مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

من أصلها لأن عدم العلم بعدم اللياقة كاف في جريان القاعدة.

نعم العقل حاكم بان اللياقة إذا أحرز عدمها بعدم جريان القاعدة فالعلم بعدم اللياقة مانع عن جريانها عقلا لا شرعا فعلى هذا لا يمكن استصحاب عدم طرو المجوز لإثبات عدم اللياقة لأن الاستصحاب أصل تعبدي محتاج إلى أثر شرعي وهذا الأثر عقلي فلا يجري بالنسبة إليه أضف إلى ذلك انه لم يرد في لسان الدليل من الشرع عدم العلم بعدم اللياقة في موضوع اليد ولو كان في لسان الدليل أيضا لما يفيد لأن القيد الّذي يحكم به العقل لو أخذ في لسان دليل الشرع نقول بأنه إرشاد إليه كما نقول في الاستطاعة التي هي شرط الحج بالنسبة إلى الاستطاعة العقلية فان حكم الشرع بشرطيتها بالنسبة إلى العقلية حكم إرشادي.

ففي المقام أيضا كذلك لأن العقل حاكم بأنه مع العلم بعدم القابلية لا أثر لليد لأنها تكون في صورة الشك فلا مجرى لاستصحاب عدم طرو المجوز.

ثم ان اليد اما ان تكون من الأمارات أو من الأصول فعلى الأول يعنى أمارية اليد يكون مدلولها الالتزامي هو طرو المجوز يعنى إذا حكمنا بأن اليد أمارة للملكية يكون من لوازمها القول بطروّ مجوّز للانتقال ضرورة انه بدونه لا معنى للقول بالملكية.

لا يقال ان الأمارة حجة بالنسبة إلى مثبتاتها بخلاف الأصول ولكن لا يمكنها إثبات موضوعها وعدم العلم بعدم القابلية مأخوذ في موضوعها فكيف يمكن إثبات الموضوع بنفس الأمارة.

لأنا نقول لا يكون ذلك جزء الموضوع حتى يلزم الإشكال ويكون من الشرائط العقلية كما مر ولا يقال ان من المعروف في الفقه والأصول هو ان إطلاق الدليل لا يمكنه إثبات لياقة المحل فكيف يؤخذ بدليل اليد من جهة إطلاقه ويثبت به لياقة المحل وقابليته في المقام للنقل والانتقال لأنا نقول ان اليد كاشفة عن الملكية ولا تكون

٢٢١

من الأسباب لها حتى لا يمكن إثباتها بها من باب ان السبب لا بد من إحراز سببيته.

فتحصل ان استصحاب عدم طرو المجوز غير جار خلافا لشيخنا النائيني قده واما ما في كلام شيخنا العراقي قده فيظهر مما ذكرناه من الإشكال لأن البحث في تنزيل الشك منزلة اليقين أو تنزيل المتيقن منزلة المشكوك يكون فرع جريان الاستصحاب وحيث لا يجري لا أثر للقول بتنزيل الشك منزلة اليقين أيضا.

فتحصل من جميع ما تقدم تمامية كلام السيد وهو قوله بالتمسك باليد في صورة احتمال طرو المجوز لبيع الوقف وانتقاله إلى الغير وهو صاحب اليد هذا كله على فرض أمارية اليد.

واما على فرض كونها حجة شرعية ومن الأصول فأصالة صحة القبض والإقباض (١) من متولي الوقف تثبت ان الانتقال كان بواسطة مجوز شرعي أو يقال بان اليد ولو كانت أصلا ولكن تكون متقدمة على الاستصحاب لعدم بقاء المورد لها لو لم تقدم عليه فاليد سواء كانت أصلا أو أمارة تكون حجة على الملكية في المقام فافهموه واغتنموه.

__________________

(١) أقول أصالة صحة القبض والإقباض لا تفيد وجود مجوز شرعي للنقل بعنوان غير الوقف بل يمكن ان يكون لمجوز شرعي آخر لنقل الوقف بعنوان انه وقف إلى الغير لحفظه.

٢٢٢

المسألة الثالثة

في أن اليد التي تكون أمارة للملكية هل هي المتصرفة بتصرف ملكي أو تشمل مطلق التصرف أعم من كونه من التصرفات الملكية أو التصرفات الغير الملكية أيضا فيه خلاف.

فربما يقال لا اختصاص في أماريتها على الملكية بالتصرفات المالكية لإطلاق الدليل وظهوره في ان نفس اليد حجة شرعية كما ترى في ظاهر رواية حفص بن غياث وما ورد من رواية يونس في التزويج من قوله من استولى على شيء فهو له فان جواز الشهادة على الملك في رواية حفص يكون من آثار نفس اليد وكذلك الاستيلاء في رواية التزويج عن يونس بن يعقوب ورواية مسعدة بن صدقة وان كان موردها التصرف الملكي كلبس الثوب ولكن لا خصوصية للمورد بل يؤخذ بنفس اليد فلا اختصاص لها باليد المتصرفة التصرف المالكي.

وفيه ان الدليل ان كان هو إلحاق الشيء بالأعم الأغلب حسب ما استفاده الشيخ الأعظم من الروايات بعد كونها إمضاء لما في العرف فهي لا تكون في صورة كون التصرف تصرفا غير مالكي بل هي في اليد المتصرفة التصرف المالكي والعجب طرد مورد رواية مسعدة بن صدقة مع كونها في مورد هذا النحو من التصرف ويكون موردها هو الغالب.

واما لو كان السند الإجماع فالمتيقن منه هو هذا النحو من اليد.

واما ان كان بناء العقلاء فانهم لا يتفحصون عن ذلك ويرتبون أثر اليد مطلقا فعلى هذا فاليد أمارة الملك مطلقا.

٢٢٣

المسألة الرابعة

في ان اليد إذا كان لها المعارض مثل البينة على ان المال لغير صاحب اليد هل تكون حجة أو تتقدم البينة فيه خلاف.

فقد يظهر من كلام الشيخ الأعظم قده تقديم البينة واستدل على ذلك على ما في الرسائل بقوله واما تقديم البينة على اليد وعدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا فلا يكشف عن كونها من الأصول لأن اليد انما جعلت أمارة على الملك عند الجهل بسببها والبينة مبينة بسببها والسر في ذلك ان مستند الكشف في اليد هو الغلبة والغلبة انما توجب إلحاق المشكوك بالأعم الأغلب فإذا كانت في مورد الشك أمارة معتبرة تزيل الشك فلا يبقى مورد للإلحاق ولذا كان جميع الأمارات في نفسها مقدمة على الغلبة وحال اليد مع البينة حال أصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد مع أمارات المجاز بل حال مطلق الظاهر والنص فافهم انتهى.

ولكن يرد عليه ان اليد ان كان مما أخذ في موضوعها الشك فيكون من الأصول لا من الأمارات لأن الأمارات موردها الشك لا موضوعها مع انه لم يرد في لسان دليل شرعي أخذ الشك في موضوع اليد بل يكون هذا من حكم العقل وهو في مورد الشك فإذا كان كذلك فلا وجه لتقديم أمارة على أخرى الا بمرجح وليس لنا هنا مرجح لتقديم البينة على اليد إلّا ان يدعى أقوائية دليل البينة وأظهريتها على دليل اليد كما ادعاه المحقق الخراسانيّ قده ولا وجه لحكومتها على اليد لعدم النّظر المعتبر في الحكومة في المقام.

وكيف كان فتقديم البينة على اليد في صورة التنافي في مدلوليهما مسلم مثل ان يدعى صاحب اليد ان المال له في هذا الحال وقامت البينة على ان المال لغيره في هذا الحال لأظهريتها وهذا مما لا كلام فيه.

وانما الكلام في صورة عدم التنافي بين مدلوليهما كما إذا قامت البينة على

٢٢٤

كون المال لزيد في يوم الجمعة وصاحب اليد يدعى ملكيته في يوم الاثنين بحيث نحتمل الانتقال إليه فهل تقدم البينة أو اليد فيه خلاف من جهة تقديم البينة مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين كون سند الملكية السابقة إقرار صاحب اليد فيقدم المعارض لها وبين كون السند البينة أو علم الحاكم بكونه سابقا ملكا لغير صاحب اليد فلا يقدم إلا قول صاحب اليد.

ثم هنا مطالب في باب القضاء ويكون مسلما عند الفقهاء ولا يتم حسب القواعد فنقول تبعا لهم ان السند لمدعى الملك في مقابل صاحب اليد اما ان يكون علم الحاكم بكونه ملكا له قبلا مثل ما إذا كان الحاكم يعلم ان المال كان لزيد يوم الجمعة ويكون في يد زيد يوم الاثنين فيريد المدعى إحقاق الحق بعلم الحاكم واما ان يكون قيام البينة على كون المال سابقا لغير صاحب اليد وباستصحاب الحالة السابقة يكون المدعى مدعيا للملكية واما ان يكون السند إقرار صاحب اليد بكونه ملكا له في السابق مع ادعائه انه انتقل إليه بناقل شرعي.

فعلى فرض كون السند علم الحاكم فالمشهور عدم صحة انتزاع المال عن يد صاحب اليد لأن علم الحاكم ليس إلّا كعلم غيره ومن المعلوم ان اليد مقدمة على استصحاب بقاء الملكية ولا تنافي بين الدليلين لاختلاف الزمان.

واما إذا كان سند المدعى قيام البينة في السابق ففيه اختلاف في المشهور فقيل بتقديم اليد لتقدمها على الاستصحاب أي استصحاب أي استصحاب بقاء الملك لأن المدلول الالتزامي في اليد هو الانتقال إلى صاحبها بناقل شرعي ولا يكون المدلول الالتزامي في الاستصحاب حجة لأنه أصل لا يثبت لوازمه والبينة ساكتة عن حكم ما بعد الزمان الأول لأن لسانها ملكية ذيها في السابق لا الآن.

نعم مع كون اليد أيضا أصلا أو كون المدلول الالتزامي في الاستصحاب أيضا حجة وهو إنكار مدلول اليد فيحصل التعارض بين الدليلين.

٢٢٥

واما ان كان السند إقرار صاحب اليد على كونه ملكا لغيره قبل الآن فيصير المدعى منكرا والمنكر مدعيا لأن المنكر وهو صاحب اليد يدعى الانتقال إليه بناقل ومن كان مدعيا ينكر ذلك ومعنى المدعى هو انه ان ترك ترك الدعوى والمقام كذلك والمنكر من كان قوله موافق الأصل وهنا كذلك لأصالة عدم انتقال المال عن ملك صاحبه فالمشهور على ان اليد ليست هنا حجة والمحقق الخراسانيّ قال بحجيتها والحاصل انهم فرقوا بين الإقرار وغيره من جهة انقلاب الدعوى فيه دون غيره.

ولكن التحقيق هو ان اليد حجة في المقام أيضا ولا يحتاج صاحبها إلى إقامة بينة على مدعاه فان الدعوى لا تنقلب بل المدعى يكون مدعيا بعد الإقرار أيضا والمنكر منكر كما كان وعلى فرض التسليم لا فرق بين الإقرار والبينة في انقلاب الدعوى فلنا هنا دعويان الدعوى الأولى حجية اليد وإنكار الانقلاب والثانية وجود الانقلاب في غير الإقرار أيضا على فرض تسليم أصله.

اما بيان الدعوى الأولى فهو ان اليد بعد فرض أماريتها يكون لازمها حجة كلازم البينة والمدلول الالتزامي فيها هو الانتقال وهو يثبت بها ولا يقاوم هذا المدلول استصحاب عدم الانتقال ولا ينافيها قيام البينة على ان المال كان لزيد في الزمان الماضي ولا إقرار صاحب اليد على ان المال كان لزيد قبل ذلك.

فاليد حجة ولا يؤخذ المال منها بصرف قيام البينة على كون المال لغير صاحب اليد أو إقراره بكونه له.

ولا يقال ان اليد حيث كانت حجة يكون مدلولها الالتزامي أيضا حجة واما على فرض عدم الحجية فلا يكون لهذا الكلام وجه ولا حجية هنا لأنها متوقفة على عدم انقلاب الدعوى والمفروض على فرض الانقلاب صيرورة صاحب اليد مدعيا ولا يكون يد المدعى حجة فتصل النوبة إلى أصالة عدم الانتقال فيؤخذ المال من يده.

٢٢٦

لأنا نقول ان الانقلاب ممنوع من جهة ان صاحب اليد بصرف إقراره على ان المال كان لزيد مثلا قبل ذلك لا يصير مدعيا بل هو في مقام الدفاع عن حقه لا يكذب ويقول هذا المال كان له وقد انقلب وانتقل ولا سبيل له الا بهذا النحو من البيان لإحقاق حقه ولا يكون احداث الدعوى منه حتى يكون مدعيا بل المدعى بالمعنى الّذي مر من انه لو ترك ترك الدعوى هو من يدعى هذا المال في مقابل صاحب اليد ولا وجه لسقوط اليد عن الحجية.

ثم لشيخنا الحائري قده في المقام كلام لطيف وهو ان ما هو المعروف من ان المنكر هو من كان قوله موافقا للأصل غير تام في جميع الموارد بل في أغلب الموارد يكون الأمر كذلك ففي المقام تقوية منكرية المنكر بان قوله موافق لأصالة عدم الانتقال غير تامة واليد أمارة ولازمها وهو الانتقال أيضا حجة ولكن انتصر للمشهور بان الروايات حيث لم يبين فيها معنى المدعى والمنكر بعد ورود مثل قوله عليه‌السلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر فنحن نرجع إلى العرف في هذا المعنى بعد عدم البيان من الشرع.

ونحن إذا لاحظنا العرف نرى ان من أحدث الدعوى هو المدعى وطرفه هو المنكر عندهم وبالفارسية مدعى كسى را گويند كه شالوده دعوى را بريزد ومنكر كسى است كه إنكار مدعى كند.

وفي المقام حيث ان المقر بواسطة إقراره بلسانه أحدث الدعوى بحيث لو سكت ولم يقرّ لترك الدعوى يكون هو المدعى ولا كاشفية عرفا لليد في المقام فيؤخذ المال من يده.

وفيه ان كلامه بتمامه صحيح الا ما قال بان الإقرار هو الّذي صار سببا لإحداث الدعوى لأنا بيّنا ان الإقرار هنا في مقام الدفاع عن الحق وبالفارسية شالوده ريز دفاع از حق اوست نه شالوده ريز دعوى فيكون المدعى غيره وهو المنكر فعلى المدعى البينة إلّا ان يمنع عن هذا الكلام إجماع في المقام وهو ممنوع وعلى فرض وجوده

٢٢٧

فسنده معلوم أو يحتمل الاستناد إلى ما ذكر.

فتحصل انه لا انقلاب في صورة الإقرار

واما الدعوى الثانية وهو ان قيام البينة أيضا مثل الإقرار في انقلاب الدعوى لو سلم الانقلاب فلان المدلول الالتزامي في اليد بعد قيام البينة على كون المال لغير صاحب اليد هو الانتقال إليه فيصير صاحب اليد مدعيا للانتقال وصاحب البينة منكرا فينقلب الدعوى بصيرورة المدعى منكرا والمنكر مدعيا ولازمه إسقاط المدلول الالتزامي في اليد وهو الانتقال إليه بل يلزم عليه إقامة البينة لذلك كما عن المحقق الخراسانيّ قده.

واما أخذ المال منه وإعطاؤه لصاحب البينة فلا يثبت بصرف سقوط المدلول الالتزامي عن الحجية لأن اليد أمارة على الملكية ولو لم يثبت الانتقال كما ان البينة أمارة للملكية لصاحبها.

وقد أشكل شيخنا العراقي قده على هذا بان أخذ المال منه يكون لازما بحكم استصحاب بقاء الملكية لصاحب البينة وحيث يكون في العنوان يكون مقدما على اليد لذهاب موضوعها بها.

ويمكن الإشكال عليه قده بأن اليد ساقطة من جهة وباقية من جهة فهي من جهة الانتقال الّذي هو مدلولها الالتزامي ساقطة واما من جهة أماريتها على أصل الملكية فهي مقدمة على الاستصحاب لأنه أصل وهذه أمارة فيفكك بين المدلول المطابقي والالتزامي في الحجية.

فتحصل انه لا وجه للقول بانقلاب الدعوى في الإقرار ولو سلم يكون الانقلاب في مورد البينة أيضا.

ثم على فرض تسليم الانقلاب مطلقا أو في خصوص الإقرار فهل هذا يختص بصورة كون الإقرار للمدعى أو يشمل حتى صورة كون الإقرار للموصى له أو للمورث بالنسبة إلى الوارث فيه كلام.

٢٢٨

والحق عدم الانقلاب هنا لأن دليله لو كان الإجماع فهو دليل لبي لا يشمل غير المتيقن وهو المدعى فقط ولو كان عرفية إطلاق المدعى على المقر فائضا لا يشمل المقام لعدم صدق المنكر على الموصى والمورث أو على من يدعى الإرث أو الوصية لنفسه.

بقي في المقام كلام في قضية الفدك

وهو ان مولانا ومولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء وعليه‌السلام قد احتج على الأول بعد أخذه الفدك عن بنت رسول الله فاطمة الزهراء سلام الله عليها بأنها سلام الله عليها كانت صاحبة اليد فلا يجوز الأخذ منها كما مر الرواية فيما سبق مع انها عليها‌السلام قد أقرت انه كان لأبيها وقد انتقل إليها بالهبة أو الصلح لليد عليه بعد تسليم الخبر المجعول عند العامة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحن معاشر الأنبياء لا نورث درهما ولا دينارا إلخ فعلى ما مر من انقلاب الدعوى يلزم ان تكون الزهراء سلام الله عليها مدعية وان تكون عليها إقامة البينة ويكون أخذ الأول المال خلافة عن المسلمين بمقتضى الاستصحاب أي استصحاب بقاء الملك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانتقاله بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسلمين بمقتضى الخبر المجعول.

واما دفع هذا الإشكال فمن وجوه :

الأول إنكار أصل الانقلاب كما مر منا فالاستدلال باليد عن مولانا أمير ـ المؤمنينعليه‌السلام في محله.

والثاني انه على فرض تسليم الانقلاب يكون الانقلاب في صورة الإقرار للمدعى لا لشخص آخر ومن المعلوم انها عليها‌السلام أقرت بأن المال لأبيها لا للمدعى الّذي هو الأول نيابة عن المسلمين فلا يكون هذا المورد داخلا في محل بحث الانقلاب ليلزم الإشكال ،

٢٢٩

وقد أجيب بأن الإشكال يكون على الأول من جهة أخذه المال عنها عليه‌السلام قبل المحاكمة فانه خالف موازين القضاء في الإسلام فلذا أشكل عليه مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وفيه ان مخالفته لموازين القضاء في الإسلام غير مربوط ببقاء الملك لها صلوات الله عليها فان مورد البحث هو بقاء ملكها لكون يدها عليه‌السلام عليه فلا يتم هذا الدفع.

والثالث ما عن المحقق الهمدانيّ قده من ان المشهور في باب القضاء هو ان يكون المدعى مدعيا جزما ومن هو شاك في دعواه لا يصغى إليه والأول شاك في دعواه لأن الزهراء سلام الله عليها تدعى ملكيتها لفدك لصلح أبيها أو هبته إياها والأول يدعى الشك في ذلك فعلى هذا فحيث كان المال في يدها يحكم لها به وأخذه منها خلاف حكم الله تعالى فلهذا احتج الأمير عليه‌السلام باليد.

والرابع ما عن شيخنا النائيني قده على مسلكه في باب المعاملات وتبادل الأموال وحاصله ان التبديل في مثل البيع يكون في المملوك مع بقاء الإضافة فإذا باع الدار بدرهم تتعلق إضافة صاحب الدار بالدرهم وإضافة صاحب الدرهم بالدار فلا تبديل الا في ما تعلق به البيع والشراء واما التبديل في باب الإرث فهو يكون في المالك مع بقاء الإضافة أيضا فتعلق إضافة المال إلى زيد الوارث القائم مقام أبيه فيكون التبديل في طرف الإضافة وتارة ينعدم الإضافة ويوجد إضافة أخرى مباينة لما كان وهذا مثل الوصية بشيء للموصى له فان الإضافة عن المالك تسلب وتحدث إضافة أخرى ومقامنا هذا من هذا القبيل بل أسوأ حالا لأن الخليفة ادعى صرف المال في مصالح المسلمين لا من باب الإرث ولا من باب البيع وأمثاله بل نظير الهبة.

فعلى هذا لا يكون الإقرار بكون المال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إقرارا بكونه للمسلمين حتى ينقلب الدعوى ولا يمكن التمسك باليد بل لمن يدعى ملكه للمسلمين إثبات الإضافة لهم بدليل وحيث لا دليل له الا كون المال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبلا

٢٣٠

لا يكون له أخذ فدك منها عليها‌السلام هذا حاصل ما أفاده قده.

ولكن يرد على مبناه في تبادل الأموال بأن الإضافة مما هو قائم بالطرفين ومن المعاني الحرفية فكيف يمكن بقاء الإضافة مع التبديل في طرفها الّذي هو المالك أو المال حتى ينتج في المقام ما قال قده وكيف كان فلا تصل النوبة إلى هذا الجواب مع ما مر من إنكار أصل الانقلاب في جميع المقامات وعدم كون الإقرار للمدعى هنا وساير ما ذكرناه والحاصل من الجميع عدم ورود هذا الإشكال على احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام

بقي في المقام أمر

وهو ان اليد هل هي حجة في صورة كون الشاك في الملكية غير صاحبها أو تشمل حتى صورة كون الشاك نفس صاحب اليد فيه خلاف فإذا كان شكه من حيث كون ما في داره أو صندوقه له أو لغيره يتمسك بيده على الملكية على فرض التعميم ولا يتمسك بها على فرض كونها حجة في خصوص غير صاحب اليد.

فنقول اما ان يكون السند لحجية اليد الاخبار أو بناء العقلاء أو الإجماع وعلى التقادير اما ان تكون حجة من باب الأمارية أو حجة من باب الأصلية.

فعلى فرض كونه الاخبار فلا بد من النّظر إليها وتقريب الاستدلال ليتضح المرام.

فمنها موثقة يونس بن يعقوب وقد مرت عند ذكر الاخبار وفي ذيلها من استولى على شيء منه فهو له وتقريب الاستدلال بإطلاق الاستيلاء فانه يشمل يد الشخص نفسه ويده بالنسبة إلى غيره.

والجواب عنه ان الخبر يكون في حكم الزوجين وكون يد كل واحد منهما حجة على الآخر الّذي ادعى المال لا حجة على نفسه.

وقد أجيب عن الإشكال بان الرواية وردت في خصوص الزوجين وأنتم لا تعتنون

٢٣١

بالمورد وتدعون بدلالتها على حجية اليد مطلقا فإذا كان كذلك فلا إشكال في سعة الإطلاق أزيد من ذلك بان يقال لا فرق في الحجية بين يده ويد غيره لأن العلة في الرواية هي الاستيلاء وهو يكون اليدين ولا يختص بيد الغير فقط وهذا الكلام مما يمكن الاعتماد عليه على ما هو التحقيق عندنا.

ومنها رواية مسعدة بن صدقة وتقريبها بأنها وردت في صورة كون الشك في يد نفسه فان احتمال كون الثوب عليه سرقة يكون من جهة شكه في ان ما في يده ماله واقعا أو لا فجعلت اليد حجة في المورد فدلالتها على عمومية اليد تامة والجواب عنه ان المقام يكون في صورة الشك في السبب المنقل إليه فلا يدرى انه سبب صحيح لكون البائع مثلا بائعا لماله أو لمال غيره و (ح) يكون له أصالة الصحة في البيع والشراء ومع جريانها لا يبقى الشك فلا يكون الاستناد إلى اليد حتى يستدل بعمومها ليد الشخص نفسه والحاصل ان اليد تكون حجة في مجهول السبب لا في معلومه.

ومنها رواية جميل بن صالح (١) قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل وجد في منزله دينارا قال يدخل منزله غيره؟ قلت نعم كثير قال هذا لقطة قلت فرجل وجد في صندوقه دينارا قال يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت لا قال فهو له.

وتقريبها ان الشاك في كون ما في صندوقه يكون شاكا في ان ما في يده هل يكون له أم لا فحكم عليه‌السلام بأنه لعدم دخالة غيره في صندوقه.

لا يقال ان الصدر والذيل في الرواية يكون فيه الإشكال لأن كثرة دخول الجماعة في الدار لا توجب خروج ما في الدار عن تحت اليد فكيف حكم عليه‌السلام بأنه

__________________

(١) أقول باقي الروايات مر مصدرها وهذه الرواية في باب ٣ من أبواب اللقطة ح ١ في ج ١٧ من الوسائل.

٢٣٢

لقطة مع كثرة الجمعية فأسقط عليه‌السلام حكم اليد وكون ما في الصندوق له يكون من باب القطع العادي بأنه له لا من باب اليد فهي في نفسها ساقطة لأنا نقول ان حجية اليد تكون من باب الكشف العادي عن الملك فإذا كانت الدار محل مراودة الجمعية تسقط اليد عن الكاشفية لا من باب عدم اليد على ما في الدار بل من باب سقوط حجيتها فهي ساقطة عن الاعتبار لعدم الغلبة في صورة كون الدار كالمسجد في مراودة الجمعية في كون المال ملكا لصاحبها واما الحكم بان ما في الصندوق له فهو يكون من باب اليد لا من باب القطع لأن ما في الصندوق يحتمل ان يكون أمانة أو عارية أو غير ذلك من الوجوه المحتملة في حق هذا الشخص فصرف كونه في صندوقه لا يوجب قطعه بأنه ملكه.

ومنها رواية حفص بن غياث وتقريبها بان الملاك في حجية اليد هو عدم قيام سوق للمسلمين وهو موجود في المقام أيضا لأن اليد لو لم تكن حجة بالنسبة إلى ما فيها في الدار وغيره اختل نظام الاجتماع.

وقد أشكل عليه بان ما في يد الغير وان كان الشك فيه ولكن الغالب عدم معرفة السبب الناقل في هذه اليد واما السبب في يد الشخص نفسه فمعلوم غالبا فلا يختل النظام.

والجواب عنه ان مطلق الشك كاف في حجية اليد ولو كان السبب معلوما فتحصل ان الروايات لو لم يتم بعضها في شمول يد الشخص لنفسه يمكن استفادة التعميم من بعضها الآخر.

واما الرواية الدالة على الاختصاص أي اختصاص حجية اليد بيد الغير فهي رواية إسحاق بن عمار (١) قال سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل مع ولم يذكرها حتى

__________________

(١) في باب ٥ من أبواب اللقطة في الوسائل ج ١٧ ح ٣

٢٣٣

قدم الكوفة كيف يصنع قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت فان لم يعرفوها قال يتصدق بها.

وتقريب الاستدلال بها هو انها دلت على ان صاحب المنزل ان عرف ان الدراهم له فهي له وان لم يعرفها فلا تكون له مع ان اليد لو كانت حجة في حق أهل المنزل لم يكن المدار على العلم والجهل بل كان مقتضى كونها تحت أيديهم كونها لهم فلا تكون اليد حجة في ظرف الجهل.

وقد أشكل على هذا التقريب باب المدفون لا يكون تحت اليد فعدم التعرض لحكم اليد يكون من باب عدمها في المقام مضافا بان العلم هنا لا يكون في مقابل الجهل بل في مقابل الإنكار بمعنى انهم لو عرفوها وقالوا بأنها لهم تكون الدراهم لهم بمقتضى يدهم واما إذا أنكروها فلا تكون لهم لعدم حجية أيديهم في ظرف إنكارهم للملكية فعلى هذا في صورة شكهم وجهلهم يمكن ان تكون الدراهم لهم.

والجواب عنه ان صرف المدفونية لا يوجب خروج المدفون عن تحت يد صاحب الدار فاليد هنا ثابتة وحمل العرفان على ما هو مقابل الإنكار خلاف الظاهر مضافا بان الحكم هنا لعله خاص في مورد الكنز.

ولكن الإنصاف ان يقال ان الظاهر من الرواية ان الدار كانت دارا زوارية والمدفون في أمثالها لا يكون تحت يد صاحبها فعدم حجية اليد من باب عدم الموضوع لها ليس ببعيد فالحق ان اليد حجة مطلقا.

ثم ان البحث كان إلى الآن على طريقية اليد وأماريتها واما على فرض الحجية فقط فشمولها ليد الشخص نفسه أوضح لعدم الاحتياج إلى إثبات كشفها عن الملكية بل صرف وجودها كاف لترتب الأثر هذا على فرض كون السند للحجية الاخبار واما على فرض كون سندها بناء العقلاء فهو عام عند الجميع ولا اختصاص بيد غير الشخص.

ولا يقال ان الرواية في الاختصاص اما رادعة أو محتمل الرادعية وعلى أي

٢٣٤

حال تمنع من التمسك ببنائهم كما ان ما هو محتمل القرينية يمنع عن التمسك بظهور الكلام.

لأنا نقول لا يتمسك بالظهور في صورة وجود ما يحتمل قرينيته لعدم انعقاده في الكلام كذلك واما محتمل الرادعية في المقام يكون كالمخصص المنفصل المجمل فان من المحرر في محله ان إجمال المخصص لا يسرى إلى العام فكذلك في المقام فان بناء العقلاء عام ولا رادع له.

واما لو كان السند لحجية اليد الإجماع فيرد عليه انه مدركي على فرض وجوده نعم لو فرض وجوده لكان المتيقن منه غير يد الشخص نفسه.

فتحصل انه لا شبهة في عمومية اليد بالروايات أو ببناء العقلاء هذا كله في البحث عن اليد الدالة على الملكية في المقام الأول وقد بقي فروع أخر فيه لعلنا نتعرض لها في ضمن ما سيجيء.

المقام الثاني (١)

في اليد الدالة على غير الملك مثل الدالة على تذكية ما تحتها إذا كانت يد المسلم أو الطهارة والنجاسة إذا عمل ما هو لازمهما.

ولا يخفى ان البحث في اليد الدالة على الملكية كان في اليد أعم من كونها يد مسلم أو يد كافر وفي المقام يكون البحث عن يد المسلم لأن يد الكافر لا تكون أمارة على التذكية والطهارة ثم في نحو حجيتها خلاف فربما قيل بان يد المسلم

__________________

(١) هذا البحث يوجد في المستمسك تأليف العلامة السيد محسن الحكيم الّذي قارب عصرنا قده في ج ١ الطبع الثالث ص ٣٠٥ في شرح المسألة السادسة من نجاسة الميتة من كتاب عروة الوثقى فارجع إليه وقد نقل الأستاذ مد ظله عن كتاب القواعد الفقهية للعلامة البجنوردي قده ولا يحضرني الآن.

٢٣٥

لا شبهة في كونها أمارة التذكية والطهارة وانما الكلام في يد الكافر وربما قيل بان يد المسلم مطلقا أمارة لها وربما قيل بان اليد مع الاستعمال فيما يشترط فيه التذكية والطهارة كالأكل والصلاة في الجلد دالة عليها لا مطلق كون الشيء تحت اليد.

فنقول ان العناوين في الروايات مختلفة من حيث التعبير بأرض المسلمين وأرض الإسلام ويد المسلمين وسوق المسلمين في ترتيب أثر التذكية على ما في أيديهم فعلى الأمارية لا بد من إثبات جهة كاشفية لسوق المسلمين وأرضهم ويدهم حتى يكون الاخبار إمضاء لذلك بجهة كشفه.

فنقول يمكن ان يكون الظن حاصلا بواسطة غلبة ما يوجد في سوق المسلمين وأرضهم ويدهم من كونه مذكى لا غيره والإمضاء يكون متوجها إلى هذا النحو من الكاشفية.

ثم ان هنا إشكالا وهو ان اليد على الأمارية يكون مثبتها حجة فعلى هذا إذا كان شيء في يد المسلم وحكمنا بالملكية بسببها فلا بد ان نحكم بالتذكية أيضا لأن المسلم لا يملك غير المذكى (١) فالحكم بالملكية يكون من لوازمه الحكم بالتذكية ولا يكون الشك في قابلية الحيوان للتذكية وعدمها حتى لا تكون اليد حجة بالنسبة إليها بل البحث بعد فرض القابلية من جهة الشبهة الموضوعية.

فنقول ان كل ما من شأن الملكية يثبت باليد ومنه الذبح الشرعي ولكن هذا

__________________

(١) هذا على فرض مسلمية عدم ملك المسلم للميتة وما في حكمها واما على فرض القول بملكيته لها بغير البيع على فرض كون بيعها حراما فلا يأتي هذا الإشكال ثم ما ذكره مد ظله في الجواب بأن هذا لا يثبت الطهارة لا نفهمه لأن الشك في الطهارة ان كان من جهة الطهارة من ناحية التذكية فهي تثبت بالملازمة وان كان الشك في النجاسة والطهارة العرضية فهذه لا كلام فيها لعدم كونها من لوازم التذكية.

٢٣٦

لا يلزم منه الحكم بترتيب جميع ما هو مشكوك مثل الشك في الطهارة والنجاسة للصلاة فلا تصح الصلاة مع إثبات الملكية بل لا بد من البحث في ان اليد هل هي أمارة على الطهارة أم لا فأمارية اليد في الملكية لا توجب الغناء عن هذا البحث على ان أماريتها غير ثابتة عندنا كما مر.

فنرجع إلى البحث عن الروايات في المقام.

فمنها صحيح الحلبي قال (١) سألت أبا عبد الله عن الخفاف التي تباع في السوق فقال عليه‌السلام اشتر وصل فيها حتى تعلم انه ميتة بعينه.

فهذه الرواية تدل على ترتيب جميع الآثار حتى الصلاة فيما يؤخذ من سوق المسلمين ولكن لا بعنوان السوق وحده ولا اليد وحدها بل السوق مع البيع واليد لأن المفروض انه لم يكن الشراء الا من اليد وقيد البيع يمنع عن القول بأمارية السوق فقط أو اليد لأن هذا يكون من باب ظهور حال المسلم وهو حجة مع قطع النّظر عن غيره فان المسلم لا يبيع غير المذكى فالمتيقن من دلالة الرواية على التذكية هو صورة كون الشيء في معرض البيع وفي السوق مع كونه في اليد ولا تدل على حجية اليد وحدها.

ومنها صحيح البزنطي (٢) قال سألته عن الرّجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء فلا يدرى أذكية هي أم غير ذكية أيصلى فيها قال عليه‌السلام نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك ونحوه صحيحة الآخر وصحيح سليمان بن جعفر الجعفري وخبر الحسن بن الجهم (٣) وفي مصحح إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه‌السلام لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام قلت فان كان فيها غير أهل

__________________

(١ ـ ٢) في الوسائل باب ٥٠ من أبواب النجاسات ح ٢ ـ ٣

(٣) والكل في باب ٥٠ من أبواب النجاسات في الوسائل ح ٦ وملحق ح ٣ وح ٩

٢٣٧

الإسلام قال عليه‌السلام إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس (١) وإضافة هذه الرواية على ما سبق هي قيد كونه مما صنع في أرض الإسلام مع غلبة المسلمين إذا كان فيها غيرهم والمجموع يدل على ان ما يكون في سوق المسلمين ومن المصنوع في أرض الإسلام فهو محكوم بالتذكية ولا شبهة في ان الاشتراء يكون عن اليد لا عن السوق والأرض فاليد حجة مع قيد كونها في أرض الإسلام وفي سوق المسلمين فلو فرضت في غير السوق وفي غير أرض الإسلام لا تدل هذه الروايات على حجيتها.

ومنها خبر إسماعيل بن عيسى قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن جلود الفراء يشتريها الرّجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف قال عليه‌السلام عليكم أنتم ان تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه (٢).

وهذه الرواية تدل على ان اليد حجة إذا كانت مع ما يكون ظاهرا في ترتيب أثر التذكية والطهارة كالصلاة في الجلد والمراد بغير العارف اما ان يكون من هو غير عارف بالحكم أو يكون المراد منه العامي في مقابل الشيعة والثاني هو مصطلح الروايات في التعبير عن العامة.

ومنها خبر محمد بن الحسين الأشعري كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ما تقول في الفرو يشترى من السوق فقال عليه‌السلام إذا كان مضمونا فلا بأس (٣) والمراد بالمضمونية هنا هو كونه في اليد بتناسب الحكم والموضوع وهذه الرواية أيضا تدل على صحة الشراء من السوق ومن اليد والحاصل من جميع ما تقدم هو ان المورد في الروايات هو التصرف الّذي يكون أمارة على التذكية والطهارة

__________________

(١) في الوسائل باب ٥٠ من النجاسات ح ٥

(٢) في الوسائل باب ٥٠ من النجاسات ح ٧

(٣) في الوسائل باب ٥٠ من أبواب النجاسات ح ١٠

٢٣٨

كالبيع والصلاة وهو من ظهور حال المسلم فلا تدل على حجية السوق هذا ما قيل.

ولكن يمكن ان يقال ان ظهور الحال ليس من الحجج وان كان السند أصالة الصحة فهي مستندة إلى بناء العقلاء فلا يمكن إثبات حجية السوق المحض من هذه الروايات.

واما إثبات أمارية اليد فائضا كذلك وان قال بعض الفقهاء انه لا إشكال في أمارية اليد على التذكية والطهارة بالنص والفتوى مع انه لا نصّ فيها ولا إجماع الا اشعار في رواية إسماعيل بن عيسى من جهة ان السوق في الغالب لا يكون إلّا موجبا لحصول الظن بالتذكية بالنسبة إلى ما في اليد وعليها بناء العقلاء ولا ردع عنه فانهم يجعلون اليد أمارة للتذكية وعليه يمكن ان يكون اليد حجة حتى في غير السوق في ساير الأمكنة وعلى فرض عدم الخصوصية للسوق فالروايات تشمل حجية اليد وهذا أحسن من بناء العقلاء وعدم الردع عنه في إثبات حجيتها.

واما ما يوجد في أرض المسلمين فصرف كونه في الأرض لا يدل على التذكية ولا سند لها الا رواية السكوني (١) وهي ضعيفة سندا ودلالة وهي في السفرة المطروحة في الطريق كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يقوّم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء صاحبها غرموا له الثمن قيل له يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو مجوسي فقال هم في سعة حتى يعلموا.

وتقريب الاستدلال بان يفرض الأرض أرض الإسلام مع مرور المجوسي عليها مع عدم أمره عليه‌السلام بالفحص بل جعلهم في السعة حتى يعلموا فتكون أرض الإسلام أمارة التذكية.

وفيه ان الأرض لا يعلم كونها أرض الإسلام ولا اشعار للرواية في ذلك وعلى

__________________

(١) في باب ٥٠ من أبواب النجاسات في الوسائل ح ١١

٢٣٩

فرض كونها أرض الإسلام يمكن ان يقال يحتمل كون الشبهة في السفرة من جهة النجاسة العرضية من ملاقاة الكافر لا من جهة عدم التذكية فلا دلالة لها على أمارية الأرض للتذكية.

فتحصل ان الأرض والسوق للمسلمين لا يكون لهما الأمارية للتذكية بدون اليد هذا كله في أمارية يد المسلمين على التذكية.

البحث في أمارية يد الكافر

على عدم التذكية وعدمها

ثم ان الخلاف قد وقع بين الاعلام في أمارية يد الكافر على عدم التذكية وكذا سوقه وأرضه فمن صاحب الجواهر قده (١) تبعا لأستاذه كاشف الغطاء أمارية يد الكافر على عدم التذكية وعن جملة عدم أماريتها لها والحكم بعدم التذكية لما في يد الكافر وان كان مسلما ولكن يكون سنده أصالة عدم التذكية لا من باب أمارية يد الكافر على عدمها واستدل الأول برواية صحيحة عن إسحاق بن عمار وقد مرت في البحث السابق بقوله عليه‌السلام إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس.

وتقريب الاستدلال بوجهين.

الأول بمفهوم الوصف وهو غالبية المسلمين فان الغلبة ان كانت للمسلمين فلا بأس ومفهومها ان الغلبة ان كانت من غير المسلمين ففيه بأس فعدم البأس يكون للإسلام والبأس يكون للكفر فالكفر علة منحصرة للحكم بعدم التذكية كما ان الإسلام علة منحصرة في الحكم بها وتوهم ان البأس في صورة عدم الإسلام يكون من باب أصالة عدم التذكية

__________________

(١) هذا البحث في الجواهر في كتاب الطهارة في ج ٦ في صفحة ٣٦٤ وما بعدها موجود بالاختصار وفي كتاب الصلاة في لباس المصلى في شرطية عدم كونه من الميتة في ج ٨ في صفحة ٥٢ وما بعدها يوجد بالتفصيل فارجع إليه.

٢٤٠