المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المسائل والرسائل المرويّة عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالاله بن سلمان بن سالم الأحمدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به ، فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء ، وهو قدر زائد على الرؤية (١) ... اه

ومما تمسكوا به أيضا ما جاء فى سورة الأعراف (٢) حكاية عن نبى الله موسى عليه‌السلام قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٣).

وهذه الآية أيضا من الأدلة على جواز الرؤية لا على نفيها فلو كانت رؤية الله عزوجل لا تجوز مطلقا لم يجز لنبى أن يسأله ما لا يجوز أو يستحيل ، وفى قوله تعالى (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) دلالة على جواز الرؤية ، وليس فى قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) إحالة للرؤية فهو عزوجل لا يرى فى الدنيا (٤). ويراه المؤمنون فى الآخرة على الوجه الّذي يشاؤه جل وعلا.

أما الآيات الصريحة فى إثبات الرؤية فقد تأولوها على عادتهم فقالوا إن المقصود بقول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أى : منتظرة (٥).

يقول البيهقى رحمه‌الله تعالى فى رد هذا التأويل.

وليس يخلو النظر من وجوه إما أن يكون الله عزوجل عنى به نظر الاعتبار كقوله : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (٦) ، أو يكون عنى به نظر الانتظار كقوله (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) (٧) ، أو يكون عنى به نظر التعطف والرحمة كقوله (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) (٨) ، أو يكون عنى الرؤية كقوله

__________________

(١) حادى الأرواح ص : ٢١٧ وانظر : الفصل لابن حزم ٣ / ٣ وفتح البارى ٣ / ٤٢٦ ، وراجع ج : ٢ / ٧٩.

(٢) آية : ١٤٣.

(٣) انظر : شرح الأصول الخمسة ص : ٢٣٣.

(٤) انظر : حادى الأرواح ص : ٣٢٣ ، وشرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٠٧.

(٥) انظر : شرح الأصول الخمسة ص : ٢٤٥ ، وفتح البارى ١٣ / ٤٢٦.

(٦) سورة الغاشية / ١٧.

(٧) سورة يس / ٤٩.

(٨) سورة آل عمران / ٧٧.

٢٢١

(يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (١) ، ولا يجوز أن يكون الله سبحانه عنى بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) نظر التفكر والاعتبار لأن الآخرة ليست بدار استدلال واعتبار وإنما هى دار اضطرار ولا يجوز أن يكون عنى الانتظار لأنه ليس فى شيء من أمر الجنة انتظار لأن الانتظار فيه تنغيص وتكدير والآية خرجت مخرج البشارة وأهل الجنة فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم فهم ممكنون مما أرادوا وقادرون عليه وإذا خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم وإذا كان ذلك كذلك لم يجز أن يكون الله أراد بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) نظر الانتظار ولأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجوه فمعناه نظر العينين اللتين فى الوجه كما قال تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (٢) ، وأراد بذلك تقلب عينيه نحو السماء ، ولأنه قال : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ونظر الانتظار لا يكون مقرونا ب «إلى» لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا فى نظر الانتظار (إِلى) ألا ترى أن الله عزوجل لما قال : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) لم يقل «إلى» إذ كان معناه الانتظار وقالت بلقيس فيما أخبر الله عنها : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣) ، فلما أرادت الانتظار لم تقل «إلى» قلنا : ولا يجوز أن يكون الله سبحانه أراد نظر التعطف والرحمة ، لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم ، فإذا فسدت هذه الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر وهو أن معنى قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أنها رائية ترى الله عزوجل ، ولا يجوز أن يكون معناه : إلى ثواب ربها ناظرة لأن ثواب الله غير الله وإنما قال الله عزوجل : (إِلى رَبِّها) ولم يقل إلى غير ربها ناظرة والقرآن على ظاهره ... (٤). اه

وفى حقيقة الأمر أن أدلتهم قائمة على فلسفة عقلية ليس لها مجال فى أمور الغيب.

__________________

(١) سورة محمد / ٢٠.

(٢) سورة البقرة / ١٤٤.

(٣) سورة النمل / ٣٥.

(٤) الاعتقاد ص : ٧٤ ـ ٧٥ وانظر : الإبانة ص : ٥٣ والفصل لابن حزم ٣ / ٣ ، وحادى الأرواح ص : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وشرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٠٥.

٢٢٢

من ذلك قولهم : إن الرؤية توجب كون المرئى محدثا وحالا فى مكان قال ابن بطال بعد ذكره لهذا الادعاء : والرؤية فى تعلقها بالمرئى بمنزلة العلم فى تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئى (١). اه

وعند ما أقول إنها قائمة على فلسفة عقلية لا يعنى أن فى الأمر استحالة عقلية بل المقصود أنهم قاسوا نتاج عقولهم ومرئياتهم الدنيوية على أمور غيبية لا تخضع لهذا القياس ، وإلا فإن كثيرا من العلماء ذكروا أدلة عقلية كثيرة على جواز الرؤية (٢).

وبعد هذا العرض الموجز أشير إلى بعض الأدلة من السنة المصرحة بالرؤية وقد ذكرت آنفا أنها من الكثرة بمكان وأشرت إلى بعض المراجع التى احتوت جزءا كبيرا منها وسأذكر هنا بعض تلك الأدلة.

روى البخارى (٣) ومسلم (٤) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : إن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل تضارون فى القمر ليلة البدر؟ قالوا : لا يا رسول الله. قال : فهل تضارون فى الشمس ليس دونها سحاب قالوا : لا يا رسول الله. قال فإنكم ترونه كذلك ... الحديث. وروى نحوه البخارى (٥) ومسلم (٦) من حديث أبى سعيد الخدرى.

وروى البخارى (٧) عن جرير قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس

__________________

(١) انظر : فتح البارى ١٣ / ٤٢٦.

(٢) انظر : الإبانة للأشعرى ص : ١٦ ، وبيان تلبيس الجهمية ١ / ٣٥٧ ، ومجموع الفتاوى ٦ / ١٣٦.

(٣) فى الصحيح ١٣ / ٤١٩.

(٤) فى الصحيح ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٥) فى الصحيح ١٣ / ٤٢٠.

(٦) فى الصحيح ١ / ١٦٧.

(٧) فى الصحيح ٣ / ١٩.

٢٢٣

وقبل غروب الشمس فافعلوا (١).

يقول الدارمى : قد صحت الآثار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن بعده من أهل العلم وكتاب الله الناطق به فإذا اجتمع الكتاب وقول الرسول وإجماع الأمة لم يبق لمتأول عندها تأويل إلا لمكابر أو جاحد (٢).

ويقول ابن القيم بعد ذكره لبعض أحاديث الرؤية : ... فإن الّذي جاء بهذه الأحاديث هو الّذي جاء بالقرآن والشريعة والّذي بلغها هو الّذي بلغ الدين فلا يجوز أن يجعل كلام الله ورسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه ويكفر ببعضها فلا يجتمع فى قلب العبد بعد الاطلاع على هذه الأحاديث وفهم معناها إنكارها (٣).

__________________

(١) راجع الرؤية للدارقطنى فقد جمع أحاديث الرؤية له نسخة مخطوطة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية وحقق كرسالة دكتوراه بالجامعة نفسها.

(٢) الرد على الجهمية ص : ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) حادى الأرواح ص : ٢٥٢.

٢٢٤

ما أثر عن الإمام أحمد فى الجنة والنار

فى رسالته لمسدد بن مسرهد قال :

٧١٥ ـ وإن الله خلق الجنة قبل الخلق وخلق لها أهلا ونعيمها دائم ومن زعم أنه يبيد من الجنة شيء فهو كافر ، وخلق النار قبل خلق الخلق وخلق لها أهلا وعذابها دائم (١).

وفى رسالة عبدوس بن مالك قال :

٧١٦ ـ والجنة والنار مخلوقتان كما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دخلت الجنة فرأيت قصرا» (٢) ، «ورأيت الكوثر» (٣) ، اطلعت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا واطلعت فى النار فرأيت كذا وكذا (٤) ، فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار (٥).

وفى كتاب السنة له ورسالة الإصطخرى عنه قال :

٧١٧ ـ ... فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٦) ، وبنحو هذا من متشابه القرآن. قيل له : كل شيء مما كتب الله عزوجل عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقهما الله للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا (٧).

__________________

(١) طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٤.

(٢) رواه البخارى ٦ / ٣١٨ ومسلم ٤ / ١٨٦٢ ـ ١٨٦٣ وفيه : «فقلت لمن هذا؟ فقالوا : لعمر».

(٣) انظر : صفة الجنة لأبى نعيم ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٤) روى البخارى ٦ / ٣١٨ ومسلم ٤ / ٢٠٩٦ وأحمد ٤ / ٤٤٣ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اطلعت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت فى النار فرأيت أكثر أهلها النساء».

(٥) رسالة عبدوس (ق : ٦ / ب).

(٦) سورة القصص / ٨٨.

(٧) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص ٤٧ والإصطخرى فى طبقات الحنابلة ١ / ٢٨.

وانظر : ما ذكره فى الرد على الجهمية (ق : ٢٦ / ب ـ ٢٧ أ).

٢٢٥

التعليق :

الأدلة من الكتاب والسنة على أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان كثيرة جدا ففى القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على خلقهما وما أعد الله عزوجل فيهما للفريقين من نعيم مقيم لأهل الجنة ومن عذاب وشقاء لأهل النار.

وإلى هذه الآيات والأحاديث ذهب أهل السنة.

وخالف المعتزلة ومن تبعهم صريح القرآن الكريم والسنة الصحيحة وقالوا : بل ينشئهما الله يوم القيامة.

قال شارح الطحاوية : وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الّذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله ، وأنه ينبغى أن يفعل كذا ولا ينبغى له أن يفعل كذا!! وقاسوه على خلقه فى أفعالهم ، فهم مشبهة فى الأفعال ودخل التجهم فيهم ، فصاروا مع ذلك معطلة! وقالوا : خلق الجنة قبل الجزاء عبث ، لأنها تصير معطلة مددا متطاولة فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التى وضعوها للرب تعالى ـ وحرفوا النصوص عن مواضعها ، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم (١). اه

قال الطحاوى : والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولا تبيدان (٢). اه.

قلت : والقول بأبدية الجنة أجمع عليه أهل السنة وجمهورهم على أن النار أيضا لا تفنى ولا تبيد (٣).

والأدلة على خلود أهل الجنة فى الجنة وخلود أهل النار فى النار كثيرة جدا فى الكتاب والسنة. والله أعلم.

قال شارح الطحاوية : وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة

__________________

(١) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٤٧٦.

(٢) نفس المصدر.

(٣) انظر : مراتب الإجماع لابن حزم ص : ١٧٣.

٢٢٦

وليس له سلف قط لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من أئمة المسلمين ولا من أهل السنة ، وأنكره عليه عامة أهل السنة وكفروه به ، وهذا قاله لأصله الفاسد الّذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث (١).

__________________

(١) شرح العقيدة الطحاوية ص ٤٨٠. وراجع ما بعده إلى ص : ٤٨٨.

٢٢٧

ما أثر عن الإمام أحمد من وجوب الإيمان

بذبح الموت بين الجنة والنار

فى رسالة أحمد بن جعفر الإصطخرى قال :

٧١٨ ـ ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار (١).

التعليق :

روى الإمام أحمد (٢) ـ بسند صحيح ـ عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يؤتى بالموت كبشا أغثر فيوقف بين الجنة والنار فيقال : يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون ويقال : يا أهل النار فيشرئبون وينظرون ويرون أنه قد جاء الفرج فيذبح فيقال : خلود لا موت».

ورواه الترمذي (٣) وابن ماجة (٤) من طرق أخرى عن أبى هريرة بألفاظ متقاربة ، وروى البخارى (٥) ومسلم (٦) عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى مناد. يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا فيقولون : نعم. هذا الموت. وكلهم قد رآه فيذبح ، ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٧).

__________________

(١) طبقات الحنابلة ١ / ٢٨ ومثله فى كتاب السنة لأحمد.

انظر : شذرات البلاتين ص : ٤٧.

(٢) فى المسند ٢ / ٤٢٣.

(٣) فى السنن ٤ / ٦٩١.

(٤) فى السنن ٢ / ١٤٤٧.

(٥) فى الصحيح ٨ / ٤٢٨.

(٦) فى الصحيح ٤ / ٢١٨٨ ـ ٢١٨٩.

(٧) سورة مريم / آية ٣٩.

٢٢٨

ورواه البخارى (١) ومسلم (٢) عن ابن عمر بلفظ مقارب.

وإلى هذا ذهب أهل السنة قالوا : إن الموت يذبح حقيقة فى صورة الكبش.

وذهب أهل الكلام إلى أن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ، وقالوا : «إن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما» (٣). اه

وقد ذكرت سابقا أن السنن الكونية المشاهدة والنظريات المتعارف عليها لا يصح أن نجعلها مقياسا فى كل شيء ، فالواجب الإيمان والتسليم ، فليس فى الأمر إحالة عقلية ، وإن كان فيه إحارة عقلية يعلم منها عظيم قدرة الله عزوجل. والعجب من هؤلاء الذين يردون هذه الأحاديث أو يؤولونها لأنها لا توافق صريح العقول بزعمهم ، وكيف يجوز لعاقل أن يعرض قدرة الله عزوجل على نتاج عقله فالعقل يستخدم ضمن حدود معينة والأمور الغيبية هى فوق العقل وقدراته مهما أوتى من قوة.

__________________

(١) فى الصحيح ١١ / ٤١٥.

(٢) فى الصحيح ٤ / ٢١٨٩.

(٣) انظر : فتح البارى ١١ / ٤٢١.

٢٢٩
٢٣٠

قول الإمام أحمد فى : التوكل والعمل والكسب ص ٢٣٣.

قول الإمام أحمد فى : المسألة ص ٢٤٦.

قول الإمام أحمد فى : الحب فى الله ص ٢٥٠.

قول الإمام أحمد فى : الخوف والرجاء ص ٢٥٢.

ما أثر عن الإمام أحمد فى الخوف من الوقوع فى النفاق : ص ٢٦١.

قول الإمام أحمد فى : الدعاء ص ٢٦٣.

قول الإمام أحمد فى : العزلة ص ٢٦٨.

قول الإمام أحمد فى : بعض مظاهر التصوف :

السياحة ص ٢٧٠.

الجوع ص ٢٧٠.

ترك النكاح ص ٢٧٢.

التغبير ص ٢٧٤.

الاجتماع لسماع القصائد ص ٢٧٦.

الخطرات ص ٢٧٩.

قول الإمام أحمد فى : التعريف بالأمصار ص ٢٨١.

قول الإمام أحمد فى : قراءة القرآن بالألحان ص ٢٨٣.

قول الإمام أحمد فى : الغناء وآلات اللهو ص ٢٩٠.

قول الإمام أحمد فى : النرد والشطرنج ص ٣٠٧.

قول الإمام أحمد فى : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ٣١٥.

ما أثر عن الإمام أحمد فيما يجب اعتقاده فى الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم ص ٣٢٥.

إنكار الإمام أحمد على من قال : إن اليهود والنصارى من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص ٣٢٩.

ما أثر عن الإمام أحمد فى معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخرجوا

٢٣١

المشركين من جزيرة العرب» وقوله عليه الصلاة والسلام : «لا يبقى دينان فى جزيرة العرب» ص ٣٣١.

قول الإمام أحمد فى : أعياد الكفار وخروج المسلمين فيها ص ٣٣٦.

قول الإمام أحمد فى : إظهار أهل الذمة للصليب وإقامة الكنائس والبيع والضرب بالناقوس فى مدائن المسلمين ص ٣٣٩.

قول الإمام أحمد فى : أهل الذمة هل لهم أن يظهروا الخمر فى مدائن المسلمين أو يبيعوه ص ٣٤٨.

٢٣٢

قول الإمام أحمد فى : التوكل والعمل والكسب

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل :

٧١٩ ـ سألت أبى عن قوم يقولون : نتكل على الله ولا نكتسب؟ قال أبى : ينبغى للناس كلهم أن يتوكلوا على الله ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب قال الله تبارك وتعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) (١). فهذا قد علم أنهم يكتسبون ويعلمون ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عال ابنتين أو ثلاثة فله الجنة» (٢) ، يعنى من قال بخلاف هذا فهذا قول إنسان أحمق (٣).

قال أبو بكر الخلال فى كتابه الحث على التجارة والرد على من يدعى التوكل (ق / ١) فى ترك العمل :

٧٢٠ ـ حدثنا أبو بكر المروزي قال : سمعت رجلا يقول لأبى عبد الله ـ رحمه‌الله ـ إنى فى كفاية ، فقال : الزم السوق تصل به الرحم وتعود به.

٧٢١ ـ وأخبرنا أبو بكر قال : قال رجل لأبى عبد الله ـ رحمه‌الله ـ من أصحاب ابن أسلم (٤) : ترى أن أعمل؟ قال : نعم وتصدق بالفضل على قرابتك.

__________________

(١) قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة الجمعة / ٩ ، ١٠.

(٢) روى أحمد ٣ / ٤٢ عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فيتقى الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة».

رواه الترمذي أيضا ٤ / ٣١٨.

وفى الإحسان إلى البنات أو الأخوات وجزاء ذلك. انظر البخارى ٣ / ٢٨٣ ومسلم ٤ / ٢٠٢٧ ـ ٢٠٢٨ والترمذي ٤ / ٣١٨ ـ ٣٢١.

(٣) مسائل عبد الله ص : ٤٤٨.

(٤) لعله محمد بن أسلم. انظر سيرته فى : سير أعلام النبلاء ١٢ / ١٩٥.

٢٣٣

٧٢٢ ـ أخبرنا أبو بكر المروزي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : قد أمرتهم ـ يعنى لولده ـ أن يختلفوا إلى السوق ، وأن يتعرضوا للتجارة. وقال : قد روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه» (١) (٢).

٧٢٣ ـ أخبرنى محمد بن الحسين (٣). أن الفضل بن زياد حدثهم قال : سمعت أبا عبد الله يأمر بالسوق ، ويقول : ما أحسن الاستغناء عن الناس.

٧٢٤ ـ أخبرنى محمد بن موسى قال : سمعت على بن جعفر (٤) قال : مضى أبى (٥) ، إلى أبى عبد الله ـ رحمه‌الله ـ وذهب بى معه فقال له : يا أبا عبد الله ، هذا ابنى فدعا لى وقال لأبى : ألزمه السوق (٦).

٧٢٥ ـ أخبرنا يعقوب بن يوسف أبو بكر المطوعى قال : سمعت أبا بكر بن حماد يقول : سمعت الجصاص (٧) قال : سألت أحمد بن حنبل ـ رحمه‌الله ـ فقلت : أربعة دراهم : درهم من تجارة برة ، ودرهم من صلة الإخوان ودرهم من أجر التعليم ودرهم من غلة بغداد ـ قال : أحبها إلى من تجارة برة ، وأكرهها عندى الّذي من صلة الإخوان ، وأما أجر التعليم فإن احتاج فليأخذه (٨) ، وأما غلة بغداد فأنت تعرفها فليش تسألنى عنها.

٧٢٦ ـ أخبرنى عبد الملك الميمونى قال : قال لى أبو عبد الله ـ رحمه‌الله ـ يوما مبتدئا : يا أبا الحسن استغن عن الناس بجهدك فلم أر مثل الغنى عن الناس. قلت : ولم ابتدأتنى بهذا؟ قال : لأنه إن كان لك شيء تصلحه وتكون

__________________

(١) رواه ابن ماجة ٢ / ٧٢٣ ، والنسائى ٧ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٢) هذه الرواية ذكرها المروزي فى الورع ص : ١٨.

(٣) لم أتمكن من تحديدهم.

(٤) لم أتمكن من تحديدهم.

(٥) لم أتمكن من تحديدهم.

(٦) الحث على التجارة والرد على من يدعى التوكل (ق : ١ / أ).

(٧) هو : موسى بن عيسى قال عنه أبو بكر الخلال : ورع متخل زاهد كانت عنده مسائل كثيرة عن أبى عبد الله. وقال الخطيب : كان من متقدمى أصحاب أحمد. ت / بغداد ١٣ / ٤٢ طبقات الحنابلة ١ / ٣٣٣.

(٨) انظر : ج : ٢ / ٢٤٠ من هذا البحث.

٢٣٤

فيه وتصلحه وتستغنى به عن الناس فإن الغنى من العافية ، فحثنى غير مرة على الإصلاح والاستغناء بإصلاح ما رزقت عن الناس وأقبل يغلظ الحاجة إلى الناس.

٧٢٧ ـ أخبرنى محمد بن موسى قال : سمعت أحمد بن عبد الرحمن الزهرى (١) يقول : قال لى أبو عبد الله ـ رحمه‌الله ـ سنة تسع عشرة حين قدم المعتصم (٢) وأتيته وهو يعمل بيده شيئا يرمه بطين أى هذا ويشير إلى السكان كأنه يعنى يرمه للكرى.

٧٢٨ ـ أخبرنى زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل (٣) ـ رضى الله عنه ـ قال : سمعت أبى قال : كان ربما أخذ القدوم وخرج إلى دار السكان يعمل الشيء بيده.

٧٢٩ ـ أخبرنى أبو بكر المروزي قال : سمعت أبا عبد الله يقول : فليتق الله العبد ولا (ق / ٨) يطعمهم إلا طيبا يعنى العيال. قلت لأبى عبد الله : إن رجلا قال : «لا أكسب حتى تصح النية» وله عيال. قال : إذا كان يجب عليه أن يعفهم فمن النية صيانتهم (٤).

٧٣٠ ـ أخبرنى محمد بن أبى هارون أن إسحاق حدثهم قال : سئل أبو عبد الله عن رجل خلف عيالا وصبية ويخشى أن يضيعوا وقد حج ويريد الخروج إلى الكوفة ولعله يحج من الكوفة. قال أبو عبد الله : لا يخرج ولا يضيعهم قال : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت» (٥).

٧٣١ ـ أخبرنى أحمد بن الحسين بن حسان ويوسف بن موسى (٦) : أن أبا عبد الله سئل عن الحديث : «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت». قال :

__________________

(١) لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر.

(٢) الخليفة المعتصم تقدم ذكر بعض سيرته ج : ١ / ١٩٠.

(٣) سيأتى التعريف به ج : ٢ / ٤٠٣.

(٤) هذه الرواية ذكرها المروزي فى الورع ص : ٢٠.

(٥) رواه أحمد ٢ / ١٦٠ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا.

(٦) نحو هذه الرواية عند ابن هانئ فى المسائل ٢ / ١٨٦ وهو الراوى هنا.

٢٣٥

إذا كان يسعى على عياله كيف يضيّعهم؟ قيل له : فإن أطعمهم حراما يكون ضيعة لهم؟ قال : شديدا.

٧٣٢ ـ أخبرنا أحمد بن الحسين بن حسان أن أبا عبد الله قال له رجل : إنى أحب أن أخرج إلى مكة فتأمرنى بذلك قال له : إن كنت تطيق ، وإلا فلا ، إلا بزاد وراحلة ، لا تخاطر.

٧٣٣ ـ أخبرنى أحمد بن الحسين بن حسان أن أبا عبد الله سئل عن الرجل يدخل المفازة بغير زاد فأنكره إنكارا شديدا ، وقال : أف أف لا لا ـ ومد بها صوته ـ إلا بزاد وراحلة.

٧٣٤ ـ سمعت أبا بكر المروزي يقول : سمعت أبا عبد الله ـ رحمه‌الله ـ يقول : حججت خمس حجج ثنتين منها على قدمى ، وقد كفى بعض الناس إلى مكة أربعة عشر درهما. قلت : من يا أبا عبد الله؟ قال : أنا فمن قدر على هذا فنعم فأما أن يخاطر فيخرج بغير زاد وهو لا يؤمل من نفسه هذا فقد كرهت العلماء ذلك.

وقد أنكر أبو عبد الله على المتكلمين فى ذلك إنكارا شديدا.

٧٣٥ ـ أخبرنى إبراهيم بن الخليل (١) أن أحمد بن نصر أبا حامد (٢) حدثهم أن أبا عبد الله قد سأله رجل : أيخرج إلى مكة متوكلا لا يحمل معه شيئا؟ قال : لا يعجبنى ، فمن أين يأكل قال : يتوكل فيعطيه الناس. قال : فإذا لم يعطوه. أليس يستشرف لهم حتى يعطوه؟ لا يعجبنى هذا (٣). لم يبلغنى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين فعل هذا ، ولكن يعمل ويطلب ويتحرى.

قال أبو بكر المروزي فى هذه المسألة : إن أبا عبد الله جاءه رجل من

__________________

(١) قال ابن حجر فى اللسان ١ / ٥٥ : إبراهيم بن الخليل الفراهيدى. شيعى. ذكره أبو الحسن بن بابويه القمى. اه. لا أدرى هو هذا أم غيره.

(٢) قال أبو بكر الخلال : كان عنده جزء مسائل حسان أغرب فيها. طبقات الحنابلة ١ / ٨٢.

(٣) انظر : ج : ٢ / ٢٣٩ من هذا الحديث.

٢٣٦

أصحاب ابن أسلم فقال : ما تقول فى رجل يريد سفرا أيما أحب إليك يحمل معه زادا أو يتكل؟ قال أبو عبد الله : يحمل زادا ويتوكل.

٧٣٦ ـ أخبرنا محمد بن على السمسار أن محمد بن موسى بن مشيش (١) حدثهم أن أبا عبد الله سأله رجل خراسانى فقال : أحج بلا زاد؟ فقال : لا ، اعمل واحترف واخرج ، النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زود أصحابه ، فقال الخراسانى : فهؤلاء الذين يغزون ويحجون بلا زاد هم على الخطأ فقال : نعم هم على الخطأ.

٧٣٧ ـ وأخبرنى محمد بن أحمد بن جامع الرازى (٢) قال : سمعت أبا معين الحسين بن الحسن الرازى (٣) قال : شهدت أحمد بن حنبل ـ رضى الله عنه ـ جاءه رجل من أهل خراسان فقال له : يا أبا عبد الله معى درهم وأراه قال أحج بهذا الدرهم؟ فقال له أحمد : اذهب إلى باب الكرخ فاشتر بهذا الدرهم منا واحمل على رأسك حتى يصير عندك ثلاثمائة فإذا صار عندك ثلاثمائة فحج. قال : يا أبا عبد الله ما ترى مكاسب الناس. قال أحمد : انظر إلى هذا الخبيث يريد أن يفسد على الناس معايشهم. قال : يا أبا عبد الله أنا متوكل. قال : فتدخل البادية وحدك أو مع الناس. قال : لا ، مع الناس. قال : كذبت لست أنت بمتوكل فادخل وحدك (٤) ، وإلا فأنت متوكل على جرب الناس.

٧٣٨ ـ أخبرنا أبو بكر المروزي قال : قلت لأبى عبد الله : هؤلاء المتوكلة الذين لا يتجرون ولا يعملون يحتجون بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق / ١١) زوج على سورة من القرآن فهل كان معه شيء من الدنيا. قال :

__________________

(١) قال أبو بكر الخلال : كان يستملى لأبى عبد الله وكان من كبار أصحابه روى عن أبى عبد الله مسائل مشبعة جياد وكان جاره وكان يقدمه ويكرمه ويعرف حقه.

ت / بغداد ٣ / ٢٤٠ ، طبقات الحنابلة ١ / ٨٢.

(٢) لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر.

(٣) قال أبو حاتم : ما رأيت من أبى معين إلا خيرا. الجرح والتعديل ٣ / ٥٠.

(٤) وهذا من باب الإنكار عليه وأنه إنما هو متطلع لما فى أيدى الناس مدعيا التوكل ولا يعنى أن أحمد يجيز الدخول فى المفازة ونحوها دون أخذ ما يلزم من الطعام والشراب ونحوه. والروايات عنه فى اتخاذ الأسباب المشروعة كثيرة.

٢٣٧

وما علمهم أنه كان لا يعمل. قال : قلت : يقولون : نقعد وأرزاقنا على الله عزوجل. قال : ذا قول ردىء خبيث ، الله تبارك وتعالى يقول : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) (١) فأيش هذا إلا البيع والشراء.

٧٣٩ ـ أخبرنا المروزي قال : قلت لأبى عبد الله : إن قوما كانوا بمكة فى مسجد فجاءهم رجل فقال : قوموا خذوا هذا اللحم فقالوا : لا أو تذهب فتشويه وتجيء به فقال : أما الساعة فقد أمر بالعمل ، ثم قال : إذا قال لا أعمل فجىء إليه بشيء مما قد عمل واكتسبوه لأى شيء يقبله. قلت : يقول : هذا رزقى. قال : هو يقبل ممن يعمل. كان على بن أبى طالب رضى الله عنه يعمل حتى تدبر يده وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعملون.

٧٤٠ ـ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال : سمعت أبى ـ رحمه‌الله ـ يقول : الاستغناء عن الناس بطلب ـ يعنى العمل ـ أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما فى أيدى الناس.

٧٤١ ـ وأخبرنى محمد بن على حدثنا صالح أنه سأل أباه ـ رحمه‌الله ـ عن التوكل فقال : «التوكل حسن ، ولكن ينبغى للرجل أن لا يكون عيالا على الناس ينبغى أن يعمل حتى يغنى نفسه وعياله» (ق / ١٢) ولا يترك العمل.

٧٤٢ ـ قال : وسئل أبى ـ رحمه‌الله ـ وأنا شاهد عن قوم لا يعملون ويقولون : نحن متوكلون. فقال : هؤلاء مبتدعة (٢).

٧٤٣ ـ وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبى : ترى إن اكتسب رجل قوت يوم أفضل؟ قال : إن اكتسب فضلا فعاد به على قرابته أو داره أو ضيف فهو أحب إلى من أن لا يكتسب وأحب إلى أن يستعف.

٧٤٤ ـ أخبرنا محمد بن جعفر (٣). أن أبا الحارث حدثهم قال :

__________________

(١) سورة الجمعة / ٩.

(٢) الرواية فى مسائل صالح ص : ٧٢.

(٣) لم أتمكن من تحديده.

٢٣٨

سألت أبا عبد الله قلت : الرجل يدع العمل ويجلس ويقول : ما أعرف إلا ظالما أو غاصبا فأنا آخذ من أيديهم ولا أعينهم ولا أقواهم على ظلمهم. قال : ما ينبغى لأحد أن يدع العمل ويقعد ينتظر ما فى أيدى الناس ، أنا أختار العمل ، والعمل أحب إلى ، إذا جلس الرجل ولم يحترف دعته نفسه إلى أن يأخذ ما فى أيدى الناس ، فإذا أعطوه أو منعوه أشغل نفسه بالعمل والاكتساب ترك الطمع قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأن يحمل الرجل حبلا فيحتطب ثم يبيعه فى السوق ويستغنى به خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (١) ، فقد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن العمل خير من المسألة ، وقال الله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) فقوله هذا إذن فى الشراء والبيع ، وأنا أختار للرجل الاضطراب فى طلب الرزق والاستغناء عما فى أيدى الناس ، وهو عندى أفضل. قلت : إن هاهنا قوما يقولون : نحن متوكلون ولا نرى العمل إلا بغير الظلمة والقضاة وذلك أنى لا أعرف إلا ظالما ، فقال أبو عبد الله : ما أحسن الاتكال على الله عزوجل ولكن لا ينبغى لأحد أن يقعد ولا يعمل شيئا حتى يطعمه هذا أو هذا ، ونحن نختار العمل ونطلب الرزق ونستغنى عن المسألة والاستغناء عن الناس بالعمل أحب إلى من المسألة.

٧٤٥ ـ أخبرنا أبو بكر المروزي قال : قيل لأبى عبد الله : أى شيء صدق (ق / ١٣) التوكل على الله عزوجل؟ فقال : أن يتوكل على الله ولا يكن فى قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء وإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكلا.

٧٤٦ ـ حدثنا أبو بكر فى موضع آخر قال : ذكرت لأبى عبد الله ـ رحمه‌الله ـ التوكل فأجازه لمن استعمل فيه الصدق. اه

٧٤٧ ـ وفى رواية يعقوب بن بختان قال : سمعت أحمد وسئل عن التوكل فقال : هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق (٢).

__________________

(١) رواه البخارى ٤ / ٣٠٤ ومسلم ٢ / ٧٢١ وأحمد ١ / ١٧ وابن ماجة ١ / ٥٥٨ من حديث الزبير بن العوام.

(٢) طبقات الحنابلة ١ / ٤١٦.

٢٣٩

٧٤٨ ـ وفى كتاب السنة له ورساله الإصطخرى عنه قال :

ومن حرم المكاسب والتجارة وطلب الرزق من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف ، بل المكاسب من وجهها حلال قد أحلها الله ورسوله والرجل ينبغى له أن يستعين على نفسه وعياله من فضل ربه تبارك وتعالى فإن كان لا يرى الكسب فهو مخالف (١).

٧٤٩ ـ وفى رواية ابن هانئ قال : رأيت أبا عبد الله أعطى ابنه درهما ... وقال : اذهب به إلى المعلم فادفعه إليه (٢).

التعليق :

أصل التوكل الوكول ، يقال : توكل بالأمر إذا ضمن القيام به ، ووكلت أمرى إلى فلان أى ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه ، ووكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجز عن القيام بأمر نفسه (٣).

هذا هو التعريف اللغوى للتوكل. أما المعنى الشرعى للتوكل فهو : اعتماد القلب على الله وحده ، مع الأخذ بالأسباب المأمور بها واعتقاد أنها لا تجلب بذاتها نفعا ولا تدفع ضرا ، بل السبب والمسبب فعل الله والكل بمشيئته.

وقد أمر الله عزوجل بالتوكل وأوجبه وأثنى على المتوكلين عليه وحده المكتفين به دون سواه فقال جل من قائل : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (٤) ، وقال تبارك وتعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٥) ، وقال جل شأنه : (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (٦) ، وقال

__________________

(١) انظر : السنة ضمن شذرات البلاتين ص ٥٠ والإصطخرى فى طبقات الحنابلة ١ / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) مسائل ابن هانئ ٢ / ٣١.

(٣) النهاية ٥ / ٢٢١.

(٤) سورة آل عمران / ١٥٩.

(٥) سورة إبراهيم / ١٢.

(٦) سورة يونس / ٨٥.

٢٤٠