المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

فإن أسلمت وإلا قتلت.

٥٥٦ ـ أبو طالب أنه قال لأبى عبد الله فى المرأة تستتاب قال : المرأة والرجل سواء ، قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه» المرأة والرجل يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا قلت : المرأة تستتاب؟ قال : نعم ثلاثة أيام فإن تابت وإلا قتلت.

٥٥٧ ـ حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله قال فى المرأة إذا ارتدت عن الإسلام تستتاب فإن تابت وإلا قتلت حكمها وحكم الرجل واحد لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٥٥٨ ـ محمد بن الحسن بن هارون قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة ترتد عن الإسلام قال : تستتاب فإن تابت وإلا ضربت عنقها (١) وأنكر على من زعم أن المرأة المرتدة لا تقتل بحجة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان وممن نقل عنه ذلك :

٥٥٩ ـ حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله يقول فى المرأة ترتد قال : قالوا : لا تقتل قيل لهم : لم؟ قالوا : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل النساء. قيل لهم : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتل النساء والشيخ والراهب. فلو أن رجلا ارتد ثم ترهب لم يقتل!! أو شيخا كان مسلما فارتد لم يقتل!! هذا حكم وهذا حكم هذا فى الارتداد والقتل وذاك فى الحرب والسرايا لا يقتل النساء.

٥٦٠ ـ عبد الملك الميمونى قال : سئل أبو عبد الله عن المرأة ترتد تقتل .. قال : الأغلب على إذا ارتدت استتيبت فإن لم تتب قتلت. قال : ومن الناس من يحتج بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نهى عن قتل النساء والصبيان ذاك غير ذا ليس هو فى ذا بشيء.

__________________

(١) الروايات المتقدمة فى المصدر السابق ص ١٨٩.

٦١

٥٦١ ـ أبو بكر الأثرم قال : قلت لأبى عبد الله : المرأة ترتد؟ قال : تستتاب فإن تابت وإلا ضربت عنقها. قلت : احتجوا بحديث عمر فى أم الولد إذا كفرت وزنت وفجرت فى أن المرأة إذا ارتدت لا تقتل. قال : وأى حجة فى هذا لهم.

٥٦٢ ـ محمد بن الحكم الأحول سأله عن المرأة ترتد عن الإسلام قال : تقتل. قلت : إن سفيان يقول : تحبس فلا تقتل. قلت : من أين قال الثورى وأصحاب أبى حنيفة تحبس ولا تقتل. قال : من حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقتل المرأة ولا عسيفا» (١). قال أبو عبد الله : وهذا لا يشبه ذاك أولئك أهل حرب وهم مماليك لنا وهذه امرأة مسلمة ارتدت عن الإسلام وأولئك كفار لم يسلموا وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه» (٢).

التعليق :

الردة فى اللغة : هى الرجوع عن الشيء إلى غيره. قال الله تعالى : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٣).

وأما الردة فى الشرع : فهى الرجوع عن الإسلام إلى الكفر (٤). قال تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٥). وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٦). وقال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا

__________________

(١) رواه أحمد ٣ / ٤٨٨ ، ٤ / ٢٧٨ وغيره.

(٢) الروايات المتقدمة فى أحكام أهل الملل ص ١٨٩.

(٣) سورة المائدة / ٢١.

(٤) حكم المرتد للماوردى ص : ٢٥.

(٥) سورة البقرة / ٢١٧.

(٦) سورة آل عمران / ٩٠.

٦٢

ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) (١). ويقول جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢).

يقول الماوردى : فإذا ثبت حظر الردة بكتاب الله تعالى فهى موجبة للقتل بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإجماع صحابته ـ رضى الله عنهم ـ ثم ذكر حديث ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من بدل دينه فاقتلوه» (٣). وحديث عثمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس» (٤). ثم قال ـ أى الماوردى ـ : وقاتل أبو بكر الصديق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الردة ووضع فيهم السيف حتى أسلموا (٥). اه

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه» خاص بالمسلمين دون سواهم وهو الّذي عليه جمهور العلماء فمن بدل دينه من أهل الإسلام فجزاؤه القتل أما أهل الملل الأخرى فالصحيح أن الحديث لا يشملهم.

يقول القرطبى : واختلفوا من خرج من كفر إلى كفر فقال مالك وجمهور الفقهاء : لا يتعرض له لأنه انتقل إلى ما لو كان عليه فى الابتداء لأقر عليه (٦). اه

__________________

(١) سورة النساء / ١٣٧.

(٢) سورة المائدة / ٥٤.

(٣) تقدم تخريجه ج : ٢ / ٤٠.

(٤) رواه أحمد ١ / ٦١ ، ٦٥ ، ٧٠ ، والترمذي ٤ / ٤٦٠ ، وأبو داود ٤ / ٦٤٠ ، وابن ماجة ٢ / ٨٤٧ ، والحاكم ٤ / ٣٥٠ ، قال الترمذي : وفى الباب عن ابن مسعود وعائشة وابن عباس ، وهذا حديث حسن.

وقال الحاكم : حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

(٥) حكم المرتد ص : ٢٧ ـ ٢٨.

(٦) الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٤٧.

٦٣

وقد قال أحمد فى رواية حنبل : من بدل دينه فاقتلوه من المسلمين ، لو أن يهوديا تنصر أو نصرانيا تهود لم يقتل (١).

وبذا يتضح لنا الإجماع على وجوب قتل المرتد عن الإسلام إلى أى ملة أو ونحلة وذلك بعد استتابته كما سيأتى تفصيله ، ولكن هل هنالك شروط يجب توافرها للحكم بالردة؟

ذكر أهل العلم ثلاثة شروط يجب توافرها حتى يحكم بردة المرتد :

الشرط الأول : البلوغ على خلاف فيه.

يقول ابن قدامة ـ بعد ذكره للأقوال فى إسلام الصبى قبل بلوغه وما يترتب عليه ـ تعليقا على قول الخرقى : «فإن رجع وقال : لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الإسلام».

«وجملته أن الصبى إذا أسلم وحكمنا بصحة إسلامه لمعرفتنا بعقله بأدلته فرجع وقال: لم أدر ما قلت لم يقبل قوله ولم يبطل إسلامه الأول وروى عن أحمد : أنه يقبل منه ولا يجبر على الإسلام. قال أبو بكر : هذا قول محتمل لأن الصبى فى مظنة النقص فيجوز أن يكون صادقا قال : والعمل على الأول لأنه قد ثبت عقله للإسلام ومعرفته به بأفعاله أفعال العقلاء وتصرفاته تصرفاتهم وتكلمه بكلامهم وهذا يحصل به معرفة عقله ولهذا اعتبرنا رشده بعد بلوغه بأفعاله وتصرفاته وعرفنا جنون المجنون وعقل العاقل بما يصدر عنه من أفعاله وأقواله وأحواله.

فلا يزول ما عرفناه بمجرد دعواه. وهكذا كل من تلفظ بالإسلام أو أخبر عن نفسه به ثم أنكر معرفته بما قال لم يقبل إنكاره وكان مرتدا نص عليه أحمد فى مواضع. إذا ثبت هذا فإنه إذا ارتد صحت ردته وبهذا قال أبو حنيفة. وهو الظاهر من مذهب مالك وعند الشافعى لا يصح إسلامه ولا ردته وقد روى عن أحمد أنه يصح إسلامه ولا تصح ردته لقوله عليه‌السلام : «رفع القلم عن ثلاث عن الصبى

__________________

(١) أحكام أهل الملل للخلال ص : ١٨٨.

٦٤

حتى يبلغ» (١). وهذا يقتضي أن لا يكتب عليه ذنب ولا شيء ولو صحت ردته لكتب عليه. وأما الإسلام فلا يكتب عليه إنما يكتب له. ولأن الردة أمر يوجب القتل فلم يثبت حكمه فى حق الصبى كالزنا ولأن الإسلام إنما صح منه لأنه تمحض مصلحة فأشبه الوصية والتدبير ، والردة تمحضت مضرة ومفسدة فلم تلزم صحتها. فعلى هذا حكمه حكم من لم يرتد ، فإذا بلغ فإن أصر على الكفر كان مرتدا حينئذ (٢). اه

وهذا ـ والله أعلم ـ هو الراجح ـ وهو قول للإمام أبى حنيفة (٣) ورواية عن أحمد.

الشرط الثانى : العقل : ومعلوم ما للعقل من ركنية فى التكليف. لذا لا تصح ردة المجنون ومن فى حكمه (٤). وفى صحة ردة السكران روايتان عن أحمد ذكرها ابن قدامة (٥).

الشرط الثالث : أن يكون ذلك باختياره من غير إكراه عليه (٦). كما أنه لا يحكم بردته إلا بإقراره إما بنفسه أو بعد شهادة الشهود عليه (٧). وإذا أنكر شهادة الشهود فالقول قوله كما نص عليه أحمد فى رواية محمد بن الحكم (٨).

فإن ثبتت ردته. هل يقتل على الفور أم يستتاب؟

المشهور عن أحمد استتابته ثلاثا على روايتين فى وجوبها أو استحبابها والأول أشهر(٩).

__________________

(١) رواه أحمد ١ / ١٤٠ ، ١٥٥ ، ١٥٨ ، ٦ / ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٤٤ ، وأبو داود ٤ / ٥٥٨ ، وغيرهما.

(٢) المغنى ٨ / ١٣٥.

(٣) انظر : المبسوط للسرخسى ١٠ / ١٢٢.

(٤) راجع المغنى ٨ / ١٤٨.

(٥) راجع المصدر السابق ٨ / ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٦) راجع المصدر السابق ٨ / ١٤٤ ـ ١٤٧.

(٧) راجع المصدر السابق ٨ / ١٤٠ ـ ١٤٢.

(٨) انظرها ص : ٢ / ٥٨ من هذا البحث.

(٩) راجع الإنصاف للمرداوى ١٠ / ٣٢٨.

٦٥

يقول ابن قدامة : ... لا يقتل حتى يستتاب ثلاثا هذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلى وعطاء والنخعى ومالك والثورى والأوزاعى وإسحاق وأصحاب الرأى وهو أحد قولى الشافعى ، وروى عن أحمد رواية أخرى أنه لا تجب استتابته لكن تستحب وهذا القول الثانى للشافعى (١).

وفى موضع آخر يقول : ولأن الردة إنما تكون لشبهة ولا تزول فى الحال فوجب أن ينتظره مدة يرتئى فيها وأولى ذلك ثلاثة أيام للأثر فيها وأنها مدة قريبة وينبغى أن ... يكرر دعايته لعله يتعطف قلبه فيراجع دينه إن لم يتب قتل وهو قول عامة الفقهاء (٢). اه

قلت : ولا فرق عند الإمام أحمد فيما تقدم بين من ولد على الإسلام ثم ارتد وبين من كان كافرا ثم أسلم ثم ارتد ، وكذا لا فرق عنده بين الرجل والمرأة كما سبق إيضاحه عند ذكر الروايات عنه.

يقول الماوردى : فإذا ثبت وجوب القتل بردة المسلم إلى الكفر فسواء كان المسلم مولودا على الإسلام أو كان كافرا فأسلم أو صار مسلما بإسلام أبويه أو أحدهما ... لأنه لما جرى عليه أحكام الإسلام فى العبادات وأحكام المسلمين فى المواريث والشهادات وجب أن يجرى عليه حكم الإسلام فى الردة كغيره من المسلمين ، كما كان فى غير الردة كسائر المسلمين.

ولأن الإسلام لا تبعض فيه فلم تبعض فيه أحكام الإسلام (٣).

ويقول أيضا : يستوى فى القتل بالردة الحر والعبد والرجل والمرأة وتقتل المرتدة كما يقتل المرتد.

__________________

(١) المغنى ٨ / ١٢٤.

(٢) المصدر السابق ٨ / ١٢٦.

(٣) حكم المرتد ص : ٣٣ ـ ٣٤.

٦٦

وبه قال من الصحابة : أبو بكر وعلى.

ومن التابعين : الحسن والزهرى.

ومن الفقهاء : مالك والأوزاعى والليث بن سعد وأحمد وإسحاق (١).

__________________

(١) حكم المرتد ص : ٢ / ٥٧ ، وانظر : المغنى لابن قدامة ٨ / ١٢٣ ـ ١٢٥.

٦٧

قول الإمام أحمد فى الزنادقة

وأحكامهم

٥٦٣ ـ قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : الزنادقة الذين ينتحلون الإسلام وهم على دين غير ذلك (١).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٥٦٤ ـ سألت أبى عن الزنديق يستتاب ثلاثا؟

قال : نعم يستتاب ثلاثا ، استتابه عثمان (٢) ، وعلى بن أبى طالب (٣) (٤).

والمشهور عنه استتابة الزنديق وممن نقل عنه ذلك.

٥٦٥ ـ أبو طالب أنه سأل أبا عبد الله عن الزنديق يستتاب قال : نعم ثلاثا فإن تاب وإلا ضربت عنقه. قلت : على رضى الله عنه لم يستتبه قال :

__________________

(١) أحكام أهل الملل ص ٢٠٤.

(٢) روى الخلال فى أحكام أهل الملل ص ١٨٦ ، والبيهقى فى السنن الكبرى ٨ / ٢٠١ أن ابن مسعود كتب إلى عثمان فى رجال من بنى حنيفة ينعشون كلام مسيلمة الكذاب فكتب إليه عثمان : أن اعرض عليهم دين الحق وشهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن قبلها وبرئ من مسيلمة فلا تقتله ومن لزم دين مسيلمة فاقتله.

(٣) خبر استتابة على للزنادقة رواه البيهقى فى السنن الكبرى ٨ / ٢٠١ ، وخبر ترك استتابتهم أخرجه الخلال فى أحكام أهل الملل ص ٢٥ ، وأخرج البخارى ١٢ / ٢٦٧ ، عن عكرمة قال : أتى على بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم.

(٤) مسائل عبد الله ص ٤٣٠ وأخرجه أبو بكر الخلال فى أحكام أهل الملل ص : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ عن عبد الله به.

٦٨

ذاك على أتى بزنادقة وأنا أذهب إلى أن يستتاب ثلاثة أيام ويروى عن على رضى الله عنه أنه يستتاب. اه

٥٦٦ ـ وفى أخرى : قيل لأبى عبد الله فالزنادقة قال : أهل المدينة يقولون : يضرب عنقه ولا يستتاب وكنت أنا أقول أيضا ثم هبته. قال : مالك يقول : هم يصومون ويصلون معنا ويكتمون الزندقة فما أستتيبهم قال : أبو عبد الله : هو قول حسن لأنهم يصومون ويصلون فلا يعلم الناس شرهم فإذا علموا بهم قالوا : نتوب ولا نعرف توبتهم. قلت : فلم هبته؟ قال : ليس فيه حديث.

٥٦٧ ـ ابن هانئ قال : سمعت أبا عبد الله وسئل عن الزنديق يستتاب؟ قال : نعم.

٥٦٨ ـ أبو بكر المروزي قال : سألت أبا عبد الله : هل يستتاب هؤلاء؟ قال : أنا أرى أن أستتيب الزنادقة وغيرهم.

٥٦٩ ـ سمعت أبا عبد الله وذكر الزنادقة فقال : أرى أن أستتيبهم.

٥٧٠ ـ ابنه صالح أن أباه حدثه قال : الزنديق يستتاب. الناس فيه مختلفون يستتاب ثلاثا. ونقل عنه عدم استتابته. نقل عنه ذلك :

٥٧١ ـ إسحاق الكوسج قال : قال أبو عبد الله : الزنديق لا يستتاب. ونقل عنه ما يفيد هذا. نقل ذلك :

٥٧٢ ـ يعقوب بن بختان وحنبل بن إسحاق. قال يعقوب : إن أبا عبد الله سئل عن الزنديق. وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله سئل عن الزنديق والساحر يستتابان؟ قال : وكيف تعلم توبتهما أما الزنديق فإنه يصوم ويصلى ورأى قتلهما. اه

٦٩

والزنديق كما هو المشهور من مذهبه يستتاب فإن لم يتب فليس له إلا القتل وقد أنكر على من سأله عن إمكانية أخذ الجزية منهم ... نقل ذلك :

٥٧٣ ـ أبو الحارث الصائغ قال : سئل عن الزنادقة تؤخذ منهم الجزية فأنكر ذلك وقال : لا بل تضرب أعناقهم ما سمعنا بهذا فى الإسلام ثم قال : سبحان الله تؤخذ الجزية من الزنادقة ، منكرا لذلك جدا.

٥٧٤ ـ أبو بكر الأثرم قال : وأظهر ـ أى أحمد ـ إنكار ذلك واستعظمه. أما مال الزنديق بعد قتله فيؤول إلى بيت المال ، نقل ذلك عنه :

٥٧٥ ـ أبو طالب أن أبا عبد الله قال : مال الزنديق فى بيت مال المسلمين (١).

__________________

(١) الروايات المتقدمة فى أحكام أهل الملل للخلال ص : ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

٧٠

قال الإمام أحمد رحمه‌الله تعالى فى كتابه

الرد على الزنادقة والجهمية

٥٧٦ ـ الحمد لله الّذي جعل فى كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله عزوجل الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم.

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان (١) الفتنة فهم مختلفون فى الكتاب مخالفون للكتاب (ق ٣ / ب) مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفى الله وفى كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين.

__________________

(١) فى بعض النسخ المطبوعة : «عقال».

٧١

باب بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن (١)

قال أحمد فى قول الله عزوجل : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٢).

قالت الزنادقة : فما بال جلودهم التى عصت قد احترقت ، وأبدلهم الله جلودا غيرها؟ فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودا لم تذنب ، حين يقول : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ، فشكوا فى القرآن ، وزعموا أنه متناقض.

فقلت : إن قول الله عزوجل : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ليس يعنى جلودا غير جلودهم ، وإنما يعنى بدلناهم جلودا غيرها ، تبديلها تجديدها ، لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله ، وذلك لأن القرآن فيه خاص وعام ، ووجوه كثيرة ، وخواطر يعلمها العلماء(٣).

وأما قول الله عزوجل : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٤) ثم قال فى آية أخرى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٥) فقالوا : كيف يكون هذا من الكلام المحكم. قال : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ). ثم قال فى موضع آخر : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ

__________________

(١) روى مسلم ١ / ٢٠٥٣ عن عائشة رضى الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».

(٢) سورة النساء / ٥٦.

(٣) وانظر تفسير الطبرى ٥ / ١٤٢ وابن كثير ١ / ٥٤٦ والشوكانى ١ / ٤٧٩.

(٤) سورة المرسلات / ٣٥.

(٥) وانظر الزمر / ٣١.

٧٢

تَخْتَصِمُونَ) فزعموا أن هذا الكلام (ق ٤ / أ) ينقض بعضه بعضا ، فشكوا فى القرآن.

أما تفسير (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ). الآية : فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم فى الاعتذار فيعتذرون. ثم يؤذن لهم فى الكلام فيتكلمون. فذلك قوله : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) (١) الآية. فإذا أذن لهم فى الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) عند الحساب ، وإعطاء المظالم. ثم يقال لهم بعد ذلك : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) أى عندى (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) (٢) يعنى فى الدنيا. فإن العذاب مع هذا القول كائن (٣).

وأما قوله عزوجل : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (٤) وقال فى آية أخرى : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) (٥) (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) (٦) فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) ثم يقول فى موضع آخر : أنه ينادى بعضهم بعضا ، فشكوا فى القرآن من أجل ذلك.

أما تفسير : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضا وينادون (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ. قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٧) ويقولون (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (٨) (ق ٤ / ب) و (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) (٩) فهم

__________________

(١) سورة السجدة / ١٢.

(٢) سورة ق / ٢٨.

(٣) وانظر تفسير الطبرى ٢٩ / ٢٤٣ و ٢٤ / ١.

(٤) وانظر الإسراء / ٩٧.

(٥) سورة الأعراف / ٥٠.

(٦) سورة الأعراف / ٤٤.

(٧) سورة الزخرف / ٧٧.

(٨) سورة إبراهيم / ٤٤.

(٩) سورة المؤمنون / ١٠٦.

٧٣

يتكلمون حتى يقال : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١) صاروا عميا وبكما وصما ، وينقطع الكلام ، ويبقى الزفير والشهيق ، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة من قول الله وعزوجل (٢).

(وأما قوله) (٣) : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (٤) وقال فى آية أخرى : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٥) فقالوا : كيف يكون هذا من المحكم فشكوا فى القرآن من أجل ذلك.

فأما قوله عزوجل : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) فهذا عند النفخة الثانية ، إذا قاموا من القبور لا يتساءلون ، ولا ينطقون فى ذلك الموطن ، فإذا حوسبوا ودخلوا الجنة والنار : أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة(٦).

وأما قول الله عزوجل : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٧) وقال فى آية أخرى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) (٨) فقالوا : إن الله قد ذم قوما كانوا يصلون فقال : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) وقد قال فى قوم أنهم إنما دخلوا النار لأنهم لم يكونوا يصلون ، فشكوا فى القرآن من أجل ذلك ، وزعموا أنه متناقض.

__________________

(١) سورة المؤمنون / ١٠٨.

(٢) وانظر تفسير الطبرى ٨ / ٢٠١ و ١٥ / ١٦٧ و ١٨ / ٥٩ وابن كثير ٣ / ٧٠ ، ٢٧١ والشوكانى ٣ / ٢٦١ ، ٤٩٩.

(٣) ما بين القوسين ليس من الأصل وما أثبته موافق للمطبوع ، ويقتضيه السياق.

(٤) سورة المؤمنون / ١٠١.

(٥) سورة الصافات / ٥٠.

(٦) وانظر : تفسير الطبرى ١٨ / ٥٤ و ٢٣ / ٥٨ والشوكانى ٣ / ٤٩٩.

(٧) سورة المدثر / ٤٢ ، ٤٣.

(٨) سورة الماعون / ٤.

٧٤

قال : أما قوله : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) عنى بها المنافقين (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (١) حتى يذهب (ق ٥ / أ) الوقت (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٢) يقول : إذا رأوهم صلوا وإذا لم يروهم لم يصلوا. وأما قوله : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) يعنى الموحدين المؤمنين فهذا ما شكت فيه الزنادقة (٣).

وأما قول الله عزوجل : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (٤) ثم قال : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (٥) ثم قال : (مِنْ سُلالَةٍ) (٦) ثم قال : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٧) ثم قال : (مِنْ صَلْصالٍ) (٧) فشكوا فى القرآن ، وقالوا : هذا ملابسة ، ينقض بعضه بعضا.

(نقول) (٨) فهذا بدء خلق آدم خلقه الله أول بدئه من تراب ، ثم من طينة حمراء وسوداء وبيضاء ، من طينة طيبة وسبخة. فلذلك ذريته : طيب وخبيث أسود وأحمر وأبيض (٩) ، ثم بل ذلك التراب فصار طينا. فذلك قوله : (مِنْ طِينٍ) فلما لصق الطين بعضه ببعض فصار طينا ، لازبا ، يعنى لاصقا. ثم قال : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) يقول : مثل الطين إذا عصر انسل من بين الأصابع ، ثم نتن فصار حمأ مسنونا (١٠) فخلق من الحمأ فلما جف صار صلصالا

__________________

(١) سورة الماعون / ٥.

(٢) سورة الماعون / ٦.

(٣) وانظر : تفسير الطبرى ٢٩ / ١٦٦ و ٣٠ / ٣١١ وابن كثير ٤ / ٥٨٨ والشوكانى ٥ / ٥٠٠.

(٤) سورة الروم / ٢٠ ، وسورة فاطر / ١١ ، وسورة غافر / ٤٠.

(٥) سورة الصافات / ١١.

(٦) سورة المؤمنون / ١٢ (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) سورة السجدة / ٨ (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ).

(٧) سورة الحجر / ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣ ، الآيات المتقدمة فى سورة الحجر وفى سورة الرحمن / ١٤ (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ).

(٨) ما بين القوسين ليس من الأصل وهو فى المطبوع.

(٩) جاء نحوه فى حديث مرفوع. انظر : مسند أحمد ٤ / ٤٠٠ والترمذي ٥ / ٢٠٤ وأبى داود ٥ / ٦٧ والحاكم ٢ / ٦١.

(١٠) فى الأصل : «مسنون».

٧٥

كالفخار. يقول صار (له) (١) صلصلة كصلصلة الفخار له دوى كدوى الفخار. فهذا بيان خلق آدم. وأما قوله : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) فهذا بدء خلق ذريته من سلالة ، يعنى النطفة إذا انسلت من الرجل ، فذلك قوله : (مِنْ ماءٍ) يعنى النطفة (مَهِينٍ) يعنى الضعيف فهذا ما شكت (ق ٥ / ب) فيه الزنادقة.

وأما قول الله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (٢) و (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (٣) و (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (٤) فشكوا فى القرآن وقالوا : كيف يكون هذا من الكلام المحكم.

أما قوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فهذا اليوم الّذي يستوى فيه الليل والنهار. أقسم الله سبحانه بمشرقه ومغربه ، وأما قول : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) فهذا أطول يوم فى السنة ، وأقصر يوم فى السنة. أقسم الله تعالى بمشرقهما ومغربهما. وأما قوله : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) فهو مشارق السنة ومغاربها فهذا تفسير (ما شكت) (٥) فيه الزنادقة (٦).

وأما قول الله عزوجل : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٧) وقال فى آية أخرى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٨) وقال فى آية أخرى : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْراً

__________________

(١) ليس فى الأصل والمثبت من المطبوع ويقتضيه الحال.

(٢) سورة الشعراء / ٢٨.

(٣) سورة الرحمن / ١٧.

(٤) سورة المعارج / ٤٠.

(٥) ما بين القوسين ليس من الأصل وهو فى المطبوع ويقتضيه السياق.

(٦) وانظر تفسير الطبرى ١٩ / ٧٠ و ٢٧ / ١٢٧ و ٢٩ / ٨٧ وابن كثير ٤ / ٢٩٠ والشوكانى ٥ / ١٣٤ ، ٢٩٤.

(٧) سورة الحج / ٤٧.

(٨) سورة السجدة / ٥.

٧٦

جَمِيلاً) (١).

فقالوا : كيف يكون هذا من الكلام المحكم ، وهو ينقض بعضه بعضا. قال : أما قوله: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فهذا من الأيام التى خلق الله فيها السموات والأرض ، كل يوم كألف سنة. وأما قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ) (ق ٦ / أ) (أَلْفَ سَنَةٍ) وذلك أن جبرائيل كان ينزل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويصعد إلى السماء فى كل (يوم) (٢) كان مقداره ألف سنة ، وذلك أن من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة. فهبوط : خمسمائة عام. وصعود : خمسمائة عام فذلك ألف سنة. وأما قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يقول : لو ولى حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا ، إذا أخذ فى حساب الخلائق ، فذلك قوله : (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) يعنى لسرعة الحساب (٣) (٤).

وأما قوله : (يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) إلى قوله : (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٥). فأنكروا أن كانوا مشركين وقال فى آية أخرى (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٦) فشكوا فى القرآن. وزعموا أنه متناقض. أما قوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) وذلك : أن أهل الشرك (٧) إذا رأوا ما يتجاوز الله عن أهل التوحيد ، يقول بعضهم لبعض : إذا سألنا نقول : لم نكن مشركين. فلما جمعهم الله وجمع أصنامهم وقال :

__________________

(١) سورة المعارج / ٤.

(٢) فى الأصل : «فى كل يوم» والصواب ما هو مثبت كما فى المطبوع.

(٣) فى المطبوع : «سرعة الحساب».

(٤) وانظر تفسير الطبرى ١٧ / ١٨٣ و ٢١ / ٩١ و ٢٩ / ٧٠ وابن كثير ٣ / ٢٤٠ ، ٤٧٦ و ٤ / ٤٤٤ والشوكانى ٣ / ٤٦٠ و ٤ / ٢٤٨ ، ٢٥١ و ٥ / ٢٨٨ ، ٢٩١.

(٥) سورة الأنعام / ٢٢ ، ٢٣.

(٦) سورة النساء / ٤٢.

(٧) فى المطبوع : أن هؤلاء المشركين.

٧٧

(أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) قال الله (ق ٦ / ب) تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فلما كتموا الشرك ختم على أفواههم ، وأمر الجوارح فنطقت بذلك فذلك قوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) (١) الآية فأخبر الله عزوجل عن الجوارح حين شهدت. فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (٢).

أما قوله عزوجل : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) (٣) وقال : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) (٤) وقال : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) (٥) وقال : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٦) من أجل ذلك شكت الزنادقة.

وأما قوله : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) وذلك إذا خرجوا من قبورهم ، فنظروا إلى ما كانوا يكذبون به من أمر البعث ، قال بعضهم لبعض : إن لبثتم فى القبور إلا عشر ليال ، استكثروا العشر ، فقالوا : إن لبثتم إلا يوما فى القبور ، ثم استكثروا اليوم فقالوا : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) ثم استكثروا القليل فقالوا : إن لبثتم إلا ساعة من نهار ، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (٧).

وأما قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) (٨) وقال فى آية أخرى : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٩). فقالوا : كيف يكون هذا يقولون : لا علم لنا. وأخبر عنهم أنهم

__________________

(١) سورة يس / ٦٥.

(٢) وانظر تفسير الطبرى ٥ / ٩٣ و ٧ / ١٦٥ وابن كثير ١ / ٥٢٩ و ٢ / ١٣٧ والشوكانى ١ / ٤٦٧ و ٢ / ١٠٧ ، ١٠٩.

(٣) سورة الروم / ٥٥.

(٤) سورة طه / ١٠٣.

(٥) سورة طه / ١٠٤.

(٦) سورة الإسراء / ٥٢.

(٧) وانظر تفسير الطبرى ١٥ / ١٠١ و ١٠٦ و ١٦ / ٢١٠ و ٢١ / ٥٧ وابن كثير ٣ / ٤٩ ، ١٧٤ ، ٤٥٨ والشوكانى ٣ / ٢٣٥ ، ٣٨٦ و ٤ / ٢٣٢.

(٨) سورة المائدة / ١٠٩.

(٩) سورة هود / ١٨.

٧٨

يقولون : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) ، فزعموا أن القرآن ينقض بعضه بعضا (ق ٧ / أ).

أما قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) فإنه يسألهم عند زفرة جهنم. فيقول : ما ذا أجبتم فى التوحيد. فتذهب عقولهم عند زفرة جهنم ، فيقولون : لا علم لنا ، ثم ترجع إليهم عقولهم من بعد ، فيقولون : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).

وأما قول الله عزوجل : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢) وقال فى آية أخرى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٣).

فقالوا : كيف يكون هذا يخبر أنهم ينظرون إلى ربهم ، وقال فى آية أخرى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فشكوا فى القرآن وزعموا أنه ينقض بعضه بعضا أما قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) يعنى الحسن والبياض (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) يعنى تعاين ربها فى الجنة.

وأما قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعنى فى الدنيا دون الآخرة ، وذلك أن اليهود قالوا لموسى : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) (٤) فماتوا وعوقبوا لقولهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) وقد سألت مشركو العرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٥) فلما سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه المسألة قال الله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) حين (ق ٧ / ب) قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) الآية ، فأنزل الله سبحانه يخبر أنه لا تدركه الأبصار أى أنه (٦) لا يراه

__________________

(١) وانظر الطبري ٧ / ١٢٤ و ١٢ / ٢٠ وابن كثير ٢ / ١٢٣ ، ٤٧٣ والشوكانى ٢ / ٩٠ ، ٤٩٠.

(٢) سورة القيامة / ٢٣.

(٣) سورة الأنعام / ١٠٣.

(٤) سورة النساء / ١٥٣.

(٥) سورة الإسراء / ٩٢.

(٦) فى المطبوع : «أى أنه».

٧٩

أحد فى الدنيا دون الآخرة فقال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعنى فى الدنيا ، وأما فى الآخرة فإنهم يرونه.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).

وأما قول موسى : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) وقال السحرة : (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى قوله : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (٤).

فقالوا : كيف قال موسى : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وقد كان قبله إبراهيم مؤمنا ويعقوب وإسحاق ، فكيف جاز لموسى أن يقول : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) قالت السحرة : (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) وكيف جاز للنبى أن يقول : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) وقد كان قبله مسلمون كثير ، مثل عيسى ومن تابعه فشكوا فى القرآن وقالوا : إنه متناقض.

أما قول موسى : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) فإنه حين قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال الله تعالى : (لَنْ تَرانِي) ولا يرانى أحد فى الدنيا إلا مات. (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) فلما أفاق قال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (ق ٨ / أ) يعنى أول المصدقين أنه لا يراك أحد فى الدنيا إلا مات. وأما قول السحرة : (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى أول من صدق بموسى من أهل مصر من القبط. وأما قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) يعنى من أهل مكة.

__________________

(١) وانظر تفسير الطبرى ٧ / ٢٩٩ و ١٤ / ١٩١ وابن كثير ٢ / ١٧٤ و ٤ / ٤٧٧ والشوكانى ٢ / ١٤٨ و ٥ / ٣٣٨ وسيأتى مزيد تفصيل حول هذه الآيات الكريمات عند قول الإمام أحمد فى رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ٢ / ١٤٥.

(٢) سورة الأعراف / ١٤٣.

(٣) سورة الشعراء / ٥١.

(٤) سورة الأنعام / ١٦٢ ، ١٦٣.

٨٠