المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

التعليق :

النوح على الأموات من عادات الجاهلية ، وقد حرمه الإسلام ، وأعنى بالنوح رفع الصوت والصياح وضرب الوجوه وما شابه ذلك وهذا بخلاف البكاء الّذي يكون على وجه الرحمة والحزن (١).

ففى النوح تسخط على قضاء الله وقدره وترك التسليم لأمره جل وعلا وسأذكر بعض ما صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى هذه المسألة حتى يتضح لنا مدى التحذير من هذا الأمر :

روى مسلم (٢) عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اثنتان فى الناس هما بهم كفر : الطعن فى النسب والنياحة على الميت».

وروى مسلم (٣) عن أبى مالك الأشعرى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أربع فى أمتى من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر فى الأحساب ، والطعن فى الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة» وقال : «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب».

وروى البخارى (٤) ومسلم (٥) عن أم عطية قالت : أخذ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع البيعة ألا ننوح.

وروى الحاكم (٦) عن أبى هريرة قال : لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صاح أسامة بن زيد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس هذا منى ، وليس بصائح حق ، القلب يحزن ، والعين تدمع ، ولا يغضب

__________________

(١) انظر : الأحاديث فى البكاء على الميت على هذا الوجه فى ٣ / ١٥٠ ، ١٧٢ ، وصحيح مسلم ٢ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦.

(٢) فى الصحيح ١ / ٨٢.

(٣) فى الصحيح ٢ / ٦٤٤.

(٤) فى الصحيح ٣ / ١٧٦.

(٥) فى الصحيح ٢ / ٦٤٥ ـ ٦٤٦.

(٦) فى المستدرك ١ / ٣٨٢.

١٦١

الرب».

وروى البخارى (١) ومسلم (٢) عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية».

وروى البخارى (٣) ومسلم (٤) عن أبى بردة بن أبى موسى قال : وجع أبو موسى وجعا فغشى عليه ، ورأسه فى حجر امرأة من أهله ، فصاحت امرأة من أهله ، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا ، فلما أفاق قال : أنا بريء مما برئ منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة.

وروى أبو داود (٥) عن أسيد بن أبى أسيد عن امرأة من المبايعات قالت : كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المعروف الّذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه : أن لا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق جيبا وأن لا ننشر شعرا.

من هنا يتضح أنه لا مجال للاجتهاد فى هذا الأمر وأن حرمته قطعية بنص الأحاديث. والروايات عن الإمام أحمد فى مجملها تفيد هذا ، أما ما نقله ابن قدامة فى المغنى (٦) إذ يقول:

ونقل حرب عن أحمد كلاما فيه احتمال إباحة النوح والندب واختاره الخلال وصاحبه.

قال ابن حجر معلقا : ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن بعض النياحة

__________________

(١) فى الصحيح ٣ / ١٦٦.

(٢) فى الصحيح ١ / ٩٩.

(٣) فى الصحيح ٣ / ١٦٥.

(٤) فى الصحيح ١ / ١٠٠.

(٥) فى السنن ٣ / ٤٩٦.

(٦) ج ٢ / ٥٤٧.

١٦٢

لا تحرم وفيه نظر ، وكأنه أخذه من كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب ، وفيه نظر ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما نهى عن النياحة بعد هذه القصة لأنها كانت بأحد ، وقد قال فى أحد : «لكن حمزة لا بواكى له» ثم نهى عن ذلك وتوعد عليه ، وذلك بين فيما أخرجه أحمد (١) وابن ماجة (٢) وصححه الحاكم (٣) من طريق أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بنساء بنى عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد فقال : «لكن حمزة لا بواكى له» ، فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة فاستيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ويحهن ، ما انقلبن بعد ، مروهن فلينقلبن ، ولا يبكين على هالك بعد اليوم (٤)».

قلت : ولعل ابن قدامة يشير إلى رواية حرب التى تقدمت وإن كان يقصدها ـ وهو الغالب ـ فليس فيها ما يدل على الإباحة بل الروايات كما أسلفت تدل على التحريم ففى إحداها قال : هو من فعل الجاهلية وفى الأخرى أخذ بحديث أم عطية. قالت : لما نزلت هذه الآية : (يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً ... وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) قالت : كان منه النياحة (٥).

وفى أخرى قال : ينهاهم والمباح لا ينهى عنه. وعند ما سئل عن الجنائز التى تتبعها النوائح قال : تتبع واستشهد بقول الحسن : لا ندع حقا لباطل.

والباطل لا يكون مباحا. والله تعالى أعلم.

قال المرداوى : يحرم عليه أن يتبعها ومعها منكر عاجز عن منعه على الصحيح من المذهب نص عليه. نحو طبل أو نوح أو لطم نسوة وتصفيق ورفع

__________________

(١) فى المسند ٢ / ٤٠ ، ٨٤ ، ٩٢.

(٢) فى السنن ١ / ٥٠٧.

(٣) فى المستدرك ٣ / ١٩٥.

(٤) فتح البارى ٣ / ١٦١.

(٥) رواه مسلم فى الصحيح ٢ / ٦٤٦.

١٦٣

أصواتهن وعنه : يتبعها وينكر بحسبه ويلزم القادر فلو ظن أنه إذا اتبعها أزيل المنكر ، لزمه على الروايتين لحصول المقصودين (١).

__________________

(١) الإنصاف ٢ / ٥٤٣. ويراجع لهذه المسألة : مسلم بشرح النووى ٢ / ٥٧ ، ١٠٩ ـ ١١١ ، ٦ / ٢٢٥ ـ ٢٣٨ ، فتح البارى عند الأحاديث المتقدمة والتى أخرجها البخارى وتيسير العزيز الحميد ص :٥١١ ـ ٥١٦.

١٦٤

قول الإمام أحمد فى : التعزية

فى مسائل أبى داود :

٦٤٧ ـ أخبرنا أبو بكر قال : حدثنا أبو داود قال : قلت لأحمد : التعزية عند القبر؟ قال : أرجو أن لا يكون به بأس.

٦٤٨ ـ قال أبو داود : رأيت أحمد عزى مصابا فقال : أعظم الله أجرك وتكلم بكلام نحوه ولم أحفظه قال فيه : ورحم ميتكم.

٦٤٩ ـ قلت لأحمد : أولياء الميت يقعدون فى المسجد يعزون؟ قال : أما أنا فلا يعجبنى أخشى أن يكون تعظيما للميت أو قال للموت (١).

وقال ابن أبى يعلى فى ترجمة أحمد بن محمود الساوى : ذكره أبو بكر الخلال فى الأصحاب.

٦٥٠ ـ نقلت من كتاب الجنائز لأبى بكر الخلال ، قال أحمد بن محمود الساوى (٢) : رأيت أبا عبد الله جاء يعزى أبا طالب ، فوقف بباب المسجد ، فقال : عظم الله أجركم ، وأحسن عزاءكم ، ثم جلس ، ولم يقصد أحدا منهم (٣).

التعليق :

المقصود بالتعزية الحث على الصبر واحتساب الأجر عند الله عزوجل والدعاء للميت وهى من الأمور المشروعة فقد روى النسائى (٤) عن معاوية

__________________

(١) مسائل أبى داود ص : ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٢) لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر.

(٣) طبقات الحنابلة ١ / ٧٧.

(٤) فى السنن ٤ / ١١٨.

١٦٥

ابن قرة عن أبيه قال : كان نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه ففقده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما لي لا أرى فلانا؟ قالوا يا رسول الله بنيه الّذي رأيته هلك فلقيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ... الحديث.

ورواه أحمد (١) مختصرا.

وأحسن ما يعزى به ما ورد فى الحديث الصحيح : عن أسامة بن زيد قال : أرسلت ابنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه : إن ابنا لى فى الموت فأتنا ، فأرسل يقرئ السلام ويقول : «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى ، فلتصبر ولتحتسب» الحديث (٢).

وعن أم سلمة قالت : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه فضجّ ناس من أهله ، فقال : «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» ثم قال : «اللهم اغفر لأبى سلمة وارفع درجته فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وأفسح له فى قبره ونور له فيه» (٣) اه

وقد ظهرت جملة من البدع فى التعزية :

ومنها : اجتماع الناس للتعزية فى مكان معين وجلب القراء ونحوه وهذا لم يشرع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يكن معروفا عند سلفنا الصالح ، وقد كرهه الإمام أحمد.

يقول ابن القيم : وقد كان من هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعزية أهل الميت

__________________

(١) فى المسند ٥ / ٣٥.

(٢) رواه البخارى فى الصحيح ٣ / ١٥١ ومسلم فى الصحيح ٢ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦.

(٣) رواه مسلم فى الصحيح ٢ / ٦٣٤.

١٦٦

ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره وكل هذه بدعة حادثة مكروهة وكان من هديه السكون والرضا بقضاء الله والحمد لله والاسترجاع ... وكان من هديه أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام للناس بل أمر أن يصنع الناس لهم طعاما (١).

وقال أبو الخطاب : يكره الجلوس للتعزية ، وقال ابن عقيل : يكره الاجتماع بعد خروج الروح لأن فيه تهييجا للحزن ، وقال أحمد : أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز ، فيعزى إذا دفن الميت أو قبل أن يدفن (٢). اه

قال النووى : وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعى والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته ، قالوا : يعنى بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت فى بيت فيقصدهم من أراد التعزية ، قالوا : بل ينبغى أن ينصرفوا فى حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء فى كراهة الجلوس لها (٣). اه

وفى تعزية أهل الذمة روايتان عن أحمد مخرجة على عيادتهم.

قال ابن قدامة :

إحداهما : لا نعودهم. فكذلك لا نعزيهم ...

والثانية : نعودهم. فعلى هذا نعزيهم ... (٤).

__________________

(١) زاد المعاد ١ / ١٤٦ ، وانظر : الإنصاف للمرداوى ٢ / ٥٦٥.

(٢) المغنى لابن قدامة ٢ / ٥٤٥.

(٣) المجموع ٥ / ٣٠٦.

(٤) راجع المغنى ٢ / ٥٤٥ ، وانظر : أحكام أهل الذمة لابن القيم ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ، ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

١٦٧

قول الإمام أحمد فى ارتفاع القبر

فى مسائل أبى داود :

٦٥١ ـ أخبرنا أبو بكر قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت أحمد قال : لا يزاد على القبر من تراب غيره إلا أن يستوى بالأرض فلا يعرف. فكأنه رخص إذ ذاك (١).

التعليق :

هذه المسألة يلحق بها تجصيص القبور والبناء عليها. وكذا الكتابة عليها وكلها أمور نهى الشارع عنها. فقد روى عن جابر بن عبد الله أنه قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» (٢).

وفى بعض الروايات زاد : «أو يزاد عليه أو يكتب عليه» (٣).

وفى بعضها زاد : «أو يكتب عليه» (٤).

وروى عن أبى الهياج الأسدى قال : قال لى على بن أبى طالب : ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله عليه‌السلام أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته (٥).

__________________

(١) مسائل أبى داود ص : ١٥٨.

(٢) رواه مسلم ٢ / ٦٦٧.

(٣) عند النسائى ٤ / ٨٦.

(٤) عند الترمذي : ٣ / ٣٥٩ ، وأبى داود ٣ / ٥٥٢ ـ ٥٥٣.

(٥) رواه مسلم ٢ / ٦٦٦.

١٦٨

وروى عن ثمامة بن شفى قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفى صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمر بتسويتها (١).

والّذي يظهر من كلام أحمد ـ والله أعلم ـ تحريم الزيادة على القبر إلا بالقدر الّذي يعرف أنه قبر حتى يصان عن المشى عليه ونحوه (٢).

ومن باب أولى تحريم البناء عليها واتخاذ القباب والمشاهد ، وهذا هو الظاهر من الأحاديث.

وقد حمل البعض رواية أبى داود ـ المتقدمة عن أحمد ـ على الكراهة فقط (٣).

قلت : أما التجصيص والكتابة فقد اختلف فيهما فمن قائل بالتحريم وقائل بالكراهة (٤). وكذا زيادة التراب ـ إن لم يكن له حاجة (٥) ـ وأما البناء عليها بوضع القباب ونحوه مما هو مشاهد فى بقاع كثيرة فلا شك فى أن ذلك محرم ، وقد كان هذا الفعل سببا فى وقوع الشرك. إذ إن هذه المشاهد أصبحت تقصد وتشد الرحال إليها ويطلب من المقبورين فيها قضاء الحوائج وتحقيق المطالب ، ويقع عندها من الشرك والمنكرات ما لا يشك معه عاقل من وجوب اقتلاع تلك الأبنية والمشاهد الوثنية ، والله تعالى نسأل أن يبصر المسلمين بأمور دينهم وأن يريهم الحق حقا ويرزقهم اتباعه ويريهم الباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه (٦).

__________________

(١) رواه مسلم ٢ / ٦٦٦.

(٢) وقد ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم رفع قبر جابر نحوا من شبر. السنن الكبرى للبيهقى ٣ / ٤١٠.

(٣) انظر : الإنصاف للمرداوى ٢ / ٥٤٨.

(٤) قال صالح بن أحمد : سألت أبى عن تطيين القبور وتجصيصها قال : أما التجصيص فمكروه والتطيين أسهل. مسائل صالح ص : ٤٧.

(٥) راجع : الإنصاف ٢ / ٥٤٨ ـ ٥٤٩ ، والمغنى لابن قدامة ٢ / ٥٠٧ ، والمجموع للنووى ٥ / ٢٩٦ ـ ٢٩٨.

(٦) راجع : شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكانى ، وتيسير العزيز الحميد ص : ٣١٩ ـ ٣٤٧.

١٦٩

قول الإمام أحمد فى القراءة عند القبور

قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٦٥٢ ـ سألت أبا عبد الله عن القراءة على القبر؟ فقال : القراءة على القبر بدعة (١).

٦٥٣ ـ وقال أبو داود : سمعت أحمد وسئل عن القراءة عند القبر؟ فقال (٢) : لا.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٦٥٤ ـ سمعت أبى سئل عن رجل يقرأ عند القبر على الميت. قال : أرجو أن لا يكون به بأس.

٦٥٥ ـ سألت أبى عن الرجل يحمل معه المصحف إلى القبر يقرأ عليه؟ قال : هذه بدعة. قلت لأبى : وإن كان يحفظ القرآن يقرأ؟ قال : لا ، يجيء ويسلم ، ويدعو وينصرف (٣).

قال أبو بكر الخلال :

٦٥٦ ـ قال الدورى (٤) : سألت أحمد بن حنبل قلت : تحفظ فى القراءة على القبور شيئا؟ فقال : لا.

__________________

(١) مسائل ابن هانئ ١ / ١٩٠.

(٢) مسائل أبى داود ص : ١٥٨.

(٣) مسائل عبد الله ص : ١٤٥.

(٤) عباس بن محمد ، ثقة حافظ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٣٦ ، تقريب ١ / ٣٩٩.

١٧٠

٦٥٧ ـ وأخبرنى الحسن بن أحمد الوراق (١) قال : حدثنى على بن موسى الحداد (٢) وكان صدوقا ، وكان ابن حماد المقرئ (٣) يرشد إليه ، فأخبرنى قال : كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهرى (٤) فى جنازة ، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر ، فقال له أحمد : يا هذا ، إن القراءة عند القبر بدعة ، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ، ما تقول فى مبشر الحلبى؟ قال : ثقة (٥). قال : كتبت عنه شيئا؟ قلت : نعم. قال : فأخبرنى. قلت : فأخبرنى مبشر عن عبد الرحمن (٦) بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه (٧) أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال : سمعت ابن عمر يوصى بذلك. فقال أحمد : ارجع فقل للرجل يقرأ (٨).

__________________

(١) لم أجد من ترجم لهما فيما اطلعت عليه من المصادر.

(٢) لم أجد من ترجم لهما فيما اطلعت عليه من المصادر.

(٣) هو أبو بكر بن حماد : محمد بن حماد. ذكر أبو بكر الخلال : أن أحمد كان يصلى خلفه فى رمضان وغيره. وقال الخطيب : كان أحد القراء المجودين ومن عباد الله الصالحين ت / بغداد ٢ / ٢٧١ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٩١ ..

(٤) قال ابن حجر : أبو جعفر البغدادى ، فيه لين ، ووهم من خلطه بالذى قبله ـ يقصد المصيصى الثقة ـ تقريب ٢ / ٢٠١ ، راجع ت بغداد ٣ / ١٨٨ ـ ١٩٠.

(٥) فى التقريب ٢ / ٢٢٨ : صدوق.

(٦) قال عنه ابن حجر : مقبول. المصدر السابق ١ / ٤٩٤.

(٧) قال عنه ابن حجر : ثقة المصدر نفسه ٢ / ٩٣.

(٨) قال ابن أبى يعلى فى ترجمة محمد بن قدامة الجوهرى : نقل عن (الإمام) أشياء منها : القراءة عند القبور واحتج بحديث ابن عمر. طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٩ ، وحديث ابن عمر أخرجه الخلال بسنده إلى ابن عمر قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا مات أحدكم فلا تجلسوا وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمتها فى قبره. الأمر بالمعروف ص ١٢٢ ، وعزاه الهيثمى للطبرانى فى الكبير وقال : فيه يحيى بن عبد الله البابلتى وهو ضعيف اه. مجمع الزوائد ٣ / ٤٤ وعند الطبرانى أيضا ١٩ / ٢٢٠ عن مبشر حدثنى عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال : قال لى أبى : يا بنى إذا أنا مت .. ثم اقرأ عند رأسى بفاتحة البقرة وخاتمتها فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ذلك. قال الهيثمى بعد ذكره لهذا الحديث الّذي وهم فى إسناده إذ قال : عن عبد الرحمن بن اللجلاج فقال : قال لى أبى وساقه والصواب ما أثبته ـ قال الهيثمى :رجاله موثقون قلت : عبد الرحمن سكت عنه الذهبى فى الميزان ٢ / ٥٧٩ وقال ابن حجر : مقبول اه. واللجلاج له صحبة إلا أنه اختلفت الرواية عنه فهو هنا يقول : فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه ـ

١٧١

٦٥٨ ـ وأخبرنا أبو بكر بن صدقة (١) قال : سمعت عثمان بن أحمد بن إبراهيم الموصلى قال : كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل فى جنازة ، ومعه محمد ابن قدامة الجوهرى قال : فلما قبر الميت جعل إنسان يقرأ عنده فقال أبو عبد الله لرجل : تمر إلى ذلك الرجل الّذي يقرأ فقل له : لا تفعل فلما مضى قال له محمد بن قدامة : مبشر الحلبى كيف هو ، فذكر القصة بعينها (٢).

٦٥٩ ـ أخبرنى العباس بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز (٣) قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن النيسابورى (٤) عن سلمة بن شبيب قال : أتيت أحمد بن حنبل يصلى خلف ضرير يقرأ على القبور (٥). اه

٦٦٠ ـ قال ابن أبى يعلى فى ترجمة : محمد بن أحمد المروروذى : ذكره أبو بكر الخلال فقال : روى عن أبى عبد الله مسائل لم تقع إلى غيره ، ثقة من أهل الروذ ، سمعت عنه من بطل ثقة من أهل أصبهان وذكره بجميل. حدثنى الحسن بن مهران بن الوليد الأصبهانى قال : سمعت محمد بن أحمد المروروذى يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسى ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ، ثم قولوا : اللهم فضله لأهل المقابر (٦).

__________________

ـ وسلم يقول ذلك. وفى رواية أخرى ذكرها الخلال فى القراءة عند القبور بنفس هذا السند قال اللجلاج : فإنى سمعت عبد الله بن عمر يقول ذلك. وفى الرواية المثبتة هنا برقم «١٩٦» عن عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى وليس بها ذكر للجلاج ، هذا هو الصواب. والله أعلم.

(١) أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة الحافظ. نقل عن الإمام أحمد مسائل وأشياء كثيرة. قال الدارقطنى ثقة ثقة. ت / بغداد ٥ / ٤٠ ، طبقات الحنابلة ١ / ٦٤.

(٢) ذكرها ابن أبى يعلى فى طبقات الحنابلة ١ / ٢٢٩.

(٣) لم أجده كما هنا. وانظر ت / بغداد ١٢ / ١٥٨ ـ ١ / ١٣٦.

(٤) لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر.

(٥) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٢١ ـ ١٢٣ ورواية الحداد والموصلى ذكرهما ابن القيم فى كتاب الروح ص ١٧.

(٦) ذكر الفتنى فى تذكرة الموضوعات ص : ٢٢٠ : من مر بالمقابر فقرأ (قل هو الله أحد) إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات.

١٧٢

٦٦١ ـ وروى أبو بكر فى الشافى قال : قال محمد بن أحمد المروروذى : سمعت محمد بن أحمد بن حنبل يقول : إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسى وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قولوا : اللهم إن فضله لأهل المقابر.

٦٦٢ ـ وروى أبو بكر فى الشافى قال : قال محمد بن أحمد المروروذى : سمعت أحمد بن حنبل يقول : إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم.

التعليق :

الكلام فى هذه المسألة على شقين : القراءة عند القبر وقت الدفن فقط ، والقراءة بصفة عامة.

وقبل الكلام عن كلا الشقين أقول : إنه لم يؤثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الأمر لا بفعله هو عليه الصلاة والسلام (١) ولا بإقراره لغيره ، بل إن مجموع الأحاديث التى جاءت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يتعلق بالقبور وزيارتها يؤخذ منها أن هذا الفعل محدث ، فالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يزور القبور وكان يحضر الدفن غالبا ولو كان هذا أمرا حسنا لما سكت عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولبينه للناس ، بل المأثور عنه عليه الصلاة والسلام أنه إذا زار المقابر قال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» (٢).

وعن بريدة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية» (٣).

__________________

(١) والحديث السابق الّذي رفعه ابن عمر فيه كما ذكرت البابلتى وهو مجمع على ضعفه.

انظر : التقريب ٢ / ٣٥١ فقد أطلق ابن حجر القول بضعفه.

(٢) رواه مسلم ٢ / ٦٦٩.

(٣) رواه مسلم ٢ / ٦٧١.

١٧٣

هذا هو الهدى النبوى.

أعود إلى الخلاف فى المسألة وأقول : إن شارح الطحاوية قد لخصه إذ يقول : «اختلف العلماء فى قراءة القرآن عند القبور على ثلاثة أقوال : هل تكره ، أم لا بأس بها وقت الدفن ، وتكره بعده؟ فمن قال بكراهتها كأبي حنيفة ومالك وأحمد فى رواية ـ قالوا : لأنه محدث لم ترد به السنة والقراءة تشبه الصلاة والصلاة عند القبور منهى عنها فكذلك القراءة ، ومن قال : لا بأس بها كمحمد ابن الحسن وأحمد فى رواية استدلوا بما نقل عن ابن عمر رضى الله عنهما : أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها ، ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة ، ومن قال : لا بأس بها وقت الدفن فقط وهو رواية عن أحمد أخذ بما نقل عن ابن عمر وبعض المهاجرين ، وأما بعد ذلك كالذين يتناوبون القبر للقراءة عنده فهذا مكروه فإنه لم تأت به السنة ولم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا ...» (١).

وقال ابن تيمية : فيها ثلاث روايات عن أحمد ... والثانية : أن ذلك مكروه وهذه الرواية هى التى رواها أكثر أصحابه عنه وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه كعبد الوهاب الوراق وأبى بكر المروزي ونحو هما ، وهى مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغير هم ولا يحفظ عن الشافعى نفسه فى هذه المسألة كلام لأن ذلك عنده بدعة.

وقال مالك : ما علمت أحدا يفعل ذلك (٢). اه

قال أبو يعلى بن الفراء : قال أبو بكر ـ يعنى الخلال ـ نقل أبو بكر المروزي وأبو داود ومنها وحنبل وأبو طالب وابن بدينا وإسحاق بن إبراهيم وغيرهم : أن القراءة لا تجوز عند القبر. وبعضهم يروى أنها بدعة. وعلى هذا كان مذهبه ، ورجع أبو عبد الله رجوعا أبان عن نفسه فقال : يقرأ ، وقال

__________________

(١) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٥١٨.

(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص : ٣٨٠.

١٧٤

أبو حفص بن مسلم العكبرى : وقد روى عن أبى عبد الله بضع عشرة نفسا كلهم يقول : بدعة ومحدث فأكرهه وبهذه الرواية أقول (١). اه

قلت : وهذا القول الأخير هو الّذي يتلاءم مع ما عرف عن الإمام أحمد من كراهة كل محدث.

وأما ما جاء فى رواية المروروذى عن أحمد : إذا دخلتم المقابر ... فعلى تقدير ثبوت هذه الرواية عن الإمام أحمد فإن هذا لم يرد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد تقدم ما كان يقوله عليه الصلاة والسلام عند زيارة المقابر.

__________________

(١) الروايتان والوجهان ١ / ٢١٣.

١٧٥

الذبح عند القبر

٦٦٣ ـ قال الإمام أحمد فى رواية المروزي : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا عقر فى الإسلام» (١) كانوا إذا مات لهم الميت نحروا جزورا على قبره ، فنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك. كره أبو عبد الله أكل لحمه (٢) (٣).

__________________

(١) رواه أحمد ٣ / ١٩٧ ، وأبو داود ٣ / ٥٥٠ ـ ٥٥١ من حديث أنس.

قال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة.

(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص : ٣٨١.

(٣) المقصود هنا الذبح عند القبر لله عزوجل ، أما الذبح لغيره فهو شرك كما تقدم ج : ٢ / ١٣١.

١٧٦

قول الإمام أحمد فى : عذاب القبر ونعيمه

قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ :

٦٦٤ ـ قيل له (١) : وعذاب القبر ومنكر ونكير؟

قال أبو عبد الله : نؤمن بهذا كله ومن أنكر واحدة من هذه فهو جهمى.

٦٦٥ ـ سمعت أبا عبد الله يقول : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين» (٢) وقوله : «يا صاحب السبتيتين اخلع سبتيتك» (٣).

قال أبو عبد الله : خلع النعال أمر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المقابر وقوله : «إنه ليسمع خفق نعالهم» مثل ضربه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سرعة ما يسأل الرجل فى قبره (٤).

٦٦٦ ـ وقال أبو بكر المروزي : قال لنا أبو عبد الله : عذاب القبر حق ، ما ينكره إلا ضال مضل (٥).

* ونحو ما تقدم نقل عنه :

٦٦٧ ـ عبدوس بن مالك قال : سمعت أحمد يقول : والإيمان بعذاب القبر وأن هذه الأمة تفتن فى قبورها وتسأل عن الإيمان والإسلام ومن ربه ومن نبيه ويأتيه منكر ونكير كيف شاء وكيف أراد والإيمان به والتصديق به (٦).

__________________

(١) فى الأصل : حضرت رجلا عند أبى عبد الله وهو يسأله : فجعل الرجل يقول ....

(٢) أخرجه البخارى ٣ / ٢٣٢ ومسلم ٤ / ٢٢٠٠ ـ ٢٢٠١ من حديث أنس.

(٣) رواه أحمد ٥ / ٨٣ ـ ٨٤ وأبو داود ٣ / ٥٥٤ وغيرهم عن بشير بن الخصاصية من حديث طويل.

(٤) مسائل ابن هانئ ١ / ١٩١.

(٥) طبقات الحنابلة ١ / ٦٢.

(٦) رسالة عبدوس (ق ٢ / ب).

١٧٧

٦٦٨ ـ مسدد بن مسرهد : كتب إليه أحمد ... والإيمان بمنكر ونكير وعذاب القبر (١).

٦٦٩ ـ محمد بن عوف الطائى قال : أملى عليّ أحمد ... والإيمان بعذاب القبر وبفتنة القبر يسأل العبد عن الإيمان والإسلام ومن ربه وما دينه ومن نبيه وبمنكر ونكير (٢).

٦٧٠ ـ محمد بن حبيب قال : سمعت أحمد يقول : والإيمان بعذاب القبر والإيمان بمنكر ونكير (٣).

٦٧١ ـ حنبل بن إسحاق قال : قلت لأبى عبد الله فى عذاب القبر فقال : هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها. كلما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إسناد جيد أقررنا به. إذا لم نقر بما جاء به رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفعناه رددنا على الله أمره. قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (٤).

٦٧٢ ـ قلت له : وعذاب القبر حق قال : حق يعذبون فى القبر.

٦٧٣ ـ قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير وأن العبد يسأل فى قبره (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٥) فى القبر.

٦٧٤ ـ أحمد بن القاسم قال : قلت يا أبا عبد الله تقر بمنكر ونكير وما يروى فى عذاب القبر قال : سبحان الله نقر بذلك كله ونقوله قلت : هذه اللفظة تقول : منكر ونكير هكذا أو تقول : ملكين قال : منكر ونكير ، قلت : يقولون : ليس فى حديث : منكر ونكير قال : هو هكذا يعنى أنهما منكر ونكير (٦).

__________________

(١) طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٤.

(٢) المصدر السابق ١ / ٣١٢.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٩٥.

(٤) سورة الحشر / آية ٧.

(٥) سورة إبراهيم / آية ٢٧.

(٦) الروايتان فى كتاب الروح لابن القيم ص ٨٠.

١٧٨

٦٧٥ ـ وفى كتاب السنة له ورسالة الإصطخرى عنه قال : وعذاب القبر حق يسأل العبد عن دينه وعن ربه ويرى مقعده من النار والجنة ، ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبور نسأل الله عزوجل الثبات (١).

التعليق :

عذاب القبر ثابت بنص السنة. وقد ذكر العلماء أن فى قول الله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) (٢) وفى قوله جل وعلا : (إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) (٣) وفى قوله تبارك وتعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (٤) وفى قوله تعالى وتقدس : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٥) وفى قوله عزوجل : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦).

أقول : ذكروا أن فيها دلالات على عذاب القبر ، واستدلوا عليه بآيات أخر أيضا.

أما من السنة فالأحاديث الدالة صراحة عليه كثيرة أذكر منها :

ما رواه مسلم (٧) عن البراء بن عازب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص : ٤٦ ـ ٤٧ والإصطخرى فى طبقات الحنابلة ١ / ٢٧.

(٢) سورة إبراهيم / ٢٧.

(٣) سورة الأنعام / ٩٣.

(٤) سورة التوبة / ١٠١.

(٥) سورة غافر / ٤٦.

(٦) سورة الطور / ٤٥.

(٧) فى الصحيح ٤ / ٢٢٠١.

١٧٩

قال : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قال : نزلت فى عذاب القبر. فيقال له من ربك؟ فيقول : ربى الله ونبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذلك قوله عزوجل : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).

وروى مسلم (١) عن زيد بن ثابت قال : بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حائط لبنى النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال : «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل : أنا. قال : «فمتى مات هؤلاء» قال : ماتوا فى الإشراك. فقال : «إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها فلو لا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه». ثم أقبل علينا بوجهه فقال : «تعوذوا بالله من عذاب النار» قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار. فقال : «تعوذوا بالله من عذاب القبر» ... الحديث.

وروى البخارى (٢) عن ابن عباس قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قبرين فقال : «إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله» ... الحديث.

وروى البخارى (٣) ومسلم (٤) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة».

والأحاديث كما أسلفت كثيرة وفى بعضها تفصيل لهذا الحدث الّذي سيواجه كل مسلم (٥). فليراجع ذلك فى مظانه فى كتب الحديث والعقائد.

__________________

(١) فى الصحيح ٤ / ٢٢٩٩ ـ ٢٢٠٠.

(٢) فى الصحيح ٣ / ٢٤٢.

(٣) فى الصحيح ٣ / ٢٤٣.

(٤) فى الصحيح ٤ / ٢١٩٩.

(٥) كافر أيضا كما سيأتى بيانه.

١٨٠