الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-14-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الاصل أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلم.

مع أنّ الإمام عليه‌السلام قال لحفص بن غياث ـ بعد الحكم بأنّ اليد دليل الملك ، ويجوز الشهادة بالملك بمجرّد اليد ـ : «أنّه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» ، فيدلّ بفحواه على اعتبار أصالة الصحة في أعمال المسلمين ، مضافا الى دلالته بظاهر اللفظ ،

______________________________________________________

ثالثا : (بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الاصل) في نظام المعاش والمعاد (أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلم) وقد تقدّم : ان الشارع جعل يد المسلم حجة ، فاذا كان اليد حجة كان أصل الصحة حجة بطريق أولى.

رابعا : (مع أنّ الإمام عليه‌السلام قال لحفص بن غياث ـ بعد الحكم بأنّ اليد دليل الملك ، ويجوز الشهادة بالملك بمجرّد اليد ـ) يعني : اليد كافية لجواز الشهادة طبقها : فاذا كان ـ مثلا ـ قلم بيد زيد وادعى زيد ان القلم ملكه ، تمكن عمرو من أن يشهد عند الحاكم بأن هذا القلم ملك لزيد ، والإمام عليه‌السلام بعد ان بيّن ذلك قال : («أنّه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» (١) ، فيدلّ بفحواه) اي : بمناطه القطعي ومفهوم الاولوية القطعية (على اعتبار أصالة الصحة في أعمال المسلمين).

خامسا : (مضافا الى دلالته بظاهر اللفظ) اي : بالمنطوق ، فان التعليل ظاهر في العموم ، وانه كلّما يوجب عدم قيام السوق للمسلمين يكون باطلا كما قال :

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٥١ ب ٢ ح ٣٣٠٧ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٦٢ ب ٢٢ ح ١٠٠ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٩٢ ب ٢٥ ح ٣٣٧٨٠.

٦١

حيث انّ الظاهر : أنّ كلّ ما لولاه لزم الاختلال ، فهو حقّ ، لأنّ الاختلال باطل ، والمستلزم للباطل باطل ، فنقيضه حقّ ، وهو اعتبار أصالة الصحة عند الشك في صحة ما صدر عن الغير.

ويشير إليه أيضا : ما ورد من نفي الحرج ، وتوسعة الدّين وذمّ من ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم.

______________________________________________________

(حيث انّ الظاهر : أنّ كلّ ما لولاه لزم الاختلال) بمعاش المسلمين ومعادهم (فهو حقّ) يدا كان أو سوق المسلمين أو أرض الاسلام أو اصالة الصحة أو غيرها ، وذلك (لأنّ الاختلال باطل) قطعا ، لانه خلاف الغرض (والمستلزم للباطل) مثل : عدم اعتبار أصالة الصحة : أو اليد أو السوق أو ما أشبه (باطل فنقيضه حقّ).

وإنّما كان نقيضه حقا ، لعدم امكان الجمع بين النقيضين (وهو) اي : نقيضه : (اعتبار أصالة الصحة عند الشك في صحة ما صدر عن الغير) ومن الواضح : ان هذا دليل عقلي ، لا انه حكم العقل ، فان حكم العقل مثل استحالة اجتماع النقيضين ممّا لا يعقل خلافه ، امّا الدليل العقلي فمن الممكن خلافه ، الّا انه خلاف موازين العقلاء ، كما سبق في بعض مباحث الكتاب الالماع اليه.

سادسا : (ويشير إليه) اي : الى بطلان ما كان موجبا لاختلال أمر المعاش والمعاد (أيضا : ما ورد من نفي الحرج ، وتوسعة الدّين) حيث قال سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) وقال عليه‌السلام : «ان شيعتنا في أوسع ممّا بين ذه وذه» وأشار الى السماء والارض (٢) (وذمّ من ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم) مثل :

__________________

(١) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.

(٢) ـ تأويل الآيات : ص ١٧٦ وقريب منه في بحار الانوار : ج ٦٠ ص ٤٦ ب ٣٠ ح ٢٧.

٦٢

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل :

إنّ المحمول عليه فعل المسلم هل الصحة باعتقاد الفاعل أو الصحة الواقعيّة؟.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : «ان الخوارج ضيّقوا على انفسهم بجهالتهم» (١) أي : ان جهلهم بالاحكام ـ ومنها أصالة الصحة في فعل الغير ، وخاصّة في فعل علي عليه‌السلام مع عملهم بنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه ، وقوله فيه : «علي مع الحق ، والحق مع علي يدور معه حيثما دار» (٢) ـ سبّب الضيق عليهم ، كما ورد مثل ذلك بالنسبة لأهل الكتاب من قبلهم حيث قال سبحانه : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (٣).

ومن المعلوم : ان ترك العمل بأصل الصحة يوجب ضيقا وحرجا على الانسان.

(وينبغي التنبيه على أمور) تالية :

(الأوّل : إنّ المحمول عليه فعل المسلم هل الصحة) الاعتقادية ، وهو الصحيح (باعتقاد الفاعل) وتطابقه مع اعتقاد الحامل (أو الصحة الواقعيّة) الاعم من تطابق الاعتقادين؟ احتمالان بل قولان.

مثلا : لو كان زيد يرى تحريم عشر رضعات ، وعمرو لا يرى التحريم ، فتزوّج عمرو بالتي ارتضعت معه عشر رضعات ، وبعد موت عمرو جاء الورثة الى زيد

__________________

(١) ـ قرب الاسناد : ص ١٧١ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٣٦٨ ب ١٣ ح ٦١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٥٧ ح ٧٩١ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٩١ ب ٥٠ ح ٤٢٦٢ وج ٤ ص ٤٥٦ ب ٥٥ ح ٥٧٠١.

(٢) ـ تاريخ ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٤٤٩ ، ينابيع المودة : ج ١ ص ٢٦٩ ، المعيار والموازنة : ص ١١٩ ، تاريخ بغداد : ج ١٤ ص ٣٢٢.

(٣) ـ سورة النساء : الآية ١٦٠.

٦٣

فلو علم أنّ معتقد الفاعل ـ اعتقادا يعذر فيه صحة البيع ، أو النكاح بالفارسي ،

______________________________________________________

ليقسّم الارث بينهم ، فان كان المعيار الصحة الاعتقادية بمعنى : تطابق الاعتقادين ، فزيد لا يتمكن ان يورّث زوجة عمرو من عمرو لانها باعتقاد زيد ليست زوجة عمرو ، واما اذا كان المعيار الصحة الواقعية الاعم من تطابق الاعتقادين ، فعلى زيد ان يورّث زوجة عمرو من عمرو ، لانها زوجة عمرو باعتقاد عمرو.

هذا ، وقبل الدخول في المطلب نقول : ان ما نراه هنا هو : ان اصالة الصحة جارية مطلقا ، سواء تطابق الاعتقادان للفاعل والحامل على الصحيح أو لا ، الّا في صورة واحدة وهي : صورة تباين الاعتقادين ، وذلك بان علم الحامل بان اعتقاد الفاعل مخالف لاعتقاده وقطعي البطلان ، وعلم ايضا ان الفاعل يأتي به حسب اعتقاده هو ، في حين انه يرى ان الصحيح عند الفاعل لا يكفي ، فان هذه الصورة فقط يقطع بخروجها عن السيرة وعن الاجماع وعن التعليل : «لما قام للمسلمين سوق» (١) وما أشبهها من الادلة ، وذلك : كما لو كان الإمام يرى وجوب الجهر في القراءة يوم الجمعة ، والمأموم يرى وجوب الاخفات ، مع قطعه ببطلان اعتقاد الإمام ، وعلم ايضا ان الإمام يأتي بالقراءة حسب اعتقاده هو ، في حين انه يرى ان الصحيح عند الإمام لا يكفي حتى يصح له الاقتداء به ، ففي هذه الصورة فقط لا تجري أصالة الصحة ، ولا يتمكن من الاقتداء به ، دون سائر الصور.

وكيف كان : (فلو علم أنّ معتقد الفاعل ـ اعتقادا يعذر فيه) لاجتهاد أو تقليد أو قطع ـ (صحة البيع ، أو النكاح بالفارسي) كما انه يصح عنده بالعربية ايضا

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٥١ ب ٢ ح ٣٣٠٧ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٦٢ ب ٢٢ ح ١٠٠ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٩٢ ب ٢٥ ح ٣٣٧٨٠.

٦٤

فشك فيما صدر عنه مع اعتقاد الشاك اعتبار العربية ، فهل يحمل على كونه واقعا بالعربي؟ حتى اذا ادّعي عليه أنّه أوقعه بالفارسي وادّعى هو أنّه أوقعه بالعربي ، فهل يحكم الحاكم المعتقد بفساد الفارسي بوقوعه بالعربي أم لا؟ وجهان بل قولان.

ظاهر المشهور : الحمل على الصحة الواقعية ، فاذا شك المأموم في أنّ الإمام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها أم لا ، جاز له الائتمام به وإن لم يكن له ذلك اذا علم بتركها.

______________________________________________________

(فشك) الحامل (فيما صدر عنه) أي : عن الفاعل من بيع أو نكاح في عربيته وفارسيته (مع اعتقاد الشاك) أي : الحامل (اعتبار العربية) في البيع والنكاح وبطلان الفارسية (فهل يحمل) عقد الفاعل نكاحا أو بيعا (على كونه واقعا بالعربي؟ حتى اذا) حدث اختلاف وترافع الى الحاكم الشرعي و (ادّعي عليه أنّه أوقعه بالفارسي) فعقده باطل (وادّعى هو أنّه أوقعه بالعربي) فعقده صحيح (فهل يحكم الحاكم المعتقد بفساد الفارسي بوقوعه بالعربي) لأصالة الصحة وهو معنى الصحة الواقعية (أم لا؟) لانه ليس هنا مجال الحمل على الصحيح وهو معنى الصحة الاعتقادية؟.

(وجهان) في المسألة (بل قولان) للفقهاء فيها :

(ظاهر المشهور : الحمل على الصحة الواقعية ، فاذا شك المأموم في أنّ الإمام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها أم لا ، جاز له الائتمام به) أي : بهذا الإمام ، فان جواز الائتمام هنا من آثار الحمل على الصحة الواقعية (وإن لم يكن له) أي : للمأموم (ذلك) الائتمام (اذا علم بتركها) أي : علم بأن الإمام يترك السورة ، لان المفروض : ان المأموم يعتقد بلزوم السورة ، وكذلك نراهم في المخاصمات

٦٥

ويظهر من بعض المتأخّرين خلافه.

قال في المدارك ، في شرح قول المحقق : «ولو اختلف الزوجان : فادّعى أحدهما وقوع العقد في حال الاحرام وأنكر الآخر ، فالقول ، قول من يدّعي الاحلال ، ترجيحا لجانب الصحة» ، قال : «إنّ : الحمل على الصحة ، إنّما يتمّ اذا كان المدّعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالما بفساد ذلك ، أمّا مع اعترافه بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة» ،

______________________________________________________

يحكمون بان الاصل الصحة ، فيما اذا اختلفا في ان العقد الذي أجرياه كان صحيحا أم لا ، ومعلوم : ان الحكم بصحة فعل الغير من دون تقيد بصورة تطابق الاعتقادين دليل على انهم يحملون فعل الغير على الصحة الواقعية.

(ويظهر من بعض المتأخّرين خلافه) أي : خلاف الحمل على الصحة الواقعية بل الحمل على الصحة الاعتقادية ، فقد (قال في المدارك ، في شرح قول المحقق) في الشرائع : («ولو اختلف الزوجان : فادّعى أحدهما وقوع العقد في حال الاحرام) حتى يكون العقد باطلا (وأنكر الآخر) وقوعه في حال الاحرام وادّعى وقوعه حال الاحلال حتى يكون العقد صحيحا ، قال : (فالقول ، قول من يدّعي الاحلال ، ترجيحا لجانب الصحة») وهذا هو معنى الصحة الواقعية.

لكن (قال) صاحب المدارك في شرح هذا الكلام : («إنّ : الحمل على الصحة ، إنّما يتمّ اذا كان المدّعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالما بفساد ذلك) أي : عالما بأن العقد في حال الاحرام باطل ، ومعلوم ان المسلم لا يفعل ما هو باطل مع علمه بالبطلان ، فيحمل على الصحة ويترتب عليه الاثر (أمّا مع اعترافه) أي : مع اعتراف المدعي لوقوع العقد في حال الاحرام (بالجهل) وعدم العلم بأنّ العقد في حال الاحرام باطل (فلا وجه للحمل على الصحة») حينئذ حتى يترتب

٦٦

انتهى.

ويظهر ذلك من بعض من عاصرناه ، في اصوله وفروعه حيث تمسّك في الأصل بالغلبة ، بل ويمكن إسناد هذا القول الى كلّ من استند في هذا الاصل

______________________________________________________

عليه الاثر ، بل اللازم التماس دليل آخر يؤيّد الصحة أو البطلان ، وهذا هو معنى الصحة الاعتقادية.

(انتهى) كلام السيد محمد صاحب المدارك ، فانه يظهر من كلامه هذا : بأنّ الصحة عنده هي الصحة الاعتقادية دون الواقعية ، لوضوح : انه لو كان يحمل فعل الغير على الصحة الواقعية ، لم يفرّق في ترتيب الأثر بين صورة علم العاقد بفساد العقد ، وبين جهله بالفساد ، وإنّما كان يطلق الحكم بذلك كما اطلق المحقق.

(ويظهر ذلك) أي : الحمل على الصحة الاعتقادية توافقا للمدارك على خلاف المشهور (من بعض من عاصرناه في اصوله وفروعه) وهو صاحب القوانين (حيث تمسّك في الأصل) أي : أصالة الصحة في فعل الغير (بالغلبة) فان الغالب على المسلمين هو : ان أحدهم يأتي بالعمل الصحيح بحسب اعتقاده ، لا بالعمل الصحيح في الواقع ، ومن المعلوم : ان الصحيح بحسب اعتقاده قد يكون باطلا واقعا ، اذ بين الصحيح الاعتقادي والصحيح الواقعي عموم من وجه ، واذا كان العمل صحيحا في اعتقاد الفاعل غير صحيح في اعتقاد الحامل ، لا يصح للحامل ترتيب أثر الصحيح على فعل الفاعل ، فاللازم ان يقال إنّما يحمل فعل الغير على الصحيح اذا تطابق الاعتقادان وهو معنى الحمل على الصحة الاعتقادية.

(بل ويمكن إسناد هذا القول) وهو الحمل على الصحة الاعتقادية المطابق للمدارك والقوانين (الى كلّ من استند في هذا الاصل) أي : اصل الصحة

٦٧

الى ظاهر حال المسلم ، كالعلّامة وجماعة ممن تأخر عنه ، فانّه لا يشمل صورة اعتقاد الصحة ، خصوصا اذا كان قد أمضاه الشارع لاجتهاد أو تقليد أو قيام بيّنة أو غير ذلك.

والمسألة محلّ اشكال ، من إطلاق الأصحاب

______________________________________________________

(الى ظاهر حال المسلم ، كالعلّامة وجماعة ممن تأخر عنه) فان ظاهر حال المسلم وان كان هو العمل حسب ما يصح في اعتقاده ، الّا انه قد يكون اعتقاده باطلا واقعا ، فلا يصح للحامل المختلف اعتقاده مع اعتقاد الفاعل ، ترتيب أثر الصحيح على فعل الفاعل ، الصحيح عنده فقط (فانّه لا يشمل صورة اعتقاد الصحة) من الفاعل فقط ، فكيف بصورة جهله بالمسألة؟ وإنّما يلزم حمله على الصحيح في صورة تطابق الاعتقادين ، وهذا هو معنى الحمل على الصحة الاعتقادية.

(خصوصا اذا كان قد أمضاه) أي : امضى اعتقاد الفاعل (الشارع لاجتهاد أو تقليد) في الاحكام (أو قيام بيّنة أو غير ذلك) من يد وسوق وأرض وما اشبه ذلك في الموضوعات ، فانه بالاضافة الى عدم اقتضاء دليل حال المسلم اكثر من الحمل على الصحة الاعتقادية ، ان مع حجية اعتقاد الفاعل شرعا يبعد الحمل على الصحة الواقعية.

هذا (والمسألة) بعد (محلّ اشكال) وتأمل في انه ما هو المراد من الحمل على الصحة؟ هو هو الحمل على الصحة الواقعية ، أو الصحة الاعتقادية؟ وهذا الاشكال ناشئ (من إطلاق الأصحاب) القول بالحمل على الصحة ، وعدم تقييده بصورة تطابق الاعتقادين ممّا يكشف عن كون الحمل على الصحة عندهم هي الصحة الواقعية.

٦٨

ومن عدم مساعدة أدلّتهم ، فانّ العمدة الاجماع ولزوم الاختلال.

والاجماع الفتوائي مع ما عرفت مشكل ، والعملي في مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحة أيضا مشكل.

والاختلال يندفع بالحمل على الصحة في غير المورد المذكور.

______________________________________________________

(ومن عدم مساعدة أدلّتهم) على الاطلاق ممّا يكشف عن ان الحمل على الصحة إنّما هي الصحة الاعتقادية أي : في صورة تطابق الاعتقادين وذلك كما قال : (فانّ العمدة) أي : عمدة أدلة الاصحاب هو : (الاجماع ولزوم الاختلال) وكلاهما قاصران عن الادلة على الاطلاق ، فلا يشملان الّا صورة تطابق الاعتقادين.

أما الاجماع بقسميه : الفتوائي والعملي فلأنه كما قال : (والاجماع الفتوائي مع ما عرفت) من ظهور مخالفة صاحب المدارك وصاحب القوانين ، بل كل من استند في أصل الصحة الى الغلبة أو الى ظاهر حال المسلم ، فإنّه (مشكل) اذ لا اجماع في المسألة ، لان ظاهر فتاوى جماعة هو : مجرد الحمل على الصحة الاعتقادية ، لا ترتيب الآثار حتى في صورة عدم تطابق الاعتقادين.

هذا بالنسبة الى الاجماع الفتوائي (و) اما بالنسبة الى الاجماع (العملي) الذي هو عبارة أخرى عن السيرة ، فانها (في مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحة ايضا مشكل) اذ قد عرفت : ان المتسالم عليه هو : ترتيب آثار الصحة الواقعية في صورة تطابق الاعتقادين لا مطلقا.

(و) أمّا دليلهم الثاني وهو : لزوم (الاختلال) في امر المعاد والمعاش ، فانه (يندفع بالحمل على الصحة في غير المورد المذكور) الذي يتخالف فيه الاعتقادان ، فانا اذا عملنا بأصل الصحة في صورة تطابق الاعتقادين لا يلزم

٦٩

وتفصيل المسألة ان الشاكّ في الفعل الصادر من غيره ، إمّا أن يكون عالما بعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسده ، وإمّا أن يكون عالما بجهله ، وإمّا أن يكون جاهلا بحاله.

فان علم بعلمه بالصحيح والفاسد ، فامّا أن يعلم بمطابقة اعتقاده لاعتقاد الشاك ، أو يعلم مخالفته ، أو يجهل الحال ،

______________________________________________________

منه الاختلال ، وحيث لا اجماع ولا اختلال ، فمن اين يثبت القول بحمل فعل الغير على الصحة مطلقا ، حتى يكون بمعنى الصحة الواقعيّة؟.

هذا هو اجمال المسألة (و) اما (تفصيل المسألة) فهو على ما ذكره المصنّف ذو صور خمس ، اذ (ان الشاكّ في الفعل الصادر من غيره إمّا أن يكون عالما بعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسده) أي : يعلم الحامل بانّ الفاعل يعلم ان الصلاة بلا وضوء فاسدة ، وانها مع الوضوء صحيحة ـ مثلا ـ علما بان هذه الصّورة مقسم لثلاث صور (وإمّا أن يكون عالما بجهله) أي : جهل الفاعل بالصحيح والفاسد وهذه صورة رابعة (وإمّا أن يكون) الحامل (جاهلا بحاله) أي : جاهلا بحال الفاعل وهذه هي الصورة الخامسة.

أما الصورة الاولى فقد اشار اليها المصنّف بقوله : (فان علم بعلمه بالصحيح والفاسد) أي : علم الحامل بأنّ الفاعل يعلم الصحيح والفاسد ، فهي على ثلاث صور :

الاولى : (فامّا أن يعلم بمطابقة اعتقاده لاعتقاد الشاك) أي : يعلم بتطابق الاعتقادين.

الثانية : (أو يعلم مخالفته) أي : يعلم بتخالف الاعتقادين.

الثالثة : (أو يجهل الحال) من حيث تطابق الاعتقادين ، وعدم تطابقهما ،

٧٠

لا اشكال في الحمل في الصورة الاولى.

وأمّا الثانية ، فان لم يتصادق اعتقادهما بالصحة في فعل كأن اعتقد أحدهما : وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة ، والآخر : وجوب الاخفات ، فلا اشكال في وجوب الحمل على الصحيح باعتقاد الفاعل ؛ وإن تصادقا ـ كما في العقد بالعربي والفارسي ـ

______________________________________________________

وهذا هو تصوير الصور الثلاث.

وأمّا أحكام هذه الصور الثلاث فهي كما قال : (لا اشكال في الحمل) على الصحة بترتيب الآثار على فعل الغير (في الصورة الاولى) وهي : صورة تطابق الاعتقادين.

(وأمّا الثانية) وهي صورة تخالف الاعتقادين (فان لم يتصادق اعتقادهما بالصحة في فعل) وذلك بأن كان اعتقادهما متباينين (كأن اعتقد أحدهما : وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة ، والآخر : وجوب الاخفات ، فلا اشكال في وجوب الحمل على الصحيح باعتقاد الفاعل) بأن يقال : ان المصلّي ـ بحسب اعتقاده الممضى شرعا لاجتهاد أو تقليد ـ صلاته صحيحة يقينا باعتقاده ، أمّا حمل فعله على الصحيح الواقعي ، حتى يصح المخالفة في الاعتقاد ان يأتمّ به ، فلا.

هذا اذا تخالفا بالتباين ، واما اذا تخالفا بالعموم المطلق ، فهو ما أشار اليه المصنّف بقوله : (وإن تصادقا) بالصحة في فعل (كما في العقد بالعربي والفارسي) وذلك بان يعتقد الفاعل صحة النكاح بكل من العربي والفارسي ، ويعتقد الحامل صحته بالعربي فقط ، وأجرى الفاعل عقدا لم يعلم الحامل هل انه عقدا فارسيا حتى يبطل عقده ، أو عقدا عربيا حتى يصح عقده؟ فإنّ لهذا احتمالين :

٧١

فان قلنا : إنّ العقد بالفارسي منه سبب لترتب الآثار عليه ، من كلّ أحد ، حتى المعتقد بفساده ، فلا ثمرة في الحمل على معتقد الحامل أو الفاعل.

وإن قلنا بالعدم ، كما هو الأقوى ففيه الاشكال المتقدّم : من تعميم الاصحاب في فتاواهم وفي بعض معاقد إجماعاتهم على تقديم قول مدّعي الصحة ، ومن اختصاص الأدلة بغير هذه الصورة.

وإن جهل الحال ،

______________________________________________________

(فان قلنا : إنّ العقد بالفارسي منه) أي : من المعتقد بصحة العقد الفارسي (سبب لترتب الآثار عليه ، من كلّ أحد ، حتى المعتقد بفساده) بمعنى : ان الحكم الظاهري في حق أحد يكون نافذا في حق الآخر ايضا (فلا ثمرة) للخلاف بين الفاعل والحامل (في الحمل على معتقد الحامل أو الفاعل) لانه حينئذ يحكم بترتيب الآثار عليه ويكون صورة التخالف بالعموم المطلق صورة التطابق الكلي من حيث الحكم ، وكذا يكون حال ما اذا كان التخالف بينهما على نحو العموم من وجه.

(وإن قلنا بالعدم) أي : بعدم ترتيب الأثر عليه من كل احد حتى المعتقد بفساده (كما هو الأقوى) عند المصنّف (ففيه الاشكال المتقدّم : من تعميم الاصحاب في فتاواهم وفي بعض معاقد إجماعاتهم) المنقولة عنهم (على تقديم قول مدّعي الصحة) الكاشف عن ان الحمل على الصحة عندهم هي الصحة الواقعية (ومن اختصاص الأدلة بغير هذه الصورة) أي : غير صورة الاطلاق الظاهر من الاصحاب ، وذلك لانصرافها الى صورة تطابق الاعتقادين ممّا يكشف عن كون الحمل على الصحة هي الصحة الاعتقادية ، لا الصحة الواقعية.

الثالثة : (وإن جهل) الحامل (الحال) ولم يعلم بانّ اعتقاد الفاعل

٧٢

فالظاهر الحمل لجريان الأدلّة بل يمكن جريان الحمل على الصحة في اعتقاده ، فيحمل على كونه مطابقا لاعتقاد الحامل ، لأنّه الصحيح.

وإن كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصحيح والفاسد ، ففيه ايضا الاشكال

______________________________________________________

هل هو مطابق لاعتقاده أو مخالف له؟ (فالظاهر الحمل) لفعل الفاعل في هذه الصورة على الصحة ، وذلك (لجريان الأدلّة) فان أدلة الحمل على الصحة تشمل هذه الصورة ، لان اغلب موارد الشك في الصحة من هذا القبيل ، فاذا لم يرتب الحامل الصحة في هذه الصورة على فعل الفاعل لزم منه اختلال النظام ، مضافا الى ان السيرة في هذه الصورة جارية على حمل فعل الفاعل على الصحة.

(بل يمكن جريان الحمل على الصحة) هنا لا في فعل الفاعل فحسب ، بل (في اعتقاده) ايضا ، فكما ان فعل الفاعل الخارجي ، المشكوك الصحة والفساد يجري فيه الحمل على الصحة ، كذلك اعتقاده القلبي المشكوك الصحة والفساد (فيحمل) الحامل (على كونه) أي : اعتقاد الفاعل (مطابقا لاعتقاد الحامل ، لأنّه الصحيح) باعتقاد الحامل ، فيكون حاصل الصورة الثالثة هو : الحمل على الصحة فعلا واعتقادا بمعنى ان يقول الحامل : ان فعل الفاعل واعتقاد الفاعل كلاهما مطابقان لاعتقادي.

وأمّا الصورة الرابعة وحكمها ، فهو ما اشار اليه المصنّف بقوله : (وإن كان) أي : الحامل (عالما بجهله بالحال) أي : عالما بأن الفاعل جاهل بالمسألة (وعدم علمه) أي : وعالما بعدم علم الفاعل (بالصحيح والفاسد) ومع ذلك عمل عملا ، ولم نعلم هل انه اتى به صحيحا أو باطلا؟ كما اذا علمنا بانه لا يعلم بوجوب الوضوء عليه وصلّى ، فهل يصح لنا ان نأتم به ام لا؟ (ففيه ايضا الاشكال

٧٣

المتقدّم ، خصوصا اذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب ، كما اذا علمنا أنّه أقدم على بيع أحد المشتبهين بالنجس ، إلّا أنّه يحتمل أن يكون قد اتفق المبيع غير نجس.

وكذا إن كان جاهلا بحاله.

إلّا أنّ الاشكال في بعض هذه الصور أهون منه في بعض ،

______________________________________________________

المتقدّم) من الاطلاق من ناحية ، ومن عدم شمول الأدلة لمثله من ناحية ثانية.

(خصوصا اذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب) عمّا وقع العقد عليه ـ مثلا ـ لكونه طرفا للشبهة المحصورة (كما اذا علمنا أنّه أقدم على بيع أحد المشتبهين بالنجس) فانه اذا كان شيئان احدهما نجس ، لزم على المالك ان يجتنب عن بيعهما معا للعلم الاجمالي (إلّا أنّه) مع علمنا بذلك (يحتمل أن يكون قد اتفق المبيع غير نجس) وانه كان ظاهرا واقعا ، فهل هذا الاحتمال مع علمنا ذلك يكون مبررا لحمل فعله على الصحيح أم لا؟ يقول المصنّف : انه مشكل خصوصا هذه الصورة ، وقال : خصوصا ، لاضافة اشكال الشبهة المحصورة فيها الى اشكال عدم شمول الأدلة لها.

وأمّا الصورة الخامسة وحكمها ، فقد اشار اليها المصنّف بقوله : (وكذا) يجيء الاشكال المتقدّم : من ان الأدلّة لا تشمل مثل هذه الصورة الخامسة ايضا ، وهي (إن كان) الحامل (جاهلا بحاله) أي : بحال الفاعل ، وذلك بان لا يعلم الحامل هل إنّ الفاعل جاهل بالمسألة ، أو هو عالم بها؟.

ثمّ ان المصنّف قال بعد اتمام كلامه في الصور الخمس وبيانه لاحكامها : (إلّا أنّ الاشكال في بعض هذه الصور أهون منه) أي : من الاشكال (في بعض)

٧٤

فلا بد من التتبع والتأمّل.

______________________________________________________

الصور الأخرى ، مثلا : الاشكال في قوله : «وان كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصحيح والفاسد» أهون من الاشكال في الصورة التي ذكرها بقوله بعد ذلك : «خصوصا اذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب» وهكذا.

وعليه : (فلا بد من التتبع والتأمّل) في الصور كلها حتى يظهر : ان ايّ صورة منها يطابق الأدلة فيحمل على الصحيح ، وايّ صورة منها لا يطابق الادلة فلا يحمل على الصحيح ، علما بان صور المسألة ـ على البيان التالي ـ تكون ثمان صور :

الاولى : التطابق بين الاعتقادين.

الثانية : كون اعتقاد الحامل أعم من اعتقاد الفاعل.

الثالثة : عكس ذلك.

الرابعة : كون العموم من وجه بين الاعتقادين.

الخامسة : تباين الاعتقادين.

السادسة : الجهل بالتطابق والتباين.

السابعة : كون الفاعل جاهلا بالمسألة.

الثامنة : كون الفاعل مجهول الحال من حيث العلم والجهل بالمسألة.

هذا ، وقد عرفت ـ على ما سبق منا ـ إنّ مقتضى القاعدة هو : الحمل على الصحة في جميعها ، الّا الصورة التي استثنيناها في أوّل التنبيه ، وهي صورة مقيدة بأربعة قيود.

٧٥

الأمر الثاني :

إنّ الظاهر من المحقق الثاني أنّ أصالة الصحة إنّما تجري في العقود بعد استكمال العقد للأركان.

قال في جامع المقاصد : فيما لو اختلف الضامن والمضمون له ، فقال الضامن : ضمنت وأنا صبيّ ـ بعد ما رجّح تقديم قول الضامن ـ

______________________________________________________

(الأمر الثاني :) ان الشك في صحة العقد وفساده ، قد يكون من جهة احتمال فقد ركن مقوّم ، وهذا يسمّى : الشك في المقتضى ، وقد يكون من جهة احتمال طروّ مفسد ، وهذا يسمّى : الشك في وجود المانع ، والكلام هنا في هذا الأمر هو في انه هل يحمل على الصحة في كلا الشكّين أم لا؟.

الظاهر : الحمل في كليهما ، الّا ما ذكرناه في التنبيه الاول ، خلافا لآخرين ، حيث فصّلوا في المسألة على ما ستعرفه منهم إن شاء الله تعالى.

قال المصنّف : (إنّ الظاهر من المحقق الثاني) وهو المحقق الكركي صاحب جامع المقاصد (أنّ أصالة الصحة انّما تجري في العقود بعد استكمال العقد للأركان) من جهة المتعاقدين والعوضين والعقد ، ومعناه : انه اذا كان الشك في وجود المانع جرت أصالة الصحة فيه ، واما اذا كان الشك في المقتضي فلا تجري أصالة الصحة فيه.

(قال في جامع المقاصد : فيما لو اختلف الضامن والمضمون له ، فقال الضامن : ضمنت وأنا صبيّ) وأنكر الصباوة المضمون له وقال : بل ضمنت وانت كامل ، قال المحقق الكركي ذلك (بعد ما رجّح تقديم قول الضامن) الذي يدّعي الصباوة حال الضمان ، وإنّما رجّح تقديم قول الضامن لدليلين : لأصالة الفساد ، وبراءة ذمة

٧٦

ما هذا لفظه : «فان قلت : للمضمون له أصالة الصحة في العقود ، وظاهر حال البالغ أنّه لا يتصرّف باطلا.

قلنا إنّ الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها ليتحقق وجود العقد ، أمّا قبله فلا وجود له ، فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحرّ ، أو العبد؟ حلف منكر وقوع العقد على العبد ،

______________________________________________________

الضامن ، فانه قال بعد ذلك (ما هذا لفظه : «فان قلت : للمضمون له) دليلان :

أولا : (أصالة الصحة في العقود ، و) أصل الصحة مقدّم على أصل الفساد.

ثانيا : ظهور حال المسلم في الصحة ، لان (ظاهر حال البالغ أنّه لا يتصرّف باطلا) بل صحيحا ، فيلزم من هذين الدليلين الدالين على صحة العقد ، تقديم قول المضمون له ، الذي يدعي الصحة بكمال الضامن.

قال المحقق الكركي : إن قلتم ذلك (قلنا) في الجواب عن الدليل الاول : (إنّ الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها) أي : بعد تمام المقتضي ، وذلك (ليتحقق وجود العقد) ويكون الشك في وجود المانع (أمّا قبله) أي : قبل استكمال الاركان (فلا وجود له) أي : للعقد حتى نقول : بان الأصل الصحة ، ومعنى ذلك : انه اذا كان الشك في طروّ المفسد جرى أصل الصحة ، لأنّ الأصل بعد تحقق العقد هو : عدم طروّ المفسد عليه ، وامّا اذا كان الشك في وجود المقتضي فلا عقد حتى يجري فيه أصل الصحة.

وعليه : (فلو اختلفا في كون) المعوّض في باب البيع (المعقود عليه) بثمن خاص (هو الحرّ ، أو العبد؟) بان قال أحد المتبايعين : تبايعنا على العبد فالبيع صحيح ، وقال الآخر : تبايعنا على الحر فالبيع باطل قال : (حلف منكر وقوع العقد على العبد) وحكم ببطلان المعاملة ، تقديما لقول مدّعى الفساد على مدّعي

٧٧

وكذا الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال المذكور لا مطلقا» ، انتهى.

وقال في باب الاجارة ما هذا لفظه : «لا شك في أنّه اذا حصل الاتفاق على حصول جميع الامور المعتبرة في العقد ، من الايجاب والقبول من الكاملين وجريانهما على العوضين المعتبرين ووقع الاختلاف في شرط مفسد ، فالقول ، قول مدّعي الصحة بيمينه لأنّه الموافق للأصل ، لأنّ الأصل عدم ذلك المفسد

______________________________________________________

الصحة ، وذلك لرجوع الاختلاف هنا الى الشك في العقد قبل استكمال اركانه : والعقد قبل استكمال اركانه لا وجود له حتى يجري فيه اصل الصحة.

(وكذا) الجواب عن الدليل الثاني وهو ظاهر حال المسلم : فان (الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال المذكور) أي : استكمال الاركان من جهة البلوغ والعقل ونحوهما (لا مطلقا») سواء استكمل الاركان ام لم يستكملها (انتهى) كلام المحقق الثاني في باب الضمان.

(وقال) المحقق المذكور (في باب الاجارة) ايضا (ما هذا لفظه : «لا شك في أنّه اذا حصل الاتفاق) من طرفي المعاملة (على حصول جميع الامور المعتبرة في العقد ، من الايجاب والقبول من الكاملين) أي : البالغين العاقلين المختارين (وجريانهما على العوضين المعتبرين) بأن لا يكون احد العوضين خمرا ، أو خنزيرا ، أو وقفا ، أو ما أشبه ذلك (ووقع الاختلاف في شرط مفسد) كاشتراط عدم انتقال المبيع الى المشتري (فالقول ، قول مدّعي الصحة بيمينه) وذلك لدليلين :

أولا : (لأنّه الموافق للأصل) أي : لأنّ قول مدّعي الصحة يوافق اصالة الصحة في العقود ، وذلك (لأنّ الأصل عدم ذلك المفسد) أي : عدم وجود المانع

٧٨

والاصل في فعل المسلم : الصحيح.

أمّا اذا حصل الشك في الصحة والفساد في بعض الامور المعتبرة وعدمه ، فانّ الأصل لا يثمر هنا ، فانّ الأصل عدم السبب الناقل.

ومن ذلك ما لو ادّعى أنّي اشتريت العبد ، فقال : بعتك الحرّ» ، انتهى.

______________________________________________________

بعد تمامية الاركان.

ثانيا : (والاصل في فعل المسلم : الصحيح) وعدم التصرف الباطل ، فاذا شككنا بسبب الاختلاف بينهما في انه هل فعل صحيحا أم لا؟ نحمل فعله بعد تمامية الاركان على الصحة ونحكم له بيمينه.

هذا فيما لو حصل الشك في الصحة والفساد لوجود المانع من الشرط المفسد (أمّا اذا حصل الشك في الصحة والفساد في) وجود (بعض الامور المعتبرة ، وعدمه) أي : في أركان المعاملة ، كالشك في بلوغ احد المتعاملين ـ مثلا ـ (فانّ الأصل) أي : أصل الصحة (لا يثمر هنا) لما عرفت : من انه من الشك في المقتضي ، ومعه لا عقد حتى يقال : بان الأصل الصحة ، فيقدّم قول مدعي الفساد مع يمينه ، وذلك لانه كما قال : (فانّ الأصل عدم السبب الناقل) عند الشك في تمامية السبب المقتضي للنقل ، فاللازم حينئذ تقديم قول مدعي الفساد مع يمينه والحكم بالبطلان.

(ومن ذلك) أي : من موارد الحكم بالبطلان المسألة السابقة وهي : (ما لو ادّعى أنّي اشتريت العبد ، فقال : بعتك الحر») لان المملوكية من أركان المعاملة (انتهى) كلام المحقق الثاني.

٧٩

ويظهر هذا من بعض كلمات العلامة ، قال في القواعد : «لا يصح ضمان الصبي ولو أذن له الوليّ ، فان اختلفا قدّم قول الضامن ، لأصالة براءة الذمّة وعدم البلوغ ، وليس لمدّعي الصحة أصل يستند اليه ، ولا ظاهر يرجع اليه.

بخلاف ما لو ادّعى شرطا فاسدا ،

______________________________________________________

(ويظهر هذا) الذي ذهب اليه المحقق الثاني (من بعض كلمات العلامة) أيضا (قال في القواعد : «لا يصح ضمان الصبي ولو أذن له الوليّ) أي : حتى مع الاذن من وليه (فان اختلفا) بأن قال الضامن : ضمنت وانا صبي فالضمان باطل ، وأنكره المضمون له وقال : بل كامل فالضمان صحيح (قدّم قول الضامن) المدّعي للفساد مع يمينه وذلك لدليلين :

أوّلا : (لأصالة براءة الذمّة) أي : براءة ذمة الضامن ، لانه سابقا لم يكن مشغول الذمة ، فاذا شككنا في انه اشتغلت ذمته ام لا؟ فالاصل عدم اشتغال ذمته.

ثانيا : (وعدم البلوغ) أي : أصل عدم البلوغ لان البلوغ أمر طارئ ، واذا اثبت عدم بلوغه لم يثبت له ظهور حال المسلم في الصحة : ومعه يقدّم قوله بالفساد مع يمينه ويحكم ببطلان المعاملة.

ثم قال العلامة بعد ذلك : (وليس لمدّعي الصحة) هنا وهو المضمون له الذي يدّعي كمال الضامن (أصل يستند اليه ، ولا ظاهر يرجع اليه) وذلك لما عرفت :

من ان أصل الصحة مختص بالشك في المانع وطروّ المفسد بعد تمامية اركان المعاملة ، وهذا ليس كذلك ، وهكذا ظهور حال المسلم فانه مختص بالبالغ ، اما من ليس ببالغ ، أو لا نعلم هل انه كان بالغا ام لا؟ فليس له هذا الظهور.

ثم قال العلامة : (بخلاف ما لو ادّعى شرطا فاسدا) فانه حينئذ يقدّم قول

٨٠