الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-14-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وبالجملة : إذا فرض الوضوء فعلا واحدا لم يلاحظ الشارع أجزاءه أفعالا مستقلة يجري فيها حكم الشك بعد تجاوز المحلّ ، لم يتوجّه شيء من الاشكالين في الاعتماد على الخبر ولم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة ، إذ الشك في أجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلّا شكّا واقعا في شيء قبل التجاوز عنه ، والقرينة على هذا الاعتبار جعل القاعدة ضابطة لحكم الشكّ في أجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه أو بعده.

______________________________________________________

(وبالجملة : إذا فرض الوضوء فعلا واحدا) وذلك بمعنى : انه (لم يلاحظ الشارع أجزاءه أفعالا مستقلة) كي (يجري فيها حكم الشك بعد تجاوز المحلّ ، لم يتوجه شيء من الاشكالين في الاعتماد على الخبر) من مخالفته للاجماع ، ومخالفته لقاعدة التجاوز.

(و) على جعل الوضوء أمرا بسيطا (لم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة) اي : قاعدة التجاوز المستفادة من الأخبار ، بل تكون هذه الرواية ايضا على نفس معنى قاعدة التجاوز ، وإنّما يجب الاعتناء بالشك في أثناء الوضوء ، لاعتبار الشارع الوضوء أمرا بسيطا لا يعقل فيه التجاوز الّا بالفراغ من تمام الوضوء ، كما أشار اليه المصنّف بقوله : (إذ الشك في أجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلّا شكّا واقعا في شيء قبل التجاوز عنه) فيكون هذا الخبر حينئذ موافقا لسائر الأخبار.

(والقرينة على هذا الاعتبار) اي : اعتبار الشارع الوضوء عملا واحدا هو : (جعل القاعدة) الكلية للتجاوز في ذيل الرواية (ضابطة لحكم الشكّ في أجزاء الوضوء) وهو : عدم الالتفات للشك سواء كان (قبل الفراغ عنه أو بعده) وحينئذ فلا يكون المراد من هذه الضابطة : ان الشك قبل الفراغ يوجب الاتيان بالمشكوك وبعد الفراغ لا يوجبه ، وذلك لورود الاشكالين ، فاذا قلنا به للاجماع تبيّن

٢١

ثمّ إنّ فرض الوضوء فعلا واحدا لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة الى أجزائه ليس أمرا غريبا ، فقد ارتكب المشهور مثله في الأخبار السابقة بالنسبة الى افعال الصلاة ، حيث لم يجروا حكم الشك بعد التجاوز في كلّ جزء من أجزاء القراءة حتى الكلمات والحروف ، بل الأظهر عندهم كون الفاتحة فعلا واحدا

______________________________________________________

انّ الشارع اعتبر الوضوء كله عملا واحدا بسيطا.

هذا ، ولكن لا يخفى : إنّ الخبر بنظرنا ظاهر في معارضته للاجماع ، لا انه ظاهر في نفس المعنى المجمع عليه ، وحينئذ فلو أخذنا بالاجماع لزم طرح هذا الخبر والّا لم نعمل بالاجماع المنقول ، ويكون حال الوضوء بالنسبة الى قاعدة التجاوز حال سائر الاعمال ، سواء قبل الفراغ منه ام بعده ، من جهة الغسلات والمسحات ، أم من جهة أجزاء الغسلات والمسحات.

(ثمّ إنّ فرض الوضوء فعلا واحدا) لا أفعالا متعددة بحيث (لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة الى أجزائه) وإنّما يلاحظ حكم الشك بالنسبة الى مجموعة من حيث هو مجموع (ليس أمرا غريبا) في الفقه (فقد ارتكب المشهور مثله) اي : مثل هذا الفرض (في الأخبار السابقة) الحاكمة بعدم اعتبار الشك بعد التجاوز ، وذلك (بالنسبة الى افعال الصلاة ، حيث لم يجروا حكم الشك بعد التجاوز في كلّ جزء من أجزاء القراءة حتى الكلمات والحروف ، بل الأظهر عندهم كون الفاتحة فعلا واحدا) فاذا شك في انه هل قرء الحمد أم لا وهو في آخرها؟ لا يجرون قاعدة التجاوز ، فكيف بالشك في الكلمة الاولى وهو في الثانية؟ أو الشك في الحرف الأوّل وقد بدأ بالحرف الثاني؟.

نعم ، قال المحقق الأردبيلي ـ كما حكي عنه ـ بجريان قاعدة التجاوز في هذه

٢٢

بل جعل بعضهم القراءة فعلا واحدا.

وقد عرفت النصّ في الروايات على عدم اعتبار الهويّ للسجود والنهوض للقيام.

وممّا يشهد لهذا التوجيه إلحاق المشهور الغسل والتيمّم بالوضوء في هذا الحكم إذ لا وجه له ظاهرا ، إلّا ملاحظة كون الوضوء امرا واحدا يطلب منه أمر واحد غير قابل للتّبعيض ، أعني : الطهارة.

______________________________________________________

الامور أيضا.

وكيف كان : فانه لم يكن الاظهر عند المشهور جعل الفاتحة عملا واحدا فحسب (بل جعل بعضهم) كما يحكى عن الشيخ والشهيد الثاني كل (القراءة فعلا واحدا) لا افعالا متعدّدة.

هذا (وقد عرفت النصّ في الروايات على عدم اعتبار الهويّ للسجود والنهوض للقيام) لصريح : حتى يسجد وحتى يقوم ، والّا لم يكن من قاعدة التجاوز اذا شك في السجود وهو في حال النهوض ، أو شك في الركوع وهو في حال الهويّ الى السجود ، فيظهر من ذلك كله انه لا بعد في عدم اعتبار الدخول بجزء آخر من الوضوء ، ووجوب الاتيان بالمشكوك ما لم يحصل الفراغ من كل الوضوء ، فلا تجري إذن قاعدة الفراغ في أجزاء الوضوء ، كما لا تجري في أجزاء الوجه واليد.

(وممّا يشهد لهذا التوجيه) وهو اعتبارهم الوضوء شيئا واحدا ، لا شيئا ذا أجزاء (إلحاق المشهور الغسل والتيمّم بالوضوء في هذا الحكم) فلا يجرون قاعدة الفراغ في الغسل والتيمم الّا بعد الفراغ من الجميع.

وإنّما يشهد له هذا الالحاق (إذ لا وجه له) اي : للالحاق هنا وجها (ظاهرا ، إلّا ملاحظة كون الوضوء امرا واحدا يطلب منه أمر واحد غير قابل للتّبعيض ، أعني : الطهارة)

٢٣

الموضع الخامس :

ذكر بعض الأساطين : «أنّ الشك في الشروط بالنسبة الى الفراغ عن المشروط ، بل الدخول فيه ، بل الكون على هيئة الداخل ، حكم الأجزاء في عدم الالتفات.

______________________________________________________

وبتنقيح المناط في الوضوء أجروا حكمه في الغسل والتيمم.

لكن لا يخفى : انّ كل ما ذكره المصنّف قدس‌سره هو أشبه شيء بالاستيناس ، والّا فاللازم العمل بالرواية ، والاجماع المدّعى لا يمكن الاستناد اليه الّا من باب الاحتياط.

(الموضع الخامس :) في انه هل يجري التجاوز والفراغ بالنسبة الى الشرط ايضا ، أو ان القاعدتين مختصتان بالجزء فقط؟.

(ذكر بعض الأساطين) وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء : («أنّ الشك في الشروط بالنسبة الى الفراغ عن المشروط) كما اذا شك بعد ان فرغ من الصلاة في انه كان متطهّرا ام لا؟ (بل الدخول فيه) اي : في المشروط كما اذا شرع في الصلاة ثم شك في انه دخلها بطهارة ام لا؟ (بل الكون على هيئة الداخل) في الصلاة كما اذا رأى نفسه مستقبل القبلة متهّيئا ، فشك في انه هل كبّر حتى يكون داخلا في الصلاة أو لم يكبّر حتى لا يكون داخلا فيها؟ وفي نفس الوقت شك في انه متطهر أم لا؟ ففي كل هذه الصور من الشك في الشروط ، قال : بأن الحكم فيها (حكم) الشك في (الأجزاء في عدم الالتفات) اليها ايضا.

واستدل عليه : بأنّ الروايات لبيان اعتبار ظاهر حال العاقل ، حيث ان العاقل لا يقدم على عمل وهو يريد ابراء ذمته الّا بعد احراز ما يعتبر فيه ، وهذه قاعدة

٢٤

فلا اعتبار بالشك في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها والاستقرار ونحوها بعد الدخول في الغاية ، ولا فرق بين الوضوء وغيره» ، انتهى.

وتبعه بعض من تأخّر عنه ، واستقرب في مقام آخر : إجراء الغاء الشك في الشرط بالنسبة الى غير ما دخل فيه من الغايات.

وما أبعد ما بينه وبين ما ذكره بعض الأصحاب

______________________________________________________

عقلية صدّقها الشارع ، وحينئذ (فلا اعتبار بالشك في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها) حدثية وخبثية ، والحدثية غسلا كان ام وضوءا ام تيمما (والاستقرار) وهو الطمأنينة (ونحوها) من الشروط (بعد الدخول في الغاية ، و) هي هنا الصلاة علما بانه (لا فرق بين الوضوء وغيره») من الشروط.

(انتهى) كلام كاشف الغطاء (وتبعه) اي : تبع كاشف الغطاء في جعل حكم الشك في الشرط حكم الشك في الجزء من عدم الالتفات (بعض من تأخّر عنه) كما يحكى عن الشيخ مهدي النوري في حاشيته على كشف الغطاء.

(واستقرب) الشيخ كاشف الغطاء ايضا ، ولكن (في مقام آخر : إجراء الغاء الشك في الشرط) حتى (بالنسبة الى غير ما دخل فيه من الغايات) كالصلاة ، فانه لا يلتفت الى الشك في شيء من شروطها حتى بالنسبة الى الصلاة والثانية ، فاذا شك ـ مثلا ـ بعد صلاة الظهر في انه هل كان متوضئا ام لا؟ أجرى قاعدة الفراغ وحكم بصحة صلاة الظهر وكان له ان يأتي بصلاة العصر بدون ان يجدّد الوضوء.

ثم قال المصنّف : (وما أبعد ما بينه) اي : ما بين الشيخ كاشف الغطاء القائل بالغاء الشك في الشرط حتى للصلاة الثانية (وبين ما ذكره بعض الأصحاب)

٢٥

من اعتبار الشك في الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط ، فأوجب اعادة المشروط.

والأقوى التفصيل بين الفراغ عن المشروط ، فيلغوا الشك في الشرط بالنسبة اليه ، لعموم لغويّة الشك في الشيء بعد التجاوز عنه.

أمّا بالنسبة الى مشروط آخر لم يدخل فيه ، فلا ينبغي الاشكال في اعتبار الشك فيه،

______________________________________________________

مثل صاحب المدارك والفاضل الهندي (من اعتبار الشك في الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط ، فأوجب اعادة المشروط) وقال : بانّه اذا شك بعد ان صلّى الظهرين ـ مثلا ـ في انه هل كان متوضئا أم لا؟ فاللازم عليه ان يتوضأ ويعيد صلاة الظهرين.

ثم بعد أن ذكر المصنّف القولين والبعد بينهما أبدى نظره قائلا : (والأقوى) حسب المستفاد من الأدلة قول ثالث وهو : (التفصيل بين الفراغ عن المشروط فيلغوا الشك في الشرط بالنسبة اليه) فاذا فرغ من صلاة الظهر ـ مثلا ـ ثم شك في انه هل كان متوضئا ام لا؟ لغى شكه فيما فرغ منه وصح ظهره ، وذلك (لعموم لغويّة الشك في الشيء بعد التجاوز عنه) فان الغاء الشك الأمرة به روايات التجاوز يعمّ الشك في مثل هذا الشرط بعد الاتيان بالمشروط.

هذا بالنسبة الى المشروط الأوّل الذي فرغ منه ، و (أمّا بالنسبة الى مشروط آخر) الذي هو صلاة العصر ـ مثلا ـ اذا (لم يدخل فيه) بعد (فلا ينبغي الاشكال في اعتبار الشك فيه) اي : الالتفات الى الشرط المشكوك والاتيان به ثم الدخول في المشروط ، بمعنى : انه اذا أراد أن يصلّي العصر لزم عليه ان يتوضأ لها.

٢٦

لأنّ الشرط المذكور من حيث كونه شرطا لهذا المشروط لم يتجاوز عنه ، بل محلّه باق ، فالشك في تحقّق شرط هذا المشروط شك في الشيء قبل تجاوز محلّه.

وربما بنى بعضهم ذلك على أنّ معنى عدم العبرة بالشك في الشيء بعد تجاوز المحلّ هو : البناء على الحصول

______________________________________________________

وإنّما يعتبر الشك فيه ويلزم الاتيان به (لأنّ الشرط المذكور) اي : الطهارة (من حيث كونه شرطا لهذا المشروط) الذي هو صلاة العصر ـ في المثال ـ (لم يتجاوز عنه ، بل محلّه) اي : محل الشرط الذي هو الوضوء ـ في المثال ـ (باق ، فالشك في تحقّق شرط هذا المشروط) الآخر ما دام لم يدخل فيه ولم يفرغ منه هو (شك في الشيء قبل تجاوز محلّه) فيلزم إذن ان يأتي بالشرط أولا ثم يأتي بالمشروط.

لا يقال : كيف تقولون بصحة الظهر ولزوم الطهارة للعصر ، مع انه ان كان متوضئا حين أتى بالظهر صح اتيانه بالعصر بدون الطهارة ، وان لم يكن متوضئا بطل ظهره فلا يتمكن من الاتيان بالعصر حتى بعد التطهير لاشتراط الترتب بين العصر والظهر؟.

لأنّه يقال : التفكيك بين المتلازمين في الشرع غير عزيز كما تقدّم أمثلة كثيرة لذلك ممّا لا حاجة الى اعادتها.

هذا (وربّما بنى بعضهم) اي : علّق بعض الفقهاء (ذلك) اي : القول بلغوية الشك وعدم لغويته بالنسبة الى سائر الغايات المستقبلة (على أنّ معنى عدم العبرة بالشك في الشيء بعد تجاوز المحلّ) هل (هو : البناء على الحصول) اي : حصول الشيء المشكوك وتحققه حتى يكون معنى قاعدة التجاوز فيما نحن فيه : انه ابن على حصول الطهارة ، وحينئذ تتساوى فيه الغايات السابقة واللاحقة.

٢٧

أو يختص بالدخول.

أقول : لا اشكال في أنّ معناه البناء على حصول المشكوك فيه ، لكن بعنوانه الذي يتحقق معه تجاوز المحلّ لا مطلقا.

ولو شك في أثناء العصر في فعل

______________________________________________________

(أو يختص بالدخول) وفي بعض النسخ : «بالمدخول» وكلاهما. بمعنى واحد وهو : أو يختص عدم الاعتبار بالشك في الشيء الذي دخل فيه فقط ، دون ما لم يدخل فيه ، حتى يكون معنى قاعدة التجاوز فيما نحن فيه : لا تلفت الى الشك في الطهارة بالنسبة الى الظهر الذي دخلت فيه ، دون العصر الذي لم تدخل فيه ، وحينئذ تختص الصحة بالظهر فقط؟.

(أقول :) هذا الذي ذكره بعض الفقهاء غير تام ، اذ (لا اشكال في أنّ معناه) اي : معنى قاعدة التجاوز بحسب فهم العرف هو : (البناء على حصول المشكوك فيه) وهو الطهارة فيما نحن فيه (لكن بعنوانه الذي يتحقق معه تجاوز المحلّ) يعني : ان الوضوء المشكوك إنّما يكون محكوما بالحصول بعنوان شرطيته للظهر ، فان الوضوء بعنوان شرطيته للظهر قد تجاوز محله (لا مطلقا) اي : حتى بعنوان شرطيته للعصر ممّا لم يأت به بعد.

وبعبارة اخرى : ان الشارع من خلال قاعدة التجاوز كأنه قال : اني أقبل منك الظهر متطهرا ، وليس معنى ذلك انه يقبل منه العصر الذي لم يأت به بعد مع شكه الآن في انه متطهر أم لا؟.

(و) عليه : فان هذا الذي ذكرناه من العنوانين في الطهارة ، هو نظير وجوب تحقق الظهر قبل العصر ، حيث ان له عنوانين : عنوان كونه واجبا في نفسه ، وعنوان كونه شرطا لصحة العصر ، وحينئذ (لو شك في أثناء العصر في فعل

٢٨

الظهر ، بنى على تحقق الظهر بعنوان أنّه شرط للعصر ، ولعدم وجوب العدول اليه لا على تحقّقه مطلقا حتى لا يحتاج الى إعادتها بعد فعل العصر.

فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه ، إنّما فات محلّه من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقق ، لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل.

ومن هنا يظهر : أنّ الدخول في المشروط أيضا لا يكفي

______________________________________________________

الظهر ، بنى على تحقق الظهر) وحصوله مقيّدا (بعنوان أنّه شرط للعصر ، و) انه شرط ايضا (لعدم وجوب العدول اليه) اي : الى الظهر ، لان الظهر مقيدا بهذا العنوان قد تحقق التجاوز عنه (لا على تحقّقه مطلقا) اي : تحقق الظهر وحصوله ، سواء بعنوان وجوبه المقدّمي ام بعنوان وجوبه النفسي (حتى لا يحتاج الى إعادتها بعد فعل العصر).

والحاصل : انه اذا شك في أثناء العصر بأنه هل أتى بالظهر ام لا؟ فحيث انه تجاوز محلها ، بنى على حصولها ، لكن لا مطلقا ، بل بعنوان وجوبها المقدّمي للعصر فقط ، لا حتى بعنوان وجوبها النفسي ، ولذلك لا يلزم عليه العدول الى الظهر ، بل يتم صلاته عصرا وبعد اتمام العصر يلزم ان يأتي بالظهر ، لانه لا يعلم هل انه أتى بالظهر ام لم يأت بها؟ فالاصل الاشتغال.

وعلى هذا : (فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه ، إنّما فات محلّه من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقق ، لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل) فصح ظهره المتحقق وأتى بالوضوء للعصر المستقبل.

(ومن هنا) اي : من انه يحكم بحصول المشكوك بعنوانه الذي يتحقق معه التجاوز ، لا بعنوانه المستقبلي (يظهر : أنّ الدخول في المشروط أيضا لا يكفي

٢٩

في الغاء الشك في الشرط ، بل لا بد من الفراغ عنه ، لأنّ نسبة الشرط الى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة وتجاوز محلّه باعتبار كونه شرطا للأجزاء الماضية ، فلا بدّ من إحرازه للأجزاء المستقبليّة.

نعم ، ربما يدّعى في مثل الوضوء أنّ محلّ إحرازه لجميع أجزاء الصلاة قبل الصلاة ، لا عند كلّ جزء.

ومن هنا : قد يفصّل بين ما كان من قبيل الوضوء ، ممّا يكون محلّ

______________________________________________________

في الغاء الشك في الشرط) فاذا شك في أثناء الظهر بانه هل توضأ للصلاة بعد ان كان محدثا أو لم يتوضأ؟ لا يصح له اتمام الصلاة (بل لا بد من الفراغ عنه) اي : عن المشروط مثل : ان يفرغ عن الظهر فيحكم بصحته وانه قد أتى به متطهرا لقاعدة الفراغ.

وإنّما يشترط الفراغ من المشروط (لأنّ نسبة الشرط) وهي الطهارة فيما نحن فيه (الى جميع أجزاء المشروط) وهي الصلاة في المثال (نسبة واحدة) وهي الشرطية (وتجاوز محلّه) اي : محل الشرط عند الشك في الاثناء إنّما هو (باعتبار كونه شرطا للأجزاء الماضية ، فلا بدّ من إحرازه للأجزاء المستقبليّة) وحيث انه ليس بمحرز فلا بد من ابطال الصلاة والتطهر للاتيان بها من أولها ثانية.

(نعم) هنا قول آخر يقول بالتفصيل بين الشرط المتقدّم والشرط المقارن وهو انه : (ربما يدّعى في مثل الوضوء) الذي هو شرط متقدّم للصلاة (أنّ محلّ إحرازه لجميع أجزاء الصلاة قبل الصلاة ، لا عند كلّ جزء) فاذا دخل في الصلاة فهو من الشك بعد تجاوز المحل ، فيبنى معه على الوضوء في بقية الصلاة.

(ومن هنا) اي : من حيث تحقق التجاوز عن محل الشرط المتقدّم بسبب الدخول في الصلاة (قد يفصّل بين ما كان من قبيل الوضوء ، ممّا يكون محلّ

٣٠

إحرازه قبل الدخول في العبادة وبين غيره مما ليس كذلك ، كالاستقبال والنيّة ، فانّ إحرازهما ممكن في كلّ جزء ، وليس المحلّ الموظّف لاحرازهما قبل الصلاة بالخصوص بخلاف الوضوء.

وحينئذ : فلو شك في أثناء الصلاة في الستر أو السائر وجب عليه احرازه في أثناء الصلاة للأجزاء المستقبلة.

والمسألة لا تخلو عن اشكال ،

______________________________________________________

إحرازه قبل الدخول في العبادة) لأنّه شرط متقدّم لها ، صلاة كانت أو طوافا أو نحوهما (وبين غيره) من الشرائط (ممّا ليس كذلك) اي : لم يكن شرطا متقدما (كالاستقبال والنيّة ، فانّ إحرازهما ممكن في كلّ جزء) من اجزاء الصلاة (وليس المحلّ الموظّف لاحرازهما قبل الصلاة بالخصوص) ولذا فاذا شك في النية أو الاستقبال في الأثناء لا يتمكن من اجراء قاعدة التجاوز (بخلاف الوضوء) والغسل والتيمم ، حيث ان محل هذا الشرط قبل الصلاة ومتقدّم على المشروط.

(وحينئذ) اي : حين كان الاستقبال والنية من الشرط المقارن وليس كالوضوء من الشرط المتقدّم (فلو شك في أثناء الصلاة في الستر أو السائر) وانه هل هو مستور العورة ام لا؟ أو ان الساتر الذي عليه هل يجوز فيه الصلاة ام لا؟ أو غير ذلك من الشرط المقارن (وجب عليه احرازه في أثناء الصلاة للأجزاء المستقبلة) ولا يكفي احرازه لها بقاعدة التجاوز ، لعدم تحقق التجاوز بالنسبة اليها من الأجزاء المستقبلة.

هذا (والمسألة) بعد (لا تخلو عن اشكال) وذلك من حيث ان الوضوء هل هو شرط متقدّم فقط حتى يصدق التجاوز اذا كان داخلا في الصلاة وشك فيه ، فيصح له ان يأتي ببقية الصلاة ، أو هو شرط مقارن أيضا حتى يجب احرازه

٣١

إلّا أنّه ربما يشهد لما ذكرنا من التفصيل : بين الشك في الوضوء في أثناء الصلاة ، وفيه بعده ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون على وضوء ، ثمّ يشكّ على وضوء هو أم لا؟ قال : إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك».

بناء على أنّ مورد السؤال : الكون على الوضوء باعتقاده ثمّ شك في ذلك.

______________________________________________________

للاجزاء الباقية ، فاللازم ان يرفع يده عن الصلاة ويتوضأ ويستأنف؟.

(إلّا أنّه ربما يشهد لما ذكرنا من التفصيل : بين الشك في الوضوء في أثناء الصلاة) فيستأنف بعد ان يتوضأ (و) بين الشك (فيه) : اي : في الوضوء (بعده) اي : بعد الفراغ من الصلاة فيبني على صحة الصلاة (صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون على وضوء ، ثمّ يشكّ على وضوء هو أم لا) فما ذا يفعل؟ (قال : إذا ذكرها) اي ذكر الطهارة فشك فيها (وهو في) أثناء (صلاته انصرف) عن الصلاة فتطهّر (وأعادها ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك») (١).

لكن دلالة هذه الرواية على ما نحن فيه إنّما هو (بناء على أنّ مورد السؤال : الكون على الوضوء باعتقاده) أولا (ثمّ شك في ذلك) الذي اعتقده أولا ، وانه هل كان في محله صحيحا أم لا؟ يعني : كان شكه من الشك الساري الراجع الى قاعدة اليقين ، لا من الشك الطاري الراجع الى الاستصحاب ، فانه بناء على الشك الساري تكون الرواية مؤيدة لما ادعاه في مثل الطهارة من التفصيل : بين الشك في الأثناء فاللازم الاستيناف ، وبين الشك بعد الفراغ فلا يحتاج الى الاستيناف ،

__________________

(١) ـ مسائل علي بن جعفر : ص ٢٠٦ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٣ ب ٤٤ ح ١٢٥٣.

٣٢

الموضع السادس :

انّ الشك في صحّة المأتي به حكمه حكم الشك في الاتيان ، بل هو هو ، لأنّ مرجعه الى الشك في وجود الشيء الصحيح.

______________________________________________________

وذلك لمكان قاعدة الفراغ في الثاني دون الأوّل.

أقول : لكن من المحتمل ان تكون الرواية مؤيدة للقول بالتفصيل فيما نحن فيه حتى بناء على كون الشك من الشك الطاري الراجع الى الاستصحاب ، وذلك بأن يكون الشخص قد دخل في الصلاة وهو متطهر قطعا ، ثم شك في أثناء الصلاة في بقاء طهارته ، فان مقتضى القاعدة والذي يؤيّده الفتوى هو استصحاب طهارته وصحة صلاته ، لكن الرواية تقول برفع اليد عن الصلاة والاستيناف من باب الاستحباب فتكون الرواية اذا حملت على الاستحباب مؤيدة للتفصيل المذكور ايضا.

(الموضع السادس : انّ الشك في صحة المأتي به) بعد الفراغ من اصل وجوده : وذلك كما لو علم بأنه أتى بالشيء لكن لم يعلم هل انه أتى به صحيحا أم لا؟ كالشك في صحة القراءة ، أو في مراعاة الترتيب بين الكلمات والآيات ، أو في رعاية الموالاة بين أفعال الصلاة ، أو غير ذلك ، فان (حكمه حكم الشك في) اصل (الاتيان) والوجود ، فكما انه لو شك ، وهو في حال الركوع بأنه هل قرء الحمد والسورة أو لم يقرأها؟ تجري قاعدة التجاوز ، فكذلك اذا شك وهو في الركوع بانه هل قرأهما صحيحا ام لا؟.

(بل هو هو) اي : ان الشك في الصحة هو عبارة أخرى عن الشك في اصل الاتيان والوجود (لأنّ مرجعه) اي : مرجع الشك في صحة الذي أتى به (الى الشك في وجود الشيء الصحيح) فقاعدة التجاوز إذن تشمل الشك في الصحة ،

٣٣

ومحلّ الكلام ما لا يرجع فيه الشك الى الشك في ترك بعض ما يعتبر في الصحة ، كما لو شك في تحقق الموالاة المعتبرة في حروف الكلمة أو كلمات الآية.

لكنّ الانصاف : أنّ الالحاق لا يخلو عن اشكال ، لأنّ الظاهر من أخبار الشك في الشيء مختصّ بغير هذه الصورة ، إلّا أن يدّعى تنقيح المناط ،

______________________________________________________

لانه من أفراد الشك في الوجود ، اذ من المعلوم : ان الصلاة الباطلة وعدمها سيّان.

(ومحلّ الكلام) في هذا البحث : (ما لا يرجع فيه الشك الى الشك في ترك بعض ما يعتبر في الصحة) فإن الشك قد يرجع الى انه هل جاء بالشيء كاملا أو غير كامل؟ كما لو شك بانه هل ترك البسملة أو لم يتركها؟ وقد يعلم انه أتى به كاملا لكن لا يعلم هل انه كان متصفا بوصف الصحة ام لا؟ وذلك (كما لو شك في تحقق الموالاة المعتبرة في حروف الكلمة أو كلمات الآية) فانه يعلم بانه أتى بجميع الأجزاء ، لكن يشك في وصف الصحة ، والفرق بينهما : ان الشك في انه هل جاء بالبسملة ام لا هو شك في اصل وجود الشيء وعدم وجوده؟ بينما الشك في مثل الترتيب والموالاة وغير ذلك ممّا لا يعدّ مغايرا للقراءة هو شك في وصف الصحة ، وهذا القسم الأخير هو محل الكلام هنا.

(لكنّ الانصاف أنّ الالحاق) اي : الحاق الشك في الصحة بالشك في الوجود في كونه مجرى لقاعدة التجاوز (لا يخلو عن اشكال ، لأنّ الظاهر من أخبار الشك في الشيء مختصّ بغير هذه الصورة) لظهورها عند المصنّف في الشك في الوجود والعدم ، لا في وصف الصحة وعدم وصف الصحة.

(إلّا أن يدّعى تنقيح المناط) فمناط عدم العبرة بالشك بعد تجاوز المحل في الوجود والعدم ، آت في الشك بعد تجاوز المحل في الصحة وعدم الصحة ، فيعمّ

٣٤

أو يستند فيه الى بعض ما يستفاد منه العموم ، مثل : موثّقة ابن أبي يعفور ، أو يجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا برأسه ، ومدركه ظهور حال المسلم.

______________________________________________________

أخبار التجاوز بالمناط الموردين : الشك في الوجود ، والشك في الصحة ، وهذا المناط هو الذي يستفيده العرف من أخبار التجاوز.

(أو يستند فيه) اي : في الالحاق (الى بعض ما يستفاد منه العموم مثل : موثّقة ابن أبي يعفور) التي جاء فيها : «اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ، إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» (١) فالشيء في الموثقة كما يشمل الشرط والجزء ، كذلك يشمل وصف الموالاة والترتيب ونحوهما فيعم أخبار التجاوز لاجلها الموردين : الشك في الوجود وفي الصحة.

(أو يجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا برأسه) وذلك من دون التمسك بقاعدة التجاوز المحتملة الاختصاص بالشك في الوجود ، وإنّما اذا شك في الترتيب والموالاة بعد تمام القراءة يتمسك بأصالة الصحة (ومدركه) اي : مدرك أصل الصحة (ظهور حال المسلم) في انه لا يأتي الّا بالعمل الصحيح ، وقد ذكرنا فيما سبق : ان حال الكافر بالنسبة الى أعماله كذلك ، فانه أيضا يبنى عمله على الصحيح في مثل المعاملات ، ولذا يرتّب المسلمون أثر الصحة على معاملات الكفار ، ويتعاملون معهم بالبيع والاجارة والرهن والمضاربة وغيرها.

هذا أو يؤيّد كون أصل الصحة أصلا برأسه وانه غير قاعدة الفراغ كلام بعض

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

٣٥

قال فخر الدين في الايضاح في مسألة الشك في بعض أفعال الطهارة : «إنّ الأصل في فعل العاقل المكلّف الذي يقصد براءة ذمته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفيّة والكميّة الصحّة» ، انتهى.

ويمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدّم في قوله : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ» فانّه بمنزلة صغرى لقوله ، فاذا كان أذكر فلا يترك ممّا يعتبر في صحّة عمله الذي يريد براءة ذمته ، لأنّ الترك سهوا خلاف فرض الذكر ، وعمدا خلاف إرادة الابراء.

______________________________________________________

الفقهاء في ذلك ، فقد (قال فخر الدين في الايضاح في مسألة الشك في بعض أفعال الطهارة : «إنّ الأصل) اي : ظاهر الحال ، لا الأصل بمعنى الاستصحاب (في فعل العاقل المكلّف الذي يقصد براءة ذمته بفعل صحيح) اي : لانه يعتقد انه لو فعل الشيء صحيحا برئت ذمته ، والّا لم تبرأ ذمته (وهو يعلم الكيفيّة والكميّة) ككمية ركعات الصلاة وكيفيتها هو : (الصحّة») وهذا خبر قوله : «ان الاصل» (انتهى) كلام الايضاح.

هذا (ويمكن استفادة اعتباره) اي : اعتبار أصل الصحة في فعل الفاعل (من عموم التعليل المتقدّم في قوله) عليه‌السلام : («هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ» (١)) وإنّما يستفاد ذلك منه ، لانه كما قال : (فانّه بمنزلة صغرى لقوله : فاذا كان أذكر فلا يترك مما يعتبر في صحّة عمله الذي يريد براءة ذمته) منه شيئا (لأنّ الترك سهوا خلاف فرض الذكر) الذي أشار اليه بقوله عليه‌السلام : «أذكر» (وعمدا خلاف إرادة الابراء) التي هي ظاهر حال كل عاقل ، فان ظاهر حال العاقل انه يريد

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٩.

٣٦

الموضع السابع :

الظاهر أنّ المراد بالشك في موضع هذا الاصل هو الشك الطارئ بسبب الغفلة عن صورة العمل ، فلو علم كيفية غسل اليد وأنّه كان بارتماسها في الماء ، لكن شكّ في أنّ ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا ، ففي الحكم بعدم الالتفات ،

______________________________________________________

ابراء ذمته ، لا اللعب والعبث وما أشبه ذلك ، فان الترك امّا عمدي واما سهوي ، وكلاهما ممنوع لما ذكرناه ، فالعمل يكون صحيحا.

(الموضع السابع) : لو التفت الى وجود شيء في اعضائه وشك في مانعية الموجود ، وذلك حال الوضوء أو الغسل أو التيمم ، فلم يفحص عنه واتى بالعمل مع ذلك الشك ، فقاعدة الشك بعد الفراغ لا تشمله ، لان ظاهر الشك في القاعدة ان يكون العامل شاكا بعد العمل في انه هل غفل حال العمل ام لم يغفل؟ لا ان يعلم انه كان ملتفتا حال العمل ، وإنّما كان شكه في مانعية الموجود ، وذلك لأن (الظاهر أنّ المراد بالشك في موضع هذا الاصل) أي : قاعدة الفراغ (هو الشك الطارئ) اي : الحادث (بسبب الغفلة عن صورة العمل) بأن شك بعد الوضوء ـ مثلا ـ في انه هل غفل عند العمل فلم يأت بالوضوء صحيحا ، أو لم يأت بجزء أو شرط منه اصلا ، أو انه لم يغفل حتى جاء بوضوء صحيح؟.

وعليه : (فلو علم كيفية غسل اليد وأنّه كان بارتماسها في الماء ، لكن شكّ في) مانعية الموجود حين الغسل لانه شك ـ مثلا ـ في (أنّ ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا) أو ان شيئا كان على يده لكن لا يعلم هل ان له جرما حتى يبطل وضوءه ، أو ليس له جرم حتى يصح وضوءه؟ (ففي الحكم بعدم الالتفات) الى الشك ، واجراء قاعدة الفراغ ، أو اللازم الالتفات الى الشك وعدم اجراء قاعدة

٣٧

وجهان : من إطلاق بعض الأخبار ، ومن التعليل بقوله : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» ؛ فانّ التعليل يدلّ على تخصيص الحكم بمورده مع عموم السؤال ، فدلّ على نفيه عن غير مورد العلّة.

______________________________________________________

الفراغ (وجهان) كالتالي :

(من إطلاق بعض الأخبار) مثل : قول الإمام الصادق عليه‌السلام : «اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره ، فشكك ليس بشيء» (١) حيث ان اطلاق الشك يشمل القسمين من الشك فتجري قاعدة الفراغ فيه.

(ومن التعليل بقوله) عليه‌السلام : («هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (٢)) فلا يشمل مثل هذا الشك (فانّ التعليل يدلّ على تخصيص الحكم بمورده) اي : بمورد التعليل الذي هو الأذكرية حتى (مع عموم السؤال).

إذن : فالشك بعد الوضوء الذي هو مسئول عن حكمه من الإمام الصادق عليه‌السلام هنا وان كان يعم كل شك ، الّا ان العلة في الجواب تضيّق دائرة السؤال ، وذلك لأن العلة مضيّقة وموسّعة حسب القرائن الخارجية ، فاذا قال ـ مثلا ـ : لا تأكل الرمان لأنّه حامض ، وسّعت العلة دائرة الرمان الى كل حامض ، فيجب الاجتناب عن كل حامض ، كما انّ العلة نفسها تضيّق دائرة الرمان الى الرمان الحامض فقط ، فلا بأس بأكل الرمان الحلو (فدلّ) التعليل بالأذكرية في قاعدة الفراغ (على نفيه) اي : نفي حكم الفراغ (عن غير مورد العلّة) وهو مورد الشك في مانعية الموجود ، فلا تجري قاعدة الفراغ فيه.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٩.

٣٨

نعم ، لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا ، أو تركه تعمّدا ، والتعليل المذكور بضميمة الكبرى المتقدّمة يدلّ على نفي الاحتمالين.

ولو كان الشك من جهة احتمال وجود الحائل على البدن ، ففي شمول الأخبار له الوجهان.

نعم ، قد يجري هنا أصالة عدم الحائل ، فيحكم بعدمه

______________________________________________________

(نعم ، لا فرق) في جريان قاعدة الفراغ (بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا ، أو تركه تعمّدا) وكذلك بالنسبة الى ترك الوصف (و) ذلك لأنّ (التعليل المذكور) في الرواية بالأذكرية (بضميمة الكبرى المتقدّمة) التي ذكرها المصنّف آخر الموضع السادس بقوله : «فاذا كان أذكر ، فلا يترك ممّا يعتبر في صحة عمله الذي يريد براءة ذمته ، لأنّ الترك سهوا خلاف فرض الذكر ، وعمدا خلاف ارادة الابراء» (يدلّ على نفي الاحتمالين) الترك نسيانا ، أو تركه تعمدا ، اذ مورد التعليل هو : من يريد الابراء وهو متذكر حال الوضوء وليس بغافل أو ساه أو ناس أو مغمى عليه أو ما أشبه ذلك ، فهو اذا كان أذكر لا يترك شيئا عمدا ولا نسيانا ـ على ما عرفت ـ فتجري القاعدة فيهما معا.

هذا (ولو كان الشك من جهة احتمال وجود الحائل على البدن) لا مانعية الموجود ، كما اذا شك في انه هل يوجد على ظهره شيء لاصق به يوجب عدم وصول الماء الى البدن في الغسل ام لا؟ (ففي شمول الأخبار له الوجهان) اللذان تقدما في احتمال مانعية الموجود من جريان قاعدة الفراغ وعدم جريانها.

(نعم ، قد يجري هنا أصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه) من باب الاستصحاب ، لانه لم يكن قبل ان يتوضأ أو يغتسل حائل على اعضائه ، فاذا شك

٣٩

حتى لو لم يفرغ عن الوضوء ، بل لم يشرع في غسل موضع احتمال الحائل ، لكنّه من الاصول المثبتة ، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في بعض الامور المتقدّمة.

______________________________________________________

في انه هل وجد حائل ام لا؟ يستصحب عدمه ، وذلك (حتى لو لم يفرغ عن الوضوء ، بل) حتى ولو (لم يشرع في غسل موضع احتمال الحائل) فانه مع ذلك لا يلزم التحقيق والتدقيق (لكنّه من الاصول المثبتة) وهو غير حجة ، لوضوح : ان وصول الماء الى البشرة من اللوازم العادية لعدم الحائل.

وربّما يفصّل بين ما كان الشك في وجود الحائل عقلائيا ، كشك من يعمل في القير والصبغ وشبههما ، فلا تجري القاعدة ويلزم التحقيق عند ارادة الغسل ونحوه ، وبين ما كان الشك فيه غير عقلائي ، كشك من لا ربط له بالقير وما أشبه ، فلا يلزم التحقيق ، ولو شك بعد ذلك تجري القاعدة ، وحيث ان المسألة مفصلة في الفقه نكتفي بهذا المقدار من بيانها.

هذا (وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك) اي : في الاصل المثبت ، وذلك (في بعض الامور المتقدّمة) اي : في الأمر السادس من الامور التي قال المصنّف فيها : «وينبغي التنبيه على امور» حيث تقدّم هناك أمثلة لهذا الاصل مثل : أصالة بقاء زيد في اللفاف المثبت للقتل ، وذلك فيما اذا ضرب عمرو بالسيف على اللفاف وشك في انه هل كان زيد باقيا فيه حتى يكون مقتولا ام لا؟ وقلنا : انه لاعتبار بالاصل المثبت بناء على كون الاصل حجة من باب الاخبار ، بخلاف ما اذا كان حجة من باب الظن ، الّا اذا اختفت الواسطة وذلك على التفصيل المتقدّم.

٤٠