المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

قال الإمام أحمد بن حنبل فى الرسالة الموسومة بالصلاة

٥١٩ ـ هذا كتاب فى الصلاة ، وعظم خطرها ، وما يلزم الناس من تمامها وأحكامها يحتاج إليه أهل الإسلام ، لما قد شملهم من الاستخفاف بها ، والتضييع لها ومسابقة الإمام فيها. كتبه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إلى قوم صلى معهم بعض الصلوات.

وقد جاء الحديث قال : «لا حظ فى الإسلام لمن ترك الصلاة» (١) فكل مستخف بالصلاة مستهين بها : هو مستخف بالإسلام مستهين به وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة. ورغبتهم فى الإسلام على قدر رغبتهم فى الصلاة.

فاعرف نفسك يا عبد الله واعلم أن حظك من الإسلام وقدر الإسلام عندك بقدر حظك من الصلاة وقدرها عندك. واحذر أن تلقى الله عزوجل ولا قدر للإسلام عندك. فإن قدر الإسلام فى قلبك كقدر الصلاة فى قلبك. وقد جاء الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الصلاة عمود الإسلام» (٢) ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ، ولم ينتفع بالطنب

__________________

(١) من قول عمر بن الخطاب كما تقدم ج : ٢ / ٣٧.

(٢) روى المروزى فى تعظيم الصلاة ١ / ٢٢٠ والحاكم ٢ / ٢ / ٤١١ عن معاذ بن جبل. قال : قلت يا رسول الله : أنبئنى بعمل يدخلنى فى الجنة ويباعدنى من النار؟ قال : قد سألت عن عظيم ... وإن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة السنام منه. فقلت : أجل يا رسول الله فقال : «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد فى سبيل الله».

صححه الحاكم ووافقه الذهبى.

ورواه عبد الرزاق فى المصنف ١١ / ١٩٤ وأحمد ٥ / ٢٣١ والمروزى ١ / ٢٢٠ والترمذي ١٢١٥ وابن ماجة ٢ / ١٣١٢ من طريق آخر عن معاذ. والحديث بمجموع طرقه صحيح. انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى ٣ / ١١٥.

٤١

ولا بالأوتاد؟ وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد. فكذلك الصلاة من الإسلام. فانظروا رحمكم الله واعقلوا ، وأحكموا الصلاة ، واتقوا الله فيها ، وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض ، والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان. فإن الله عزوجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى. والصلاة أفضل البر. وجاء الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة وليصلين أقوام لا خلاق لهم (١) وجاء الحديث : «أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته. فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله. وإن ردت صلاته رد سائر عمله» (٢) فصلاتنا آخر ديننا وهى أول ما نسأل عنه غدا من أعمالنا. فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين. فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام فكل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه فتمسكوا رحمكم الله بآخر دينكم وليعلم المتهاون بصلاته ، المستخف بها ، المسابق الإمام فيها أنه لا صلاة له. وأنه إذا ذهبت صلاته فقد ذهب دينه. فعظموا الصلاة رحمكم الله وتمسكوا بها واتقوا الله فيها خاصة. وفى أموركم عامة.

واعلموا أن الله عزوجل قد عظم خطر الصلاة فى القرآن وعظم أمرها وشرف أهلها ، وخصها بالذكر من بين الطاعات كلها فى مواضع من القرآن كثيرة وأوصى بها خاصة.

فمن ذلك أن الله تعالى ذكر أعمال البر التى أوجب لأهلها الخلود فى الفردوس. فافتتح تلك الأعمال بالصلاة ، وختمها بالصلاة وجعل تلك الأعمال التى جعل لأهلها الخلود فى الفردوس بين ذكر الصلاة مرتين قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) فبدأ من صفتهم بالصلاة عند مديحه إياهم ، ثم وصفهم بالأعمال الطاهرة الزاكية المرضية إلى قول الله عز

__________________

(١) أورده السيوطى فى جمع الجوامع ٢ / ٥٤١ وعزاه لابن أبى شيبة.

(٢) روى هذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر من واحد من الصحابة. راجع تعظيم قدر الصلاة للمروزى ١ / ٢٠٨ ـ ٢١٨.

٤٢

وجل : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١). فأوجب الله عزوجل لأهل هذه الأعمال الشريفة الزاكية المرضية الخلود فى الفردوس ، وجعل هذه الأعمال بين ذكر الصلاة مرتين ، ثم عاب الله عزوجل الناس كلهم وذمهم ونسبهم إلى اللؤم والهلع والجزع ، والمنع للخير ، إلا أهل الصلاة فإنه استثناهم منهم فقال الله عزوجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) ثم استثنى المصلين منهم ، فقال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ثم وصفهم بالأعمال الزاكية الطاهرة المرضية الشريفة ، إلى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) ثم ختم بثنائه عليهم ومدحهم ، بأن ذكرهم بمحافظتهم على الصلاة ، فقال : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (٢) فأوجب لأهل هذه الأعمال الكرامة فى الجنة ، وافتتح ذكر هذه الأعمال بالصلاة وختمه بالصلاة فجعل ذكر هذه الأعمال بين ذكر الصلاة مرتين. ثم ندب الله عزوجل رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطاعة كلها جملة وأفرد الصلاة بالذكر من بين الطاعة كلها. والصلاة هى من الطاعة فقال عزوجل : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ) (٣) ففى تلاوة الكتاب فعل جميع الطاعات ، واجتناب جميع المعصية. فخص الصلاة بالذكر فقال : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٤). وإلى الصلاة خاصة ندبه الله عزوجل فقال : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ) (٥) فأمره أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها. ثم أمر الله تعالى جميع المؤمنين بالاستعانة على طاعته كلها بالصبر ثم خص الصلاة بالذكر

__________________

(١) سورة المؤمنون من آية ١ ـ ١١.

(٢) انظر : سورة المعارج من آية ١٩ ـ ٣٥.

(٣) سورة العنكبوت / ٤٥.

(٤) سورة العنكبوت / ٤٥.

(٥) سورة طه / ١٣٢.

٤٣

من بين الطاعة كلها فقرنها مع الصبر بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١) فكذلك أمر الله تعالى بنى إسرائيل بالاستعانة بالصبر والصلاة على جميع الطاعة. ثم أفرد الصلاة من بين الطاعة فقال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٢). ومثل ذلك ما أخبر الله عزوجل به من حكمه ووصيته خليله إبراهيم ولوطا وإسحاق ويعقوب فقال : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) إلى قوله : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) إلى قوله (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) إلى قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ) (٣).

فذكر الخيرات كلها جملة ، وهى جميع الطاعات واجتناب جميع المعصية ، وأفرد الصلاة بالذكر وأوصاهم بها خاصة. ومثل ذلك ما ذكر عن إسماعيل فى قوله : (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (٤) فبدأ بالصلاة. ومثل ذلك عن نجيه موسى عليه‌السلام (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) إلى قوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٥). فأجمل الطاعة واجتناب المعصية فى قوله لموسى : (فَاعْبُدْنِي) وأفرد الصلاة وأمر بها خاصة وقال عزوجل : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) (٦) والتمسك بالكتاب يأتى على جميع الطاعة واجتناب المعصية ، ثم خص الصلاة بالذكر فقال: (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) وإلى تضييع الصلاة نسب الله عزوجل من أوجب له العذاب قبل المعاصى فقال : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٧) فمن اتباع الشهوات ركوب جميع المعاصى ،

__________________

(١) سورة البقرة / ١٥٣.

(٢) سورة البقرة / ٤٥.

(٣) انظر : سورة الأنبياء من الآية : ٦٩ ـ ٧٣.

(٤) سورة مريم / ٥٥.

(٥) انظر : سورة طه من الآية : ٩ ـ ١٤.

(٦) سورة الأعراف / ١٧٠.

(٧) سورة مريم / ٥٩.

٤٤

فنسبهم الله عزوجل إلى جميع المعصية فى تضييع الصلاة.

فهذا ما أخبر الله تعالى به من آي القرآن ، من تعظيم الصلاة ، وتقديمها بين يدى الأعمال كلها ، وإفرادها بالذكر من بين جميع الطاعات والوصية بها دون أعمال البر عامة. فالصلاة خطرها عظيم وأمرها جسيم.

وبالصلاة أمر الله تبارك وتعالى رسوله ، أول ما أوحى إليه بالنبوة ، قبل كل عمل ، وقبل كل فريضة. وبالصلاة : أوصى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند خروجه من الدنيا فقال : «الله الله فى الصلاة وفيما ملكت أيمانكم» (١) فى آخر وصيته إياهم وجاء الحديث : «أنها آخر وصية كل نبى لأمته وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا». وجاء فى حديث آخر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه كان يجود بنفسه ويقول : الصلاة ، الصلاة ، الصلاة». فالصلاة أول فريضة فرضت عليهم ، وهى آخر ما أوصى به أمته. وآخر ما يذهب من الإسلام. وهى أول ما يسأل عنه العبد من عمله يوم القيامة وهى عمود الإسلام. وليس بعد ذهابها دين ، ولا إسلام ، فالله الله فى أموركم عامة ، وفى صلاتكم خاصة ، فتمسكوا بها واحذروا تضييعها والاستخفاف بها ومسابقة الإمام فيها ، وخداع الشيطان أحدكم عنها ، وإخراجه إياكم منها فإنها آخر دينكم ، ومن ذهب آخر دينه فقد ذهب دينه كله فتمسكوا بآخر دينكم(٢).

__________________

(١) روى أحمد ١ / ٧٨ والمروزى فى تعظيم قدر الصلاة ١ / ٣٣٣ وأبو داود ٥ / ٣٥٩ وابن ماجة ٢ / ٩٠١ عن على بن أبى طالب قال : «كان آخر كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصلاة الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» وروى أحمد ٦ / ٢٩٠ ، ٣١١ ، ٣١٥ ، ٣٢١ ، عن أم سلمة قالت : كان من آخر وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلجلجها فى صدره وما يفيض بها لسانه». وروى المروزى ١ / ٣٣٢ وابن ماجة ٢ / ٩٠٠ عن أنس بن مالك قال : كانت آخر وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يغرغر بها فى صدره ، فلا يكاد يفيض بها لسانه : «الصلاة الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم».

(٢) انظر الرسالة بأكملها فى طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٨ ـ ٣٨٠ ، وانظر : إسناد هذه الرسالة والتعليق عليه ج : ١ / ٤١ من المقدمة.

٤٥

التعليق :

إقامة الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وتأتى فى المرتبة الثانية بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ولست فى مقام إبراز ما يدل على مكانتها فى الدين فذلك معلوم إن شاء الله للجميع. ويكفى أنه قد أمر بها فى القرآن فى ما يقارب ثلاثة وعشرين موضعا ، إضافة إلى عشرات الآيات التى تمتدح القائمين بها ، وتعظيم شأنها (١).

وما أريد بحثه هنا هو حكم تارك هذه الفريضة التى افترضها الله عزوجل على عباده وأمرهم بالقيام بها.

وقد لخص النووى رحمه‌الله تعالى أقوال العلماء فى هذا إذ يقول :

وأما تارك الصلاة فإن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج عن ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه.

وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه.

فذهب مالك والشافعى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن ولكنه يقتل بالسيف وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وبه قال : عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعى وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنى صاحب الشافعى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلى (٢) اه وبذا يتضح أنه لا خلاف فى كفر من جحدها. وعلى هذا يستتاب فإن تاب وإلا قتل كفرا إجماعا.

__________________

(١) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. وضع محمد فؤاد عبد الباقى.

(٢) مسلم بشرح النووى ٢ / ٧٠.

٤٦

والخلاف تركز فى مسألتين :

١ ـ حكم من تركها تكاسلا وتهاونا.

٢ ـ على قول من قال بقتله بعد الاستتابة هل يقتل كفرا أو حدا.

أما المسألة الأولى : فأكثر الروايات المنقولة عن الإمام أحمد تفيد تكفيره لتارك الصلاة مطلقا ، وإن نقل عنه البعض ما يشير إلى التفريق ، لكن المشهور عنه الأول.

أما فى الاستتابة فقد نقل عنه : ادعوه ثلاثا ـ أى ثلاث صلوات أو ثلاثة أيام ـ ونقل عنه : إن ترك صلاتين. ونقل عنه أيضا : أنه إذا دعى إلى صلاة فى وقتها وامتنع حتى فاتت قتل. لكن معظم الروايات عنه تدل على أنه يستتاب ثلاثة أيام.

ثم إذا لم يتب هل يقتل كفرا أو حدا؟

قال ابن قدامة : واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حدا فروى أنه يقتل لكفره كالمرتد فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين ولا يرثه أحد ولا يرث أحدا ، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن حامد ...

والرواية الثانية : يقتل حدا مع الحكم بإسلامه كالزانى المحصن وهذا اختيار أبى عبد الله بن بطة (١) ...*

__________________

(١) المغنى ٢ / ٤٤٤.

وللمزيد من التفصيل حول الأقوال وأدلتها فى هذه المسألة بجميع جوانبها راجع :

تعظيم قدر الصلاة للمروزى ٢ / ٨٧٣ ـ ١٠١٧.

الروايتان والوجهان لأبى يعلى بن الفراء ١ / ١٩٤.

بداية المجتهد لابن رشد ١ / ٩٠.

المغنى لابن قدامة ٢ / ٤٤٢.

وكتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم.

الإنصاف للمرداوى ١ / ٣٢٧ ، ٤٠١.

الإقناع لأبى النجا الحجاوى ١ / ٧١.

نيل الأوطار للشوكانى ١ / ٢٨٧ ـ ٢٩٧.

٤٧

قول الإمام أحمد فى مانع الزكاة

قال أبو بكر الخلال :

٥٢٠ ـ أخبرنا محمد بن على قال : حدثنا الأثرم (١) قال : قيل لأبى عبد الله فتارك الزكاة؟ قال : قد جاء عن عبد الله (٢) ما تارك الزكاة بمسلم. وأبو بكر قاتل عليها والحديث فى الصلاة (٣).

* ونحو هذا نقل عنه :

٥٢١ ـ أبو الصقر الوراق : أن أبا عبد الله قال : من ترك الزكاة ليس بمسلم هكذا قال ابن مسعود : ما تارك الزكاة بمسلم وقد قاتل أبو بكر أهل الردة على ترك الزكاة وقال : لو منعونى عقالا مما أدوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاتلتهم ، وفى قتالهم واستتابتهم نقل عنه :

٥٢٢ ـ عبد الملك الميمونى قال : قلت يا أبا عبد الله : من منع الزكاة يقاتل؟ قال : قد قاتلهم أبو بكر رضى الله عنه. قلت : فيورث ويصلى عليه قال : إذا منعوا الزكاة كما منعوا أبا بكر وقاتلوا عليها لم يورث ولم يصل عليه فإذا كان الرجل يمنع الزكاة يعنى من بخل أو تهاون ولم يقاتل ولم يحارب على المنع يورث ويصلى عليه حتى يكون يدفع عنها : بالخروج والقتال كما فعل أولئك بأبى بكر فيكون حينئذ يحاربون على منعها ولا يورث ولا يصلى عليه.

٥٢٣ ـ إسحاق الكوسج أنه قال لأبى عبد الله : يقاتل من منع الزكاة؟ قال : نعم ، أبو بكر رضى الله عنه قاتلهم حتى يؤدوا. قال أبو عبد الله :

__________________

(١) هو : أبو بكر الأثرم.

(٢) يعنى ابن مسعود ، والخبر أخرجه ابن بطة فى الإبانة الكبرى ٢ / ٥٦٨.

(٣) أحكام أهل الملل ص ٢١٨ ونقلها أبو يعلى بن الفراء فى كتابه الروايتين والوجهين ١ / ٢٢١.

٤٨

وكل من منع فريضة فعلى المسلمين قتاله حتى يأخذوها منه.

٥٢٤ ـ أبو بكر المروزي قال : سألت أبا عبد الله عن القوم إذا منعوا الزكاة يقاتلون عليها؟ قال : إذا كان إمام عدل قاتلهم عليها.

٥٢٥ ـ : سمعت أبا عبد الله يقول : إذا منعوا الزكاة يحاربون مع الإمام العادل وذهب إلى فعل أبى بكر رضى الله عنه.

٥٢٦ ـ قلت لأبى عبد الله : فقالوا للإمام : لا تؤدى ترى أن يحاربوا؟ قال : إذا كان إمام عدل حاربهم ـ أو قال ـ قاتلهم حتى يؤدوا ولم ير أن تسبى الذرية لأن لهم عهدا محتجا بما احتجت به امرأة علقمة بن علاثة : إن كان زوجى قد كفر فإنى لم أكفر (١).

٥٢٧ ـ أبو طالب قال : سألت أبا عبد الله عمن قال : الصلاة فرض ولا أصلي؟ قال : يستتاب فإن تاب وصلى وإلا ضربت عنقه. قلت : فرجل قال : الزكاة على ولا أزكى قال : يقال له مرتين أو ثلاثة زك فإن لم يزك يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا ضربت عنقه. قلت لأحمد : ابن أبى خالد الخطابى روى أنك قلت فى الزكاة يضرب عنقه على المكان ولا يستتاب قال : لم يحفظ «يستتاب ثلاثة أيام» (٢).

التعليق :

أداء الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة أمر الله عزوجل بإيتائها فى ما يقارب أربعة عشر موضعا من القرآن الكريم (٣) ومتى ما توفرت شروطها وجب أداؤها وهذا أمر معلوم ولله الحمد لعامة المسلمين.

لكن ما الحكم فيمن ترك هذه الفريضة التى أمر الله عزوجل بها؟

__________________

(١) انظر : الروايات المتقدمة فى أحكام أهل الملل للخلال ص ٢١٨.

(٢) المصدر السابق ص ٢١٩ ، وانظر : الأحكام السلطانية لأبى يعلى ص : ٢٦٢.

(٣) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. وضع محمد فؤاد عبد الباقى.

٤٩

والجواب : إن كان تركه لها جاحدا لوجوبها منكرا لها فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كفرا إجماعا.

يقول ابن قدامة : فمن أنكر وجوبها جهلا به ، وكان ممن يجهل ذلك ، إما لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار ـ عرف وجوبها ولا يحكم بكفره ، لأنه معذور ، وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد ، تجرى عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا ، فإن تاب وإلا قتل. لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة فى الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله ، فإذا جحدها فلا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما (١). اه

وأما إن منعها مع الإقرار بوجوبها : فإن قاتل عليها قوتل وإن قتل كان كافرا لا يصلى عليه ولا يورث. وهذا ما تفيده رواية الميمونى عن أحمد.

وأما إذا لم يقاتل عليها بل منعها شحا وبخلا. ففى رواية الأثرم : «حكى قول عبد الله بن مسعود وفعل أبى بكر ، ولم يقطع به لأنه قال الحديث فى الصلاة يعنى الحديث الوارد بالكفر ، ولأن الزكاة حق فى المال فلم يكفر بمنعه ، والقتال عليه كالكفارات وحقوق الآدميين». ذكر هذا التعليق على رواية الأثرم أبو يعلى ابن الفراء (٢).

وسيأتى مزيد من التفضيل حول مذهب الإمام أحمد وغيره فى حكم تارك مبانى الإسلام فى المبحث التالى.

__________________

(١) المغنى ٢ / ٥٧٣.

(٢) فى الروايتين والوجهين ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

٥٠

قول الإمام أحمد فى تارك الصيام

قال أبو بكر الخلال :

٥٢٨ ـ أخبرنى محمد بن على : قال حدثنا الأثرم قال : قيل لأبى عبد الله : تارك صوم شهر رمضان مثل تارك الصلاة فقال : الصلاة أوكد إن ما جاء فى الصلاة فليست كغيرها (١).

* ونحو هذا نقل عنه :

٥٢٩ ـ أبو طالب أنه قال لأبى عبد الله : فإن قال الصوم فرض ولا أصوم قال : ليس الصوم مثل الصلاة والزكاة لم يجيء فيه شيء. عمر رضى الله عنه استتاب فى المرتد وأبو بكر رضى الله عنه فى الزكاة ، والصوم لم يجيء فيه شيء. قلت : ولا تجعله مثل الصلاة والزكاة. قال : لم يقولوا فيه شيئا. وفى رواية أخرى أن تاركه يستتاب وإن أقر به ، نقلها عنه :

٥٣٠ ـ عبد الملك الميمونى قال : قرأت على أبى عبد الله : من قال أعلم أن الصوم فرض ولا أصوم. فأملى على : يستتاب فإن تاب والا ضربت عنقه. وفى رواية : استتابة تاركه إن جحد به ، نقلها عنه :

٥٣١ ـ جعفر بن محمد قال : سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يترك الصوم متعمدا جاحدا قال : يستتاب وتضرب عنقه ويحبس (٢) (٣).

__________________

(١) أحكام أهل الملل ص ٢١٥ ـ ٢١٦ ونقلها أبو يعلى بن الفراء فى الأحكام السلطانية ص : ٢٦٢.

(٢) هكذا جاءت الرواية ولعل إضافة «ويحبس» خطأ من الناقل أو من الناسخ فمن ترك الصوم جحدا لوجوبه فعنده وعند غيره أنه يقتل. لأنه أنكر ركنا من أركان الإسلام.

(٣) الروايات فى أحكام أهل الملل ص ٢١٥ ونقلها أبو يعلى بن الفراء فى الأحكام السلطانية ص ٢٦١ عدا رواية جعفر.

٥١

التعليق :

صوم شهر رمضان من أركان الإسلام الخمسة ويأتى فى المرتبة الرابعة بعد الشهادتين والصلاة والزكاة وقد أمر الله عزوجل به فى محكم التنزيل إذ يقول جل وعلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١). وتارك الصيام إن كان جاحدا لفرضيته منكرا لوجوبه فحكمه حكم تارك الصلاة والزكاة ، وإن كان مقرا به هل يحكم بكفره أم لا؟ اختلفت الرواية عن أحمد.

يقول ابن تيمية : وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ـ يقصد الصلاة والزكاة والصيام والحج ـ ففى التكفير أقوال للعلماء هى روايات عن الإمام أحمد :

أحدها : أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج ، وإن كان فى جواز تأخيره نزاع بين العلماء ، فمتى عزم على تركه بالكلية كفر ، وهذا قول طائفة من السلف ، وهى إحدى الروايات عن أحمد.

والثانى : أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب ، وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبى حنيفة ومالك والشافعى ، وهو إحدى الروايات عن أحمد.

والثالث : لا يكفر إلا بترك الصلاة ، وهى الرواية الثانية عن أحمد وقول كثير من السلف وطائفة من أصحاب مالك والشافعى وطائفة من أصحاب أحمد.

والرابع : يكفر بتركها ، وترك الزكاة فقط.

والخامس : بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج. وهذه المسألة لها طرفان :

أحدهما : فى إثبات الكفر الظاهر.

__________________

(١) سورة البقرة / ١٨٣.

٥٢

والثانى : فى إثبات الكفر الباطن.

وأما الطرف الثانى : فهو مبنى على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا فى قلبه ، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدى لله زكاة ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق فى القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح (١). اه

وفى حالة استتابته وعدم رجوعه هل يلحق تارك الزكاة والصوم والحج بتارك الصلاة فى وجوب قتله على قول من قال بقتله أعنى إذا أقر ولم يقم بها.

يقول ابن القيم : فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد :

إحداها : يقتل بترك ذلك كله كما يقتل بترك الصلاة. وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مبانى الإسلام ، فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ، ولهذا قاتل الصديق مانعى الزكاة وقال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، إنها لقرينتها فى كتاب الله وأيضا فإن هذه المبانى من حقوق الإسلام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها ، وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق الإسلام. فهذا قتال للفئة الممتنعة ، والقتل للواحد المقدور عليه إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال.

والرواية الثانية : لا يقتل بترك غير الصلاة ، لأن الصلاة عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ، ولقول عبد الله بن شقيق : كان أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة (٢). ولأن الصلاة قد اختصت ـ من سائر الأعمال ـ بخصائص ليست لغيرها : فهى أول ما فرض الله من الإسلام ، ولهذا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نوابه ورسله أن يبدءوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين فقال لمعاذ : «ستأتى قوما من أهل الكتاب ، فليكن

__________________

(١) مجموع الفتاوى : ٧ / ٦١٠ ـ ٦١١.

(٢) رواه عنه : الترمذي ٥ / ١٤ والمروزى فى تعظيم قدر الصلاة ٢ / ٩٠٤ ـ ٩٠٥.

٥٣

أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن الله فرض عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة» ، ولأنها أول ما يحاسب عليها العبد من عمله ، ولأن الله فرضها فى السماء ليلة المعراج. ولأنها أكثر الفروض ذكرا فى القرآن ولأن أهل النار لما يسألون : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) لم يبدءوا بشيء غير ترك الصلاة ، ولأن فرضها لا يسقط عن العبد بحال دون حال ما دام عقله معه ، بخلاف سائر الفروض فإنها تجب فى حال دون حال ، ولأنها عمود فسطاط الإسلام ، وإذا سقط عمود الفسطاط وقع الفسطاط ، ولأنها آخر ما يفقد من الدين ، ولأنها فرض على الحر والعبد والذكر والأنثى والحاضر والمسافر والصحيح والمريض والغنى والفقير ، ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبل من أجابه إلى الإسلام إلا بالتزام الصلاة ... ولأن قبول سائر الأعمال موقوف على فعلها فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جهادا ولا شيئا من الأعمال ...

والرواية الثالثة : يقتل بترك الزكاة والصيام ولا يقتل بترك الحج لأنه مختلف فيه هل هو على الفور أو على التراخى فمن قال : هو على التراخى قال : كيف يقتل بأمر موسع له فى تأخيره. وهذا المأخذ ضعيف جدا. لأن من يقتله بتركه لا يقتله بمجرد التأخير ، وإنما صورة المسألة أن يعزم على ترك الحج ويقول : هو واجب عليّ ولا أحج أبدا. فهذا موضع النزاع ، والصواب القول بقتله لأن الحج من حقوق الإسلام ، والعصمة لا تثبت لمن تكلم بالإسلام إلا بحقه والحج من أعظم حقوقه (١) اه والله تعالى أعلم.

__________________

(١) كتاب الصلاة وحكم تاركها ص : ١٢ ـ ١٣.

٥٤

قول الإمام أحمد فيمن استحل محرما

قال أبو بكر الخلال :

٥٣٢ ـ قال حنبل : سألت أبا عبد الله عن هذا فقال : المستحل لحرمة الله إذا كان مقيما عليها باستحلال لها غير متأول لذلك ولا نازعا عنه رأيت استتابته منها فإن تاب ونزع عن ذلك ورجع تركته وإلا فاقتل مثل الخمر بعينها والزنا وما أشبهه ، هذا فإذا كان رجل أتى شيئا من هذا على جهالة بلا استحلال ولا رد لكتاب الله تعالى فإن الحد يقام عليه إذا غشى منها شيئا (١).

ونحو هذا نقل عنه :

٥٣٣ ـ أبو الحارث الصائغ أن أبا عبد الله سئل عن رجل قال : الخمر حلال. قال: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

٥٣٤ ـ جعفر بن محمد ، بكر بن محمد ، حنبل بن إسحاق كلهم مثل رواية أبى الحارث.

٥٣٥ ـ وفى رواية محمد بن يحيى الكحال قال : لو أن رجلا قال : الخمر حلال كان رادا لكتاب الله تبارك وتعالى (٢).

التعليق :

استحلال ما حرم الله عزوجل كفر.

يقول ابن تيمية : وأما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر

__________________

(١) أحكام أهل الملل ص ٢١٧.

(٢) الروايات فى المصدر السابق ص ٢١٦.

٥٥

تحريمها ... وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك ، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر كما غلط فى ذلك الذين استتابهم عمر (١) ، وأمثال ذلك فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم ، فإن أصروا كفروا حينئذ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك (٢).

__________________

(١) انظر الخبر عند الخلال في أحكام أهل الملل ص ٢١٦.

(٢) مجموع الفتاوى ٧ / ٦٠٩ ـ ٦١٠.

٥٦

قول الإمام أحمد فى المرتد والمرتدة

قال إسحاق الكوسج :

٥٣٦ ـ قال أحمد : المرتد يستتاب ثلاثا والمرأة المرتدة تستتاب ثلاثا (١) الروايات عن الإمام أحمد فى استتابة المرتدين والاستدلال لذلك كثيرة وممن نقلها :

٥٣٧ ـ ابنه عبد الله قال : سمعت أبى يقول فى المرتد يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل على حديث عمر بن الخطاب (٢) (٣). اه

٥٣٨ ـ أبو طالب ، إسحاق الكوسج أنهم سمعوا أبا عبد الله وسألوه عن المرتد يستتاب؟ قال : نعم. قيل كم : قال : ثلاثة أيام أذهب إلى حديث عمر رضى الله عنه فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

٥٣٩ ـ ابنه صالح أن أباه قال فى هذه المسألة وابن مسعود (قال) : يستتاب وقتل. وحديث يروى عن عمر أدخلهم فى الباب الّذي خرجوا منه أحب إلى من كذا وكذا وقصة معاذ حين قدم اليمن وقد كان أبو موسى استتاب الرجل شهرا فقال معاذ : لا أنزل حتى أضرب عنقه.

٥٤٠ ـ عبد الملك الميمونى أن أبا عبد الله قال : يحبس ثلاثة أيام ثم يقتل يذهب إلى أن عمر رضى الله عنه حبسه ثلاثة أيام ثم قتله وقول عمر : «ألا حبستموه ألا خوفتموه». فقلت لأبى عبد الله : فحديث معاذ حين أتى اليمن وقال : لا أبرح حتى يقتل (٤). فقال : أليس كان فى الحبس فأخرجه أبو موسى.

__________________

(١) مسائل الكوسج ١ / ٦٢٨.

(٢) عند ما أخبر عن رجل ارتد بعد إسلامه فقال : ما فعلتم به. قيل له : قربناه فضربنا عنقه. فقال عمر : أفلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب.

انظر : الخبر بأكمله فى موطأ مالك ٢ / ٧٣٧.

(٣) الرواية فى مسائل عبد الله ، ص ٤٣٠.

(٤) رواه البخارى ١٢ / ٢٦٨ ومسلم ٣ / ١٤٥٦ ـ ١٤٥٧.

٥٧

٥٤١ ـ حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله يقول : يستتاب المرتد ويقتل (١). ونقل عنه ما يؤكد استتابة المرتد ثلاثا وأن لا يقتل على الفور. وأن هذا لا يتعارض مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه».

٥٤٢ ـ محمد بن الحكم الأحول عن أبى عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه» قلت : كيف التبديل؟ قال : أن يقيم عليه يستتاب فإن تاب لم يكن مقيما على التبديل. قلت : تذهب إلى أن يستتاب ثلاثة. قال : نعم وأذهب إلى حديث عمر رضى الله عنه وحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه» فلا يكون تبديلا وهو راجع يقول : قد أسلمت.

٥٤٣ ـ أبو طالب قال : قال أحمد : إنما من بدل دينه من أقام على التبديل دينه ، وقال فى موضع آخر قال : من بدل دينه فثبت ولم يرجع فيقولون : يستتاب فإن أقام على التبديل قتل :

ونقل عنه استتابته فإن أقام على التبديل قتل. ونقل عنه استتابته حتى وإن ارتد مرات ما دام يتوب وممن نقل عنه ذلك :

٥٤٤ ـ إسحاق الكوسج أنه قال لأبى عبد الله : الرجل يسلم ثم يرتد ثم يسلم ثم يرتد؟ قال أحمد : ما دام يتوب يستتاب.

ونقل عنه ما يفيد عدم قبول توبته إذا تكرر ذلك منه مرات كثيرة وممن نقل عنه ذلك:

٥٤٥ ـ عبد الملك الميمونى أنه سأل أبا عبد الله : ما تقول فيمن خرج من الإسلام إلى الكفر ثم قال : قد تبت تقبل توبته؟ قال لى : نعم. قلت : فإن عاد آنفا. قال : قد تبت تقبل توبته؟ قال : نعم ، قلت : فإذا فعل ذلك أبدا يؤخذ ويقول : قد تبت. قال : ما يعجبنى هذا لا آمن أن يكون هذا يتلاعب

__________________

(١) الروايات فى أحكام أهل الملل للخلال ص ١٨٤.

٥٨

بالإسلام يقتل. قلت : فكم تقبل منه التوبة؟ قال : (قال) عمر : فهلا حبستموه ثلاثة أيام هكذا فأرى أن يستتاب ثلاث مرات فأما إذا كثر ذا منه فلا. قلت له : مالك فيما أحسبه يقول : كلما تاب قبلت توبته. قال : ما أشبه ذا بقوله.

٥٤٦ ـ أحمد بن الحسن الترمذي قال : سألت أبا عبد الله عن القوم إذا أسلموا ثم أغاروا على المسلمين قال : هو نقض العهد. قلت : فإن غزوهم المسلمون فقالوا : نحن مسلمون؟ قال : ما أحسن أن يقبل منهم أول مرة وأما إذا فعلوا مرارا فلا يقبل منهم واحتج فى ذلك بقول : عمر بن الخطاب رضى الله عنه لليهودى الّذي صرع المرأة من الحمار فأمر عمر بقتله. وقال : ليس على هذا عاهدناهم (١).

ونقل عنه أن من اتهم بالردة وأنكر فالقول قوله. وممن نقل عنه ذلك :

٥٤٧ ـ محمد بن الحكم الأحول قال : سمعته يقول : لو أن نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم تهود أو تنصر فشهد قوم عدول أنه قد تنصر أو تهود وقال هو : إنى لم أفعل أنا مسلم قال: أقبل قوله ولا أقبل شهادتهم.

والمشهور عنه أنه لا فرق بين من ولد على الإسلام ثم ارتد وبين من كان كافرا ثم أسلم ثم ارتد.

٥٤٨ ـ أبو بكر الأثرم قال : قلت لأبى عبد الله : من الناس من يفرق بين المرتدين فيقول : إذا ولد مسلما ثم ارتد لم أستتبه فما تقول؟ قال : كلهم عندى سواء أنا أستتيبهم كلهم على حديث ابن الغازى.

٥٤٩ ـ أبو النصر العجلى قال : قال أبو عبد الله : كل من بدل دينه قتل. قلت : فترى أن يستتاب من ارتد وولد على الفطرة أو دخل الإسلام؟

__________________

(١) سيأتى توضيح أكثر حول قبول توبة من تكررت ردته ج : ٢ / ٨٨.

٥٩

قال : نعم (١).

والروايتان اللتان نقلتا عنه التفريق تعتبر شاذة (٢). ولا فرق عنده فى كل ما قدمناه عنه بين المرتد والمرتدة فالكل عنه ما يفيد ذلك.

٥٥٠ ـ إسحاق الكوسج انظر روايته المتقدمة ج : ٢ / ٥٨ وفى أخرى قال : قال أحمد : المرأة تستتاب ثلاثا وإلا ضربت عنقها (٣).

٥٥١ ـ أبو بكر المروزي قال : سمعت أبا عبد الله يقول فى المرأة إذا ارتدت قتلت(٤).

٥٥٢ ـ عبد الملك الميمونى قال : (قال أحمد) : من بدل دينه من رجل أو امرأة يحبس ثلاثة أيام ثم يقتل نذهب إلى حديث عمر بن الخطاب اه يعنى يستتاب فى الحبس ثلاثا.

٥٥٣ ـ وفى موضع آخر أنه قال لأبى عبد الله : المرأة المرتدة تقتل؟ قال : نعم ، الساحرة كما ترى حفصة قتلت ساحرة فبلغ ذلك عثمان فكرهه لأنه كان دونه. فقال نافع : عن ابن عمر أنه ذهب إلى عثمان (رضى الله عنه) فقال : إنها قد أقرت. قال أبو عبد الله : فثلاثة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قتل الساحرة وقتل المرأة فى الارتداد تقتل فيه. وإبراهيم أيضا يروى عنه فى المرتدة تقتل.

٥٥٤ ـ ونقل أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل تحفظ عن ابن عمر فى المرتدة تقتل؟ قال : رأى ابن عمر قتل الساحر فكأن أبا عبد الله أنزل الساحر بمنزلة المرتد.

٥٥٥ ـ ابنه صالح أن أباه قال : المرأة إذا ارتدت يعرض عليها الإسلام

__________________

(١) الروايات المتقدمة فى أحكام أهل الملل ص : ١٨٤ ـ ١٨٨.

(٢) انظر هما فى أحكام أهل الملل ص ١٨٧ وفى أسانيدها مجاهيل.

(٣) أحكام أهل الملل ص ١٨٩.

(٤) المصدر السابق ص ١٨٨.

٦٠