مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

بل نفس الدليل بمفاده شامل لمورد قيام الحجة أيضا ولكن الحق ان هذا أيضا خلاف الظاهر.

واما بيانه في الحاشية على الكفاية فهو ان هذا إذا لم نقل بمقالة المشهور من جعل الحكم الظاهري في مؤدى الأمارة يعنى القول بجعل الملازمة يكون في غير هذه الصورة واما على القول بجعل الحكم الظاهري فلا إشكال في جريان الاستصحاب لأن العلم الوجداني واليقين كذلك حاصل بالواقع التعبدي فتطبيق لا تنقض اليقين عليه مما لا إشكال فيه أصلا.

أقول ومن المعلوم عدم تمامية الحكم الظاهري لأن مفاد الأمارات الطريقية إلى الواقع فهو معذر ان أخطأ ومنجز إن أصاب وهذا مقبول عنده قده ولكن نسبة ما ذكره إلى المشهور أيضا غير تامة لأن المشهور هو الطريقية لا السببية في باب الأمارات.

ثم انه قد أشكل شيخنا العراقي (قده) على هذا البيان بأنه على فرض تسليم المبنى والقول بحدوث حكم ظاهري في باب الأمارات ففي الاستصحاب لا يمكن القول بالجريان مطلقا بل من الجهة التي يكون الشك فيه فإذا كان قيام الأمارة على طهارة الثوب من ناحية الدم مثلا يستصحب الطهارة من هذه الجهة لأن الأمارة أحدث في موردها حكم ظاهري بالطهارة من ناحية الدم فإذا شك في الطهارة من ناحية البول فلا يكون له مجرى لعدم تكفل الأمارة للطهارة من ناحية البول فكيف يمكن استصحاب طهارة هذا الشيء مطلقا.

وفيه ان هذا الكلام من أصله متين ولكن لا يمنع من جريان الاستصحاب لأن هذا الشيء إذا كان له استصحاب الطهارة في خصوص احتمال النجاسة بالدم بحكم الأمارة يكون في نفسه من غير هذه الجهة من حيث ذاته اما مجرى للاستصحاب لوجود الحالة السابقة أو مجري لقاعدة الطهارة فاما يستصحب مفاد الاستصحاب أو مفاد القاعدة أو يتمسك بنفس القاعدة أو الاستصحاب فله من غير جهة قيام الأمارة أيضا

٨١

طريق يمكن الاستصحاب فيه.

ثم لشيخنا العراقي (قده) إشكال آخر على أصل مبنى المحقق الخراسانيّ قده في قوله بجريان الاستصحاب من باب الملازمة بين الحدوث والبقاء وهو ان الأمارة على فرض الإصابة تكون منجزة للواقع وعلى فرض عدم الإصابة تكون معذرة على ما هو الحق من الطريقية فيها فعلى هذا إذا لاحظنا دليل الاستصحاب معها نرى ان استصحابه يكون من الشبهة المصداقية لأنه على فرض الإصابة إلى الواقع يكون الملازمة تامة واما على فرض عدمها فلا حدوث في الواقع حتى يكون لازمه البقاء فلا يجري الأصل لهذا الإشكال.

وفيه ان هذا الإشكال يكون في جميع المباني من تتميم الكشف وتنزيل المؤدى لا خصوص مبناه قده من جعل الحجية والحاصل يكون من شيخنا العراقي قده في غير المقام بان الأمارة على فرض الإصابة إلى الواقع يكون بيانيتها تامة ويمكن احتجاج المولى على العبد بأن الّذي لو أصاب لكان بيانا لا يكون لك ترك العمل بمفاده والعجب منه قده في المقام حيث أشكل ولم يجب عنه فتحصل ان الاستصحاب على جميع المباني في مفاد الأمارات جار الا على مسلك المحقق الخراسانيّ قده وعليه أيضا لو قلنا بأن المراد باليقين مطلق المنجر أيضا لا إشكال في جريانه (١) هذا كله البحث عن جريانه في مفاد الأمارات في المقام الأول.

المقام الثاني في جريان الاستصحاب في مفاد الأصول المحرزة كنفس الاستصحاب فإذا كان لنا شيء ثبت طهارته بالاستصحاب ثم شك في بقاء طهارته في الزمن الثاني فهل يمكن استصحاب مفاد الاستصحاب السابق أم لا والحق جريانه فيه أيضا لأن اليقين أو المتيقن التعبدي بحكم الاستصحاب حاصل ولكن لا احتياج إلى استصحاب

__________________

(١) أقول ولا يبعد الالتزام بذلك لأن اليقين الوجداني في الشرع قليل جدا فالمراد بعدم نقض اليقين عدم نقض الحجة الأعم من اليقين الوجداني أو اليقين التعبدي أو الحجة كما أن ارتكاز العقلاء أيضا على جريانه في جميع هذه الموارد.

٨٢

مفاد الاستصحاب بل هذا الشيء في عمود الزمان كلما كان الشك في طهارته ونجاسته وشك في بقاء ذلك مع وجود الحالة السابقة يكون الاستصحاب الثاني كالاستصحاب الأول فيكون القول بجريان استصحاب المستصحب من الأكل من القفاء والحاصل غاية الاستصحاب اليقين بنقض الحالة السابقة ومتى لم يحصل يكون جاريا بلا إشكال.

المقام الثالث في جريانه في مفاد الأصول الغير المحرزة والحق عدم جريان الاستصحاب في مفادها لأن الأصل الغير المحرز وظيفة قررت للشاك ولا يكون مفاده يقينا أو متيقنا تعبدا حتى يشمله دليل الاستصحاب كما يقال ان قاعدة الطهارة والحلية كذلك فركن الأصل وهو اليقين مفقود فيه ولكن هذا لا يمنع من جريان القاعدة في نفس الشيء فانه في الآن الثاني أيضا نفس قاعدة الطهارة وقاعدة الحلية جارية فيه فالبحث في استصحابها يكون من الأكل من القفا هذا كله إذا قلنا بأنها غير محرزة واما على فرض كونها محرزة فتكون مثل الاستصحاب في جريان الاستصحاب في مفادها فركن الأصل موجود على هذا الفرض ولكن لا احتياج إلى جريان الاستصحاب كما مر نعم لو قلنا بأن مطلق المنجز كاف في الاستصحاب فعلى فرض عدم المحرزية أيضا يجري الاستصحاب وفيه ما مر من انه خلاف ظاهر الدليل ولازمه ورود الأمارات على الأصول لا حكومتها كما هو المشهور والحق انها محرزة بدرجة من الإحراز ولذا يجب إعادة الصلاة على من صلاها بقاعدة الطهارة ثم ظهر خلافها وهذا ليس إلّا من باب كاشفيتها عن الواقع ولو كان الشرط فيها هو الطهارة الأعم من الظاهرية والواقعية يلزم ان يقال بعدم وجوب الإعادة وهو خلاف الإجماع هذا تمام الكلام في التنبيه الثاني.

٨٣

التنبيه الثالث في استصحاب الكلي والشخصي

فنقول المستصحب اما ان يكون كليا أو شخصيا وعلى الثاني اما ان يكون فردا معينا قد شك في بقائه أو يكون فردا مرددا من طبيعة واحدة أو طبيعتين أو طبائع وعلى الأول وهو كونه كليا فاما ان يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه أو يكون الشك من جهة التردد في الخاصّ الّذي يكون الكلي في ضمنه بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر مع فعل ما يوجب رفع الحدث الأصغر كالوضوء مثلا واما ان يكون من جهة احتمال وجود فرد آخر للكلي غير الفرد الّذي علم بحدوثه وارتفاعه وهذا الفرد اما ان يكون محتمل الوجود في زمان الفرد الآخر واما ان يكون محتمل الحدوث مقارنا لارتفاعه وذلك أيضا اما ان يكون بين الافراد المتواطئة واما ان يكون بين الافراد المشككة.

ثم الأثر الشرعي في فرض كون المستصحب من الموضوعات اما ان يكون على نفس الكلي والجامع بين الفردين واما ان يكون على نفس الفرد دونه واما ان يكون الأثر على كليهما هذه صور المسألة.

في استصحاب الموضوع الشخصي المعين والمردد

ولنقدم البحث عن استصحاب الموضوع الشخصي وهو في صورة كونه معينا لا إشكال في جريان الاستصحاب بالنسبة إليه مثل العلم بوجود نجاسة بولية في هذا الثوب فشك في بقائها لأن اليقين والشك الذين يكونان من أركان الاستصحاب لا شك في وجودهما في هذا الفرد فان اليقين بحدوثه والشك في بقائه لا شبهة فيه واما إذا كان هذا الفرد مرددا بين الفردين كما في موارد العلم الإجمالي مثل ما إذا علمنا بوجوب إحدى الصلاتين في ظهر يوم الجمعة فشك في بقائه بعد إتيان

٨٤

صلاة واحدة أو علمنا بنجاسة أحد الكأسين فخرج أحدهما عن محل الابتلاء فشك في بقاء النجاسة في ضمن الفرد الآخر وهنا تارة يكون البحث في صورة خروج أحد الأطراف عن محل الابتلاء وأخرى في صورة بقائه.

اما صورة الخروج عن محل الابتلاء فالتحقيق عدم جريان الاستصحاب لا لعدم تصور الشك واليقين بالعنوان المردد بل لأن الاستصحاب يحتاج إلى أثر شرعي وهو لا يكون إلّا على الفرد الشخصي الخارجي.

فان الأثر يكون لخصوص صلاة الظهر أو الجمعة أو لخصوص الحدث البولي أو المنوي وهكذا ولا أثر على العنوان المردد بين هذا وذاك بعنوان انه أحدهما فمن صلى الظهر ثم شك في بقاء الوجوب بالنسبة إلى الجمعة وعدمه فباستصحاب أصل الوجوب لا يمكن إثبات ان الواجب هو الجمعة وكذلك في مثال الحدث باستصحابه لا يمكن ترتيب أثر خصوص البول أو المني والفرض هو ان الأثر على الشخص لا على الكلي.

ومن هنا لا يجري الاستصحاب في الشبهات المفهومية لا ولها إلى الفرد المردد ويكون من دوران الأمر بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هو مقطوع العدم فمن لا يدرى ان وقت المغرب هل يدخل بواسطة ذهاب الحمرة المشرقية أو بصرف غيبوبة الشمس لا يكون له استصحاب بقاء النهار لأنه في الواقع ان كان بذهاب الحمرة لم يدخل بغيبوبة الشمس فقط قطعا وان كان بها فقط دخل قطعا وهكذا في الرضاع المحرم المردد بين حصوله بعشر رضعات أو خمسة عشر لا يجري الاستصحاب لأن الأثر على الشخص وهو لا يحرز به ومن هنا ظهر الفرق بين المقام وبين استصحاب الكلي. في القسم الثاني من اقسامه مثل استصحاب الحدث في صورة الشك بين كون الحدث أصغر أو أكبر فان الأثر وهو المانعية عن الصلاة يترتب على الكلي لا على الشخص وهذا لا يكون من جهة ما توهم من ان الحدث عنوان ذاتي وعنوان أحدهما عرضي لأن الحدث أيضا عنوان عرضي للبول والمني ولا يمكن ان يكون الكلي مرآة للشخص

٨٥

بالخصوصيات الفردية فان الإنسان لا يمكن ان يكون مرآة عن الخصوصيات في زيد وعمر وفهو أيضا عنوان عرضي ولكن بعض العناوين العرضية يكون فوق المقولة مثل عنوان أحدهما وبعض العناوين يكون له ما بإزاء في الخارج مثل الإنسان والحدث فجريان الاستصحاب في الحدث في الكلي القسم الثاني يكون لوجود الأثر على الكلي لا على الشخص ، ثم ان السيد محمد كاظم اليزدي (قده) قد توهم جريان الاستصحاب في الفرد المردد وبيانه ان الفرد في الواقع معين ولكنه عندنا غير معين فنستصحب وجوده في الواقع.

وفيه ان عنوان أحدهما لا خارج له وما في الخارج مردد لا يمكن استصحابه إلّا ان يكون المراد الجريان بالنسبة إلى أثر الكلي وهو خارج عن محل البحث واستصحابه لا يثبت الفرد ولو كان هذا صحيحا عنده يلزم ان يقول في جميع الموارد من الشبهات المفهومية في الرضاع وفي حصول المغرب وغيره ولا أظن انه يلتزم به.

ثم لا يخفى وجود الثمرة لهذا البحث فانه على فرض سقوط العلم الإجمالي عن الاعتبار بواسطة خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء كما هو قول بعضهم فيفيد الاستصحاب فان جرى يمنع عن القول بالبراءة بالنسبة إلى الطرف الآخر باحتمال كونه من المشتبه البدوي واما على فرض عدم جريانه فتجري البراءة فلا وجه لقول القائل بأنه مع وجود العلم الإجمالي لا نحتاج إلى التمسك بالاستصحاب لأن لنا المنجز وهو العلم ويكون صدور هذا القول لعدم التعمق في الكلام.

ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال في المقام بان عدم جريان الأصل يكون من جهة عدم تمامية أركان الاستصحاب فان خروج أحد الأطراف عن محل الابتلاء يلزمه منه عدم بقاء المتيقن السابق لانقلاب اليقين بالنسبة إليه إلى اليقين بالخلاف لأن متعلق اليقين في مورد العلم الإجمالي يكون هو الواحد المردد بين هذا وذاك مثل صلاة الجمعة والظهر وبعد إتيان الجمعة مثلا سقط هذا العنوان عن الاعتبار

٨٦

قطعا لأن العلم لا يكون بوجوب أحدهما الملازم لوجوب الطرفين.

وهذا ينافى العلم بارتفاع أحد الفردين الذين كانا متعلقا العلم بواسطة الإتيان به كما في الكأسين الذين خرج أحدهما عن الابتلاء لإهراقه وقد أجاب عنه (قده) شيخنا العراقي (قده) بان متعلق اليقين والشك هو الصورة الحاصلة في الذهن ولا يسري الشك منه إلى الخارج فاليقين بأحدهما بعنوانه يكون الشك فيه (١) والشاهد على ما ذكرناه هو ان العلم الإجمالي لا ينافى الشك التفصيلي بالنسبة إلى كل طرف في الخارج ولا يكون هذا الأمن باب عدم سريان اليقين الإجمالي الخارج إلى ففي المقام يكون الفرد الخارجي غير مربوط بالعنوان المردد ولذا يجري

__________________

(١) أقول المراد بعدم السريان ان كان هو كون موطن الشك واليقين في الذهن وانهما من صفات النّفس فلا شبهة فيه فان العلم والشك والظن والوهم من صفات النّفس واما ان كان المراد الفرق بين العلم التفصيلي والإجمالي ومن حيث الأثر الخارجي فلا شبهة في ان للعلم والشك أثرا في الخارج ونرى ان ما ذكره التحرير النائيني قده يكون صحيحا بالوجدان وفي العلم الإجمالي أيضا يكون موطن الشك التفصيلي والعلم الإجمالي في الذهن ويكون المتعلق في الخارج ولا يكون اجتماع العلم والشك في شيء واحد بل متعلق العلم هو العنوان الواحد المردد ومتعلق الشك هو كل فرد فرد فلا يكون هذا الإشكال واردا.

واما النقض عليه باستصحاب الكلي في القسم الثاني منه لعدم اليقين بانقلاب الطبيعي الّذي كان متيقنا في ضمن الفرد بواسطة العلم بعدم الفرد القصير فان الشك في وجوده يكون باقيا وهذا بخلاف المردد بما هو مردد فان الأثر يكون على الشخص ولا يكون لنا أثر قائم بطبيعي وجوب الصلاة الأعم من الظهر والجمعة مثلا بخلاف الكلي في القسم الثاني فان الأثر على الكلي متصور ولذا يجري الاستصحاب بالنسبة إليه فلو فرض عدم الأثر للكلي ففيه أيضا لا يجري ولو فرض وجوده في المقام أيضا فيجري.

٨٧

الاستصحاب في الكلي في القسم الثاني منه لتعلق اليقين به والشك يكون فيه مع ان الفرد الّذي يكون الكلي في ضمنه قد عدم بوجه فان الحدث الأصغر إذا ارتفع بالوضوء يكون الشك في بقاء الكلي في ضمن الفرد الطويل لو كان في الواقع مع ان الكلي لو كان في ضمن الفرد القصير لا يكون الآن باقيا فالإشكال لا يكون من جهة عدم اليقين والشك بل من جهة عدم إمكان التعبد بالمردد بما هو مردد واستصحابه لترتيب أثر الفرد أيضا مثبت لأن استصحاب وجوب الصلاة لا يثبت ان الواجب هو الفرد الخاصّ لأنه من آثاره العقلية لو فرض عنوان الأحد مثل عنوان الإنسان ولكن ليس كذلك نعم على فرض سريان الشك واليقين إلى الخارج يكون إشكال شيخنا النائيني قده واردا ولكن المبنى غير تام هذا كله في استصحاب الفرد.

واما استصحاب الكلي فهو على أقسام

القسم الأول

ما إذا كان الكلي موجودا في ضمن فرد مثل وجود الإنسان في ضمن زيد فشك في بقائه من جهة الشك في بقاء الفرد ففي هذا القسم لا إشكال في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الأثر المترتب على الفرد وعلى الكلي إذا كان لهما الأثر الشرعي فلو فرض عدم الأثر للكلي أو للفرد بواسطة كون الأثر من الملازمات العقلية أو عدم كونه منشأ للأثر أصلا فلا شبهة في عدم جريان الاستصحاب ضرورة انه أصل تعبدي وهو يحتاج إلى أثر شرعي فلو كان لكل واحد منهما أثر فلا إشكال في جريانه واما إذا كان المراد في هذا القسم استصحاب الفرد لترتيب أثر الطبيعي أو استصحاب الطبيعي لترتيب أثر الفرد فهو غير جار لأن هذا لازمه إثبات الطبيعي أو لا ثم ترتيب اثره وهذا أثر

٨٨

عقلي وهكذا إثبات الفرد بواسطة الطبيعي أيضا مثبت وقد فصل (١) المحقق الخراسانيّ قده في الحاشية على الرسائل بين استصحاب الفرد لترتيب أثر الطبيعي فقال بجريان الاستصحاب لأن الطبيعي عين الفرد ولا يكون شيئا آخر حتى يكون مثبتا واما إذا كان استصحاب الطبيعي لأثر الفرد ففيه وجهان اما وجه عدم الجريان فلان ترتيب أثر الطبيعي على الفرد يكون بعد إثبات الطبيعي باستصحاب الفرد وهو من اللوازم العقلية ويكون الطبيعي غير الفرد عند العرف واما وجه الجريان فهو ان الطبيعي عين الفرد فاستصحابه يكون استصحابه فان استصحاب وجود زيد مثلا يكون مثل استصحاب وجود الإنسان.

وفيه ان استصحاب الفرد لترتيب أثر الطبيعي يكون كاستصحاب الطبيعي في ترتيب أثر الفرد في كونه مثبتا مضافا بأن استصحاب الطبيعي لا يمكن ان يكون مثبت الخصوصية فان استصحاب الإنسان أو الحدث لا يوجب ترتيب أثر الخصوصيات الفردية في زيد وعمرو وفي البول والمني ولو قلنا بأن الطبيعي ليس إلّا الافراد فالحق كونهما مثبتين.

القسم الثاني من استصحاب الكلي

وهو استصحاب الكلي في ضمن أحد الفردين الذين نعلم بزوال أحدهما على فرض كونه هو الموجود مثل الشك في بقاء الحدث إذا كان مرددا بين الأصغر والأكبر والشك في وجود الحيوان بعد كونه قصير العمر كالبق أو طويلة كالبقر فانه بعد زوال الفرد القصير بواسطة الوضوء في الحدث وبواسطة الموت في الحيوان

__________________

(١) أقول وجدت التفصيل في الحاشية ص ١٩٣ ولا أدري من أين يكون الاحتياج إلى الاستصحاب كذلك بعد إمكان استصحاب نفس الفرد ونفس الطبيعي فان هذا النحو مع انه لا يجري لكونه مثبتا يكون من الأكل من القفا.

٨٩

نشك في بقاء الكلي فانه لو كان الموجود في الواقع هو القصير فلا شبهة في زواله فان الحدث الأصغر مثل البول يذهب بواسطة الوضوء والبق يموت بعد ثلاثة أيام واما لو كان هو الفرد الطويل مثل المني أو وجود البقر فهو باق ففي هذا القسم يكون المشهور أيضا جريان الاستصحاب لوجود اليقين السابق بالطبيعي والشك اللاحق لكن يكون جريانه بلحاظ الأثر المترتب على الطبيعي لا القرد فان استصحاب الحدث يكون اثره الجامع هو عدم جواز الدخول في الصلاة فان شرطها الطهارة الأعم من كون الحدث الأصغر أو الأكبر ولكن الآثار الخاصة لا تترتب مثل حرمة دخول المسجد وحرمة قراءة العزائم فان هذه أثر الحدث الّذي هو المني مثلا لا الحدث الأصغر الّذي هو البول مثلا فمقتضى جريانه تام.

لا يقال إذا كان لنا العلم الإجمالي بوجود الحدث اما في ضمن الأصغر أو الأكبر ثم خرج أحد الأطراف عن الابتلاء مثل تحصيل الرافع للحدث الأصغر يكون المؤثر هو العلم الإجمالي بالنسبة إلى وجوب الرافع للحدث الأكبر وهو الغسل فالأثر يكون له ولا نحتاج إلى إثباته بالاستصحاب فلاشتغال اليقينيّ يلزمه العلم بالفراغ يقينا لأنا نقول الاستصحاب مقدم على قاعدة الاشتغال سواء كان موافقا معها أو مخالفا لكون محرزا.

لا يقال هذا في صورة تقدم العلم ثم خروج أحد الأطراف عن الابتلاء واما إذا لم يكن العلم الإجمالي ثم خرج قبله بعض الأطراف عن الابتلاء فلا يكون أركان الاستصحاب تاما وهو اليقين والشك مثل ما إذا وجد رطوبة احتمل انه بول فتوضأ ثم شك في انه بول أو منى فان الشك بالنسبة إلى المني بدوي ولا يكون لنا حالة سابقة يمكن استصحابها.

لأنا نقول في هذه الصورة يكون العلم بالوجدان ولكن لا تنجيز له واستصحاب طبيعي الحدث لا إشكال فيه فنعلم بوجود حدث بواسطة الرطوبة في السابق اما في ضمن البول أو المني ونشك في رفعه بالوضوء فيستصحب فيجب الغسل أيضا هذا كله في

٩٠

تمامية المقتضى.

واما المانع في المقام عن جريان الاستصحاب فهو على وجوه ذكر بعضها الشيخ قده في الرسائل (١) ثم أجاب.

فمنها هو ما ذكره قده وحاصله ان الطبيعي لا يكون إلّا الحصص ولا يكون لنا كلي طبيعي في الخارج والفرد في المقام يكون امره مرددا بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع فان الحدث لو كان هو الأصغر قد ارتفع بالوضوء قطعا وان كان هو الأكبر فهو باق قطعا والحيوان ان كان فيلا فهو باق قطعا وان كان بقا فهو معدوم قطعا فيكون الشك في أصل حدوث الفرد الطويل والأصل عدمه فلا يكون لنا اليقين بكلى الحدث أو كلي الحيوان في زمان حتى يجري الاستصحاب.

وحاصل جوابه قده ببيان منا هو ان الموضوع في الاستصحاب عرفي ولا يحتاج إلى الدقة الفلسفية وهو هنا موجود وهذا يظهر منه الإذعان بالحصص في الطبيعي وان الحصة مرددة في الواقع بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ولنا (٢) ان نجيب ثانيا بان العلم كما مر يكون مركزه الصور الذهنية ولا يسرى

__________________

(١) أقول هذا في ص ٣٥٠ ولا يخفى ان هذا هو التنبيه الأول حسب ترتيبه قده فارجع إلى عبارته في اشكاله الثاني كما سيجيء منه التعرض لها.

(٢) أقول قد مر ما فيه فان مركز العلم الصور ولكن الخارج دخيل في وجود وعدمه فإذا علمنا بالنجاسة ثم حصل المطهر لها ينقلب الصورة العلمية بالعلم بالطهارة وهكذا في المورد إذا خرج بعض الأطراف عن الابتلاء لا يكون العلم باقيا كما كان فالخارج له تأثير في الصور العلمية وهذا واضح لأن طريق حصول العلم في بعض الأشياء يكون هو الخارج ومن هذا الوجه يقول ببقاء العلم الإجمالي مؤربا في مورد خروج بعض الأطراف عن الابتلاء وسقوط العلم الإجمالي العرضي وهذا لا يكون الأمن جهة التأثير وان لم يتم العلم الإجمالي المورب كما حرر في محله.

٩١

إلى الخارج فالعلم بالعنوان الإجمالي لا ينقلب عما هو عليه بواسطة خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فلا يضر بالعنوان الإجمالي مثل العلم بالحدث الشك التفصيليّ في وجود المني أو البول فإذا خرج البول عن الابتلاء لمضي أثره وهو الوضوء لا يضر بالعلم بالطبيعي هذا كله إذا كما معتقدا بوجود الطبيعي وقلنا بأن الطبيعي مع الافراد كنسبة الآباء إلى الأولاد يعنى يكون كل فرد من الافراد حصة من الطبيعي ولم نقل هو ابن واحد بالنسبة إلى الأولاد وهذا الاصطلاح يكون موروثا من الحكماء قبل الإسلام.

واما على التحقيق وفاقا للمتأخرين من الحكماء الإسلامية بان الأصل في العالم هو الوجود وهو الخير المحض ولا شأن للماهيات الا اعتبار تحديد الوجود به فلا يكون لنا العلم الا بوجود ويكون لنا الشك في مراتبه فلا ندري في المقام بان هذا الوجود هل كان ممتدا أو يكون ضعيفا فإذا علمنا بمعدومية المرتبة الضعيفة فلا يحصل العلم بمعدومية المرتبة القوية فيكون بقائه مشكوكا فيمكن استصحابه فسقوط حد من الوجود لا يضر بالبقية فلا إشكال في استصحابها كما قال به المحقق الخراسانيّ (قده) في الحاشية فهذا الإشكال على استصحاب الكلي في القسم الثاني لا وجه له اما لكون الموضوع فيه عرفيا وهو باق في نظر العرف واما بالدقة وهو باق كذلك.

ومنها ما عن الشيخ قده أيضا وهو ان الشك في وجود الكلي يكون مسببا عن الشك في ان الحادث هل هو الفرد الطويل أم لا فإذا جرى أصالة عدم حدوث الفرد الطويل مع العلم بزوال الفرد القصير لا يبقى الشك في الطبيعي بل هو معدوم وهذا شأن كل أصل سببي مع المسببي فأصالة بقاء الكلي غير جارية لأن موضوعها وهو الشك قد ذهب بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل وأجاب قده عنه بعبارة في الرسائل نذكرها بلفظها لعناية الاعلام بالإشكال فيه قال قده فان ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث هو الفرد المقطوع الارتفاع لا من لوازم عدم حدوث الأمر

٩٢

الآخر نعم اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين وبينهما فرق واضح ولذا ذكرنا انه تترتب عليه أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدم انتهى وحاصل مرامه ان الفرد القصير لو كان هو الحادث مثل الحدث الأصغر بعد الوضوء فيحصل القطع بعدم الطبيعي لصيرورته معدوما وهذا إلّا إثبات له لعدم العلم بان الحادث ما هو واما عدم حدوث الطويل فلا يترتب عليه عدم الطبيعي لأنه من اللوازم العقلية فهو مثبت.

وقد أجيب عنه قده بان عدم الطبيعي كما انه لازم حدوث الفرد القصير يكون لازما لعدم حدوث الفرد الطويل أيضا فلا فرق بينهما.

وفيه (١) ان مراده قده هو ان الوجود وهو الحدوث يكون له الأثر لا العدم فانه

__________________

(١) أقول مراده قده لا يكون من جهة عدم التأخير للعدم فان استصحاب عدم الموضوع لازمه عدم الحكم وعدم الطبيعي لازمه عدم الحكم عليه ولا يكون المراد ان العدم مؤثر بل عدم العلة أو عدم مقتضى الوجود الّذي هو تعبيره يكون لازمه عدم الشيء.

وهو مد ظله يفر من هذه العبارة المنصوصة في كلماتهم وهي ان عدم العلة علة للعدم من جهة قوله ان العدم لا أثر له ثم يقول عدم المعلول يكون من جهة عدم المقتضى لوجوده يعنى بالفارسية چون مقتضى نيست معلول نيست وهذا عين ما يقولون ومن المعلوم ان المعلول العدم لا يحتاج إلى امر مؤثر وجودي بل يكون هذا التعبير من جهة ضيق الخناق.

والحق ان مراد الشيخ قده هو ان إثبات كون الحادث هو الفرد القصير يكون من لوازمه بالوجدان عدم الطبيعي بعد العلم وجدانا بزواله واما استصحاب عدم حدوث الطويل يكون مثبتا من جهة ان عدم الطبيعي يكون من لوازمه العقلية فلا يجري هذا الأصل فيستصحب بقاء الطبيعي. ويرد عليه هو انه في ذيل كلامه قائل بان استصحاب عدمه.

٩٣

لا يمكن ان يقال عدم البقاء مسبب عن عدم الحدوث لعدم تأثير العدم في شيء لأنه ليس مؤثرا فالحق مع الشيخ قده.

وأجيب ثانيا بأنه لو سلم كون العدم مسببا يكون من اللوازم العقلية المترتبة على استصحاب عدم كون الحادث هو الفرد الطويل ومن الشروط في جريان الأصل السببي هو كون المسبب مما رتب عليه شرعا مثل اشتراط طهارة الماء في طهارة ما عسل به في لسان الدليل فانه يمكن استصحاب طهارة الماء المشكوك والقول بطهارة الثوب المغسول به واما في المقام فلا يكون الترتب بين عدم الطبيعي وعدم الفرد الطويل في لسان الدليل فلا يكون لهذا الأصل أثر شرعي مع لزومه في صحة التعبد الطويل في لسان الدليل فلا يكون لهذا الأصل أثر شرعي من لزومه في صحة التعبد فلو سلم ان الدليل دل على حدوث الحدث بالجنابة في لسان الشرع لم يكن لنا دليل كذلك بان عدمه منوط بعدم الجنابة فالحق مع المحقق الخراسانيّ قده في المقام حيث أجاب عن الإشكال بهذا النحو وجواب الشيخ الأعظم أيضا له وجه.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال بان استصحاب عدم الفرد الطويل معارض باستصحاب عدم حدوث الفرد القصير أيضا وبعد التعارض يتساقطان فلا يجري الأصل في السبب ليكون إشكالا على استصحاب الكلي.

وفيه ان الاستصحاب في الفرد القصير لا يجري حتى يكون معارضا لأنه أصل تعبدي ويحتاج إلى الأثر وهو مفقود فيه اما في صورة خروج الفرد القصير عن الابتلاء

__________________

يترتب عليه عدم وجود الحصة من الطبيعي في ضمنه ولذا لا يترتب عليه أثره الخاصّ ونحن نأخذ بهذا الكلام ونقول إذا ثبت عدم الحصة بالتعبد يكون عدم الحصة في ضمن القصير بالوجدان فلا يكون لنا حصة أخرى يكون الطبيعي في ضمنها فلا يجري استصحابه ويكون الإشكال بحاله إلّا ان يكون الجواب بان الموضوع في هو بنظر العرف لا الدقة فتدبر في كلامه (قده) فانه دقيق ولم يتعرض مد ظله لذيل كلامه في الدرس ولذا لم نقرره وهذا الإشكال قوى في النّظر فلذا اما ان يكتفى بالاشتغال الّذي هو لازم العلم الإجمالي أو يتمسك بكون الموضوع في الاستصحاب عرفيا.

٩٤

بعد العلم الإجمالي فعدم الأثر واضح لأن المتوضئ لا يحتاج إلى استصحاب الحدث الأصغر لأنه لو كان كان أثره الوضوء وقد تقدم وهكذا في صورة حصول العلم بعد الخروج عن الابتلاء كما في مثال وجدان رطوبة علم بأنها بول فتوضأ ثم حصل العلم بأنها اما بول أو منى فانه لا تأثير للعلم ولكن الفرد خرج عن الابتلاء فلا وجه لكلامه قده وان قبله بعضهم.

ومنها ان الكلي الطبيعي لا يكون له وجود في الخارج حتى يمكن استصحابه بل هو امر منتزع عن الافراد الخارجية التي هي منشأ الانتزاع وهي امرها دائر بين الوجود والعدم لأنه على فرض كون الحادث هو القصير يكون معدوما قطعا ولو كان هو الفرد الطويل يكون موجودا قطعا فليس لنا كلي ليستصحب بعد الترديد في الفرد وفي ان المراد من الكلي يكون هو المنشأ لانتزاع الجهة المشتركة المحفوظة بين الحصص الموجودة في الخارج ولا إشكال في وجوده في الخارج بعين وجود الافراد فعدمه في ضمن فرد لا يوجب عدمه في ضمن فرد آخر.

ومنها ان استصحاب الكلي غير جار من جهة كون المقام من الشبهة المصداقية لدليله وهو قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر لأنه لو كان الكلي في ضمن الفرد القصير وقد أحرزنا عدمه بالوجدان يكون من احتمال نقض اليقين باليقين لا نقضه بالشك وموضوعه هو الثاني يعنى نقض اليقين بالشك وهو غير محرز وليس كل مورد من موارد الاستصحاب كذلك فانه إذا شك في بقاء عدالة زيد يكون استصحابها من عدم نقض اليقين بالشك ويكون الشك واليقين متصلين بخلاف المقام.

والجواب (١) عن هذا الإشكال هو ان المسالك في الطبيعي أربعة لا يرد الإشكال

__________________

(١) أقول الجواب الّذي يمكن الاعتماد عليه هو ان ساير الموارد أيضا يكون احتمال نقض اليقين باليقين لأن الشك في عدالة زيد من باب احتمال فعله ما هو مزيل العدالة فان كان في الواقع قد فعله فعدالته منقوضة يقينا وإلّا فلا أو يقال موضوع الاستصحاب عرفي والشك واليقين بالنسبة إليه متحقق فعلا وساير الوجوه يشكل الاعتماد عليه لأن الطبيعي يكون عين الافراد إلّا ان يؤخذ غيرها عرفا.

٩٥

على مبنيين منها ويرد على مبنيين آخرين الأول ان يكون الطبيعي هو الجامع بين الحصص ويكون له الوجود المنحفظ ويكون هو المشكوك وعلي هذا لا يكون الشك متوجها إلى الفرد ليكون زوال الصغير بالوجدان موجبا لاحتمال نقض اليقين باليقين فما هو المتيقن هو الطبيعي وما هو المشكوك أيضا هو الطبيعي.

الثاني ان يكون القصر والطول بالنسبة إلى الوجود من حيث الشدة والضعف مع كون الماهيات اعتباريات محضة كما هو التحقيق وعليه يكون لنا العلم بقطعة من الوجود وبعد زوال الفرد الضعيف نشك في بقاء الوجود الّذي وجدناه فنستصحب أيضا ما هو المشكوك ولا يوجب زوال الفرد احتمال اليقين بزواله فعليه أيضا لا يرد الإشكال.

الثالث ان يكون الحاكم ببقائه هو العرف من دون الدقة بان يكون لنا حدث أو حيوان والآن نشك في بقائه فيكون زوال الفرد القصير بالوجدان موجبا لاحتمال نقضه باليقين لعدم الطبيعي الا في ضمن هذا الفرد أو ذاك (١).

الرابع ان يكون الطبيعي هو الجامع الانتزاعي العنواني من دون واقعية مثل عنوان أحدهما وعليه أيضا يكون الإشكال واردا لعدم اليقين بالجامع الا في ضمن هذا أو ذاك.

ومنها (٢) ان اللازم منه اختصاص الاستصحاب بالموضوعات الا الأحكام لعدم الجامع فيها فان الشك إذا كان في بقاء الوجوب بعد كونه دائرا بين الظهر والجمعة وقد أتى بالظهر لا يكون لنا جامع بينهما وهو الوجوب المطلق حتى يستصحب والفرد

__________________

(١) أقول معنى كون الموضوع عرفيا هو عدم الاعتناء بالطبيعي والافراد بالدقة وإلّا فرجع إلى ساير الأقسام بل يقال لنا يقين بالحدث وشك في البقاء فهو باق يحكم الاستصحاب

(٢) أقول على فرض عدم جريان الاستصحاب في الأحكام لا يكون جريانه في الموضوعات مشكلا فهذا الإشكال متوجه إلى إطلاق الحكم بجريانه في الكلي القسم الثاني فعلى فرض وروده لا يضر بأصل جريانه.

٩٦

يعنى الجمعة لا يثبت وجوبه بالأصل وكذلك إذا تردد الوجوب بين كونه نفسيا أو غير يأثم علمنا بعدم الوجوب الغيري بنسخ أو غيره وكان الشك في بقاء الوجوب النفسيّ فان الفرد لا يمكن إثباته فانه كما يستحيل جعل الوجوب الواقعي الا في ضمن إحدى الخصوصيّتين كذلك يستحيل جعل الحكم الظاهري أيضا الا في ضمن إحدى الخصوصيّتين كما عن شيخنا النائيني قده فانه يقول ان الجامع لا تحصل له مطلقا حتى في الوجود التعبدي ولكن يمكن الجواب عنه بان الأثر إذا كان أثرا للأعم من الظاهر والواقع يمكن ترتبه على ما ثبت بالاستصحاب كما ان استصحاب الحكم مع الشك في الموضوع جار عند المحقق الخراسانيّ (قده) ومن الواضح ان تحقق العرض بدون الموضوع محال والحكم بمنزلة العرض للموضوع ولكن لا إشكال في تعبد الشارع ببقاء الحكم مع الشك في الموضوع إلّا ان يدعى انصراف لا تنقض اليقين بالشك بصورة كون الشيء ممكنا في التكوين فما هو ممكن البقاء في ظرف التكوين يمكن استصحابه في ظرف التعبد والعرض بدون الموضوع حيث لا يمكن في التكوين لا يمكن استصحابه بالتعبد.

وقد فصل شيخنا العراقي (قده) (١) في المقام بان التنزيل ان كان بيد الشارع مثل الطواف في البيت كالصلاة لا بد من ملاحظة ما ذكر من وجود الجامع وعدمه وملاحظة الأثر الشرعي للتنزيل.

واما في الاستصحاب فلا يكون التنزيل الا بيد المكلف وليس عمله الا الجري على طبق الحالة السابقة وهو لا يحتاج إلى إحراز الخصوصية بل ما كان واجبا بنى

__________________

(١) أقول كلامه قده في تقريراته يكون على فرض جعل المماثل في الاستصحاب وفهم كلامه مع تفصيله قده مشكل لأنه مع ذلك استصحاب الجامع لا يكون له أثر الفرد ولو لم نقل بجعل المماثل والّذي يسهل الخطب هو ان الموضوع في الاستصحاب عرفي وهو باق بنظر العرف في الموضوعات والأحكام ولو لم يتم بالدقة في الطبيعي والفرد وعلى فرض عدم التسليم لكل ما ذكر فالعلم الإجمالي يؤثر أثره لبقاء تنجيزه.

٩٧

على وجوبه فلا يرد الإشكال واما على الأول فحيث يحتاج إلى جعل الأثر لا بد من التزام ما قيل.

والحق ان الاستصحاب في الحكم يكون للأثر الّذي يكون على الأعم من الوجود الواقعي والتعبدي ولازم استصحاب الوجوب هو إثبات وجوب الفرد أو نقول لا نحتاج إلى تحصل الطبيعي في التعبديات مثل الأحكام لأن نفس الحكم هو الأثر الشرعي.

في الشبهة العبائية

ثم من الشبهات المعروفة في استصحاب الكلي في القسم الثاني هو ما صدر عن السيد إسماعيل الصدر في بعض أسفاره في النجف الأشرف وهي المعروفة بالشبهة العبائية وحاصلها هو ان العباء إذا علمنا بأنه اما صار أعلاه نجسا أو أسفله ثم حصل مطهر لبعض أطرافه المعين ولا نعلم انه وقع على ما هو طاهر في الواقع فلا يحصل الطهارة أو وقع على ما هو النجس فتحصل ثم بعد ذلك لاقى كلا طرفي هذا العباء مع البدن بالرطوبة فمقتضى جريان استصحاب الكلي وهو أصل النجاسة هو القول بنجاسة الملاقى ومن المعلوم ان الملاقى لأحد أطراف الشبهة المحصورة لا يجب الاجتناب عنه والمقام مثله فكيف يقال بجريان الاستصحاب مع انه خلاف المشهور (١)

__________________

(١) أقول هذا الإشكال لا يكون متوجها إلى أصل جريان الاستصحاب في الكلي القسم الثاني بل لو صح يكون تخصيصا له في المورد للشهرة هذا أولا.

وثانيا الاختلاف في ان الاجتناب عن ملاقى الشبهة المحصورة لازم أم لا مشهور في الأصول ولا يكون الإجماع على عدم وجوبه فلقائل ان ينكره ويكون هذا أساس إشكال هذا السيد قده وثالثا هذا الإشكال على ما قرروه يكون مع فرضهم ملاقاة البدن مع كلا طرفي العباء وهو يكون مثل ملاقى كلا طرفي الشبهة المحصورة ولا شبهة لأحد في حصول النجاسة من أحد للعلم الوجداني بملاقاة النجس في غير المقام اما في المقام.

٩٨

وقد أجاب شيخنا النائيني قده بجواب غير مترقب منه وهو ان المقام يكون كاستصحاب الفرد المردد لأن استصحاب الكلي في القسم الثاني يجب ان يكون فيما يكون معلوما بهويته ثم شك فيه كالحيوان الّذي لا نعلم انه فيل أو بق وكالحدث الّذي لا نعلم انه أصغر أو أكبر واما في المقام فالنجاسة بهويتها مرددة لأنا لا نعلم انها كانت في هذا الطرف أو ذاك فانه يكون مثل الحيوان الّذي لا نعلم انه كان في الطرف الشرقي أو الغربي وانهدم الشرق مثلا فان كان في الشرق فقد انعدم يقينا وان كان في الغرب فكون باقيا يقينا فلا يمكن استصحابه بعد الترديد والمقام مثله فلا يجري الأصل.

ويرد عليه ان المكان لا يكون من المشخصات حتى نقول بأنه ان أحرز كونه في مكان خاص يكون معلوما بالهوية وعلى فرض عدم إحرازه وترديده بين هذا المكان أو ذاك يكون مجهول الهوية وتكثير المثال لا يوجب رفع الإشكال فإذا علمنا بوجود حيوان في الدار أو نجاسة في العباء في أي طرف كان ثم أردنا استصحابه لا يكون الإشكال فيه.

فان قلت لأي أثر نقول بجريان الاستصحاب في العباء فان كان بالنسبة إلى

__________________

فعلى ما قرره القوم من العلم بحصول مطهر لطرف معين ولكن لا نعلم انه هو النجس حتى يحصل الطهارة أو الطاهر حتى لا يؤثر شيئا ومن المعلوم ان العلم الإجمالي يكون تنجيزه باقيا ما لم يحصل مزيله إلّا ان يقال بان العلم حيث انقلب في الواقع لا يؤثر إلّا ان نلتزم بالعلم الإجمالي المورب الّذي عن الأستاذ مد ظله أخذا عن أستاذه العراقي قده فكما ان الملاقاة قبل طرو المطهر كانت موجبة للنجاسة كذلك بعده واما وجه ان المقام يكون مثل ملاقى أحد أطراف الشبهة فهو من باب ان الطرف المعين حيث لا شك في طهارته بعد طرح المطهر يكون ملاقاة البدن معه غير مؤثرة في النجاسة للشبهة البدوية في نجاسة الطرف الآخر وكيف كان لو تم عدم وجوب الاجتناب في المقام لا يضر باستصحاب الكلي لأنه كالمخصص فاللازم هو التوجه إلى جميع وجوه المسألة وما ذكرناه يوجب التوضيح.

٩٩

المانعية للصلاة فهي ثابتة بالعلم الإجمالي وان كان بالنسبة إلى نجاسة الملاقى فهو مثبت لأن الملاقاة تكون بالوجدان واستصحاب بقاء النجاسة لا يثبت ان الملاقاة حصلت مع ما هو النجس في الواقع ليترتب عليه نجاسة الملاقى فان الملاقاة مع النجس لا تثبت بالأصل لأنها من الآثار العقلية.

قلت لو كان الاستصحاب جاريا يكون حاكما على الاشتغال ولو كان موافقا له فلا إشكال من هذه الجهة واما إشكال المثبتية فهو وارد فلا يفيد هذا الاستصحاب للسيد الصدر لأنه يكون اشكاله على فرض القول بالاجتناب عن ملاقى النجس لأن مستصحب النجاسة كالنجاسة نفسه فإذا بطل الاستصحاب هنا لا يرد الإشكال على استصحاب الكلي في القسم الثاني ولا يكون الفرد هنا من الفرد المردد أيضا فلا يرد اشكاله (قده) ولا يرد عليه جواب شيخنا النائيني قده أيضا.

تتمة

ثم لا يخفى ان عدم جريان الأصل في الفرد المردد لا يختص بباب الاستصحاب بل في كل مورد لا يجري الأصل في الفرد المردد فإذا صلى أربع صلوات عند اشتباه القبلة إلى أربع جهات ثم ظهر بطلان إحداها في طرف معين بخصوصه لا تجري قاعدة الفراغ لأنه ان كانت القبلة في الواقع هذه الجهة يجب الإعادة قطعا وان لم تكن في الواقع كذلك لا تجب الإعادة قطعا فحيث يكون الفرد مرددا لا وجه لجريان القاعدة فلا بد من إتيان ما يعلم ببطلانها معينا وهذا بخلاف صورة كون الصلاة التي يعلم بطلانها في جهة من الجهات غير معلومة مثل ان يعلم بطلان الصلاة إلى جهة ولا يعلم انها الشرقية أو الغربية أو الشمالية أو الجنوبية فان القاعدة جارية لأنه بعد الفراغ يشك في بطلان صلاته بعد إحراز أصلها فان كانت الباطلة إلى جهة القبلة لا تصح واما على فرض عدم كونها إلى جهتها فتصح فلذا تجري القاعدة وبعد الجريان

١٠٠