المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).

وأما قوله عزوجل : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٢) وقال فى آية أخرى : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٣) وقال فى آية أخرى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (٤) فشكوا فى القرآن وقالوا : إنه ينقض بعضه بعضا.

أما قوله : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) يعنى عذاب ذلك الباب الّذي هم فيه.

وأما قوله : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) وذلك أن الله مسخهم خنازير ، فعذبهم بالمسخ ما لم يعذب من سواهم من الناس.

وأما قوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ولأن جهنم لها سبعة أبواب : جهنم ، ولظى ، والحطمة ، وسقر ، والسعير ، والهاوية ، وهم فى أسفل درك فيها (٥).

وأما قول الله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (٦) ثم قال : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) (٧) فقد أخبر أن لهم طعاما غير الضريع فشكوا فى القرآن (ق ٨ / ب) وزعموا أنه متناقض.

أما قوله : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) يقول : ليس لهم طعام فى

__________________

(١) وانظر تفسير الطبرى ٨ / ١١٢ و ٩ / ٥٥ و ١٩ / ٧٤ وابن كثير ٢ / ٢١٤ ، ٢٦٣ و ٣ / ٣٥٠ والشوكانى ٢ / ٢٤٤ ، ٢٤٦ و ٤ / ١٠٠.

(٢) سورة غافر / ٤٦.

(٣) سورة المائدة / ١١٥.

(٤) سورة النساء / ١٤٥.

(٥) وانظر تفسير الطبرى ٥ / ٣٣٨ و ٧ / ١٣٦ و ٢٤ / ٧١ وابن كثير ١ / ٦٠٧ و ٢ / ١٢٩ و ٤ / ٨٧ والشوكانى ١ / ٥٢٩ و ٢ / ٩٣ و ٤ / ٤٩٥.

(٦) سورة الغاشية / ٦.

(٧) سورة الدخان / ٤٣.

٨١

ذلك الباب إلا من ضريع ، ويأكلون الزقوم فى غير ذلك الباب ، فذلك قوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ).

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).

وأما قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (٢) وقال فى آية أخرى : (رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) (٣) ، فقالوا : كيف يكون هذا من الكلام المحكم ، يخبر أنه مولى من آمن ثم قال : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ، فشكوا فى القرآن.

أما قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يقول : ناصر الذين آمنوا وأن الكافرين لا ناصر بهم.

وأما قوله : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) لأن فى الدنيا أرباب باطل (٤).

فهذا ما شكت فيه الزنادقة.

وأما قوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٥) وقال فى آية أخرى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (٦).

فقالوا : كيف يكون هذا من الكلام المحكم.

أما قوله : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) يعنى العادلون بالله الذين يجعلون لله عدلا من خليقته فيعبدونه مع الله.

__________________

(١) وانظر تفسير الطبري ٢٥ / ١٣٠ و ٣٠ / ١٦١ وابن كثير ٤ / ١١ والشوكاني ٥ / ٤٢٩.

(٢) سورة محمد / ١١.

(٣) سورة الأنعام / ٦٢.

(٤) وانظر تفسير الطبرى ٧ / ٢١٨ و ٢٦ / ٤٧ وابن كثير ٢ / ١٤٩ و ٤ / ١٨٨ والشوكانى ٢ / ١٢٥ و ٥ / ٣٢.

(٥) سورة المائدة / ٤٢.

(٦) سورة الجن / ١٥.

٨٢

وأما قوله : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). يقول اعدلوا فيما بينكم وبين (ق ٩ / أ) الناس إن الله يحب الذين يعدلون.

وقال فى آية أخرى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (١) يعنى : يشركون.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (٢).

وأما قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٣) وقال فى آية أخرى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) (٤).

وكان هذا عند من لا يعرف معناه ينقض بعضه بعضا.

أما قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ، يعنى من الميراث ، وذلك أن الله عزوجل حكم على المؤمنين لمّا هاجروا إلى المدينة أن لا يتوارثوا إلا بالهجرة ، فإن مات رجل بالمدينة مهاجرا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وله أولياء بمكة لم يهاجروا : كانوا لا يتوارثون ، وكذلك إن مات رجل بمكة وله ولى مهاجر مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كأنه لا يرثه المهاجر فذلك قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) من الميراث (حَتَّى يُهاجِرُوا) فلما كثر المهاجرون رد الله الميراث على الأولياء هاجروا أو لم يهاجروا ، وذلك قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) (٥).

وأما قوله : (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعنى فى الدين ،

__________________

(١) سورة النمل / ٦٠.

(٢) وانظر تفسير الطبرى ٢٩ / ١١٣ وابن كثير ٢ / ٦٤ و ٤ / ٤٥٧ والشوكانى ٢ / ٤٢ و ٥ / ٣٠٨.

(٣) سورة التوبة / ٧١.

(٤) سورة الأنفال / ٧٢.

(٥) سورة الأنفال / ٧٥.

٨٣

والمؤمن (ق ٩ / ب) يتولى المؤمن فى دينه.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).

وأما قوله لإبليس : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٢) وقال موسى حين قتل النفس : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٣).

فشكوا فى القرآن وزعموا أنه متناقض.

أما قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) يقول : عبادى الذين استخلصهم الله لدينه ليس لإبليس عليهم سلطان أن يضلهم فى دينهم أو فى عبادة ربهم ولكنه يصيب منهم من قبل الذنوب ، فأما فى الشرك فلا يقدر إبليس أن يضلهم عن دينهم ، لأن الله سبحانه استخلصهم لدينه.

وأما قول موسى : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) يعنى من تزيين الشيطان كما زين ليوسف ولآدم ، وحوى وهم عباد الرحمن المخلصون.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (٤).

وأما قول الله للكفار : (الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) (٥) وقال فى آية أخرى : (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (٦).

فشكوا فى القرآن.

أما قوله : (الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يقول نترككم فى النار (كَما نَسِيتُمْ) كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا.

__________________

(١) وانظر تفسير الطبرى ١٠ / ٥١ ، ١٧٨ وابن كثير ٢ / ٣٥٢ ، ٣٩٥ والشوكانى ٢ / ٣٢٩ ، ٣٨١.

(٢) سورة الحجر / ٤٢.

(٣) سورة القصص / ١٥.

(٤) وانظر تفسير الطبرى ١٤ / ٣٤ و ٢٠ / ٤٦ وابن كثير ٢ / ٥٩٦ و ٣ / ٣٩٩ والشوكانى ٣ / ١٣١ و ٤ / ١٦٣.

(٥) سورة الجاثية / ٣٤.

(٦) سورة طه / ٥٢.

٨٤

وأما قوله : (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى). يقول : لا يذهب من حفظه ولا ينساه (١).

وأما قول الله عزوجل : (ق ١٠ / أ) : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢) قال فى الآية الأخرى : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٣).

فشكوا فى القرآن.

أما قوله : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) يعنى : عن حجته ، (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى) عن حجتى ، (وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) بها مخاصما بها فذلك قوله : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) (٤) يقول : الحجج (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ).

وأما قوله : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) وذلك أن الكافر إذا خرج من قبره شخص بصره ، ولا يطرف بصره ، حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث فذلك قوله (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) يقول : غطاء الآخرة ، فبصرك يحد النظر لا يطرف حتى يعاين جميع ما كان يكذب به من أمر البعث.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (٥).

وأما قوله لموسى : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٦) وقال فى موضع آخر :

__________________

(١) وانظر تفسير الطبرى ١٦ / ١٧٣ و ٢٥ / ١٥٨ وابن كثير ٣ / ١٦٥ و ٤ / ١٦٤ والشوكاني ٣ / ٣٦٩ و ٥ / ١١.

(٢) سورة طه / ١٢٥.

(٣) سورة ق / ٢٢.

(٤) سورة القصص / ٦٦.

(٥) وانظر : تفسير الطبرى ١٦ / ٢٢٨ و ٢٦ / ١٦٣ وابن كثير ٣ / ١٧٩ ، ٤ / ٢٤١ ، والشوكانى ٣ / ٣٩١ ، ٥ / ٧٦.

(٦) سورة طه / ٤٦.

٨٥

(إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (١).

وقالوا : كيف قال : (إِنَّنِي مَعَكُما) وقال فى آية أخرى : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ).

فشكوا فى القرآن من أجل ذلك.

أما قوله : (إِنَّا مَعَكُمْ) فهذا فى مجاز اللغة (٢) يقول الرجل للرجل : إنا سنجرى عليك رزقك (ق ١٠ / ب) إنا سنفعل بك كذا.

وأما قوله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) فهو جائز فى اللغة ، يقول الرجل الواحد للرجل : سأجرى عليك رزقك ، أو سأفعل بك خيرا (٣) (٤).

__________________

(١) سورة الشعراء / ١٥.

(٢) يقول ابن القيم : مراد أحمد أن هذا الاستعمال مما يجوز فى اللغة أى هو من جائز اللغة لا من ممتنعاتها ولم يرد بالمجاز أنه ليس بحقيقة وأنه يصح نفيه وهذا كما قال أبو عبيدة فى تفسيره أنه مجاز القرآن ومراد أحمد أنه يجوز فى اللغة أن يقول الواحد المعظم نفسه نحن فعلنا كذا فهو مما يجوز فى اللغة ولم يرد أن فى القرآن ألفاظا استعملت فى غير ما وضعت له وأنها يفهم منها خلاف حقائقها وقد تمسك بكلام أحمد هذا من ينسب إلى مذهبه أن فى القرآن مجازا كالقاضى أبى يعلى وابن عقيل وابن الخطاب وغيرهم ومنع آخرون من أصحابه ذلك كأبي عبد الله بن حامد .. وبعض الناس يحكى فى ذلك عن أحمد روايتين ...

قلت : وما أشار إليه ابن القيم عن أبى يعلى بن الفراء انظر مثاله فى كتاب القاضى : العدة فى أصول الفقه ٢ / ٦٩٥.

وراجع هذه المسألة فى مختصر الصواعق المرسلة ٢ / ٣ ـ ١٠٦ وما ذكرته ص : ٤ ـ ٥. وانظر مشكل القرآن لابن قتيبة ، باب القول فى المجاز ص : ١٠٣ ـ ١٠٤ ، والإيمان لابن تيمية ص : ٨٤ ـ ٨٥.

(٣) وانظر : تفسير الطبرى ١٦ / ١٧٠ ، ١٩ / ٦٥ وابن كثير ٣ / ١٦٤ ، ٣٤٧ ، والشوكانى ٣ / ٣٦٨ و ٤ / ٩٥.

(٤) يراجع لما تقدم كتب التفاسير : كتفسير الطبرى وابن كثير والشوكانى وغيرها للوقوف على تفسير هذه الآيات ومقارنتها بما ذكر هنا.

وقد بينت مواضعها : عند الطبرى ـ طبعة دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٥ ه‍ ـ ١٩٨٤ م.

وعند ابن كثير ، مكتبة النهضة الحديثة ط / ١ ، ١٣٨٤ ه‍ بمراجعة وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف ومحمد الصديق.

٨٦

التعليق :

الزنديق جمعه زنادقة ، وقبل الحديث عن استعمالات هذه الكلمة فى العصر الإسلامى أود أن أتطرق إلى ما قيل فى أصل هذا الكلمة واكتفى هنا بما ذكره ابن حجر إذا يقول.

قال أبو حاتم السجستانى وغيره : الزنديق فارسى معرب أصله :

«زنده كرداى» يقول بدوام الدهر لأن زنده الحياة وكرد العمل ... وقال ثعلب : ليس فى كلام العرب زنديق وإنما قالوا زندقى لمن يكون شديد التحيل ، وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا : ملحد ودهرى بفتح الدال أى بدوام الدهر ، وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن.

وقال الجوهرى : الزنديق من الثنوية ، كذا قال ، وفسره بعض الشراح بأنه الّذي يدعى أن مع الله إلها آخر ، وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك ، والتحقيق ما ذكره من صنف فى الملل أن أصل الزنادقة أتباع ديصان ثم مانى ثم مزدك الأول وحاصل مقالتهم أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما ، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور ، وأنه يجب السعى فى تخليص النور من الظلمة فيلزم إزهاق كل نفس ، وإلى ذلك أشار المتنبى حيث قال فى قصيدته المشهورة.

وكم لظلام الليل عندك من

يد تخبر أن المانوية تكذب

وكان بهرام جد كسرى تحيل على مانى حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلام والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك ، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل (١) اه.

__________________

وعند الشوكانى ـ دار المعرفة ـ بيروت. وانظر أيضا دفع ايهام الاضطراب عن آيات الكتاب لمحمد الأمين الشنقيطى.

(١) فتح البارى ١٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ وانظر : مروج الذهب للمسعودى ١ / ٢٥٠.

٨٧

هذا ملخص ما قيل حول أصل هذه الكلمة.

أما فى العصر الإسلامى فقد أطلقت على كل من أسرّ الكفر وأظهر الإسلام ، وبذا عرّف الإمام أحمد الزنديق كما تقدم.

وقد أطلقت هذه الكلمة على الجهمية والمعتزلة أيضا وقد أثر عن الإمام أحمد ما يفيد هذا (١).

وكذا تطلق هذه الكلمة على الملاحدة المنكرين وجود الله عزوجل.

والحاصل أن الكلمة أطلقت على من أظهر الإسلام وأسر نحلة أخرى وعلى الملاحدة وعلى المبتدعة كالجهمية المنكرين للصفات الزاعمين أنه عزوجل لم يستو على العرش وغيرهم من المشككين فى آيات القرآن الكريم الزاعمين تعارضها أو تناقضها فكل هؤلاء زنادقة وإن كانوا متفاوتين فى الاعتقاد.

لكن ما أعنيه منهم فى الاستتابة أو القتل هم الذين أظهروا الإسلام ولهم دين آخر كأولئك الذين أحرقهم على وكالذين قتلهم عثمان أيضا لأن هذا يشبه الردة وقد ظهر هؤلاء فى عهد المنصور والمهدى فقتلوا (٢).

وهؤلاء فى استتابتهم روايتان عن أحمد أشهر هما أنه يستتاب ثلاثا.

يقول ابن قدامة : إن كلام الخرقى أنه إن تاب قبلت توبته ولم يقتل ، أى كفر كان وسواء كان زنديقا يستسر بالكفر أو لم يكن وهذا مذهب الشافعى والعنبرى ويروى ذلك عن على وابن مسعود وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار أبى بكر الخلال وقال إنه أولى على مذهب أبى عبد الله.

والرواية الأخرى : لا تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته (٣) وهو قول

__________________

(١) انظر : مناقب الإمام أحمد لابن الجوزى ص : ١٥٨ ، وراجع : مجموع الفتاوى ٧ / ٤٧١ ، والإيمان لابن تيمية ص : ٢٠٣.

(٢) انظر : فتح البارى ١٢ / ٢٧١.

(٣) انظر فيمن تكررت ردته وتوبته الروايتين والوجهين ٢ / ٣١٢.

٨٨

مالك والليث وإسحاق وعن أبى حنيفة روايتان كهاتين ... والزنديق لا تظهر منه علامة تبين رجوعه وتوبته لأنه كان مظهرا للإسلام مسرا للكفر فإذا وقف على ذلك فأظهر التوبة لم يزد على ما كان منه قبلها وهو إظهار الإسلام وأما من تكررت ردته فقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) (١) .. وفى الجملة فالخلاف بين الأئمة فى قبول توبتهم فى الظاهر من أحكام الدنيا من ترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام فى حقهم وأما قبول الله تعالى لها فى الباطن وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهرا أم باطنا فلا خلاف فيه فإن الله تعالى قال فى المنافقين (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٢) (٣) اه.

وذكر البعض أن الزنديق لا يقتل واحتج بأن المنافقين كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يظهرون الإسلام ويسرون الكفر ومع هذا لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقتلهم (٤).

والصواب : أن هنالك فروقا بين الزنديق والمنافق فكل زنديق منافق وليس كل منافق زنديقا (٥).

__________________

(١) سورة النساء / ١٣٧.

(٢) سورة النساء / ١٤٦.

(٣) المغنى ٨ / ١٢٦ ـ ١٢٨.

(٤) انظر : الروايتين والوجهين ٢ / ٣٠٥ ، والإنصاف للمرداوى ١٠ / ٣٣٢.

(٥) انظر : فتح البارى ١٢ / ٢٧١.

٨٩

قول الإمام أحمد فى المحكم والمتشابه

قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٥٧٧ ـ قلت لأبى عبد الله : كيف للرجل أن يعرف المتشابه من المحكم؟ قال : المتشابه : الّذي يكون فى موضع كذا وفى موضع كذا مختلف والمحكم ليس فيه اختلاف (١).

التعليق :

قال الله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).

وقد اختلف فى تفسير المحكمات والمتشابهات.

وقد لخص الشوكانى ـ رحمه‌الله ـ الخلاف فى المسألة إذ يقول : قيل إن المحكم ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل ومن القائلين بهذا : جابر بن عبد الله والشعبى وسفيان الثورى قالوا : وذلك نحو الحروف المقطعة فى أوائل السور.

وقيل : المحكم : ما لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه : ما يحتمل وجوها فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقى صار المتشابه محكما.

وقيل المحكم : ناسخه وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه والمتشابه : منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به روى هذا عن ابن عباس.

__________________

(١) مسائل ابن هانئ ٢ / ١٦٦.

(٢) سورة آل عمران / ٧.

٩٠

وقيل : المحكم : الناسخ والمتشابه : المنسوخ. روى عن ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك وقيل : المحكم : الّذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له ، والمتشابه : ما فيه تصريف وتحريف وتأويل قاله مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال.

وقيل : المحكم : ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره والمتشابه : ما يرجع فيه إلى غيره.

قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل فى المحكمات والمتشابهات.

قال القرطبى : ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية وهو الجارى على وضع اللسان ....

قال الشوكانى : والأولى أن يقال : إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره. والمتشابه ما لا يتضح معناه أو لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره. وإذا عرفت هذا عرفت أن هذا الاختلاف الّذي قدمناه ليس كما ينبغى ، وذلك لأن أهل كل قول عرّفوا المحكم ببعض صفاته وعرّفوا المتشابه بما يقابلها ، وبيان ذلك أن أهل القول الأول جعلوا المحكم ما وجد إلى علمه سبيل والمتشابه ما لا سبيل إلى علمه ولا شك أن مفهوم المحكم والمتشابه أوسع دائرة مما ذكروه فإن مجرد الخفاء أو عدم الظهور أو الاحتمال أو التردد يوجب التشابه ، وأهل القول الثانى خصوا المحكم بما ليس فيه احتمال والمتشابه بما فيه احتمال ، ولا شك أن هذا بعض أوصاف المحكم والمتشابه لا كلها ، وهكذا أهل القول الثالث ، والأمر أوسع مما قالوه جميعا ، وأهل القول الخامس خصوا المحكم بوصف عدم التصريف والتحريف ، وجعلوا المتشابه مقابله وأهملوا ما هو أهم من ذلك مما لا سبيل إلى علمه من دون تصريف وتحريف كفواتح السور المقطعة ، وأهل القول السادس خصوا المحكم بما يقوم بنفسه والمتشابه بما لا يقوم بها ، وأن هذا هو بعض أوصافهما (١). اه.

__________________

(١) فتح القدير ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

٩١

وقد تعرض القاضى أبو يعلى بن الفراء فى كتابه العدة فى أصول الفقه إلى كلام الإمام أحمد فى هذه المسألة إذ يقول :

ظاهر كلام أحمد أن المحكم : ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان. والمتشابه : ما احتاج إلى بيان ، لأنه قال فى كتاب السنة : بيان ما ضلت فيه الزنادقة فى القرآن ، ثم ذكر آيات تحتاج إلى بيان.

وقال فى رواية ابن إبراهيم : المحكم : الّذي ليس فيه اختلاف ، والمتشابه : الّذي يكون فى موضع كذا وفى موضع كذا ، ومعناه ما ذكرناه ، لأنه قوله : المحكم : الّذي ليس فيه اختلاف ، هو المستقل بنفسه ، وقوله : المتشابه : الّذي يكون فى موضع كذا وفى موضع كذا ، معناه : الّذي يحتاج إلى بيان ، فتارة يبين بكذا وتارة يبين بكذا ، لحصول الاختلاف فى تأويله (١).

هذا موجز لما قيل حول هذه المسألة ومن أراد الاستزادة فليراجع كتب التفسير (٢) والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ج ٢ / ٦٨٤ ـ ٦٨٥.

(٢) انظر : تفسير الطبرى ٣ / ١٧٢ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبى ٤ / ٨ ، وزاد المسير لابن الجوزى ١ / ٣٥٠ ، ومسلم بشرح النووى ١٦ / ٢١٧ ، وتفسير ابن كثير ١ / ٣٥٨ ، ومحاسن التأويل للقاسمي ٤ / ٧٥١.

٩٢

قول الإمام أحمد فى حكم

من شتم الرب جلا وعلا

٥٧٨ ـ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبى عن رجل قال لرجل : يا ابن كذا وكذا ، أنت ومن خلقك؟ قال أبى : هذا مرتد عن الإسلام ، قلت لأبى : تضرب عنقه قال : نعم تضرب عنقه (١).

قال أبو بكر الخلال : أخبرنى عصمة بن عصام قال :

٥٧٩ ـ حدثنا حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله قال : كل من ذكر شيئا يعرض به الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان أو كافرا ، هذا مذهب أهل المدينة (٢).

التعليق :

من سب الله عزوجل فقد كفر ، ولا فرق بين المستهزئ أو غيره (٣). يقول جل وعلا : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (٤) وإذا كان الساب مسلما فهو فى حكم المرتد لأن سب الله عزوجل أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مظهر من مظاهر الردة.

__________________

(١) مسائل عبد الله ص ٤٣١.

(٢) أحكام أهل الملل ص ١١٤.

(٣) راجع المغنى لابن قدامة ٨ / ١٥٠.

(٤) سورة التوبة / ٦٥ ـ ٦٦.

٩٣

وفى قبول توبته روايتان عن أحمد (١).

وفرق البعض بين سب الله عزوجل وسب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قبول التوبة ، وأقصد بقبولها : أى الأخذ بها وإسقاط القتل عنه ، ثم أمره إلى الله عزوجل.

يقول ابن تيمية : ومن فرق بين سب الله وسب الرسول قالوا : سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع ... فإن الرجل لو أتى من الكفر والمعاصى بملء الأرض ثم تاب تاب الله عليه وهو سبحانه لا تلحقه بالسب غضاضة ولا معرة وإنما يعود ضرر السب على قائله ، وحرمته فى قلوب العباد أعظم من أن تنتهكها جرأة الساب ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الرسول فإن السب هناك قد تعلق به حق آدمى والعقوبة الواجبة لآدمى لا تسقط بالتوبة والرسول تلحقه المعرة والغضاضة بالسب فلا تقوم حرمته ، ولا تثبت فى القلوب مكانته إلا باصطلام سابه لما أن هجوه وشتمه ينقص من حرمته عند كثير من الناس فإن لم يحفظ هذا الحمى بعقوبة المنتهك وإلا أفضى الأمر إلى الفساد ، وهذا الفرق يتوجه بالنظر إلى أن حد سب الرسول حق لآدمى كما يذكره كثير من الأصحاب وبالنظر إلى أنه حق لله أيضا فإن ما انتهكه من حرمة الله لا ينجبر إلا بإقامة الحد فأشبه الزانى والسارق والشارب إذا تابوا بعد القدرة عليهم (٢). اه

ورواية حنبل تفيد عدم التفريق بين المسلم وغيره.

__________________

(١) راجع الإنصاف للمرداوى ١٠ / ٣٣٢.

(٢) الصارم المسلول ص : ٥٤٧ ـ ٥٤٨. وقد بحث ابن تيمية فى المصدر نفسه هذه المسألة بحثا نفيسا راجع : ص ٥٤٦ ـ ٥٦٤.

٩٤

قول الإمام أحمد فى حكم من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٥٨٠ ـ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبى يقول فيمن سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : تضرب عنقه (١).

٥٨١ ـ وقال إسحاق الكوسج : قلت : يقتل أحد شتم أحدا قال : إن شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنعم ، وأما غير النبي فلا ، قال إسحاق :كما قال (٢).

وقال أيضا.

٥٨٢ ـ قلت : يستتاب من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : لا ، قلت : ما الشتيمة التى بها القتل ، فلم يقم على شيء ، قال : نرى فى التعريض الحد فكان مذهبه فيما يجب الحد من الشتيمة التعريض.

قال إسحاق : إذا عرض بعيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام مقام الشتم يقتل إذا لم يكن ذاك من سهو (٣).

قال أبو بكر الخلال : أخبرنى عصمة بن عصام قال :

٥٨٣ ـ حدثنا حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله يقول : من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو تنقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل.

٥٨٤ ـ أخبرنى زكريا بن يحيى قال : حدثنا أبو طالب أن أبا عبد الله سئل عن من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يقتل فقد نقض العهد (٤).

__________________

(١) مسائل عبد الله ص : ٤٣١.

(٢) مسائل الكوسج ١ / ٥٦٤.

(٣) نفس المصدر ١ / ٥٧٧ ـ ٥٧٨.

(٤) يشير إلى الخبر الّذي رواه ـ أى أحمد ـ بسنده عن ابن عمر أن راهبا مر به فقيل له هذا يسب النبي ـ

٩٥

٥٨٥ ـ قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول كل من نقض العهد وأحدث فى الإسلام حدثا مثل هذا رأيت عليه القتل ليس على هذا أعطوا العهد والذمة.

٥٨٦ ـ أخبرنى محمد بن عيسى أن أبا الصقر حدثهم قال : سألت أبا عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ذا عليه؟ قال : إذا قامت البينة عليه يقتل من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسلما كان أو كافرا.

٥٨٧ ـ أخبرنى حرب قال : سألت أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يقتل إذا شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) (٢).

التعليق :

شيخ الإسلام ابن تيمية ألف كتابا عظيما فى هذه المسألة عرض فيه جميع جوانبها سماه «الصارم المسلول على شاتم الرسول» وقد ذكر شيخ الإسلام انعقاد الإجماع على كفر من سب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد عرف السب الموجب لهذا إذ يقول : «هو الكلام الّذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف وهو ما يفهم منه السب فى عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه وهو الّذي دل عليه قوله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) (٤). اه

__________________

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ابن عمر : لو سمعته لقتلته إنا لم نعطهم العهد على أن يسبوا نبينا.

(١) أحكام أهل الملل للخلال ص ١١٤ ـ ١١٥ ، والخبر الآنف الذكر فى هذا المصدر ص : ١١٥.

وهناك أدلة أخرى انظرها فى نفس المصدر.

(٢) انظر : روايات أخرى عن أحمد ذكرها ابن تيمية فى : الصارم المسلول ص : ٤ ـ ٥ وفى تلك الروايات أدلة استدل بها أحمد على قتل من شتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) سورة الأنعام / ١٠٨.

(٤) الصارم المسلول ص ٥٥٦.

٩٦

ولم يخالف أحد فى قتل من سب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

يقول السبكى : «وهل أن القتل هو لعموم الردة أو لخصوص السبب أو لهما معا ... ولا شك أن الردة موجبة للقتل بالإجماع والنصوص ، وخصوص السبب هو موجب السب لحديث «من سب نبيا فاقتلوه» (١) وبترتب الحكم على الأذى وبترتب الحكم على خصوص الوصف يشعر بأنه هو العلة وقد وجد فى الساب المسلم المعنيان جميعا أعنى الردة والسب فيكون اجتمع على قتله علتان كل منهما موجبة للقتل ، والقتل : حد لكل منهما وقد تجتمع علتان شرعيتان على معلول واحد ولهذا البحث أثر ظاهر فيما إذا صدر السب من كافر فإنه ينفرد فيه السب عن الارتداد» (٢). اه

__________________

(١) روى الطبرانى عن على بن أبى طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سب الأنبياء قتل ومن سب أصحابى جلد». قال المناوى : فيه عبيد الله العمرى شيخ الطبرانى قال فى الميزان : رماه النسائى بالكذب قال فى اللسان : ومن مناكيره هذا الخبر وساقه ثم قال : رواته كلهم ثقات إلا العمرى. فيض القدير ٦ / ١٤٧ ، وقال ابن القيم بعد أن ساق الخبر : رواه أبو محمد الخلال وأبو القاسم الأزجى ورواه أبو ذر الهروى ولفظه : «من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابى فاجلدوه» ـ ثم ذكر إسناده وقال : وفى القلب منه شيء فإن هذا الإسناد قد ركب عليه متون كثيرة ... أحكام أهل الذمة لابن القيم ١ / ٨٧٠.

(٢) السيف المسلول (ق : ١٥) وانظر : أحكام أهل الذمة لابن القيم ٢ / ٨٣٠ ـ ٨٩٠.

٩٧
٩٨

قول الإمام أحمد فى السحر ص : ١٠١.

قول الإمام أحمد فى حكم الساحر والساحرة ص : ١٠٤.

قول الإمام أحمد فى الكاهن والعراف وحكمهما ص : ١٠٦.

قول الإمام أحمد فى الرقى ص : ١١٢.

قول الإمام أحمد فى تعليق التمائم ص : ١١٨.

قول الإمام أحمد فى التبرك ص : ١٢١.

ما أثر عن الإمام أحمد فى معنى حديث : «أقروا الطير على مكناتها» ص : ١٢٤.

ما أثر الإمام أحمد فى الذبح لغير الله وحكم أكل ما ذبح لغيره جل وعلا ص : ١٢٩.

قول الإمام أحمد فيمن قال : لعمرى ولعمرك ص : ١٣٥.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الإسراء والمعراج ص : ١٤٠.

ما أثر عن الإمام أحمد فى ما قيل حول رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لربه ليلة المعراج ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت ربى تبارك وتعالى» ص : ١٤٥.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الإيمان بملك الموت ص : ١٥٢.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الصلاة على من مات من أهل القبلة ص : ١٥٣.

قول الإمام أحمد فى الصلاة على القاتل نفسه والغال ص : ١٥٦.

قول الإمام أحمد فى النياحة ص : ١٦٠.

قول الإمام أحمد فى التعزية ص : ١٦٥.

قول الإمام أحمد فى ارتفاع القبر ص : ١٦٨.

قول الإمام أحمد فى القراءة عند القبور ص : ١٧٠.

قول الإمام أحمد فى الذبح عند القبر ص : ١٧٦.

قول الإمام أحمد فى عذاب القبر ونعيمه ص : ١٧٧.

قول الإمام أحمد فى زيارة القبور ص : ١٨٤.

٩٩

قول الإمام أحمد فى مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة ص : ١٨٨.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بخروج الأعور الدجال وقتل عيسى ابن مريم له ص : ١٩٠.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بالنفخ فى الصور والبعث والحساب والثواب والعقاب ص : ١٩٦.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بالحوض ص : ٢٠١.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بالميزان ص : ٢٠٣.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بالصراط ص : ٢٠٨.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الشفاعة ص : ٢١١.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بخروج الموحدين من النار ص : ٢١٤.

قول الإمام أحمد فى رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ص : ٢١٥.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الجنة والنار ص : ٢٢٥.

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان بذبح الموت بين الجنة والنار ص : ٢٢٨.

١٠٠