الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-14-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

لأنّ الظاهر أنّهما لا يتصرفان باطلا ، وكذا البحث فيمن عرف له حالة جنون» ، انتهى.

وقال في التذكرة : «لو ادّعى المضمون له : أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله ، فان عيّنا له وقتا لا يحتمل بلوغه قدّم قول الصّبي

______________________________________________________

مدّعي الصحة ، لأنّ الأركان تامة ، وإنّما الشك في المفسد والاصل عدمه ، فاصالة الصحة في العقود هنا هو الدليل ، وظاهر حال المسلم هو الدليل الثاني كما قال : (لأنّ الظاهر أنّهما لا يتصرّفان باطلا) بل صحيحا ، فيلزم من هذين الدليلين تقديم قول مدّعي الصحة.

(وكذا البحث فيمن عرف له حالة جنون» (١)) ادواري ، فاختلفا في انه هل ضمن في حال جنونه الأدواري حتى يكون ضمانه باطلا ، أو في حال افاقته حتى يكون ضمانه صحيحا؟ فانّه يقدّم قول مدّعي الفساد ، لانه ليس لمدّعي الصحة هنا اصل يستند اليه بعد كون الشك في اركان العقد ، ولا ظاهر حال يرجع اليه بعد كون احدهما مجنونا ادواريا ، (انتهى) كلام العلّامة في القواعد.

(وقال في التذكرة : «لو ادّعى المضمون له : أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ) فالضمان صحيح (وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله) أي : قبل البلوغ ، فالضمان باطل؟ قال : (فان عيّنا له) أي : للضمان (وقتا) بحيث (لا يحتمل بلوغه) أي : بلوغ الضامن فيه (قدّم قول الصّبي) وحكم بالبطلان ، لان ذلك يعيّن انه ضمن قبل بلوغه.

__________________

(١) ـ قواعد الأحكام : ص ١٧٧.

٨١

ـ إلى أن قال : ـ وإن لم يعيّنا له وقتا ، فالقول قول الضامن بيمينه ، وبه قال الشافعي ، لأصالة عدم البلوغ.

وقال أحمد : القول قول المضمون له ، لأنّ الأصل صحة الفعل وسلامته ، كما لو اختلفا في شرط مبطل.

والفرق أنّ المختلفين في الشرط المفسد يقدّم فيه قول مدّعي الصحة لاتفاقهما على أهليّة التصرّف ، إذ من له أهليّة التصرّف لا يتصرّف إلّا تصرّفا صحيحا ،

______________________________________________________

(إلى أن قال : وإن لم يعيّنا له وقتا) لنسيان أو غيره (فالقول قول الضامن بيمينه) وذلك تقديما لقول مدّعي الفساد ، اذ ليس لمدّعي الصحة هنا وهو المضمون له اصل يستند اليه ، ولا ظاهر حال ـ يعوّل عليه ـ على ما عرفت سابقا ـ (وبه قال الشافعي) ايضا (لأصالة عدم البلوغ) واذا اثبت عدم بلوغه لم يثبت له ظهور حال المسلم في الصحة ، فيقدّم قول مدعي الفساد مع يمينه (وقال أحمد) بن حنبل هنا : (القول قول المضمون له ، لأنّ الأصل صحة الفعل وسلامته ، كما لو اختلفا في شرط مبطل) فانه سوّى بين الشك الراجع الى اركان العقد ، والشك الراجع الى طروّ المفسد ، ولم يفرق كالمحقق والعلامة بينهما.

هذا (والفرق) بين الشكّين هو : (أنّ المختلفين في الشرط المفسد) إنّما (يقدّم فيه قول مدّعي الصحة) لدليلين :

أولا : (لاتفاقهما على أهليّة التصرّف) بسبب تمامية أركان العقد ، ومع تمامية أركان العقد تجري أصالة الصحة في العقود.

ثانيا : ظهور حال من له أهليّة التصرّف في الصحة (إذ من له أهليّة التصرّف لا يتصرّف إلّا تصرّفا صحيحا) واذا كان هذان الدليلان في فرض الاختلاف

٨٢

فكان القول قول مدّعي الصحة ، لأنّه مدّع للظاهر. وهنا اختلفا في أهليّة التصرّف ، فليس مع من يدّعي الأهليّة : ظاهر يستند اليه ، ولا أصل يرجع اليه.

وكذا لو ادّعى أنّه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد» ، انتهى موضع الحاجة.

لكن لم يعلم الفرق بين دعوى الضامن الصغر وبين دعوى

______________________________________________________

في الشرط المفسد لمدّعي الصحة (فكان القول قول مدّعي الصحة ، لأنّه مدّع للظاهر) اضافة الى اصالة الصحة في العقود بعد تسالمهما على تمامية اركانه كما عرفت.

هذا فيما لو اختلفا في الشروط : واما لو اختلفا في الاركان ، فليس لمدّعي الصحة الدليلان المذكوران كما قال : (وهنا اختلفا في أهليّة التصرّف) وهي من اركان العقد ، واذا كان الاختلاف في الاركان (فليس مع من يدّعي الأهليّة : ظاهر يستند اليه ، ولا أصل يرجع اليه) فيقدّم قول مدّعي الفساد مع يمينه ، ولهذا فرّق المحقق والعلّامة بين الشكّين.

(وكذا لو ادّعى أنّه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد» (١)) لوضوح : ان الرشد ركن في صحة المعاملات والعقود ، فقد قال سبحانه : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (٢) ومع الشك في الركن يقدّم قول مدّعي الفساد (انتهى موضع الحاجة) من كلام العلّامة في التذكرة.

هذا هو الفرق بين الشكين (لكن لم يعلم الفرق بين دعوى الضامن الصغر) حيث حكم المحقق الثاني والعلامة بعدم جريان أصالة الصحة فيها (وبين دعوى

__________________

(١) ـ تذكرة الفقهاء : ج ١ ص ٨٧.

(٢) ـ سورة النساء : الآية ٦.

٨٣

البائع إيّاه ، حيث صرّح المحقق الثاني والعلامة بجريان أصالة الصحة وإن اختلفا بين من عارضها بأصالة عدم البلوغ وبين من ضعّف هذه المعارضة.

وقد حكي عن قطب الدين أنّه اعترض على شيخه العلّامة في مسألة الضمان

______________________________________________________

البائع إيّاه) أي : الصغر (حيث صرّح المحقق الثاني والعلامة بجريان أصالة الصحة) فيها ، مع انهما معا من الشك في المقتضي ، لاختلافهما في المثالين معا في الصغر الذي هو من اركان العقد (وإن اختلفا) أي : المحقق والعلامة (بين من عارضها) أي : عارض أصالة الصحة وهو العلامة (بأصالة عدم البلوغ) وقال : بتساقطهما (وبين من ضعّف هذه المعارضة) وقال بجريان أصالة الصحة وهو المحقق الثاني.

وكيف كان : فقد قال العلامة : «لو قال البائع : بعتك وانا صبي ، وقال المشتري : بعتني وانت بالغ ، احتمل تقديم قول المشتري ، لأصالة الصحة ، واحتمل تقديم قول البائع لأصالة عدم البلوغ ، فيتعارضان ويتساقطان ، فيرجع الى أصالة البراءة» أي : البراءة عن الزام احدهما الآخر ببطلان البيع ، لان المفروض ان العلامة يرى صحة البيع ، وقال المحقق الثاني : «ان أصالة عدم البلوغ ضعيفة ، لانهما قد أقرّا بالبيع ، فتجري أصالة الصحة ، فلا يبقى مجال الأصالة عدم البلوغ حتى يعارض» أي : يعارض بأصالة الصحة ويتساقطان ، فأشكل المصنّف : بانه ما الفرق بين الموردين حتى استدعى الصحة هنا ، والفساد هناك؟.

هذا (وقد حكي عن قطب الدين أنّه اعترض على شيخه العلّامة) القائل بأصالة الفساد عند الاختلاف في البلوغ وعدمه (في مسألة الضمان) اعتراضا

٨٤

بأصالة الصحة فعارضها بأصالة عدم البلوغ ، وبقي أصالة البراءة سليمة عن المعارض.

أقول : والأقوى بالنظر الى الأدلّة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال هو التعميم. ولذا لو شك المكلّف أنّ هذا الذي اشتراه هل اشتراه في حال صغره بنى على الصحة.

ولو قيل إنّ ذلك من حيث الشك في تمليك البائع البالغ ، وأنّه كان في محلّه أم كان فاسدا؟

______________________________________________________

(بأصالة الصحة) في العقود ، وذلك بأن قال لشيخه : ان الاصل في المعاملات الصحة لا الفساد (فعارضها) أي : عارض العلامة اصالة الصحة التي اعترض بها عليه تلميذه قطب الدين (بأصالة عدم البلوغ) واذا تعارضا تساقطا (وبقي أصالة البراءة سليمة عن المعارض) فتكون البراءة هي المحكّمة.

(أقول : والأقوى بالنظر الى الأدلّة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال) فيما اذا لم يعمل بأصالة الصحة (هو التعميم) لأصالة الصحة في الشكين ، وكذلك عدم التفريق بين الموردين المذكورين ، وذلك باجراء اصالة الصحة فيهما (ولذا لو شك المكلّف أنّ هذا الذي اشتراه) هو بنفسه (هل اشتراه في حال صغره) حتى يكون باطلا ، أو اشتراه في حال كبره حتى يكون صحيحا؟ (بنى على الصحة) حسب قول المشهور ، فانهم عمّموا جريان أصالة الصحة فيها بلا فرق بين الشك بالنسبة الى نفسه أو الشك بالنسبة الى الغير.

هذا (ولو قيل إنّ ذلك) أي : البناء على الصحة في معاملة نفسه هو : (من حيث الشك في تمليك البائع البالغ ، وأنّه كان في محلّه أم كان فاسدا؟) بمعنى : ان القول بجريان أصل الصحة عند شك الانسان في عمل نفسه إنّما هو : لأن طرفه

٨٥

جرى مثل ذلك في مسألة التداعي أيضا.

ثم إنّ ما ذكره جامع المقاصد : من أنّه لا وجود للعقد قبل استكمال أركانها إن أراد الوجود الشرعي فهو عين الصحة ، وإن أراد الوجود العرفي فهو متحقق

______________________________________________________

كان عند البيع بالغ قطعا ، وأصالة الصحة في عمل طرفه يقتضي الصحة من طرف أيضا وان شك هو في نفسه بانه هل كان بالغا أم لا؟.

قلنا : (جرى مثل ذلك في مسألة التداعي أيضا) فان في مورد دعوى احد المتعاملين الصغر ، ايضا ينبغي رعاية حال الطرف الآخر والحكم بالصحة ، لان الطرف لما كان بالغا جرت أصالة الصحة في حقه ، وتتلازم الصحة في عمل احدهما مع الصحة في عمل الآخر ، لان العقد لا يمكن ان يكون بالنسبة الى احدهما صحيحا وبالنسبة الى الآخر باطلا.

(ثم إنّ ما ذكره جامع المقاصد : من أنّه لا وجود للعقد قبل استكمال أركانها) فلا تجري أصالة الصحة فيما اذا شك ـ مثلا ـ في البلوغ وعدمه لانه من الاركان فما هو المراد من قوله : «لا وجود للعقد»؟ فانه (إن أراد الوجود الشرعي فهو) أي : الوجود الشرعي (عين الصحة) ونفسها ، ولا اثنينية بينهما ، فيكون معنى كلام المحقق : انه حيث لا وجود شرعي للعقد قبل استكمال الأركان فلا صحة ، فاشكل عليه المصنّف : بأنّ الصحة والوجود الشرعي ليس أمرين ، بل هما أمر واحد ، ومع احراز احدهما يحرز الآخر ، فلا يبقى شك ليجري فيه اصالة الصحة.

(وإن أراد الوجود العرفي) وذلك بان يكون معنى كلام المحقق : انه حيث لا وجود عرفي للعقد فلا صحة شرعي ، فاشكل عليه المصنّف بقوله : (فهو) أي : الوجود العرفي متحقق وان لم يكن صحيحا ، اذ الوجود العرفي (متحقق

٨٦

مع الشك ، بل مع القطع بالعدم.

وأمّا ما ذكره ـ من الاختلاف في كون المعقود عليه هو : الحرّ ، أو العبد؟ ـ فهو داخل في المسألة المعنونة في كلام القدماء والمتأخّرين ، وهي «ما لو قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحرّ» فراجع كتب الفاضلين والشهيدين.

وأمّا ما ذكره من أنّ الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال

______________________________________________________

مع الشك) في بعض الأركان كالبلوغ والعقل وما أشبه (بل مع القطع بالعدم) أيضا ، فانا اذا قطعنا بعدم بلوغ البائع وأجرى مع ذلك العقد ، قطعنا بان البيع قد حصل له وجود عرفي ، ومعه لا شك حتى يجري فيه اصالة الصحة.

هذا ما ذكره المحقق الكركي : «من انه لا وجود للعقد قبل استكمال اركانه» (وأمّا ما ذكره) مثالا لعدم جريان الصحة عند الشك في الاركان : (من الاختلاف في كون المعقود عليه هو : الحرّ ، أو العبد؟) فليس في محله.

وإنّما لم يكن في محله ، لانه قال بعده : «حلف منكر وقوع العقد على العبد» أي : يسلّم الحكم ببطلانه في حين اختلاف الاصحاب قديما وحديثا فيه ، ولذا اشكل عليه المصنّف بقوله : (فهو داخل في المسألة المعنونة في كلام القدماء والمتأخّرين ، وهي «ما لو قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحرّ») حيث قال في الشرائع : «اذا قال : بعتك بعبد فقال : بل بحرّ ، فالقول قول من يدّعي صحة العقد مع يمينه» وقال في المسالك : «ويشكل ذلك مع التعيين ، بان قال : بعتك بهذا العبد ، فقال : بل بهذا الحرّ». فانه يظهر من ذلك : الاختلاف في هذه المسألة ، فكيف جعل جامع المقاصد هذه المسألة مسلّمة وقاس عليها فيما اذا اختلفا في البلوغ؟ واذا أردت الاطلاع الاكثر (فراجع كتب الفاضلين والشهيدين) وغيرهما.

(وأمّا ما ذكره) المحقق الثاني : (من أنّ الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال

٨٧

المذكور ، لا مطلقا ، فهو إنّما يتم اذا كان الشك من جهة بلوغ الفاعل ، ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ يستلزم صحة فعله ، صحة فعل هذا الفاعل.

كما لو شك في أنّ الابراء أو الوصيّة ، هل صدر منه حال البلوغ أم قبله.

أمّا اذا كان الشك في ركن آخر من العقد ، كأحد العوضين ،

______________________________________________________

المذكور) فهو ليس بتامّ ايضا ، وذلك لان ظهور حال المسلم في الصحة على قول المحقق صار متوقفا على ما اذا استكمل العقد تمام المقتضي وكان الشك في الرافع والمانع والمفسد (لا مطلقا) فانه ليس هناك في مقام الشك في المقتضي ظهور ، فاشكل عليه المصنّف بقوله : (فهو) أي : التوقف المذكور (إنّما يتم اذا كان الشك من جهة بلوغ الفاعل ، ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ) بحيث (يستلزم صحة فعله ، صحة فعل هذا الفاعل) المشكوك البلوغ ، فانه كما سبق : ان الصحة في احد طرفي العقد يلازم الصحة في الطرف الآخر ايضا.

والحاصل : ان التوقف إنّما يتمّ اذا لم يكن احد الطرفين جامعا للشرائط ، فاذا كان جرت الصحة في الطرف الآخر ، سواء كان الشك في المقتضي والاركان ، أم في المانع وطروّ المفسد ، وسواء كان في الضمان ام البيع ام غير ذلك؟.

ثم مثّل المصنّف لقوله : «ولم يكن هناك طرف آخر» مثالا وهو : (كما لو شك في أنّ الابراء ، أو الوصيّة ، هل صدر منه حال البلوغ) حتى يكون صحيحا (أم قبله) أي : قبل البلوغ حتى يكون باطلا؟ فانه لا مورد هنا للتمسك بظهور حال المسلم البالغ ، اذ لا بالغ مقطوع به في المقام حتى يقال : بان ظاهر هذا الطرف الصحة ، فيتعدّى منه الى الصحة في الطرف الآخر المشكوك بلوغه ـ مثلا ـ.

(أمّا اذا) علم تمامية بعض اركان العقد وكمال طرف منه ، لكن (كان الشك في ركن آخر من العقد ، كأحد العوضين) بان اختلفا ـ مثلا ـ في انه هل كان مملوكا

٨٨

أو في أهليّة أحد طرفي العقد فيمكن أن يقال : إنّ الظاهر من الفاعل في الاول ومن الطرف الآخر في الثاني أنّه لا يتصرّف فاسدا.

نعم ، مسألة الضمان يمكن أن يكون من الأوّل إذا فرض وقوعه بغير إذن من المديون ولا قبول من الغريم ، فانّ الضامن حينئذ فعل واحد ، وشك في صدور من بالغ أو غيره وليس له طرف آخر ، فلا ظهور في عدم كون تصرفه فاسدا.

______________________________________________________

حتى يصح البيع ، أو حرا حتى يبطل؟ (أو في أهليّة أحد طرفي العقد) بان اختلفا ـ مثلا ـ في بلوغه وعدم بلوغه (فيمكن أن يقال : إنّ الظاهر من الفاعل في الاول) أي : فيما كان الشك في احد العوضين (ومن الطرف الآخر في الثاني) أي : فيما كان الشك في أهلية أحد المتعاقدين هو : (أنّه لا يتصرّف فاسدا) بل صحيحا ، والصحة من طرف يستلزم الصحة من الطرف الآخر ، فيلزم منه ، ومن اصالة الصحة في العقود ، تقديم قول المدعي الصحة وان كان الشك في الاركان.

(نعم ، مسألة الضمان يمكن أن يكون من) المثال (الأوّل) وهو : ما اذا كان له طرف واحد فقط ، ثم حدث الشك في هذا الطرف الواحد بانه هل كان بالغا ـ مثلا ـ أم لا؟ وذلك فيما (إذا فرض وقوعه) أي : وقوع الضمان (بغير إذن من المديون) فلا المديون قد أذن له حتى يكون له طرفان : الضامن والمديون (ولا قبول من الغريم) وهو الدائن ، بل تبرّع الضامن هو من نفسه (فانّ الضامن حينئذ فعل واحد ، و) لا طرف آخر له ، فلو (شك في صدور من بالغ أو غيره) أي : غير بالغ ـ مثلا ـ (و) الحال انه (ليس له طرف آخر) مقطوع البلوغ حتى يتعدّى منه الصحّة الى هذا الطرف المشكوك البلوغ ، ومعه (فلا ظهور في عدم كون تصرفه فاسدا) لانه حسب الفرض لا طرف له.

٨٩

لكنّ الظاهر : أنّ المحقق لم يرد خصوص ما كان من هذا القبيل ، بل يشمل كلامه الصورتين الأخيرتين فراجع.

نعم ، يحتمل ذلك في عبارة التذكرة.

ثمّ إنّ

______________________________________________________

هذا (لكنّ الظاهر) المستفاد من العبارة هو : (أنّ المحقق لم يرد خصوص ما كان من هذا القبيل) الذي له طرف واحد (بل يشمل كلامه) أي : كلام المحقق بعدم جريان اصل الصحة (الصورتين الأخيرتين) ايضا ، وهما : ما اذا كان الشك في ركن آخر من العقد كأحد العوضين ، وما اذا كان الشك في اهلية احد طرفي العقد ، وهاتان الصورتان يشتركان في كونهما ذا طرفين ، وفي انهما من الشك في الأركان ، وقد قال المحقق بعدم جريان أصل الصحة لو كان الشك في الاركان (فراجع) كلام المحقق لتعرف أنّه يشمل حتى هاتين الصورتين.

(نعم ، يحتمل ذلك) أي : ارادة خصوص الصورة الاولى ذي الطرف الواحد فقط (في عبارة التذكرة) للعلامة ، فان عبارته المتقدمة صالحة للحمل على الصورة الاولى فحسب ، وهي : صورة دعوى الضامن الصغر ـ مثلا ـ مع عدم إذن من المديون ، ولا قبول من الغريم ، دون الصورتين الاخيرتين ، وذلك لأنه رحمه‌الله لم يقيّد ـ كما قيد المحقق ـ ظهور حال المسلم في الصحة بصورة استكمال الاركان ، حتى تشمل عبارته الصورتين الاخيرتين ايضا.

(ثمّ إنّ) تقييد المحقق ظهور حال المسلم بصورة استكمال الاركان ، وحصره تقديم قول مدعي الصحة بصورة الاختلاف والشك في الشرط المفسد ، يرجع الى ابطال أصالة الصحة رأسا ، وذلك لأنّ تقديم قول منكر الشرط المفسد وان كان نتيجته الصحة ، إلّا انه ليس لأن الاصل الصحة ، بل لان الشرط صحيحا كان

٩٠

تقديم قول منكر الشرط المفسد ليس تقديم قول مدّعي الصحة ، بل لأنّ القول قول منكر الشرط ، صحيحا كان أو فاسدا ، لأصالة عدم الاشتراط ، ولا دخل لهذا بحديث أصالة الصحة وإن كان مؤدّاه صحة العقد فيما كان الشرط المدّعى مفسدا.

هذا ، ولا بدّ من التأمّل والتتبّع.

______________________________________________________

أو فاسدا اذا شك في وجوده وعدمه ، كان الأصل عدمه.

وعليه : فان (تقديم قول منكر الشرط المفسد) للعقد (ليس تقديم قول مدّعي الصحة ، بل) أي تقديم قوله إنّما هو (لأنّ القول قول منكر الشرط ، صحيحا كان) ذلك الشرط كشرط الخيار ـ مثلا ـ (أو فاسدا) كان ، كشرط عدم انتقال المبيع إلى المشتري ـ مثلا ـ.

وإنّما القول هنا قول منكر الشرط (لأصالة عدم الاشتراط) فان الشرط أمر حادث ، فإذا شك فيه فالأصل عدمه (ولا دخل لهذا) أي : لأصل عدم الاشتراط (بحديث أصالة الصحة) إذ هو تمسك باستصحاب عدم الشرط ، لا بأصالة الصحة (وإن كان مؤدّاه) أي : مؤدّى استصحاب عدم الشرط هو : (صحة العقد فيما كان الشرط المدّعى مفسدا) للعقد ، وذلك بأن كان خلافا للكتاب والسنة ، أو خلافا لمقتضى العقد.

(هذا) هو بعض الكلام في أصالة الصحة وانها هل تجري مطلقا ، سواء كان الشك في المقتضي ، أم في المانع ، أو لا تجري إلّا في صورة الشك في المانع فقط؟ (ولا بدّ من التأمّل والتتبّع) لأقوال الفقهاء حتى يظهر انهم ما ذا فهموا من السيرة وغيرها من الأدلة التي تقدمت دليلا على أصالة الصحة؟.

٩١

الثالث :

إنّ هذا الأصل إنّما يثبت صحة الفعل إذا وقع الشك في بعض الامور المعتبرة شرعا في صحته بمعنى : ترتّب الأثر المقصود منه عليه ، فصحّة كلّ شيء بحسبه.

مثلا : صحة الايجاب عبارة عن كونه بحيث لو تعقّبه قبول صحيح لحصل أثر العقد

______________________________________________________

الأمر (الثالث : إنّ) الصحة في المقام يراد بها : ترتيب الأثر المطلوب من الفعل على ذلك الفعل ، لا ترتيب أثر شيء آخر عليه ، فإذا شك ـ مثلا ـ في عقد الفضولي ، رتّب عليه النقل والانتقال إذا لحقته الاجازة ، لأن النقل والانتقال من آثار صحة العقد ، وأما إذا شك في ان المالك هل أجاز أم لا؟ لم يرتّب على صحة العقد ان المالك أجاز ، لأن اجازة المالك ليست من آثار صحة العقد.

وعليه : فإنّ (هذا الأصل) أي : أصل الصحة (إنّما يثبت صحة الفعل إذا وقع الشك في بعض الامور المعتبرة شرعا في صحته) كما إذا شك في انه هل عقد بالعربية أو بالفارسية ، أو كان حين العقد بالغا أو غير بالغ ، أو باع الحر أو العبد ، إلى غير ذلك؟ (بمعنى : ترتّب الأثر المقصود منه عليه) أي : على ذلك الفعل ، لا ترتّب شيء آخر عليه ، وإذا كان كذلك (فصحّة كلّ شيء بحسبه) لأن الصحة كما عرفت هو ترتيب الأثر ، والأشياء مختلفة في ترتيب الآثار عليها ، فالأثر المترتّب على الايجاب وحده غير الأثر المترتب عليه مع القبول ، وهكذا.

(مثلا : صحة الايجاب عبارة عن كونه) أي : كون الايجاب (بحيث لو تعقّبه قبول صحيح لحصل أثر العقد) فيما إذا كانا جامعين لكل الشرائط فاقدين لكل

٩٢

في مقابل فاسده الذي لا يكون كذلك ، كالايجاب بالفارسي بناء على القول باعتبار العربية ، فلو تجرّد الايجاب عن القبول ، لم يوجب ذلك فساد الايجاب.

فإذا شك في تحقّق القبول من المشتري بعد العلم بصدور الايجاب من البائع ، فلا يقضي أصالة الصحة في الايجاب بوجود القبول ، لأنّ القبول معتبر في العقد لا في الايجاب.

وكذا لو شك في تحقّق القبض في الهبة ، أو في الصرف ، أو السلم بعد العلم بتحقّق الايجاب والقبول لم يحكم بتحققه ، من حيث أصالة صحة العقد.

______________________________________________________

الموانع ، وذلك (في مقابل فاسده) أي : فاسد الايجاب (الذي لا يكون كذلك) يعني : انه لا يترتب عليه الأثر (كالايجاب بالفارسي بناء على القول باعتبار العربية) أو الايجاب بالعربية الدارجة إذا اشترطنا العربية الفصحى في الايجاب.

وعليه : (فلو تجرّد الايجاب عن القبول ، لم يوجب ذلك فساد الايجاب) بما هو هو ، لأن الايجاب قد عمل أثره المترقّب منه ، وهو الأهلية لأن يكون جزء السبب ، ومعه (فإذا شك في تحقّق القبول من المشتري بعد العلم بصدور الايجاب من البائع ، فلا يقضي أصالة الصحة في الايجاب) الحكم (بوجود القبول) من المشتري ، وذلك (لأنّ القبول معتبر في العقد لا في الايجاب) وحده.

(وكذا لو شك في تحقّق القبض في الهبة ، أو في الصرف ، أو السلم) حيث ان كل ذلك مشروط صحته بالقبض كما ذكروه في الفقه ، وذلك (بعد العلم بتحقّق الايجاب والقبول) فانه لو شك فيه بعدهما (لم يحكم بتحققه) أي : تحقق القبض (من حيث أصالة صحة العقد) لأنّ أصالة صحة العقد ـ كما عرفت ـ

٩٣

وكذا لو شك في إجازة المالك لبيع الفضولي لم يصح احرازها بأصالة الصحة.

وأولى بعدم الجريان ما لو كان العقد في نفسه لو خلّي وطبعه مبنيّا على الفساد ، بحيث يكون المصحّح طاريا عليه ، كما لو ادّعى بائع الوقف وجود المصحّح له ، وكذا الراهن أو المشتري من الفضولي

______________________________________________________

لا يثمر القبض.

(وكذا لو شك في إجازة المالك لبيع الفضولي لم يصح احرازها) أي احراز الاجازة (بأصالة الصحة) في العقد ـ وذلك لما عرفت أيضا ـ.

(وأولى بعدم الجريان) أي : عدم جريان أصالة الصحة (ما لو كان العقد في نفسه لو خلّي وطبعه) أي : من دون عروض عارض مصحّح عليه (مبنيّا على الفساد ، بحيث يكون المصحّح طاريا عليه) كبيع الوقف ، فانه ما لم يطرأ عليه مسوّغات البيع لا يجوز بيعه ، فبيع الوقف مبني على الفساد.

وإنّما كان هذا أولى بعدم جريان الصحة ، لأن العقد ونفسه لا يوجب طروّ المصحّح عليه ، وذلك (كما لو ادّعى بائع الوقف وجود المصحّح له) أي : لبيع الوقف ، والمصحّح لبيع الوقف هو ما ذكروه في الفقه من المسوّغات العارضة على الوقف ، فإذا باع أحد الوقف ولم يعلم هل له ما يسوّغ بيعه أم لا؟ لا يمكن القول بوجود المسوّغ من جهة اجراء أصالة الصحة في العقد.

(وكذا) لو باع (الراهن) العين المرهونة ولم يعلم هل البيع كان باجازة المرتهن أم لا؟ (أو) اشترى (المشتري من الفضولي) ولم يعلم هل أجاز المالك أم لا؟ فان هذين العقدين لو خلّي وطبعهما من دون اجازة المرتهن والمالك ، اقتضى الفساد ، فأصالة الصحة في العقد لا يوجب في هذين العقدين احراز

٩٤

إجازة المرتهن والمالك.

وممّا يتفرّع على ذلك أيضا أنّه لو اختلف المرتهن الآذن في بيع الرهن ، والراهن البائع له ، بعد اتفاقهما على رجوع المرتهن عن إذنه في تقديم الرجوع على البيع ، فيفسد أو تأخّره فيصح ـ فلا يمكن أن يقال ، كما قيل : من أنّ أصالة صحة الاذن يقضي بوقوع البيع صحيحا ، ولا أنّ أصالة صحة الرجوع يقضي بكون البيع فاسدا ، لأنّ الإذن والرجوع كلاهما قد فرض

______________________________________________________

(إجازة المرتهن والمالك) وإنّما يلزم احراز اجازتهما من الخارج ، وكذلك يلزم احراز صحة بيع الوقف من الخارج أيضا ، فالفساد في هذه العقود حاصل بالطبع ولا يرفعه أصالة صحة العقد.

(وممّا يتفرّع على ذلك أيضا) أي : على الذي ذكرناه : من ان أصل الصحة لا يثبت شيئا آخر غير ، أثر العقد ، وان صحة الجزء لا يثبت صحة الكل (أنّه لو اختلف المرتهن الآذن في بيع الرهن ، والراهن البائع له ، بعد) الاتفاق منهما على صدور الاذن ، وبعد (اتفاقهما على رجوع المرتهن عن إذنه) وإنّما اختلفا (في تقديم الرجوع على البيع ، فيفسد) البيع ، لأنه صدر بلا إذن (أو تأخره) أي : تأخر الرجوع عن البيع (فيصح) البيع؟.

وحينئذ : (فلا يمكن أن يقال ، كما قيل :) عن صاحب الجواهر : (من أنّ أصالة صحة الاذن يقضي بوقوع البيع صحيحا) وذلك بأن يقال : ان من مقتضيات صحة الاذن : وقوع البيع قبل رجوع الآذن عن اذنه فيكون صحيحا (ولا أنّ أصالة صحة الرجوع يقضي بكون البيع فاسدا) وذلك بأن يقال : ان من مقتضيات صحة رجوع الآذن : وقوع البيع بعد الرجوع عن الاذن ، فيكون فاسدا.

وإنّما قلنا : لا يمكن القول بذلك (لأنّ الإذن والرجوع كلاهما قد فرض

٩٥

وقوعهما على الوجه الصحيح ، وهو صدوره عمّن له أهليّة ذلك والتسلط عليه.

فمعنى ترتب الأثر عليهما أنّه لو وقع فعل المأذون عقيب الإذن ترتّب عليه الأثر ولو وقع فعله بعد الرجوع كان فاسدا.

أمّا لو لم يقع عقيب الأوّل فعل ، بل وقع في زمان ارتفاعه ، ففساد هذا الواقع لا يخلّ بصحة الإذن ، وكذا لو فرض عدم وقوع الفعل عقيب الرجوع فانعقد صحيحا ، فليس هذا من جهة فساد الرجوع ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

وقوعهما على الوجه الصحيح ، و) معنى وقوعهما على الوجه الصحيح : (هو صدوره عمّن له أهليّة ذلك) الاذن والرجوع (والتسلط عليه) أي : بأن كان الآذن مسلطا على الاذن ، والراجع مسلّطا على الرجوع.

وعليه : (فمعنى ترتب الأثر عليهما) أي : على الاذن والرجوع هو : (أنّه لو وقع فعل المأذون عقيب الإذن ترتّب عليه الأثر) الذي هو صحة البيع (ولو وقع فعله) أي : فعل المأذون (بعد الرجوع) من الآذن في اذنه (كان) أثره وقوع البيع (فاسدا) ومن المعلوم : ان أصل الصحة بهذا المعنى موجود في الاذن وفي الرجوع.

(أمّا لو لم يقع عقيب الأوّل) أي : عقيب الاذن (فعل) أي : فعل البيع (بل وقع) ذلك الفعل (في زمان ارتفاعه) أي : ارتفاع الاذن ، بأن رجع الآذن عن اذنه (ففساد هذا) البيع (الواقع) بعد رجوع الآذن عن اذنه (لا يخلّ بصحة الإذن) كما هو واضح.

(وكذا لو فرض عدم وقوع الفعل عقيب الرجوع) بأن كان البيع قبل الرجوع (فانعقد) البيع (صحيحا ، فليس هذا من جهة فساد الرجوع ، كما لا يخفى)

٩٦

نعم ، بقاء الاذن إلى أن يقع البيع ، قد يقضي بصحته ، وكذا أصالة عدم البيع قبل الرجوع ربما يقال : إنّها يقضي بفساده.

لكنّهما لو تمّا لم يكونا من أصالة صحة الإذن بناء على ان عدم وقوع البيع بعده يوجب لغويّته ، ولا من أصالة صحة الرجوع التي تمسّك بهما بعض المعاصرين

______________________________________________________

على من له تأمل في البحث.

وعليه : فقول صاحب الجواهر : ان أصالة الصحة في الاذن يقتضي وقوع البيع صحيحا ، وان أصالة الصحة في الرجوع يقتضي وقوع البيع فاسدا ، محلّ نظر.

(نعم ، بقاء الاذن) من الآذن بالاستصحاب (إلى أن يقع البيع ، قد يقضي بصحته) أي : صحة البيع (وكذا أصالة عدم البيع قبل الرجوع) عن الاذن للاستصحاب (ربما يقال : إنّها) أي : أصالة عدم البيع على ما قاله صاحب الجواهر (يقضي بفساده) أي : فساد البيع أيضا.

(لكنّهما لو تمّا) أي : تمّ هذان الأصلان : أصل بقاء الاذن ، وأصل عدم البيع قبل الرجوع فهما من الاستصحاب ، لا من أصالة الصحة ، وقال : «لو تمّا» لأنهما من الأصل المثبت ، والأصل المثبت ليس بحجة ، فانه على فرض تماميتهما (لم يكونا من أصالة صحة الاذن) وان انتج أصل بقاء الاذن صحة البيع.

وإنّما لم يكن أصل بقاء الاذن من أصالة الصحة وان انتج صحة البيع (بناء على ان عدم وقوع البيع بعده) أي : بعد الاذن (يوجب لغويّته) أي : لغوية الاذن ، واحترازا من لغوية الاذن جعل صاحب الجواهر أصل بقاء الاذن من أصل الصحة (ولا) ان أصالة عدم البيع قبل الرجوع عن الاذن المقتضي لفساد البيع (من أصالة صحة الرجوع التي تمسّك بهما بعض المعاصرين) وهو صاحب الجواهر ، فانه

٩٧

تبعا لبعض.

والحقّ في المسألة ما هو المشهور : من الحكم بفساد البيع وعدم جريان أصالة الصحة في المقام ، لا في البيع ، كما استظهره الكركي ولا في الإذن ، ولا في الرجوع.

______________________________________________________

جعل أصالة عدم البيع من أصالة صحة الرجوع مع انه لم يكن منها ، احترازا من لغوية الرجوع لو لم يقع البيع بعده ، وذلك (تبعا لبعض) آخر من الفقهاء.

والحاصل : ان صاحب الجواهر تصور ان صحة الاذن عبارة عن وقوع البيع بعده ، حتى إذا لم يقع البيع بعده لم يكن الاذن صحيحا ، وكذلك صحة الرجوع عبارة عن تأخر البيع عنه ، فإذا لم يتأخر البيع عنه لم يكن الرجوع صحيحا ، لكن ما تصوّره صاحب الجواهر غير تام ، إذ قد عرفت : ان صحة الاذن عبارة عن كونه بحيث لو وقع البيع بعده لصحّ ، لا ان الصحة تقتضي وقوع البيع بعده فعلا ، وكذلك صحة الرجوع معناها : كون الرجوع بحيث لو تأخر البيع عنه لفسد ، لا أنّه متأخر عنه فعلا.

(والحقّ في المسألة) أي : المسألة التي ذكرها صاحب الجواهر (ما هو المشهور : من الحكم بفساد البيع) فان البيع إنّما يصح إذا وقع قبل رجوع الآذن ، والمفروض : عدم العلم به ، فيحكم بفساده (وعدم جريان أصالة الصحة في المقام ، لا في البيع ، كما استظهره الكركي) أي : المحقق الثاني قدس‌سره (ولا في الإذن) بعد الاتفاق على صدوره (ولا في الرجوع) عن الاذن أيضا ، فانه لو علم برجوع الآذن ، لكن لم يعلم هل ان رجوعه كان قبل البيع أو كان بعده؟ حكم بفساد البيع لعدم جريان الصحة فيه.

٩٨

أمّا في البيع ، فلأنّ الشك إنّما وقع في رضا من له الحق ، وهو المرتهن ، وقد تقدّم : أنّ صحة الايجاب والقبول لا يقضي بتحقق الرضا ممن يعتبر رضاه ، سواء كان مالكا كما في البيع الفضولي ، أم كان له حقّ في المبيع كالمرتهن.

وأمّا في الإذن ، فيما عرفت من أنّ صحّته يقضي بصحة البيع إذا فرض وقوعه عقيبه لا بوقوعه عقيبه ، كما أنّ صحة الرجوع يقضي بفساد ما يفرض وقوعه بعده ، لا أنّ البيع وقع بعده.

______________________________________________________

(أمّا) عدم جريان أصالة الصحة (في البيع) نفسه (فلأنّ الشك إنّما وقع في رضا من له الحق ، وهو المرتهن) وإذا لم نعلم برضاه لم يتمكن من الحكم بصحة البيع (وقد تقدّم : أنّ صحة الايجاب والقبول) المقتضي لصحة العقد (لا يقضي بتحقق الرضا ممن يعتبر رضاه) في صحة العقد (سواء كان) من يعتبر رضاه (مالكا كما في البيع الفضولي ، أم كان له حقّ في المبيع كالمرتهن) أو كالمتولي للوقف ، أو القيّم على أموال الأيتام ، أو ما أشبه ذلك؟.

(وأمّا) عدم جريان أصالة الصحة (في الإذن ، فيما عرفت) أيضا : (من أنّ صحّته يقضي بصحة البيع إذا فرض وقوعه عقيبه) أي : وقوع البيع عقيب الاذن (لا) انه يقضي (بوقوعه عقيبه) فعلا ، فان وقوع البيع عقيب الاذن إنّما يلزم أن يعرف من الخارج.

(كما أنّ صحة الرجوع يقضي بفساد ما يفرض وقوعه بعده) أي : بعد الرجوع ، لكنه (لا) يقضي (أنّ البيع وقع بعده) أي : بعد الرجوع فان ذلك يلزم أن يعرف من الخارج.

٩٩

والمسألة بعد محتاجة إلى التأمّل ، بعد التتبّع في كلمات الأصحاب.

الرابع :

إنّ مقتضى الأصل ترتيب الشاك جميع ما هو من آثار الفعل الصحيح عنده.

______________________________________________________

(و) كيف كان : فان (المسألة بعد محتاجة إلى التأمّل ، بعد التتبع في كلمات الأصحاب) رضوان الله عليهم ، وهذا تأدّب من المصنّف امام صاحب الجواهر ـ كما لا يخفى ـ وإلّا فالمطلب حسب القواعد على نحو ما ذكره المصنّف.

الأمر (الرابع :) في البحث عن مطلبين وهما :

١ ـ ترتيب جميع الآثار على ما اجري فيه أصالة الصحة.

٢ ـ احراز العنوان على العمل المأتي به.

وعليه : فلو ان شخصا صلّى أو صام أو حج عن الميت أو حج عن الحي الذي لا يتمكن من الحج ، ثم شككنا في صحته وفساده ، فهل يشترط في جريان الصحة احراز العنوان على العمل المأتي به أم لا؟ وإذا أحرزنا العنوان فهل يحمل على الصحيح بأن لا يحتاج الوصي ولا الولي إلى اعطاء صلاة وصيام وحج عن الميت مرة اخرى ، وكذا لا يحتاج الحي إلى الاستنابة ثانيا ، أو لا يحمل على الصحيح؟ احتمالان.

قال المصنّف : (إنّ مقتضى الأصل) أي : أصل الصحة في عمل الغير هو : (ترتيب الشاك جميع ما هو من آثار الفعل الصحيح عنده) بحيث يسقط التكليف عن الشاك فيما إذا كان التكليف كفائيا ، ويستحق الفاعل الاجرة فيما إذا كان العمل جائز الاستنابة ، وكان أخذ الاجرة عليه جائزا.

١٠٠