المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

وروى مسلم (١) وأحمد (٢) عن حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البنانى عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه. قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال : فربطته بالحلقة التى يربط بها الأنبياء. قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءنى جبريل عليه‌السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى السماء ، فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بآدم ، فرحب بى ودعا لى بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل عليه‌السلام فقيل : من أنت؟ قال : جبريل ، قيل ومن معك؟ قال : محمد. قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا ، فإذا أنا بابنى الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما ، فرحبا ودعوا لى بخير ، ثم عرج بى إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل. فقيل من أنت؟ قال : جبريل. قيل : من معك؟ قال : محمد. قيل وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا هو قد أعطى شطر الحسن فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل عليه‌السلام قيل : من هذا؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قال : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لى بخير. قال الله عزوجل : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل قيل : من هذا؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بهارون صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرحب ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة. فاستفتح جبريل عليه‌السلام ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال :

__________________

(١) فى الصحيح ١ / ١٤٥.

(٢) فى المسند ٣ / ١٤٨.

١٤١

قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرحب ودعا لى بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قيل له : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بى إلى (سدرة المنتهى) (١) ، وإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال. قال ، لما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله إلى ما أوحى ، ففرض عليّ خمسين صلاة فى كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك ، فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإنى قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم. قال : فرجعت إلى ربى فقلت : يا رب خفف على أمتى ، فحط عنى خمسا ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عنى خمسا ، قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، قال : فلم أزل أرجع بين ربى تبارك وتعالى وبين موسى عليه‌السلام حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ، لكل صلاة عشر ، فذلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقلت :قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه». اه هذا لفظ مسلم.

قال القاضى عياض : جود ثابت رحمه‌الله هذا الحديث عن أنس ما شاء الله ولم يأت أحد عنه بأصوب من هذا وقد خلط فيه غيره عن أنس تخليطا كثيرا لا سيما من رواية شريك بن أبى نمر. اه (٢)

__________________

(١) هكذا عند أحمد وعند مسلم «السدرة المنتهى».

(٢) الشفاء ١ / ١٨٠.

١٤٢

قلت : أحاديث الإسراء والمعراج رويت فى الصحيحين عن عدد من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما ذكره القاضى عياض رحمه‌الله عن رواية شريك بينه العلماء وأوضحوا مواضع وهمه ومنها : قوله : «قبل أن يوحى إليه» (١).

قال ابن حجر : أنكرها الخطابى وابن حزم وعبد الحق والقاضى عياض (٢). اه

قال القاضى عياض : وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة عشر شهرا وقال الحربى : كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة. وقال الزهرى : كان ذلك بعد مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمس سنين. وقال ابن إسحاق : أسرى به وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل. وأشبه هذه الأقوال قول الزهرى وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة رضى الله عنها صلت معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فرض الصلاة عليه ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل : بثلاث سنين ، وقيل : بخمس.

ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟

قال القاضى عياض أيضا : وأما قوله فى رواية شريك وهو نائم وفى الرواية الأخرى : «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان» (٣) فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه وليس فى الحديث ما يدل على كونه نائما فى القصة كلها.

__________________

(١) الرواية فى فتح البارى ١٣ / ٤٧٨ ولم يخرجها مسلم بل ساق سندها فقط وقال : قدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص.

(٢) فتح البارى ١٣ / ٤٨٠.

(٣) يشير إلى رواية قتادة ، عن أنس ، عن مالك بن صعصعة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخرجها البخارى ـ فتح البارى ٧ / ٢٠١ ـ ومسلم ١ / ١٤٩ ـ ١٥٠.

١٤٣

قلت : وقد ذكر القاضى الاختلاف فى الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل كان مناما أم أنه يقظة ثم قال :

والحق الّذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسرى بجسده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ولا استحالة فى حملها عليه فيحتاج إلى تأويل (١) (٢). اه

قلت : والروايات عن الإمام أحمد تشير إلى ما ذهب إليه الجمهور من أن الإسراء والمعراج كان بجسد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقظة لا مناما ، وقد أنكر على من قال : إن أحاديث الإسراء منام. وأما قوله : منام الأنبياء وحى فهو على ما ذكره القاضى أبو يعلى بن الفراء. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) مسلم بشرح النووى ٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٢) وانظر أيضا : شرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٤٦ ، وزاد المعاد لابن القيم ٢ / ٤٨ ـ ٤٩.

١٤٤

ما أثر عن الإمام أحمد فى : ما قيل حول رؤية النبي

صلى‌الله‌عليه‌وسلم لربه ليلة المعراج وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

«رأيت ربى تبارك وتعالى»

قال القاضى أبو يعلى بن الفراء :

واختلفت الرواية هل رأى ربه تعالى فى ليلة الإسراء أم لا على ثلاث روايات :

أحدها : أنه رآه.

٦٣٢ ـ قال المروزي : قلت لأبى عبد الله : يقولون إن عائشة قالت : من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية (١) فبأى شيء ندفع قول عائشة؟

(قال) (٢) : يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رأيت ربى (٣).

قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أكثر من قولها (٤).

__________________

(١) روى مسلم ١ / ١٥٩ عن مسروق قال : كنت متكئا عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت : ما هن؟ قالت : من زعم أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال : وكنت متكئا فجلست. فقلت : يا أم المؤمنين! انظرينى ولا تعجلينى. ألم يقل الله عزوجل : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التى خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض». فقالت : أو لم تسمع أن الله يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أو لم تسمع أن الله يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) ... الحديث.

(٢) ما بين القوسين سقط من الأصل وما أثبته موافق لما فى إبطال التأويل للمؤلف نفسه وهو ما يقتضيه السياق.

(٣) سيأتى الحديث وتخريجه ج : ٢ / ١٤٦.

(٤) ذكر هذه الرواية ابن حجر فى فتح البارى ٨ / ٦٠٨ نقلا عن السنة للخلال.

١٤٥

٦٣٣ ـ وذكر المروزي فى موضع آخر أنه قال لأبى عبد الله : هاهنا رجل يقول : إن الله يرى فى الآخرة ، ولا أقول إن محمدا رأى ربه فى الدنيا. فغضب وقال : هذا أهل أن يجفى يسلم الخبر كما جاء ، فظاهر هذا أنه أثبت رؤية عين.

الرواية الثانية :

٦٣٤ ـ ونقل حنبل قلت لأبى عبد الله : النبي رأى ربه؟ (قال) (١) : رؤيا حلم رآه بقلبه. فظاهر هذا نفى الرؤية.

٦٣٥ ـ وكذلك نقل الأثرم وقد سأله عن حديث عبد الرحمن بن عائش عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأيت ربى فى أحسن صورة. فقال : مضطرب لأن معمرا رواه عن أيوب ، عن معبد ، عن عبد الرحمن بن عائش عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). ورواه حماد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس (٣).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل وما أثبته موافق لما فى إبطال التأويلات (ق ٧٠ ب) للمؤلف نفسه.

(٢) لم أجد هذا الإسناد إلى عبد الرحمن بن عائش. وفى إبطال التأويل (ق ٨٨ / ب) قال فى رواية الأثرم هذه : يضطرب فى إسناده لأن معمرا رواه عن أيوب ، عن أبى قلابة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اه قلت : وهو الصوب فإن أحمد روى فى المسند ١ / ٣٦٨ بهذا الإسناد عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أتانى ربى عزوجل الليلة فى أحسن صورة أحسبه يعنى فى النوم فقال : يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى قال : قلت : لا. فذكر الحديث بطوله. قال ابن كثير : وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس. إسناده ضعيف. اه.

(٣) روى أحمد ١ / ٢٨٥ عن أسود بن عامر ـ شاذان ـ حدثنا حماد بن سلمة به إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت ربى تبارك وتعالى». ورواه أيضا عن عفان ، حدثنا عبد الصمد بن كيسان ، حدثنا حماد ، به.

قال ابن كثير بعد ذكره لحديث حماد بن سلمة هذا : إسناده على شرط الصحيح لكنه مختصر من حديث المنام. اه. تفسير ابن كثير ٤ / ٢٦٨. وروى ابن أبى يعلى بسنده عن أبى بكر المروزي قال : حدثنى عبد الصمد بن يحيى قال : قال لى شاذان : اذهب إلى أبى عبد الله فقل : ترى لى أن أحدث بحديث قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : فأتيت أبا عبد الله ، فقلت له فقال لى : قل له : تحدث به. قد حدث به العلماء. طبقات الحنابلة ١ / ٢١٨. ذكره القاضى أبو يعلى فى إبطال التأويلات (ق : ٨٨ / أ) نحوه وفيه أيضا : إنهم يقولون ما رواه غير شاذان قال ـ أى ـ

١٤٦

ورواه يوسف بن عطية ، عن قتادة ، عن أنس (١).

ورواه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد الرحمن بن عائش ، عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

ورواه يحيى بن أبى كثير فقال : عن ابن عابس ، عن معاذ ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣). وأصل الحديث واحد.

__________________

ـ أحمد ـ : بلى قد كتبته عن عفان ، عن رجل عن ، حماد بن سلمة.

وذكر القاضى عن الأثرم قال : سألت أبا عبد الله عن حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس فقال : هذا حديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (إبطال التأويلات ق ٩٢ / ب).

وفى رسالة عبدوس بن مالك (ق : ٢ / أ) ـ ومحمد بن عوف الطائى ـ طبقات الحنابلة ١ / ٣١٢ ذكر له طرقا أخرى عن ابن عباس. وانظر : إبطال التأويلات (ق : ٨٨).

(١) انظر : المجروحين لابن حبان ٣ / ١٣٥ والإصابة لابن حجر ٢ / ٤٠٦.

(٢) نقل أبو يعلى رواية الأثرم هذه فى إبطال التأويلات (ق : ٨٨ / ب) وفيها : ورواه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد الرحمن بن عائش عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ورواه يزيد بن يزيد بن جابر ، عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد الرحمن بن عائش ، عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اه

قلت : أما الإسناد الأول فلم أجده عند أحمد. وهو عند ابن خزيمة فى التوحيد ص : ٢١٥ والآجرى فى الشريعة ص ٤٩٧ واللالكائى فى شرح أصول السنة ٣ / ٥١٤ وغيرهم.

وأما الإسناد الآخر فهو عند أحمد ٤ / ٦٦ و ٥ / ٣٧٨ عن عبد الرحمن بن عائش ، عن بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه ـ أو مشرق الوجه فقلنا يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه ـ أو مشرق الوجه ـ فقال : وما يمنعنى وأتانى ربى عزوجل الليلة فى أحسن صورة ... فذكر الحديث بطوله. وبهذا الإسناد عند ابن خزيمة أيضا. التوحيد ص : ٢١٦.

وعبد الرحمن بن عائش الحضرمى ، أو السكسكى ، يقال : له صحبة وقال أبو حاتم : من قال فى روايته : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد أخطأ. تقريب ١ / ٤٨٦.

(٣) فى إبطال التأويلات فيها : ورواه يحيى بن أبى كثير فقال : عن ابن عباس ، عن مالك بن يخامر ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اه. هكذا قال : عن ابن عباس.

ورواية يحيى بن أبى كثير وجدتها عند أحمد ٥ / ٢٤٣ قال : حدثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم ، حدثنا جهضم يعنى اليمامى ، حدثنا يحيى ـ يعنى ابن أبى كثير ـ ، حدثنا زيد يعنى ـ ابن أبى سلام ـ عن أبى سلام ـ وهو زيد بن سلام بن أبى سلام نسبه إلى جده ـ أنه حدثه عبد الرحمن بن عياش الحضرمى ، عن مالك بن يخامر ، عن معاذ بن جبل قال : احتبس علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ـ

١٤٧

الرواية الثالثة :

٦٣٦ ـ قال الأثرم : قلت لأبى عبد الله إلى أى شيء نذهب؟ قال : الأعمش عن زياد بن الحصين ، عن أبى العالية ، عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه بقلبه (١).

__________________

ـ غداة فذكر نحو الحديث السابق وفيه : «فنعست فى صلاتى حتى استيقظت فإذا أنا بربى عزوجل فى أحسن صورة».

ورواه الترمذي بهذا الإسناد إلى معاذ وعنده : عبد الرحمن بن عائش الحضرمى وهو الصواب. وفى رواية الترمذي : «فنعست فى صلاتى حتى استثقلت فإذا أنا بربى تبارك وتعالى فى أحسن صورة» قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : هذا حديث حسن صحيح. وقال : هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثنا خالد بن اللجلاج قال : حدثنى عبد الرحمن بن عائش الحضرمى قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر الحديث وهذا غير محفوظ هكذا ذكر الوليد فى حديثه عن عبد الرحمن ابن عائش قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى بشر بن بكر ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن عائش عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا أصح. وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. سنن الترمذي ٥ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

والحديث اختلفت أسانيده. راجع التوحيد لابن خزيمة ص : ٢١٥. والشريعة للآجرى ص : ٤٩٦ ، والإصابة لابن حجر ٤ / ٣٢٠ ـ ٣٢٤ فقد ذكروا ما يفى بالغرض حول هذه الأسانيد خاصة الأخير.

قال ابن عدى : الحديث له طرق وقد صحح أحمد طريق يحيى بن أبى كثير عن زيد بن سلام ، عن جده. انظر : تهذيب التهذيب ٦ / ٢٠٥.

(١) روى مسلم ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩ عن وكيع ، عن الأعمش به وعن حفص بن غياث ، عن الأعمش به قال ـ أى ابن عباس ـ بعد ذكره لقول الله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ولقوله جل وعلا : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) رآه بفؤاده مرتين وروى ابن مندة فى الإيمان ١ / ٧٥٩ عن ابن نمير عن الأعمش به. قال : ـ أى ابن عباس ـ بعد ذكره لقوله تعالى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) : رآه بقلبه.

وفى رواية قطبة بن عبد العزيز وحفص بن غياث ، عن الأعمش به. قال ـ بعد ذكره الآية ـ : رآه بقلبه مرتين. نفس المصدر السابق.

وروى مسلم ١ / ١٥٨ من طريق آخر عن ابن عباس قال : رآه بقلبه. وروى ابن مندة فى الإيمان ١ / ٧٦١ عن ابن عباس قال : لقد رأى محمد ربه عزوجل. قال المحقق : إسناده حسن. ـ

١٤٨

٦٣٧ ـ ونقل الأثرم أن رجلا قال لأحمد عن حسين (١) الأشيب أنه قال : لم ير النبي عليه‌السلام ربه تعالى ، فأنكر عليه إنسان وقال : لم لا تقول : رآه ولا تقول : بعينيه ولا بقلبه كما جاء الحديث (فاستحسن) (٢). الأشيب فقال أبو عبد الله : حسن.

فظاهر هذا إثبات رؤية لا يعقل معناها هل كانت بعينه أو بقلبه (٣). ثم ذكر وجه كل رواية (٤).

التعليق :

مسألة رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لربه عزوجل من المسائل التى اختلفت فيها النقول عن الإمام أحمد ووقع الكلام فيها مبكرا فى عهد الصحابة رضوان الله عليهم. وقبل البدء فى إيضاح هذه المسألة أود أن أشير إلى أن الأمة أجمعت على أن الله عزوجل لا يراه أحد فى الدنيا بعينه(٥).

روى مسلم (٦) ، والترمذي (٧) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حديث يحذر أمته الدجال : «تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عزوجل حتى يموت» وفى لفظ الترمذي :

__________________

وروى ابن مندة أيضا ١ / ٧٦١ والحاكم ٢ / ٤٦٩ عن ابن عباس قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الحاكم : صحيح على شرط البخارى وأقره الذهبى.

وسيأتى فى التعليق الكلام حول هذه الروايات.

(١) هكذا فى المخطوط ولعله : الحسن بن موسى الأشيب : ثقة ، روى عنه أحمد بن حنبل ، توفى سنة تسع أو عشر ومائتين. تقريب ١ / ١٧١.

(٢) الرسم قريب من هذا ولعل ما أثبته هو الصواب.

(٣) الروايتان والوجهان (ق ٢٥٠ / ب).

ونحو ما تقدم فى إبطال التأويلات (ق ٧٠) للمؤلف نفسه.

(٤) انظر : الروايتين (ق ٢٥١ / أ).

(٥) انظر : الرد على الجهمية للدارمى ص : ٣٠٦ ـ ضمن عقائد السلف ، وشرح العقيدة الطحاوية ص ٢١٣ ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية ٦ / ٥١٠.

(٦) فى الصحيح ٤ / ٢٢٤٥.

(٧) فى السنن ٤ / ٥٠٨.

١٤٩

«تعلمون».

والخلاف إنما وقع فى حصول الرؤية للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والمأثور عن عائشة رضى الله عنها الإنكار الشديد على من قال بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى ربه جل وعلا بعينه حتى إنها قالت من زعم ذلك فقد أعظم على الله الفرية ، وهذا النفى مروى عن غيرها من الصحابة كابن مسعود(١).

أما ما جاء عن ابن عباس رضى الله عنه فليس فيه تصريح بالرؤية البصرية بل فى بعضها التصريح بالرؤية مطلقا وفى الأخرى التقييد بالرؤية القلبية.

يقول ابن حجر : يجب حمل مطلقها على مقيدها ، ويقول أيضا : يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفى عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ، ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان عالما بالله على الدوام (٢). اه

وهذا الجمع ارتضاه العلماء.

وحديث عائشة السابق صريح فى أن المرئى فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى). هو جبريل عليه‌السلام.

وحديث أبى ذر رضى الله تعالى عنه صريح فى نفى الرؤية البصرية إذ يقول : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رأيت ربك؟ قال : «نور أنى أراه» (٣).

يقول ابن تيمية : وليس فى الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا فى الكتاب والسنة ما يدل على ذلك بل النصوص

__________________

(١) انظر : فتح البارى ٨ / ٦٠٨.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) رواه مسلم ١ / ١٦١.

١٥٠

الصحيحة على نفيه أدل ـ ثم ذكر حديث أبى ذر (١). اه

أما الروايات المنقولة عن الإمام أحمد فليس فيها ما يدل على إثبات الرؤية البصرية وقول القاضى أبى يعلى فى رواية المروزي : «فظاهر هذا أنه أثبت رؤية عين» ، لا يسلم لهرحمه‌الله.

فالروايات عن الإمام أحمد بعضها مطلق وبعضها مقيد بالرؤية القلبية.

وإن كان فى بعضها ما يشير إلى الرؤية البصرية فهو من تصرف الرواة.

يقول ابن تيمية : وقد صح عنه ـ أى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «رأيت ربى تبارك وتعالى» ولكن لم يكن هذا فى الإسراء ولكن كان فى المدينة لما احتبس ... ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة فى منامه. وعلى هذا بنى الإمام أحمد رحمه‌الله تعالى وقال : نعم رآه حقا فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بدّ ، ولكن لم يقل أحمد رحمه‌الله تعالى أنه رآه بعينى رأسه يقظة ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه ولكن قال مرة رآه ومرة قال : رآه بفؤاده فحكيت عنه روايتان وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعينى رأسه وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك (٢). اه

فالحاصل أن الإمام أحمد لم يصح عنه مطلقا أنه قال بالرؤية البصرية لا فى ليلة المعراج ولا فى الحديث المتأخر عنها.

__________________

(١) مجموع الفتاوى ٦ / ٥٠٩ ـ ٥١٠.

(٢) زاد المعاد ٢ / ٤٨ ، وانظر : مجموع الفتاوى ٦ / ٥٠٩.

١٥١

ما أثر عن الإمام أحمد فى الإيمان بملك الموت

فى رسالته لمسدد بن مسرهد قال :

٦٣٨ ـ والإيمان بملك الموت يقبض الأرواح ثم ترد فى الأجساد فى القبور ، فيسألون عن الإيمان والتوحيد (١) (٢).

التعليق :

قال الله جل وعلا : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (٣). وقال تبارك وتعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٤).

قال ابن كثير : الظاهر من هذه الآية أن ملك الموت شخص معين من الملائكة ... وقد سمى فى بعض الآثار بعزرائيل وهو المشهور قاله قتادة وغير واحد وله أعوان (٥). اه

ولا أعلم هذا الاسم فى حديث صحيح ، ولعله أخذ من الإسرائيليات. والله تعالى أعلم. وقد قطع الشوكانى بهذا الاسم إذ يقول عند تفسير الآية : وملك الموت هو عزرائيل (٦).

__________________

(١) سيأتى الكلام عن السؤال فى عذاب القبر ج : ٢ / ١٧٧.

(٢) طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٤.

(٣) سورة السجدة / ١١.

(٤) سورة الأنعام / ٦١.

(٥) تفسير ابن كثير ٣ / ٤٧٧.

(٦) فتح القدير ٤ / ٢٥٠.

١٥٢

ما أثر عن الإمام أحمد فى الصلاة

على من مات من أهل القبلة

فى رسالته لمسدد بن مسرهد قال :

٦٣٩ ـ والصلاة على من مات من أهل هذه القبلة وحسابهم على الله عزوجل (١) ومثل هذا جاء فى رواية الحسن بن إسماعيل الربعى عدا : وحسابهم على الله ... (٢).

وفى رسالة عبدوس بن مالك قال :

٦٤٠ ـ ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له ولا يحجب عنه الاستغفار ولا يترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا أو كبيرا أمره إلى الله تعالى (٣).

التعليق :

الّذي عليه السلف ـ رحمهم‌الله ـ عدم ترك الصلاة على أى من أهل القبلة وهذا بناء على قواعدهم السابقة فى الإيمان ، فهم لا يكفرون أحدا بذنب يرجون للمحسن ويخافون على المسىء ولا يحجبون عنه الاستغفار والدعاء قال جل وعلا : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).

يقول شارح الطحاوية فى معرض كلامه عن هذه المسألة :

__________________

(١) طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٤.

(٢) المصدر السابق ١ / ١٣٠.

(٣) رسالة عبدوس (ق ٦ / ب) ومناقب أحمد لابن الجوزى ص ٢٢٦ وطبقات الحنابلة ١ / ٢٤٦.

١٥٣

ولكن المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن ، وإما منافق ، فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له ، ومن لم يعلم ذلك منه صلى عليه ، فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل عليه هو ، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه وكان عمر رضى الله عنه لا يصلى على من لم يصل عليه حذيفة ، لأنه كان فى غزوة تبوك قد عرف المنافقين ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة على المنافقين ، وأخبر أن لا يغفر لهم باستغفاره ، وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله ، فمن كان مؤمنا بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه ، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العلمية أو الفجورية ما له ، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين فقال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (١) فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ، فالتوحيد أصل الدين ، والاستغفار له وللمؤمنين كماله ، فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات ، إما واجب وإما مستحب ، وهو على نوعين : عام وخاص ، أما العام فظاهر ، كما فى هذه الآية ، وأما الدعاء الخاص ، فالصلاة على الميت ، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنين أن يصلوا عليه صلاة الجنازة ، وهم مأمورون فى صلاتهم عليه أن يدعوا له ، كما روى أبو داود (٢) ، وابن ماجة (٣) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» (٤). اه

قلت : وما سبق تقريره عن الإمام أحمد هو فى الصلاة على جنائز الفساق من هذه الأمة وهو كما أسلفت أمر متفق عليه.

أما المبتدعة فقد نقل ابن قدامة عن أحمد قوله : لا أشهد الجهمية ولا

__________________

(١) سورة محمد / ١٩.

(٢) سنن أبى داود ٣ / ٥٣٨.

(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٤٨٠.

(٤) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

١٥٤

الرافضة ويشهدهم من شاء وسيأتى عند قول الإمام أحمد فى حكم المبتدعة (١) مزيد من الإيضاح حول موقفه من الصلاة خلف المبتدعة وعليهم.

قال ابن عبد البر : وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم (٢) .... وسيأتى فى الصفحة التالية الصلاة على الغال والمنتحر.

__________________

(١) ج : ٢ / ٤١٢.

(٢) انظر : المغنى ٢ / ٥٥٨ ، وراجع الإيمان لابن تيمية ص : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

١٥٥

قول الإمام أحمد فى : الصلاة على القاتل نفسه والغال

قال عبد الملك بن عبد الحميد الميمونى :

٦٤١ ـ قلت لأحمد : من قتل نفسه يصلى عليه الإمام؟ قال : لا يصلى الإمام على من قتل نفسه ولا على من غل (١). قلت : فالمسلمون؟ قال : يصلون عليهما (٢). ومثله : نقل عن أحمد : أبو داود (٣) ، وابن هانئ (٤) ، وصالح بن أحمد بن حنبل (٥).

التعليق :

ما ذهب إليه الإمام أحمد فى هذه المسألة مبنى على حديث زيد بن خالد الجهنى : أن رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفى يوم خيبر فذكر ذلك للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه القوم لذلك فلما رأى الّذي بهم قال : «إن صاحبكم غل فى سبيل الله» ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوى در همين (٦).

__________________

(١) قال ابن الأثير : تكرر ذكر «الغلول» فى الحديث ، وهو الخيانة فى المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. يقال : غل فى المغنم يغل غلولا فهو غال ، وكل من خان فى شيء خفية فقد غل ، وسميت غلولا لأن الأيدى تجمع يد الأسير إلى عنقه ، ويقال لها جامعة أيضا ، وأحاديث الغلول فى الغنيمة كثيرة ، النهاية ٣ / ٣٨٠.

(٢) طبقات الحنابلة ١ / ٢١٥.

(٣) انظر : مسائل أبى داود ص : ١٥٦.

(٤) مسائل ابن هانئ ١ / ١٩١.

(٥) مسائل صالح ص : ٣٠.

(٦) رواه مالك فى الموطأ ٢ / ١٤ وأحمد ٤ / ١١٤ ، ٥ / ١٩٢ وأبو داود ٣ / ١٥٥ ، وابن ماجة ٢ / ٩٥٠ وغيرهم.

١٥٦

هذا بالنسبة للغال.

أما المنتحر : فقد روى أبو داود (١) عن جابر بن سمرة قال : مرض رجل ، فصيح عليه ، فجاء جاره إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إنه قد مات قال : «وما يدريك»؟ قال : أنا رأيته ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه لم يمت» قال : فرجع ، فصيح عليه ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنه قد مات ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه لم يمت» فرجع فصيح عليه ، فقالت امرأته : انطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فقال الرجل : اللهم العنه. قال : ثم انطلق الرجل ، فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه ، فانطلق إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره أنه قد مات فقال : «وما يدريك» قال : رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه ، قال : «أنت رأيته؟» قال : نعم ، قال : «إذا لا أصلي عليه».

ورواه مسلم (٢) وأحمد (٣) والترمذي (٤) وابن ماجة (٥) مختصرا.

قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح واختلف أهل العلم فى هذا فقال بعضهم : يصلى على كل من صلى إلى القبلة وعلى قاتل النفس وهو قول الثورى وإسحاق.

وقال أحمد : لا يصلى الإمام على قاتل النفس ، ويصلى عليه غير الإمام (٦).

قلت : وأما من قتل فى حد من الحدود فالراجح أنه يصلى عليه الإمام وغيره فقد روى عن عمران بن حصين قال : إن امرأة من جهينة أتت نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى حبلى من الزنى. فقالت : يا نبى الله أصبت حدا فأقمه

__________________

(١) فى السنن ٣ / ٥٢٦.

(٢) فى الصحيح ٢ / ٦٧٢.

(٣) فى المسند ٥ / ٨٧ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٦ ،.

(٤) فى السنن ٣ / ٣٧١.

(٥) فى السنن ١ / ٤٨٨.

(٦) سنن الترمذي ٣ / ٣٧٢.

١٥٧

عليّ فدعا نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليها فقال : «أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها» ، ففعل ، فأمر بها نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فشكت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلى عليها يا نبى الله وقد زنت؟ فقال : «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى» (١).

وفى خبر الغامدية (٢) أيضا جاء أنه صلى عليها عليه الصلاة والسلام.

يقول ابن القيم : واختلف عنه فى الصلاة على المقتول حدا كالزانى المرجوم فصح عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى على الجهنية ... وذكر البخارى فى صحيحه قصة ماعز بن مالك وقال : فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيرا وصلى عليه. وقد اختلف على الزهرى فى ذكر الصلاة عليه فأثبتها محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق عنه وخالفه ثمانية من أصحاب عبد الرزاق فلم يذكروها ... قال البيهقى : وقول محمود بن غيلان أنه صلى عليه خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ثم إجماع أصحاب الزهرى على خلافه. وقد اختلف فى قصة ماعز بن مالك فقال أبو سعيد الخدرى : ما استغفر له ولا سبه وقال بريدة بن الحصيب أنه قال : «استغفروا لماعز بن مالك» ذكرهما مسلم (٣). قال جابر فصلى عليه وذكره البخارى (٤) وهو حديث عبد الرزاق المعلل وقال أبو برزة الأسلمي لم يصل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم ينه عن الصلاة عليه ذكره أبو داود (٥).

قلت : حديث الغامدية لم يختلف فيه أنه صلى عليها ، وحديث ماعز إما أن يقال : لا تعارض بين ألفاظه فإن الصلاة فيه هى دعاؤه له بأن يغفر الله له وترك الصلاة فيه هى تركه الصلاة على جنازته تأديبا وتحذيرا ، وإما أن يقال :

__________________

(١) رواه مسلم ٢ / ٦٧٢ ، وأبو داود ٤ / ٥٨٧ وغيرهم.

(٢) تقدم تخريج الحديث ج : ١ / ٢٣١.

(٣) انظر : صحيح مسلم ٣ / ١٣٢٢.

(٤) انظر : فتح البارى ١٢ / ١٢٩.

(٥) انظر : ما ذكره أبو داود فى قصة رجم ماعز ٤ / ٥٧٣ ـ ٥٨٤.

١٥٨

إذا تعارضت ألفاظه عدل عنه إلى حديث الغامدية (١). اه

وقال النووى : بعد ذكره للخلاف فى المسألة قال القاضى ـ يعنى عياض ـ : مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا وعن مالك وغيره : أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول فى حد وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجرا لهم وعن الزهرى : لا يصلى على مرجوم ويصلى على المقتول فى قصاص. وقال أبو حنيفة : لا يصلى على محارب ولا على قتيل الفئة الباغية (٢). اه

قلت : وما ذكره القاضى من إجماع العلماء هو المعول عليه (٣) والله تعالى أعلم.

وسيأتى من اختلف فى الصلاة عليهم كالشهيد ومن قتله اللصوص وهو باب آخر(٤).

__________________

(١) زاد المعاد ١ / ١٤٤.

(٢) مسلم بشرح النووى ٧ / ٤٧ ـ ٤٨ ، وانظر : معالم السنن للخطابى ـ ضمن سنن أبى داود ـ ٣ / ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ، وفتح البارى ١٢ / ١٣١.

(٣) انظر : المغنى لابن قدامة ٨ / ١٦٦.

(٤) انظر ص : ج : ٢ / ٤٢٦.

١٥٩

قول الإمام أحمد فى : النياحة

قال أبو بكر الخلال :

٦٤٢ ـ أخبرنى حرب بن إسماعيل قال : قلت لأحمد بن حنبل : الرجل يستمع النوح فيترقق؟ قال : ما أدرى.

٦٤٣ ـ أخبرنا أبو بكر المروزي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : النياحة من فعل الجاهلية.

٦٤٤ ـ أخبرنى عصمة بن عصام : حدثنا حنبل قال : سألت أبا عبد الله قلت : ما ترى فى النياحة إذا كنت فى موضع تنهى أن تنوح؟ قال : أجل من المعروف قال الله تعالى : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) (١) يعنى النياحة (٢) وهى معصية.

٦٤٥ ـ أخبرنى محمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال : سألت أحمد عن الرجل يدعى ليغسل الميت فيسمع عندهم صوت النوح فيما ترى؟ يدخل يغسله وهم ينوحون؟ قال : نعم ولكن ينهاهم (٣).

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٦٤٦ ـ سألت أبى عن الجنازة معها نوائح أو صوائح تتبع؟ قال : قال الحسن : لا ندع حقا لباطل (٤).

__________________

(١) سورة الممتحنة / ١٢.

(٢) وهو مما أخذ عليهن فى البيعة أن لا يفعلنه. أنظر حديث أم عطية فى الصفحة التالية وانظر ج : ٢ / ١٦٣.

(٣) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص : ٩٨.

(٤) مسائل عبد الله ص : ١٤٤. وخبر الحسن رواه عبد الرزاق فى المصنف ٣ / ٤٥٧.

١٦٠