دراسات في الأصول - ج ٢

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-93-4
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٢٣

هو أنّ بعد كون الإسلام بعنوان الدين الكامل والباقي والمستمرّ إلى يوم القيامة لا بدّ له من معجزة كذلك ، ولا يمكن أن تكون معجزة دائميّة سوى الكتاب ، ولذا لا يمكن لأحد من أبناء البشر الإتيان بمثل سورة صغيرة من القرآن إلى يوم القيامة.

ويستفاد من ذلك أنّ ترتيب السور والآيات القرآنيّة وتدوين كلّ آية وسورة في محلّها بواسطة الكتاب كان في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمره الناشئ من الوحي الإلهي ؛ إذ لا يصحّ إطلاق الكتاب على الأوراق المنتشرة والمتفرّقة بين الناس ، وتعريفه بالكتاب يهدينا إلى الالتزام بذلك ، بخلاف ما التزم به العلّامة الطباطبائي قدس‌سره ، وأمّا الجمع المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فهو جمع القرآن وما يرتبط به من التأويل والتفسير ، وشأن النزول لا جمع أصل القرآن.

فلا يكون مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) خطابا شفاهيّا ، بل يكون خطابا كتبيّا ، ولا يلزم فيه حضور المخاطبين ومجلس التخاطب وأمثال ذلك ، وهذا نظير خطاب استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره بالمسلمين في وصيّته بحفظ النهضة الإسلاميّة والثورة على حكّام الجور ، ولعلّه كتبها في نصف الليل من دون حضور أيّ فرد عنده ، ولا يلزم فيه ما يشترط في الخطاب الشفاهي ، وهكذا في الخطابات القرآنيّة.

ويؤيّده تكليف الكفّار بفروع الدين ، مثل تكليفهم بالاصول وشمول الأحكام لجميع أبناء البشر ، وذكر عنوان المؤمنين في بعض الآيات يكون من باب المثال والإشارة إلى خصوصيّة بعض المكلّفين.

ويؤيّده أيضا أنّ استفادة الحكم من الآية المشتملة على أداة الخطاب والآية

__________________

(١) المائدة : ١.

٥٢١

الغير المشتملة لها تكون على نحو واحد وجدانا ، ولا تختصّ الاولى بالحاضرين في مجلس التخاطب حتّى تشمل الغائبين والمعدومين بمعونة قاعدة الاشتراك ، بل لا فرق بينهما من حيث شمول جميع المكلّفين بصورة القضيّة الحقيقيّة.

ولا تكون الخطابات القرآنيّة من الخطابات الشفاهيّة ، ولا يصحّ جعل عنوان البحث بمثل ما هو الشائع والمذكور في الكتب الاصوليّة ، وعموميّة الخطابات القرآنيّة لجميع المكلّفين إلى يوم القيامة ممّا لا شبهة فيه كما ذكرناه.

٥٢٢

فصل

في ثمرة الخطابات الشفاهيّة

ثمّ ذكر صاحب الكفاية قدس‌سره (١) ثمرتين لكيفيّة البحث المذكور في الكتب الاصوليّة ، ونحن أيضا نبحث عنهما تبعا له :

الاولى : أنّ الخطابات الشفاهيّة إن كانت متوجّهة إلى المعدومين ـ كالموجودين ـ فظواهرها حجّة لهم كحجّيّتها للمشافهين ، فيجوز لهم التمسّك بعمومها وإطلاقها ، وإن لم تكن متوجّهة إليهم فلا تكون ظواهرها حجّة لهم ، فليس لهم التمسّك بها لإثبات الأحكام في حقّهم ، بل لا سبيل إلى إثباتها لهم إلّا الإجماع وقاعدة الاشتراك.

ولكن أنكر صاحب الكفاية قدس‌سره ترتّب هذه الثمرة على البحث ، وحاصل كلامه : أنّ المحقّق القمّي قدس‌سره (٢) اختلف مع المشهور في أصل حجّيّة الظواهر ، وقال : بحجّيّتها لخصوص المقصودين بالإفهام ، بخلاف المشهور فإنّهم يقولون : بحجّيّتها للعموم بلا فرق بين المقصودين بالإفهام وغيرهم.

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٥٩.

(٢) قوانين الاصول ١ : ٢٣٣.

٥٢٣

فإن اخترنا نظر المشهور هنا فلا شكّ في حجّيّة الظواهر للعموم كما لا يخفى ، وإن اخترنا نظر المحقّق القمّي قدس‌سره فيكون الأمر أيضا كذلك ، فإنّ المقصودين بالإفهام ليس هم خصوص المخاطبين والحاضرين في مجلس التخاطب ، بل الظاهر أنّ الناس كلّهم إلى يوم القيامة مقصودون بالإفهام كما يومئ إليه غير واحد من الأخبار.

ولكنّ المحقّق النائيني قدس‌سره (١) كان مصرّا على ترتّب هذه الثمرة ، ويقول : إن كانت الخطابات الشفاهيّة مقصورة على المشافهين ولا تعمّ غيرهم فلا معنى للرجوع إليها وحجّيّتها في حقّ الغير.

والتحقيق : أنّه ليس بصحيح ، فإنّ اختصاص الخطاب بالمشافهين مسألة ، وسعة حجّيّة الخطاب المتضمّن للحكم مسألة اخرى ، فعلى القول باختصاص الخطابات بالمشافهين يصحّ للمعدومين أيضا التمسّك والرجوع إلى مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، إلّا أنّه يكون لهم بالواسطة ، وبعد تماميّة الصغرى والكبرى بأنّه لا بدّ من إثبات وجوب الوفاء بها للحاضرين في مجلس التخاطب ، ثمّ إثباته للمعدومين بدليل الاشتراك في الحكم الناشئ من الضرورة أو الإجماع ، فهذه الآية حجّة للحاضرين ، وكلّ ما كان حجّة لهم يكون حجّة لنا أيضا بالدليل المذكور ، فهذه الآية حجّة لنا ، فلا تترتّب الثمرة المذكورة إلّا على القول بحجّيّة الظواهر للمقصودين بالإفهام ، وأنّ المقصودين بالإفهام هم المشافهون ، وكلاهما مردود عندنا كما ذكرناه.

الثمرة الثانية : أنّ المشافهين والحاضرين في زمان صدور الخطاب إذا كانوا

__________________

(١) فوائد الاصول ١ : ٥٤٩.

٥٢٤

واجدين لخصوصيّة دون المعدومين ـ مثل : خصوصيّة حضور المعصوم عليه‌السلام وشككنا في مدخليّة هذه الخصوصيّة في ثبوت الحكم ، نحو وجوب صلاة الجمعة ـ فيصحّ التمسّك بإطلاق الخطاب على القول بعموميّته للحاضرين والمعدومين ، فيمكن إثبات وجوب صلاة الجمعة للمعدومين بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ...)(١) لشمول نفس الخطاب لهم كالموجودين.

وأمّا على القول باختصاص الخطاب بالمشافهين فلا يجوز لهم التمسّك به لإثبات الحكم المذكور ؛ لعدم شمول الخطاب لهم ، وعدم جريان قاعدة الاشتراك ؛ لجريانها فيما لو تحقّقت جميع الخصوصيّات المعتبرة في تكليف المكلّفين ، وهكذا الخصوصيّات المحتملة الدخيلة فيه ، وهذا ما عبّر عنه في الكفاية بالاتّحاد في الصنف ، ومعلوم أنّ المعدومين فاقدون لخصوصيّة حضور المعصوم عليه‌السلام.

وقال صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) : إنّ الخصوصيّات والقيود على نوعين :

الأوّل : ما كان كلّ المشافهين واجدا له ، مثل : قيد حضور المعصوم عليه‌السلام ، فإذا كان الشكّ في مدخليّة مثل هذا القيد تترتّب الثمرة المذكورة بلا إشكال.

النوع الثاني : ما كان بعض الحاضرين واجدا له والبعض الآخر فاقدا له ، أو كان مكلّف واحد واجدا له في حال وفاقدا له في حال آخر ، فإذا كان الشكّ في مدخليّة هذا النحو من القيد في ثبوت الحكم فلا تترتّب الثمرة المذكورة ؛ إذ لو كان له دخل لكان على المولى الحكيم بيانه ، وحيث إنّه لم يبيّن فيستفاد عدم

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) كفاية الاصول ١ : ٣٥٩ ـ ٣٦١.

٥٢٥

مدخليّته ، وأنّ الحكم ثابت للمشافهين بنحو الإطلاق ، وهكذا للمعدومين إمّا بقاعدة الاشتراك ، وإمّا بنفس الدليل المتضمّن للحكم ، سواء قلنا باختصاص الخطابات بالمشافهين أم بتعميمه. هذا تمام كلامه قدس‌سره بتصرّف ، وتمام الكلام في الخطابات الشفاهيّة.

٥٢٦

فصل

في تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده

هل تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه به أو لا؟ وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان أمرين :

الأوّل : ما أشار إليه صاحب الكفاية قدس‌سره (١) إجمالا ، وهو : أنّ محلّ النزاع بكيفيّته المذكورة في عنوان البحث يمكن تصويره بصورتين :

الاولى : ما يكون خارجا عن محلّ النزاع بأن يتحقّق في الكلام حكم واحد ، ولم يكن العامّ مستقلّا بالحكم ، بل كان حكمه حكم الضمير ، ويكون العامّ والضمير معا موضوعا للحكم ، مثل : أن يقول : «والمطلّقات أزواجهنّ أحقّ بردّهن» ، ودلالة الجمع المحلّى باللام ـ أي المطلقات ـ على العموم ـ أي الرجعيّات والبائنات ـ ممّا لا شبهة فيه ، ولكنّ الكلمة المشتملة على الضمير ـ يعني أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ ـ يوجب اختصاص الحكم بالمطلّقات الرجعيّات ، وصاحب الكفاية قدس‌سره قائل بخروج هذا الفرض عن محلّ النزاع ، وأنّ رجوع الضمير إلى بعض أفراد العامّ يوجب تخصيص العامّ ، والحال أنّ التخصيص يكون بالنسبة إلى الحكم أبدا ، ولم يحمل الحكم هاهنا أصلا على

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٦٢.

٥٢٧

العامّ ، فكيف يمكن تخصيصه؟! كأنّه يقول من الابتداء : والمطلّقات بعولة خصوص الرجعيّات منهنّ أحقّ بردّهنّ ، إلّا أنّ هذا النزاع مع صاحب الكفاية قدس‌سره يكون نزاعا لفظيّا ، فإنّ هذا الفرض خارج عن محلّ النزاع.

الصورة الثانية : ما يكون محلّ النزاع ، وهو أن يكون العامّ والضمير موضوعين مستقلّين للحكمين المتغايرين ، ولكنّ مرجع الضمير يكون بعض أفراد العامّ قطعا ، والبحث في أنّ رجوع الضمير إلى بعض أفراده هل يوجب تخصيص حكم العامّ أيضا بمرجع الضمير أم لا؟ كما في قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(١) ـ إلى قوله ـ : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) ، ومعنى الجملة الاولى بلحاظ عموميّة الموضوع : أنّ كلّ مطلّقة ـ سواء كانت بائنة أم رجعيّة ـ يجب أن تعتدّ بثلاثة قروء ، ولكن لا شكّ في رجوع ضمير بعولتهنّ إلى المطلّقات الرجعيّات فقط ، فهل يستلزم هذا للالتزام باختصاص وجوب التربّص أيضا بالمطلّقات الرجعيّات أم لا؟

الأمر الثاني : ما لم يتعرّضه صاحب الكفاية قدس‌سره وهو : أنّه يمكن أن يقال : إنّ مرجع الضمير ليس بعض الأفراد ، بل جميع الأفراد يكون المرجع ، والموضوع للحكم الثاني كالموضوع للحكم الأوّل.

وجوابه : أنّ هذا الأمر يستفاد إمّا من الدليل النقلي كالإجماع والروايات وأمثال ذلك، وإمّا من الدليل العقلي ، نظير قول المولى للعبيد : «أهن الفسّاق واقتلهم» ، والعقل يحكم بأنّ وجوب القتل يختصّ ببعض الفسّاق ، ورجوع الضمير إلى بعض الفسّاق لا يوجب رفع اليد عن عموميّة الحكم الأوّل ، ومعلوم أنّ الدليل النقلي يكون بمنزلة قرينة منفصلة ، والحكم العقلي يكون

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

٥٢٨

بمنزلة قرينة متّصلة ، ولعلّه يتحقّق الفرق الحكمي بينهما من حيث البحث الاصولي.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ في محلّ النزاع في بادئ النظر يتصوّر ثلاثة احتمالات :

الأوّل : أن يكون محلّ النزاع خصوص ما يستفاد المرجع من القرينة المنفصلة.

الثاني : أن يكون محلّ النزاع خصوص ما يستفاد هذا الأمر من القرينة المتّصلة.

الثالث : أن يكون كلاهما محلّ النزاع ، ولكنّ تمثيل العلماء للمسألة بالآية الشريفة يوجب انتفاء الاحتمال الثاني ، فإنّ رجوع الضمير فيها إلى بعض الأفراد يستفاد من القرينة المنفصلة ، فيبقى هاهنا الاحتمال الأوّل والثالث ، فلا بدّ من البحث فيهما.

والاحتمال الذي ذكر مثاله في كلمات العلماء ويكون القدر المتيقّن من محلّ النزاع ، والتحقيق فيه : أنّ تخصيص العامّ لا يستلزم المجازيّة فيه ؛ إذ التخصيص يوجب التصرّف في الإرادة الجدّيّة وأصالة التطابق ، لا في الإرادة الاستعماليّة وأصالة الظهور ، كما استفدناه من المحقّق الخراساني قدس‌سره وزيّناه بالألفاظ والكلمات والأمثلة ، ففيما نحن فيه يستفاد اختصاص الحكم بأحقّيّة الردّ لبعولة المطلّقات الرجعيّات فقط من الدليل الخارجي كالروايات ، مثل : أن يقول : «لا يجوز لبعولة المطلّقات البائنات الرجوع إليها» ، ومعلوم أنّه ليس لهذا الدليل في مقابل العامّ عنوان سوى المخصّص ، ومن هنا يستفاد أنّ الضمير لم يرجع إلى بعض أفراد العامّ ، فإنّه قام مقام اسم الظاهر «المطلّقات» ، والمراد الاستعمالي

٥٢٩

منه جميع المطلّقات لا بعضها ، ففي الحقيقة رجع الضمير إلى جميع أفراد العامّ ، فتخصيص العامّ الثاني من حيث المراد الجدّي ببعض أفراد العامّ بالقرينة المنفصلة لا يوجب تخصيص العامّ الأوّل أيضا به ؛ إذ لم تنهض في مقابله قرينة ولم يعرض له التخصيص ، فالعموم باق على حاله.

والعجب من صاحب الكفاية قدس‌سره لاتّخاذه هنا طريقا مخالفا لهذا المبنى المتين كأنّه عرضه النسيان عن هذا المبنى ، فإنّه يقول : والتحقيق أن يقال : إنّه حيث دار الأمر بين التصرّف في العامّ بإرادة خصوص ما اريد من الضمير الراجع إليه ، فالموضوع لكلّ من الحكمين ـ أعني وجوب العدّة وجواز الرجوع للزوج في العدّة ـ هي الرجعيّات بقرينة رجوع الضمير إليها ، أو التصرّف في الضمير ، إمّا بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه من باب المجاز في الكلمة ـ بأنّ ضمير الجمع وضع للإرجاع إلى جميع أفراد العامّ ، واستعماله في بعض أفراده استعمال في غير ما وضع له ، ويكون مجازا من قبيل استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع ـ وإمّا بإرجاعه إلى تمام ما هو المراد من مرجعه مع التوسّع في الإسناد ؛ بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكلّ توسّعا ومجازا ، من قبيل إسناد إنبات البقل إلى الربيع.

فإسناد أحقّيّة الرجوع إلى بعولة جميع المطلّقات إسناد إلى غير ما هو له ، فإنّ أصالة الظهور في طرف العامّ سالمة عنها في جانب الضمير ، وذلك لأنّ المتيقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور في تعيين المراد لا في تعيين كيفيّة الاستعمال ، وأنّه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الإسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في الضمير ، فلا يبقى مجال لجريان أصالة الظهور فيه بعد العلم بأنّ المراد منه خصوص الرجعيّة ، وتبقى أصالة الظهور في العامّ خالية عن

٥٣٠

المعارض ، ومقتضاها أنّ المقصود منه في قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) هو الأعمّ من الرجعيّة والبائنة ، ولا مجال للقول بسقوط أصالتي الظهورين بعد العلم الإجمالي بعدم جريان إحداهما كما لا يخفى.

ولا فرق بين هذا الطريق والطريق الذي اخترناه من حيث النتيجة ، ولكنّه خلاف مبناه الذي ذكرناه مفصّلا.

هذا كلّه في الاحتمال الأوّل ، وأمّا الاحتمال الآخر ، وهو : أن يحكم العقل برجوع الضمير إلى بعض أفراد العامّ ، مثل قول المولى : «أهن الفسّاق واقتلهم» ؛ إذ العقل يحكم بأنّ بعضهم ـ كالكافر والمرتدّ ـ يستحقّ القتل لا جميعهم ، فيكون حكم العقل هاهنا بمنزلة المخصّص المتّصل للعامّ الثاني وقرينة متّصلة بالكلام ، ومعلوم أنّه مانع من انعقاد ظهوره له ، بل التعبير بالمخصّص المتّصل لا يخلو عن مسامحة كما لا يخفى.

وأمّا بالنسبة إلى العامّ الأوّل فيرجع البحث إلى أنّه إذا كانت في الكلام قرينة متّصلة صالحة للقرينيّة ولكن لا نعلم أنّ المتكلّم استند إليها أم لا ، فيصير الكلام مجملا من حيث وجوب إهانة جميع الفسّاق أو خصوص الكافرين والمرتدّين منهم ، فتصل النوبة إلى الاصول العمليّة بعد فقدان الدليل الاجتهادي ، وهي تختلف باختلاف الموارد ، وفيما نحن فيه تجري البراءة عن وجوب إهانة غير المرتدّ من الفسّاق. وهذا نظير وقوع الاستثناء عقيب الجمل المتعدّدة ، ولكن اختلط على صاحب الكفاية قدس‌سره في هذه المسألة ؛ لأنّه أشار إليها في ذيل البحث عن الاحتمال الأوّل.

٥٣١
٥٣٢

فصل

في التخصيص بالمفهوم

وقال المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) : وقد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف ـ مع الاتّفاق على الجواز بالمفهوم الموافق ـ على قولين ، وقد استدلّ لكلّ منهما بما لا يخلو عن قصور.

والحال أنّه لا حجّيّة للاتّفاق والإجماع في المسألة الاصوليّة التي كان لها مبنى عقلي أو عقلائي ، كما أنّه لا حجّيّة له في المسألة اللغوية والفلسفيّة ، وإنّما تنحصر حجّيّته في المسائل الفقهيّة ، على أنّ الإجماع المذكور في كلامه قدس‌سره إجماع منقول ، ولا حجّيّة له حتّى في المسائل الفقهيّة ، فلا بدّ من البحث عن صلاحيّة المفهوم الموافق للمخصّصيّة وعدمها أيضا ، وهذا يحتاج إلى بيان معنى المفهوم الموافق والفرق بينه وبين المفهوم المخالف ، فإنّ المفهوم المخالف ما يخالف المنطوق في الإيجاب والسلب ومستند إلى العلّيّة المنحصرة بأنّ الشرط في القضيّة إذا كانت علّة منحصرة لثبوت الجزاء فعند انتفاء العلّة ينتفي المعلول قهرا ، والبحث في المفهوم الموافق بأنّه كيف يستفاد من كلام المتكلّم بعد اتّفاقه مع المنطوق في الإيجاب والسلب ، وهذا يتوقّف على توضيح معناه ، وتتحقّق

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٦٣.

٥٣٣

فيه احتمالات متعدّدة على سبيل القضيّة المانعة الخلو :

الأوّل : أن يكون بمعنى إلغاء الخصوصيّة ؛ بأنّه ذكر في موضوع كلام المتكلّم عنوان ، ولكنّ العرف يحكم بسريان الحكم لفاقده أيضا ، كقول القائل : رجل شكّ بين الثلاث والأربع ، وحكم الإمام عليه‌السلام بالبناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط ، ومعلوم أنّه لا خصوصيّة في الحكم لعنوان الرجوليّة ؛ إذ الإمام عليه‌السلام يكون في مقام بيان حكم المصلّي الشاكّ بلا فرق بين الرجل والمرأة ، وعلى هذا يكون إطلاق عنوان المفهوم من باب المسامحة ؛ إذ الرواية تدلّ بالدلالة المنطوقيّة على نحو الإطلاق ، وذكر الرجل يكون من باب المثال.

الثاني : أن يكون المقصود منه المعنى الكنائي الذي سيق الكلام لأجله مع عدم ثبوت الحكم للمنطوق ، نظير ذكر اللازم وإرادة الملزوم ، مثل : ذكر كثير الرماد كناية عن سخاوة زيد ، بحيث يكون مدار الصدق والكذب وجود الملزوم وعدمه ، ويكون الغرض من الكلام إفادة الملزوم.

الثالث : أن يكون المقصود منه الفرد الجلي ؛ بأن يكون المتكلّم في مقام إفادة الحكم العامّ ، ولكنّه يلاحظ أنّ إلقاءه بنحو العموم يوجب عدم التفات المخاطب إلى الأفراد الخفيّة ، ولذا يؤتى بأخفّ المصاديق للانتقال إلى سائرها ، كقوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(١) ، فانّ قول اف يكون أخفى مراتب إيذاء الوالدين ، والمقصود بيان حرمة الإيذاء بنحو العموم.

الرابع : أن يكون المقصود منه الأولويّة القطعيّة ، بمعنى عدم ذكر الحكم في المنطوق بنحو العموم ، ولكن يحكم العقل بالمناط القطعي بمورد غير المورد المذكور في الكلام ، كقوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) إذا كان المراد منه بيان

__________________

(١) الإسراء : ٢٣.

٥٣٤

حرمة قول «أفّ» فقط ، فإنّ العقل يحكم بأنّه إذا كان هذا حراما فيكون سبّهما وضربهما بطريق أولى حراما.

الخامس : أن يكون المقصود منه الموارد التي تجري فيها علّة الحكم ويعبّر عنه بمنصوص العلّة ، كما ورد في الأخبار ، مثلا : «لا تشرب الخمر لأنّه مسكر» ، فإذا كانت المسكريّة تمام العلّة للحكم فيدور الحكم سعة وضيقا مدارها وكان الكبرى أي كلّ مسكر حرام مطويّة في العلّة.

ولا بدّ من ملاحظة صلاحيّة كلّ واحد من الاحتمالات لتخصيص العامّ وعدمها ، فنقول : إنّ صلاحيّة المفهوم الموافق على الاحتمال الأوّل للتخصيص لا شكّ فيها ؛ إذ المفروض أنّ ذكر الخصوصيّة يكون من باب المثال ، فيصحّ تخصيص دليل الاستصحاب بحديث «رجل شكّ بين الثلاث والأربع» ، وتضييق دائرة «لا تنقض اليقين بالشكّ» به ، فكما أنّه لا يجوز للرجل المصلّي استصحاب عدم الإتيان بالأربع عند الشكّ فيه كذلك للمرأة عند ذلك ؛ لصلاحيّة هذا الحديث مفهوما ومنطوقا للمخصّصيّة.

وهكذا على الاحتمال الثاني ، فإنّ الغرض الأصلي إلقاء معنى الملزوم والمعنى الكنائي ، بل سيق الكلام لبيانه ، وهو يكون مدار الصدق والكذب ، فصلاحيّة المفهوم الموافق بهذا المعنى لتخصيص العامّ ممّا لا شكّ فيه ولا ريب.

وأمّا على الاحتمال الثالث فيصحّ أيضا تخصيص العامّ به ، فإنّ الغرض الأصلي في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) بيان المعنى العامّ والكلّي ، ودليل التعرّض للفرد الخفي هو عدم التفات أكثر الأذهان إليه ، فنفس الآية تدلّ على عموميّة الحكم ، فكما أنّه يجوز تخصيص العامّ المعارض بالفرد الخفي كذلك يجوز تخصيصه بالفرد الجلي ، ولا وجه لسلب صلاحيّة التخصيص عنه.

٥٣٥

وهكذا على الاحتمال الخامس ، فإنّ المسكريّة تمام العلّة للحرمة في المثال ، ولا مدخليّة للخمريّة ولو بنحو الجزئيّة في العلّة ، والعلّة متضمّنة للكبرى الكلّيّة ـ أي كلّ مسكر حرام ـ والتعليل يغني المتكلّم عن التصريح به ، فنبيذ المسكر أيضا حرام ومخصّص لأدلّة الحلّيّة ، مثل : «كلّ شيء لك حلال» كالخمر المسكر.

ويبقى الاحتمال الرابع ، وهو ما يستفاد العقل من الأولويّة القطعيّة حكما من كلام المتكلّم ، مثل : استفادة حرمة الضرب والشتم من قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) بدون ارتباط هذا الحكم من حيث الدلالة باللفظ ، وهذا نظير حكم العقل بالملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب المقدّمة ، فهل يمكن تخصيص العامّ بالحكم المستفاد من الأولويّة القطعيّة أم لا؟

وقال المحقّق النائيني قدس‌سره (١) : إنّه لا يمكن أن يكون المنطوق أجنبيّا عن العامّ وغير معارض له مع كون المفهوم معارضا له ، فالتعارض في المفهوم الموافق إنّما يقع ابتداء بين المنطوق والعامّ ، ويتبعه وقوعه بين المفهوم والعامّ ، ففي الأولويّة القطعيّة يدور الأمر مدار الأصالة والتبعيّة ، فإن كان المنطوق معارضا للعامّ ، فيتحقّق عنوان المخصّص له بالأصل وللمفهوم بالتبع ، ولا يمكن تحقّق هذا العنوان للمفهوم بدون المنطوق.

ولكن اعترض عليه بعض العلماء بأنّ الأمر يكون كذلك في أكثر الموارد ، إلّا أنّه يمكن الجمع بين كون المفهوم بمعنى الأولويّة القطعيّة وتعارض المفهوم مع العامّ بدون المنطوق في بعض الموارد ، كما إذا قال المولى : «لا تكرم العلماء» ، ثمّ قال بدليل آخر : «أكرم جهّال خدّام الفقهاء».

__________________

(١) فوائد الاصول ١ : ٥٥٦.

٥٣٦

ومعلوم أنّه لا منافاة بين الدليلين ، ولا تعارض بينهما حتّى بنحو العامّ والخاصّ المطلق من حيث المنطوق ، ولكن تتحقّق الأولويّة في الدليل الثاني ؛ أوّلا : بأنّ الجهّال من خدّام الفقهاء إن كانوا واجبي الإكرام يكون علماؤهم بطريق أولى كذلك.

وثانيا : بأنّ خدّام الفقهاء إن كانوا واجبي الإكرام يكون الفقهاء كذلك بطريق أولى ، ولا شكّ في تعارض كلّ من المفهومين مع عموم «لا تكرم العلماء» ، وصلاحيّتهما لتخصيصه ، ويتحقّق هاهنا في بادئ النظر ثلاثة احتمالات : الأوّل : إنكار وجود المفهوم الموافق ؛ لعدم إمكان تخصيص العامّ المنطوقي به ، فليس له مفهوم أصلا.

الثاني : الإعراض عن المنطوق والمفهوم معا ، وفرض أنّه لم يصدر من المولى ؛ لعدم إمكان التفكيك بين المنطوق والمفهوم.

الثالث : الأخذ بهما وتخصيص العامّ به ، كما يؤيّده العرف والعقلاء بعد ملاحظة ملاكه ـ أي الأولويّة القطعيّة ـ وأنّ التخصيص لا يستلزم المجازيّة في العامّ ، فلا يكون إنكار المفهوم ، وإنكار المفهوم والمنطوق معا قابلا للالتزام ، فيجوز تخصيص العامّ بالمفهوم الموافق بهذا المعنى أيضا.

وأمّا البحث عن صلاحيّة المفهوم المخالف للتخصيص فيتوقّف على بيان امور بعنوان المقدّمة :

الأوّل : أنّ هذا البحث متمحّض في العامّ والمخصّص ، والبحث عن المطلق وتقييده بالمفهوم المخالف لا يرتبط بمحلّ النزاع ، ولذا لا يصحّ تمثيله بقوله عليه‌السلام : «خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء» (١). وقوله عليه‌السلام : «الماء إذا بلغ قدر كرّ

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٥ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٩.

٥٣٧

لا ينجّسه شيء» (١). ومفهومه : أنّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينجّسه شيء أو كلّ شيء من النجاسات ، فإنّ لفظ الماء مفرد معرّف بلام الجنس ، ولا يكون من الألفاظ الدالّة على العموم ، بل هو مطلق ، ولا يكون مثالا لما نحن فيه.

وأمّا إذا قال المولى : «أكرم كلّ عالم» ، ثمّ قال بدليل آخر : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، ومفهومه إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه ، فهل هذا مثال لما نحن فيه أم لا؟

والتحقيق : أنّه تتحقّق في قوله : «أكرم كلّ عالم» خصوصيّتان : الاولى : خصوصيّة العامّي ، وهي مدلول كلمة كلّ عالم ، الثانية : خصوصيّة الإطلاقي ، أي سواء تحقّق المجيء أم لا.

ومعلوم أنّ دائرة العامّ من حيث السعة والضيق تابعة لدائرة المطلق ، فإن استفدنا من الإطلاق وجريان مقدّمات الحكمة أنّ مدخول كلمة «كلّ» عبارة عن نفس الطبيعة ، فتدلّ كلمة «كلّ» على أفراد هذه الطبيعة المطلقة ، ففي هذا المثال أيضا لا يكون تخصيصا للعامّ ، بل يكون المفهوم مقيّدا لإطلاق كلمة الكلّ.

وإن قلنا : لا ضرورة إلى جريان مقدّمات الحكمة والإطلاق للدلالة على العموم ، بل يستفاد من إضافة كلمة «الكلّ» إلى كلمة «العالم» الدالّة على جميع مصاديق هذه الطبيعة ، فعلى هذا يكون ذلك مثالا لما نحن فيه.

الأمر الثاني : أنّ النزاع في القضيّة الشرطيّة ـ كما مرّ ـ نزاع صغروي بمعنى أنّه هل يتحقّق لها مفهوم أم لا؟ وليس النزاع أنّ مفهومها حجّة أم لا ، والبحث فيما نحن فيه متفرّع على الالتزام بثبوت المفهوم لها ، فالقائل بجواز تخصيص

__________________

(١) المصدر السابق : ١٥٨ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

٥٣٨

العامّ بالمفهوم المخالف ، يقول في الحقيقة بتحقّق المفهوم للقضيّة الشرطيّة أوّلا ، وصلاحيّته للمخصّصيّة ثانيا.

والقائل بعدم إمكان تخصيصه به يقول بأنّ وجود العامّ في مقابل المفهوم مانع من الالتزام بثبوت المفهوم ، لا أنّه يتحقّق ولكن لا يجوز تخصيص العامّ به ، فهذا النزاع أيضا نزاع صغروي كما لا يخفى.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدس‌سره (١) يقول في مقام بيان حكم المسألة : إنّه إذا ورد العامّ وما له المفهوم في كلام أو كلامين ، ولكن على نحو يصلح أن يكون كلّ منهما قرينة متّصلة للتصرّف في الآخر ، ودار الأمر بين تخصيص العموم وإلغاء المفهوم ، فتارة يكون منشأ الدلالة والظهور في كلّ منهما الوضع واخرى الإطلاق الناشئ عن مقدّمات الحكمة بناء على كون الإطلاق الشمولي بمعنى العموم واستفادته منه.

والصورة الثالثة لم يذكرها صاحب الكفاية قدس‌سره وهي أن يكون أحدهما بالوضع والآخر بالإطلاق.

ففي الصورتين الاوليين لا يكون عموم ولا مفهوم ؛ لعدم تماميّة مقدّمات الحكمة في واحد منهما ؛ لوجود قرينة متّصلة مانعة عن انعقاد الظهور لكلّ منهما ؛ لتوقّف تماميّة مقدّمات الحكمة في كلّ منهما على عدم الآخر ، فلا محالة يتساقطان لأجل المزاحمة ، وهكذا فيما إذا كان منشأ الظهور فيهما الوضع ، مثل : أن يقول المولى : «أكرم كلّ عالم» ، ثمّ قال : «إن جاءك زيد العالم فأكرمه» ومفهومه على فرض تماميّة ظهوره هو : «إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه». فبعد تعارضه مع العامّ وتساقطهما لا بدّ من العمل بالاصول العمليّة في حكم

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٦٣.

٥٣٩

زيد العالم المتّصف بعدم المجيء ، وهي تختلف باختلاف الموارد ، وفي المثال تجري البراءة.

وأمّا في الصورة الثالثة فلا إشكال في تقدّم ما ظهوره بالوضع على ما ظهوره بمقدّمات الحكمة ؛ لأنّ الظهور إذا كان بالوضع كان صالحا لأن يكون قرينة مانعة عن الظهور بالإطلاق الناشئ من مقدّمات الحكمة التي منها عدم القرينة ، فيقدّم عليه.

وأمّا إذا كان العامّ وما يدلّ على المفهوم في كلامين مستقلّين ، فإن كانا متّحدين من حيث الاستناد إلى الوضع أو الإطلاق فيعامل معهما معاملة المجمل ؛ لسقوطهما عن الحجّيّة للمزاحمة ، وإن تحقّق لهما الظهور البدوي لكون كلّ منهما قرينة منفصلة للآخر ، لا المتّصلة المانعة عن انعقاده ، فالمرجع هو الأصل العملي.

وإن كانا مختلفين بعد أنّ المراد من عدم القرينة في باب مقدّمات الحكمة هو عدم القرينة المتّصلة ، لا عدم مطلق القرينة ، سواء كانت متّصلة أم منفصلة كما هو الظاهر ، فيتحقّق العموم الوضعي والإطلاقي معا ، فيقدّم ما هو الأظهر منهما عند العرف بعد التعارض ، وإلّا يتساقطان ، فالمرجع في زيد العالم المتّصف بعدم المجيء هو الأصل العملي ، وإن قلنا بأنّ المراد من عدم القرينة هنا عدم مطلق القرينة فيقدّم ما هو مستند إلى الوضع ؛ لعدم انعقاد الظهور مع وجودها لما هو مستند إلى الإطلاق.

٥٤٠