مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

الأمارة على الأصل يكون بالجمع العرفي ولكن مبناه غير تام عندنا لأنه خلاف ظاهر أدلة حجية الأمارات وظاهر تتميم الكشف بإلقاء احتمال الخلاف.

فتحصل ان الحاكم هو الشارح لموضوع المحكوم توسعة وتضييقا وحكومة الأمارات على الأصول لا إشكال فيها عندنا وفرقها مع التخصيص هو ان الحاكم هو شارح اللفظ والتخصيص يكون في الحكم بحكم العقل وعليه فحكومة الأدلة الثانوية مثل اللاضرر واللاحرج على الأدلة الأولية واضحة عندنا وعلى مبنى المحقق الخراسانيّ قده أيضا لأنه يقول الموضوع الضرري مثلا منفي بلحاظ حكمه فالوضوء الضرري عنده خارج موضوعا عن الوجوب ونحن نقول بنظر الأدلة الثانوية إلى الأدلة الأولية نظر الشارحية للموضوع فالوضوء الواجب لا يكون هو الوضوء الضرري.

واما على مبنى الشيخ الأعظم قده من ان المنفي هو الحكم يعنى الوضوء الضرري لا يكون له حكم الوجوب فيكون من باب التخصيص في الحكم هذا حال الحكومة.

اما الورود الّذي هو خارج عن بحث التعارض فهو يكون من جهة عدم الموضوع للمورود واقعا ببركة التعبد لا بالوجدان ففي المثال موضوع دليل البراءة هو عدم البيان والأمارات بيان فلا موضوع للأصل واقعا ببركة التعبد بمفاد الأمارة.

في التفصيل في مائز الحكومة والتخصيص

ثم لا بأس بذكر مائز الحكومة والتخصيص والجمع العرفي الّذي عليه المحقق الخراسانيّ قده هنا بعد الإشارة إليه فيما سبق فنقول المائز أمور.

الأول ما عرفت من ان الحكومة هي التوسعة والتضييق في الموضوع والتخصيص هو الخروج عن العموم في الحكم فقط.

الثاني تقديم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا من المحكوم بخلاف التخصيص فان تقديم الخاصّ على العام يكون بملاك أقوائية الظهور للخاص

٣٨١

لأنه نصّ فلو فرض العام أقوى في الظهور لإبائه عن التخصيص مثلا فهو المقدم وسره عدم المعارضة بين الحاكم والمحكوم أصلا لأن وزانهما وزان القرينة وذي القرينة مثل قول القائل رأيت أسداً يرمي.

وليس وزان التخصيص كذلك بل العقل عند الجمع بين الخطابين يحكم بخروج الخاصّ عن حكم العام فليس وزان لا تكرم زيدا من العلماء بالنسبة إلى أكرم العلماء وزان القرينة للمراد من العام بخلاف مثل لا شك لكثير الشك في طول بيان حكم الشاك بين الثلاث والأربع.

الثالث ان العام بواسطة كثرة التخصيص المستهجن يسقط عن الظهور رأسا بخلاف المحكوم فان ظهوره بحاله وان كانت الحكومة موجبا لخروج أكثر الافراد عن تحته وسره ان الحاكم بمنزلة القرينة وان لم يكن مثلها ويكون موجبا لتقليل افراد الموضوع للمحكوم فكما ان العام إذا كان من أول الأمر قليل الافراد لا تضر القلة بعمومه ولا يستهجن فكذلك الحاكم بخلاف التخصيص فانه يكون في الحكم.

الرابع ان الإجمال المفهومي في الحاكم المنفصل يسري إلى المحكوم ولكن إجمال الخاصّ المنفصل لا يسرى إلى العام وسره ان الحاكم يكون شارحا للمحكوم فإذا كان مجملا يصير المراد من المحكوم مجملا فإذا كان الحاكم لا شك لكثير الشك فشك في ان هذا الحكم يكون في الركعات فقط أو يشمل الشك في الاجزاء أيضا فيكون موجبا للإجمال في أدلة بيان حكم الشكوك كما ان الإجمال في الخاصّ المتصل يسرى إلى العام مثل أكرم العلماء الا الفساق منهم فانه إذا شك في ان مرتكب الكبيرة فقط فاسق أو يصدق عنوان الفسق ولو مع إتيان الصغيرة ففي مرتكب الصغيرة يكون العام مجملا لا يمكن التمسك بعمومه ومثله الحاكم والمحكوم فانه إذا كانت الشبهة في مصداق الحاكم تكون في مصداق المحكوم أيضا.

واما الخاصّ المنفصل فلا يسرى إجماله إلى العام لأن ظهور العام ينعقد قبل

٣٨٢

مجيء الخاصّ ولا يكون الخاصّ قرينة عليه ولا فرق في الحاكم بين كونه بأمثال أي وأعني أو بالنظر فقط وهذا مسلك شيخنا العراقي قده خلافا للمحقق الخراسانيّ قده فانه يقول بما حاصله على ما في الفوائد ان الحاكم في صورة كونه ناظرا إلى المحكوم فقط يكون ناظرا إليه بمقدار دلالته لا بالمقدار المشكوك فإذا دار الأمر بين الأقل والأكثر فالخارج عن موضوع المحكوم هو الأقل لا الأكثر فلا يسري إجماله إلى المحكوم واما إذا كان بلسان أي وأعني شارحا للفظ المحكوم فيسري إجماله إلى لأنه كالقرينة بالنسبة إلى المحكوم وقيل في جوابه ان الحاكم بماله من المعنى الواقعي ناظر إلى المحكوم لا بالمقدار المتيقن منه فهو مطلقا موجب لإجمال المحكوم إذا كان مجملا.

المائز الخامس بين الحكومة والتخصيص هو انه على فرض جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصص كما عن القدماء لا يجوز التمسك بالمحكوم في الشبهة المصداقية في الحاكم لأنه شارح للمحكوم ويكون مثل الشبهة المصداقية في القرينة كما إذا قيل رأيت أسداً يرمي ويكون الشك في ان الرمي كان بما يناسب الإنسان حتى يكون المراد بالأسد الرّجل الشجاع أو بما يناسب الأسد كالرمي بالحجر حتى يكون المراد به المعنى الحقيقي منه.

والحق عندنا عدم التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية مطلقا لأن الحكم لا يكون في وسعه إيجاد الموضوع لنفسه فلا فرق بين التخصيص والحكومة من هذه الجهة.

٣٨٣

تذييل في تقديم بعض الأصول اللفظية على بعض

ثم ان البحث حيث كان في تقديم الأمارات على الأصول العملية في هذه الجهة لا بأس بالبحث عن تقديم الأصول اللفظية بعضها على بعض ليتضح وجه الجمع بين العام والخاصّ والحاصل ان الخارج عن مورد التعارض وأدلة الترجيح لا بد من بيان وجه الجمع فيه.

وقد تعرض لهذا البحث الشيخ الأعظم قده وقد فصله شيخنا النائيني قده على على ما في التقرير وقبل الورود في وجه تقديم الخاصّ على العام لا بد من تمهيد مقدمة وهي ان اللفظ له ظهورات ثلاثة.

الأول الظهور التصوري وهو الّذي يخطر بالبال من اللفظ بعد العلم بوضعه للمعنى كما ان لفظ الأسد وضع للحيوان المفترس فبمجرد سماعه أو رؤيته في الكتاب يأتي هذا المعنى في الذهن.

الثاني الظهور التصديقي للفظ في الجمل بمعنى ما يحصل من التفاهم العرفي عند المحاورة وهو الّذي يفهم العرف من الكلام فيقول قال زيد كذا وكذا وهذا الظهور قد يوافق الظهور التصوري لمفردات الكلام وهو في صورة عدم احتفاف الكلام بقرينة المجاز وقد يخالفه وهو صورة احتفافه بما هو قرينة المجاز فالقرينة المتصلة في الكلام توجب صرف اللفظ عن معناه الوضعي إلى المعنى المجازي.

والثالث الظهور التصديقي بمعنى تطابق اللفظ المستعمل الظاهر في المعنى مع الإرادة الجدية بأن يقال ان المتكلم أراد بهذه الجملة هذا المعنى الّذي هو ظاهره فان كل ما قال المتكلم لا يكون موافقا لإرادته بل ربما يكون لكلامه ظهور لا يريده ويكون في صدد بيان إرادته بدال آخر كما إذا كان في صدد بيان مراده بقرينة منفصلة أو علمنا من عادة المتكلم بيان مطلبه بذكر القرائن المنفصلة كما هو كذلك على ما عرفنا من دأب الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين فان بيانهم

٣٨٤

يكون بالدليل المنفصل لمصالح لا نعرفها.

بل يأتي العام في كلام معصوم عليهم‌السلام ويأتي الخاصّ في كلام معصوم آخر عليه‌السلام فعلى هذا لا يمكن الأخذ بالظهورات التصديقية بهذا المعنى الا بعد الفحص عن القرينة فلو لم توجد يؤخذ بالظهور ويحكم بأن الإرادة الاستعمالية مطابقة للإرادة الجدية ثم ان حجية ظهور العام اما ان تكون من باب أصالة عدم القرينة بعد ما كان العام ظاهرا في العموم ونشك في وجود القرينة الصارفة عن ظاهره واما من باب الظن النوعيّ عند العقلاء فان اللفظ العام بدون ذكر القرينة يفيد الظن عندهم بان المراد منه ما هو ظاهره.

وتظهر الثمرة في صورة الشك في وجود المانع أو الشك في مانعية الموجود فعلى فرض عدم جريان الأصل في صورة الشك في مانعية الموجود يفيد الظن النوعيّ للتمسك بالظهور ولو لم يجر أصالة عدم مانعية الموجود واما على فرض القول بجريان أصالة عدم المانع مطلقا فلا ثمرة (١) للنزاع في ان الحجية من باب الظن أو من باب الأصل لعدم مورد افتراق بينهما.

__________________

(١) أقول في صورة عدم حصول الظن في مورد وان قلنا بجريان أصالة عدم مانعية الموجود أو أصالة عدم قرينية الموجود تظهر الثمرة بين المسلكين أيضا فان كان المدار على الظن النوعيّ فحيث لا يكون لا يفيد الكلام الظهور.

وعلى فرض كون المدار على الأصل فيحصل الظهور بجريانه كما ان الخاتم في الإصبع إذا كان له وسعة فيحصل الظن بوصول الماء إلى البشرة في الوضوء واما إذا كان بمكان من الضيق فربما يشك العقلاء ولا يحصل لهم الظن بالوصول فان جرى الأصل فهو وإلّا فلا ظهور.

فلا تختص الثمرة بالتفصيل بل مع القول بجريان الأصل مطلقا أيضا يفيد البحث عن وجه حجية الظهورات.

٣٨٥

والحاصل ان أصالة عدم القرينة تكون مثل أصالة عدم المانعية ففي مثل الوضوء إذا شك في وجود المانع عن وصول الماء إلى البشرة تجري أصالة عدم المانعية وفي صورة وجود ما يحتمل كون الموجود مانعا مثل الخاتم الّذي في اليد فلا نعلم انه مانع أم لا ففي جريانها اختلاف فعلى فرض كفاية الظن النوعيّ من العقلاء بوصول الماء تحته فلا إشكال سواء قلنا بأصالة عدم المانعية أم لا وعلى فرض عدم القول بكفايته فيكون صحة العمل متوقفا على جريان الأصل في صورة احتمال مانعية الموجود وإلّا فلا بد من إحراز عدم المانع.

ففيما نحن فيه إذا كان في الكلام ما يحتمل قرينيته فان كان السند هو الأصل فمن قال بجريانه في هذه الصورة فلا فرق بينه وبين القائل بالحجية من باب الظن النوعيّ وان كان ممن لا يقول بجريان أصالة العدم فيها فان كان مبناه الحجية من باب الظن النوعيّ فربما يكون الظن ولا يعتنى بالاحتمال وان لم يكن مبناه ذلك فلا بد من إحراز عدم القرينة.

وحيث ان الحق عندنا الفرق بين الشك في مانعية الموجود وكذا قرينيته وبين الشك في أصل المانع وأصل القرينة فتكون للقول بحجية الظهور من باب الظن النوعيّ أو أصالة عدم القرينة ثمرة فقهية ولذا ترى في كلام الشيخ الأعظم الفرق بين المسلكين.

ثم ان شيخنا النائيني قده بعد بيان ان حجية الظهورات اما ان تكون من باب الظن النوعيّ في كاشفية اللفظ عن المراد واما ان تكون من باب أصالة عدم القرينة لا من باب التعبد لعدم التعبد عند العقلاء في أمورهم قال بما حاصله (١) التفصيل في

__________________

(١) أقول يمكن ان يكون المدار على الكاشفية النوعية للفظ في صورة عدم الشك كما انه ترى دلالة لفظ الأسد على الحيوان المفترس بمجرد إلقاء الكلام عند العقلاء.

وعلى أصالة عدم القرينة في صورة الشك ففي الواقع يكون سندهم الظن والأصل حسب اختلاف الموارد.

٣٨٦

اختيار كون السند للظهور هذا أو تلك.

وبيانه هو ان التمسك بالظهور اما ان يكون لإثبات الإرادة النّفس الأمرية للمتكلم واما ان يكون للاحتجاج عليه بظاهر كلامه في البعث والزجر فان كان المراد الأول فلا بد من إحراز عدم القرينة الصارفة عن ظاهر الكلام ولو ببركة جريان أصالة العدم ولا يكتفى بحصول الظن من نوع هذا اللفظ بالمراد وان كان المراد الثاني فيكفى الظن النوعيّ الحاصل من ظاهر الكلام والعبد ملزم به وليس له الاعتذار بأني احتملت قرينة منفصلة على خلاف الظاهر هذا كلامه رفع مقامه.

فأقول لا أدري كيف صار الأصل محرزا للإرادة الواقعية النّفس الأمرية مع انه ليس إلّا ظاهرا من الظهورات فان الواقع النّفس الأمري لا يحرز بواسطة جريان أصالة عدم القرينة فالتفصيل بهذا الوجه غير وجيه.

هذا مضافا إلى انه قد مر ان الحجية من باب الظن النوعيّ تكون لها الثمرة على فرض عدم جريان أصالة عدم القرينة في صورة احتمال قرينية الموجود وإلّا فلا فرق بين الحجية من هذا الباب أو ذاك فتدبر.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول ان الخاصّ الّذي يلاحظ ظهوره بالنسبة إلى العام يكون له صور أربعة لأنه اما ان يكون قطعي السند والدلالة كالنص المتواتر أو المحفوف بالقرائن القطعية واما ان يكون ظني السند والدلالة كالخبر الواحد الظاهر في المؤدى واما ان يكون قطعي السند وظني الدلالة كالمتواتر الظاهر في المؤدى واما ان يكون ظني السند وقطعي الدلالة كالنص من الخبر الواحد هذه هي الصور الأربعة المتصورة.

فاما الصورة الأولى فلا إشكال ولا ريب في تقديم الخاصّ على العام فيها بتقديم ظهوره عليه لا من باب الورود أو الحكومة بل يكون خارجا عن مورد العام بالتخصص لحصول العلم الوجداني من جهة قطعية الدلالة والسند بخلاف ظاهر العام وليس

٣٨٧

حجيته من باب التعبد حتى يقال انه وارد عليه فان الموارد يوجب ذهاب موضوع المورود واقعا لكن بالتعبد وهنا يكون العلم بالخاص وجدانيا لا تعبديا فليس مثل ورود الأمارات على الأصول العقلية التي موضوعها عدم البيان.

فما يظهر عن الشيخ قده من القول بالورود غير تام (١) كما عن شيخنا النائيني قده.

واما الصورة الثانية والثالثة وهي كون السند والدلالة ظنيين أو الدلالة فقط ظنية مع قطعية السند سواء كان العام كذلك أو لا فالشيخ الأعظم قده قال بتقديم الخاصّ على العام فيها من باب أقوائية ظهوره فرب عام يأبى عن التخصيص فهو مقدم على الخاصّ بالأقوائية فلا يكون الخاصّ مقدما مطلقا وعن جمع منهم شيخنا النائيني قده تقديم الخاصّ مطلقا ولو كان أضعف ظهورا من العام.

وحاصل استدلاله قده هو ان الخاصّ يكون بمنزلة القرينة للعام وأصالة ظهوره متقدمة على أصالة ظهور العام كتقديم أصالة الظهور في القرينة على ذيها والشاهد هو ان المتكلم إذا كان مشغولا بالكلام في مجلس واحد وذكر العام ثم بعد دقائق ذكر الخاصّ لا يشك أحد في تقديمه على العام وعدم أخذ المتكلم الا لظاهر كلامه الّذي يكون العام فيه مخصّصا ولو كان الخاصّ أضعف ظهورا منه.

كما انك ترى تقدم أصالة الظهور في القرينة مثل يرمى على أصالة الظهور في الأسد إذا قال القائل ايت أسداً يرمي واحتمل كون الرمي بما يناسب الأسد لا بما يناسب الإنسان كالرمي بالنبل فان دلالة الأسد على الحيوان المفترس وان كان بالوضع ودلالة الرمي على الرمي بالنبل بمقدمات الإطلاق ولكن يقدم ظهوره عليه وان كانت الدلالة بالوضع أقوى من الدلالة لمقدمات الإطلاق فانه لا يشك أحد في ان المراد بالأسد هو

__________________

(١) أقول لا تصريح في كلامه قده في الرسائل بقطعية السند والدلالة حتى يرد عليه ما قاله مد ظله فيمكن ان يكون مراده صورة قطعية الدلالة لا السند.

٣٨٨

الرّجل الشجاع لا الحيوان المفترس فكذلك لا يشك في تقديم الخاصّ على العام ولو كان أضعف ظهورا منه.

ولا يخفى الثمرة في هذا البحث في الفقه فان تقديم الخاصّ يفيد نتيجة وتقديم العام يفيد نتيجة أخرى وهكذا دأب الفقهاء والشيخ الأعظم قده على التقديم في المسائل الفقهية ولم يتفق مورد يعامل معهما معاملة التعارض.

والجواب عنه ان القرينة شارحة لذيها كالحاكم بالنسبة إلى المحكوم ولكن الخاصّ ليس شارحا للعام كما اعترف به قده في الفرق بين الحكومة والتخصيص وسر تقديم القرينة على ذيها ليس إلّا لشرحها له نعم يلحق الخاصّ بالقرينة لأن الغالب تقديمه على العام بعد كونهما متعارضين.

واما تقديم ظهور الأسد في الرّجل الشجاع فهو يكون من باب انصراف هذا المعنى في الذهن لا غيره ولا يكون ملاكا لتقديم القرينة ولو كان ظهورها بمقدمات الإطلاق على ذيها ولو كان ظهوره بالوضع واما عدم معاملة التعارض مع العام والخاصّ فهو من باب الغلبة لا من باب تقديم الخاصّ على العام مطلقا.

فان قلت انه قده كيف قال بشارحية الخاصّ للعام مع انه قده جعل هذه فارقة بين التخصيص والحكومة قلت انه قده قد أجاب عن هذا الإشكال بان الحكومة تارة تكون بين المدلولين كحكومة لا شك لكثير الشك على أدلة بيان حكم الشك وتارة تكون في الدليلين لا في المدلولين كما في المقام فان أصالة ظهور الخاصّ متقدمة على أصالة ظهور العام بالحكومة ولكن لا يتم هذا الجواب لأن المدلولين إذا لم يكن بينهما الحكومة كيف يمكن تصويرها في الدليلين.

فان قال ان المراد بذلك هو ان أصالة الظهور في العام عند العقلاء مقيدة بصورة عدم المزاحم له والخاصّ مزاحم فنقول الأمر في الخاصّ أيضا كذلك وبناء العقلاء على تقييد أصالة الظهور بظهور أقوى سواء كان الأقوى هو الخاصّ أو العام هذا مضافا إلى ان الأمر لو كان كذلك فلا بد من التقديم بالورود لا بالحكومة فان أصالة ظهور

٣٨٩

العام إذا كانت مقيدة بعدم وجود الخاصّ أو بعدم وجود الخاصّ الحجة فبعد وجدان الخاصّ بالوجدان أو وجدانه بدليل حجيته لا يبقى موضوع لأصالة الظهور في العام واقعا ولو ببركة التعبد بوجود الخاصّ.

فتحصل من جميع ما تقدم ان الحق مع الشيخ الأعظم قده في الصورتين ولا يرد عليه كلام الأستاذ قده.

الصورة الرابعة ان يكون الخاصّ قطعي الدلالة وظني السند سواء كان العام ظني السند أو قطعي السند والمشهور بين المتأخرين تقديم الخاصّ وان كان القدماء قالوا بتقديم العام إذا كان قطعي السند مثل عموم الكتاب والتقديم لا كلام فيه عند المتأخرين إلّا ان الاختلاف هنا في انه بالورود أو بالحكومة ولا ثمرة لبحثه الا الثمرة العلمية.

فربما يفصل بين كون دليل الاعتبار للظهورات الظن الحاصل من العقلاء من اللفظ بالنسبة إلى المعنى فيكون التقديم بالورود وبين كون الدليل أصالة عدم القرينة فيكون التقديم بالحكومة كما عن الشيخ قده ووجه الورود هو ان دليل حجية ظهور العام يكون مقيدا بعدم وجود ظن معتبر على خلافه ودليل حجية الخاصّ يكون موجبا لذهاب موضوع أصالة الظهور في العام فيكون نظير ورود الأمارات على الأصل العقلي الّذي موضوعه عدم البيان فالظن في العام إذا كان حجة في صورة عدم الظن بالخلاف يرتفع بواسطة وجود الظن بالخاص.

واما وجه الحكومة فهو ان أصالة الظهور في العام بعد الشك في عمومه حجة من جهة عدم التعبد بشيء آخر واما على فرض التعبد بظهور الخاصّ فلا وجه لتقديم أصالة الظهور فيه عليه فهو مانع عن حجية الخاصّ بالتعبد.

ثم استشهد قده لما ذكره من الورود بقوله ويكشف عما ذكرنا انا لم نجد ولا نجد من أنفسنا موردا يقدم فيه العام من حيث هو على الخاصّ وان فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة فلو كان حجية ظهور العام غير معلقة على عدم الظن المعتبر

٣٩٠

على خلافه لوجد مورد نفرض فيه أضعفية مرتبة ظن الخاصّ من ظن العام حتى يقدم أو مكافئته له حتى يتوقف مع انا لم نسمع موردا يتوقف في مقابلة العام من حيث هو فضلا عن ان يرجح عليه انتهى.

وقد أجاب شيخنا النائيني قده عن احتمال الورود في صورة كون السند لحجية العام والخاصّ أصالة الظهور بما حاصله هو ان احتمال الورود يكون في صورة كون أصالة الظهور في العام مقيدة بعدم وجود الخاصّ فقيام الخبر على هذا الفرض بما هو خبر خاص رافع لموضوع أصالة الظهور في العام واما إذا كان الخبر الخاصّ مقدما على العام بواسطة إثباته لمؤداه فليس كذلك لأن المفروض في المقام هو ظنية سند الخاصّ وان كانت دلالته قطعية فإثباته لمؤداه يكون بواسطة التعبد بسند الخاصّ والتعبد بالسند يوجب إثبات المؤدى تعبدا لا واقعا فلو لم يكن دليل على التعبد بسنده كان وجوده كعدمه فلا يكون رافعا لموضوع العام بالوجدان.

فقرينية الخاصّ تتم بمقدمتين التعبد بسنده وإثباته للمؤدى وملاك الورود هو ان يكون أحد الدليلين رافعا لموضوع الآخر بنفس التعبد ولو مع عدم إثبات المؤدى.

وقال شيخنا العراقي قده في المقام بما حاصله هو ان أصالة الظهور سواء كانت من باب الظن النوعيّ أو من باب أصالة عدم القرينة في العام ان كانت مقيدة بعدم وجود الحجة على خلافها فلا شبهة في ورود الخاصّ الظني من جهة السند على العام لأنه حجة على أي تقدير وجدناها بالوجدان.

فان حجية الحجة بالوجدان وان كان إثباتها بالتعبد واما إذا كانت مقيدة بعدم وجود الخاصّ أو عدم العلم به فحيث ان التعبد بوجود الخاصّ لا يوجب وجوده واقعا ولا يوجب العلم به وجدانا فهو حاكم على العام لأن إثبات المؤدى يكون بالتعبد فلا وجه للتفصيل بين كون الدليل لأصالة الظهور في العام أصالة عدم القرينة أو الظن النوعيّ هذا.

٣٩١

أقول والتحقيق في المقام عدم تمامية (١) كلام الاعلام الثلاث قدس الله أسرارهم اما النّظر في كلام الشيخ الأعظم فمن وجوه الأول انه قده جعل الورود مناط تقديم الخاصّ على العام ولو كان أضعف ظهورا منه مع ان التقديم بهذا الوجه مشترك بين الورود والحكومة فان الحاكم أيضا مقدم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا منه.

والثاني ان الإناطة وتقييد ظهور العام بعدم الخاصّ لا يكون في وجداننا أصلا بل كل حجة من غير النّظر إلى الإناطة فوجداننا خلاف وجدانه قده.

والثالث ان المفروض ظنية السند في الخاصّ في هذه الصورة فإذا كان سند العام قطعيا كيف لا يقال التعبد بسند الخاصّ مقيد بعدم القطع بسند العام حتى يكون العام القطعي مقدما على الخاصّ الظني فلا يتم بيانه قده للورود.

ثم ان لشيخنا الحائري قده في المقام بيان لطيف لا بأس بالإشارة إليه وهو ان سند العام ودلالة الخاصّ في المقام قطعي لا كلام فيه ودلالة العام وسند الخاصّ ظنيان فيتعارضان وأصالة العموم في العام منوطة بعدم التعبد بسند الخاصّ فمع التعبد به لا بد من تخصيص ظهور العام في العموم به كما إذا كان بالوجدان ولا عكس يعنى لا يكون التعبد بسند الخاصّ منوطا بعدم الظهور للعام فيكون مرجعه إلى تخصيص سند العام في صورة التعبد بالخاص.

وببيان آخر للكلام أصول ثلاثة أصالة الصدور وأصالة الجهة وأصالة الدلالة وهذه الظهورات الثلاثة على مبناه قده يكون كل واحد منها في طول الآخر يعنى لا بحث في جهة الصدور من كونها تقية أو غيرها ما لم يكن أصل الصدور محرزا ولا

__________________

(١) أقول لا يخفى ان عمدة اشكاله مد ظله في الرد عليهم هو إنكار إناطة ظهور العام بعدم الخاصّ في الحجية وكلام الشيخ قده بظاهره يرد عليه الإشكال.

نعم لو كان حجية الظهور من باب أصالة الظهور وقلنا بأنها مثل البراءة العقلية من باب كون موضوعها عدم البيان على الخلاف يمكن ان يكون الخاصّ واردا بدليل حجيته لأنه بيان واصل الإناطة يكون في نظر العقل والعقلاء.

٣٩٢

بحث في الدلالة ما لم يكن الصدور عن جهة غير التقية محرزا فإذا سقطت دلالة العام في العموم التي في المرتبة الثالثة من المراتب الطولية بواسطة التعبد بسند الخاصّ في فرض المقام فلا تصل النوبة إلى ملاحظة سند العام مع سند الخاصّ لأن التعبد بسند الخاصّ مقدم على التعبد بدلالة العام.

والجواب عنه (١) انه لا وجه للقول بالإناطة أصلا لا في طرف العام ولا في طرف الخاصّ كما مر في جواب الشيخ قده وعلى فرض الإناطة تكون الإناطة في السند أيضا فان أصالة السند في الخاصّ منوطة بعدم القطع بسند العام واما ما ذكر من طولية الظهورات الثلاثة فلا نسلمها بل هي عرضية والإناطة تكون بحكم العقل فقط فانه حاكم بأنه لا معنى للتعبد بالدلالة مع عدم إثبات الصدور وجهته.

واما الجواب عن شيخنا النائيني في أصل كلامه فهو ان الحكومة التي تصورها كانت متوقفة على فرض إناطة دلالة العام بعدم الخاصّ أو بعدم الحجة على خلافه وقد عرفت انها لا وجه لها فلا إناطة بين العام والخاصّ ولا يكون الخاصّ قرينة على العام كما ان أهل الفن أيضا لا يسلمون القرينية ليكون دلالة القرينة مقدمة على دلالة ذيها مطلقا يعنى ولو كانت القرينة أضعف فيكون الخاصّ مقدما على العام مطلقا.

واما فهمه لكلام الشيخ قده أيضا فغير وجيه عندنا لعدم الإناطة التي هي ملاك الحكومة أو الورود فما ذكره وجها لقول الشيخ قده بالورود من ان التعبد بظهور الخاصّ يوجب عدم الموضوع واقعا لأصالة الظهور في العام غير وجيه لعدم ذهاب موضوعها بالتعبد بالخاص لعدم الإناطة فهو قده لم يأت بشيء مع انه ادعى انه

__________________

(١) أقول وأضف إلى جوابه هو ان الطولية في الصدور والجهة والدلالة لو سلمت تكون بالنسبة إلى دليل واحد لا بالنسبة إلى الدليلين بان يلاحظ السند في أحدهما والدلالة في الآخر فانه لا طولية في سند هذا ودلالة ذاك ولا وجه لها.

٣٩٣

خفي مراد الشيخ قده على كثير من طلاب العلم.

واما ما يرد على شيخنا العراقي قده فهو ان الإناطة لا تكون على عدم الخاصّ فلا يكون أصالة الظهور في العام مقيدا حتى نقول بالحكومة إذا كان القيد هو وجود الخاصّ أو العلم به فالخاص حاكم لعدم إثباته بالوجدان وإذا كان عدم الحجة فهو وارد لأن الخاصّ حجة على خلاف العام بالوجدان ثم انه قده بين بيانا لوجه الورود وحاصله هو ان العام والخاصّ والظاهر والأظهر من جهة الكاشفية عن الملاك يرجع أمرهما إلى دوران الأمر بين المهم والأهم فيكون تقديم الأهم من باب التزاحم (١) وعدم القدرة على الجمع بينهما ولكن هذا إذا كان سند الأظهر أو الخاصّ ظنيا فحيث لم نحرز الأهم وجدانا يكون لنا الشك فيه فالعام القطعي السند والدلالة له كاشفية عن المهم فلا ندري ان الخاصّ أو الأظهر هل يكون محققا في الواقع حتى لا يكون لنا القدرة لإتيان المهم من باب التزاحم أو لا يكون كذلك حتى يكون القدرة على إتيان المهم.

فيكون المقام من باب الشك في القدرة على الامتثال بالنسبة إلى ما هو ظاهر العام حكم العقل هو الإقدام على ما شك في وجود القدرة عليه ولكن إذا لم يكن لنا

__________________

(١) أقول ان الفرض هو كون الباب باب التعارض لا التزاحم ودليل الخاصّ لا يكشف عن أهميته وأقوائية ملاكه بل لا ملاك في صورة إحرازه بالوجدان للعام بالنسبة إلى مورد الخاصّ.

وفي صورة عدم إحرازه بالوجدان فيدور الأمر بين تقديم هذا أو ذاك ولا يرجع هذا الكلام الا إلى قولنا بان أصالة الظهور في العام مقيدة بعدم الحجة على خلافها والخاصّ حجة وبيان فهو وارد كما احتملناه في كلام الشيخ الأعظم.

والحاصل لا يكون الباب باب التزاحم بل باب التعارض فلا يلاحظ أقوائية ملاك الخاصّ بل لا بد من ملاحظة أقوائية الظهور فيه والمزاحمة تكون في مقام الجعل لا مقام الامتثال فقط

٣٩٤

حجة على خلافه فحكم العقل بالإقدام يكون من باب عدم البيان فإذا فرض حجية الخاصّ بالدليل الدال عليه وكذلك الأظهر فيكون واردا على حكم العقل فقد ذهب موضوع حكمه واقعا ببركة التعبد بظهور الخاصّ أو الأظهر.

هذا دليله على الورود وفرقه مع غيره هو ان الإناطة على هذا البيان تكون في حكم العقل بوجوب الإقدام على المهم وفي كلام القوم تكون الإناطة بين دليل العام ودليل الخاصّ لا بين حكم العقل ودليل الخاصّ فتقديم الخاصّ يكون عنده من باب أقوى الحجتين واما عندهم فيكون التقديم من باب سقوط ظهور العام رأسا وهو قده لا يقول بسقوط الظهور بل الظهور بحاله والتقديم من باب الأقوائية.

والجواب عنه هو ان الإناطة في الظهور حيث لم تكن على مذهبك لا تكون في حكم العقل أيضا.

نعم العقل يحكم بوجوب امتثال القوى إذا لم يكن دليل على الأقوى واما مع الدليل عليه فلا امتثال بالنسبة إليه من جهة عدم القدرة على الجمع من جهة المزاحمة في الامتثال فتحصل من جميع ما تقدم ان تقديم الخاصّ والأظهر يكون من باب أقوى الحجتين فان فرض أقوائية العام أو الظاهر في مورد فالتقديم لهما نعم الغالب هو أقوائية الخاصّ والأظهر وهو غير منكر.

٣٩٥

الجهة الخامسة في ملاك أقوائية الظهور (١)

لا ضابطة غالبا لفهم أقوائية الظهور من الظهور الآخر بل يدور مدار الموارد ويظهر بواسطة الفحص التام في الأدلة من المجتهد ولكن ذكر ضوابط نوعية في المقام.

منها تقديم العام الأصولي على المطلق الشمولي مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفاسق ووجه التقديم هو ان دلالة العام على الافراد تكون بالوضع ودلالة المطلق عليه بمقدمات الإطلاق التي تسمى بمقدمات الحكمة ومن شرائط جريان المقدمات هو كون المولى في مقام البيان مع عدم بيانه للقيد والعام يحتمل ان يكون بيانا فلا يتمسك بالإطلاق في مورده.

وببيان آخر دلالة العام على شمول الحكم للافراد تكون تنجيزية لعدم التعليق على شيء ودلالة المطلق معلقة على جريان مقدمات الإطلاق والعام بوجوده يمنع عن جريانها فتقديم العام يكون لعدم تمامية مقتضى الإطلاق.

فان قلت دلالة المطلق معلقة على عدم البيان المتصل إلى الكلام لا على البيان المنفصل فان أبناء المحاورة لا يتوقفون في دلالة المطلق باحتمال مجيء البيان فظهور العام والمطلق متعارضان في صورة كون العام منفصلا قلت من الممكن ان يكون من دأب المولى إتيان بيان كلامه منفصلا أيضا كما هو دأب أئمتنا المعصومين

__________________

(١) أقول ان الأستاذ مد ظله وان كان بنائه على البحث على ترتيب الكفاية ولكن ربما يقدم وربما يؤخر في العناوين ويكون بحثه حسب تقرير بحث التحرير النائيني في كتاب فوائد الأصول أو تقرير بحث العلامة العراقي في نهاية الأفكار كما في المقام.

وهذا البحث حسب ترتيب الكفاية يكون بعد البحث عن المرجحات في ص ٤٠٣ وفي الفرائد للشيخ الأعظم أيضا كذلك في ص ٤٣٩ في نسخة الخادم فان شئت فارجع.

٣٩٦

صلوات الله عليهم أجمعين.

هذا ما قيل فأقول ان مثل المحقق الخراسانيّ قده ومن تبعه في ان أداة العموم مثل الكل موضوعة لتوسعة ما يراد من المدخول لا لتوسعة المدخول لا يكون له القول بتقديم العام على المطلق من هذه الجهة وان لم يقل به من جهة ان البيان المنفصل غير كاف في سقوط الإطلاق كما في الكفاية لأن الكل إذا كان لتوسعة ما يراد من المدخول فلا بد في إثبات إطلاق الإرادة على المدخول بإطلاقه من إجراء مقدمات الإطلاق من جهة عدم بيان قيد له ومن المحتمل ان يكون الإطلاق مزاحما لها فكما ان العقل حاكم في صورة عدم وجود أداة العموم بتوسعة الحكم على الافراد في المطلق كذلك الكل يحكم بالتوسعة في صورة إثبات إطلاق المدخول من القيد ولا فارق بين الكل والعقل حينئذ فكيف يقدم العام على المطلق مع ان دلالتهما معلقة على عدم البيان على هذا المبنى نعم على ما هو التحقيق من ان الكل لتوسعة المدخول يكون العام مقدما لو قلنا بان البيان المنفصل أيضا مانع عن تحقق الإطلاق.

ثم ان المراد بالبيان الّذي هو المانع عن أخذ الإطلاق هو البيان المتصل على ما نرى في السوق وعرف أهل اللسان فان العقلاء لا يتوقفون في الإطلاق باحتمال إتيان المتكلم بالقيد ببيان منفصل في غير زمان التكلم فعلى هذا لا يكون العام المنفصل مضرا بظهور المطلق بل لا بد من ملاحظة أقوى الظهورين واما على فرض كون المراد بالبيان هو الأعم من المنفصل والمتصل فهو مضر بالإطلاق والشيخ الأعظم وشيخنا النائيني (قدهما) على الاختصاص بالمتصل واما مقرونية واقع الإرادة بالقيد ولو لم يبين لبعض الدواعي فلا تضر بالإطلاق لأن البيان بيان إذا وصل إلى العبد فالحجة تامة عند أهل المحاورة.

نعم دأب الأئمة عليهم‌السلام على إتيان البيان منفصلا فهذا القانون منقوض في حقهم ولذا قال المحقق الخراسانيّ قده في بعض فوائده ان الروايات لا بد من جمعها ثم ملاحظة العام والخاصّ والمطلق والمقيد مع انه قائل بعدم بيانية

٣٩٧

المنفصل.

فعلى هذا يمكننا الجمع بين كلام من قال بان المنفصل ليس بيانا ومن قال بأنه بيان بان الأول يكون على ما هو دأب أهل المحاورة والثاني يكون على حسب دأب رؤساء الشرع فلا نزاع فعلى هذا العام الأصولي في كلامهم عليهم‌السلام مقدم على المطلق الشمولي ولا يلاحظ النسبة من جهة أقوائية الظهور حسب الموارد.

ومنها ما إذا أدار الأمر بين تقييد الإطلاق البدلي مثل أكرم عالما والعام الأصولي مثل لا تكرم الفساق فان تقييد البدلي مقدم لما ذكر في دوران الأمر بين العام الأصولي والمطلق الشمولي من ان دلالة المطلق على الإطلاق تكون بمقدمات الحكمة وهي غير تامة مع وجود العام لأنه يحتمل لأن يكون بيانا.

مضافا بأن المقام محتاج إلى مقدمات الإطلاق من جهة تساوي افراد المطلق فانه إذا كان إكرام عالم بنحو صرف الوجود لازما فتطبيق هذا الفرد على العالم الفاسق لا بد ان يكون من جهة تساوى الافراد من حيث الفسق وعدمه بالنسبة إلى المطلق.

ووجود العام وهو قولنا لا تكرم الفساق يمنع عن التساوي لاحتمال كونه قرينة على عدم تساوى الافراد وفي المقام أيضا قيل بان العام المنفصل لا يضر بإطلاق المطلق بل ما هو متصل في كلام واحد والكلام فيه الكلام في سابقة.

فانه على مقتضى دأب أهل المحاورة وان كان كذلك ولكن ليس في دأب الشرع كذلك فان دأبه بيانية المنفصل أيضا ولكن الّذي يسهل الخطب هو ان التعارض لا يكون في المقام أصلا لأن اللازم هنا تطبيق المطلق على الفرد الّذي لا مزاحمة له مع العام وهو في المثال العالم العادل لا الفاسق إلّا ان ينحصر العالم بالفاسق فقط فيحصل التعارض والحاكم هو العقل.

ومنها تقديم تقييد المطلق البدلي على المطلق الشمولي وبيانه ان الدليل وان كان إطلاق المطلق فيها إلّا ان جريان مقدمات الإطلاق في البدلي من جهة إثبات

٣٩٨

تساوى الإقدام في الافراد يمنعه وجود المطلق الشمولي لإثبات عدم تساوى اقدام الافراد.

وفيه نظر لأن مقدمات الإطلاق على التحقيق لا تكون الا موجبة لرفض القيود لا لجمعها فمفادها ان اللفظ موضوع للطبيعي من دون قيد السريان وصرف الوجود فإذا لم يثبت قيد السريان بها في العام الشمولي بالنسبة إلى الافراد لا يثبت تساوي اقدام الافراد المطلق بحسب الأحوال كما في المطلق البدلي ولا يمكن منع تساويه بواسطة إثبات الشمول فشمول الافراد في الشمولي مثل شمول الأحوال في البدلي.

واما الطبيعي فحيث لا يمكن ان يكون بنحو المهملة فيحكم بالشمول أو البدلية بحكم العقل فلا بد من ملاحظة أقوى الظهورين هذا مضافا إلى عدم المعارضة أصلا في هذه الصورة كما مر في المطلق البدلي والعام الأصولي.

ومنها تقديم الغاية على الشرط إذا دار الأمر بين الغاية ومفهوم الشرط كقول القائل يجب الإمساك إلى الليل وان جاءك زيد فلا يجب الإمساك في الليل بادعاء ان دلالة الغاية على تحديد الحكم بالوضع ودلالة مفهوم الشرط عليه بمقدمات الإطلاق فعدم وجوب الصوم في الليل مقدم على وجوبه من جهة عدم حصول الشرط وهو مجيء زيد.

وهكذا إذا دار الأمر بين مفهوم الشرط والوصف فان مفهوم الشرط مقدم لأظهريته على فرض وجود المفهوم للوصف ولكن ليس ما ذكر ضابطة كلية بل يدور الأمر مدار أقوائية الظهور فلو فرض أقوائية مفهوم الشرط على الغاية أو أقوائية مفهوم الوصف على الشرط فالتقديم يكون للأقوى.

ومنها تقديم التخصيص على النسخ فيما إذا دار الأمر بينهما لندرة النسخ وكثرة التخصيص وقبل الورود في المطلب ينبغي تحرير محل النزاع في المقام فانه ربما قيل بان البحث يكون في صورة واحدة من الصور المتصورة في ذلك ونحن نقول بان جميع الصور قابل لنزاع دوران الأمر بين النسخ والتخصيص.

٣٩٩

اما الصور فهي ان العام والخاصّ المتخالفين اما ان يكونا مقترنين أو متعاقبين وعلى الثاني فاما ان يكون المقدم هو العام أو يكون المقدم هو الخاصّ وعلى التقديرين فاما ان يكون ورود العام أو الخاصّ بعد وقت العمل بالآخر أو قبله والمشهور في ثمرة الدوران بين النسخ والتخصيص هو صورة كون الخاصّ مقدما والعام مؤخرا وجاء بعد وقت العمل بالخاص واما باقي الصور فلا ثمرة في كون العنوان هو النسخ أو التخصيص بعد العلم بخروج الخاصّ هذا إذا كان بعد وقت العمل اما قبل وقته فلا وجه لاحتمال النسخ أصلا.

ولكلامهم هذا مقدمتان الأولى قبح تأخير البيان عن وقت العمل والثانية ان فعلية الحكم تكون بفعلية موضوعه وهاتان المقدمتان تنطبقتان في صورة كون الخاصّ المقدم قد حضر وقت العمل به ثم جاء بعده العام وهكذا في صورة تقدم العام أو تقارنه إذا كان الفرض بعد وقت العمل واما قبل ذلك فلا بدّ من القول بالتخصيص وبعبارة أخرى لا يجيء احتمال النسخ قبل وقت العمل ولا يجيء احتمال التخصيص بعده.

ولكن لا تتم المقدمتان اما الأولى فلان تأخير البيان عن وقت الحاجة اما ان يكون قبيحا بالنسبة إلى المولى لأن اللازم منه نقض الغرض فندعي انه لا ينقض غرضه فإذا أبرز العموم ولو لم يكن الحكم بالنسبة إلى بعض الافراد واقعا فتكون المصلحة في إبراز العموم فلذا أبرزه كذلك.

واما بالنسبة إلى العبد فلا قبح أيضا لعدم تفويت المصلحة بالنسبة إليه أيضا فإذا قال أكرم العلماء ثم بعد مدة قال لا تكرم زيدا مع كونه عالما فيمكن ان تكون المصلحة في إبراز العموم لا في إكرام زيد واقعا إلى وقت مجيء الخاصّ ومصلحة النهي عن إكرام زيد تعالج بمصلحة إبراز العموم فإكرام زيد غير واجب واقعا من جهة عدم وجود الملاك الّذي كان في ساير الافراد.

٤٠٠