المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

وزور وبهتان.

وأما الرافضة : فإنهم يسمون أهل السنة : ناصبة. (وكذبت الرافضة بل هم أولى بهذا لانتصابهم لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسب والشتم وقالوا فيهم بغير الحق ونسبوهم إلى غير العدل كفرا وظلما وجرأة على الله عزوجل واستخفافا بحق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم أولى بالتعبير والانتقام منهم ، وهم فيما يزعمون ينتحلون حب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكذبوا بل هم المبغضون لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون الناس إنما الشيعة لآل محمد المتقون أهل السنة والأثر من كانوا وحيث كانوا الذين يحبون آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجميع أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يذكرون أحدا منهم بسوء ولا عيب ولا منقصة فمن ذكر أحدا من أصحاب محمد عليه‌السلام بسوء أو طعن عليهم أو تبرأ من أحد منهم أو سبهم أو عرض بعيبهم فهو رافضى خبيث مخبث) (١) (٢).

التعليق :

الشيعة بدأ أمرهم فى آخر خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه. إذ ادعوا محبة آل البيت وغلوا فى ذلك وكفروا كثيرا من الصحابة ، وهم فرق كثيرة على درجات متفاوتة تجمعهم أمور عدة سبق ذكر بعضها (٣) عند الكلام عن الخلافة والتفضيل أما إطلاق اسم الرافضة عليهم فقد جاء متأخرا إذ كانوا يلقبون بالخشبية وسبب تسميتهم بالرافضة أنهم طلبوا من زيد بن على بن الحسن بن على بن أبى طالب أن يتبرأ من أبى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى يكونوا معه فأبى ذلك وقال : بل أتولاهما وأتبرأ ممن تبرأ منهما فرفضوه فسموا بذلك.

__________________

ـ بين الفرق للبغدادى ص : ٢٣٥.

(١) زيادة عند الإصطخرى.

(٢) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص : ٥١ ، وطبقات الحنابلة ١ / ٣٢ ـ ٣٦.

(٣) انظر : ج : ١ / ٣٥٦ ، ٣٦٠ ، ٣٦٤ ، ٣٧٥ ، ٣٨١ ، ج : ٢ / ٢٩٤.

٣٦١

وقيل : سموا بذلك لرفضهم إمامة الشيخين (١) ، وهو قريب ، والبعض منهم يحاول التمويه ويقول : سموا بذلك لرفضهم الباطل ، والحق : أنهم رفضوا الحق وقبلوا الباطل.

أما مذاهبهم فى أصول الدين فهم ـ فى باب الصفات مثلا ـ : بعضهم مشبهة وبعضهم معطلة (٢).

وأما القرآن فهم يرون أنه مخلوق (٣) ولهم أكاذيب شنيعة فى شأن القرآن الكريم الّذي قال الله عزوجل عنه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٤).

فادعوا أن بعض الصحابة حرفوه وهذا بهتان من الروافض عظيم كما أنهم عمدوا إلى بعض الآيات محاولين تسييرها وفق أفكارهم ومعتقداتهم الباطلة ، وفى هذا تحريف صارخ لمعانى القرآن الكريم.

وخلاصة القول : إن كثيرا من معتقداتهم لا تمت إلى الإسلام بصلة بل فيها خروج فاضح عليه وإن ادعوا تمسكهم به.

__________________

(١) انظر : مقالات الإسلاميين للأشعرى ص : ١٦.

(٢) انظر : المصدر السابق ص : ٣١ ـ ٣٥.

(٣) انظر : نفس المصدر ص ٤٠ والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢٢٤.

(٤) سورة الحجر / ٩.

٣٦٢

قول الإمام أحمد فى : حكم من شتم رجلا من الصحابة

رضوان الله عليهم أجمعين

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٩١٧ ـ سألته عن من شتم رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال أبى : أرى أن يضرب. فقلت له : حد (١) ، فلم يقف على الحد إلا أنه قال : يضرب. وقال : ما أراه إلا على الإسلام.

سمعت أبى يقول : لا يضرب أكثر من عشرة إلا فى حد (٢).

اختلف النقل عن الإمام أحمد فمنهم من ينقل : ما أراه على الإسلام ومنهم من ينقل: ما أراه إلا على الإسلام (٣). وهذه الرواية أخرجها ابن الجوزى كما هنا وفى أخرى عنده :

٩١٨ ـ وما أراه على الإسلام (٤) وهذا اللفظ ـ أى الأخير عند ابن شكر وابن تيمية ـ من رواية عبد الله (٥).

٩١٩ ـ وروى الخلال عن أبى بكر المروزي قال : سألت أبا عبد الله عن من يشتم أبا بكر وعمر وعائشة قال : ما أراه على الإسلام قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : قال مالك : الذين يشتمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) بعد هذا فى المطبوع «فقال» وهى زيادة لا يقتضيها السياق وما أثبته موافق لما عند ابن شكر فى شرح اعتقاد أحمد ص ٥ ولما عند ابن تيمية فى الصارم المسلول ص ٥٦٧.

(٢) مسائل عبد الله ص : ٤٣١ وأخرجها ابن الجوزى فى مناقب أحمد ص ٢١٤ ، وابن شكر فى شرح اعتقاد أحمد ص ٥ وراجع المسائل المتقدمة.

(٣) انظر : الإنصاف للمرداوى ١٠ / ٣٢٤.

(٤ و ٥) انظر : مصنفات المشار إليهم بأرقامها السابقة.

٣٦٣

وسلم ليس لهم سهم أو قال : نصيب فى الإسلام (١).

٩٢٠ ـ وفى رواية الميمونى قال : إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام (٢).

٩٢١ ـ وفى كتاب السنة له ورسالة الإصطخرى عنه قال :

... ثم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم ، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ، ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ثم يستتيبه فإن تاب قبل منه وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة وجلده فى المجلس حتى يتوب ويراجع (٣).

التعليق :

هذه المسألة بحثها شيخ الإسلام ابن تيمية ومما قاله : فأما من سب أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أهل بيته وغيرهم ـ قال أبو طالب : سألت أحمد عن من شتم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : القتل أجبن عنه ولكن أضربه ضربا نكالا ـ ثم ذكر رواية عبد الله والميمونى والإصطخرى ثم قال :

وحكى الإمام أحمد هذا عمن أدركه من أهل العلم وحكاه الكرمانى عنه وعن إسحاق والحميدى وسعيد بن منصور وغيرهم ، فقد نص (أحمد) على وجوب تعزيره واستتابته حتى يرجع بالجلد وإن لم ينته حبس ... وقال : ما أراه على الإسلام وقال : واتهمه على الإسلام وقال : أجبن عن قتله.

وقال إسحاق بن راهويه : من شتم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) السنة له (ق ٧٧ / ب).

(٢) انظر : مصدرها ج : ٢ / ٢٨٥ من هذا البحث.

(٣) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص ٤٩ ـ ٥٠ ، والإصطخرى فى طبقات الحنابلة ١ / ٣٠.

٣٦٤

يعاقب ويحبس.

... وهو المشهور من مذهب مالك ، قال مالك : من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل ومن سب أصحابه أدب ....

وقال ابن المنذر : لا أعلم أحدا يوجب قتل من سب من بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال القاضى أبو يعلى : الّذي عليه الفقهاء فى سب الصحابة إن كان مستحلا لذلك كفر ، وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر سواء كفرهم أو طعن فى دينهم مع إسلامهم ...

قال أحمد فى رواية أبى طالب فى الرجل يشتم عثمان : هذا زندقة ، وقال فى رواية المروزي : من شتم أبا بكر وعمر وعائشة ما أراه على الإسلام.

قال القاضى أبو يعلى : فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة وتوقف فى رواية عبد الله وأبى طالب عن قتله وكمال الحد ، وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره.

قال : فيحتمل أن يحمل قوله «ما أراه على الإسلام» إذا استحل سبهم بأنه يكفر بلا خلاف ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك بل فعله مع اعتقاده لتحريمه كمن يأتى المعاصى ، قال : ويحتمل قوله : «ما أراه على الإسلام» على سب يطعن فى عدالتهم ....

ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره فتكون فى سابهم روايتان :

إحداهما : يكفر ، والثانية : يفسق.

وعلى هذا استقر قول القاضى وغيره ، حكوا فى تكفيرهم روايتين.

ونحن نرتب الكلام فى فصلين :

أحدهما : فى سبهم مطلقا ، والثانى فى تفصيل أحكام الساب.

أما الأول : فسب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرام بالكتاب

٣٦٥

والسنة ، أما الأول : فلأن الله سبحانه يقول : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (١) وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتابا ، وقال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (٢) وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٣) وهم صدور المؤمنين فإنهم هم المواجهون بالخطاب ، فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) حيث ذكرت ، ولم يكتسبوا ما يوجب أذاهم ، لأن الله سبحانه رضى عنهم مطلقا بقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٤) ، فرضى عن السابقين من غير اشتراط إحسان ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان ... وقال سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٥) ... فعلم أن الاستغفار لهم وطهارة القلب من الغل لهم أمر يحبه الله ويرضاه ويثنى على فاعله كما أنه قد أمر بذلك رسوله فى قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (٦) وقال تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (٧) ومحبة الشيء كراهة لضده ، فيكون الله يكره السب لهم الّذي هو ضد الاستغفار والبغض لهم الّذي هو ضد الطهارة ، وهذا معنى قول عائشة رضى الله عنها : «أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد فسبوهم». رواه مسلم (٨).

__________________

(١) سورة الحجرات / ١٢.

(٢) سورة الهمزة / ١.

(٣) سورة الأحزاب / ٥٨.

(٤) سورة التوبة / ١٠٠.

(٥) سورة الحشر / ١٠.

(٦) سورة محمد / ١٩.

(٧) سورة آل عمران / ١١٩.

(٨) ٤ / ٢٣١٧.

٣٦٦

وعن مجاهد عن ابن عباس قال : «لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم ، وقد علم أنهم سيقتتلون» رواه أحمد.

وأما فى السنة ففى الصحيحين (١) ... عن أبى سعيد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبوا أصحابى فو الّذي نفسى بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه».

وبعد ذكره لعدة أحاديث قال :

ثم من قال : لا أقتل بشتم غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه يستدل بقصة أبى بكر ، وهو أن رجلا أغلظ له ، وفى رواية شتمه ، فقال له أبو برزة : أقتله ، فانتهره وقال : ليس هذا لأحد بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ....

ولأن الله تعالى ميز بين مؤذى الله ورسوله ومؤذى المؤمنين فجعل الأول ملعونا فى الدنيا والآخرة وقال فى الثانى : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٣). ومطلق البهتان والإثم ليس بموجب للقتل ، وإنما هو موجب للعقوبة فى الجملة ، فتكون عليه عقوبة مطلقة ، ولا يلزم من العقوبة جواز القتل ... ومطلق السبب لغير الأنبياء لا يستلزم الكفر لأن بعض من كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان ربما سب بعضهم بعضا ولم يكفر أحد بذلك ....

وأما من قال : «يقتل الساب» أو قال : «يكفر» فلهم دلالات احتجوا بها. منها : قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ

__________________

(١) رواه البخارى ٧ / ٢١ ، ومسلم ٤ / ١٩٦٧.

(٢) رواه أحمد ـ انظر مسائل عبد الله ص : ٤٣١ ـ وأبو داود ٤ / ٥٣٠ والنسائى ٧ / ١٠٩ قال أبو داود : قال أحمد بن حنبل : أى لم يكن لأبى بكر أن يقتل رجلا إلا بإحدى الثلاث التى قالها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس» ـ الحديث سبق تخريجه ج : ٢ / ٦٣ ـ وكان للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقتل. اه. ونقله الخطابى أيضا.

(٣) سورة النساء / ١١٢.

٣٦٧

بَيْنَهُمْ) إلى قوله تعالى : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (١) فلا بد أن يغيظ بهم الكفار ، وإذا كان الكفار يغاظون بهم ، فمن غيظ بهم فقد شارك الكفار فيما أذلهم الله به وأخزاهم وكبتهم على كفرهم ، ولا يشارك الكفار فى غيظهم الّذي كبتوا به جزاء لكفرهم ، لأن المؤمن لا يكبت جزاء للكفر ، بوضح ذلك أن قوله تعالى : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) تعليق للحكم بوصف مشتق مناسب ، لأن الكفر مناسب لأن يغاظ صاحبه فإذا كان هو الموجب لأن يغيظ الله صاحبه بأصحاب محمد ، فمن غاظه الله بأصحاب محمد فقد وجد فى حقه موجب ذاك وهو الكفر.

قال عبد الله بن إدريس الأودى الإمام (٢) : ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا ـ يعنى الرافضة ـ لأن الله تعالى يقول : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) ، وهذا معنى قول الإمام أحمد : ما أراه على الإسلام ...

قال شيخ الإسلام : فصل فى تفصيل القول فيهم :

أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا إله ، أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل فى الرسالة ، فهذا لا شك فى كفره ، بل لا شك فى كفر من توقف فى تكفيره.

وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ، ومنهم التناسخية ، وهؤلاء لا خلاف فى كفرهم.

وأما من سبهم سبا لا يقدح فى عدالتهم ولا فى دينهم ـ مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن ، أو قلة العلم ، أو عدم الزهد ، ونحو ذلك ـ فهذا هو الّذي يستحق التأديب والتعزير ، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك ، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.

وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم ، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.

__________________

(١) سورة الفتح / ٢٩.

(٢) ثقة فقيه عابد. توفى سنة ١٩٢ ه‍. تقريب ١ / ٤٠١.

٣٦٨

وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا ، أو أنهم فسقوا بعامتهم ، فهذا أيضا لا ريب فى كفره ، لأنه مكذب لما نصه القرآن فى غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم ... فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق ... وبالجملة فمن أصناف السابة من لا ريب فى كفره ، ومنهم من لا يحكم بكفره ومنهم من تردد فيه (١).

قول الإمام أحمد فى : المرجئة

قال إسحاق الكوسج :

٩٢٢ ـ قلت لأحمد : فسر لى المرجئة؟ قال : الّذي يقول : الإيمان قول (٢) ، ومثله نقل حرب الكرمانى والمروزي وأحمد بن الحسين بن حسان وأحمد بن أصرم (٣).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٩٢٣ ـ سمعت أبى رحمه‌الله وسئل عن الإرجاء فقال : نحن نقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص إذا زنى وشرب الخمر نقص إيمانه (٤).

قال أبو داود السجستانى :

٩٢٤ ـ قلت لأحمد : لنا أقارب بخراسان يرون الإرجاء فنكتب إلى خراسان نقرئهم السلام؟ قال : سبحان الله لم لا نقرئهم.

٩٢٥ ـ قلت أحمد : نكلمهم؟ قال : نعم إلا أن يكون داعيا ويخاصم فيه (٥).

__________________

(١) انظر : الصارم المسلول على شاتم الرسول من ص : ٥٦٧ ـ ٥٨٧. وانظر مسلم بشرح النووى ١٦ / ٩٣.

(٢) مسائل الكوسج ٢ / ١٨٥. وأخرجها ابن أبى يعلى فى طبقات الحنابلة ١ / ١١٤.

(٣) انظر : السنة للخلال (ق ٩٣ / ب) وانظر الروايات المتقدمة فى مسائل الإيمان.

(٤) السنة له (ظ : ق ٣٦ / أوفى المطبوع ص : ٨١).

(٥) مسائل أبى داود (ظ : ص ٢٥٨ وفى المطبوع ص : ٢٧٦).

٣٦٩

وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٩٢٦ ـ سألته عن من قال : الإيمان قول ، يصلى خلفه؟ قال : إذا كان داعية إليه لا يصلى خلفه ، وإذا كان لا علم لديه ، أرجو أن لا يكون به بأس.

٩٢٧ ـ قلت لأبى عبد الله : أول من تكلم فى الإيمان من هو؟ قال : يقولون : أول من تكلم فيه ذر (١) (٢).

قال أبو بكر الخلال :

٩٢٨ ـ وأخبرنى موسى بن سهل قال : حدثنا محمد بن أحمد الأسدى قال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب عن إسماعيل بن سعيد قال : سألت أحمد هل تخاف أن يدخل الكفر من قال : الإيمان قول بلا عمل؟ فقال : لا يكفرون بذلك.

٩٢٩ ـ وأخبرنا أبو بكر المروزي قال : قيل لأبى عبد الله : المرجئة يقولون : الإيمان قول. فأدعو لهم؟ قال : ادعوا لهم بالصلاح (٣).

٩٣٠ ـ أخبرنا أبو بكر المروزي وسليمان بن الأشعث وأحمد بن أصرم المزنى وهذا لفظ سليمان قال : قلت لأحمد : يصلى خلف المرجئ؟ قال : إذا كان داعية فلا تصل خلفه.

٩٣١ ـ وأخبرنى حرب بن إسماعيل قال : سمعت أحمد يقول : لا يصلى خلف من زعم أن الإيمان قول إذا كان داعية.

٩٣٢ ـ وأخبرنى محمد بن موسى أن أبا الحارث حدثهم قال : قال أبو عبد الله : لا يصلى خلف مرجئ.

٩٣٣ ـ وأخبرنى أبو بكر المروزي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : المرجئ إذا كان يخاصم فلا يصلى خلفه.

__________________

(١) هو : ذر بن عبد الله بن زرارة المرهبيّ قال أحمد : لا بأس به وهو أول من تكلم فى الإرجاء وقال الأزدى : كان مرجئا. وقال أبو داود : كان مرجئا وهجره إبراهيم النخعى وسعيد بن جبير للإرجاء. ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢ وتهذيب ٣ / ٢١٨. وفى التقريب ١ / ٢٣٨ : ثقة عابد رمى بالإرجاء.

(٢) مسائل ابن هانئ ٢ / ١٦٢ وأخرجها الخلال فى السنة (ق : ٩١ / ب).

(٣) السنة : (ق : ٩٥ / أ).

٣٧٠

٩٣٤ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم قال : حدثنا إسحاق بن منصور أنه قال لأبى عبد الله : المرجى إذا كان داعيا؟ قال إي والله يجفى ويقصى.

٩٣٥ ـ أخبرنى محمد بن أبى هارون ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم أن أبا عبد الله قال : إذا كان المرجئ داعية فلا تكلمه (١).

وفى كتاب السنة له ورسالة الإصطخرى عنه قال :

٩٣٦ ـ المرجئة : وهم الذين يزعمون أن الإيمان مجرد النطق باللسان وأن الناس لا يتفاضلون فى الإيمان ، وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم واحد وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأن الإيمان ليس فيه استثناء وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقا.

هذا كله قول المرجئة وهو أخبث الأقاويل. وقال فى موضع آخر :

فأما المرجئة فيسمون أهل السنة شكاكا (وكذبت المرجئة بل هم بالشك أولى وبالتكذيب أشبه) (٢)

التعليق :

المرجئة : اشتقت من الإرجاء وهو على معنيين : التأخير أو إعطاء الرجاء (٣) وكلاهما يصح إطلاقه على المرجئة فهم يؤخرون الأعمال عن الإيمان ويغلو فى إثبات الوعد والرجاء ، والمرجئة كما يذكر أبو الحسن الأشعرى اثنتا عشرة فرقة (٤).

وشيخ الإسلام ابن تيمية أرجعها إلى ثلاثة أصناف :

__________________

(١) المصدر السابق (ق : ١١٢ / ب ـ ١١٣ / أ) ورواية أبى داود فى مسائله ص ٤٣. ورواية إسحاق الكوسج ذكرها أبو يعلى فى المسائل التى حلف عليها الإمام (ق : ٣٧).

(٢) زيادة عند الإصطخرى. وانظر ما تقدم فى : السنة ضمن شذرات البلاتين ص : ٥٠ ، وطبقات الحنابلة ١ / ٣١ ـ ٣٢.

(٣) انظر : النهاية لابن الأثير ٢ / ٢٠٦.

(٤) مقالات الإسلاميين ١ / ٢١٣.

٣٧١

الأول : الذين يقولون : الإيمان مجرد ما فى القلب ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة ....

الثانى : من يقول : هو مجرد قول اللسان وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية.

الثالث : تصديق القلب وقول اللسان وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم (١). اه

والإرجاء أول ما ظهر لم يكن بهذا المفهوم وإنما كان المقصود منه إرجاء أمر ما حصل بين بعض الصحابة رضوان الله عليهم. ويقال : إن أول من أظهره على هذا النحو : الحسن بن محمد بن الحنفية (٢) ، ووضع كتابا فيه وروى عنه أنه ندم على ذلك.

وقد ذكر ابن حجر مقطعا مما فى ذلك الكتاب ونحن نورده حتى يتضح لنا الإرجاء المنسوب إليه فمما يقوله فى الكتاب : «ونوالى أبا بكر وعمر رضى الله عنهما ونجاهد فيهما لأنهما لم تقتتل عليهما الأمة ولم تشك فى أمرهما ونرجئ من بعدهما ممن دخل فى الفتنة فنكل أمرهم إلى الله» (٣).

أما الإرجاء بالمعنى المعروف الشائع فتشير بعض المصادر إلى أنه ظهر فى نهاية القرن الأول ، وكان تشديد الخوارج فى مرتكب الكبيرة سببا رئيسيا فى ظهور الإرجاء فالخوارج والمرجئة على طرفى نقيض.

قول الإمام أحمد فى : المعتزلة

قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٩٣٧ ـ سمعت أبا عبد الله يقول : كان عمرو بن عبيد رأس المعتزلة (٤) وأولهم فى الاعتزال وروى عنه الثورى وكان الربيع بن

__________________

(١) الإيمان ص : ١٨٤ ، وانظر تقسيم الشهرستانى للمرجئة فى الملل ١ / ١٨٩.

(٢) أبو محمد المدنى ثقة فقيه توفى سنة مائة أو قبلها بسنة تقريب ١ / ١٧١.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٢٠.

(٤) قال ابن حجر : المعتزلى المشهور ، كان داعية إلى بدعة ، اتهمه جماعة مع أنه كان عابدا. توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة أو قبلها. تقريب ٢ / ٧٤.

٣٧٢

صبيح (١) معتزليا وكان خيرا من عمرو بن عبيد (٢).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٩٣٨ ـ سألت أبى رحمه‌الله عن الصلاة خلف أهل البدع قال : لا تصل (٣) خلفهم مثل الجهمية والمعتزلة (٤).

وفى كتاب السنة له ورسالة الإصطخرى عنه قال :

٩٣٩ ـ والمعتزلة هم الذين يقولون بقول القدرية ويكذبون بعذاب القبر (والشفاعة) (٥) والحوض ويزعمون أن أعمال العباد ليست فى اللوح المحفوظ (٦).

التعليق :

الاعتزال بدأ فى أوائل القرن الثانى ، وواضع أصوله واصل بن عطاء (٧) وعمرو بن عبيد ـ المتقدم آنفا ـ من تلامذته ـ وسبب التسمية أن واصلا هذا كان تلميذا للحسن البصرى وقد ظهرت فى تلك الفترة مقولة الخوارج فى تكفير مرتكب الكبيرة ومقولة المرجئة المضادة لها فجاء رجل إلى الحسن البصرى ـ فى حلقته ـ فقال : لقد ظهرت فى زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر فلا تضر مع الإيمان عندهم كبيرة كما لا تنفع مع الكفر طاعة فكيف تحكم لنا فى ذلك اعتقادا؟ فتفكر الحسن فى ذلك وقبل أن يجيب

__________________

(١) السعدى البصرى ، صدوق سيئ الحفظ ، كان عابدا مجاهدا ، قال الرامهرمزي : هو أول من صنف الكتب بالبصرة ، توفى سنة ستين ومائة. تقريب ١ / ٢٤٥.

(٢) مسائل ابن هانئ ٢ / ١٦٣.

(٣) فى نسخة (خ) «لا يصلى» وكذا عند اللالكائى الّذي أخرج الرواية عن عبد الله. شرح أصول السنة ٤ / ٧٣٢.

(٤) السنة (ظ : ق (١ / أ) ، وفى المطبوع ص ١٠).

(٥) زيادة عند الإصطخرى.

(٦) السنة ضمن شذرات البلاتين ص : ٥٠ ـ ٥١. وطبقات الحنابلة ١ / ٣٢.

(٧) البصرى ، ولد بالمدنية النبوية عام ثمانين ، وتوفى عام إحدى وثلاثين ومائة. الفرق بين الفرق ص : ٢٠ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٣٢٩.

٣٧٣

قال واصل : أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر مطلق بل هو فى منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى أسطوانة فى المسجد فقال الحسن : اعتزل عنا واصل. وبطبيعة الحال اجتمع حوله من استحسن رأيه ، لذا كان قتادة يقول : أولئك المعتزلة ، لجلوسهم معتزلين. هذا هو سبب التسمية كما يذكره أصحاب كتب الفرق وغيرهم.

هذا وقد بنوا مذهبهم على الأصول الخمسة التى أسموها : العدل والتوحيد وإنفاذ الوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (١).

يقول شارح الطحاوية :

فأما العدل : فستروا تحته نفى القدر وقالوا إن الله لا يخلق الشر ولا يقضى به إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه يكون جورا والله تعالى عادل لا يجور ، ويلزم على هذا الأصل الفاسد أن الله تعالى يكون فى ملكه ما لا يريده ....

وأما التوحيد : فستروا تحته القول بخلق القرآن.

قلت : وستروا تحته أيضا نفى الصفات.

وأما الوعيد : فقالوا : إذا أوعد بعض عبيده وعيدا فلا يجوز أن لا يعذبهم ويخلف وعيده ، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يعفو عمن يشاء ، ولا يغفر لمن يريد عندهم.

وأما المنزلة بين المنزلتين : فعندهم أن من ارتكب كبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل فى الكفر.

وأما الأمر بالمعروف : فهو أنهم قالوا : علينا أن نأمر غيرنا بما أمرنا وأن نلزمه بما يلزمنا وذلك هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وضمنوه أنه يجوز الخروج على الأئمة بالقتال إذا جاروا.

__________________

(١) انظر : الفرق بين الفرق للبغدادى ص : ١١٧ ، والملل للشهرستانى ١ / ٥١.

٣٧٤

وعندهم أن التوحيد والعدل من الأصول العقلية التى لا يعلم صحة السمع إلا بعدها (١) اه

ومن المعلوم أن هذه الفرقة تنبت الاتجاه العقلى ، والّذي يتتبع آراءهم فى المسائل العقدية يجد ذلك واضحا جليا ، وقد تعرضت لكثير منها عند الكلام على بعض المسائل.

قول الإمام أحمد فى : الجهمية (٢)

قال أبو بكر الخلال :

٩٤٠ ـ أخبرنى محمد بن موسى ومحمد بن على أن حمدان بن على الوراق حدثهم قال : سألت أحمد وذكر عنده المرجئة فقلت له : إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن. فقال : المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا (٣) (٤).

وقال ابن الجوزى :

٩٤١ ـ أخبرنا هبة الله بن الحسين الحاسب (٥) قال : أنا الحسن بن أحمد بن البنا (٦) قال : أنا أبو الفتوح بن أبى الفوارس (٧) قال : حدثنا أبو بكر أحمد

__________________

(١) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٥٨٩ ، وانظر : ص ٣٣٤. وشرح الأصول الخمسة ص : ١٢٤.

(٢) نسبة إلى الجهم بن صفوان. تقدمت ترجمته ج : ١ / ٧٣ وانظر ج : ٢ / ٣٠٥.

(٣) انظر : تعريف الجهمية للإيمان ج : ١ / ٧٣.

(٤) السنة له (ق : ٩٤ / ب) وأخرجه ابن أبى يعلى من طريق آخر عن حمدان الوراق طبقات الحنابلة ١ / ٣٠٩.

(٥) قال الذهبى : سماعه صحيح ولكنه قليل الدين. انظر : الأنساب ٤ / ١٩ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٢٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٢٥٧ ، لسان الميزان ٦ / ١٨٨.

(٦) أسند السمعاني عن أبى الفضل بن خيرون أنه لينه. وقال الذهلى : شجاع كان أحد القراء المجودين والشيوخ المذكورين سمعنا منه قطعة صالحة ولا أذكر عنه أكثر من هذا. قال السلفى : كأنه أشار إلى ضعفه. قال الذهبى ـ بعد ذكره للأقوال فيه ـ : والرجل فى نفسه صدوق. انظر : سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٨٠ ، لسان الميزان ٢ / ١٩٥.

(٧) الحافظ الرحال محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادى ، قال الخطيب : كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة. ت / بغداد ١ / ٣٥٢ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٢٣.

٣٧٥

ابن جعفر بن سلم (١) قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن عيسى الجوهرى (٢) قال : حدثنا صالح بن أحمد قال : سمعت أبى يقول : افترقت الجهمية على ثلاث فرق : فرقة قالوا : القرآن مخلوق ، وفرقة قالوا : كلام الله وسكتوا ، وفرقة قالوا : لفظنا بالقرآن مخلوق (٣) (٤).

وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٩٤٢ ـ وسمعته يقول : الجهمية قوم سوء (٥).

٩٤٣ ـ وسئل عن الصلاة خلف الجهمية فقال : لا يصل ولا كرامة (٦).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٩٤٤ ـ سألت أبى رحمه‌الله عن الصلاة خلف أهل البدع قال : لا تصل خلفهم مثل الجهمية والمعتزلة (٧).

٩٤٥ ـ سمعت أبى رحمه‌الله يقول : من قال ذلك القول لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها إلا أنا لا ندع إتيانها فإن صلى رجل أعاد الصلاة ، يعنى من قال : القرآن مخلوق (٨).

__________________

(١) قال عنه الخطيب : كان صالحا دينا مكثرا ثقة ثبتا. ت / بغداد ٤ / ٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٨٢.

(٢) السذابى. قال الخطيب : فى بعض حديثه نكرة. ت / بغداد ١١ / ٢٢٥ ، لسان الميزان ٤ / ٣٢٥.

(٣) انظر : مسائل القرآن الكريم.

(٤) مناقب أحمد ص : ٢٠٧ ونقله ابن أبى يعلى عن أبى زرعة قال : قال أحمد فذكره ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٠٢ ومثله فى رسالة مسدد. المصدر نفسه ١ / ٣٤٢.

(٥) مسائل ابن هانئ ٢ / ١٥٢.

(٦) مسائل ابن هانئ ١ / ٦٣.

(٧) السنة فى المطبوع ص : ١ وفى ظ ق (١ / ب) وفى «خ» «لا يصلى» وكذا عند اللالكائى الّذي أخرج الرواية عن عبد الله. شرح أصول أهل السنة ٤ / ٧٣٢ ونحوه نقل حنبل بن إسحاق. محنة أحمد ص : ٧٠.

(٨) السنة له : (ظ : ق : ١ / ب ، وفى المطبوع ص : ١٠) ونقله البغوى فى شرح السنة ١ / ٢٩٩.

٣٧٦

وقال أبو داود السجستانى :

٩٤٦ ـ قلت أيام كان يصلى الجمع الجهمية قلت له : الجمعة؟ قال : أنا أعيد ومتى ما صليت خلف أحد ممن يقول : القرآن مخلوق فأعد (١).

قلت : وتعرفه؟ قال : نعم.

٩٤٧ ـ وروى ابن الجوزى ـ بسنده ـ عن صالح عن أبيه قال : لا يصلى خلف من قال : القرآن مخلوق فإن صلى رجل أعاد (٢).

قال ابن أبى يعلى فى ترجمة : شاهين بن السميذع نقل عن إمامنا أشياء :

٩٤٨ ـ منها : ما قرأته بخط أبى حفص البرمكي قال : قرأت على ابن مردك : حدثك على بن سعيد الخفاف حدثنا شاهين بن السميذع قال : سألت أبا عبد الله قلت : أصلي خلف الجهمى؟ قال : لا تصل خلف الجهمى ولا خلف الرافضى (٣).

وقال فى ترجمة : أحمد بن سعد الجوهرى : روى عن إمامنا أشياء :

٩٤٩ ـ منها قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية ، ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

وفى رسالته لمسدد بن مسرهد قال :

٩٥٠ ـ واحذروا رأى جهم فإنه صاحب رأى وكلام وخصومات (٥).

__________________

(١) مسائل أبى داود (ظ : ص ٤١ وفى المطبوع ص : ٤٣).

(٢) مناقب أحمد ص : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٣) طبقات الحنابلة ١ / ١٧٢.

(٤) نفس المصدر ١ / ٤٧.

(٥) طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٢.

٣٧٧

وفى كتاب السنة له ورسالة الإصطخرى عنه قال :

٩٥١ ـ والجهمية : هم أعداء الله. منهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق وأن اللهعزوجل لم يكلم موسى وأن الله عزوجل لم يتكلم (١) وأنه عزوجل لا يرى (٢) ويقولون : ليس للهعزوجل عرش (٣) ولا كرسى (٤) وكلاما كثيرا أكره حكايته (٥) وهم كفار (٦).

٩٥٢ ـ وفى موضع آخر قال :

(وأما الجهمية : فإنهم يسمون أهل السنة المشبهة (٧) وكذبت الجهمية أعداء الله بل هم أولى بالتشبيه والتكذيب افتروا على الله عزوجل الكذب وقالوا الإفك والزور وكفروا بقولهم) (٨).

__________________

(١) انظر : قول الإمام أحمد فى صفة الكلام. ج : ١ / ٢٨٧.

(٢) انظر : قول الإمام أحمد فى رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ج : ٢ / ٢١٥.

(٣) انظر : قول الإمام أحمد فى العرش ج : ١ / ٣٣٦. إن.

(٤) قال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). سورة البقرة / ٢٥٥.

قال الشوكانى : الكرسى الظاهر أنه الجسم الّذي وردت الآثار بصفته وقد نفى وجوده جماعة من المعتزلة ، وأخطئوا فى ذلك خطأ بينا ، وغلطوا غلطا فاحشا. وقال بعض السلف : إن الكرسى هنا عبارة عن العلم ... وقيل كرسيه : قدرته التى يمسك بها السموات والأرض ... وقيل : ان الكرسى هو العرش وقيل : هو تصوير لعظمته ولا حقيقة له. وقيل : هو عبارة عن الملك.

والحق القول الأول. ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقى إلا مجرد خيالات تسببت عن جهالات وضلالات. اه. فتح القدير ١ / ٢٧٢.

(٥) وقد سبق أن تعرضت لكثير من عقائدهم عند التعليق على بعض المسائل.

(٦) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص : ٥١ ، وطبقات الحنابلة ١ / ٣٢ وذكره ابن شكر فى شرح اعتقاد أحمد ص : ١٦.

(٧) إلى هنا ذكره ابن شكر. المصدر السابق ص : ١٩.

(٨) من عند الإصطخرى. طبقات الحنابلة ١ / ٣٥.

٣٧٨

قال الإمام أحمد فى كتابه الرد على الجهمية

٩٥٣ ـ (ق ١٠ / ب) وكان الجهم وشيعته (١) كذلك ، دعوا الناس إلى المتشابه (٢) من القرآن والحديث فضلوا وأضلوا (٣) بكلامهم معشرا (٤) كثيرا ، وكان (٥) فيما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ (٦) ، وكان صاحب خصومات وكلام ، وكان أكثر كلامه فى الله فلقى ناسا من الكفار يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له : نكلمك ، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت فى ديننا ، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا فى دينك ، وكان ما كلموا به جهما أن قالوا له : ألست تزعم أن لك إلها؟ فقال الجهم : نعم. فقالوا له : فهل رأيت عين إلهك؟ قال : لا. قالوا : فهل سمعت كلامه؟ قال : لا. قالوا : فشممت له رائحة؟ قال : لا. قالوا : فهل وجدت له حسا؟ قال : لا. قالوا : فوجدت له مجسا؟ قال : لا. قالوا : فما يدريك أنه إله؟ فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما (ق ١١ / أ) ثم إنه استدرك حجة مثل حجة النصارى الزنادقة ، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح التى هى فى عيسى بن مريم هى روح الله من ذات الله ، فإذا فإذا أراد الله أن يحدث أمرا دخل فى بعض خلقه فتكلم على لسانه ، فيأمر بما شاء وينهى عما شاء ، وهو روح غائب عن الأبصار ، فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة ، فقال للسمنى : ألست تزعم أن فيك روحا؟ فقال : نعم. فقال : فهل رأيت روحك؟ قال : لا. قال : فهل سمعت كلامه : قال : لا. قال : فهل وجدت له حسا أو مجسا؟ قال : لا. قال : فكذلك الله تعالى لا

__________________

(١) فى «ك» و «ظ» وكذلك الجهم وشيعته.

(٢) فى «ك» : «دعوا الناس بما يشبهون عليهم إلى المتشابه».

(٣) فى «ك» و «ظ» : «وأضلوا بكلامهم» فقط بدون فضلوا.

(٤) فى «ك» و «ظ» : «بشرا».

(٥) فى «ك» و «ظ» : «فكان».

(٦) فى «ك» : «الترمذي» والأصوب أن يقال : «ترمذ».

٣٧٩

يرى له وجه ، ولا يسمع له صوت ، ولا يشم له رائحة ، وهو غائب عن الأبصار ، ولا يكون فى مكان دون مكان.

ووجد ثلاث آيات من القرآن من المتشابهات : قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١) و (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (٢) و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٣).

فبنى أصل كلامه كله على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب أحاديث النبي عليه‌السلام وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه فى كتابه أو حدث به عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان كافرا وكان من المشبهة ، فأضل بشرا كثير. (ق ١١ / ب) وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبى حنيفة ، وأصحاب عمرو بن عبيد (٤) بالبصرة ، ووضع دين الجهمية.

فإذا سألهم الناس عن قول الله عزوجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ما تفسيره؟ يقولون : ليس كمثله شيء من الأشياء ، وهو تحت الأرض السابعة ، كما هو على العرش ، لا يخلو منه مكان ، ولا هو فى مكان دون مكان (٥).

ولا يتكلم ولا يكلم (٦) ، ولا ينظر إليه أحد فى الدنيا (٧) ، ولا ينظر إليه أحد فى الآخرة ولا يوصف ولا يعرف بصفة (٨) ، ولا يفعل ولا له غاية ، ولا

__________________

(١) سورة الشورى / ١١.

(٢) سورة الأنعام / ٣.

(٣) سورة الأنعام / ١٠٣.

(٤) تقدمت ترجمته ج : ٢ / ٣٧٢.

(٥) راجع قول الإمام أحمد فى العلو ج : ١ / ٣١٨ والاستواء ج : ١ / ٣٤٢ وقوله فى العرش ج : ١ / ٣٣٦.

(٦) راجع صفة الكلام ج : ١ / ٢٨٧.

(٧) أجمعت الأمة على أن الله عزوجل لا يرى فى الدنيا. ويراه المؤمنون فى الآخرة.

راجع : «قول الإمام أحمد فى ما قيل حول رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لربه ليلة المعراج» ج : ٢ / ٢٤٥. وراجع «قول الإمام أحمد فى رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة» ج : ٢ / ٢١٥ والتعليق على تلك المسائل.

(٨) راجع مسائل الصفات.

٣٨٠