المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

تنصب نفسك لهذا ، أخبره بالسنة ولا تخاصم ، فأعدت عليه القول ، فقال : ما أراك إلا مخاصما (١).

٩٦٢ ـ أخبرنا عبد الملك (٢) قال : أنا عبد بن محمد (٣) قال : أنا إسحاق بن إبراهيم (٤) قال : أنا جدى (٥) قال : أنا يعقوب بن إسحاق (٦) قال : حدثنى محمد بن إبراهيم بن الوليد الأصبهانى (٧) قال : سمعت أبا عمران موسى بن عبد الله الطرسوسى قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة (٨).

٩٦٣ ـ أنبأنا زاهر بن طاهر (٩) قال : أنا أبو بكر بن الحسين البيهقى قال : أنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الحاكم (١٠) قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن أمية القرشى (١١) يقول : سمعت أبا على الحسين ابن أحمد بن الفضل البلخى (١٢) يقول : دخلت على أحمد بن حنبل فجاء رسول

__________________

(١) طبقات الحنابلة ١ / ٢٣٦.

(٢) ابن أبى القاسم تقدمت ترجمته ج : ١ / ٣٤.

(٣) أبو إسماعيل الهروى تقدمت ترجمته ج : ١ / ٣٤.

(٤) القراب : تقدمت ترجمته ج : ١ / ٣٤.

(٥) محمد بن عمر بن حفصويه جد إسحاق لأمه كما فى السير ولم أجد له ترجمة مستقلة فيما نظرته من المصادر.

(٦) لم أعرفه.

(٧) لم أجد له ترجمة فيما نظرته من المصادر.

(٨) مناقب أحمد ص : ٢٠٤ ـ ٢٠٥. وذكرها ابن أبى يعلى فى ترجمة موسى بن هارون الجمال أبو عمران ـ طبقات الحنابلة ١ / ٣٣٤ ـ وهو ثقة حافظ. تقريب ٢ / ٢٨٩.

وأما الطرسوسى فلم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر ولعله هو الحمال وحرف. وأخرجها ابن بطة فى الإبانة الكبرى ٣ / ٤٢١ فقال : عن أبى عمران الأصبهانى. انظر : أخبار أصبهان ١ / ٣١٢ ـ ٣١٤.

(٩) الشحامى ، المحدث ، توفى سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة. انظر أحواله فى سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٩.

(١٠) صاحب «المستدرك» وغيره. توفى سنة خمس وأربع مائة. سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٦٣.

(١١ ، ١٢) لم أجد لهما ترجمة فيما نظرته من المصادر.

٤٠١

الخليفة يسأله عن الاستعانة بأصحاب الأهواء؟ فقال أحمد : لا يستعان بهم (١).

٩٦٤ ـ أخبرنا محمد بن ناصر قال : أنا المبارك بن عبد الجبار قال : أنا أبو طالب محمد بن على البيضاوى (٢) قال : أنا أبو عمر بن حيويه ، قال : حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان (٣) قال : قال لى عمى أبو على عبيد الرحمن ابن يحيى بن خاقان (٤) : أمر المتوكل بمسألة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء فسألته : قال أبو مزاحم : فسألت عمى أن يخرج إلى جوابه فوجه إلى بنسخة فكتبتها ثم عددت إلى عمى فأقر لى بصحة ما بعث به.

وهذا نسخته : ...........................

وفى الجملة إن أهل البدع والأهواء لا ينبغى أن يستعان بهم فى شيء من أمور المسلمين ، فإن فى ذلك أعظم الضرر على الدين ، مع ما عليه رأى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من التمسك بالسنة والمخالفة لأهل البدع (٥).

وفى رسالته إلى مسدد بن مسرهد قال :

٩٦٥ ـ ثم بعد كتاب الله : سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحديث عنه وعن المهديين أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واتباع سنة النجاة وهى التى نقلها أهل العلم كابرا عن كابر ، واحذروا البدع كلها ، ولا تشاور أحدا من أهل البدع فى دينك (٦).

وفى رسالة عبدوس بن مالك قال : أصول السنة عندنا :

__________________

(١) مناقب أحمد ص : ٢٠٨.

(٢) قال الخطيب : كتبت عنه وكان صدوقا. توفى سنة ست وأربعين وأربع مائة. ت / بغداد ٣ / ١٠٤.

(٣) قال الخطيب : كان ثقة دينا من أهل السنة ، توفى سنة ٣٢٥. ت / بغداد ١٣ / ٥٩.

(٤) قال الخطيب : روى عنه أبو مزاحم عن أحمد مسائل. اه وذكره الخطيب باسم عبد الرحمن ولعل ما هو مثبت هو الصواب وأخوه عبيد الله وزير المتوكل سبقت ترجمته ج : ١ / ١٩٩. ت / بغداد ١٠ / ٢٧٨.

(٥) المصدر السابق ص : ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٦) طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٢.

٤٠٢

٩٦٦ ـ التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والاقتداء بهم ، وترك البدع وكل بدعة فهى ضلالة (وترك المراء والجدال والخصومات فى الدين) (١).

قال ابن أبى يعلى فى ترجمة : محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل (٢).

٩٦٧ ـ قرأت فى كتاب أبى جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد ابن محمد بن حنبل : حدثنى عمى زهير بن صالح (٣) قال : قرأ عليّ أبى صالح ابن أحمد هذا الكتاب وقال : هذا كتاب عمله أبى رضى الله عنه فى مجلسه ، ردا على من احتج بظاهر القرآن ، وترك ما فسره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودل على معناه ، وما يلزم من اتباعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رحمة الله عليهم.

قال أبو عبد الله :

إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمدا نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه. وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدال على معنى ما أراد من ظاهره وبالسنة ، وخاصه وعامه ، وناسخه ومنسوخه وما قصد له الكتاب.

فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه ، شاهده فى ذلك أصحابه ، من ارتضاه الله لنبيه واصطفاه له ، ونقلوا

__________________

(١) رسالة عبدوس (ق : ١ / أ) ، وطبقات الحنابلة ١ / ٢٤١.

وما بين القوسين ذكره فى رسالة الحسن بن إسماعيل الربعى. انظر : المصدر السابق ١ / ١٣٠.

(٢) أبو جعفر الشيبانى. حدث عن أبيه وعمه وعنه الدارقطنى وغيره. توفى سنة ثلاثين وثلاث مائة.

ت / بغداد ١ / ٣٠٩.

(٣) ابن أحمد بن محمد بن حنبل ، روى عن أبيه. قال الدارقطنى : ثقة ، وما كان به بأس ، توفى سنة ثلاث وثلاث مائة. ت / بغداد ٨ / ٤٨٦.

٤٠٣

ذلك عنه ، فكانوا هم أعلم الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبما أخبر عن معنى ما أراه الله من ذلك بمشاهدتهم ما قصد له الكتاب ، فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال جابر بن عبد الله «ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا». فقال قوم : بل نستعمل الظاهر وتركوا الاستدلال برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقبلوا أخبار أصحابه وقال ابن عباس للخوارج : «أتيتكم من عند أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المهاجرين والأنصار ومن عند ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصهره وعليهم نزل القرآن وهو أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد وذكر تمام الكتاب بطوله (١).

٩٦٨ ـ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبى قلت : ما تقول فى السنة تقضى على الكتاب قال : قال ذلك قوم منهم : مكحول والزهرى. قلت : فما تقول أنت؟ قال : أقول : السنة تدل على معنى الكتاب (٢).

٩٦٩ ـ قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن حديث : السنة قاضية على الكتاب ما تفسيره؟ قال : أجبن أن أقول فيه ولكن السنة تفسر القرآن ولا ينسخ القرآن غير القرآن(٣).

٩٧٠ ـ وفى رسالة عبدوس بن مالك قال : والسنة تفسر القرآن وهى دلائل القرآن (٤) اه

٩٧١ ـ قال أبو داود السجستانى : سمعته يقول : الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير.

٩٧٢ ـ وسمعت أحمد سئل : إذا جاء الشيء من التابعين لا يوجد فيه

__________________

(١) طبقات الحنابلة ٢ / ٦٥.

(٢) مسائل عبد الله ص ٤٣٨.

(٣) مسائل أبى داود ص ٢٧٦.

(٤) رسالة عبدوس (ق / أ).

٤٠٤

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلزم الرجل أن يأخذ به؟ قال : لا. ولكن لا يكاد الشيء إلا ويوجد فيه عن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنى : عندى ما يمثل عليه ذلك الشيء.

٩٧٣ ـ وسمعت أحمد غير مرة سئل : يقال : لما كان من فعل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم سنة؟ قال : نعم. وقال مرة : لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين» فسماها سنة. قيل : فعمر بن عبد العزيز؟ قال : لا. قال : أليس هو إماما؟ قال : بلى. فقيل له : فنقول لمثل قول أبى ومعاذ وابن مسعود سنة؟ قال : ما أدفعه أن أقول وما يعجبنى أن أخالف أحدا منهم. قلت لأحمد : الأوزاعى هو أتبع من مالك؟ قال : لا تقلد فى دينك أحدا من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد ، الرجل فيه مخير (١).

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٩٧٤ ـ سمعت أبى يقول : ذكر الله تبارك وتعالى طاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى القرآن فى غير موضع (٢) ، فذكرها أبى كلها أو عامتها فلم أحفظ فكتبتها بعد من كتابه.

قال الله تعالى فى آل عمران : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٣) وقال تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٤).

__________________

(١) مسائل أبى داود ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٢) أخرج ابن أبى يعلى عن إبراهيم بن هانئ قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كتاب الله عزوجل فى ثلاثة وثلاثين موضعا. طبقات الحنابلة ١ / ٩٧. وكذا أخرج ابن بطة فى الإبانة الكبرى ١ / ٩٧ : عن الفضل بن زياد. قال : سمعت أبا عبد الله يقول : نظرت فى المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ثلاثة وثلاثين موضعا ثم جعل يتلو ....

(٣) الآية : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٤) الآية : ٣٢.

٤٠٥

وقال فى النساء : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) (١) الآية ، وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) (٢). إلى هنا قرأ علينا عبد الله بن أحمد ، ثم قرئ عليه من هنا وأنا أسمع (٣) : وقال تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٤). وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٥) وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (٦) ، وقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (٧).

وقال فى المائدة : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٨).

وقال تعالى فى الأنفال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٩) وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (١٠) وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا

__________________

(١) الآية : ٦٥.

(٢) الآية : ٦٩.

(٣) من كلام راوى المسائل عن عبد الله.

(٤) سورة النساء : ٧٩ ـ ٨٠.

(٥) سورة النساء : ٥٩.

(٦) سورة النساء : ١٣ ـ ١٤.

(٧) سورة النساء : ١٠٥.

(٨) الآية : ٩٢.

(٩) الآية : ١.

(١٠) سورة الأنفال : ٢٠.

٤٠٦

وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١).

وقال فى النور : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) وقال تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٣) وقال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٤) وقال : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥) وقال : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦) وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) (٧).

وقال فى آخر الأحزاب : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) (٨) وقال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٩) وقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (١٠).

__________________

(١) الآية : ٤٦.

(٢) الآية : ٥١.

(٣) الآية : ٥٢.

(٤) الآية : ٥٦.

(٥) الآية : ٥٤.

(٦) الآية : ٦٣.

(٧) الآية : ٦٢.

(٨) الآية : ٧١.

(٩) الآية : ٣٦.

(١٠) الآية : ٢١.

٤٠٧

وقال فى الذين كفروا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (١).

وقال فى الحجرات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢).

وكان الحسن يقول : لا تذبحوا قبل ذبحه (٣).

وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٤) وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٥).

وقال فى سورة الفتح : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) (٦).

وقال فى النجم : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (٧).

وقال فى الحشر : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٨).

وقال فى التغابن : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٩).

__________________

(١) سورة محمد : ٣٣ ، وبداية السورة : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

(٢) الآية : ١.

(٣) انظر : تفسير الطبرى ٢٦ / ١١٧.

(٤) الآية : ٢.

(٥) الآية : ٣.

(٦) الآية : ١٧.

(٧) الآية : ١ ـ ٢.

(٨) الآية : ٧.

(٩) الآية : ١٢.

٤٠٨

وقال فى الطلاق : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (١).

وقال : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٢) فقال عكرمة : يقاتلون معه بالسيف (٣) وقال تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) (٤) فقال هى : لا إله إلا الله (٥). إلى هاهنا مختصرة.

وقرأ علينا عبد الله من هاهنا :

وقال فى سورة هود : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) (٦).

وقال ابن عباس : جبريل (٧) وقال مجاهد : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٨) (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) (٩).

قال سعيد بن جبير : الأحزاب الملل كلها (١٠) (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (١١) (١٢).

__________________

(١) الآية : ١١.

(٢) سورة الفتح : ٩.

(٣) انظر : تفسير الطبرى ٢٦ / ٧٥.

(٤) سورة الفتح : ٢٦.

(٥) انظر : تفسير الطبرى ٢٦ / ٧٥.

(٦) الآية : ١٧.

(٧) انظر : تفسير الطبرى ١٢ / ١٥ ـ ١٦.

(٨) انظر : تفسير الطبرى ١٢ / ١٥ ـ ١٦.

(٩) سورة هود : ١٧.

(١٠) انظر : تفسير الطبرى ١٢ / ١٩.

(١١) سورة هود : ١٧.

(١٢) مسائل عبد الله ص : ٤٥٠ ـ ٤٥٥ وما بين القوسين أخرجه الخلال فى أحكام أهل الملل (ق : ٣٥ / ب) إذ قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد مما أخرج أبو عبد الله فى طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكره.

٤٠٩

التعليق :

الإمام أحمد رحمه‌الله تعالى كان من أشد المتمسكين بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الداعين إلى تطبيقها.

والسنة فى اللغة : تطلق ويراد بها أمور عدة والمقصود بها هنا الطريقة المستقيمة.

وفى الشرع : كل ما ثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قول أو فعل أو تقرير فهو سنة (١).

قال ابن الجوزى : والبدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع والأغلب فى المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعاطى عليها بزيادة أو نقصان. فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ولا يوجب التعاطى عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزا حفظا للأصل وهو الاتباع (٢) اه

وكما كان رحمه‌الله شديد التمسك بالسنة داعيا إليها كان فى المقابل شديدا على أهل البدع والكلام والجدل ، وكان كثيرا ما يحذر منهم ، وذلك لما فى أفكارهم ومعتقداتهم من خطر بين على عقيدة المسلم.

يقول شارح الطحاوية ـ فى معرض كلامه عن أهل الكلام ـ :

وسبب الإضلال الإعراض عن تدبر كلام الله وكلام رسوله ، والاشتغال بكلام اليونان والآراء المختلفة ، وإنما سمى هؤلاء أهل الكلام ، لأنهم لم يفيدوا علما لم يكن معروفا ، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد وهو ما يضربونه من القياس والإيضاح ما علم بالحس ، وإن كان هذا القياس وأمثاله ينتفع به فى موضع آخر ، ومع من ينكر الحس ، وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته ـ مع

__________________

(١) انظر : النهاية لابن الأثير ٢ / ١٨٩ ، وشرح العقيدة الطحاوية ص : ٤٣٠ ، وفتح البارى : ١٣ / ٢٤٥.

(٢) تلبيس إبليس ص : ١٦.

٤١٠

وجود النص أو عارض النص بالمعقول ـ فقد ضاهى إبليس ، حيث لم يسلم لأمر ربه بل قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١) وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (٢).

وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).

وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٤).

أقسم سبحانه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا نبيه ويرضوا بحكمه ويسلموا تسليما ... (فكل) من عدل عن الكتاب والسنة إلى علم الكلام المذموم أو أراد أن يجمع بينه وبين الكتاب والسنة ، وعند التعارض يتأول النص ويرده إلى الرأى والآراء المختلفة فيؤول أمره إلى الحيرة والضلال والشك ....

قال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازى فى كتابه الّذي صنفه أقسام اللذات : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفى عليلا ، ولا تروى غليلا ، ورأيت أقرب الطرق (٥) طريق القرآن (٦) ... ثم ذكر مقالات لبعض المتكلمين الذين تركوا طريق الكتاب والسنة وخاضوا فيما سواهما وكانت النتيجة الشك والريب والاضطراب النفسى.

__________________

(١) سورة الاعراف / ١١.

(٢) سورة النساء / ٨٠.

(٣) سورة آل عمران / ٣١.

(٤) سورة النساء / ٦٥.

(٥) بل هو الطريق وليس غير طريق القرآن طريق.

(٦) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

٤١١

قول الإمام أحمد فى : حكم المبتدعة

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٩٧٥ ـ سألت أبى عن رجل ابتدع بدعة يدعو إليها وله دعاة عليها هل ترى أن يحبس؟

قال : نعم أرى أن يحبس وتكف بدعته عن المسلمين (١).

٩٧٦ ـ قلت لأبى : ما تقول فى أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله يكون مرجئا أو شيعيا أو فيه شيء من خلاف السنة أينبغي أن أسكت فلا أحذر عنه؟ قال : إن كان يدعو إلى بدعة وهو إمام فيها ويدعو إليها قال : نعم تحذر عنه (٢).

وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٩٧٧ ـ سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعة أيجالس؟ قال : لا يجالس ولا يكلم لعله أن يرجع (٣).

٩٧٨ ـ وسئل : أيصلى خلف صاحب بدعة؟ فقال : إذا كان داعية أو يخاصم فيها أو يدعو إليها لا يصلى خلفه ولا يكلم. فقلت : فمن كان فيه شيء إلا أنه لا يخاصم فيه؟ قال : هو أهون. قلت : فيصلى خلف هذا؟ قال :

__________________

(١) مسائل عبد الله ص : ٤٣٦.

(٢) المصدر السابق ص : ٤٣٩.

(٣) مسائل ابن هانئ ٢ / ١٥٣. وأخرجها ابن بطة فى الإبانة الكبرى ٣ / ٣٤٣ وأخرج نحوها أيضا عن حنبل بن إسحاق.

٤١٢

نعم. قلت : أفليس هذا صاحب بدعة؟ قال : بلى ولكن هذا لعله لا يدرى يرجع ، وهذا يدعو إليها (١).

وقال أبو داود السجستانى :

٩٧٩ ـ سمعت أحمد سئل عن رجل تكلم ببدعة فقيل له : إن هذا بدعة فرجع عنه. قال : فصلوا خلفه إذا كنتم ترضونه ورجع عن الّذي تكلم به (٢).

قال ابن أبى يعلى فى ترجمة : أبى بكر المروزي :

٩٨٠ ـ قال المروزي : سئل أحمد : أمر فى الطريق فأسمع الإقامة ترى أن أصلي ، فقال : قد كنت أسهل فأما إذ كثرت البدع فلا تصل إلا خلف من تعرف (٣). اه

وفى كتاب السنة له قال :

٩٨١ ـ ولا أحب الصلاة خلف أهل البدع (٤).

التعليق :

هذه الروايات تتناول مسألتين.

أولها : اتخاذ بعض ما يرى أنه مناسب لردع أهل البدع.

والثانى : الصلاة خلف المبتدعة.

أما الأول : فالروايات عنه تشير إلى أنه من المفيد اتخاذ بعض ما هو مناسب ضد دعاة البدع حماية للعقيدة الصحيحة ودفاعا عنها ، وأما الصلاة خلف المبتدعة

__________________

(١) مسائل ابن هانئ ١ / ٦٢.

(٢) مسائل أبى داود ص : ٤٣ وانظر ص : ١٢٥.

(٣) طبقات الحنابلة ١ / ٥٩.

(٤) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص : ٤٦.

٤١٣

فعموم الروايات عنه (١) تفيد جواز الصلاة خلف المبتدع ما لم يكن داعية إلى بدعته أو مخاصما فيها.

قال الخرقى : ومن صلى خلف من يعلن ببدعته أعاد.

قال ابن قدامة فى الشرح : الإعلان : الإظهار ، وهو ضد الإسرار ، وظاهر هذا : أن من ائتم بمن يظهر بدعته ويتكلم بها ، ويدعو إليها ، أو يناظر عليها فعليه الإعادة ، ومن لم يظهر بدعته ، فلا إعادة على المؤتم به ، وإن كان معتقدا لها.

قال الأثرم : قلت لأبى عبد الله : الرافضة الذين يتكلمون بما تعرف فقال : نعم أمره أن يعيد. قيل لأبى عبد الله : وهكذا أهل البدع كلهم؟ قال : لا إن منهم من يسكت ، ومنهم من يقف ، ولا يتكلم. وقال : لا تصل خلف أحد من أهل الأهواء ، إذا كان داعية إلى هواه وقال : لا تصل خلف المرجئ إذا كان داعية ، وتخصيصه الداعية ومن يتكلم بالإعادة دون من يقف ، ولا يتكلم يدل على ما قلناه.

وقال القاضى : المعلن بالبدعة من يعتقدها بدليل ، وغير المعلن من يعتقدها تقليدا.

قال ابن قدامة : إن حقيقة الإعلان هو الإظهار ، وهو ضد الإخفاء والإسرار قال الله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ).

وقال تعالى مخبرا عن إبراهيم : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) ولأن المظهر لبدعته لا عذر للمصلى خلفه لظهور حاله ، والمخفى لها من يصلى خلفه معذور ، وهذا له أثر فى صحة الصلاة ولهذا لم تجب الإعادة خلف المحدث والنجس إذا لم يعلم حالهما لخفاء ذلك منهما ووجبت على المصلى خلف الكافر والأمى لظهور حالهما غالبا.

__________________

(١) سواء ما ذكرناه عنه هنا فى حكم المبتدعة أو ما تقدم عنه فى الكلام عن الرافضة والمرجئة والمعتزلة والجهمية.

٤١٤

وقد روى عن أحمد أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال.

قال فى رواية أبى الحارث : لا يصلى خلف مرجئ ولا رافضى ولا فاسق. إلا أن يخافهم فيصلى ثم يعيد.

وقال أبو داود : قال أحمد : متى ما صليت خلف من يقول القرآن مخلوق فأعد. قلت : وتعرفه؟ قال : نعم (١).

وعن مالك : أنه لا يصلى خلف أهل البدع.

فحصل من هذا : أن من صلى خلف مبتدع معلن ببدعته فعليه الإعادة ، ومن لم يعلنها ففى الإعادة خلفه روايتان. وأباح الحسن وأبو جعفر والشافعى الصلاة خلف أهل البدع ... وقال نافع : كان ابن عمر يصلى مع الخشبية والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون (٢) ... اه.

وقد ألحقت بهذه المسألة مسألة الصلاة خلف الفساق فراجعها ففيها زيادة إيضاح. والله تعالى أعلم.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الصلاة خلف الفساق

قال القاضى أبو يعلى بن الفراء :

واختلف فى إمامة الفاسق هل تصح أم لا؟

٩٨٢ ـ فنقل أبو الحارث عنه : لا يصلى خلف الفاجر ولا خلف المبتدع ولا فاسق إلا أن يخافهم فيصلى ويعيد.

٩٨٣ ـ وكذلك نقل أحمد بن أبى عبدة : لا يصلى خلف إمام يكذب إذا كثر كذبه.

__________________

(١) هذه الروايات تقدمت فى أبوابها.

(٢) المغنى لابن قدامة ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

٤١٥

٩٨٤ ـ وكذلك نقل أبو الصقر : لا يصلى خلف من يأكل الربا لما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يؤمن فاجر برا» (١) ولأنها إحدى الإمامتين فيصح أن ينافيها الفسق فى الدين دليله الإمامة الكبرى.

٩٨٥ ـ ونقل أبو الحارث ـ وقد سئل هل يصلى خلف من يغتاب الناس؟ فقال : لو كان كل من عصا الله تعالى لا يصلى خلفه من يؤم الناس على هذا.

٩٨٦ ـ وقال فى رواية حرب : يصلى خلف كل بر وفاجر فلا يكفر أحد بذنب ، ظاهر هذا صحة الإمامة ، لأنه لما صحت صلاته صحت إمامته كالعدل (٢).

التعليق :

هذه المسألة بحثها ابن قدامة أيضا ومما قاله ـ بعد أن ذكر روايات عن الإمام أحمد فى النهى عن الصلاة خلف من يتناول المسكر ـ : «وفى معنى شارب ما يسكر كل فاسق فلا يصلى خلفه ، نص عليه أحمد فقال : لا نصلى خلف فاجر ولا فاسق.

وقال أبو داود : سمعت أحمد رحمه‌الله سئل عن إمام قال : أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهما ، قال : أسأل الله العافية من يصلى خلف هذا؟ وروى عنه أنه قال : لا تصل خلف من لا يؤدى الزكاة ، ولا تصل خلف من يشارط ، ولا بأس أن يدفعوا إليه من غير شرط ، وهذه النصوص : تدل على أنه لا يصلى خلف فاسق.

وعنه رواية أخرى : أن الصلاة جائزة ذكرها أصحابنا ، وهذا مذهب الشافعى ثم ذكر ـ أى ابن قدامة ـ الأحاديث الدالة على جواز الصلاة خلفهم

__________________

(١) رواه ابن ماجة ١ / ٣٤٣ ضمن حديث طويل عن جابر ولفظه : ... ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا يؤمن أعرابى مهاجرا ولا يؤم فاجر مؤمنا ، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه.

قال المحقق فى الزوائد : إسناده ضعيف ، لضعف على بن زيد بن جدعان وعبد الله بن محمد العدوى.

(٢) الروايتان والوجهان ١ / ١٧٢.

٤١٦

ثم قال :

فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة ، وكذلك العلماء الذين فى عصره ....

قال أحمد : أما الجمعة فينبغى شهودها ، فإن كان الّذي يصلى منهم أعاد ، وروى عنه أنه قال : من أعادها فهو مبتدع.

وهذا يدل على عمومه على أنها لا تعاد خلف فاسق ولا مبتدع لأنها صلاة أمر بها فلم تجب إعادتها كسائر الصلوات ، فإذا كان المباشر لها عدلا ، والمولى له غير مرضى الحال لبدعته أو فسقه لم يعدها نص عليه ، وقيل له : إنهم يقولون : إذا كان الّذي وضعه يقول بقولهم فسدت الصلاة ، قال : لست أقول بهذا ، ولأن صلاته إنما ترتبط بصلاة إمامه ، فلا يضر وجود معنى فى غيره ، كالحدث أو كونه أميا ، وعنه تعاد والصحيح الأول (١) اه

وبعد هذا العرض المفصل لمذهب الإمام أحمد على ضوء ما نقل عنه من روايات أقول : إن الظاهر من عموم الروايات عنه أن الصلاة خلف الفساق جائزة ، وأن فسقهم لا يمنع من الصلاة خلفهم ، وهذا هو الّذي عليه عامة السلف ، وقد صلى بعض الصحابة كابن عمر وابن مسعود وغيرهم خلف أئمة فساق.

يقول شارح الطحاوية : والفاسق والمبتدع صلاته فى نفسها صحيحة ، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب ، ومن ذلك : أن من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين ، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب ، فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا ، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك فى إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهى الناس عن مثل ذنبه : فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فى ذلك مصلحة شرعية ، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة. وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضى الله عنهم ، وكذلك

__________________

(١) المغنى : ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٩.

٤١٧

إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمر ليس فى ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية ، فهنا لا يترك الصلاة خلفه ، بل الصلاة خلفه أفضل ، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهرا للمنكر فى الإمامة ، وجب عليه ذلك ، لكن إذا ولاه غيره ، ولم يمكنه صرفه عن الإمامة ، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر : فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما ، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، بحسب الإمكان فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر ، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا ، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة ، وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر ، فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر ، وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر ، فهو موضع اجتهاد العلماء : منهم من قال : يعيد ، ومنهم من قال : لا يعيد (١).

__________________

(١) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

٤١٨

«مسائل متفرقة»

ما أثر عن الإمام أحمد فى ضابط الكبيرة ص : ٢٤٠.

ما أثر عن الإمام أحمد فى المسح على الخفين ص : ٤٢١.

قول الإمام أحمد فى المتعة ص : ٤٢٢.

ما أثر عن الإمام أحمد فى وجوب الرجم على الزانى المحصن ص : ٤٢٤.

ما أثر عن الإمام أحمد فى بعض متعلقات النكاح ص : ٤٢٥.

ما أثر عن الإمام أحمد فى التكبير على الجنائز ص : ٤٢٥.

قول الإمام أحمد فى الصلاة على الشهيد وغسله وعلى من قتله اللصوص ص : ٤٢٦.

ما أثر عن الإمام أحمد فى مضاعفة السيئة فى الحرم ص : ٤٢٨.

قول الإمام أحمد فى الفتوى ص : ٤٢٩.

٤١٩

ما أثر عن الإمام أحمد فى ضابط الكبيرة

قال القاضى أبو يعلى بن الفراء :

وقد حد أحمد رحمه‌الله الكبائر : بما يوجب حدا فى الدنيا ووعيدا فى الآخرة.

٩٨٧ ـ فقال فى رواية جعفر بن محمد (١) : سمعت سفيان بن عيينة يقول فى قوله تعالى : (إِلَّا اللَّمَمَ) (٢) قال : ما بين حدود الدنيا والآخرة. قال أبو عبد الله : حدود الدنيا مثل السرقة والزنا ، وعد أشياء ، وحد الآخرة : ما يحد فى الآخرة ، واللمم : الّذي بينهما (٣) (٤).

__________________

(١) أكثر من واحد بهذا الاسم رووا عن أحمد بن حنبل. راجع طبقات الحنابلة.

(٢) سورة النجم / ٣٢.

(٣) العدة فى أصول الفقه ٣ / ٩٤٦. انظر ما قيل فى اللمم فى : تفسير الطبرى ٢٧ / ٦٤ وابن كثير ٤ / ٢٧٣ والشوكانى ٥ / ١١٣.

(٤) ما ذكره القاضى أبو يعلى عن الإمام أحمد هو القول الراجح فى تعريف الكبيرة وقد لخص شارح الطحاوية الأقوال فى هذه المسألة إذ يقول : واختلف العلماء فى الكبائر على أقوال : فقيل : ما اتفقت الشرائع على تحريمه ، وقيل : ما يسد باب المعرفة بالله ، وقيل : ذهاب الأموال والأبدان ، وقيل : سميت كبائر بالنسبة والإضافة إلى ما دونها ... وقيل : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ، وقيل : إنها ما يترتب عليها حد أو توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب. وهذا أمثل الأقوال.

واختلفت عبارات السلف فى تعريف الصغائر : منهم من قال : الصغيرة ما دون الحدين : حد الدنيا وحد الآخرة ، ومنهم من قال : الصغيرة ما ليس فيها حد فى الدنيا ولا وعيد فى الآخرة ، والمراد بالوعيد : الوعيد الخاص بالنار أو اللعنة أو الغضب ، فإن الوعيد الخاص فى الآخرة كالعقوبة الخاصة فى الدنيا أعنى المقدرة ، فالتعزير فى الدنيا نظير الوعيد بغير النار أو اللعنة أو الغضب وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره ، فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة ، كالشرك والقتل والزنا والسحر ... وأمثال ذلك. اه ثم ذكر بعض الأوجه التى لأجلها يترجح هذا القول. شرح العقيدة الطحاوية ص : ٤١٧ ـ ٤١٨ وانظر فتح البارى ١٢ / ١٨٣ والإنصاف للمرداوى ٢ / ٤٦.

٤٢٠