دراسات في الأصول - ج ٢

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-93-4
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٢٣

عقد نكاح العبد من الغير تصرّف في مال المولى ويحتاج إلى إذنه ، كذلك إجراء عقد النكاح لنفسه يحتاج إلى الإذن.

الثالثة : أنّه لا شكّ في تحقّق معصية الله تعالى بعد تحقّق معصية المولى ، إلّا أنّ معصية الله تعالى قد تتحقّق بواسطة معصية السيّد ومن طريقها ، وقد تتحقّق بدون وساطتها ، مثل تحقّق الزنا من العبد.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ المراد من قوله عليه‌السلام : «إنّه لم يعص الله تعالى» أنّه لم يعص الله تعالى مباشرة وبدون الواسطة ، بل عصى سيّده وتحقّق عصيان الله بعده ، فيكون تلفّظ العبد بلفظ قبلت تصرّفا في ملك المولى بدون إذنه وعصيانا له ، وعصيان الله تعالى مع الواسطة ، وهذا لا يكون مؤثّرا في بطلان النكاح ، بل هو في اختيار سيّده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما ، ومعناه أنّه إذا كان هناك عصيان الله تعالى بلا واسطة ، فالرواية تدلّ على الملازمة الشرعيّة بين الحرمة والفساد ، ومعلوم أنّ كلّ معصية تتحقّق في المعاملة في غير العبد تكون معصية لله تعالى بلا واسطة.

وقال صاحب الكفاية قدس‌سره (١) : إنّ المعصية في الجملتين الموجبة والسالبة ليس بمعنى مخالفة الحكم التحريمي ، بل الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفيّة في الرواية أنّ النكاح ليس ممّا لم يمضه الله ولم يشرّعه كي يقع فاسدا كالتزويج في العدّة ، بل كان ممّا أمضاه وأذن به ، والمراد بالمعصية المثبتة فيها أنّه ارتكب عملا لم يأذن به المولى ، ومعناه أنّه إن لم يكن للنكاح مشروعيّة من ناحية الشارع كان النكاح فاسدا ، وإن كان له مشروعيّة كما كان كذلك فلا وجه لبطلانه ، ولا حرمة في البين حتّى تتحقّق الملازمة الشرعيّة بين الحرمة

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٢٩٩.

٣٨١

والفساد ، والمقصود من الرواية أنّ النكاح إذا نسب إلى الله تعالى فقد أمضاه وأذن بارتكابه ، وإذا نسب إلى المولى فهو لم يأذن بارتكابه ، حيث عبّر عنه في الرواية بمعصية السيّد.

ولكن لا بدّ من البحث في مقامين : أحدهما : في معنى الرواية ، والآخر في النتيجة التي تستفاد منها.

فأمّا معنى الرواية فنقول : لا يصحّ ما استفاده الشيخ قدس‌سره ولا ما استفاده صاحب الكفاية قدس‌سره ، وأمّا في النتيجة فلا بدّ من اختيار نظر أحدهما.

توضيح ذلك : أنّ محطّ نظر السائل في سؤاله الإمام الباقر عليه‌السلام لا يكون إيجاد السبب ، وأنّ تلفّظ العبد بكلمة «قبلت» تصرّف في مال الغير بدون إذنه وحرام ، بل إبهامه ومحطّ نظره هنا أنّ النكاح والزواج مستلزم لصرف الوقت ومصاريف كثيرة ـ بعد عدم دلالة الرواية على كون مجري العقد هو نفس العبد ـ وهذا مساعد لفهم العرف.

كما أنّ استعمال كلمة «العصيان» بالنسبة إلى الحكم الوضعي غير متعارف مثل إطلاق لفظ العصيان على نفس البيع الغرري قبل التصرّف في الثمن. وتعليله بأنّه لم يمضه الله ، بل يستعمل لفظ العصيان بالنسبة إلى مخالفة الحكم التكليفي المولوي ، فيكون معنى الرواية مع حفظ محطّ نظر السائل واستعمال لفظ العصيان في مورده : أنّ بعد سؤال زرارة عن صحّة تزويج العبد بدون إذن مولاه وبطلانه ، قال الإمام عليه‌السلام : «ذلك إلى سيّده» ، نظير العقد الفضولي إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما ، مثل : ردّ البيع الفضولي من المالك.

وبعد قول زرارة بأنّ العامّة قائلون ببطلان أصل النكاح ، قال الإمام عليه‌السلام بعدم صحّة هذه الفتوى ، وأنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده ، يعني يكون لزواج

٣٨٢

العبد بدون إذن المولى عنوانان :

أحدهما : عنوان معصية المولى لعدم استئذانه ، وإن لم يصدر النهي عنه ولكن عدم الاستئذان يوجب تحقّق عنوان المعصية ، ومعلوم أنّ معصية المولى للعبد حرام بالحرمة الشرعيّة ويترتّب عليها استحقاق العقوبة.

وثانيهما : أنّه إذا نسب إلى الله تعالى ينطبق عليه عنوان عدم المعصية ، فإنّه لم يرتكب عملا محرّما في الشريعة ، فيصحّ تعليل الإمام عليه‌السلام بأنّه لم يعص الله ، وهذا نظير اجتماع العنوانين في الصلاة في الدار المغصوبة.

ويؤيّده ما رواه زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوّج عبده امرأة بغير إذنه فدخل بها ، ثمّ اطّلع على ذلك مولاه ، قال : «ذاك لمولاه ، إن شاء فرّق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ...» ، فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص لله إنّما عصى سيّده ولم يعص الله ، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه» (١).

وهكذا ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه ، أعاص لله؟ قال : «عاص لمولاه» ، قلت : حرام هو؟ قال : «ما أزعم أنّه حرام ، وقل له أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه» (٢).

والمستفاد منهما أنّ عدم عصيان الله يكون لتحقّق الزواج غير المحرّم به ، وعصيان السيّد يكون لعدم استئذانه.

وأمّا من حيث النتيجة فالحقّ مع الشيخ الأنصاري قدس‌سره بأنّ نكاح العبد إن

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ١١٥ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والاماء ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ٢١ : ١١٣ ، الباب ٢٣ من أبواب نكاح العبيد والاماء ، الحديث ٢.

٣٨٣

كان محرّما شرعا يكون فاسدا ، ولذا لا نحتاج لفساد النكاح في العدّة إلى الدليل بعد تحقّق الدليل على حرمته ومعلوم أنّ الروايات لا تختصّ بالنكاح فقط ، بل تعمّ جميع أبواب المعاملات بإلغاء خصوصيّة النكاح ، وعدم القول بالفصل بينه وبين سائر المعاملات.

تذنيب :

ذكرنا قول أبي حنيفة والشيباني بدلالة النهي على الصحّة ، وظاهر كلامهما عامّ يشمل العبادات والمعاملات معا ، ووافقهما في ذلك فخر المحقّقين ، وخالفهما المحقّق الأصفهاني قدس‌سره ولكنّه في مقام بيان أقسام تعلّق النهي في المعاملة لم يتعرّض لتعلّق النهي بالتسبّب وتعرّض لبقيّة الأقسام ، وقد عرفت مخالفتنا لهما فيما إذا تعلّق النهي بالسبب ، مثل حرمة التكلّم ب «بعت» و «اشتريت» في حال الصلاة ، وأنّ النهي عنه لا يدلّ على الصحّة ولا على الفساد ، وهكذا فيما إذا تعلّق النهي بأثر المعاملة ، مثل حرمة ثمن العذرة ، فإنّ النهي عنه يدلّ على فساد المعاملة ؛ إذ لا يمكن أن يكون البيع صحيحا مع حرمة جميع التصرّفات في الثمن.

وقد عرفت أيضا موافقتنا لهما في موردين : أي تعلّق النهي بالتسبّب ، وتعلّقه بالمسبّب ، فلا بدّ لنا من البحث مع المحقّق الأصفهاني قدس‌سره فيما إذا تعلّق النهي بالمسبّب.

وحاصل كلامه قدس‌سره (١) : أنّ النهي عن المعاملة يكشف عن صحّتها بشرط تحقّق أمرين : أحدهما : وجود المنهي عنه بعنوان الموصوف وصحّته بعنوان الوصف ، وثانيهما : أن يكون الوصف ملازما للموصوف ، وليس هنا كذلك ؛ إذ

__________________

(١) نهاية الدراية : ٤٠٧.

٣٨٤

المسبّب المنهي عنه في باب البيع عبارة عن التمليك ، ومعناه إيجاد الملكيّة ، فالموصوف المتعلّق للنهي هو التمليك الذي يكون بمعنى إيجاد الملكيّة ، والصفة عبارة عن الصحّة التي تكون بمعنى وجود الملكيّة ، ومعلوم أنّه لا فرق بين الوجود والإيجاد إلّا بالاعتبار ، فلا يتحقّق أمران متغايران متلازمان ، ولذا لا يدلّ النهي عن المسبّب على صحّة المعاملة.

ولكنّه ليس بتام ؛ إذ النزاع مع أبي حنيفة والشيباني نزاع معنوي لا لفظي حتّى نحتاج إلى جعل الوصف والموصوف أمرين متغايرين ، فإنّ اتّصاف المعاملة بالصحّة في مورد ، وبالفساد في مورد آخر لا يكون قابلا للإنكار ، فإذا تعلّق النهي بإيجاد الملكيّة فمعناه مقدوريّته لنا ، والمقدوريّة دليل على صحّة المعاملة ، وإلّا يكون النهي لغوا ، فإذا نهانا الشارع عن تمليك العبد المسلم من الكافر معناه المقدوريّة الحاكية عن صحّة المعاملة ، فالحقّ في هذه المسألة معهما كما قال به صاحب الكفاية قدس‌سره.

وأمّا كلامهما في باب العبادات فمبتن على القول بالصحّة في بحث الصحيح والأعمّ ؛ إذ النهي إذا تعلّق بالصلاة فلا بدّ من دلالته على الصحّة بلحاظ وضع لفظها للصلاة الصحيحة ، بخلاف القول بالأعمّ فإنّ تعلّق النهي بالصلاة بعد كون المنهي عنه أعمّ من الصحيح والفاسد لا يدلّ على صحّته لكونه مقدورا لنا.

ولكنّ التحقيق : أنّ الصحيحي إمّا أن يقول بوضع لفظ الصلاة للصحيح المطلق المشتمل على قصد القربة بمعنى داعي الأمر الملازم لوجود الأمر ، فلا يعقل أن تكون الصلاة المأمور بها منهيّا عنها أيضا ، وإمّا أن يقول بوضعه للصحيح الجامع للأجزاء والشرائط بدون قصد القربة ، وأنّه لا دخل له في المسمّى ، فعلى هذا لا دلالة لتعلّق النهي بها على الصحّة ، فلا يصحّ كلامهما في العبادات أصلا. هذا تمام الكلام في باب النواهي.

٣٨٥
٣٨٦

المقصد الثالث

في المفاهيم

٣٨٧
٣٨٨

المفاهيم

ولا بدّ لنا قبل الخوض في أصل البحث من بيان معنى المفهوم ، وما هو المراد منه في المقام ، ومعلوم أنّ المفهوم بمعنى مدلول اللفظ أو ما يفهم منه ـ أي المفهوم بمعناه اللغوي أو العرفي ـ خارجان عن محلّ الكلام ، فيكون البحث في المفهوم المقابل للمنطوق ، ولا بدّ من تحقّق قضيّة شرطيّة أو وصفيّة أو مشتملة على الغاية لجريان هذا البحث.

ويستفاد نوع من التناقض والتهافت بين صدر وذيل كلام صاحب الكفاية قدس‌سره ووسط كلامه ، ولكن لا بدّ قبل ذكر كلامه من التوجّه إلى أمر ، وهو : أنّ من البديهي أنّه يتحقّق الفرق بين قولنا : «صلاة الجمعة واجبة» ، وقولنا : «وجوب صلاة الجمعة» ؛ إذ الأوّل قضيّة بلحاظ الاشتمال على المبتدأ والخبر ، بخلاف الثاني فإنّه ليس ممّا يصحّ السكوت عليه ، وهكذا قولنا : «إن جاءك زيد فأكرمه» قضيّة شرطيّة لها شرط وجزاء ، ويصحّ السكوت عليها ، ومفهومها أيضا قضيّة وجملة ، إلّا أنّها تكون سالبة.

وكما أنّ المنطوقيّة صفة للقضيّة لا للحكم ، كذلك المفهوميّة صفة لها ، فهنا قضيّتان: إحداهما منطوقيّة والاخرى مفهوميّة.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) قال في أواسط كلامه : إنّ مفهوم «إن جاءك زيد

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.

٣٨٩

فأكرمه» ـ مثلا لو قيل به ـ قضيّة شرطيّة سالبة بشرطها وجزائها.

وقال في صدر كلامه : إنّ المفهوم كما يظهر من موارد إطلاقه : هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصيّة المعنى الذي اريد من اللفظ بتلك الخصوصيّة.

وقال في ذيل كلامه : فصحّ أن يقال : إنّ المفهوم إنّما هو حكم غير مذكور ، لا أنّه حكم لغير مذكور ، كما فسّر به.

والحال أنّ الاثنين باطلان ؛ إذ الحكم مفرد وليس بجملة ، والمفهوم كالمنطوق قضيّة مشتملة على الحكم الإنشائي أو الإخباري ، فلا يصحّ القول بأنّ المفهوم حكم ، كما أنّه لا يصحّ القول بأنّ صلاة الجمعة واجبة حكم ، بل هي قضيّة مشتملة على الحكم.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدس‌سره ذكر أمرين قبل الورود في البحث ، ولا بدّ من ملاحظتهما :

الأوّل : أنّ المفهوم من صفات المدلول أو الدلالة وإن كان بصفات المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلّق.

توضيح ذلك : أنّه وقع الاختلاف بين القدماء والمتأخّرين من القائلين بثبوت المفهوم في طريق إثباته ، أمّا القدماء منهم فقالوا : إنّ المولى في مقام جعل التكليف للمكلّف وإنشاء الحكم بدون الغفلة والإجبار ، فإذا قال : «إن جاءك زيد فأكرمه» ـ مثلا ـ يستفاد العقل أنّ للمجيء مدخليّة في وجوب الإكرام ، بحيث إن لم يتحقّق المجيء لم يتحقّق وجوب الإكرام.

وأمّا المتأخّرون منهم فقالوا : إنّ الواضع وضع كلمة «إن» وسائر أدوات الشرط للدلالة على العلّيّة المنحصرة ، واستفادها بعضهم من طريق الإطلاق ،

٣٩٠

فيكون معنى الجملة المذكورة : أنّ العلّة المنحصرة لوجوب إكرام زيد مجيئه ، ومفهومها قضيّة شرطيّة سالبة.

أمّا على مبنى القدماء فلا يرتبط المفهوم بالدلالة والمدلول حتّى يكون وصفا لأحدهما ، بل هو حكم عقليّ ، ومنشؤه الخصوصيّات الموجودة في الآمر.

وأمّا على مبنى المتأخّرين ـ سيّما على القول بالوضع ـ فالمفهوم عبارة عن المدلول الالتزامي للقضيّة المنطوقيّة ، وعلى هذا يصحّ أن يكون عنوان المفهوم صفة للمدلول أو صفة للدلالة أو صفة للدالّ ، كما أنّ عنوان المطابقة والتضمّن والالتزام أيضا يكون كذلك ، فكما أنّه يصحّ القول بأنّ لفظ الإنسان يدلّ بالمطابقة على الحيوان الناطق وهكذا دلالة الإنسان على الحيوان الناطق دلالة مطابقيّة ، وهكذا الحيوان الناطق مدلول مطابقيّ للإنسان ، كذلك في المدلول الالتزامي المفهومي يصحّ القول بأنّه : «إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه» مدلول التزامي ، و «إن جاءك زيد فأكرمه» دلالته على المفهوم دلالة التزاميّة ، وهكذا «إن جاءك زيد فأكرمه» تدلّ بالالتزام على أنّه إذا لم يتحقّق مجيء زيد فلا يجب إكرامه ، فلا فرق بين المدلولات الالتزاميّة المفردة والمدلولات الالتزاميّة المفهوميّة من هذه الجهة.

الأمر الثاني : أنّ النزاع في بحث المفاهيم نزاع صغروي أو نزاع كبروي؟ وهو أنّه : هل يكون قضيّة منطوقيّة مستتبعة لقضيّة مفهوميّة أم لا؟

يستفاد من كلام صاحب الكفاية قدس‌سره أنّه نزاع صغروي ، ولكنّه أيضا يحتاج إلى توضيح ، بأنّ الصغرويّة على مبنى المتأخّرين لا إشكال فيه ؛ إذ النزاع عندهم يرجع إلى أنّه هل يتحقّق المدلول الالتزامي للقضيّة الشرطيّة لدلالة

٣٩١

أداة الشرط بالوضع أو بالإطلاق على العلّيّة المنحصرة أم لا؟ وليس النزاع بينهم في الحجّيّة وعدم حجّيّة المدلول الالتزامي.

وأمّا على مبنى المتقدّمين فيرجع إلى حدّ مدخليّة الشرط في الجزاء بعد اتّفاق المثبتين والمنكرين في أصل المدخليّة ، ولكنّ المثبتين يدّعون المدخليّة الكاملة بنحو العلّيّة المنحصرة ، والمنكرون يدّعون أنّه من الممكن أن ينوب مقام الشرط شرط آخر وقام مقامه.

فحاصل النزاع : أنّه هل تكون المدخليّة إلى مرتبة العلّيّة المنحصرة حتّى تكون القضيّة الشرطيّة مفهوما ، أم لا يكون إلى هذه المرتبة حتّى لا يكون لها مفهوما ، فيكون النزاع على هذا المبنى أيضا صغرويّا.

إذا فرغنا من المقدّمات فلنشرع في أصل البحث ونقول : إنّ النزاع يجري في القضيّة الشرطيّة ، سواء كان جزاؤها حكما شرعيّا أو إنشائيّا ، مثل : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، وسواء كان حكما شرعيّا تكليفيّا أو وضعيّا ، مثل : «الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء» ، أو كان بصورة جملة خبريّة ، مثل : «إن جئتني جئتك» ، واختلف العلماء في أنّه هل يتحقّق للقضيّة الشرطيّة مفهوم أم لا؟ وبعبارة اخرى : هل يتحقّق بتبع القضيّة المنطوقيّة قضيّة مفهوميّة اخرى أم لا؟ واستفاد القائلون بثبوت المفهوم لها من طريقين : أحدهما طريق المتقدّمين منهم ، والآخر طريق المتأخّرين منهم ، والطريق الأوّل إن كان سالما من المناقشة يجري في جميع القضايا لا يختصّ بالقضيّة الشرطيّة فقط ، بخلاف الطريق الثاني.

أمّا طريق المتقدّمين فهو : أنّ المولى العاقل المختار إذا قال : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، فهو عمل صادر من المولى المريد ، ولا محالة تتحقّق فيه مبادئ

٣٩٢

الإرادة من التصوّر والتصديق بفائدة ، ولازم ذلك صدوره عن توجّه والتفات للإيصال إلى غرض ، والغرض هنا بعد ملاحظة غرض وضع الألفاظ ـ أي سهولة التفهيم والتفهّم ـ هو بيان المراد وإبراز ما في الضمير ، والأغراض الاحتماليّة الاخرى ـ مثل : امتحان التكلّم والقراءة ونحو ذلك ـ لا يكون قابلا للاعتناء لدى العقلاء ، فيكون غرضه صدور الحكم للمكلّف.

وإذا لاحظنا الخصوصيّات المذكورة في المولى لا يكون قابلا للالتزام لأن يكون قيد المجيء في كلامه لغوا ، مع أنّه يمكنه القول بأكرم زيدا بدون أيّ تعليق واشتراط ، ومع أنّه يمكن له ضميمة قيود اخرى إلى قيد المجيء ، فيستفاد من اكتفائه بهذا القيد أنّ له بوحدته مدخليّة في وجوب الإكرام ، ومعناه أنّ مع انتفاء المجيء ينتفي وجوب الإكرام ، ويجري هذا الكلام بعينه في القضيّة الوصفيّة ، مثل : «أكرم زيد الجائي» وسائر القضايا.

والتحقيق : أنّه لا يثبت بهذا الطريق المفهوم الذي يكون محلّ البحث بعد ملاحظة أمرين :

الأوّل : ما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره (١) في تنبيهات بحث المفاهيم ، وهو أنّا نعبّر عن المفهوم بالانتفاء عند الانتفاء ، يعني انتفاء وجوب الإكرام عند انتفاء مجيء زيد ، ومن البديهي أنّ المراد من انتفاء الوجوب في المفهوم ليس شخص الحكم المجعول من قبل المولى ، فإنّه ينتفي لا محالة بانتفاء قيد من قيود الموضوع ، ولا بحث فيه بل البحث في المفهوم يكون في انتفاء سنخ هذا الحكم ومماثله ، كما أنّا نثبت في مفهوم الموافقة مثل الحكم المذكور في المنطوق لا شخصه ، فإنّ الموضوع في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٠١.

٣٩٣

أُفٍ)(١) ، هو قول أف ، ويستفاد بالأولويّة مثل هذا النهي بالنسبة إلى ضربهما وشتمهما وجرحهما ، وهكذا في مفهوم المخالفة يدّعي القائل بالمفهوم انتفاء سنخ الحكم المذكور في المنطوق عند انتفاء الشرط ، فالبحث في المفهوم يرجع إلى أنّه هل يتحقّق مع انتفاء الشرط وجوب أصلا أم لا؟

الأمر الثاني : أنّه سلّمنا صحّة بيان المتقدّمين وأنّه تامّ بجميع مقدّماته وأنّ لمجيء زيد يكون تمام المدخليّة في حكم المولى ، إلّا أنّ دخالته نفيا وإثباتا يدور مدار شخص حكم المولى وما صدر عنه بهيئة «افعل» ، أو بالجملة الاسميّة ، مثل : «إن جاءك زيد فالواجب هو إكرامه» ، أو بالجملة الفعليّة ، مثل : «إن جاءك زيد يجب عليك إكرامه» ، وبعد إثبات أنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ هذا الحكم المجعول من قبل المولى يكون الدليل أجنبيّا عن المدّعى ، ويشهد على ذلك عدم التهافت والتناقض بين قول المولى : «إن جاءك زيد فأكرمه» وبين قوله في الغد : «إن سلّم عليك زيد فأكرمه» ، فإنّهما حكمان ، والدخيل في الحكم الأوّل هو المجيء ، وفي الحكم الثاني هو السلام ، فلا يمكن إثبات المفهوم بهذا الطريق.

وأمّا طريق المتأخّرين لإثبات المفهوم في القضيّة الشرطيّة فيتحقّق فيه عنوان ، حيث ذكروا لإثباته طرق مختلفة ، وهو أنّ الارتباط بين الشرط والجزاء في القضيّة الشرطيّة يكون بنحو العلّيّة المنحصرة ، ومعنى قوله : «إن جاءك زيد فأكرمه» أنّ العلّة المنحصرة لوجوب إكرام زيد هو مجيؤه ، وانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة المنحصرة أمر لا يحتاج إلى البيان ، وهو معنى المفهوم.

وإنّما الكلام في منشأ هذه العلّة المنحصرة ومنشأ الدلالة عليها ، احتمالات :

__________________

(١) الاسراء : ٢٣.

٣٩٤

الأوّل : أن يكون منشؤها وضع الواضع بأنّه في مقام الوضع وضع كلمة «إن» و «إذا» ، وسائر أدوات الشرط للعلّة المنحصرة ، وطريق استكشاف هذا المعنى هو تبادر العلّة المنحصرة منها ، فيستفاد من التبادر أنّ الموضوع له أدوات الشرط هو العلّة المنحصرة.

ولكنّ التحقيق أنّه يعتبر في العلّة المنحصرة ستّة خصوصيّات :

الخصوصيّة الاولى : أن يتحقّق بين العلّة والمعلول ارتباطا.

الخصوصيّة الثانية : أن يكون الارتباط بينهما بنحو اللزوم لا بنحو المقارنة.

الخصوصيّة الثالثة : أن يكون الارتباط اللزومي بينهما بنحو الترتّب والطوليّة لا من قبيل الارتباط بين الأربعة والزوجيّة.

الخصوصيّة الرابعة : أن يكون الترتّب والطوليّة من العلّة ، أي كان التقدّم والسبقة للعلّة وترتّب المعلول عليها.

الخصوصيّة الخامسة : أن تتّصف العلّة بالتماميّة قبل اتّصافها بالانحصار ، فلا بدّ أن تكون العلّة تامّة ومستقلّة حتّى تتّصف بالمنحصرة.

الخصوصيّة السادسة : أن لا تكون العلّة متعدّدة.

إذا عرفت هذا فنرجع إلى موارد استعمال الجمل الشرطيّة حتّى نلاحظ أنّ ادّعاء تبادر العلّة المنحصرة من أداة الشرط صحيح أم لا؟ ونرى في موارد متعدّدة استعمال الجمل الشرطيّة مع أنّ الشرط لا يكون علّة منحصرة للجزاء ، مثل : «إذا طلعت الشمس فالحرارة موجودة» ، وهكذا جملة : «إذا تحقّقت النار فالحرارة موجودة» ؛ إذ العلّة مع كونها تامّة ليست بعلّة منحصرة للمعلول والجزاء فيهما.

وهكذا في العلّة الناقصة ، مثل : «إذا تحقّقت النار فالإحراق موجود» ،

٣٩٥

مع أنّها قضيّة شرطيّة حقيقيّة ، ولا مجازيّة في البين.

وهكذا في مثل : «إذا تحقّقت الأربعة تحقّقت الزوجيّة» ، مع أنّه استعمال حقيقي لا تتحقّق العلّية بين الشرط والجزاء.

وهكذا في مثل : «إذا جاء رئيس الجمهوريّة في بلدة قم المقدّسة فسيكون معه المحافظ» ، فاللازم في القضيّة الشرطيّة أن يكون بين الشرط والجزاء نوع من الارتباط ، ولا يعتبر فيها شيء من الخصوصيّات المذكورة سوى ذلك ، فكيف يكون الارتباط بينهما فيها بنحو العلّية المنحصرة؟!

الاحتمال الثاني : أن يكون منشؤها الانصراف ؛ بأنّ أدوات الشرط وضعت لمطلق الارتباط ، إلّا أنّ القضيّة الشرطيّة إذا اطلقت ولم تكن قرينة لتعيين نوع الارتباط عند الإطلاق ينصرف إلى أعلى مراتب الارتباط وأكمل مصاديقه ، وهو ما يعبّر عنه بالعلّة المنحصرة.

وجوابه : أنّ الانصراف ينشأ من كثرة الاستعمال ، ولا دخل للشرافة والكمال والقوّة فيه ؛ إذ معناه انس الذهن الذي يتحقّق بواسطة كثرة الاستعمال ، ولا شكّ في أنّ استعمال القضايا الشرطيّة كثير ما يكون في غير العلّة المنحصرة ، فلا يصحّ هذا الطريق أيضا ، وأضاف صاحب الكفاية قدس‌سره (١) إلى ذلك أنّه ليس اللزوم بين العلّة والمعلول إذا كانت منحصرة أكمل ممّا إذا لم تكن العلّة بمنحصرة ، فإنّ الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاصّ الذي لا بدّ منه في تأثير العلّة في معلولها آكد وأقوى.

الاحتمال الثالث : أن يكون منشأ العلّة المنحصرة الإطلاق بمقدّمات الحكمة ؛ بأنّ المولى حين استعمال أدوات الشرط كان في مقام بيان نوع

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٠٣.

٣٩٦

الارتباط ، وعدم بيانه مع عدم وجود القرينة في كلامه ، وعدم القدر المتيقّن في مقام التخاطب يقتضي حمل كلامه على أكمل مراتب الارتباط ـ أي العلّة المنحصرة ـ إذ لا يحتاج بيانه إلى مئونة زائدة ، فيستفاد المفهوم حينئذ من الإطلاق ، كما يستفاد من إطلاق صيغة الأمر الوجوب النفسي ؛ لأنّ الوجوب الغيري يحتاج إلى مئونة زائدة ، مثل أن يقول : الوضوء واجب إذا كانت الصلاة واجبة.

وكان صاحب الكفاية قدس‌سره (١) حين الجواب عنه بصدد بيان الفرق بين الموردين ، بعد قبوله هذا الكلام في الواجب النفسي والغيري ، فإنّ النفسي هو الواجب على كلّ حال ، بخلاف الغيري فإنّه واجب على تقدير دون تقدير ، فيحتاج بيانه إلى مئونة التقييد بما إذا وجب الغير ، فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدّمات الحكمة محمولا عليه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتّب بنحو الترتّب على العلّة المنحصرة ؛ ضرورة أنّ كلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتّب محتاج في تعيّنه إلى القرينة مثل الآخر بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى.

ولكنّ التحقيق في الجواب : أنّ هذا الكلام باطل في المقيس عليه أيضا ، فإنّ كلّ واحد من النفسيّة والغيريّة قسم من أقسام الواجب ، ولهما مقسم مشترك ، ولا يمكن أن يكون أحد القسمين عين المقسم ، بل لا بدّ من كون القسم عبارة عن المقسم مع خصوصيّة زائدة ، وإلّا لا يصحّ التقسيم ، وهكذا نقول فيما نحن فيه بأنّ بعد قبول وضع أدوات الشرط لمطلق الارتباط لا يمكن حملها على قسم خاصّ منه كالعلّة المنحصرة ، فإنّها ارتباط مع خصوصيّة زائدة لا عينه ، فهذا الطريق أيضا باطل.

__________________

(١) المصدر السابق : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

٣٩٧

الاحتمال الرابع : أن يتمسّك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط بأنّا نعلم خارجا أنّ الشيء لو كانت علله متعدّدة مستقلّة تامّة يكون المؤثّر في وجود المعلول حينئذ هو الجامع بينها مع فرض المقارنة بينها ، وأمّا مع سبق إحداها فيستند الأثر إليها ويلغو العلّة الاخرى ، وإن كانت العلّة منحصرة يصحّ القول بأنّه كلّما وجدت العلّة المنحصرة وجد المعلول ، وإلّا فلا ، ففي مثل : «إن جاءك زيد فأكرمه» إن لم يكن شرط الإكرام منحصرا في المجيء كان على المولى بيانه بعد فرض كونه في مقام البيان وتماميّة سائر مقدّمات الحكمة ، فإطلاق الشرط ـ أعني المجيء ـ من حيث الحالات يقتضي أن يكون في حال انفراده وانحصاره مؤثّرا ، سواء كان قبله أو بعده أو معه شيء آخر أم لا ، ونعبّر عنه بالعلّة المنحصرة.

وأجاب عنه صاحب الكفاية قدس‌سره (١) بمنع الصغرى ، وقال : إنّه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاق الشرط كذلك ، إلّا أنّه من المعلوم ندرة تحقّقه لو لم نقل بعدم اتّفاقه.

ولكنّ الحقّ في الجواب منع الكبرى ؛ فإنّ هذا الطريق يرجع في الحقيقة إلى طريق المتقدّمين.

والجواب عنه : أنّ بهذا الإطلاق يصحّ إثبات العلّية المنحصرة ، إلّا أنّه لا يمكن به إثبات المفهوم الذي يكون محلّ الاختلاف ، فإنّ غاية ما يستفاد من إطلاق الشرط أنّ المجيء علّة منحصرة لتحقّق شخص الحكم المجعول من قبل المولى ، ومعلوم أنّ بانتفاء الشرط ينتفي شخص هذا الحكم ، ولكنّه ليس بمفهوم ؛ إذ المفهوم انتفاء سنخ هذا الحكم ، كما سيأتي توضيحه

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٠٥.

٣٩٨

إن شاء الله تعالى.

الاحتمال الخامس : أن يتمسّك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط بنحو آخر ، بأنّ المولى إذا قال : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، وكان أمر المجيء مردّدا بين كونه علّة منحصرة لوجوب الإكرام أو غير منحصرة يكون مقتضى الإطلاق وتماميّة مقدّمات الحكمة أنّه علّة منحصرة ؛ إذ العلّة الغير المنحصرة تحتاج إلى مئونة زائدة وبيان زائد ، مثل : «إن جاءك زيد أو سلّم عليك فأكرمه» ، وعدم بيان زائد من قبل المولى يهدينا إلى حمل الشرط على العلّة المنحصرة.

كما أنّ إطلاق صيغة الأمر إذا كان الوجوب مردّدا بين التعييني والتخييري يقتضي كونه تعيينا ، فإنّ الوجوب التخييري محتاج إلى بيان زائد على أصل الوجوب ، كأن يقول في مقام بيان كفّارة الإفطار في شهر رمضان : «صم ستّين يوما أو أطعم ستّين مسكينا» ، وعليه يكون مقتضى الإطلاق فيما نحن فيه كون العلّة منحصرة.

وجوابه : ـ بعد إنكار الكلام في المقيس عليه ـ أمر بيّن ؛ إذ الوجوب التعييني قسم من مطلق الوجوب ، كما أنّ الوجوب التخييري عبارة عن المقسم مع خصوصيّة زائدة ، كذلك الوجوب التعييني عبارة عن المقسم مع خصوصيّة زائدة ، فلا يعقل أن يكون المقسم عين القسم.

ولكنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) بلحاظ قبول المسألة في المقيس عليه كان في صدد بيان الفرق بين ما نحن فيه والمقيس عليه ، وقال : إنّ التعيّن ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه فيما إذا كان متعدّدا ـ أي لا فرق بين العلّة المنحصرة وغير المنحصرة من حيث الماهيّة ـ كما كان في الوجوب كذلك ، وكان الوجوب

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٠٧.

٣٩٩

في كلّ منهما متعلّقا بالواجب بنحو آخر ، فلا بدّ في التخييري منهما من العدل دون التعييني ، وهذا بخلاف الشرط فإنّه ـ واحدا كان أو متعدّدا ـ نحوه واحد ، ودخله في المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتا.

وبعبارة اخرى : أنّ مجيء زيد يكون مؤثّرا وعلّة تامّة لوجوب الإكرام ، قد يعبّر عنه بالعلّة الغير المنحصرة بلحاظ عدم تأثير شيء آخر في تحقّق الجزاء ، وقد يعبّر عنه بالعلّة الغير المنحصرة بلحاظ تأثير شيء آخر أيضا فيه ، وقد مرّ أنّه لا فرق بين العلّة المنحصرة وغير المنحصرة من حيث القوّة والضعف ، ولا يكون الارتباط في العلّة المنحصرة أقوى من الارتباط في العلّة الغير المنحصرة.

الاحتمال السادس : أن يتمسّك للدلالة على المفهوم بإطلاق الجزاء في القضيّة الشرطيّة ، والاستدلال بهذا الإطلاق متفرّع على أمرين :

الأوّل : أنّ المجعولات الشرعيّة عبارة عن الأحكام الخمسة التكليفيّة وما شابهها من الأحكام الوضعيّة ، مثل : الطهارة والنجاسة وأمثال ذلك ، وأمّا بقية الأحكام الوضعيّة ـ مثل : السببيّة والشرطيّة وأمثال ذلك ـ فلا يمكن أن تكون مورد جعل شرعي ، فلا يتوهّم جعل الشرطيّة والسببيّة من الشارع للمجيء في القضيّة الشرطيّة.

الأمر الثاني : أنّ مورد التمسّك بالإطلاق ومجراه هو المجعول الشرعى وما كان خارجا عن دائرة الجعل الشرعي لا معنى لجريان الإطلاق من طريق مقدّمات الحكمة فيه ، فالمجعول الشرعي في القضيّة الشرطيّة عبارة عن الجزاء ، يعني وجوب إكرام زيد ، فيجري الإطلاق فيه ؛ بأنّ تعليق المولى الحكم بقيد

٤٠٠