مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

منزلة المتيقن بمعنى ترتيب أثر الواقع فيمكن ان يقال تكون أصالة الصحة من الأصول المحرزة على فرض أصليتها وتقدم على الاستصحاب.

ثم انه ربما يتمسك لتقديمها (١) على الاستصحاب بلزوم اللغوية لدليلها لعدم المورد لها لوجود الاستصحاب في كل مورد من الموارد.

ولكن يرد عليه بأن موارد وجود الأصل الموضوعي وإحراز الحالة السابقة للموضوع لا يكون دائميا فرب مورد لا يكون الأصل الموضوعي فتجري فيه أصالة الصحة نعم بالنسبة إلى الأصل الحكمي وهو أصالة عدم الانتقال يلزم اللغوية وعدم المورد لها لو قدم عليها.

وربما يتوهم ان الأصل الموضوعي لتقدمه متقدم في الجريان على أصالة الصحة وفيه ان أصالة الصحة على فرض أماريتها تقدم على ساير الأصول إذا قلنا بحجية مثبتها وعلى فرض عدم حجية مثبتها مع انحفاظ الأمارية فتتعارض مع ساير الأصول لمكان الأمارية وعلى الأصلية بمعنى استجماع العقد للشرائط تعبدا فائضا تحصل المعارضة وعلى فرض ترتيب الأثر فقط فالاستصحاب مقدم لأن كل أصل في السبب ولو كان ضعيفا مثل البراءة مقدم على الأصل في المسبب.

والحاصل ان كل أصل موضوعي لا يكون مقدما بل يختلف حسب اختلاف المباني في أصالة الصحة.

__________________

(١) أقول وهذا الوجه غير بعيد بعد ان الشك في البلوغ وغيره يكون من الشك في الموضوع ولا نجد موردا لم يرجع الشك إلى الموضوع ولم يكن لما شك في وجوده حالة سابقة على العدم بل الكل مسبوق بالعدم.

٣٢١

الأمر التاسع

في جريان أصالة الصحة في الأقوال والاعتقادات

اما البحث عن جريانها في الأقوال فقد تعرض له الشيخ الأعظم قده وحاصله ان القول الّذي يصدر عن قائل تارة يلاحظ بلحاظ انه فعل من افعال المتكلم وتارة يلاحظ باعتبار كاشفية هذا الكلام وهذه الجهة يكون البحث فيها من جهات ثلاثة.

الشك في الإرادة الاستعمالية بعد إحراز الاستعمال لاحتمال كون المتكلم لاغيا في التكلم وعدم إرادته معنى اللفظ.

والشك في الإرادة الجدية بعد إحراز كون المتكلم قاصدا لمدلول اللفظ في الاستعمال.

والشك في ان هذا الكلام هل يكون مطابقا للواقع ونفس الأمر أم لا يكون كذلك وصدر عن المتكلم عن اشتباه وخيال لا واقع له.

اما الشك فيه من حيث انه فعل من الأفعال فلا شبهة عنده قده في جريان أصالة الصحة فيه فإذا صدر كلام من متكلم لا نعلم انه غيبة لمؤمن حتى يكون حراما وموجبا للفسق أو مدح له حتى يكون مستحبا أو كان مباحا لكونه في امر من الأمور المباحة فتجري أصالة الصحة ونثبت عدالة المتكلم ولا نشك في عدالته بعد جريانها حتى نحتاج إلى الاستصحاب.

ويرد عليه ان البحث في أصالة الصحة يكون في صورة دوران الأمر بين الصحيح والفاسد ومن المعلوم انه ليس الشك هنا في الصحة والفساد وبناء العقلاء ليس على ان ما صدر من الكلام ليس من الحرام وحمل فعل المسلم على الصحيح بمقتضى ما ورد من الروايات مثل قوله عليه‌السلام ضع امر أخيك على أحسنه

٣٢٢

كما مر (١).

يكون في مقام بيان حكم أخلاقي ولا يترتب عليه أثر فقهي ولا جامع بين الحرام والحلال الا نفس القول الّذي هو جامع فوق المقولة بخلاف العقد الصحيح والفاسد فان له فرد فاسد وهو الفاقد للشرط مثلا وفرد صحيح وهو الجامع له فجريان أصالة الصحة في القول بما هو فعل من الأفعال ممنوع.

واما الشك في وجود الإرادة الاستعمالية حقيقة واحتمال اللغو في الكلام وعدمه فائضا يقول قده بأنه لا ريب في جريان أصالة الصحة لإثبات كون المراد هو معنى اللفظ.

وفيه ان أصالة كون المراد هو معنى اللفظ والأخذ بظاهر معناه يكون من الأصول العقلائية التي لا ربط لها بأصالة الصحة.

واما الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية فكذلك يقول قده بأن أصالة الصحة جارية.

__________________

(١) أقول الصحة بمعنى التمامية وهي في كل شيء بحسبه ولا داعي إلى ان يكون في مقابلها الفساد فان اللاغي في الكلام ليس كلامه فاسدا من حيث كونه لفظا من الألفاظ ولكن في نظر العقلاء يكون فاسدا من جهة عدم ترتيب الأثر المناسب لتكلم العقلاء بعضهم مع بعض.

ولعل مراد الشيخ قده هو ذلك وله ان يدعى ان الأصول العقلائية في الألفاظ تكون أيضا من باب أصالة الصحة وان قلنا بأماريتها في باب الألفاظ ولم نقل بها في غيرها.

وروايات وضع امر أخ المؤمن على أحسنه ان حملت على الأخلاق في بعض الموارد مثل خمسين قسامة لا تحمل في جميع الموارد فلو فرض أثر شرعي لجريان الأصل لا غرو في ترتبه بهذه الروايات مثل جواز الاقتداء بمن جرت أصالة الصحة في كلامه من حيث عدم كونه غيبة مؤمن.

والحاصل يمكن حمل كلام الشيخ قده على معنى يليق به قده مع علو شأنه.

٣٢٣

ولكن يرد عليه ما يرد على ما قبله لجريان الأصل اللفظي وهو مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية وعدم قبول العقلاء عذر عاقل يقول ما أردت الجد في كلامي وهذا غير مربوط بأصالة الصحة في مقابل احتمال الفساد بل الفساد هنا غير مستقيم لأن الكلام لا يكون فاسدا ولو لم تكن الإرادة الجدية مع الإرادة الاستعمالية كما انه قد يتفق لبعض الدواعي كالأمر الامتحاني.

واما إذا شك في مطابقة الخبر للواقع فهو قده أيضا قائل بعدم جريان أصالة الصحة وهو كذلك لأن الواقع يكون بيد الله تعالى ولا يكون بيد من لا يكون ملازما للواقع ويقع الخطاء منه من غير شعور أو مع الالتفات.

والبحث في حجية الخبر الواحد لا يكون من جهة مطابقة الخبر للواقع بل من جهة تنجيز الحكم للمكلف ان أصاب الواقع وكونه معذورا عند الخطاء ولا أثر للواقع وعدمه في هذه الجهة شرعا حتى نحتاج إلى جريان أصالة الصحة.

فتحصل ان أصالة الصحة في الأقوال غير جارية مطلقا وكلام الشيخ الأعظم قده ومن تبعه مثل شيخنا النائيني قده غير تام.

واما جريانها في الاعتقادات فهو الحق مثل ان الفقيه إذا أخبر بأن العصير العنبي مثلا حرام ونجس ولا ندري انه هل يكون مطابقا لاعتقاده من باب الفحص التام عن الدليل بحيث صار هذا رأيا له واقعا أو لا يكون مطابقا لاعتقاده فتجري أصالة الصحة في تحصيل مقدمات صحيحة لتحصيل هذا الرّأي ويحكم بأنه مطابق لاعتقاده وهكذا إذا عدّل الرجالي رجلا من الرّواة أو جرحه ولا نعلم ان الجرح والتعديل هل يكونان عن مقدمات صحيحة أو فاسدة فنحكم بالصحّة من هذا الباب.

٣٢٤

البحث في القرعة

وملاحظتها مع الاستصحاب وغيره (١)

في القرعة جهات من البحث الأولى في الدليل الدال عليها وهو الروايات الواردة في باب ١٢ و ١٣ من أبواب كيفية الحكم في ج ١٨ من الوسائل وفي المستدرك في باب ١١ من أبواب كيفية الحكم.

وهي على طائفتين الاخبار العامة والخاصة في الموارد الخاصة.

فاما الطائفة الأولى فمنها ح ١١ باب ١٣ عن محمد بن حكيم (حكم) قال سألت أبا الحسن عن شيء فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة قلت له ان القرعة تخطئ وتصيب قال كلما حكم الله به فليس بمخطئ.

ومنها ح ١٣ باب ١٣ قال الصادق عليه‌السلام ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عزوجل إلا خرج سهم المحق وقال وأي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله أليس الله يقول (فساهم فكان من المدحضين).

واما الطائفة الثانية فمنها ح ١٤ في باب ١٣ عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادّعوه جميعا أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية الحديث ومثله ح ٥ و ٦ و ٧ في الباب.

وهذه الروايات اما ان تكون فيما له واقع مجهول واما في المبهمات والمراد بها ما لا واقع لها ونريد إثباته بالقرعة مثل ان يقول أحد عبيدي أو ثلثهم حرفي وجه الله أو يقول إحدى زوجاتي طالق فان عنوان الأحد مبهم لا واقع له خارجا و

__________________

(١) لا يخفى ان المحقق الخراسانيّ تعرض لهذا البحث في آخر الاستصحاب في الكفاية ولم يتعرض له هنا فالحري حسب ترتيبها التعرض له عند كلامه قده والأمر سهل.

٣٢٥

هي ما في باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم في الوسائل ح ٢ و ٣ و ١٠ و ١٥ و ١٦ ففي ح ٢ عن حريز عن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرّجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال كان على يسهم بينهم.

فان عنوان الثلث لا واقع له في الخارج والقرعة يكون لإثبات الواقع في ظرف الخارج ومن هذا الباب ما ورد في قضية يونس النبي على نبينا وآله وعليه‌السلام حيث ان الإلقاء في البحر لم يكن له واقع في حق أحدهم فثبت بالقرعة ان يونس يكون من المدحضين وهذه الروايات تدل على حجية القرعة في الجملة ولكن في أي مورد من الموارد فسيجيء البحث عنه فان بعض القوم قال باختصاصها بالموارد الخاصة التي وردت فيها الرواية وليست قاعدة كلية.

الجهة الثانية في انها هل تكون من الأمارات أو من الأصول المحرزة أو من الأصول الغير المحرزة فان الكل محتمل (١).

اما الأمارية فهي ان يجعل الشارع للقرعة إصابة نوعية ثم يمضى كشفها النوعيّ كما في ساير الأمارات ولا يخفى عدم كون أماريتها مثل ساير الأمارات لأن ملاك الأمارية في غيرها هو ان يكون للأمارة كشف نوعي عن الواقع يكون موجبا للظن ثم إمضاء الشارع إياها بجهة كشفها وليس للقرعة كشف نوعي كذلك بل لا بد من ان يكون كشفها أيضا باعتبار ما جعل له من قبل الشارع.

واما كونها أصلا محرزا فهو أيضا لا بد ان يكون بهذا النحو يعنى جعل الكشف

__________________

(١) أقول لم يختر مد ظله في الدرس وجها من الوجوه ولكن الّذي يجيء في الذهن حسب ظهور الروايات وطرد احتمال الخطاء في بعض الروايات وتحكيم امر القرعة في الإصابة إلى الواقع وانها مجعولة لهذه الجهة مما يرشد إلى أماريتها ولكن حجية مثبتها التي هي ثمرة الأمارية غير معلومة وعليه فمن المسلم كونها من الأصول المحرزة وان فهمنا إحرازها من العالم بالغيب.

٣٢٦

لها من قبله غاية الأمر لم يكن إمضائه بجهة الكشف الكذائي كما في ساير الأصول المحرزة.

واما كونها أصلا غير محرز مثل البراءة فيكون في صورة عدم وجود الكشف لها أصلا لا ذاتا ولا بجعل الشارع كما يمكن ادعاء هذا النحو من الجعل في جعل القرعة في المبهمات كما في قضية يونس النبي على نبينا وآله وعليه‌السلام وكما في صورة طلاق إحدى الزوجات أو عتق أحد العبيد فان القرعة تكون في أمثال ذلك مما لا واقع مفروض لها في الخارج لرفع التحير.

فان قلت جعل البراءة يكون لرفع التحير فقط واما القرعة فيكون لها طريقية إلى الواقع فبينهما فرق من هذه الجهة ولا يمكن إنكار نحو إصابة إلى الواقع فيها بخلاف البراءة.

قلت كون جعلها بلحاظ إصابة الواقع هو أول الكلام فمن الممكن ان تكون المصلحة العامة في اختيار القرعة لرفع التحير كمصلحة التسهيل في جعل البراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية ولا سبيل لنا إلى إثبات الكشف لها.

فتحصل من جميع ما تقدم ان المسلم أصل الجعل واما الأمارية والأصلية محرزة كانت أو غيرها فلا يكون لنا تعيينها فان الكل محتمل.

الجهة الثالثة في شرح العناوين الواردة في الروايات لجعل القرعة فان العناوين الواردة أربعة الأول القرعة لكل امر مجهول كما مر في ما نقلنا من الروايات عن الوسائل الثاني القرعة لكل امر مشتبه (١) والثالث ما ورد من قوله عليه‌السلام في المستدرك

__________________

(١) أقول لم أجد هذا التعبير فيما بين يدي من كتب الرواية وغيره ونسب في كتب الأصول إلى الرواية ولعل هذا التعبير يكون من نقل المعنى عن مثل عنوان الملتبس الّذي ورد به الرواية ولا يكون في عنوان بحث الأصوليين حتى ان ان النراقي قده في العوائد الّذي ألفه في القواعد الفقهية والأصولية وهو كتاب جيد مع ذكره كثيرا من الروايات لم ـ

٣٢٧

ج ٣ باب ١١ من أبواب كيفية الحكم ح ١ عن دعائم الإسلام انهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل والرابع ما ورد في ح ٢ من الباب أي حكم في الملتبس أثبت من القرعة.

فالقرعة مجعولة في المجهول والمشتبه والمشكل والملتبس.

ثم انه بعد ما عرفت من العناوين ربما يقال بأن مرجع الجميع إلى امر واحد وهو جعل الوظيفة للمتحير والمشكل والمشتبه والملتبس والمجهول يكون المراد منه كل امر لا يكون واقعه معلوما فعلى هذا يكون موضوعها عدم البيان لموردها فان وجدنا البيان عن الشارع لا نحتاج إليها فكل مورد يكون لنا جعل وبيان من الشارع لا تجري القرعة فيه.

وعليه فلا يبقى لها مورد في أكثر الموارد لأن الشبهات البدوية الحكمية والموضوعية تكون مجرى البراءة إذا لم تكن لنا حالة سابقة وإلّا فمجرى الاستصحاب وفي موارد العلم الإجمالي فالمجعول هو الاحتياط في صورة إمكانه ومع دوران الأمر بين المحذورين فان قلنا أيضا بالتبعيض في الاحتياط فهو أيضا لا تأتى فيه القرعة واما على فرض كون الاحتياط عسريا أو قلنا بعدم التبعيض في الاحتياط في المتباينين فيكون الحاكم هو القرعة.

والحاصل ان نسبة الأصول إلى القرعة نسبة الاستصحاب إلى البراءة فان موضوعها عدم البيان والاستصحاب بيان فانه وان كان أصلا ولكنه مقدم على البراءة والقرعة أيضا كذلك فانها يكون فيما لا بيان بالنسبة إليه ولا فرق بين كونها أصلا وبين كونها أمارة لأن المعارضة تكون بين دليل الأصل ودليل القرعة وهما أمارتان ودليلان على جعل الحكم الظاهري لا الحكم الواقعي.

__________________

ـ يأت برواية يكون فيها هذا العنوان وعنوان الملتبس وعند البحث والبيان تعرض قده له فعليك بالفحص والأمر سهل.

٣٢٨

وعلى هذا الفرض من كون المرجع لجميع العناوين هو العنوان الواحد فلا تعارض بين دليل القرعة ودليل الأصول بل لا موضوع لها ويكون خروج الموارد بالتخصص لا بالتخصيص بخلاف ما يأتي من القول الثاني من اختلاف مواردهما فانه لا بد من ملاحظة المطلق والمقيد.

ثم انه ربما يقال بان عنوان المشكل غير عنوان المجهول والمشتبه فان المشكل يكون فيما لا واقع له مثل المبهمات والمشتبه والمجهول يكون فيما له الواقع كالخمر المردد بين الكأسين فان له واقع لا نعلمه بعينه ففي المشكل لا مجرى للأصول ويكون المورد مورد القرعة بلا مزاحمة واما في المجهول والمشتبه وان كان ظاهر الدليل الشمول لموارد الأصول من البراءة والاحتياط فيما يكون بهذا العنوان ولكن يخصص بدليل الأصل دليل القرعة كما عن المحقق الخراسانيّ قده ، أو يقولون بان المجهول في باب القرعة هو ما يكون ذاته مجهولة وهكذا المشتبه واما المجهول في باب أصالة البراءة يكون بلحاظ الوصف بحال المتعلق يعنى المجهول حكمه واما الشبهات الحكمية وان كان المجهول فيها نفس الحكم ولكن دليل القرعة منصرف عنها وليس لنا أنس في الدين بالقرعة في صورة الاشتباه في الحكم أو من باب ان واقع التكاليف معين عند الله تعالى وليس مثل ما لا واقع له من المبهمات.

فمورد القرعة هو صورة وجود العلم الإجمالي مع كون الشبهة موضوعية وعدم جريان أصالة الاحتياط كدوران الأمر بين المحذورين وفي غير المورد من موارد العلم الإجمالي فيجب الاحتياط إلّا إذا كانت القرعة أمارة على تعيين أحد الأطراف وقلنا بانحلال العلم الإجمالي أو كونها جاعلة للبدل للواقع فتقدم ولكن مع عدم القول بالانحلال إذا كان العلم التفصيلي بعد العلم الإجمالي فلا نقول في المقام على فرض قيام الأمارة.

٣٢٩

فلو علمنا بنجاسة أحد الكأسين ثم علمنا بان الأبيض نجس فلا ينحل العلم فصرف قيام الأمارة لا يوجب الانحلال.

واما جعل البدل بان يكون ما قامت الأمارة عليه بدلا عن الواقع ولو لم يكن الواقع ما قامت الأمارة عليه فالقرعة على فرض الأمارية وان كانت معينة لما هو المجهول ولكن الحق عدم أماريتها وعدم حجية مثبتها فالعلم الإجمالي بحاله ويجب الاحتياط في أطرافه هذا في صورة الإمكان واما في صورة عدم الإمكان مثل صورة وطي ثلاثة أمة واحدة وعدم العلم بان الولد لأيّهم فلا بد من القرعة.

اما في الموارد الخاصة التي وردت فيها الرواية مثل القرعة في قطيع غنم اشتبهت الموطوءة فيه فيعمل بها على فرض عدم المعارضة مع قاعدة العدل والإنصاف على فرض تسليم تلك القاعدة وعدم القول باختصاص الروايات التي يستفاد منها تلك القاعدة بخصوص موردها كما ورد في خصوص الدرهمين الذين يكون النزاع في أحدهما بين المدعيين.

ثم ان الشيخ الأعظم في الفرائد بعد اختيار تقديم الاستصحاب على القرعة لعمومية موردها لغير مورد الاستصحاب قال نعم القرعة واردة على أصالة التخيير وأصالتي الاحتياط والإباحة إذا كان مدركهما العقل (١) وان كان مدركهما تعبد الشارع فيهما في مواردهما فدليل القرعة حاكم عليهما كما لا يخفى لكن ذكر في محله ان أدلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب أو جماعة منهم.

وقال المحقق الخراسانيّ قده في حاشيته عليه ان الاستصحاب وأصالتي التخيير والاحتياط وأصالة الإباحة سواء في المعارضة مع القرعة ولا يختص الاستصحاب بالتقديم دون غيره.

__________________

(١) أقول وجه الورود هو ان موضوع حكم العقل عدم البيان والقرعة بيان لأن لسان أدلتها هو الإصابة إلى الواقع ووجه الحكومة نظر دليلها إلى أدلة الأصول.

٣٣٠

ونحن نرى في بعض نسخ الفرائد في صدر كلامه انه لم يفرق بين الأصول المذكورة في تقديمها على القرعة وهذا وان كان مرجعه إلى التهافت في الكلام ولكن نفهم ان مراده في تقديم القرعة على أصالة الاحتياط يكون في مقابل الاخباري القائل بالاحتياط في الشبهات البدوية لا في مقابل الأصولي القائل بأصالة البراءة.

وكيف كان فبعد التعارض لا بد من تخصيص دليل القرعة بدليل الأصول واللازم من هذا تخصيص أكثر موارد القرعة فانه إذا خرج موارد الأصول عن موردها لا يبقى تحت دليلها بعنوان المجهول والمشتبه الا موارد نادرة وتخصيص الأكثر مستهجن.

والمحقق الخراسانيّ قده حيث رأى ذلك قال بأن المعارضة بين الدليلين مستقرة ولا يمكن التخصيص للاستهجان ولكن يقدم أدلة الأصول للأظهرية في موردها من أدلة القرعة واما تقديم القرعة في الموارد الخاصة أيضا فلا يمكن إلّا إذا كان عمل الأصحاب منجبرا لضعف القرعة بعد وهنها بواسطة كثرة التخصيص.

فان قلت كثرة التخصيص ان كانت موجبة للوهن فعمل الأصحاب لا يفيد جبر وهنها بل لا بد من حمل المورد الخاصّ على وجه لا يلزم منه التخصيص مثل حمل القرعة على الموارد الّذي يكون خروجه عن موارد الأصول خروجا موضوعيا فيكون الخروج بالتخصص لا بالتخصيص وان لم يكن التخصيص موجبا للوهن فدليل القرعة بحاله ولا يحتاج إلى جبره بعمل الأصحاب.

قلت ان تخصيص الأكثر في المقام وان لم يكن بعد يوجب وهن العام وسقوطه رأسا ولكن حيث لا نعلم المورد الباقي تحته مع العلم الإجمالي بوجود مورد له فلا بد من تعيين المورد بعمل الأصحاب ولا يكون لنا التمسك به بدون جبره كذلك الجهة الرابعة في ان القرعة حق عام لجميع المكلفين أو تكون من مناصب الإمام عليه‌السلام وبعده من مناصب الفقهاء فيه خلاف.

فربما يظهر من بعض الروايات الاختصاص بالإمام عليه‌السلام كما في ح ٩ باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ج ١٨ من الوسائل عن حماد عمن ذكره عن

٣٣١

أحدهما عليهما‌السلام قال القرعة لا تكون الا للإمام.

وكذلك يستفاد من رواية الكافي فيما حكاه النراقي قده في العوائد ص ٢٢٦ عن يونس في رجل كان له عدة مماليك فقال أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر فعلمه واحد منهم ثم مات المولى ولم يدر أيّهم الّذي علمه الآية هل يستخرج بالقرعة قال نعم ولا يجوز ان يستخرجه أحد الا الإمام فان له كلاما وقت القرعة ودعاء لا يعلمه سواه ولا يقدر عليه غيره.

ولكن الّذي يقتضيه الجمع بين الروايات هو عدم اختصاصها بالإمام عليه‌السلام لما مر من الروايات الدالة على أمرهم عليهم‌السلام بالقرعة الظاهر في جوازه للناس أيضا وعدم جريانها بيد كل أحد من آحاد الناس بل يكون هذه منصبا له عليه‌السلام وللفقهاء ولمن يكون مجازا عن قبلهم لعدم معرفة الناس بموارد القرعة فلا بد في إجرائها من نظر الحاكم الشرعي.

الجهة الخامسة في ان القرعة هل تكون من باب العزيمة أو تكون من باب الرخصة لرفع النزاع فيمكن الرجوع عنها إلى غيرها؟

فنقول القرعة اما ان تكون في الموارد الخاصة مثل غنم الموطوءة في قطيع من الغنم أو تكون في كل الموارد بالأدلة العامة الدالة بان القرعة لكل امر مجهول وهي اما في ما له الواقع المجهول أو في المبهمات اما الموارد الخاصة فان كان لقيام الدليل الخاصّ موضوعية فلا بد من الأخذ به وعدم التخطي عنه فتكون القرعة عزيمة ومع قطع النّظر عن هذا فاحتمال وجود مصلحة خاصة التي لا يجوز التعدي عنها بعيد جدا بل يكون من باب الطريق إلى الواقع بعد العلم الإجمالي وضررية الاحتياط بالاجتناب عن مثل قطيع غنم فيكون جريانها من باب عدم طريق للاحتياط الا هذا فمن تحمل الضرر واجتنب عن الجميع لا يكون تارك واجب بعد عدم كشف الواقع الواقعي بها وان كان لها نحو كشف حسب لسان بعض الروايات.

واما الروايات العامة فيما له الواقع المجهول فان انحصر طريق الامتثال أيضا

٣٣٢

بها فقط فلا ريب في كونها عزيمة لأن مقدمة الواجب واجبة والعقل وان كان حاكما بالتخيير ولكنه محكوم للروايات الدالة على إصابة الواقع.

واما المبهمات فحيث لا واقع لها فليس لنا واقع يحصل الوصول إليه بالقرعة فالتقديم على التخيير العقلي غير مسلم.

والحق عدم كونها عزيمة في المبهمات.

الجهة السادسة في ان القرعة مثل حكم الحاكم بعد جريانها بحيث لا يمكن الرجوع عنها إلى غيرها أولا؟ فنقول في صورة إجرائها فيما له الواقع يمكن ان يقال لا سبيل للرجوع عنها لأن لسان الروايات الوصول إلى الواقع بها فكما انه إذا وجد الواقع وجدانا لا يجوز الرجوع عنه كذلك إذا تحقق بالقرعة.

واما ما لا واقع له مثل المبهمات فلا تكون الا لرفع الاختلاف والإبهام ولم نجد الواقع لعدم وجوده فتكون مثل الاستخارة وبيان الروايات في إصابة الواقع يكون من جهة عدم حصول الترديد للعامل بها لا لأنها موصلة إلى الواقع فيكون مثل نهيه عن التسرول قائما الّذي حكمته انخراق السروال في هذا الحال فيكون حكمة القرعة أيضا رفع التحير لا الإصابة إلى الواقع وقد تم بحمد الله ما أردنا من مباحث القرعة هنا

البحث في ملاحظة الاستصحاب مع غير القرعة

من الأصول غير الاستصحاب

قد اشتهر تقديم الاستصحاب على جميع الأصول العقلية بالورود وعلى الأصول الشرعية بالحكومة وهكذا القواعد الغير المحرزة فهو مقدم على البراءة والاحتياط والتخيير وقاعدة الطهارة وقاعدة الحلية ولم يكن في كلماتهم بيان المباني فيه من جهة كونه من باب جعل المماثل كما عن المحقق الخراسانيّ قده أو من باب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كما عن الشيخ الأعظم قده أو من باب تنزيل الشك منزلة اليقين كما هو الحق عندنا.

٣٣٣

اما وجه التقديم على الأصول العقلية فواضح من جهة ان موضوع حكم العقل عدم البيان من الشرع كما في البراءة العقلية والاستصحاب بيان من الشرع بعدم نقض اليقين السابق بالشك اللاحق.

واما وجه التقديم على الأصول الشرعية والقواعد كذلك فمن جهة ان الغاية لتلك الأصول هو العلم كما هو لسان مثل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام ورفع ما لا يعلمون والظاهر من العلم وان كان العلم الوجداني بالواقع الواقعي ولكن الاستصحاب يكون فردا من العلم بالتعبد من الشرع فكأنه يحكم بحصول الغاية بلسان عدم نقض اليقين.

وهذا اللسان حاكم لا بمعنى كون العلم المأخوذ في الغاية مشروحا بمثل كلمة أي وأعني ولا بمعنى حكومة الأدلة الثانوية على الأدلة الأولية بل بمعنى نظر دليل الاستصحاب إلى دليل ساير الأصول وهو المناط في الحكومة كما حققناه في محله عند بيان الحكومة والورود.

فان قلت ان قاعدة الحلية وقاعدة الطهارة أيضا من الأصول المحرزة فكيف يقدم الاستصحاب عليهما ودليل كونها محرزة هو ان من صلى في ثوب جرت فيه قاعدة الطهارة أو قاعدة الحلية ثم ظهر الخلاف تجب الإعادة مع ان الشرط الواقعي يجب إحرازها ثم الدخول في الصلاة.

فمن اتفاقهم على جواز الدخول فيها مع القاعدة ثم حكمهم بعد كشف الخلاف بالإعادة نفهم انها محرزة وإلّا فمن أين يصح الدخول فيها ومن أين تجب الإعادة لو لم يكن المدار على الواقع.

وهذا الإشكال يأتي في صورة كون المبنى في الاستصحاب تنزيل اليقين لأنه على هذا المبنى أيضا ليس إلّا محرزا للواقع كما في القاعدتين.

قلت غاية الاستصحاب غير حاصلة بواسطة القواعد المحرزة لأن غاية ما يدل عليه القواعد هي ترتيب أثر المتيقن لا أثر اليقين بخلاف الاستصحاب على ما هو التحقيق

٣٣٤

من كونه من باب تنزيل الشك منزلة اليقين لأن التنزيل كذلك يوجب وجود فرد من العلم التعبدي وغاية القواعد هي العلم بالخلاف ولو تعبدا.

ومن هنا ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ الحائري قده في الدرر وهو ان تقديم الاستصحاب على القواعد المحرزة بعد كون الموضوع فيهما الشك وتساويهما في جهة الإحراز لا وجه له لأن هذا الإشكال منه (قده) على مبنى تنزيل الشك منزلة اليقين في باب الاستصحاب غير وارد لما مر من حصول العلم تعبدا واما على مبنى جعل المماثل وتنزيل المشكوك منزلة المتيقن فله وجه لأن كل واحد من الدليلين يحكم بترتيب الأثر على المشكوك ولا ترجيح.

ثم ان له قده هنا تفصيل وهو ان الموضوع في باب الأصول وهو الشك ان كان المراد به الترديد فيكون الاستصحاب حاكما عليها لأن الشك وان كان معه بحاله ولكن يكون التقديم من باب الحكومة واما ان كان المراد به عدم وجود الطريق إلى الواقع فيكون التقديم من باب الورود لأن الاستصحاب طريق إلى الواقع.

ثم قال : فان قلت ان الاستصحاب وساير الأصول مؤمن وطريق مجعول شرعا فلما ذا يقدم الاستصحاب قلت ان الاستصحاب للكشف الّذي يكون في ذاته يكون غاية لسائر الأصول فغايته حاصلة قبل غاية الاستصحاب من هذه الجهة لأن البراءة مثلا حجة وهو حجة قبلها.

وهذا الكلام منه قده لا نفهمه (١) لأن الفرق بينهما وان كان بجهة الكشف فيه دون ساير الأصول ولكن الحجية عرضية فكيف يصير أحدهما غاية قبل الآخر فالطريق ما ذكرناه.

__________________

(١) أقول يمكن ان يكون نظره قده إلى ان الاستصحاب يكون بيانا وموضوع البراءة وغيرها من أمثالها عدم البيان فلذا لا موضوع لها معه ومع حجيته لا تصل النوبة إلى غيره فعبر عن هذا المعنى بتقديم حجيته عليها.

٣٣٥

ثم ان المحقق الخراسانيّ قده قال في خاتمة الكفاية لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين اما الأول فالنسبة بينه وبينها هي بعينها النسبة بين الأمارة وبينه فيقدم عليها ولا مورد معه لها إلخ ومراده قده من هذا الكلام ورود الاستصحاب على ساير الأصول كورود الأمارة على الاستصحاب فيكون المراد باليقين في غاية الاستصحاب العلم ولو ببعض الجهات وموضوع الأصول هو الجهل بالحكم من جميع الجهات فإذا لم يكن الحاصل من دليل الأصل الا بيان الوظيفة للمتحير من دون كشف عن الواقع فلا يمكن ان يكون غاية للاستصحاب الّذي يشترط ان يكون غايته اليقين ولو ببعض الجهات فان الأمارات حيث أنها علم ببعض الجهات يمكن ان تكون غاية في الاستصحاب لأن مفادها العلم بالواقع ولذا يمكن ان تكون الأمارة مقام العلم الجزء الموضوعي.

واما الأصول فحيث انها لا يكون لها وجه كشف عن الواقع فلا تصير غاية له وهذا بخلافه فان الاستصحاب يكون له وجه كشف عن الواقع وموضوع الأصول الجهل به من جميع الجهات فلو كان لنا الكشف ببعض الجهات فلا موضوع لها فيكون تقديم الاستصحاب على الأصول بالورود.

واما التقديم بالحكومة فلا يتم وهذا على ما بينه في حاشية الفرائد المسماة بفوائد الأصول من جهة ان الملاك في الحكومة هو كون الحاكم بمدلوله اللفظي شارحا للمحكوم ومن المعلوم عدم كون دليل الاستصحاب شارحا كذلك لعدم كونه متضمنا للشرح بمثل لفظة أي وأعني.

ويرد عليه ان الحكومة لا تنحصر بهذا النحو بل في كل مورد فهمنا نظر أحد الدليلين إلى الآخر بالتوسعة والتضييق في الموضوع تتحقق الحكومة فان كان مفاد الاستصحاب تنزيل الطهارة المشكوكة منزلة الطهارة المتيقنة يكون هذا تضييقا لموضوع دليل الأصل وهو الجهل بالواقع فيكون الواقع المعلوم بالتعبد

٣٣٦

خارجا عن موضوع ساير الأصول.

ولكن هذا يكون على ما ذهبنا إليه من تنزيل الشك منزلة اليقين فانه فرد من العلم في مقابل الجهل بالواقع الّذي هو موضوع ساير الأصول واما على مبناه من جعل المماثل في الاستصحاب فغايته ترتيب أثر المستصحب ولا حكومة له عليها لعدم الفرق بين مدلول الدليلين في ترتيب الأثر فلا وجه للحكومة وهو قده على مسلكه لقد أجاد في إنكارها (١)

إشكال ودفع في تتمة معارضة الاستصحاب مع غيره

اما الإشكال فهو في بعض اخبار البراءة مثل قوله عليه‌السلام في الموثقة كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب عليك وأمله سرقة والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو قهر فبيع أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى تستبين لك غيره أو تقوم به البينة.

فان جمعا من القوم كما ذكره الشيخ الأعظم قده فهموا من تلك الرواية أصالة إباحة كل شيء مشكوك الحلية مع ان ما ذكر من الأمثلة يكون فيه استصحاب العدم مثل استصحاب عدم جواز التصرف في المال وفي العبد وعدم نفوذ العقد في النكاح وان أريد بالحلية الحلية المستندة إلى اليد في الثوب والعبد وأصالة الصحة في فعل المسلم في النكاح فمن الواضح عدم استفادة قاعدة الحلية منها بل الحكم بذلك يكون من جهة أمارية اليد وأصالة الصحة وهذا خلاف ما فهموه.

__________________

(١) أقول على مسلكه أيضا في الذهن شيء وهو ان لسان الدليل إذا كان التعبد بمثل الواقع في مقابل موضوع الأصول الّذي يكون التعبد فيه بترتيب الأثر فقط فيكون أحد الدليلين ناظرا إلى الآخر وهذا بخلاف تنزيل المشكوك منزلة المتيقن الّذي لا يستفاد منه الا ترتيب الأثر وان كان هذا اللسان أيضا مما فيه شائبة الحكومة.

٣٣٧

واما الدفع فهو ان يقال كما عن شيخنا العراقي قده ان ما ذكر من الأمثلة اخبار عن الحلية فيما ذكر باليد أو بأصالة الصحة وليس من باب تطبيق الكبرى على المصداق فالصدر يستفاد منه الحلية بقوله عليه‌السلام كل شيء حلال وما ذكر اخبار بموارد فيها الحلية بالدليل المخصوص به (١) ويشهد له ما ذكره عليه‌السلام في الذيل من ان الأشياء كلها على هذا يعنى يكون للمشكوك منها طريق مجعول في مقام الظاهر أي طريق كان فيكون هذا بيان للطريق ولكن قاعدة الحلية لكل شيء تستفاد من الصدر أو يقال ان ما ذكر من الموارد تنظير بأن الحلية بغير القاعدة أيضا مجعولة فعلى هذا تقديم أصالة الصحة واليد على الاستصحاب مما لا شبهة فيه فلا يرد إشكال على الرواية من جهة معارضة قاعدة الحلية مع الاستصحاب الّذي هو مقدم على ساير الأصول

في تعارض الاستصحابين

تعارض الاستصحابين اما ان يكون من جهة حصول التضاد بينهما في زمان الاستصحاب من دون العلم بانتقاض الحالة السابقة مثل استصحاب وجوبين لا يمكن العمل بهما في زمان واحد وهو خارج عن البحث في المقام لأنه داخل في باب التزاحم بين الواجبين واما ان يكون من جهة العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما وهذا يكون محل البحث وعبر الشيخ الأعظم قده عن هذا البحث بأنه من المباحث المهمة.

ثم انه تارة يكون أحد الشكين الذين هما موضوعان للاستصحابين مسببا عن الآخر وتارة يكون الشك فيهما مسببا عن ثالث واما كون الشك في كل واحد منهما

__________________

(١) أقول هذا الوجه لا يناسب قوله عليه‌السلام وذلك مثل إلخ لأن الإخبارات المتعددة لا ربط لأحدها بالآخر واما التنظير بأن قاعدة الحلية أيضا مثل قاعدة اليد وغيرها فهو يناسب قوله عليه‌السلام وذلك إلخ كما في الوجه الثاني من دفع الإشكال.

٣٣٨

مسببا عن الشك في الآخر فلا يتصور من جهة واحدة ومثال الأول هو المثال المعروف بينهم من ان الثوب النجس إذا غسل بماء مشكوك الطهارة والنجاسة فان الشك في نجاسة الثوب بعد الغسل يكون مسببا عن الشك في طهارة الماء بحيث انه لو زال الشك عن السبب للطهارة وهو الماء لا يكون شك في طهارة الثوب.

والمشهور بل المتفق عليه هو تقديم الأصل السببي على المسببي ولم يخالفه الا الشاذ.

ولكن بشرط ان يكون الترتب بين الشكين شرعيا كما في المثال فان الشارع رتب طهارة الثوب على طهارة الماء فان شرط المطهر ان يكون نفسه طاهرا فلا يكون التقديم في صورة كون الترتب عقليا مثل ترتب الطبيعي على وجود الفرد فان استصحاب وجود زيد في الدار يترتب عليه وجود الإنسان وهو الطبيعي في الدار ولكن من جهة حكم العقل بذلك.

وله شرط آخر وهو ان يكون الأثر أيضا شرعيا فاستصحاب الاجتهاد لترتيب أثر هو جواز التقليد أيضا غير جار لأن الترتب وان كان شرعيا من حيث جعله جواز التقليد لمن هو مجتهد ولكن الأثر عقلي لأن العقل بعد إحراز الاجتهاد يكون حاكما بجواز التقليد لا الشرع وكيف كان فاصل التقديم مما لا شبهة فيه.

ولا يخفى عدم الفرق بين كون الأصل المسببي من الأصول المحرزة كالاستصحاب أو غيرها كقاعدة الطهارة ولا وجه لتوهم ان الأصل السببي في غير الاستصحابين مقدم لأن الاستصحاب الواحد إذا تعارض مع القاعدة يكون دليلهما متعددا فيمكن تصوير التقديم واما فيهما فحيث ان النهي عن النقض واحد فلا يتصور تقديم دليل واحد على نفسه.

لأن الدليل الواحد أيضا انحلالي على الموارد فيمكن تقديم بعض افراده على الآخر فالنهي عن النقض ينحل إلى مورد الشك السببي وإلى مورد الشك المسببي

٣٣٩

وكيف كان فالبحث في ان التقديم هل هو بالحكومة كما عن الشيخ الأعظم أو بالورود كما عن المحقق الخراسانيّ قده؟ بيان الثاني هو ان اليقين في الاستصحاب يكون أعم من اليقين بالحكم الواقعي الوجداني أو بالحكم الظاهري فإذا جرى الاستصحاب في السبب يكون اليقين بطهارة الماء مثلا في مثال الثوب المغسول بمشكوك الطهارة حاصلا فغاية الاستصحاب في المسبب حاصلة لأن النهي يكون عن نقض اليقين بالشك لا عن نقضه باليقين وفرضنا ان اليقين بطهارة الماء قد حصل ويكون لازمه طهارة الثوب المغسول به فلا وجه لاستصحاب نجاسته.

ولا عكس لأن استصحاب نجاسة الثوب لا يكون من لوازمه إثبات نجاسة الماء لأن الماء اما كان طاهرا فالثوب صار طاهرا به واما كان نجسا والمتنجس لا يتنجس ثانيا فنقض اليقين بطهارة الماء لا بد ان يكون على وجه التخصيص أي ـ تخصيص لا تنقض بدون وجه مخصص فيكون الاستصحاب في السبب مقدما على استصحاب المسبب بهذا الوجه.

وقد أجاب شيخنا العراقي قده عن هذا الاستدلال بان اليقين منصرف إلى اليقين الوجداني بالواقع الواقعي لا بالواقع التعبدي كما ان الشك أيضا يكون في الواقع الواقعي فكأنه قده أذعن بالورود على فرض كون اليقين هو الأعم من اليقين بالواقع الواقعي والظاهري.

ولكنا نقول (١) ان اليقين يكون معناه هو اليقين بالواقع الواقعي بالمدلول

__________________

(١) أقول بعد أنسنا في الشرع باعتبار الظن في الاخبار الآحاد وساير الظنون المعتبرة وقلة العلم الوجداني في الأحكام الشرعية لا إشكال في القول بأعمية اليقين وحصول غاية الاستصحاب بالأمارات وبالاستصحاب الجاري في السبب لو لا ساير الإشكالات على مسلك الخراسانيّ قده مضافا إلى ان مسلكه جعل المماثل لا تنزيل الشك منزلة اليقين ليكون غاية للاستصحاب.

٣٤٠