دراسات في الأصول - ج ٢

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-93-4
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٢٣

الفصل التاسع

في الواجب التعييني والتخييري وكيفيّة تعلّق الحكم بهما

أمّا تعلّق الواجب التعييني فيتعلّق بنفس الواجب كصلاة الظهر ـ مثلا ـ وتترتّب آثار الوجوب عليها من عدم جواز الترك ، واستحقاق المثوبة على الموافقة ، واستحقاق العقوبة على المخالفة.

وأمّا تعلّق الحكم في الواجب التخييري فيحتمل أن يكون نظير تعلّقه بالواجب التعييني، بأن يكون الواجب على نوعين : نوع منه الواجب التعييني ونوع منه الواجب التخييري ، أي يتعلّق الحكم فيه بكلا الشيئين تعيينا ، إلّا أنّ امتثال أحدهما مسقط لغيره كما أنّه قد يسقط الواجب بأمر مباح ، ومخالفتهما معا توجب استحقاق عقوبة واحدة ، وكذا موافقتهما توجب استحقاق مثوبة واحدة.

ويحتمل أن يكون الواجب التخييري واجبا تعيينيّا في الواقع ومعيّنا عند الله ، فإن امتثل المكلّف ما هو المعيّن عند الله يسقط التكليف بعنوان إتيان الواجب ، وإن امتثل ما ليس بواجب بحسب الواقع فيسقط التكليف بغير الواجب.

ويحتمل أن يكون الواجب فيه عنوان أحد الشيئين لا بعينه ، أو مصداق

٢٤١

أحدهما لا على التعيين ، وهو ما يعبّر عنه بالفرد المردّد.

ويحتمل أن يكون الواجب فيه عبارة عمّا يختاره المكلّف في مقام العمل ، ولازم ذلك اختلاف الواجب بحسب اختيار المكلّفين ، بل بحسب تعدّد اختيار مكلّف واحد. فالواجب ما يختاره المكلّف بعنوان الواجب التعييني في الحقيقة.

والمهمّ في المسألة التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره (١) ، ومحصّل كلامه : أنّ الواجب التخييري على نوعين : الأوّل : ما يرجع إلى الواجبات التعيينيّة وأكثر الواجبات التخييريّة يكون من هذا القبيل ، وهو الذي يكون الأمر بأحد الشيئين بملاك أنّه هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ، ولذا يسقط به الأمر ، فالواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما ، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليّا ، وذلك لوضوح أنّ الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن بينهما جامع في البين ؛ لاعتبار نحو من السنخيّة بين العلّة والمعلول.

النوع الثاني : أن يكون الأمر بأحد الشيئين بملاك أنّه يكون في كلّ واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه ، ولذا يكون كلّ واحد منهما واجبا ، ولكن يتحقّق بين الغرضين نوع من التضادّ ؛ بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

وحلّه بأنّ الواجب التخييري سنخ من الوجوب تترتّب عليه آثاره الخاصّة من عدم جواز تركه ، وترتّب الثواب على فعل الواحد منهما ، والعقاب على تركهما. وهذه عبارة عن الاحتمال الأوّل في المسألة.

وأمّا بيانه بالنسبة إلى النوع الأوّل من الواجب التخييري ففيه : أنّ القاعدة

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٢٤٢

المسلّمة المتحقّقة في الفلسفة عبارة عن أنّ الواحد لا يصدر منه إلّا واحد ، ولذا يكون البحث بين الفلاسفة في الصادر الأوّل عن الواحد الحقيقي ، وهو عبارة عن وجود محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد في روايات معتبرة ، بخلاف قاعدة الواحد لا يصدر إلّا من واحد ؛ إذ الظاهر من الفلاسفة الالتزام بوجود العلّتين لمعلول واحد ، ولكن على فرض تماميّة هذه القاعدة وعموميّتها لما نحن فيه ، وأنّ القدر الجامع المشترك بين الشيئين يكون مؤثّرا في غرض واحد لا ضرورة تقتضي لرفع اليد عن التخيير الشرعي الذي يكون الظاهر من الأدلّة اللفظيّة ، مع أنّه لا طريق سوى الواجب التخييري لتبيين المولى ، ولا تتحقّق قرينة عقليّة توجب التصرّف في الظاهر والالتزام بالتخيير العقلي ، كالتصرّف في ظاهر الآية الشريفة : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) ، فهذا التفصيل ليس بصحيح ؛ إذ لا فرق في الواجبات التخييرية بين غرض واحد أو أغراض متعدّدة غير قابلة للاجتماع.

فنرجع إلى أصل مسألة الواجب التخييري ، وتتحقّق فيه شبهة الاستحالة ، وهناك أقوال متعدّدة في المسألة للتخلّص منها ، وهي : أنّ الوجوب والبعث الذي يعبّر عنه بالإرادة التشريعيّة يشترك مع الإرادة التكوينيّة في خصوصيّات الإرادة ، ولا فرق بينهما إلّا بالمباشرة والتسبيب ، ومعلوم أنّ الإرادة التكوينيّة ونظائرها من الصفات النفسانيّة كانت ذات إضافة كالعلم ـ مثلا ـ ويكون تشخّصها وتعيّنها بتعيّن طرف إضافتها ـ أي المراد والمعلوم ـ ومن البديهي أنّه لا يمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة بشيء مبهم غير معيّن.

ويمكن أن يقال : إنّه لا فرق بين تعلّق الإرادة بأمر مبهم والعلم الإجمالي كالعلم بأنّ أحد هذين المائعين خمر مثلا.

__________________

(١) الفجر : ٢٢.

٢٤٣

ولكنّ الدقّة فيه تقتضي خلاف ذلك ، فإنّ في العلم التفصيلي بخمريّة شيء يعلم أوّلا بأنّ الخمر هنا موجود بصورة كلّي ، وثانيا بأنّ ذلك الخمر الموجود هو هذا المائع. وأمّا في العلم الإجمالي فما يتعلّق به العلم لا إبهام فيه ، ولكنّ العلم محدود ، فإنّه يعلم بأنّ الخمر هنا موجود بصورة الكلّي ، إلّا أنّ تطبيق هذا الكلّي على أحد المائعين غير معلوم له ، فالمعلوم فيه أيضا مشخّص ، وأمّا في الإرادة التكوينيّة فلا يعقل أن يكون المراد مبهما ومردّدا ، ولا فرق في مثل هذه الموارد بين الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة ، فالواجب التخييري يكون مستحيلا ، فإنّ معناه تحقّق الإرادة بدون تشخّص المراد.

وحلّ الشبهة والمختار في المسألة هو : أنّ الوجوب والبعث في الواجب التخييري يكون متعدّدا لا واحدا متعلّقا بالشيئين على نحو التخيير ، ولا فرق في التعدّد بينه وبين وجوب صلاة الظهر والعصر ، إلّا أنّ في أحدهما مصلحة مستقلّة لازمة الاستيفاء ، وتتحقّق بين المصلحتين كمال الملاءمة ، ويمكن اجتماعهما ، ولكنّه في الواجب التخييري نوع خاصّ من التعدّد كما في كفّارة الإفطار ـ مثلا ـ إذ تتحقّق مصلحة واحدة ، ويكون كلّ واحد من الخصال الثلاثة مؤثّرا في تحقّقها.

ويمكن أن يتحقّق في كلّ من الواجبين مصلحة مستقلّة لازمة الاستيفاء ، ولكن لا يمكن اجتماعهما بلحاظ التضادّ المتحقّق بينهما ، ويمكن أن تكون المصلحتان قابلتين للاجتماع ، ولكن كان لزوم استيفاء إحداهما متوقّفا على عدم استيفاء الاخرى ، فيكون البعث والإرادة التشريعيّة في جميع الأقسام متعدّدة ، فالمختار في المسألة هو القول في الواجب التخييري ، وهو أنّه نوع خاصّ من الوجوب بأنّ الواجب والوجوب متعدّد ، ولكن هذا التعدّد غير

٢٤٤

التعدّد المتحقّق في الواجب التعييني.

تذنيب :

هل يمكن التخيير بين الأقلّ والأكثر إذا كان الأقلّ لا بشرط بالنسبة إلى الزيادة أو لا؟ ربما يقال : بأنّه مستحيل ، فإنّ الأقلّ إذا وجد كان هو الواجب لا محالة ولو كان في ضمن الأكثر ؛ لحصول الغرض به ، وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائدا على الواجب ، بلا فرق بين كون الأقلّ والأكثر تدريجيّ الوجود ـ مثل التسبيحات الأربعة ـ أو دفعيّ الوجود كالخط الطويل المتحقّق دفعة.

هذا ، ولكن لا بدّ لنا من ملاحظة كلّ واحد من القسمين مستقلّا ، ونبحث أوّلا في تدريجيّ الوجود ، فكان لصاحب الكفاية قدس‌سره (١) جوابا عنه ، وحاصله : أنّ الأقلّ يكون محصّلا للغرض إذا لم يوجد في ضمن الأكثر ، وإلّا يكون المحصّل للغرض هو الأكثر ، فإن اقتصر في التسبيحات بمرّة واحدة كان كافيا وإلّا يكون المؤثّر في الغرض هو مجموعتها.

والجواب الآخر عنه لاستاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدس‌سره (٢) وهو : أنّ الكلّي المشكّك لا ينحصر فيما إذا كان التفاوت بين الأفراد بالشدّة والضعف أو النقص والكمال ، بل يشمل لما يكون التفاوت بينها بالقلّة والكثرة ، فكلّي الخطّ يشمل الخطّ القصير والطويل معا ، وحينئذ إذا شرع المكلّف برسم الخطّ فلا يصحّ الحكم بأنّه أوجد فردا قصيرا منه قبل رفع يده وتوقّفه عنه.

نعم ، إن لم يستمرّ برسمه يتحقّق الأقلّ ويحصل غرض المولى ويسقط

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٢) لمحات الاصول : ١٨٨.

٢٤٥

التكليف به ، وإن استمرّ حتّى يتحقّق الأكثر يكون المؤثّر في تحصيل الغرض هو الأكثر ؛ إذ يتحقّق وجود واحد من ماهيّة الخطّ في ضمن الأكثر لا وجودان منها ، فلا استحالة في البين.

ولكنّ التحقيق : أنّه لا يمكن حلّ الإشكال بهذا البيان ، فإنّ محلّ النزاع ـ كما مرّ ـ عبارة عمّا إذا كان الأقلّ لا بشرط بالنسبة إلى الزائد ، ومعلوم أنّ اللابشرط يجتمع مع ألف شرط ، لا الأقلّ المقيّد بعدم الزيادة ؛ إذ هو مباين للأكثر وخارج عن محلّ النزاع ، وعلى هذا إذا تحقّق الأكثر تدريجا في الخارج يتحقّق الأقلّ في ضمنه أيضا ، وهو يتحقّق في التدريجيّات قبل الأكثر ، ويحصل بتحقّقه غرض المولى ويسقط الأمر ، فلا يترتّب على الزائد عنه غرض ، إلّا أن يكون بصورة المباح أو المستحبّ ، والقول بأنّ التسبيحة الواحدة تكون محصّلة للغرض إذا كانت واحدة ليس بصحيح ، فإنّه خلاف الفرض.

وأمّا البحث في الأقلّ والأكثر إذا تحقّقا دفعة فقد مرّ في أصل الواجب التخييري أنّ له ثلاث صور ، ونلاحظ كلّ واحد من الصور مستقلّا :

الاولى : أن يكون للمولى غرض واحد وتعلّق بماهيّة رسم الخطّ ـ مثلا ـ وهو يحصل بإيجاد الخطّ الطويل والقصير في الخارج ، وهل يمكن إيجابهما بصورة الواجب التخييري أم لا؟ يتوهّم في بادئ النظر أنّه لا مانع منه ، ولكن بعد دقّة النظر يظهر أنّه مستحيل ؛ لأنّه إذا تحقّق الخطّ الطويل دفعة في الخارج فالمؤثّر في الغرض هل هو الطويل أو القصير المتحقّق في ضمنه؟ إن كان المؤثّر هو الأوّل يكون معناه خروج الأقلّ عن عنوان اللابشرط ، فلا محالة يكون المؤثّر هو الثاني ، فلا معنى للتخيير بينهما ، بل هو أمر ممتنع ، فلا بدّ من القول بأنّ الزائد على القصير يكون مباحا أو مستحبّا.

٢٤٦

الصورة الثانية : أن يكون للمولى غرضان غير قابلين للاجتماع مع كون كليهما لازم الاستيفاء ، وفيما نحن فيه غرض واحد لازم التحصيل يترتّب على الأقلّ ومثله على الأكثر ، ولكن لا يمكن اجتماعهما ، وعلى هذا إذا تحقّق الخطّ الطويل في الخارج فهل يترتّب غرض واحد على المجموع أو على القصير؟ وكلاهما يحتاج إلى الدليل هاهنا ، أو يترتّب عليهما معا ، والمفروض أنّهما لا يجتمعان أو لا يترتّب عليهما أصلا ، مع أنّه لا يمكن الالتزام به ، فالتخيير لا يكاد يعقل بينهما ، فالزائد على الأقلّ إمّا أن يكون مستحبّا أو مباحا.

الصورة الثالثة : أن يكون للمولى غرضان قابلان للاجتماع ، إلّا أنّ مع تحقّق أحدهما لا ضرورة لتحصيل الآخر ، ففي هذه الصورة يمكن التخيير بينهما ، فإنّه إذا تحقّق الخطّ الطويل دفعة واحدة لا مانع من أن يكون الأقلّ والأكثر ـ أي الطويل والقصير المتحقّق في ضمنه معا ـ مؤثّران في الغرض ، فإنّهما قابلان للاجتماع. هذا تمام الكلام في الواجب التخييري.

٢٤٧
٢٤٨

الفصل العاشر

في وجوب الواجب الكفائي

ومن تقسيمات الواجب تقسيمه إلى العيني والكفائي ، ومحور البحث في هذا التقسيم عبارة عن الواجب الكفائي ، ولا بدّ لنا قبل تعريفه من ملاحظة آثاره وخصوصيّاته ، ومن البديهي أنّ التكليف في الواجب العيني يتعلّق بكلّ واحد من المكلّفين استقلالا بلحاظ تعدّد التكليف بحسب تعدّد المكلّفين وإن كان خطاب العامّ واحدا ، وتترتّب عليه آثاره من استحقاق المثوبة لمن وافقه بلا دخل لسائر المكلّفين ، واستحقاق العقوبة لمن خالفه هكذا ، ومعلوم أنّ عدم انحلال الخطابات العامّة لا يمنع من تعدّد التكليف.

وأمّا في الواجب الكفائي فإنّه أيضا يتعلّق بكلّ واحد من المكلّفين ولكنّه يسقط التكليف فيه بفعل بعضهم ، سواء كان الواجب قابلا للتعدّد ـ مثل صلاة الميّت ـ أم لم يكن كذلك كدفنه ، ومقتضى تعلّق الوجوب بكلّ واحد هو استحقاق الجميع للعقوبة على تقدير مخالفتهم جميعا ، لا أنّ عقوبة واحدة تنقسم عليهم ، بل كلّ واحد منهم يستحقّ عقوبة مستقلّة.

وبعد ملاحظة هذه الخصوصيّات وقع الخلاف في حقيقة الواجب الكفائي ؛ إذ التكليف متقوّم بالآمر المكلّف والمأمور المكلّف والمكلّف به ، والإشكال

٢٤٩

هاهنا في ناحية المكلّف ، ويتحقّق في تصويره احتمالات متعدّدة :

الأوّل : أن يكون المكلّف عبارة عن مجموع المكلّفين من حيث المجموع ، وفيه ثلاثة احتمالات بالنظر الدقّي ؛ إذ يحتمل أن يكون المقصود منه جميع المكلّفين ، وعلى هذا لا يكون فرقا بين الواجب العيني والواجب الكفائي ، مع أنّه لا يمكن تكليف جميع المكلّفين في بعض الموارد ، مثل دفن الميّت.

ويحتمل أن يكون المقصود منه تحقّق المكلّف به في الخارج بلا فرق بين تحقّقه من شخص واحد أو مجموع المكلّفين ، وهذا يرجع إلى صرف الوجود الذي يقول به المحقّق النائيني قدس‌سره في مقابل مطلق الوجود ، وسيأتي تفصيله.

ويحتمل أن يكون المقصود منه تكليف جميع المكلّفين بإتيان فرد واحد من المأمور به ، وهذا المعنى مع عدم إمكانه في بعض الموارد لم يلتزم به أحد في الواجب الكفائي.

الاحتمال الثاني : أن يكون المكلّف عبارة عن واحد غير معيّن في الواقع لا مفهومه ، بل واقعيّته ومصداقه ، وتحقّق استحالة هذا المعنى في الفلسفة ؛ إذ التحقّق في الخارج مع وصف عدم التعيّن والتشخّص أمر مستحيل ، فإنّ التحقّق والوجود مساوق للتشخّص ، فلا يمكن أن يكون المكلّف عبارة عن واقعيّة أحد المكلّفين مع وصف غير المعيّن خارجا.

الاحتمال الثالث : أن يكون المكلّف عبارة عن واحد مردّد ، كما أن يكون المكلّف به في الواجب التخييري فردا مردّدا. والفرق بينه وبين الواحد الغير المعيّن أنّ المكلّف هاهنا معيّن ولكنّ الإبهام يكون في طرف إضافة التشخّص ، بخلاف الواحد غير المعيّن.

ولكنّه أيضا مستحيل كما مرّ نظيره في الواجب التخييري ؛ بأنّ تشخّص

٢٥٠

الإرادة التكوينيّة يكون بالمراد ، ولا يعقل تحقّق الإرادة بدون تشخّص المراد ، وهكذا في الإرادة التشريعيّة لا يمكن أن يكون طرف إضافة الإرادة فردا مردّدا.

الاحتمال الرابع : أن يكون المكلّف عبارة عن صرف الوجود من المكلّفين ، فيتحقّق التكليف بفعل بعضهم ، كما يتحقّق بفعل عدّة منهم ، وكما يتحقّق بفعل جميعهم في مقابل الوجود الساري ومطلق الوجود.

الاحتمال الخامس : أن يكون الفرق بين الواجب العيني والكفائي من ناحية المكلّف به ، بلا فرق بينهما من حيث المكلّف ؛ بأنّ محصّل غرض المولى في الواجب العيني هو حصول المأمور به عن كلّ واحد من المكلّفين بالمباشرة ، وأمّا محصّل الغرض في الواجب الكفائي فهو تحقّق المأمور به في الخارج ، بلا فرق بين تحقّقه بالمباشرة أو بالغير.

والتحقيق : أنّ الواجب الكفائي على ثلاثة أقسام ، وتصويره بالنسبة إليها مختلف ، وهي :

الأوّل : أن يتعلّق التكليف بطبيعة المأمور به ، ومعلوم أنّ الطبيعة بما هي هي قد لا يكون لها مصداق أصلا ، مثل : «شريك الباري ممتنع» ، وقد ينحصر مصداقها بفرد واحد ، مثل : طبيعة واجب الوجود ، ودفن الميّت فيما نحن فيه ، فإنّه لا يكون قابلا للتعدّد ، وهكذا قتل سابّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والغرض من البعث والتكليف في مثل هذه الموارد هو انبعاث المكلّف ، فلا يصحّ تصوير الواجب الكفائي بما قال به المحقّق النائيني قدس‌سره ؛ لأنّ أحد مصاديقه صرف الوجود عبارة عن جميع المكلّفين ، ولا يعقل انبعاثهم جميعا لقتل شخص واحد.

٢٥١

ومن هنا يظهر جواب الاحتمال الخامس أيضا ، فإنّ المكلّف بناء على هذا عبارة عن جميع المكلّفين ، والفرق بينه وبين الواجب العيني في مدخليّة قيد المباشرة وعدمه ، وأيّ مناسبة تقتضي انبعاث جميع المكلّفين لقتل شخص واحد ، ولو مع عدم قيد المباشرة ، فكيف يمكن تصوير الواجب الكفائي هاهنا؟!

والتحقيق : أنّ تصويره إمّا أن يكون نظير ما مرّ منّا في الواجب التخييري ؛ بأنّ غرض المولى مترتّب على كفّارة الإفطار ، ويتحقّق لتحصيله ثلاث طرق ، فلا مجال له إلّا بيان التكليف بصورة الواجب التخييري ، وتؤيّده المسائل العقلائيّة ، وهكذا فيما نحن فيه تعلّق غرض المولى بتحقّق قتل سابّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخارج وجميع المكلّفين مأمورون بتحقّقه خارجا ، ولكن يعبّر في مقام التكليف بكلمة «أو» و «إمّا» بصورة التخيير.

وإمّا أن يكون الفرق بين الواجب العيني والكفائي بالإطلاق والتقييد ، بأنّ الصلاة ـ مثلا ـ واجبة على كلّ واحد من المكلّفين ، سواء صلّى الغير أم لا ، بخلاف دفن الميّت فإنّه واجب بشرط عدم إتيان الغير به.

القسم الثاني : أن يتعلّق التكليف بطبيعة المأمور به ولها أفراد متعدّدة ، ولكنّ الواجب ومحصّل غرض المولى عبارة عن الفرد الواحد ، كالصلاة على الميّت فإنّها قابلة للتعدّد ، ومن البديهي أنّه لا يعقل هاهنا أيضا أن يكون المكلّف جميع أفراد المكلّفين بدون قيد المباشرة ، أو صرف الوجود الذي أحد مصاديقه عبارة عن جميع أفراد المكلّفين في العالم. وهذا القسم من الواجب الكفائي يرجع إلى القسم الأوّل منه من حيث التصوير ، فلا بدّ من تصويره إمّا من طريق الإطلاق والتقييد ، وإمّا شبيه الواجب التخييري ، كما مرّ تفصيله آنفا.

٢٥٢

القسم الثالث : أن يتعلّق التكليف بطبيعة المأمور به التي تكون قابلة للتعدّد ، والمكلّف عبارة عن صرف الوجود ، وله ثلاثة مصاديق كما مرّ ، وكلّ واحد منها محصّل للغرض ، وتصوير الواجب الكفائي في هذا القسم يمكن أن يكون من الطريق الذي اختاره النائيني قدس‌سره بأن يكون المكلّف به والمكلّف معا صرف الوجود منهما ، ويتحقّق صرف الوجود من الطبيعة بإيجاد فرد واحد منها كما يتحقّق بإيجاد عدّة من أفرادها ، وكما يتحقّق بإيجاد جميع أفراد المكلّفين جميع أفرادها ، ولكن لا يوجد في الفقه مثال لذلك.

٢٥٣
٢٥٤

الفصل الحادي عشر

في الواجب الموقّت والموسع

ومن تقسيمات الواجب تقسيمه إلى الموقّت وغير الموقّت ، وتقسيم الموقّت إلى الموسّع والمضيّق ، وقد يعبّر عن غير الموقّت بالمطلق ، فالمطلق قد يستعمل في مقابل المشروط ، وقد يستعمل في مقابل الموقّت ، ومعلوم أنّ الموضوع للأحكام الفقهيّة عبارة عن فعل المكلّف. وتبعيّة العمل الصادر عنه للمكلّف من حيث الزمان والمكان ممّا لا بدّ منه عقلا ، إلّا أنّه تارة ممّا له دخل في الواجب شرعا فيكون موقّتا ، واخرى لا دخل له فيه شرعا فهو غير موقّت ، والموقّت إمّا أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدره فمضيّق ، وإمّا أن يكون أوسع منه فموسّع.

توضيح ذلك : أنّ الزمان بما هو هو إمّا لا دخل له في ترتّب الآثار والمصالح ، بحيث لو أمكن تحقّق المأمور به خاليا عن الزمان يحصل غرض المولى ، وإمّا تكون له مدخليّة فيه ، لا الزمان بخصوصيّة كذا وشهر كذا ويوم كذا ، بل لماهيّة الزمان بما هو زمان مدخليّة في حصول الغرض وترتّب الآثار.

والصورة الاولى مصداق أظهر للواجب غير الموقّت ، وأمّا الصورة الثانية فالظاهر أنّها أيضا مصداق له ، فإنّ مدخليّة الزمان بدون الخصوصيّة لا تحتاج

٢٥٥

إلى بيان الشارع بعد علمه ؛ بأنّ فعل المكلّف لا يمكن وقوعه في خارج الزمان ، ولعلّه كان منافيا لحكمة الشارع بعنوان اللغويّة ، والحال أنّ الواجب الموقّت عبارة عمّا كان بيان أصل الواجب وتقيّده بالزمان معا من ناحية الشارع ؛ بحيث إن لم يمكن بيانه لا يستفاد التوقيت أصلا.

واستشكل بعض علماء العامّة في تصوير الواجب الموسّع ؛ بأنّ بعد السؤال عن أنّ الصلاة في أوّل الظهر ـ مثلا ـ واجبة أم لا؟ إن قلت بعدم وجوبها فهو المطلوب ، وإن قلت بوجوبها فلم تكون جائزة الترك؟! وهكذا في كلّ جزء من أجزاء الزمان.

وجوابه : أنّه لا يصحّ وضع اليد على أجزاء الزمان ؛ إذ الواجب والمأمور به عبارة عن الصلاة بين الحدّين ، ولذا قال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(١) ، ويظهر من ذلك أمران :

الأوّل : أنّ ما هو المعروف في الألسنة من أنّ الواجب الموسّع في آخر الوقت يصير مضيّقا ليس بصحيح ، فإنّهما نوعان من الواجب الموقّت ، ولا يمكن أن يكون تكليف واحد موسّعا ومضيّقا معا ؛ إذ المكلّف به في كلّ أجزاء الزمان هو الصلاة بين الزوال والغروب ، ولا يكون قابلا للتغيير ، إلّا أنّه في آخر الوقت يلزم العقل بإتيان الصلاة حتّى تقع بين الحدّين ، فلا يمكن أن يصير الواجب الموسّع مضيّقا ، وهكذا العكس.

الثاني : أنّه لا يكون في الواجب الموسّع أزيد من تكليف واحد ، وهو لزوم إقامة الصلاة بين الحدّين مثلا ، والتخيير في الأفراد الطوليّة التدريجيّة الزمانيّة كالتخيير في الأفراد الدفعيّة ـ يعني أمكنة مختلفة ـ تخيير عقلي.

__________________

(١) الأسراء : ٧٨.

٢٥٦

واستشكل في بعض الكتب في الواجب الموقّت المضيّق ؛ بأنّه كيف يمكن تطابق أوّل جزء من الزمان مع أوّل جزء التكليف وآخره مع آخره عقلا؟ وهو ناش عن فرض المولى غير محيط وعاجز عن انطباقه معه ، وفرض جميع الواجبات مثل الصلاة ، والحال أنّ البحث في هذه الموارد يدور مدار الاعتبارات العرفيّة.

ثمّ إنّه وقع البحث في أنّ الواجب الموقّت إذا فات في الوقت هل يدلّ دليل أصل الوجوب المقيّد على إتيانه في خارج الوقت أم لا؟ وبعبارة اخرى هل يدلّ دليل على وجوب الأداء على القضاء أم لا؟ ومعلوم أنّه لا دلالة للأمر بالموقّت بوجه على الأمر به في خارج الوقت ، فإنّ معنى التوقيت يرجع إلى أنّ الزمان قيد للمأمور به ودخيل فيه كسائر القيود ، فكما أنّه لا يستفاد من قوله : «صلّ مع الطهارة» بقاء مطلوبيّة الصلاة مع فقدانها ، كذلك فيما نحن فيه ؛ إذ المقيّد أمر واحد ولا يرجع إلى المركّب ، وجزئيّة التقيّد عقلي محض ، ولذا لا يقال : إنّ الصلاة مركّب من الطهارة واستقبال القبلة وأمثال ذلك ، وإذا كان المقيّد مأمورا به فلا مجال للأمر بالمقيّد بما هو مقيّد بعد زوال قيده ، فلا فرق بين «صلّ مع الطهارة» و «صلّ في الوقت» من هذه الناحية.

ولكنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) استثنى موردا من ذلك بقوله : نعم ، لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب إطلاق لكان قضيّة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت ، فإنّ دليل التوقيت مهمل ، وإن كان له الإطلاق فلا بدّ من الأخذ به ؛ لحكومته على إطلاق دليل الواجب.

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٢٢٩.

٢٥٧

سلّمنا أنّ هذا البيان صحيح ، وأنّ بعد اجتماع هذه الخصوصيّات يمكن القول بأنّ الدليل الذي يدلّ على أصل المأمور به يدلّ على قضائه في خارج الوقت ، ولكنّه استثناء منقطع وخارج عن الفرض ؛ إذ التمسّك بدليل أصل الواجب لا يكون محلّ البحث ، بل النزاع في أنّ الدليل المقيّد هل يدلّ على وجوبه بعد زوال القيد أم لا؟ ولا دلالة في هذا الفرض أيضا للأمر بالموقّت على وجوبه في خارج الوقت ، فالأمر بالموقّت بما هو موقّت لا يدلّ على الوجوب في خارج الوقت إذا أخلّ به في الوقت ، وهكذا لا يدلّ على عدم الوجوب أيضا.

وقد يتمسّك بالاستصحاب لإثبات وجوب الموقّت في خارج الوقت ؛ بأنّ وجوب صلاة الظهر ـ مثلا ـ كان قبل غروب الشمس معلوما ، فيستصحب وجوبها بعد غروبها ، فهذا الاستصحاب الحكمي يثبت وجوبها بعد الوقت.

وجوابه : أنّ هذا الاستصحاب ليس قابلا للتمسّك ؛ لفقدان ما هو الركن في هذا الباب ـ يعني اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة من حيث الموضوع والمحمول ـ فإنّ الدليل المعتمد في باب الاستصحاب عبارة عن الروايات التي ذكر فيها كلمة اليقين والشكّ ، أي «لا تنقض اليقين بالشكّ» ومن البديهي تعلّقهما بالأمر التصديقي والقضيّة ؛ إذ الموضوع بوحدته والمحمول بوحدته لا يتعلّق به اليقين ولا الشكّ ، ونستكشف من استعمال كلمة «النقض» في هذا المورد اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة ، وتحقّق الشكّ واليقين بلحاظ الزمان ، ولا يتحقّق فيما نحن فيه اتّحاد القضيّتين ؛ إذ المتيقّن هو وجوب الصلاة المقيّدة بالوقت ، والمشكوك وجوب نفس الصلاة ، فالصلاة المقيّدة بالوقت كانت واجبة ، ولا شكّ في عدم بقائها ، وما نشكّ في بقائه لا يتحقّق له حالة سابقة

٢٥٨

متيقّنة.

إن قلت : إنّ الفقهاء يتمسّكون بالاستصحاب في مثل ما نحن فيه ، مثلا : قام الدليل على أنّ الماء الكرّ إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بملاقاة النجس يصير متنجّسا ، ثمّ وقع البحث في أنّه إذا زال تغيّره من قبل نفسه هل تكون نجاسته باقية أم لا؟ والمحقّقون قائلون ببقاء نجاسته للاستصحاب ، فلا فرق بين هذا المثال وما نحن فيه ؛ إذ الموضوع في كليهما عبارة عن الشيء المقيّد بما هو مقيّد ، كالماء المقيّد بحصول التغيّر في أحد أوصافه الثلاثة كان نجسا ، فتستصحب نجاسته بعد زوال تغيّره من قبل نفسه ، فلم لا يجري الاستصحاب في الواجب الموقّت بعد زوال قيده؟!

قلنا : في مقام الجواب بأنّ بين المثالين فرق في أنّ الحكم في مثل : «صلّ في الوقت» حكم تكليفي ، وفي مثل : «الماء المتغيّر أحد أوصافه الثلاثة نجس» حكم وضعي.

بيان ذلك : أنّه قد مرّ أنّ الأحكام التكليفيّة متعلّقة بنفس الطبائع والماهيّات لا بوجودها ، وما يقول به الفلاسفة : من أنّ الماهيّة من حيث هي هي ليست إلّا هي ، لا موجودة ولا غير موجودة ، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة ، ليس معناه ما استفاد صاحب الكفاية قدس‌سره ، بل معناه أنّ في ماهيّة الإنسان ـ مثلا ـ لا مدخليّة لأيّ شيء سوى الجنس والفصل حتّى الوجود والعدم خارجان عن دائرة الماهيّة ، ولا يكون معنى قولنا : «الطلب متعلّق بالطبيعة» ، جعله جزء لها ، بل معناه أنّ الطلب عارض عليها ، فلا فرق بين قولنا : «الماهيّة موجودة» و «الماهيّة مطلوبة» من هذه الناحية.

وإذا تعلّق الحكم بالطبيعة ، والعنوان يكون من خصوصيّاته أنّ العنوان إذا

٢٥٩

كان مقيّدا بقيد أو موصوفا بوصف لا يمكن انطباقه في غير مورد الوصف والقيد ؛ إذ القيد يوجب محدوديّة المقيّد ، ولا يعقل أن يصدق عنوان الإنسان الأبيض على غير الأبيض ، وعنوان الرجل العالم على غير العالم ، والمأمور به فيما نحن فيه عبارة عن الطبيعة المقيّدة ـ أي الصلاة المقيّدة بالوقت ـ فلا يمكن انطباق هذا العنوان على الصلاة خارج الوقت ، والقضيّة المتيقّنة عبارة عن وجوب الصلاة المقيّدة بالوقت ، والقضيّة المشكوكة عبارة عن أنّ الصلاة في خارج الوقت هل تكون واجبة أم لا؟ ولا يتحقّق الاتّحاد بين القضيّتين بنظر العرف ، فلا مجال لجريان الاستصحاب هاهنا.

وأمّا دليل جريان الاستصحاب في مثل الماء الذي زال تغيّره من قبل نفسه فهو عبارة عن كون الحكم فيه حكما وضعيّا ، ومعلوم أنّه يتعلّق بالوجود الخارجي ، بخلاف الحكم التكليفي ؛ إذ الوجود الخارجي يكون ظرف سقوطه لا ثبوته ، ومتعلّق الحكم الوضعي في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) هو البيع المحقّق في الخارج مع الشرائط المعتبرة الشرعيّة ، وهكذا الماء المتغيّر أحد أوصافه الثلاثة في الخارج نجس ، لا مفهومه ولا وجوده الذهني ، فلا بدّ من تحقّق الماء المتغيّر أوّلا ، ثمّ اتّصافه بالنجاسة ، ولذا يتحقّق الاتّحاد بين القضيّتين ؛ إذ الماء الموجود في الحوض بعد تغيّر أحد أوصافه الثلاثة صار نجسا ، وبعد زوال تغيّره من قبل نفسه يحكم العرف بأنّ هذا الماء كان بالأمس نجسا واليوم يكون مشكوك النجاسة ، فتستصحب نجاسته.

فيرجع الفرق بين المثالين إلى الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي ، وهو أنّ الحكم التكليفي يتحقّق قبل وجود الطبيعة ويسقط به ، بخلاف الحكم الوضعي

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٢٦٠