهي مثل الدين عند المتدينين وجريان الاستصحاب فيها أيضا يكون عندهم.

ثم ان المقصود من بنائهم ان كان سيرة (١) المسلمين فهي بنفسها حجة لا تحتاج إلى الإمضاء وما يحتاج إليه يكون بنائهم بما هم عقلاء لا بما هم متدينون.

ثم انه قد توهم ان كلام المحقق الخراسانيّ قده من أن السيرة أو بنا العقلاء يكون الرادع عنها الآيات الناهية عن ترتيب الأثر على غير العلم مثل قوله تعالى لا تقف ما ليس لك به علم مخالف لما مر عنه في الكفاية في باب حجية الخبر الواحد ببيان أنه كيف لا يسلم الردع في ذلك الباب ويقول به هنا فلو كان بناء العقلاء مخصصا

__________________

(١) أقول السيرة العملية أيضا تحتاج إلى كشف رأى المعصوم بأن يقال كان هذا العمل بمرآهم ومنظرهم عليهم‌السلام ولم يردعوا عنه كما يقال في بناء العقلاء فهما مشتركان في كفاية عدم الردع وهو نحو إمضاء وان كانت سيرة المسلمين أقوى من حيث الكشف.

٢٨

للعموم فيكون في المقامين وان كان الاتباع من باب الخروج بالتخصص بأن يقال ما قام عليه بنائهم علم ففي المقامين أيضا.

وقد أجاب عن التوهم شيخنا العراقي قده بالفرق بين المقامين وهو ان خروج مورد الخبر الواحد عن العموم بالتخصيص أو التخصيص يكون من جهة ان العقلاء يرون ما قام عليه الخبر مصداقا من مصاديق الكاشف عن الواقع ويكون متابعتهم إياه من باب كونه علما على مسلك تتميم الكشف في الأمارات بخلاف المقام فان متابعتهم لا يكون من هذا الباب بل من باب أنه أصل من الأصول وعدم نقض اليقين بالشك فهنا يكون بعكس الاخبار الآحاد فالآيات حاكمة عليه من باب انه لا يكون من اتباع العلم.

ولا أقول ان السيرة لا تكون أمارة وكذلك البناء العقلائي فانهما أمارتان ولكن تكون سندا للأصل ولا ريب في أمارية سنده انما الكلام في مفاد هذه الأمارة التي يكون هو الأصل التعبدي فالحق مع المحقق الخراسانيّ قده كما في الكفاية وحاشيته على الرسائل.

لا يقال ان بناء العقلاء يحتاج إلى الإمضاء وعدم وصول الردع عنه يكفى لحجيته فهو حجة يعارض مع الآيات في مفادها.

لأنا نقول بنائهم يكون من باب اللااقتضاء في الحجية وعدمها ولكن الآيات فيها اقتضاء الحجية وحيث انه أصل لا يمكن ان يعارض مع الآيات نعم لو فرض أماريته يمكن المعارضة ولكنه ليس كذلك فتحصل أن بناء العقلاء غير حجة في المقام لردع الآيات عنه.

الوجه الثالث للاستدلال على حجية الاستصحاب وهو العمدة الروايات فمنها صحيحة زرارة وهي وان كانت مضمرة ولكن لا يضر الإضمار بصحتها لأن السند إلى زرارة صحيح وفي رواته من كان من أصحاب الإجماع وهو لا ينقل إلا عن الإمام عليه‌السلام

٢٩

ومثله لا ينقل عن غيره عليه‌السلام (١).

(محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد بن حماد عن حريز عن زرارة قال قلت له الرّجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء قال عليه‌السلام يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء قلت فان حرك على جنبه شيء وهو لا يعلم قال عليه‌السلام لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك امر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين أبدا بالشك وانما تنقضه بيقين آخر (٢).

وتقريب الاستدلال حاصله هو أن هذه الرواية تكون بيانا للكبرى الارتكازية من عدم نقض اليقين بالشك ولا خصيصة للوضوء ويفهم أن ارتكاز زرارة أيضا كان هذا يعني الاستصحاب على ما هو الظاهر من تقرير الإمام عليه‌السلام وكانت الشبهة في مفهوم النوم والألف واللام في قوله عليه‌السلام ولا تنقض اليقين أبدا بالشك يكون للجنس لا للعهد حتى يقال يكون المعهود هو الوضوء فقط ولكن لا بأس بالبحث عن فقه الحديث فانه نور وكذا لا بأس بنقل ما يرد عليه في مقام البحث.

فنقول قد أشكل عليه أو لا بأن السائل يسأل عن الرّجل الذي ينام ولا شبهة في أن النوم مبطل للوضوء وشأن مثل الزرارة أجل من أن لا يفهم المضادة بينه وبين الوضوء في الشرع الأنور فقيل في مقام الجواب هو أن المراد الاشراف علي النوم لا النوم واقعا ولكن الحق هو أن يقال حيث أن للنوم مراتب مرتبة : ضعيفة ومرتبة قوية عبر هنا عن المرتبة الضعيفة بالنوم ويكون سؤاله عن النوم الذي هو ناقض لوجود الشبهة في المفهوم وحد النوم الذي هو مبطل للوضوء فأجاب عليه‌السلام بأن النوم الذي يكون

__________________

(١) وهي في باب ١ من أبواب نواقض الوضوء ص ١٧٤ في الوسائل الطبع الجديد ح ١

(٢) هذا المتن من الوسائل كما مر وفي الكفاية وبعض التقارير يكون النقل باختلاف في العبارة لا يوافق الوسائل فاحفظه.

٣٠

مبطلا هو نوم القلب لا نوم العين الذي يحصل بالخفقة والخفقتين بقوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن.

ثم يكون السؤال الثاني عن الشبهة الموضوعية بقوله فان حرك في جنبه شيء فأسقطعليه‌السلام أمارية الحركة للنوم المبطل بل جعل المدار على اليقين الذي هو امر قلبي لا شك فيه وقد يتوهم أن السؤال الثاني أيضا يكون عن الشبهة المفهومية من جهة أن السائل احتمل ان لا يكون نوم الاذن أمارة لنوم القلب بل يكون له موضوعية ولو لم يحصل نوم القلب فسئل ثانيا عن حد المفهوم في النوم الناقض نظير سؤاله الأول ولكن الجواب عنه هو أن الأمر لو كان كذلك يلزم أن يكون الجواب بيانا للحكم الواقعي بأن يقول ان هذا ليس من النوم الناقض فحيث بين حكم صورة الشك بقوله لا حتى يستيقن انه قد نام يفهم أن المراد يكون بيان حكم ظرف الشك لا بيان الحد المفهوم كما تعرض له شيخنا العراقي قده توهما وجوابا فدلالتها من هذه الجهة على المطلوب مما لا شبهة فيه.

وقد أشكل عليها ثانيا بأن اللازم هو جريان الأصل في سبب الشك في الوضوء وهو الشك في تحقق النوم لأنه من المعلوم أن الاستصحاب في السبب يكون مقدما على الاستصحاب في المسبب فلزم أن يقال بأنه يكون شاكا في نومه فيبنى على عدم النوم حتى يستيقن النوم لا أن يقال فانه على يقين من وضوئه إلخ وجعل شيخنا قده هذا الاحتمال من مبعدات كون الشبهة في السؤال الثاني مصداقية لأنها لو كانت مصداقية للنوم يجب الجواب عن حال النوم لا حال الوضوء واما على فرض كون الشبهة مفهومية فلا يرد هذا الأشكال لأن عدم جريان الاستصحاب في السبب يكون من جهة الشبهة في الفرد المردد فانه لو كان النوم متحققا بعدم الالتفات إلى الحركة على جنبه لا شبهة في بطلان الوضوء وعلى فرض عدم تحققه لا شبهة في عدم البطلان فيكون مثل استصحاب الحرمة في صورة الشك في تحقق الرضاع بأربعة عشر رضعة أو خمسة عشر ولا شبهة في عدم جريان الأصل في الفرد المردد

٣١

فعلى هذا يكون استصحاب الوضوء جاريا هكذا قال شيخنا قده.

ولكن كنا نورد عليه بأن الشبهة في السؤال الثاني مصداقية كما مر وعدم جريان الاستصحاب في النوم يكون من جهة عدم كونه منشأ أثر لأن استصحابه بالنسبة إلى الوضوء يكون من الأصل المثبت لأنه لا يثبت أن الوضوء باق الا من باب ترتب الآثار العقلية على المستصحب وجوابه عليه‌السلام يكون بيانا للشبهة الحكمية والموضوعية كلتيهما فإن اليقين السابق معتبر سواء كان في الحكم أو الموضوع لأنه يبين كبرى كلية في أن المدار على اليقين السابق والشك اللاحق.

ثم ان قوله عليه‌السلام وإلّا فانه على يقين من وضوئه يكون جملة شرطية ومعناها أن لم يستيقن انه قد نام وجزاء الشرط محذوف وهو جملة فلا يجب عليه الوضوء وفي هذا المقام وجوه الأول عن الشيخ قده وتبعه المحقق الخراسانيّ (قده) من أن المحذوف هو الجزاء ولكن أقيمت العلة للجزاء مقامه يعنى علة عدم وجوب الوضوء هي وجود اليقين السابق والشك اللاحق مع عدم نقضه بالشك فما هو مقام الجزاء قوله عليه‌السلام ولا تنقض اليقين بالشك وقد ذكر في الرسائل موارد كثيرة أقيمت العلة مقام المعلول في القرآن الشريف مثل قوله تعالى وان تجهر بالقول فانه يعلم السر والخفي إلى آخر ما قال من الموارد.

الوجه الثاني أن يكون قوله فانه على يقين من وضوئه توطئة للجزاء بان يقال حيث أنه يكون على يقين من وضوئه فلا ينقض اليقين بالشك مع كون الألف واللام في اليقين للجنس لا للعهد ليمكن استفادة كبرى كلية منه وإلّا فيكون لخصوص الوضوء ولا يجري في غيره.

وفيه ان اللام إذا كان للجنس أيضا يحتمل أن يكون المراد باليقين الجنس الذي يكون في الوضوء فهذا لا يفيد لاستفادة الكلية لو لا ساير الوجوه من الارتكاز على عدم الخصيصة والتأييد بورود مثل هذا العبارة في الصوم والصلاة أيضا.

الثالث أن يكون الجزاء قوله فانه على يقين من وضوئه ولكن تكون الجملة

٣٢

الخبرية في مقام الإنشاء ونفهم بقائه على الحالة السابقة ومعناه انه حيث يكون على يقين من وضوئه يكون وضوئه بحاله ولم يتغير عما هو عليه فآثار اليقين مترتب وقد أتعب المحقق الخراسانيّ قده نفسه الشريفة برد هذا الوجه من جهة أن لازمه العمل على طبق اليقين وجعله أبعد ولكن على مبنى التحقيق من ترتيب آثار اليقين والمتيقن لا إشكال فيه ومع ذلك فأحسن الوجوه مختار العلمين وغيره أضعف لقضاء الفطرة بذلك وجواب السائل وان كان فيه التكرار حيث أنه عليه‌السلام نفى الوضوء بقوله اللفظي وبالتقدير أيضا يكون معناه البناء على الوضوء وعدم وجوبه ولكن حيث يكون عليه‌السلام في مقام جعل الكبرى والصغرى وبيان قاعدة كلية في جميع الموارد لا يضر هذا التكرار.

وبهذا الوجه يعنى جعل الجزاء قوله فانه علي يقين قد أشكل على الشيخ قده بأن التقدير لا يلزم وهذه الجملة الخبرية تكون مقام الجملة الإنشائية فان قوله عليه‌السلام هذا يكون مقام قوله فليبن علي وضوئه وهي مثل قوله عليه‌السلام لا يعيد الصلاة في مقام الأمر بالإعادة.

وفيه ان هذا وان كان المشهور ولكن لا يتم عندنا فان استعمال الخبر في مقام الإنشاء غير صحيح لأن الحكم هو الإرادة الواصلة فكونه وأصلا متوقف على هذا الخبر وهذا الخبر يكون متوقفا على الوصول وهو دور (١).

__________________

(١) أقول هذا الكلام صدر منه مد ظله في جميع الموارد ولكن الجواب عنه هو أن الوصول لو كان شرط كون الحكم حكما يلزم ان لا يكون الأمر أيضا موجبا لإثبات الحكم لأنه قبله لم يصل وبه يصير واصلا فالحكم هو الإرادة وتصير فعلية في مقام الإبراز وهو يحتاج إلى كاشف والكاشف تارة يكون بصيغة الأمر وتارة بالخبر المحفوف بالقرينة وهذا النحو من الخبر كاشف عند العرف وأهل المحاورة وفي بعض المقامات جعل الدور بين الإرادة والوصول وقلنا في جوابه ان الإرادة غير متوقفة على الوصول والوصول متوقف عليها من جهة انه لا معنى له بدونها والدليل على صحة هذا الاستعمال وقوعه في الشرع أيضا.

٣٣

الوجه الرابع أن يكون الجزاء هو قوله عليه‌السلام فانه على يقين ولكن يكون معناه بدلالة الاقتضاء هو عدم وجوب الوضوء والبناء على الحالة السابقة ومعنى دلالة الاقتضاء هو أن هذا الكلام لغو بدون هذا المعنى في مقابل جواب السائل وهذا غير كونه خبرا في مقام الإنشاء بأن يكون معناه فليبن علي وضوئه.

في عدم اختصاص الاستصحاب بالوضوء

ثم ان هذه الوجوه في مقام الاستدلال بالحديث الشريف لا يفيد إلقاء خصوصية الوضوء ولذا ذكروا للتعميم وجوها الأول انه لا شبهة ولا ريب في أن حد الوسط في القضية الصحيحة يجب تكراره بأي معنى كان فانه إذا قلنا العالم متغير وكل متغير حادث يكون التغير هو حد الوسط فان كان المراد منه التغير في عالم الناسوت فيجب التكرار بهذا المعنى وان كان الأعم ومنه ومن ساير العوالم فائضا كذلك وعليه فيجب أن يكون اليقين في الصغرى وهي قوله فانه علي يقين من وضوئه هو اليقين في الكبرى وهي قوله لا تنقض اليقين بالشك ومن المعلوم أن اليقين بالوضوء هو المراد في الصغرى فكذلك في الكبرى ولكن في المقام خصيصة لإلقاء القيد وهو الوضوء وهي الارتكاز العرفي بأن اليقين لاستحكامه يجب البقاء عليه وهو لا يختص بالوضوء ولأن علماء الإسلام ما فرقوا بين الاستصحاب في الوضوء وغيره مضافا إلى ورود هذه الصغرى والكبرى في الصوم والصلاة أيضا فمن الجميع يستفاد عدم الخصوصية للوضوء في جريان الاستصحاب.

الوجه الثاني ما عن شيخنا النائيني قده وهو أن اليقين لا شبهة في أنه يحتاج إلى متعلق وهو المتيقن وهو اما ان يكون الوضوء أو يكون غيره من الصلاة والصوم والحج وغيره فهو لا بد أن يكون مضافا إلى شيء وذكر الوضوء هنا لا يكون لخصيصة فيه بل لاحتياج اليقين إلى المتعلق.

وفيه ان شخص اليقين يحتاج إلى متعلق ولكن الطبيعي لا يحتاج إليه فانه

٣٤

يمكن النّظر إليه بالنظر الاستقلالي كما يقال اليقين خير من الشك واليقين لا ينقض يكون مثل قولنا انه خير من الشك.

والوجه الثالث لعدم الاختصاص ما ذكره المحقق الخراسانيّ قده في الكافية بأنه بعد غمض العين عن الفطرة والارتكاز على عدم اختصاص اليقين بالوضوء يمكن أن يكون قوله عليه‌السلام من وضوئه متعلقا بالظرف لا باليقين ومعناه انه من طرف يقينه على وضوء فالأصغر يكون مطلق اليقين وينطبق عليه الأكبر بالعموم.

وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ العراقي قده بأن هذا احتمال فقط وهو لا يوجب الظهور في هذا الوجه ولا يمكن إطلاق المعلول مع عدم الطلاق علته فان المعلول هو البناء على الوضوء وعدم وجوب إعادته وعلته ، قوله عليه‌السلام فانه على يقين من وضوئه مع احتمال دخل خصوصيته فإذا قيل لا تأكل الرمان لأنه حامض لا يمكننا إلقاء خصوصية الرمان والأخذ بإطلاق قوله لأنه حامض لاحتمال دخل كونه رمانا في ذلك والحاصل ان مفاد كلام الخراسانيّ قده هو إرجاع الجهة التقييدية في الوضوء إلى الجهة التعليلية يعنى علة البناء عليه هو اليقين لا أن الوضوء المقيد باليقين لا ينقض وهذا لا يتم مع عدم الطلاق العلة لو سلم الظهور وإطلاقها مع وجود ما يحتمل القرينية في الكلام مشكل وهو ذكر الوضوء فما هو المتيقن في مقام التخاطب يكون هو الوضوء فقط.

ويمكن الجواب عنه قده بأن القدر المتيقن في مقام التخاطب هنا لا يكون قابلا للقرينية لأن الارتكاز على خلافه وهو أن اليقين بما هو يقين يكون مما لا يمكن نقضه إلّا باليقين ولا دخل للوضوء في ذلك فإطلاق العلة مما لا كلام فيه فتحصل ان الوجه للتعميم اما الارتكاز بضميمة ما ورد من الاخبار في الصوم والصلاة كما قال به الشيخ قده أو الإطلاق في العلة بضميمة الارتكاز أيضا.

٣٥

في إشكالات دلالة الرواية

ثم انه بعد تمامية دلالة الرواية بوجه قد أشكل عليها بأن غاية ما يستفاد منها سلب العموم لا عموم السلب بمعنى أن قوله لا تنقض اليقين يكون معناه أن مجموع الافراد من حيث المجموع منهي عن نقضه واما نقض بعض افراد اليقين فلا يكون كذلك فلا يدل على ان الاستصحاب يكون في كل أبواب الفقه وقد أجيب عن هذا الإشكال كما في حاشية المحقق الخراسانيّ قده علي الرسائل بأنه لو لم يكن لعموم السلب لا ينطبق على مورده أيضا لأن الوضوء أحد الافراد فلو لا عدم جواز نقض اليقين بالشك في جميع الموارد من أين يستفاد أن الوضوء من الافراد الذي لا يجوز نقض يقينه بالشك وفيه ان مورده مما لا كلام فيه ولعل في الوضوء أو الطهارات الثلاث خصيصة فهذا الجواب غير تام.

وقد أجاب عنه شيخنا النائيني (قده) بأن مدار سلب العموم هو أن يرد حرف النفي على ما يكون دالا على العموم بالمعنى الاسمي مثل لا تكرم كل عالم واما إذا لم يكن كذلك فلا يكون من سلب العموم في شيء كما في قولنا لا رجل في الدار أو قولنا في المقام لا تنقض اليقين فان المفرد المحلى باللام قبل النفي لا يدل علي العموم حتى يكون النفي واردا عليه بل من النفي يستفاد العموم فكيف يكون واردا عليه فان العموم متأخر عن السلب فكيف يكون متقدما عليه فيكون المقام وأمثاله لعموم السلب ولا يرد الإشكال نعم يمكن ان يقال في النفي الوارد على الجمع المحلى بالألف واللام بسلب العموم لو قلنا بأنه لسلب العموم على بعض الأقوال ولكنه خلاف ظاهره فانه لو لا القرينة لا يدل إلّا على عموم السلب واما على التقدير الآخر وهو الحق فحيث يكون العموم مرآة للافراد لا يمكن أن يلاحظ مستقلا ليتوجه النهي إليه استقلالا فما هو قابل لسلب العموم يكون هو الألفاظ الموضوعة له مثل لفظ كل وأجمع إذا ورد النفي عليه وهذا الكلام منه قده قد أخذ بعضه عن الشيخ قده.

٣٦

ولكن يرد عليه أو لا ان ما اختاره من عموم السلب في مثل لا رجل في الدار ولا تنقض اليقين وان كان هو المشهور ولكن لا يصح عندنا لأن النهي المتوجه إلى الافراد اما ان يكون للطبيعة السارية واما يكون لصرف الوجود كالأمر فربما يكون الغرض صرف وجود العدم لا عدم جميع الافراد كما يكون في الأمر كذلك فالفرق بين الأمر والنهي بان الصرف في الثاني لا يصدق إلا بترك جميع الافراد وفي الأول بفرد واحد الوجه له فإذا قال القائل لا تأكل الثوم لحصول الرائحة الكريهة لا نقول بأن ساير الافراد أيضا يجب تركها لحصول الرائحة ولا ثاني لها إذا لم يكن الأكل الثاني سببا للاشتداد.

وثانيا فلان مرآتية العموم في الجمع المحلى باللام من جهة كونها من المعاني الحرفية لا يضر باللحاظ فان المعاني الحرفية كالمعاني الاسمية قابلة للحاظ مستقلا كما في النسب والإضافات ولو لا ذلك لعطل الكلام لأن النسبة من المعاني الحرفية ولا زال تكون مورد النّظر في مثل زيد قائم وعمرو قاعد وأمثال الجملات.

فتحصل أن سلب العموم في جميع الموارد يكون بالقرينة كما قال به الشيخ قده وما قاله شيخنا النائيني قده غير تام والعبارة تدل على عموم السلب خصوصا مع ملاحظة قوله أبدا في آخر الرواية.

الإشكال الثاني في الرواية بعد دلالتها على الاستصحاب إجمالا هو انه لا شبهة في أن النقض يسند إلى ما يكون له نحو دوام واستمرار واما ما لا استمرار له فلا يستند النقض إليه ففي المقام الوضوء يكون من الأفعال المنصرمة وهو الغسلتان والمسحتان ولا يبقى من هذه الأفعال شيء حتى يقال لا تنقضه ولو كان المراد اسناد النقض إلى اليقين فهو يكون من باب قاعدة اليقين وهو صورة سريان الشك إلى اليقين السابق ويعبر عنه بالشك الساري فلا تدل على الاستصحاب في شيء.

وقد أجيب عنه بأن اسناد النقض يكون بلحاظ الأثر الباقي منه وهو الطهارة

٣٧

الحاصلة وهي امر باق غاية الأمر في النجاسة الخبثية يكون حصولها من الظاهر عند العرف فإن النظافة شيء يفهمه كل أحد بخلاف الطهارة الباطنية ولهذا النكتة أسند النقض إلى الوضوء الذي يكون سببا وهو الغسلتان والمسحتان الظاهرتان عند العرف.

والتحقيق عندنا هو أن الوضوء يكون مثل البيع والعقد في حصول الوجود الاعتباري له فكما أن أوفوا بالعقود وأحل الله البيع يشمل العقد الذي انقضى وكذلك البيع الذي انقضى ويكون الخطاب بلحاظ نوع دوام عند العقلاء بالوجود الاعتباري فكذلك الوضوء يكون له نوع دوام في هذا الوعاء وهو يكفى في اسناد النقض إليه فما هو غير باق هو المعنى المصدري وما هو باق يكون هو الاسم المصدر (وبالفارسية گره زدن وگره وفروختن وفروش ووضوء گرفتن ووضوء فرق دارد) فتحصل أن دلالة هذه الرواية على الاستصحاب مما لا إشكال فيه وما قيل فيها غير تام.

ومنها صحيحة أخرى لزرارة (١)

قال قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلمت اثره إلى أن أصب الماء فحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ثم انى ذكرت بعد ذلك قال عليه‌السلام تعيد الصلاة وتغسله قلت فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنه اصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال عليه‌السلام تغسله وتعيد قلت فان ظنت أنه اصابه ولم أتيقن فنظرت ولم أر شيئا فصليت فرأيت فيه قال عليه‌السلام تغسله ولا تعيد قلت لم ذلك قال عليه‌السلام لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا قلت فانى قد علمت أنه اصابه ولم أدر أين هو فأغسله قال عليه‌السلام تغسل من.

__________________

(١) أقول هذا الحديث الشريف بهذا المقدار في الوسائل تأليف العلامة البروجردي قده في باب ٢٣ من أبواب النجاسات ح ٥ نقلا عن التهذيب والاستبصار والعلل وفي الوسائل للشيخ حر العاملي قده في باب ٣٧ من أبواب النجاسات نقل قطعة منه

٣٨

ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك فقلت فهل على ان شككت أنه اصابه شيء أن انظر؟ قال لا ولكنك انما تريد أن تذهب بالشك الّذي وقع قلت ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال عليه‌السلام تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك الخبر.

وتقريب الاستدلال بفقرتين من الرواية فانها متعرضة لأحكام نفسي وحكم طريقي وهو الاستصحاب الفقرة الأولى قوله عليه‌السلام لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا فان عدم إعادة الصلاة يكون من باب أن دخوله فيها كان على القاعدة فانه لم يكن له اليقين بالنجاسة بل كان حالته السابقة اليقين بالطهارة وهو لا ينقض بالشك واما غسل الثوب فلأنه يكون على يقين من نجاسته في هذا الآن وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين الّذي كان قبل الظن بالإصابة وهذا الفقرة دليل على أن الاستصحاب أصل محرز واما على فرض حمله على اليقين بعد الظن فهو يكون من باب قاعدة اليقين والشك الساري لأنه فعلا يشك في ان يقينه السابق هل كان حقا أم لا فتدل على هذا على حجية قاعدة اليقين ولكنه خلاف الظاهر فيحمل على حجية الاستصحاب. والفقرة الثانية أيضا كذلك فدلالة الرواية صدرا وذيلا تامة.

وقد أشكل على هذا التقريب بأن إعادة الصلاة بعد العلم بالنجاسة ليس من نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها من نقض اليقين بالشك نعم يصح أن يعلل عدم الإعادة بجواز الدخول في الصلاة لعدم إحراز النجاسة وعليه تكون الرواية دليلا على اجزاء الأمر الظاهري وهو خلاف القاعدة لأنها تقتضي عدم الاجزاء لعدم مطابقة المأتي به مع المأمور به.

ولا يكون الظاهر من الدليل لأن التعليل بعدم نقض اليقين بالشك لا يناسب

٣٩

هذا الاحتمال.

ولا يخفى أن مناط الإشكال في المقام يكون على فرض كون النجاسة التي وجدها السائل هي ما احتمله وظن به قبل ذلك واما على فرض كون نجاسة جديدة فلا يكون وجدانها من نقض باليقين بل الشك بالنسبة إلى النجاسة في حال وجدان الجديدة باقية والشيخ قده جعل هذا الاحتمال خلاف الظاهر بل الظاهر هو ان ما وجده يكون هو الّذي ظن به وكيف كان فقد أجيب عن الإشكال بوجوه وهي تدور مدار كيفية شرطية الطهارة للصلاة من كونها شرطا واقعيا أو ظاهريا أو إحرازيا وغير ويكون في كلماتهم التعرض لها.

الوجه الأول ان يكون الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والطهارة المحرزة بالاستصحاب وعليه فعند كشف عدم الطهارة في الواقع لا يكشف خلاف الواقع بالنسبة إلى ما هو الشرط ضرورة وجود الشرط الإحرازي بالاستصحاب فان الإحراز السابق لا يكون له كشف خلاف وان كان الواقع له كشف الخلاف لأن الإحراز لا واقع له الا نفسه وهو كان حاصلا ولم يظهر خلافه.

والجواب عنه بالنقض هو ان الغافل الّذي لم يتوجه إلى النجاسة أصلا تكون صلاته صحيحة مع أنه لم يكن محرزا للشرط ولا للواقع فلو كان الشرط منحصرا بهما يلزم ان يقال ببطلان هذه الصلاة لعدم الواقع وإحرازه واما حلا فلان الظاهر من دليل الشرطية مثل لا صلاة إلّا بطهور هو شرطية واقع الطهارة لا إحرازها فمع كشف الخلاف يجب ان يقال ببطلان الصلاة لأن الاستصحاب حكم طريقي محض ولا موضوعية له ومن هذا الرواية لا يستفاد شرطية الطهارة الأعم من الواقعي والإحرازي لأنه خلاف ظاهره مضافا بأن عدم الإعادة أثر الاستصحاب على هذا التقدير بعد كشف الخلاف لا أثر المستصحب وعلى مسلك مثل شيخنا النائيني قده من ان الاستصحاب هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن يكون الأثر على الواقع لا على إحرازه فمع كشف الخلاف يجب الإعادة واما على ما هو التحقيق من انه تنزيل المشكوك منزلة اليقين

٤٠