الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-14-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

لفرعيّته فيه» ، انتهى.

وليت شعري! هل نجاسة الماء إلّا من أحكام الميتة؟ فأين الأصالة والفرعية ، وتبعه في ذلك بعض من عاصرناه ، فحكم في الجلد المطروح بأصالة الطهارة وحرمة الصلاة فيه.

ويظهر ضعف ذلك ممّا تقدّم.

______________________________________________________

(لفرعيّته فيه» (١)) أي : لفرعية الحكم في كل منهما ، لأنه كان ثانيا وبالعرض ، فلا يجري الاستصحاب فيه.

وعليه : فيكون خلاصة قوله بالجمع هو : أن نعمل بأصالة الطهارة في الماء دون الصيد ، فلا نقول بحلّية الصيد ، وكذلك نعمل بأصالة عدم التذكية في الصيد دون الماء ، فلا نقول بنجاسة الماء ، وبذلك نكون قد جمعنا بين الأصلين : السببي والمسبّبي (انتهى) كلام الايضاح.

(وليت شعري) أي : ليت علمي ـ كما في كتاب العين للخليل ـ (هل نجاسة الماء إلّا من أحكام الميتة؟ فأين الأصالة والفرعية) حتى نفكّك بينهما؟.

(وتبعه) أي : تبع الايضاح (في ذلك) التقريب الذي قرّب به الجمع بين الأصلين : السببي والمسبّبي (بعض من عاصرناه) وهو صاحب القوانين المحقّق القمي رحمه‌الله (فحكم في الجلد المطروح) في أرض يشك معه في تذكية الجلد (بأصالة الطهارة) في ذلك الجلد ، فلا يتنجّس ملاقيه (وحرمة الصلاة فيه) أي : في ذلك الجلد ، وذلك لأصالة الاشتغال في الصلاة إلّا ما إذا أحرز حلّية وطهارة لباس المصلي.

(ويظهر ضعف ذلك مما تقدّم) من انه لا تفكيك بين الأمرين ، لوضوح :

__________________

(١) ـ إيضاح الفوائد في شرح القواعد : ج ١ ص ٢٤.

٢٠١

وأضعف من ذلك حكمه في الثوب الرطب المستصحب النجاسة المنشور على الأرض بطهارة الأرض ، إذ لا دليل على أنّ النجس بالاستصحاب منجّس.

وليت شعري! إذا لم يكن النجس بالاستصحاب

______________________________________________________

انّ الشك في تنجّس الملاقي لهذا الجلد ، وكذا الشك في جواز الصلاة مع هذا الجلد ، كلاهما مسبّبان عن الشك في التذكية ، فان أجرينا استصحاب عدم التذكية يلزم القول بتنجّس الملاقي ، وبعدم جواز الصلاة فيه معا ، وإلّا فلا ، وحينئذ لا معنى لترتب أحد الأثرين الذي هو حرمة الصلاة مع هذا الجلد ، دون الأثر الآخر الذي هو تنجس ملاقيه.

(وأضعف من ذلك حكمه) أي حكم المحقق القمّي رحمه‌الله (في الثوب الرطب المستصحب النجاسة المنشور على الأرض) حكما (بطهارة الأرض) مع ان النجس الرطب يسري نجاسته إلى ما يلاقيه.

قال : (إذ لا دليل على أنّ النجس بالاستصحاب منجّس) ممّا يظهر منه ان المحقّق القمي يرى ان النجس ، المعلوم بالوجدان أو بالبينة منجّس لا غيره ، فإذا استصحبنا نجاسة الثوب فيما لو لم نعلم هل طهّره أحد أو لم يطهّره؟ لا يكون منجّسا.

هذا هو ما يراه المحقّق القمي هنا من الجمع بين الاستصحابين : استصحاب طهارة الأرض ، واستصحاب نجاسة الثوب ، وأمّا كون هذا أضعف من سابقه ، فلتعليله الجمع بين الأصلين : السببي والمسبّبي بعدم الدليل على انّ مستصحب النجاسة منجّس.

قال المصنّف في جوابه : (وليت شعري إذا لم يكن النجس بالاستصحاب

٢٠٢

منجّسا ، ولا الطاهر به مطهّرا ، فكان كلّ ما ثبت بالاستصحاب لا دليل على ترتيب آثار الشيء الواقعي عليه ، لأنّ الأصل عدم تلك الآثار ، فأيّ فائدة في الاستصحاب؟.

وقال في الوافية في شرائط الاستصحاب : «الخامس : أن لا يكون هناك استصحاب في أمر ملزوم له

______________________________________________________

منجّسا ، ولا الطاهر به) أي : بالاستصحاب كالماء المستصحب الطهارة (مطهّرا) على ما يظهر من كلام القمي.

إذن : (فكان كلّ ما ثبت بالاستصحاب لا دليل على ترتيب آثار الشيء الواقعي عليه) فلا يترتب على مستصحب النجاسة آثار النجس ، كما لا يترتب على مستصحب الطهارة آثار الطاهر ، وهكذا.

وإنّما يستلزم هذا الجمع عدم ترتيب الآثار الشرعية لكل ما يثبت بالاستصحاب (لأنّ الأصل عدم تلك الآثار) الحادثة التي نريد ترتيبها بسبب الاستصحاب ، كترتيب الطهارة على الثوب النجس المغسول بماء مستصحب الطهارة ، وترتيب النجاسة على الأرض الطاهرة المنشور عليها الثوب الرطب المستصحب الطهارة ، وهكذا ، ومعه (فأيّ فائدة في الاستصحاب؟) علما بأنّ الاستصحاب إنّما هو لترتيب الآثار ، فإذا لم يفد ذلك لغى الاستصحاب بالمرّة ، وذلك ما لا يقول به أحد.

(وقال) صاحب كتاب الوافية وهو الفاضل التوني (في الوافية في شرائط الاستصحاب) ما يؤيّد قول المصنّف في تقديم الأصل السببي على المسبّبي ، فانه قال : («الخامس : أن لا يكون هناك) عند اجراء الاستصحاب في شيء كاستصحاب طهارة الأرض (استصحاب في أمر ملزوم له) أي : ملزوم لذلك

٢٠٣

بخلاف ذلك المستصحب مثلا : إذا ثبت في الشرع : أنّ الحكم بكون الشيء ميتة يستلزم الحكم بنجاسة الماء القليل الواقع فيه ، فلا يجوز الحكم بطهارة الماء القليل ونجاسة الحيوان في مسألة الصيد المرميّ الواقع فيه وأنكر بعض الأصحاب ثبوت هذا التلازم وحكم بنجاسة الصيد وطهارة الماء» ، انتهى.

______________________________________________________

الشيء كاستصحاب نجاسة الثوب الرطب المنشور على الأرض فيما لو كان (بخلاف ذلك المستصحب) وهو في مثالنا طهارة الأرض ، فان استصحاب طهارة الأرض يخالفه استصحاب نجاسة الثوب المنشور عليها.

قال : (مثلا : إذا ثبت في الشرع : أنّ الحكم بكون الشيء ميتة) كالصيد المشكوك ذكاته الواقع في الماء القليل ، فانه (يستلزم الحكم بنجاسة الماء القليل الواقع فيه) أي : الذي وقع فيه ذلك الصيد (فلا يجوز) الجمع بين الاستصحابين السببي والمسبّبي ، يعني : لا يجوز (الحكم بطهارة الماء القليل) لاستصحاب طهارته (ونجاسة الحيوان) لاستصحاب عدم التذكية (في مسألة الصيد المرميّ الواقع فيه) أي : في ذلك الماء ، فان الاستصحابين لا يجتمعان ، لأن الاستصحاب في الملزوم السببي يمنع من الاستصحاب في اللازم المسبّبي.

ثم قال : (وأنكر بعض الأصحاب ثبوت هذا التلازم) في ظاهر الشرع بين استصحاب عدم التذكية السببي ، وبين نجاسة الماء المسبّبي ، فلم يقل بتقديم الأصل السببي على المسبّبي ، بل جمع بين الأصلين على ما مرّ سابقا (و) لذلك (حكم بنجاسة الصيد وطهارة الماء» (١) ، انتهى) كلام الفاضل التوني ممّا يؤيّد

__________________

(١) ـ الوافية : مخطوط.

٢٠٤

ثمّ اعلم أنّه قد حكى بعض مشايخنا المعاصرين عن الشيخ علي في حاشية الروضة : «دعوى الاجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي».

ولعلّها مستنبطة حدسا من بناء العلماء واستمرار السيرة على ذلك ، إذ لا يعارض أحد استصحاب كرّية الماء باستصحاب بقاء النجاسة فيما يغسل به ،

______________________________________________________

ما ذكره المصنّف : من انه لا يمكن الجمع بين الأصلين المذكورين ، وإنّما يلزم تقديم الأصل السببي على الأصل المسبّبي.

(ثمّ اعلم أنّه قد حكى بعض مشايخنا المعاصرين) ولعله أراد به استاذه شريف العلماء رحمه‌الله (عن الشيخ علي) حفيد الشهيد الثاني (في حاشية الروضة : «دعوى الاجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي) كاستصحاب عدم التذكية (على الحكمي») كاستصحاب طهارة الماء ، فانه إذا كان هناك استصحاب موضوعي واستصحاب حكمي قدّم الاستصحاب الموضوعي على الاستصحاب الحكمي ، فيتقدّم استصحاب عدم التذكية على استصحاب طهارة الماء القليل الملاقي له.

(ولعلّها) أي : لعل دعوى الاجماع هذه من الشيخ علي ـ حفيد الشهيد الثاني ـ تكون (مستنبطة حدسا من بناء العلماء واستمرار السيرة على ذلك) لا حسا ، فكأن الشيخ علي تتّبع فتاوى العلماء في الجملة فوجد أنهم يقدّمون الأصل الموضوعي على الحكمي ، فظن انهم مجمعون على ذلك ، فادّعى الاجماع حدسا من فتاواهم (إذ) من المعلوم : انه (لا يعارض أحد استصحاب كرّية الماء) الذي هو استصحاب موضوعي (باستصحاب بقاء النجاسة فيما يغسل به)

٢٠٥

ولا استصحاب القلّة باستصحاب طهارة الماء الملاقي للنجس ، ولا استصحاب حياة الموكّل باستصحاب فساد تصرّفات وكيله.

لكنّك قد عرفت فيما تقدّم من الشيخ والمحقّق خلاف ذلك ، هذا

______________________________________________________

الذي هو استصحاب حكمي ، بل يقدّمون الاستصحاب الموضوعي على الحكمي ويحكمون بطهارة ما غسل به.

(ولا) يعارض أحد (استصحاب القلّة) في الماء ، الذي هو استصحاب موضوعي (باستصحاب طهارة الماء الملاقي للنجس) الذي هو استصحاب حكمي ، بل يقدّمون الأوّل على الثاني ويحكمون بنجاسة الماء المتلاقي مع النجس.

(ولا) يعارض أحد (استصحاب حياة الموكّل) الذي هو استصحاب موضوعي (باستصحاب فساد تصرّفات وكيله) الذي هو استصحاب حكمي ، بل انهم يستصحبون حياة الموكل الموضوعي ، ويحكمون بصحة تصرفاته الحكمي ، وإلى غير ذلك من الموارد الاخرى ، التي أفتى بها الفقهاء ، وحدس الشيخ علي ، الاجماع منها.

(لكنّك قد عرفت) انه لا اجماع في المسألة لوجهين :

الوجه الأوّل : انّه قد سبق (فيما تقدّم من الشيخ) الطوسي في المبسوط (والمحقّق) في المعتبر (خلاف ذلك) الذي ادّعاه الشيخ علي من الاجماع ، فان الشيخ الطوسي وكذلك العلّامة والمحقق قالوا بتعارض استصحاب حياة العبد مع استصحاب عدم وجوب الفطرة عنه ، ولم يقدّموا (هذا) الأصل الموضوعي وهو هنا : استصحاب الحياة ، على الحكمي.

٢٠٦

مع أنّ الاستصحاب في الشك السببي دائما من قبيل الموضوعي بالنسبة إلى الآخر ، لأنّ زوال المستصحب الآخر من أحكام بقاء المستصحب بالاستصحاب السببي ، فهو له من قبيل الموضوع للحكم ، فانّ طهارة الماء من أحكام الموضوع الذي حمل عليها زوال النجاسة عن المغسول به.

______________________________________________________

الوجه الثاني : (مع أنّ الاستصحاب في الشك السببي) سواء كان مورده في الموضوع كالأمثلة المتقدمة ، أو في الحكم كاستصحاب الطهارة للماء الذي غسل به ثوب نجس ، يكون (دائما من قبيل الموضوعي بالنسبة إلى الآخر) أي : إلى الاستصحاب المسبّبي.

وذلك (لأنّ زوال المستصحب الآخر) المسبّب هو (من أحكام بقاء المستصحب بالاستصحاب السببي) كما ذكرناه في الأمثلة السابقة.

إذن : (فهو) أي : الاستصحاب السببي (له) أي : بالنسبة إلى الاستصحاب المسبّبي (من قبيل الموضوع للحكم) أي : ان المستصحب السببي كالموضوع ، والمستصحب المسبّبي كالحكم ، وكلّما وجد الموضوع ترتّب عليه الحكم.

وعليه : (فانّ طهارة الماء) الذي هو سببي (من أحكام الموضوع الذي حمل عليها) أي : على الطهارة المستصحبة (زوال النجاسة عن المغسول به) أي : عن الثوب المغسول بذلك الماء ، فبقاء طهارة الماء بمنزلة الموضوع ، وزوال نجاسة الثوب بمنزلة الحكم ، فيترتب عليه ، كما يترتب زوال نجاسة الثوب الذي هو بمنزلة الحكم ، على بقاء كرّية الماء الذي هو بمنزلة الموضوع ، بلا فرق بين الموردين : السببي الحكمي ، وهو طهارة الماء والسببي الموضوعي وهو كرّية

٢٠٧

وأيّ فرق بين استصحاب طهارة الماء واستصحاب كرّيته.

هذا كلّه فيما إذا كان الشك في أحدهما مسبّبا عن الشك في الآخر.

______________________________________________________

الماء ، ولذلك قال : (وأيّ فرق بين استصحاب طهارة الماء) الذي هو سببي حكمي لإثبات زوال نجاسة الثوب المغسول به (واستصحاب كرّيته) أي : كرّية الماء الذي هو سببي موضوعي لإثبات عدم تنجّسه وزوال نجاسة الثوب المغسول به؟ فما الفرق بينهما حتى اختلفوا فيهما على ثلاثة أقوال : بين مقدّم للسببي على المسبّبي ، وبين معارض بينهما ، وبين جامع لهما ، مع ان جانب السبب مثل كل من الكرّية والطهارة في المثال موضوع دائما لطرف المسبّب؟.

والحاصل : إنّ المصنّف أشكل على اجماع الشيخ علي باشكالين :

أحدهما : انّه ينافيه خلاف مثل الشيخ والمحقق والعلامة في مثال وجوب الفطرة عن العبد الغائب الذي لم يعلم بقاؤه وعدم بقائه ، وذلك على ما عرفت ، فليس هناك اجماع في المسألة.

الثاني : انّ الشك السببي والمسبّبي من قبيل الموضوع والحكم دائما ، ومع ذلك اختلفوا في تقديم الاستصحاب السببي على المسبّبي إلى ثلاثة أقوال : فقول بتقديم السببي ، وقول بتعارضهما وتساقطهما ، وقول بالجمع بينهما ، فكيف يمكن مع ذلك ادعاء الاجماع في المسألة.

(هذا كلّه فيما إذا كان الشك في أحدهما مسبّبا عن الشك في الآخر) حيث يجري الاستصحاب في الشك السببي لا في الشك المسبّبي ، فلا تعارض بينهما.

٢٠٨

وأمّا القسم الثاني

وهو ما إذا كان الشك في كليهما مسبّبا عن أمر ثالث ، فمورده : ما إذا علم ارتفاع أحد الحادثين لا بعينه وشك في تعيينه فامّا أن يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية لذلك العلم الاجمالي ، كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الطاهرين ، وإمّا ان لا يكون.

وعلى الثاني فامّا أن يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع ،

______________________________________________________

(وأمّا القسم الثاني) من تعارض الاستصحابين (وهو ما إذا كان الشك في كليهما مسبّبا عن أمر ثالث) كالعلم الاجمالي الحاصل للمكلّف بأن أحد الاستصحابين غير صحيح (فمورده : ما إذا علم ارتفاع أحد الحادثين لا بعينه وشك في تعيينه) كما إذا علم بطهارة كل من الإناءين ، ثم علم بنجاسة أحدهما ، فإنّ أحد استصحابي الطهارة مرفوع قطعا ، لكن المكلّف لا يعلم هل ارتفع استصحاب الطهارة عن هذا الاناء الأبيض أو عن ذاك الاناء؟ وهذا على أقسام :

الأوّل : (فامّا أن يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية لذلك العلم الاجمالي) بأن لم تكن المخالفة للعلم الاجمالي احتمالية بل قطعية ، كما انها ليست التزامية بل عملية ، وذلك (كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الطاهرين) حيث انهما مستصحبا الطهارة ، فإذا شربهما ـ مثلا ـ علم بأنّه قد شرب النجس ، وهو مخالفة عملية قطعية للعلم الاجمالي.

الثاني : (وإمّا ان لا يكون) العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية (وعلى الثاني) هذا ، وهو : ان لا يكون مستلزما لمخالفة قطعية عملية للعلم الاجمالي (فامّا أن يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع) بين الاستصحابين

٢٠٩

كما في الماء النجس المتمّم كرّا بماء طاهر ، حيث قام الاجماع على اتحاد حكم الماءين أولا.

وعلى الثاني إمّا أن يترتب أثر شرعي على كلّ من المستصحبين في الزمان اللاحق ، كما في استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن في من توضأ غافلا بمائع مردّد بين الماء والبول.

______________________________________________________

(كما في الماء النجس المتمّم كرّا بماء طاهر ، حيث) ان الماء النجس مستصحب النجاسة ، والماء الطاهر مستصحب الطهارة ، لكنّا نعلم من الخارج أنّه لا يمكن الجمع بينهما في كرّ واحد ، لأنّه ـ مثلا ـ قد (قام الاجماع على اتحاد حكم الماءين) بعد جعلهما ماء واحدا في كرّ ، فلا يمكن أن نستصحب الطهارة في طرف من هذا الكر ، والنجاسة في طرف آخر منه.

الثالث : (أولا) بأن لم يقم دليل من الخارج على عدم الجمع (وعلى) هذا الشق (الثاني) من القسم الثاني ، يعني : القسم الثالث من الأقسام وهو : بأن لم يقم دليل من الخارج على عدم الجمع ، فانّه (إمّا أن يترتب أثر شرعي على كلّ من المستصحبين في الزمان اللاحق ، كما في استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن) كليهما (في من توضأ غافلا بمائع مردّد بين الماء والبول) فانّه حيث لا اجماع على عدم الجمع ، إذ لم يستلزم الجمع بين الاستصحابين مخالفة عملية للعلم الاجمالي وان استلزم المخالفة الالتزامية ، يستصحب طهارة بدنه فيحكم بعدم وجوب التطهير ، كما ويستصحب عدم تطهّره فيحكم بوجوب الوضوء ، مع انّه يعلم اجمالا بزوال إما طهارة البدن ، أو حدث النفس ، لأنّ المائع إن كان ماء ذهب حدث نفسه ، وإن كان بولا ذهبت طهارة بدنه.

٢١٠

ومثله استصحاب طهارة المحلّ من واجدي المني في الثوب المشترك ؛ وإمّا أن يترتب الأثر على أحدهما دون الآخر ، كما في دعوى الموكّل التوكيل في شراء العبد ، ودعوى الوكيل التوكيل في شراء الجارية.

______________________________________________________

(ومثله) : أي : مثل المثال السابق في ترتب الأثر الشرعي على كل من المستصحبين في الزمان اللاحق (استصحاب طهارة المحلّ من واجدي المني في الثوب المشترك) فانّه إذا كان نفران لهما ثوب مشترك ، فوجدا فيه منيّا يعلمان بأنه من أحدهما قطعا ، لكن اجمالا وليس تفصيلا ، فان لكل واحد منهما ان يستصحب طهارة بدنه عن خبث المني ، وأثره : عدم وجوب تطهير المحل ، وعن حدث الجنابة وأثره : عدم وجوب الغسل عليه ، وإنّما يجوز لكل منهما ذلك ، لأنّه لم يحصل من عمل كل منهما بالاستصحاب مخالفة عملية للعلم الاجمالي ، ولا دليل من الخارج يوجب على أحدهما أو كليهما أن يرتّب على هذا المني المحتمل أحكام المني من حدث وخبث.

الرابع : (وإمّا أن يترتب الأثر على أحدهما دون الآخر ، كما في دعوى الموكّل التوكيل في شراء العبد ، ودعوى الوكيل التوكيل في شراء الجارية) فان زيدا إذا وكّل عمرا في شراء شيء ، ثم اختلفا ، فقال زيد : ان التوكيل كان في شراء العبد ، وقال عمرو : ان التوكيل كان في شراء الجارية ، فان استصحاب عدم التوكيل في شراء الجارية معارض باستصحاب عدم التوكيل في شراء العبد ، غير ان الأثر لم يكن للاستصحابين معا ، بل لأحدهما فقط ، وهو : استصحاب عدم التوكيل في شراء الجارية ، للزومه استرجاع الجارية من جانب مالكها ، واسترجاع المال من جانب مالكه ، فيعمل بهذا الاستصحاب ، لأنّه لم يستلزم مخالفة عملية للعلم الاجمالي ، كما انّه لا دليل من اجماع ونحوه على عدمه ، بينما لا يعمل

٢١١

فهناك صور أربع :

أمّا الأوليان :

فيحكم فيهما بالتساقط ، دون الترجيح والتخيير ، وهنا دعويان.

إحداهما :

عدم الترجيح بما يوجد مع أحدهما من المرجّحات

______________________________________________________

باستصحاب عدم التوكيل في شراء العبد ، لأنّه لا أثر له إذ هو مثبت.

إذن : (فهناك صور أربع) للمسألة وهي كالتالي :

الصورة الأولى : ما ذكره بقوله : «فاما أن يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية».

الصورة الثانية : ما ذكره بقوله : «فاما ان يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع».

الصورة الثالثة : ما ذكره بقوله : «إمّا أن يترتب أثر شرعي على كل من المستصحبين في الزمان اللاحق».

الصورة الرابعة : ما ذكره بقوله : «وإما أن يترتب الأثر على أحدهما دون الآخر».

(أمّا الأوليان) وهما ذكره بقوله : «فإمّا أن يكون العمل بالاستصحابين» مستلزما لمخالفة قطعية ، وقوله : «فإمّا أن يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع» (فيحكم فيهما بالتساقط) للتعارض بينهما (دون الترجيح) لأحدهما على الآخر (و) دون (التخيير) بينهما ، فلا يكون المكلّف مخيّرا بين هذا وبين ذاك.

(وهنا دعويان) كالتالي :

(إحداهما : عدم الترجيح بما يوجد مع أحدهما من المرجّحات) أي : بأن يكون هناك مرجح لأحدهما ، لكن لا نقول بالترجيح به ، وذلك كما إذا فرض

٢١٢

خلافا لجماعة.

قال في محكيّ تمهيد القواعد : «إذا تعارض أصلان ، عمل بالأرجح منهما ، لاعتضاده بما يرجّحه ، فان تساويا خرج في المسألة وجهان غالبا ،

______________________________________________________

نصفي كرّ من الماء أحدهما نجس والآخر طاهر فتلاقيا ، حيث يستصحب نجاسة النجس وطهارة الطاهر فيتعارضان ويتساقطان ، لكن المشهور حكموا بنجاسته ، والشهرة هنا تكون مرجّحا لاستصحاب النجاسة ، إلّا انّا ندّعي : ان مثل هذه الشهرة لا توجب تقديم استصحاب النجاسة على استصحاب الطهارة.

(خلافا لجماعة) حيث رجّحوا أحد الاستصحابين المتعارضين بمرجّح خارجي ، فقد (قال) الشهيد الثاني رحمه‌الله (في محكيّ تمهيد القواعد : «إذا تعارض أصلان ، عمل بالأرجح منهما ، لاعتضاده بما يرجّحه) من دليل أو أصل ، ففي المثال السابق قدّم استصحاب النجاسة لاعتضاده بالشهرة وحكم بنجاسة الماء.

ثم قال : (فان تساويا) بأن لم يكن لأحدهما مرجّح يعضده ، كما إذا كان هناك ماءان طاهران فتنجّس أحدهما ،

حيث يستصحب الطهارة فيهما بلا مرجّح لأحدهما على الآخر ، ففي مثال التساوي قال : (خرج في المسألة وجهان غالبا) أي : لا دائما ، والوجهان هما كما يلي :

الوجه الأوّل : تساقط الأصلين والرجوع : إلى أصل ثالث ، وذلك استنادا إلى التعارض الموجب للتساقط عند المشهور.

الوجه الثاني : العمل بالأصلين معا ، وذلك استنادا إلى قول الشارع : «حتى تعلم انّه حرام بعينه» (١) وحيث لا نعلم بأنّ أحد الماءين حرام بعينه أو نجس

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٢٠٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

٢١٣

ثم مثّل له بأمثلة ، منها : مسألة الصيد الواقع في الماء» إلى آخر ما ذكره.

وصرّح بذلك

______________________________________________________

بعينه ، نجري الأصلين معا فنحكم عليهما بالطهارة جميعا.

وإنّما قال المصنّف : «غالبا» ولم يقل : دائما ، ليشير ـ على ما قيل ـ إلى عدم خروج الوجهين في بعض الموارد ، بل خروج وجه واحد فقط ، وهو الحكم بالتساقط ، والرجوع إلى أصل ثالث ، وذلك كما في باب الدماء والاعراض ـ مثلا ـ فان فيها يتساقط الأصلان ويرجع إلى أصل الاحتياط ، فإذا علم شخص بأن إحدى هاتين المرأتين اخته من الرضاعة ، فلا يجوز له اجراء الأصلين معا والحكم بجواز الزواج منهما ، أو علم الأب بأن أحد هذين الشخصين قتل ابنه عمدا ، فلا يجوز له قتلهما ، أو علم القاضي بأن أحدهما شرب الخمر ممّا يستحق الحدّ ، فانّه لا يجوز له الحكم بحدّهما ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

(ثم مثّل) الشهيد الثاني في محكي تمهيده (له) أي : لخروج الوجهين : من التساقط ، أو العمل بالأصلين معا (بأمثلة ، منها : مسألة الصيد الواقع في الماء») القليل ، ورأى ـ مع ان المسألة من السببي والمسبّبي ـ التعارض في المقام بين استصحاب عدم التذكية مع استصحاب طهارة الماء (إلى آخر ما ذكره (١)) في محكي التمهيد من الوجهين في المسألة : التساقط والرجوع إلى أصل الحل والطهارة ، أو العمل بالاصلين معا.

ثم قال المصنّف : (وصرّح بذلك) الذي ذكره الشهيد الثاني في الأصلين المتعارضين : من التراجيح مع وجود المرجّح لأحد الأصلين ، وخروج الوجهين

__________________

(١) ـ تمهيد القواعد : ص ٤٠.

٢١٤

جماعة من متأخّري المتأخّرين.

والحقّ على المختار : من اعتبار الاستصحاب من باب التعبّد هو : عدم الترجيح بالمرجّحات الاجتهادية ، لأنّ مؤدّى الاستصحاب هو الحكم الظاهري ، فالمرجّح الكاشف عن الحكم الواقعي لا يجدي في تقوية الدليل الدالّ على الحكم الظاهري ، لعدم موافقة المرجّح لمدلوله حتى يوجب اعتضاده.

______________________________________________________

مع عدم المرجّح (جماعة من متأخّري المتأخّرين) من العلماء.

هذا (والحقّ على المختار : من اعتبار الاستصحاب من باب التعبّد) للروايات ، لا من باب الظن النوعي ، أو الظن الشخصي كما قال بهما بعض (هو : عدم الترجيح بالمرجّحات الاجتهادية) وبالدليل الاجتهادي ، وذلك (لأنّ مؤدّى الاستصحاب هو الحكم الظاهري) إذ قد عرفت سابقا : ان الاستصحاب موضوعه الشك المسبوق باليقين ، وكل ما أخذ في موضوعه الشك ، فهو حكم ظاهري لا واقعي ، وإذا كان كذلك (فالمرجّح الكاشف عن الحكم الواقعي) كالاجماع أو الشهرة (لا يجدي في تقوية الدليل الدالّ على الحكم الظاهري) من الاستصحاب الذي نحن فيه.

وعليه : فإذا كان الاجماع أو الشهرة أو ما أشبه ذلك من الأدلة الدالة على الأحكام الواقعية مطابقا للاستصحاب ، فاللازم الأخذ بتلك الأدلة لا بالاستصحاب ، لأنّه لا مجال للأصل مع وجود الدليل ، فكما ان الأصل لا يعضد الدليل ، فكذلك الدليل لا يعضد الأصل ، لاختلاف مرتبتهما على ما عرفت ، فالمرجّح هذا إذن لا يعضد الأصل (لعدم موافقة المرجّح) الاجتهادي (لمدلوله) أي : لمدلول الأصل (حتى يوجب اعتضاده) أي : اعتضاد الأصل بذلك المرجّح

٢١٥

وبالجملة ، فالمرجّحات الاجتهادية غير موافقة في المضمون للاصول حتى يعاضدها.

وكذا الحال بالنسبة إلى الأدلة الاجتهادية ، فلا يرجّح بعضها على بعض ، لموافقة الاصول التعبّدية.

نعم ، لو كان اعتبار الاستصحاب

______________________________________________________

الاجتهادي.

(وبالجملة ، فالمرجّحات الاجتهادية غير موافقة في المضمون للاصول) لأن مضمون أحدهما الحكم الواقعي ، ومضمون الآخر الحكم الظاهري ، فالمرجح الاجتهادي لا يوافق مضمون الاصول (حتى يعاضدها) أي : حتى يعاضد الاصول ويكون مرجحا لها.

(وكذا الحال بالنسبة إلى الأدلة الاجتهادية) فان الاصول التعبدية العملية لا تعضد الأدلة الاجتهادية حتى تكون مرجحا لها (فلا يرجّح بعضها) أي : بعض الأدلة الاجتهادية المتعارضة (على بعض ، لموافقة الاصول التعبّدية) العملية لها ، فإذا كان هناك دليلان اجتهاديان متعارضان ـ مثلا ـ وكان الأصل مع أحدهما ، فإنّه لا يعضد الأصل ذلك الدليل الاجتهادي حتى يكون مرجحا له على الدليل الآخر.

وأمّا ما نراه من بعض الفقهاء المتأخرين حيث يذكرون في كتبهم الاستدلالية الأصل العملي إلى جانب الدليل الاجتهادي ، فهو لبيان انّه إذا لم يكن ـ بنظر المستدل ـ الدليل الاجتهادي نافعا في الدلالة على الفرع الفقهي المبحوث عنه ، يكون المجال للأصل العملي ، وبيان ان الأصل ما ذا يكون في هذا المقام؟.

هذا كله على مختار المصنّف من اعتبار الاستصحاب تعبدا للروايات ، وامّا لو كان من باب الظن النوعي ، فهو كما قال : (نعم ، لو كان اعتبار الاستصحاب

٢١٦

من باب الظنّ النوعي أمكن الترجيح بالمرجّحات الاجتهادية ، بناء على ما يظهر : من عدم الخلاف في إعمال التراجيح بين الأدلّة الاجتهادية ، كما إدّعاه صريحا بعضهم.

لكنّك عرفت فيما مضى عدم الدليل على الاستصحاب من غير جهة الأخبار الدالّة على كونه حكما ظاهريا ،

______________________________________________________

من باب الظنّ النوعي) للدليل العقلي كما قال به جماعة من المتقدمين (أمكن الترجيح) أي : ترجيح أحد الاستصحابين المتعارضين (بالمرجّحات الاجتهادية) كالاجماع والشهرة ، فيكون الاستصحاب حينئذ مرجّحا للدليل الاجتهادي ، كما يكون الدليل الاجتهادي مرجّحا للاستصحاب أيضا ، وذلك لأنّ كليهما حينئذ في افق واحد.

وإنّما يمكن الترجيح حينئذ بالمرجحات الاجتهادية كالاجماع والشهرة (بناء على ما يظهر : من عدم الخلاف في إعمال التراجيح بين الأدلة الاجتهادية) عند التعارض ، وعدم اختصاص اعمال التراجيح ، بالاخبار المتعارضة (كما إدّعاه) أي : ادعى نفي الخلاف في ذلك (صريحا بعضهم) أي : إنّما يكون الاستصحاب مرجّحا للدليل الاجتهادي وبالعكس ، لو لم نخصّص قانون الترجيح بالاخبار المتعارضة ، بل قلنا بجريانه في كل الأدلة ، فحينئذ نرجّح الاستصحاب المعتضد بالشهرة ـ كما في المثال ـ على الاستصحاب الآخر.

(لكنّك عرفت فيما مضى) من المصنّف أول كتاب الاستصحاب (عدم الدليل على الاستصحاب من غير جهة الأخبار الدالّة على كونه) أي : الاستصحاب (حكما ظاهريا) فلا يكون الاستصحاب على ذلك في افق الأدلة الاجتهادية ،

٢١٧

فلا ينفع ولا يقدح فيه موافقة الأمارات الواقعية ومخالفتها.

هذا كلّه مع الاغماض عمّا سيجيء من عدم شمول «لا تنقض» للمتعارضين وفرض شمولها لهما من حيث الذاتية نظير شمول آية النبأ من حيث الذات للخبرين المتعارضين وإن لم يجب العمل بهما فعلا ، لامتناع ذلك ، بناء على المختار في اثبات الدعوى الثانية ،

______________________________________________________

ومعه (فلا ينفع ولا يقدح فيه) أي : في الاستصحاب (موافقة الأمارات الواقعية ومخالفتها) له ، فلا يكون الاجماع أو الشهرة ـ مثلا ـ عاضدا للاستصحاب ان كان موافقا له ، ولا موهنا للاستصحاب ان كان مخالفا له.

(هذا كلّه) الذي ذكرناه : من عدم اعتضاد الأصل بالدليل الاجتهادي إنّما هو (مع الاغماض عمّا سيجيء) بعد قليل إن شاء الله تعالى نقلا عن بعض المعاصرين : (من عدم شمول «لا تنقض) اليقين بالشك» (للمتعارضين) فان بعض المعاصرين قال : ان الاستصحابين المتعارضين لا يشملهما «لا تنقض اليقين بالشك» من حيث العمل (و) ذلك مع (فرض شمولها لهما) أي : شمول «لا تنقض» للمتعارضين (من حيث الذاتية) أي : مع قطع النظر عن العمل ، فيكون (نظير شمول آية النبأ من حيث الذات للخبرين المتعارضين) الذين أتى بهما عادلان ، حتى (وإن لم يجب العمل بهما) أي : بالخبرين المتعارضين (فعلا ، لامتناع ذلك) بسبب التعارض بينهما.

وعليه : فان هذا كله كان بناء على شمول : «لا تنقض» للخبرين المتعارضين ، وأمّا (بناء على المختار في اثبات الدعوى الثانية) التي تأتي قريبا إن شاء الله تعالى ، وقد أشار إليها المصنّف أخيرا بقوله : «مع الاغماض عمّا سيجيء من عدم شمول «لا تنقض» للمتعارضين» فإنّه بناء على ما سينقله المصنّف في دعواه

٢١٨

فلا وجه لاعتبار المرجّح أصلا ، لأنّه إنّما يكون مع التعارض ، وقابليّة المتعارضين في أنفسهما للعمل.

الدعوى الثانية

أنّه إذا لم يكن مرجّح ،

______________________________________________________

الثانية عن بعض المعاصرين : من تساقط المتعارضين لعدم شمول «لا تنقض» لهما (فلا وجه لاعتبار المرجّح أصلا ، لأنّه) أي : المرجّح (إنّما يكون مع التعارض ، و) المفروض : انهما قد تساقطا ، ومع (قابليّة المتعارضين في أنفسهما للعمل) والمفروض بعد عدم شمول «لا تنقض» لهما هو : عدم قابليتهما في أنفسهما للعمل والحجة.

والحاصل : انّ ترجيح أحد الاستصحابين المتعارضين بالمرجح الاجتهادي غير تام لوجهين :

الأوّل : انّ دليل «لا تنقض اليقين بالشك» لا يشملهما ، فينتفي قابليتهما في أنفسهما للعمل والحجيّة.

الثاني : انّه على تقدير شمول «لا تنقض اليقين بالشك» للاستصحابين المتعارضين كشمول آية النبأ للخبرين المتعارضين ، لا معنى لترجيح أحد الاستصحابين على الآخر بالمرجّحات الاجتهادية ، وذلك لما تقدّم : من اختلاف الرتبة بينهما ، فلا يكون الأصل العملي ولا الدليل الاجتهادي أحدهما مرجّحا للآخر.

هذا تمام الكلام في الدعوى الاولى التي ادّعاها المصنّف بقوله : «وهنا دعويان إحداهما : عدم الترجيح بما يوجد مع أحدهما من المرجّحات» وأمّا (الدعوى الثانية) للمصنّف فهي : (أنّه إذا لم يكن مرجّح) لأحد الاستصحابين على الآخر ،

٢١٩

فالحق التساقط دون التخيير ـ لا لما ذكره بعض المعاصرين : من «أنّ الأصل في تعارض الدليلين التساقط ، لعدم تناول دليل حجيّتهما لصورة التعارض ، لما تقرّر في باب التعارض : من أنّ الأصل في المتعارضين التخيير إذا كان اعتبارهما من باب التعبّد لا الطريقيّة» ـ

______________________________________________________

وذلك على المختار : من انّ الاستصحاب حجّة من باب التعبّد بالاخبار ، لا من باب الظنّ ، فانّه حينئذ يمكن وجود استصحابين متعارضين ، فإذا وجدا (فالحق التساقط) لكلا الاستصحابين (دون التخيير) بينهما ، فلا يكون المكلّف مخيّرا بين العمل بهذا الاستصحاب أو بذاك الاستصحاب عند التعارض ، كما كان مخيّرا في العمل بأحد الخبرين المتعارضين.

وإنّما يقول المصنّف بالتساقط (لا لما ذكره بعض المعاصرين : من «أنّ الأصل في تعارض الدليلين) مطلقا هو (التساقط) ثم استدل هذا البعض للتساقط بقوله : (لعدم تناول دليل حجيّتهما لصورة التعارض) فان بعض المعاصرين قال بتساقط مطلق المتعارضين ، سواء كانا خبرين ، أم أصلين أم مختلفين ، مستدلا له بأن دليل الحجية لا يشمل المتعارضين ، فاعترض عليه المصنّف : بأن دليل الحجية لا يشمل المتعارضين إذا كانا أصلين ، ويشملهما إذا كانا من الأمارات الظنية ، غير انّه حيث لم يمكن الجمع بينهما للتعارض ، كان الحكم هو : التخيير بينهما ، وذلك على القول بالسببية لا الطريقية.

وعليه : فانّ المصنّف إنّما اعترض على هذا المعاصر بذلك (لما تقرّر في باب التعارض : من أنّ الأصل في المتعارضين) لو كانا من الأمارات الظنية ـ كالاستصحاب من باب الظن ـ هو : (التخيير إذا كان اعتبارهما من باب التعبّد) يعني : على السببية والموضوعية (لا الطريقيّة») المحضة ، فإنّه على السببية

٢٢٠