مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

البحث في تنبيهات قاعدة التجاوز والفراغ

ثم ينبغي التنبيه على أمور الأول ان المشهور بل المجمع عليه هو عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء ويلحق به الغسل والتيمم بخلاف قاعدة الفراغ فانها جارية فيه.

ويدل عليه قبل الإجماع صحيحة زرارة (١) إذا كنت قاعدا في وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه ما سمى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمي الله تعالى مما أوجب الله عليك لا شيء عليك الحديث.

وتقريب هذه الرواية واضحة لكونها ناصة في عدم جريان قاعدة التجاوز في اجزاء الوضوء وجريان قاعدة الفراغ فيه.

ولكن يعارضها موثقة ابن أبي يعفور إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك في شيء لم تجزه.

وتقريب المعارضة بان يكون الضمير في لفظة غيره راجعا إلى الشيء لا راجعا إلى الوضوء لأنه ان رجع إليه يكون المعنى ان الدخول في عمل آخر غير الوضوء موجب لعدم الاعتناء بالشك وهذا مصداق قاعدة الفراغ لا التجاوز والصدر فيها يكون توطئة للذيل وهو قوله عليه‌السلام انما الشك في شيء لم تجزه فان معناه هو ان الشيء الّذي هو الوضوء إذا كان التجاوز عنه لا اعتناء بشكه وعليه العلامة الهمدانيّ قده لأن قرب الضمير إلى الوضوء يوجب إرجاعه إليه فلا دلالة لهذه الرواية بهذا التقريب على جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لتعارض مع الصحيحة بل هي موافقة معها.

__________________

(١) في الوسائل باب ٤٢ من أبواب الوضوء ح ١

٢٦١

وقد أشكل على هذا التقريب يعني التقريب للرواية بحيث توافق مع الصحيحة بحملها على قاعدة الفراغ شيخنا العراقي قده وحاصله هو ان الصدر والذيل في الموثقة ظاهر ان في بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة لا الناقصة فان ظهور الشك في الشيء في عموم الذيل كظهور الصدر في الشك في أصل وجود الشيء وقوله عليه‌السلام من الوضوء يكون ظاهرا في كون لفظة من فيه تبعيضية وانه بنفسه يكون صغرى للكبرى المجعولة في الذيل فالشيء الّذي يكون الشك فيه أي في اجزائه هو الوضوء ولا اعتناء بالشك بعد التجاوز عنه والضمير يرجع إلى الشيء لا إلى الوضوء ولو رجع إلى الوضوء يلزم ان يكون لفظة من بيانية وهو خلاف الظاهر أيضا لأن الظاهر هو التبعيض.

مضافا بأنه يلزم من هذا التقريب المعارضة بين منطوق هذه الموثقة مع مفهومها في صورة الشك في فعل من افعال الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم بعد الدخول في غيره كالشك في صحة غسل اليد باعتبار جزء من اجزائه فانه يتصور التجاوز عن الشيء باعتبار كونه ذا اجزاء فكأنه عمل واحد مثل أصل الوضوء فباعتبار كونه عملا واحدا له اجزاء يلزم جريان قاعدة الفراغ فيه وباعتبار كونه من اجزاء الوضوء يلزم عدم جريان القاعدة إلّا ان يقال ان قاعدة الفراغ تكون مختصة بصورة كون العمل له وحدة عرفية أيضا فان الوضوء عمل واحد فلا يكون الجزء الواحد باعتبار اجزائه مصداقا لقاعدة التجاوز وباعتبار جمعه مصداقا لقاعدة الفراغ.

ويرد عليه ان قرب الضمير إلى الوضوء بالذهن العرفي في فهم الظهور يوجب القول بكون الموثقة في مقام بيان قاعدة الفراغ لا من باب توطئة الصدر للذيل ولا تهافت بين الصدر والذيل ولا تضاد بين الفراغ والتجاوز في الاجزاء بعد كونها مختصة بقاعدة الفراغ فقط وكون الوضوء بتمامه امرا واحدا عرفا فالحق مع المحقق الهمدانيّ قده.

٢٦٢

وقد أجاب الشيخ الأعظم قده عن أصل الإشكال بالتعارض بأن الوضوء مما لا يجري قاعدة التجاوز فيه لعدم مجالها فيه لأنه امر واحد لا يتبعض شرعا بلحاظ اثره البسيط الّذي هو الطهارة كما في بعض الاخبار من ان الوضوء لا يتبعض.

فعلى هذا لا بد من إرجاع الضمير في لفظة غيره إلى الوضوء فالموثقة تكون في مقام بيان جريان قاعدة الفراغ في الوضوء لا التجاوز فلا تعارض مع الصحيحة الدالة على جريان قاعدة الفراغ فيه.

وقد أجاب المحقق الخراسانيّ قده (١) وتبعه شيخنا العراقي قده أيضا بأن الأثر الواجد لو كان كذلك فللصلاة وساير العبادات أيضا أثر واحد ككونها معراج المؤمن أو كون الصوم جنة من النار وهكذا فيلزم عدم جريان قاعدة التجاوز فيها وهو كما ترى لعدم الإشكال في جريانها فيها عن أحد من العلماء واما ادعائه قده من ان ما ورد من عدم التبعيض يكون في الوضوء خاصة لا في غيره فغير تام من جهة ان التبعيض ليس في اجزاء الفعل الواحد بمعنى وجوب اتصال أفعاله لا بمعنى عدم وجود التبعيض فيه حتى بالنسبة إلى قاعدة التجاوز.

ثم لا يخفى ان المحقق الهمدانيّ قده من القائلين بتعدد القائلين بتعدد القاعدتين ومع ذلك لا يرى التهافت بين الصحيحة والموثقة ويحكم بتخصيص العمومات في قاعدة التجاوز في الوضوء واما الشيخ الأعظم القائل بوحدة القاعدتين من جهة كون الشك في الوجود الصحيح هو موضوعهما فيرى ان الموثقة يكون الشك فيها في الوجود الصحيح أيضا ولكن يرجع الضمير إلى الوضوء من باب عدم قابليته لانطباق قاعدة التجاوز فهما (قدهما) يقولان بعدم التعارض وكل على مسلكه يقول بهذه المقالة.

فللشيخ قده ان يقول بان الصدر لا يكون توطئة للذيل حتى يقال انه خلاف

__________________

(١) في حاشية الرسائل المسماة بالفوائد ص ٢٣٢

٢٦٣

الظاهر بل التجاوز عنده أعم من التجاوز عن جميع العمل أو جزئه فقوله عليه‌السلام انما الشك في شيء لم تجزه يشمل الجزء والكل.

ولكن في المقام يكون الوضوء مما لا يكون له جزء شرعا لعدم التبعيض في اجزائه بل التجاوز فيه ليس إلّا التجاوز عن تمامه نظير تصديق العادل في الموضوعات فان تصديقه يكون مع ضم عادل آخر ليعتنى بخبره فهنا لا يقول بعدم جريان القاعدة الواحدة في الوضوء بل يقول بجريانها في خصوص صورة التجاوز عن تمامه فالروايات العامة دالة على جريان قاعدة التجاوز والفراغ بنحو العموم وللوضوء خصوصية في تطبيق القاعدة عليه فلا يكون تخصيصا في العمومات بل هو فرد من افراد العموم مع شرط مستفاد من الشرع.

فلا يشكل عليه قده بان العمومات الكثيرة كيف تخصص بالصحيحة في خصوص الوضوء لأنه يقول لا تخصيص في البين كما انه لا تخصيص في أدلة حجية خبر العادل بواسطة شرطية ضم عادل آخر في الموضوعات ليصير العادلان بينة شرعية.

ولا يشكل عليه قده أيضا بالتهافت بين القاعدتين في الموثقة لأنه يرى الموثقة في خصوص قاعدة الفراغ فهذه الموثقة في قاعدة الفراغ في الوضوء والعمومات شاملة لقاعدة التجاوز والفراغ والصحيحة مفصلة وشارحة للعمومات والموثقة بجريان القاعدة في الوضوء إذا كان الشك في تمامه وبعدم جريانها فيه إذا كان الشك في جزئه فلا تخالف الموثقة الإجماع على تخصيص الطهارات الثلاث أيضا مع انه لو فرض استقرار التعارض فالمقدم هو الصحيحة لا الموثقة لإعراض المشهور عنها.

٢٦٤

الأمر الثاني

قد عرفت مما مر ان قاعدة التجاوز تكون في صورة الشك في أصل الوجود وقاعدة الفراغ تكون في صورة الشك في صحة الموجود على فرض تعدد القاعدتين كما هو المختار لاختلاف موردهما واختلاف لسان الروايات الدالة على القاعدتين.

فعلى هذا نقول كل أثر يكون على أصل وجود الشيء يترتب على قاعدة التجاوز وكل أثر يكون على الشيء بوصف الصحة لا يترتب عليها فلو شك (١) بين الثلاث

__________________

(١) أقول الشك في الركعات لا يكون مورد قاعدة التجاوز لعدم العلم بالتجاوز عن الركعة الثالثة مثلا بعد الدخول في الرابعة وملاك التجاوز هو إحراز التجاوز عن السابقة.

مضافا بأنه لو سلم ذلك فإثبات الرابعة يكفى لإثبات الرابعية والشك في الوصف في قاعدة الفراغ يكون من الشك في وصف الصحة لا مطلق الوصف خصوصا في الأوصاف الانتزاعية عن ذات الشيء فان من تجاوز عن الركوع فقد تجاوز عن الركوعية أيضا ولا يكون الثابت بقاعدة التجاوز الركعة أعم من كونها ثانية أو ثالثة أو رابعة بل المشكوك في المثال هو وجود الركعة الرابعة فلو جرت القاعدة فتثبتها.

هذا هو الإشكال في هذا المثال واما مع قطع النّظر عنه فإذا شك في وجود شيء ثم شك في صحته على فرض وجوده فقاعدة التجاوز تثبت أصل وجوده وقاعدة الفراغ على فرض جريانها في وسط العمل تثبت صحته إذا كان في وسط العمل وعلى فرض عدم جريانها في الوسط فلا.

فهذا التنبيه مما لا يرجع إلى محصل بهذا النحو من البيان واما الاستصحاب في باب الركعات فهو يكون بالنسبة إلى عدم الإتيان وهو ساقط بالإجماع وإلّا فيمكن ادعاه ثبوت الوصف بواسطة جريان الأصل فأصالة عدم إتيان الرابع من الركعات تثبت ان الموجود هو الثالث على فرض القول بخفاء الواسطة كما لا يبعد.

٢٦٥

والأربع فلا يمكن إثبات رابعية الموجود بواسطة جريان قاعدة التجاوز لأن التشهد والسلام يكون بعد الركعة الرابعة بوصف انها رابعة وقاعدة التجاوز تثبت أصل وجود الركعة لا رابعيتها فلا يترتب عليها هذا الأثر مع قطع النّظر عن وجوب البناء على الأكثر في المثال بخصوصه فلو كان الشك بين الاثنين والثلاث قبل تمام السجدتين لا يمكن التمسك بقاعدة التجاوز فعدم جريان الاستصحاب في الشك في الركعات في غير الموارد المنصوصة أيضا يكون على القاعدة من باب عدم إثبات الوصف به لا من باب إسقاطه رأسا.

ثم ان الدخول في الغير قد ذكر في روايات قاعدة التجاوز فالمراد به اما ان يكون هو التعبد بذلك أو يكون من باب أن المقوم لصدق التجاوز هو ذلك والظاهر هو الثاني لأن الدخول في الغير ما لم يحصل لم يحصل التجاوز عن المحل فإذا دخل في السجود بعد الركوع يكون متجاوزا عن محال الركوع وبدونه لا يصدق التجاوز.

فعلى هذا لا يبقى الفرق بين المطلق والمقيد من الروايات في تلك القاعدة والمقيد من الروايات ما مر من حديث إسماعيل بن جابر قوله عليه‌السلام كل شيء شك فيه وقد دخل في غيره فليمض عليه وهكذا حديث زرارة وموثقة ابن أبي يعفور والمطلق مثل ما ورد من ان كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو ولا يخفى ان من يكون رأيه تعدد القاعدتين لا مجال له للبحث عن المطلق والمقيد لأن المطلقات تكون في قاعدة الفراغ والمقيد ليس إلّا في قاعدة التجاوز فرواياتها مقيدة ولكن القيد مقوم لا من باب التعبد.

فالعجب عن شيخنا العراقي قده حيث يقول بتعدد القاعدتين ومع ذلك تكلم في المطلق والمقيد من الروايات في باب التجاوز مع عدم احتياجه إليه نعم الشيخ الأعظم قده القائل بوحدة القاعدتين يكون مبتلى بهذا البحث نعم يكون التجاوز عن المحل الّذي هو يكون مقوم القاعدة بواسطة التجاوز عن الشيء وهو لا كلام فيه على أي تقدير وعليه فلا مجال للقول بالإطلاق لأن ما هو من المقومات العقلية

٢٦٦

للتجاوز لا يكاد يمكن ان تكون القاعدة مطلقة بالنسبة إليه واما لو كان القيد قيدا تعبديا فيمكن تصوير الإطلاق في كلام الشارع هذا كله في قاعدة التجاوز.

واما قاعدة الفراغ فرواياتها على ثلاث طوائف.

الطائفة الأولى العمومات مثل قوله عليه‌السلام كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو والثانية ما ورد في الصلاة والطهور بقوله عليه‌السلام كلما مضي من صلاتك وطهورك فامضه كما هو والثالثة ما ورد في خصوص موثقة ابن أبي يعفور على بعض الاحتمالات وهو احتمال كون لفظة من في قوله عليه‌السلام إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره بيانية لا تبعيضية وعلى فرض كونها تبعيضية ودالة على قاعدة التجاوز فالإجماع على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء وهكذا ما ورد في من شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ اذكر ولا قيد في هذه الروايات في قاعدة الفراغ الا رواية ابن أبي يعفور على فرض كونها في مقام بيان قاعدة الفراغ لأن الدخول في الغير يكون مذكورا فيها فتعارض مع المطلقات ولا يقولون بحمل المطلق على المقيد في المقام كما قالوا في ساير المقامات.

فربما يقال بان القيد محمول على الغالب فلا يكون احترازيا فإذا لم يكن القيد احترازيا فنأخذ بالمطلقات.

وربما يقال ان الإطلاق ساقط من جهة الحمل على الغالب من جهة ان الدخول في الغير بعد الفراغ عن العمل غالبا.

وقد أشكل عليه كما عن شيخنا النائيني قده على ما في التقرير من ان الغلبة لا توجب صرف إطلاق الكلام عن إطلاقه ولا صرف القيد عن ظهوره في كونه احترازيا إلّا ان توجب انصراف الكلام عن إطلاقه أو قيده فيمكن ان يقال بان القيد احترازي ما لم يقم حجة على خلافه وما ذكرنا يكون على فرض وحدة القاعدتين أيضا ولكن الجامع بين التجاوز والفراغ تارة يقيد فلا بد من تقييد الافراد أيضا ضرورة ان مورد التجاوز والفراغ من أصناف

٢٦٧

الجامع وافراده فلو كان القيد قيدا للجامع فلا بد من القول به في قاعدة التجاوز والفراغ كلتيهما.

نعم لو كان القيد قيد الفرد يمكن ان يقال ان الطبيعي مطلق بحاله والمقيد انما هو بعض الافراد مثل الوضوء فان الدخول في غيره شرط في جريان قاعدة الفراغ بمقتضى رواية ابن أبي يعفور واما في غيره فلا دليل على شرطية الدخول في الغير.

ولكن قد عرفت ان وحدة القاعدتين خلاف التحقيق ولا دليل على شرطية الدخول في الغير في غير الوضوء في قاعدة الفراغ وفي قاعدة التجاوز يكون الدخول في الغير من مقوماته ولا يكون قيدا شرعيا تعبديا ولا مجال لإطلاق القاعدة بعد اعتبار هذا القيد العقلي لأن ما لا بد منه لا يمكن أخذ الإطلاق بالنسبة إليه بل لا بد من التقييد.

الأمر الثالث

في ان الدخول في الغير إذا كان شرطا هل يكون الشرط في هذا الغير كونه مما رتب شرعا مثل الترتيب بين الركوع والسجود أو يكفي مطلق الغير.

قال الشيخ الأعظم قده في الفرائد في الموضع الثالث ان الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل بن جابر ان شك في الركوع بعد ما سجد وان شك في السجود بعد ما قام فليمض بملاحظة التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقررة بقوله بعد ذلك كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه.

فالدخول في الغير الّذي بينه الشارع شرط لا الدخول في كل ما كان مترتبا من الأفعال والمؤيد هو انه لو كان الدخول في مطلق الغير كافيا لكان الأقرب إلى الركوع هو الهوى إلى السجود فحيث لم يعتن الشارع به وجعل المدار على الدخول في السجود نفهم ان الترتب هكذا هو الشرط في الدخول في الغير وهكذا النهوض

٢٦٨

للقيام كان كافيا في الشك في السجود مع ان المشهور هو الاعتناء بالشك فيه إذا كان في حال النهوض قبل الاستواء قائما فيكشف من هذا ان مقدمات افعال الصلاة مثل النهوض للقيام لا يكون داخلا في عموم الغير وهكذا الهوى للسجود مع كونه من الأفعال الغير الأصلية في الصلاة فضلا عن الفراغ المجرد عن كونه فعلا من الأفعال.

وفيه ان قوله قده من كون الأمثلة توطئة للكبرى لا كلام فيه ولكن التحديد المحض غير وجيه لأن الغير الّذي يكون الدخول فيه في قاعدة التجاوز لا يختص بما ذكر فهو أمثلة من جهة وتحديد من جهة أخرى وهي جهة كون الغير مما هو مرتب شرعا.

واما ذكر السجود بعد الركوع لا الهوى إليه فيكون من باب ان الشك في الركوع عادة لا يستقر إلّا بعد السجود مضافا بان الهوى إلى السجود أيضا مما ذكر في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال عليه‌السلام قد ركع إلّا ان يقال بضعف سندها ومعارضتها بما ورد من ان قاعدة التجاوز لا تجري في صورة الشك في السجود بعد النهوض إلى القيام فان الشك إذا كان في حال القيام تجري القاعدة لا قبله.

فان قلت ان النهوض غير الهوى فإذا ورد رواية فيه لا تعارض مع الرواية في الهوى ولذا أفتى صاحب المدارك بمقتضى مفاد الروايتين وقال بالاعتناء إلى الشك في صورة النهوض وعدم الاعتناء به في صورة الهوى.

قلت ان الكبرى المجعولة في المقام وهو مقام التجاوز عن محل الشيء ان أخذنا بها فلا بد من القول بها في النهوض والهوى وان لم نأخذ بها فلا بد ان يكون كذلك فيهما نعم لو قال بتخصيص الكبرى في خصوص النهوض يكون موجها ولكن الحق مع الشيخ قده لأن الخبر في الهوى ضعيف ومع الشك فالمتيقن هو اعتبار الترتب الشرعي.

٢٦٩

الأمر الرابع

في ان الغير الّذي يشترط الدخول فيه فهل هو الجزء المستقل أو يشمل حتى جزء الجزء مثل الشروع في السورة التي تكون جزء من القراءة في الصلاة.

فربما يقال بان اللازم هو التجاوز عما يكون له عنوان مستقل مثل القراءة المركبة من الحمد والسورة والدخول في غيره لأن الروايات في هذا الباب وان كان العناوين المذكورة فيها من باب المثال ولكن لا يرفع اليد عنها من جهة ظهورها في العناوين المستقلة كالركوع والسجود فلا يكفى التجاوز عن جزء من العمل الواحد بالعنوان في جريان قاعدة التجاوز فيه فضلا عن القول بأن الدخول في كلمة بعد الخروج عن كلمة أخرى كاف فانه لا يكفى الدخول في الحمد لله رب العالمين في جريان قاعدة التجاوز عند الشك في الإتيان بكلمة بسم الله الرحمن الرحيم هذا حاصل استدلالهم.

ولكن يرد عليه ان الّذي يقتضيه التدبر هو ان التجاوز إذا كان صادقا لا يكون دخل لكون العنوان مستقلا فان الكبريات المذكورة في الروايات شاملة لكل مورد يصدق التجاوز والعناوين المذكورة في الروايات تكون من باب المثال.

نعم لو أمكن ادعاء انصراف الكبرى عن بعض الموارد فلا كلام في عدم الشمول كما يمكن ادعائه في مثل التجاوز عن حرف من كلمة واحدة والدخول في آخر فان الشك في باء بسم الله بعد الدخول في السين منه لا يكون مورد قاعدة التجاوز بالانصراف.

ثم لو شك في شمول الكبرى للمقام فالاحتياط مشكل إذا قلنا بأن القاعدة جعلت من باب العزيمة لا من باب الرخصة فان كانت من باب الرخصة يمكن الاحتياط بتكرار ما جاوز عنه.

٢٧٠

الأمر الخامس

في ان القاعدة لا تختص بالاجزاء الواجبة بل تشمل الاجزاء المستحبة ولو لم تكن جزء من العمل مثل التعقيب عقيب الصلاة فانه وان لم يكن من الصلاة ولكن يكون مما رتب عليها شرعا وكذلك الأذان والإقامة مما هو مقدم على الصلاة بالنسبة إليها وبالنسبة إلى أنفسهما كما ورد في صحيحة زرارة رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال عليه‌السلام يمضى.

فان الحكم بالتجاوز في ما هو خارج عن الصلاة يدل على الحكم به فيها بالأولوية فمن شك في القراءة وهو في القنوت يحكم له بالتجاوز.

ومراد شيخنا العلامة النائيني قده هو إثبات الوحدة السنخية بين الأذان والإقامة والصلاة المترتبة عليهما من جهة الحكم لا خصوص الحكم في المستحبات فما هو مركب من الاجزاء الواجبة والمستحبة تجري قاعدة التجاوز فيه إذا دخل في واجب بعد إتيان مستحب أو بالعكس وان كان التقرير عن المقرر قاصرا حيث بين حكم التجاوز في الاجزاء المستحبة.

فتحصل ان الحق هو ان التجاوز إذا كان صادقا تشمله الكبرى وان كان الجزء مستحبا.

الأمر السادس

في ان التجاوز هل يجب ان يكون إلى جزء ملاصق لما شك فيه أو يشمل حتى الجزء الغير الملاصق فعلى الأول لا تجري القاعدة في من شك في الركوع وهو في التشهد لفصل الشك في السجدة بينهما وعلى الثاني فهي جارية.

والأقوى هو التعميم لصدق التجاوز وعدم انصراف الكبرى عن صورة الفصل.

٢٧١

ثم ان شيخنا العراقي قده ذكر الثمرة بين (١) القولين في المثال وهو الشك في الركوع والسجود بعد الدخول في التشهد ولا يخفى ان الشك كذلك تارة يكون بنحو التوأمية مثل ان يكون الشك في الركوع ملازما للشك في السجود بحيث انه لو لم يأت بالركوع لم يأت بالسجود ولو لم يأت بالسجود لم يأت بالركوع وتارة يكون كل واحد منهما متعلقا للشك من دون التوقف بمعنى انه ان أتى بالركوع في الواقع أو لم يأت يكون شاكا في السجود وبالعكس.

فعلى الثاني ان قلنا بان ملاصقة ما نريد ان نجري فيه قاعدة التجاوز بما بعده غير شرط فيكون التشهد من الحالات التي قد جاوزنا عن الركوع والسجود فنجري القاعدة.

واما على فرض شرطية الملاصقة فلا لعدم كون الركوع ملاصقا بالتشهد وملاصقة السجود به أيضا لا يفيد في جريان القاعدة بالنسبة إلى السجود نفسه لأن إحراز السجود بدون الركوع لا فائدة فيه لعدم صحة الصلاة بدون الركوع.

فان قلت انا نجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود لأن شرطه حاصل

__________________

(١) أقول لو كان الشرط ملاصقة المشكوك فيه مع الجزء الّذي قد جاوز إليه فيكفى في عنوان البحث ان يكون فاصلة السجود بين المشكوك وهذا الجزء وان كان محرزا فمن شك في الركوع بعد العلم بإتيان السجود وهو في التشهد يلزم ان يقال لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إليه لفصل السجود وهذا البحث الّذي ذكره قده في الثمرة يصير تطويلا في غير محله واما ان كان المراد تمام الاجزاء الّذي يتوقف عليه صحة العمل يجب إحرازه قبل الجزء المشكوك فيه الملاصق للجزء الّذي قد جاوز إليه فينبغي ان ينعقد هذا التنبيه بهذا النحو وح فمع الشك في السجود حيث لم يحرز الركوع يأتي الكلام في وجود الأثر للقاعدة بالنسبة إلى الجزء الأخير وعدمه.

والحق هو عدم اشتراط إحراز الدخول في الجزء المرتب المتصل كالسجود بالنسبة إلى الركوع بل التشهد أيضا كاف لجريان القاعدة في الركوع والسجود معا ومع اشتراطه يكون اشكاله مد ظله على أستاذه قده في الثمرة في محله.

٢٧٢

وهو الاتصال فإذا أحرزنا السجود بالتعبد يكون إحرازه كذلك مثل إحرازه بالوجدان فحينئذ فتكون القاعدة جارية في الركوع لاتصاله بالسجود المحرز بالتعبد الّذي يكون الدخول فيه دخولا في الغير الّذي هو متصل بالركوع فلا ثمرة بين القولين.

قلت ان القاعدة تثبت أصل السجود لا عنوان الدخول في الغير الّذي هو من لوازم إثباته لأن الأصل المثبت غير حجة هذا أولا وثانيا ان التعبد بوجود السجود بواسطة تطبيق القاعدة لا بد ان يكون له أثر شرعي ومن المعلوم ان الأثر الشرعي لا يكون لإثبات السجدة لصلاة ما ثبت وجود الركوع فيها لبطلانها بدونه.

ويلزم الدور لو أردنا إثبات الركوع بجريانها في السجود لأن جريانها في السجود وجريانها في الركوع متوقف على جريانها في السجود لأن الغير الّذي هو شرط لجريان القاعدة في الركوع لا يثبت إلّا بجريانها في السجود وبطلانه واضح هذا كلامه رفع مقامه.

ويمكن الإشكال عليه بان التعبد وان احتاج إلى أثر شرعي ولكن يكفى رجوعه بالاخرة إلى هذا الأثر كالاخبار مع الواسطة فان التعبد بقول الصدوق (ره) والوسائط بينه وبين قول زرارة الناقل عن الإمام عليه‌السلام لا يثبت إلّا الموضوع لما هو أثر شرعي وهو حكمه عليه‌السلام ضرورة ان الأثر الشرعي هو حكمه عليه‌السلام فتصديق الصدوق وغيره يثبت قول زرارة وهو ليس بحكم شرعي وتصديق قول زرارة تصديق لقوله عليه‌السلام وهو أثر شرعي فالتعبد بتصديق العادل يصح بالنسبة إلى هذا الأثر مع الواسطة.

فعلى هذا نقول في المقام ان جريان القاعدة في السجود وان لم يكن له أثر شرعي ولكن يوجب إثبات ما هو موضوع لأثر شرعي وهو ذات السجود التي إذا أحرزت يصح جريان قاعدة التجاوز في الركوع الّذي تصح الصلاة بوجوده ولا يلزم الدور لأن جريان القاعدة في الركوع وان توقف على جريانها في السجود ولكن جريانها

٢٧٣

في السجود لا يتوقف على جريانها في الركوع ليلزم الدور.

مضافا بأن المبنى فاسد فان الملاصقة غير شرط أصلا ومنه يظهر حكم صورة كون الشك في الركوع والسجود بنحو التوأمية فان القائل باشتراط الملاصقة يقول بعدم جريان القاعدة لعدم إمكان الجريان في السجود وعدم الأثر ولكن الحق هو الجريان لعدم اشتراط ذلك.

الأمر السابع

في ان القاعدة هل تجري في صورة الشك في الجزء الأخير من العمل كالتسليم في الصلاة ومسح الرّجل اليسرى في الوضوء وغسل الطرف الأيسر في الغسل أم لا فيه أقوال الجريان مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين الفراغ والتجاوز بجريانها في الأول دون الثاني.

ثم ان الشك في التسليم اما ان يكون حين التعقيب المستحب بعد الصلاة واما ان يكون حين السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة أو القصير الغير الماحي لصورتها واما ان يكون في حال إتيان المبطل العمدي كالتكلم أو المبطل الأعم من العمد والسهو كاستدبار القبلة.

فإذا كان في التعقيب تجري قاعدة التجاوز والفراغ لأنه مما رتب شرعا على الفراغ من الصلاة وقد استفدنا من الروايات في الباب ان الغير الّذي يلزم الدخول فيه يجب ان يكون مترتبا شرعا كالسجود بعد الركوع وان حملنا خصوص الأمثلة في الروايات على المثال وعدم تحديد جريان القاعدة بخصوص ما يكون التجاوز فيه مذكورا فيها فلا شبهة في جريان قاعدة التجاوز فيه كما ان الأذان والإقامة مما رتب عليه الصلاة شرعا ويصح جريانها فيهما إذا كان الشك في إتيانهما في الصلاة ولا يضر كونهما من المستحبات واما غير التعقيب مما ذكر فحيث لا يكون له المحل الشرعي بعد الصلاة فلا تجري فيه القاعدة لعدم صدق التجاوز.

٢٧٤

وما قيل من ان جواز إتيان المبطل بعد التسليم المستكشف من كونه محللا كاشف عن ان المحل الشرعي لإتيان المبطل يكون بعد الصلاة وهذا النحو من الترتب كاف في جريانها.

غير وجيه لأنا لا نفهم من جواز إتيان المبطل العمدي أو الأعم منه ومن السهوي ان الشارع جعل له المحل والفرق بين الجواز ووجود المحل واضح فان الجواز لا يلازم وجود المحل ومع الشك في وجود المحل له لا تجري القاعدة لكون المورد من موارد الشبهة المصداقية لها هذا في الصلاة وكذلك نقول في الغسل والوضوء إذا كان الشك في الجزء الأخير وهكذا كل مركب يكون كذلك لعدم إحراز التجاوز بالدخول فيما يكون مرتبا شرعا.

فان قلت ان الملاك في الخروج عن الجزء السابق هو جفاف ما تقدم من أعضاء الوضوء فإذا كان الشك في الجزء الأخير بعد جفاف الأعضاء فيكون من الشك في الشيء بعد التجاوز عن محله وهذا كاف في الترتب الشرعي.

قلت أولا ان الجفاف لا يكون من الاجزاء المترتبة بالترتيب الشرعي حتى يكون الدخول فيه دخولا في الجزء المرتب فتجري القاعدة عنده بل هو من كواشف عدم تحقق الموالاة المعتبرة في الوضوء.

وثانيا ان اشتراط عدمه يكون من باب الإرشاد إلى عدم بقاء رطوبة في العضو الماسح للمسح لا من باب التعبد.

فتحصل ان قاعدة التجاوز لا تجري في الجزء الأخير.

وقد يفصل بين كون إعادة جزء الأخير موجبة لإعادة جميع العمل وبين عدم كونه كذلك فعلى الأول يشكل عدم جريان القاعدة وعلى الثاني فلا وهذا بحث فقهي وتفصيله في محله.

واما ادعاء كفاية التجاوز بواسطة الدخول في ما هو مترتب على هذا العمل عادة مثل ان يكون من عادة الشخص حفظ القرآن بعد وضوئه أو غسله أو بعد صلاته

٢٧٥

فلا وجه له لأن التجاوز عن الشيء يكون عنائيا بواسطة عدم صدقه الا بالتجاوز عن محله وبيان محل الشيء وكون هذا قبل ذاك يكون بيد الشارع وحيث ما بين محلا للجزء الأخير من كونه قبل أي شيء لا تكفي العادة لذلك.

هذا كله في قاعدة التجاوز واما قاعدة الفراغ فربما يقال بجريانها إذا كان الشك في الجزء الأخير لصدق المضي بواسطة الإتيان بمعظم الاجزاء فيكون مرجعه إلى الشك في صحة الصلاة أو الغسل أو الوضوء من جهة إتيان الجزء الأخير وعدمه ولكن قاعدة التجاوز لا تجري من جهة عدم التجاوز إلى الجزء المرتب شرعا.

وقد أشكل عليه شيخنا العراقي قده بما حاصله ان محقق العنوان غير محقق الفراغ فيمكن ان يكون عنوان الصلاة أو الوضوء أو الغسل صادقا بإتيان معظم الاجزاء ولكن لا يكون الفراغ صادقا للشك في الجزء الأخير فان الشك كذلك يوجب احتمال كونه في وسط الصلاة وغيرها فتكون الشبهة من الشبهات المصداقية للقاعدة ومن المعلوم عدم التمسك بعمومات الباب في الشبهة المصداقية كما حرر في محله.

فالتحقيق عدم جريان القاعدة مطلقا يعنى سواء كانت قاعدة الفراغ أو التجاوز في جميع الصور مما لم يكن الدخول في ما هو مرتب شرعا على العمل.

الأمر الثامن (١)

في ان من شرط جريان قاعدة التجاوز في الجزء المشكوك فيه هو عدم بطلان العمل من ناحية أخرى فمن علم إجمالا في حال القيام بأنه اما ترك الركوع في

__________________

(١) أقول قد تعرض العلامة السيد محسن الحكيم قده في المستمسك في شرح العروة الوثقى في فروع الشك في الصلاة في الفرع الخامس عشر ما يفيد لفهم هذا الأمر لتعرض المتن لنظير ما ذكر من الفرع هنا وقد استفدنا منه في شرح كلام الأستاذ مد ظله فان شئت فارجع إليه في المجلد السابع الطبع الثالث ص ٦٢١.

٢٧٦

الركعة السابقة أو التشهد لا يكون له إجراء القاعدة في التشهد من جهة صدق التجاوز عنه إلى القيام لأن تطبيق القاعدة عليه يلازم مع العلم ببطلان الصلاة من ناحية ترك الركوع.

وبعبارة واضحة انه في حال القيام يكون له شكان تفصيليان مع علم إجمالي اما الشكان التفصيليان فأحدهما الشك في إتيان الركوع والآخر الشك في إتيان التشهد وعلمه بترك أحدهما إجمالا يكون لازمه هو انه لو بنى على الإتيان بأحدهما لا يكون الآخر مأتيا به فحينئذ ان بنى على إتيان التشهد بحكم القاعدة فلازمه عدم الإتيان بالركوع للعلم الإجمالي والصلاة التي لا ركوع فيها باطلة فلا فائدة في تطبيق القاعدة في التشهد.

واما جريانها في الركوع فربما يقال انه لا إشكال فيه من جهة ان البناء على إتيان الركن لا يضره عدم الإتيان بالتشهد فانه اما ان يكون محله باقيا فيأتي به واما ان لا يكون باقيا فيقضي بعد الصلاة هذا.

وربما يقال ان مقتضى العلم الإجمالي هو إتيان التشهد أو قضاؤه ثم إعادة الصلاة واما القاعدتان في الركوع والتشهد فتسقطان بالتعارض.

واما القول بجريانها في الركوع دون التشهد ففيه إشكالان.

الأول ان العلم الإجمالي بعدم إتيان الركوع أو التشهد كيف يوجب انحلال هذا العلم ويعدم نفسه كما هو لازم هذا القول وبيانه هو ان المدعي يدعي بان العلم التفصيلي ببطلان التشهد حاصل من جهة العلم بأنه اما ان لا يكون مأتيا به أصلا أو كان ولم يكن صحيحا لعدم إتيان الركوع الّذي هو شرط صحة الإتيان بالتشهد فينحل العلم الإجمالي بعلم تفصيلي وهو عدم صحة التشهد وشك بدوي في إتيان الركوع فتجري قاعدة التجاوز فيه فقط فصار هذا العمل موجبا لانحلاله مع ان هذا العلم التفصيلي متولد من هذا العلم الإجمالي.

والثاني ان العلم الإجمالي على فرض كونه علة تامة لتنجيز التكليف لا يمكن

٢٧٧

ان يجري الأصل النافي بلا معارض في أحد أطرافه بل يجب الاحتياط فيه بخلاف كونه مقتضيا فان الأصل النافي بلا معارض يجري في أحد أطرافه وفي المقام قد ارتكب القائل بجريان قاعدة الفراغ في الركوع فقط جريان الأصل النافي في أحد أطراف العلم الإجمالي لأن مفاد قاعدة التجاوز هو عدم وجوب إتيان الركوع ونفيه فكما لا يمكن إجراء أصالة عدم وجوبه فكذلك لا يمكن جريان القاعدة التي يكون مفادها النفي فلا تجري القاعدة في الركوع أيضا.

فان قلت ان اللازم منه إثبات وجوب التشهد فهو أصل مثبت للتكليف وموافق للعلم الإجمالي فليس أصلا نافيا بهذا اللحاظ قلت (١) هذا يلزم منه الدور المحال ضرورة ترتب الإثبات على النفي في الواقع ضرورة انه ما لم يجر الأصل باللحاظ الأول لا يجري باللحاظ الثاني فجريان الأصل باللحاظ الثاني وهو الإثبات متوقف على جريانه باللحاظ

__________________

(١) أقول لا نحتاج إلى هذا التطويل في الجواب بل الّذي يجيء في النّظر هو ان وجوب التشهد ثابت بواسطة نفس العلم الإجمالي لا بواسطة نفى الركوع فنفيه نفى لأحد أطراف العلم بدون الشبهة.

ومن هنا تعرف عدم تمامية جواب الأستاذ مد ظله وغيره بجريان الأصل بالنسبة إلى الوجود والنفي معا ولو كانا طوليين في الواقع لعدم كون الوجود يعنى الإثبات أثر الأصل أصلا فالذي يمكن ان يقال هو ان قاعدة التجاوز على فرض القول بأماريتها متقدمة على العلم الإجمالي لانحلاله بها.

وان قلنا بان الأمارة التي يكون لسانها هو ان المعلوم بالإجمال هذا أو غير هذا توجب انحلال واما الأمارة في أحد الأطراف بدون تعيين ما هو المعلوم إجمالا فلا توجب الانحلال فلا يبقى وجه لتقديمها وان كانت القاعدة أصلا فكذلك فالعمدة في الانحلال هو العلم التفصيلي ببطلان التشهد وما ذكر من جريان الأصل النافي وعدمه متوقف على عدم انحلال العلم بذلك وهو كما ترى فتدبر فيما ذكرناه فانه دقيق.

٢٧٨

الأول وهو النفي وجريانه باللحاظ الأول متوقف على الانحلال الّذي هو متوقف على جريانه باللحاظ الثاني بجريان قاعدة التجاوز وهذا دور فلا تجري قاعدة التجاوز لهذا الإشكال.

واما الجواب عن الإشكال الأول فهو ان انحلال العلم الإجمالي بواسطة العلم التفصيلي مما هو مطابق للوجدان ولا برهان على خلافه فإذا حصل الانحلال يترتب عليه آثاره فالقاعدة تجري في الركوع بعد الانحلال.

واما عن الإشكال الثاني فلان طويلة النفي والإثبات بلحاظ الواقع لا توجب طولية حكم قاعدة التجاوز في مقام الظاهر فمن الممكن عرضية الحكم بلحاظ الظاهر ففي رتبة واحدة تثبت النفي والإثبات فلا يلزم الدور لعدم التوقف من الطرفين فإذا جرت القاعدة تثبت وجوب التشهد وعدم وجوب الركوع.

فتحصل ان وجوب التشهد أداء أو قضاء يكون نتيجة العلم التفصيلي ببطلانه وجريان قاعدة التجاوز في الركوع من جهة عدم المانع منه.

ثم لا يتوهم ان هذا مقتضى أصالة عدم إتيان التشهد أو مقتضى قاعدة الاشتغال لأن ذلك من الأحكام الظاهرية التي جعلت في ظرف صحة الصلاة من غير هذه الجهة ومن المعلوم ان صحتها متوقفة على جريان القاعدة في الركوع المتوقف على البناء على عدم إتيان التشهد بالأصل أو بالقاعدة والبناء على ذلك متوقف على صحة الصلاة وهذا دور ولا يخفى ان لهذا البحث ثمرات كثيرة خصوصا في الفروع الفقهية التي تعرض لها صاحب العروة الوثقى السيد محمد كاظم اليزدي قده في فروع الشك في الصلاة.

٢٧٩

الأمر التاسع

في عمومية القاعدتين لجميع العبادات والمعاملات

والبحث فيه في موضعين الموضع الأول في قاعدة التجاوز والموضع الثاني في قاعدة الفراغ.

اما الموضع الأول ففيه جهات ثلاث.

الجهة الأولى في ان القاعدة هل تختص بباب الصلاة والطهارة أو تعم جميع أبواب المعاملات والعبادات حتى انه لو أجرى صيغة النكاح ودخل في غيره ثم شك فيها تشمله قاعدة التجاوز؟

الثانية في انها هل تجري في الجزء المعنون المستقل بخصوصه أو تشمل حتى جزء الجزء.

الثالثة في انها هل تجري في المركب الّذي قد جاوز عنه إلى مركب آخر مثل صلاة العصر بالنسبة إلى الظهر أو تختص باجزاء المركب الواحد مع عدم الإشكال في جريان قاعدة الفراغ في صورة الشك في الظهر مع الدخول في صلاة العصر المرتبة عليه.

فنقول اما الجهة الأولى فلا شبهة في ان القاعدة عامة لجميع أبواب المعاملات خصوصا على فرض كون المبنى وحدة قاعدتي الفراغ والتجاوز كما عن الشيخ الأعظم قده لأن الروايات في المقام عامة شاملة لجميع الأبواب والجامع بين القاعدتين لا يكون مقيدا بالصلاة والطهارة فقط ومن المعلوم ان الجامع إذا لم يكن مقيدا لم يكن الافراد مقيدا لأن الطبيعي ان كان فيه القيد يسرى إلى الافراد فالمضي عن أي شيء كان والتجاوز عنه يوجب عدم الاعتناء بالشك.

نعم يمكن ان يكون بعض الافراد له خصوصية فردية مثل الوضوء فان القاعدة جارية فيه إذا كان الشك بعد الفراغ منه ولا تجري فيه القاعدة في الشك

٢٨٠