دراسات في الأصول - ج ٢

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-93-4
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٢٣

في تقسيم الماهيّة إلى أقسام ثلاثة

ذكر الاصوليّون أنّ الماهيّة قد تلاحظ في نفسها فيعبّر عنها بالماهيّة اللابشرط ، وقد تلاحظ مع تقيّد بوجود شيء آخر فيعبّر عنها بالماهيّة بشرط شيء ، وقد تلاحظ مع تقيّد بعدم شيء آخر ، فيعبّر عنها بالماهيّة بشرط لا.

واشكل على هذا التقسيم بأنّه لا بدّ من مغايرة المقسم مع الأقسام كمغايرة كلّ واحد من الأقسام مع الآخر ، والماهيّة اللابشرط هنا عين المقسم ؛ إذ لا فرق بين الماهيّة والماهيّة اللابشرط.

واجيب بأنّ المقسم هنا ليس نفس الماهيّة ، بل هي الماهيّة الملحوظة أو لحاظ الماهيّة بدون دخالة قيد اللحاظ فيه ، ويتحقّق في كلّ الأقسام قيد زائد ، ففي القسم الأوّل لوحظت الماهيّة مع قيد اللابشرط ، وفي الثاني لوحظت الماهيّة مقيّدة مع شيء آخر ، وفي الثالث لوحظت الماهيّة مقيّدة بعدم شيء آخر.

ولكنّ الإمام قدس‌سره (١) قال : إنّ هذا التقسيم تقسيم واقعي وملاك صحّته هو الواقع لا اعتبار المعتبر ، والمقسم جنس الماهيّة التي لها مصاديق مختلفة ؛ بأنّ الماهيّة إذا قيست إلى أيّ شيء خارج عن ذاتها ، إمّا أن يكون ذلك الشيء

__________________

(١) مناهج الوصول إلى علم الاصول ٢ : ٣٢٠ ـ ٣٢٢.

٥٨١

لازم الالتحاق بها بحسب وجودها أو ذاتها ، مثل : الزوجيّة بالنسبة إلى ماهيّة الأربعة ، فماهيّة الأربعة بالنسبة إلى الزوجية تكون مشروطة بشرط شيء ، وإمّا أن يكون ذلك الشيء ممتنع الالتحاق بحسب وجودها أو ذاتها ، كالفرديّة بالنسبة إلى ماهيّة الأربعة ، فهي الماهيّة بشرط لا بالنسبة إلى الفرديّة ، وإمّا أن يكون ذلك الشيء ممكن الالتحاق ، كالوجود بالنسبة إلى الماهيّة ، والكتابة بالنسبة إلى ماهيّة الإنسان ، فهذه هي الماهيّة اللابشرط ، فالماهيّات بحسب نفس الأمر لا تخلو عن أحد هذه الأقسام ، ولا يتخلّف عمّا هي عليه بورود الاعتبار على خلافه.

ومعلوم أنّ هذا بيان دقيق وقابل للاستفادة ، ولكن لا يتمّ به البحث فيما نحن فيه ، فإنّا نبحث في الموضوع له في أسماء الأجناس ، ولا شكّ في كون الوضع أمرا اعتباريّا وجعليّا بدون أيّ دلالة وارتباط ذاتي بين اللفظ والمعنى ، فقد يلاحظ الواضع ماهيّة الحيوان الناطق ويضع لفظ «الإنسان» لنفس هذه الماهيّة ، وقد يلاحظ ماهيّة الحيوان الناطق مقيّدة بقيد الرقّيّة ثمّ يضع لفظ «الرقبة» لها ، ولا يمكن تحقّق الوضع بدون اللحاظ والاعتبار ، فلا بدّ من إضافة هذا المكمّل إلى كلام الإمام قدس‌سره هنا ، فيكون الموضوع له في أسامي الأجناس نفس الماهيّات.

٥٨٢

البحث عن علم الجنس

وأمّا أعلام الأجناس ك «اسامة» و «ثعالة» فقد قال جماعة : إنّه لا فرق بينها وبين أسماء الأجناس ، إلّا أنّ أسماء الأجناس موضوعة لنفس الماهيّة ، وأعلام الأجناس موضوعة لتلك الماهيّة لكن بشرط تعيّنها في الذهن ، ومن هنا يعاملونها معاملة المعرفة دون أسماء الأجناس.

وأشكل عليه صاحب الكفاية قدس‌سره (١) بما محصّله : أنّ أعلام الأجناس لو كانت موضوعة للماهيّة المتعيّنة في الذهن فلازم ذلك أنّها بما لها من المعنى غير قابلة للحمل على الأفراد الخارجيّة ، حيث لا موطن لها إلّا الذهن ، ومعلوم أنّ الموجود الخارجي والذهني متضادّان غير قابلين للاتّحاد والانطباق على الآخر ، فلا يصحّ قولنا : «هذا اسامة» ، مع أنّه لا شبهة في صحّة انطباق أعلام الأجناس بما لها من المعنى على الأفراد الخارجيّة من دون تصرّف وتجريد فيها أصلا ، والحال أنّ الخصوصيّة الذهنيّة لو كانت مأخوذة في معانيها لم يمكن انطباقها عليها بدون تصرّف وتجريد.

هذا ، مضافا إلى أنّ وضع علم الجنس للمعنى المقيّد بالقيد الذهني يحتاج عند الاستعمال دائما إلى تجريده عن خصوصيّته في مقام الاستعمال ، وهذا

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

٥٨٣

لا يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم والملتفت إلى أنّ الوضع مقدّمة الاستعمال ؛ إذ لا شكّ في لغويّة وضع لفظ لمعنى لم يستعمل فيه إلّا قليلا ، كما إذا قال : «اسامة حيوان ناطق» بصورة القضيّة الحمليّة بالحمل الأوّلي في جواب السؤال عن معنى اسامة ، ولذا قال قدس‌سره : التحقيق أنّه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس ، والتعريف فيه لفظي ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي.

ولكن كان للمحقّق الحائري قدس‌سره (١) هنا كلام في مقام الدفاع عن المشهور ، والجمع بين أن تكون قضيّة : «هذا اسامة» قضيّة صحيحة بلا عناية وتجريد ، وبين أن يكون علم الجنس موضوعا للطبيعة بما هي متعيّنة بالتعيّن الذهني.

وتوضيح كلامه : أنّ اللحاظ الدخيل في معناه إن كان لحاظا استقلاليّا يرد عليه ما أورده صاحب الكفاية قدس‌سره ، ولكنّه يمكن أن يكون لحاظا مرآتيّا ، مثل لحاظ الكلّي وتصوّره ، فكما أنّ تصوّر الكلّي ـ كالإنسان ـ لا يوجب صيرورته متشخّصا وجزئيّا بلحاظ مرآتيّته ، مع أنّ الوجود الذهني ـ كالوجود الخارجي ـ مساوق مع التشخّص والجزئيّة ، كذلك ملحوظيّة الذهن دخيلة في معناه ، فلا يكون معنى علم الجنس أمرا ذهنيّا غير قابل للحمل على الموجود الخارجي ، فإنّ لحاظه في الذهن آليّ بحيث صار مغفولا عنه.

ولكن هذا من عجائب كلامه ولا ينبغي صدوره عنه ، فإنّا نبحث في وضع علم الجنس ، ولا بدّ فيه من تصوّر اللفظ والمعنى ، ومعلوم أنّ تصوّرهما آليّ وهكذا تصوّر المتعلّق باللحاظ الذي يكون وصفا للمعنى أو جزء له ، وأمّا نفس هذا اللحاظ فلا محالة يكون استقلاليّا ؛ إذ لا يمكن تعلّق لحاظ آلي

__________________

(١) درر الفوائد ١ : ٢٣٢.

٥٨٤

بلحاظ آلي آخر ، وهذا لا يكون قابلا للمقايسة مع تصوّر الكلّي ؛ إذ لا يكون فيه إلّا لحاظ واحد.

وكان لاستاذنا السيّد الإمام قدس‌سره (١) هنا بيان يحتاج إلى توضيح ، وهو متوقّف على ذكر مقدّمتين :

الاولى : أنّ التعريف والتنكير أمران واقعيّان لا يرتبطان باللحاظ والاعتبار ، ولذا لا يمكن تبديل المعرفة مع حفظ تعريفها بالنكرة ، وبالعكس ، فتكون معاملة المعرفة مع بعض الألفاظ ، مثل «زيد» ، بلحاظ تشخّص معناه وتعيّنه بحسب الواقع ، ودلالة اللفظ على المعنى المتخصّص بالخصوصيّات ، بخلاف النكرة مثل : لفظ «رجل» ؛ إذ لا دلالة له على التعيّن والتشخّص أصلا.

المقدّمة الثانية : أنّ الماهيّة في نفسها ليست بمعرفة ولا نكرة ، ولذا يتوقّف تعريف لفظ «الإنسان» إلى الألف واللام ، وتنكيره إلى التنوين ، وهذا دليل على أنّ الماهيّة بما هي هي لا تتّصف بأنّها معرفة ولا نكرة ، بل قابلة للاتّصاف بهما ، ولفظ «إنسان» بدون التنوين واللّام لا يكون معرفة ولا نكرة.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ المستعمل في مقام الاستعمال قد يكون في مقام بيان ماهيّة الإنسان ـ مثلا ـ وقد يكون في مقام المقايسة بينها وبين سائر الماهيّات وبيان امتيازها عنها ، ومعلوم أنّ لكلّ ماهية خصوصيّة ذاتية لا تتحقّق في ماهيّة اخرى ، وهي لا ترتبط باللحاظ وعدمه ولا بالوجود وعدمه ، ففي نفس ماهيّة الإنسان امتياز لا يتحقّق في ماهيّة البقر ، وبالعكس.

ثمّ قال : إنّ اسم الجنس موضوع للماهيّة فيما كان الغرض بيان نفس الماهيّة ، وعلم الجنس موضوع للطبيعة بما هي متميّزة بذاتها بين المفاهيم ، فإنّ كلّ

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ : ٥٢٩.

٥٨٥

طبيعة إذا لوحظت بالإضافة إلى سائر الطبائع تكون ممتازة عنها ومتعيّنة بذاتها في عالم الواقع ونفس الأمر.

ويستفاد هذا المعنى من إضافة ألف ولام التعريف إلى اسم الجنس ، والفرق بين علم الجنس والمصدّر بألف ولام الجنس أنّه لا يتحقّق في علم الجنس تعدّد الدال والمدلول ، بخلاف مثل الرجل ، فإنّ لفظ «رجل» يدلّ على نفس الماهيّة ، والألف واللّام يدلّ على تميّزها عن سائر الماهيّات ، فيكون علم الجنس معرفة حقيقيّة ، وكان تعريفه بلحاظ الخصوصيّة المتحقّقة في الماهيّة ، لا بلحاظ التقيّد بالأمر الذهني ، فيصحّ تشكيل قضيّة : «هذا اسامة» بدون التصرّف والتجريد.

٥٨٦

البحث عن المفرد المعرّف باللّام

قال صاحب الكفاية قدس‌سره (١) : والمشهور أنّه على أقسام : المعرّف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى ، والظاهر أنّ الخصوصيّة في كلّ واحد من الأقسام من قبل خصوص اللام أو من قبل قرائن المقام من باب تعدّد الدال والمدلول ، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك ، فكان المدخول على كلّ حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول ، والمعروف أنّ اللام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني.

وأنت خبير بأنّه لا تعيّن في تعريف الجنس إلّا الإشارة إلى المعنى المتميّز بنفسه من بين المعاني ذهنا ، ولازمه أن لا يصحّ حمل المعرّف باللّام بما هو معرّف على الأفراد ؛ لما عرفت من امتناع الاتّحاد مع ما لا موطن له إلّا الذهن إلّا بالتجريد ، ومعه لا فائدة في التقيّد بالتعيّن الذهني مع أنّ التأويل والتصرّف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التّعسّف.

هذا ، مضافا إلى أنّ الوضع لما لا حاجة إليه ـ بل لا بدّ من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرّف باللّام أو الحمل

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٧٩ ـ ٣٨١.

٥٨٧

عليه ـ كان لغوا كما أشرنا إليه.

ثمّ قال : فالظاهر أنّ اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين عليهما‌السلام ، واستفادة الخصوصيّات ـ من العهد الخارجي والحضوري والذكري وتعريف الجنس والاستغراق والعهد الذهني ـ إنّما تكون بالقرائن التي لا بدّ منها لتعيينها على كلّ حال ، ولو قيل بإفادة اللّام للإشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة على المعنى مقرونا بتلك الخصوصيّات لا حاجة إلى تلك الإشارة لو لم تكن مخلّة وقد عرفت إخلالها ، فتأمّل جيّدا.

والتحقيق في المسألة : أنّ التعيّن المذكور لا يكون تعيّنا ذهنيّا كما ذكرناه في البحث عن علم الجنس ، بل لنفس الماهيّة تتحقّق حالتان ، فقد تلاحظ الماهيّة من حيث هي هي ، وقد تلاحظ بالمقايسة إلى سائر الماهيّات وامتيازها عنها ، فوضع اسم الجنس للاولى ، وعلم الجنس للثانية من دون ارتباط باللحاظ والتعيّن الذهني.

والفرق بين علم الجنس والمعرّف بلام الجنس في تعدّد الدال والمدلول في الثاني بخلاف الأوّل ، ومحدوديّة دائرة الأوّل في بعض الماهيّات وسعة دائرة الثاني ، فلا يرد على هذا المبنى ما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره من إشكالات.

ويرد على المحقّق الخراساني قدس‌سره : أوّلا : أنّ كون الألف واللّام للتزيين مطلقا لا يصحّ عند المحقّقين من علماء الأدب ، مع تفويت غالب الخصوصيّات والنكات التي تدلّ عليه الألف واللّام.

مضافا إلى أنّ الالتزام بالتزيين يكون في موارد لا بدّ منها ، مثل : الحسن والحسينعليهما‌السلام سيّدا شباب أهل الجنّة.

وثانيا : أنّ قوله قدس‌سره : والمعروف أنّ اللّام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة

٥٨٨

للتعيين في غير العهد الذهني ، لا دليل عليه ؛ إذ لا نقص فيه ، مع أنّ التعريف إن كان بمعنى الإشارة الذهنيّة والالتفات الذهني ـ كما صرّح به قدس‌سره ـ يتحقّق هذا المعنى في العهد الذهني زائدا على غيره ، ومن هنا نستكشف أنّ التعريف ليس بالمعنى المذكور ، بل يكون بمعنى الوضع للماهيّة في مقام بيان امتيازاتها الذاتيّة كما ذكرناه آنفا.

٥٨٩
٥٩٠

الجمع المحلّى باللّام

لا شكّ في أنّ الجمع المحلّى باللّام يفيد العموم والاستغراق ، وإنّما الكلام في كيفيّة دلالته ؛ إذ يحتمل أن يكون مستندا إلى نفس الجمع بأن يكون الجمع المحلّى باللام موضوعا لإفادة العموم ، ويحتمل أن يكون مستندا إلى نفس اللام ، إمّا من طريق وضع اللّام للدلالة على العموم إذا كان مدخوله الجمع ، فلا يكون تعريفا من حيث المعنى أصلا ، وإمّا من طريق دلالة اللّام على التعيين وتعريف المدخول فيرتبط تعريفه بالاستغراق والاستيعاب ؛ إذ لا تعيّن لشيء من مراتب الجمع إلّا الاستغراق ، وهذا هو الظاهر من كلمات المشهور من علماء الأدب.

ولكن استشكل على هذا الاحتمال صاحب الكفاية قدس‌سره (١) بأنّ تعريف الجمع لا يكون مستلزما لتعيّن المرتبة المستغرقة لجميع الأفراد لتعيّن مرتبة اخرى من مراتب الجمع أيضا ، وهي أقلّ مراتبه ، كما لا يخفى ، فلا بدّ أن تكون دلالته على العموم مستندة إلى وضع الجمع المحلّى باللّام للعموم.

والتحقيق : أنّ هذا الإشكال غير وارد على المشهور ، فإنّ التعيّن في ناحية الاستيعاب واضح ، أي كلّ مصداق من مصاديق العلماء ـ مثلا ـ بخلاف أقلّ

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٨١.

٥٩١

المراتب ؛ لتعيّنه من حيث العدد لا من حيث الواقعيّة ، ولذا يكون ثلاثة في قولنا : «أكرم ثلاثة من العلماء» نكرة ومبهما ، نظير : «جئني برجل» ، ولذا يكون المكلّف مختارا في إكرام كلّ ثلاثة ثلاثة منهم ، بخلاف الاستيعاب ، فلا إشكال في دلالة اللّام على تعريف وتعيين المدخول وأن يكون تعيّنه كاشفا عن أكثر مراتب الجمع والاستيعاب.

ولكنّ الأوفق مع الكتب الاصوليّة والأنسب مع ظاهر عناوينها وضع الجمع المحلّى باللّام للدلالة على العموم والاستيعاب ، وهذا لا يتنافي مع كون اللام للتعريف وارتباط العموم بنفس الجمع ، ويؤيّد هذا الاحتمال ذكره في مباحث العامّ والخاصّ بأنّ من الألفاظ الدالّة على العموم الجمع المحلّى باللّام.

النكرة :

ومن الألفاظ التي يطلق عليها لفظ المطلق النكرة ، مثل : «رجل» في قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ)(١) ، أو في قولنا : «جئني برجل» ، وقد عرفت أنّ الماهيّة من حيث هي هي لا تكون نكرة ولا معرفة ، بل قابلة لكليهما ، ولذا نحتاج في تعريفها وتنكيرها إلى اللام والتنوين.

ويستفاد من كلام صاحب الكفاية قدس‌سره أنّ النكرة إذا استعملت في مقام الإخبار تدلّ على ما يكون معيّنا عند المتكلّم وغير معيّن عند المخاطب ، وإذا استعملت في مقام الإنشاء تدلّ على الطبيعة المبهمة عند كلّ منهما ومقيّدة بقيد الوحدة ، فالنكرة في مقام الإخبار وضعت للموجود المشخّص عند المخبر والمبهم عند المخاطب ، وفي مقام الإنشاء وضعت للماهيّة المبهمة المقيّدة بقيد الوحدة.

__________________

(١) يس : ٢٠.

٥٩٢

ويرد عليه : أوّلا : من البعيد تعدّد الوضع في باب النكرة بحسب الواقع.

وثانيا : أنّ التعيّن الذي يتحقّق في مقام الإخبار لا يرتبط بالنكرة ، فإنّ كلمة «رجل» في كلتا الحالتين تدلّ على الماهيّة المقيّدة بقيد الوحدة من دون فرق بين الإخبار والإنشاء ، ولكنّ إسناد الفعل الخارجي ـ مثل المجيء ـ إلى هذه الطبيعة يوجب التعيّن ، فوقوعها فاعلا لما يحكي عن الواقعيّة الخارجيّة يوجب ذلك.

وهذا إشكال جيّد ، ونضيف إليه أمرين :

الأوّل : كلّما وقعت النكرة في مقام الإخبار لا تكون معيّنة عند المتكلّم ؛ إذ يمكن أن تكون عنده أيضا مبهمة لعروض النسيان. مثلا : كان عالما بمجيء رجل عنده قبل مدّة ولكنّه لم يلتفت فعلا إلى خصوصيّاته ، فيقول في مقام الإخبار : «جاءني رجل قبل شهر» مثلا.

الأمر الثاني : ما يحتاج إلى بيان مقدّمة ، وهي : أنّ الأمر المحقّق في الخارج لا محالة يكون معيّنا ومشخّصا بحسب الواقع من تمام الجهات ، ولكنّ المخبر في مقام الحكاية عنه قد يتعلّق غرضه بحكايته مع جميع الخصوصيّات الزمانيّة والمكانيّة ونحو ذلك ، وقد يتعلّق بحكايته مجملا للمصالح المقتضية له ، كما مرّ نظيره في باب الحروف في مثل : «سرت من البصرة إلى الكوفة» ، فإنّ السير الخارجي يكون بحسب الواقع مشخّصا ، ولكنّ المتكلّم قد يكون في مقام بيان سيره مع جميع خصوصيّاته ، وقد يكون في مقام بيانه إجمالا.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ المتكلّم في مقام الحكاية عن مجيء رجل عنده لا يكون في مقام بيان الواقعيّة بتمامها ؛ لاقتضاء المصلحة الإخبار لبيان مجيء الطبيعة المقيّدة بقيد الوحدة فقط ، ولذا يقول : «جاءني رجل» ، فالواقعيّة

٥٩٣

مشخّصة بدون دلالة إسناد المجيء إليها على التعيّن ، فيكون هذا القول مرآة لبعض الواقعيّة لا لتمامها كما توهّمه صاحب الكفاية قدس‌سره والمستشكل ، ونفس العبارة تهدينا إلى عدم كون المتكلّم في مقام الحكاية عن تمام الخصوصيّات ، فلا يكون في باب النكرة إلّا وضعا واحدا ، والموضوع له هي الماهيّة المقيّدة بقيد الوحدة من دون فرق بين مقام الإخبار ومقام الإنشاء.

ثمّ قال صاحب الكفاية قدس‌سره (١) : إذا عرفت ذلك فالظاهر صحّة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني ـ أي إذا استعملت في مقام الإنشاء ـ كما يصحّ لغة ، وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الإطلاق على وفق اللغة من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى.

نعم ، لو صحّ ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا للماهيّة المقيّدة بالإرسال والشمول البدلي لم يكن اسم الجنس والنكرة من مصاديق المطلق ؛ لفقدان قيد الشمول فيهما ، حيث إنّ اسم الجنس وضع للماهيّة المبهمة من دون لحاظ قيد معها ، والنكرة وضعت للماهيّة المقيّدة بالوحدة ، فلحاظ الشمول مفقود في كليهما ، إلّا أنّ الكلام في صدق النسبة.

ثمّ قال : ولا يخفى أنّ المطلق بهذا المعنى ـ أي المقيّد بالشمول ـ غير قابل لطروّ القيد ، فإنّ الإطلاق المقيّد بالسريان والشمول ينافي التقييد ويعانده ، بل وهذا بخلاف المطلق بالمعنيين المذكورين لاسم الجنس والنكرة ـ أي صرف الطبيعة المهملة والطبيعة المقيّدة بالوحدة ـ فإنّهما قابلان للتقييد ، وعلى ما ذكر من معنيي اسم الجنس والنكرة لا يلزم من التقييد مجاز في المطلق ؛ لإمكان إرادة معنى لفظ المطلق من لفظه وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال ، فيراد

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

٥٩٤

المقيّد بتعدّد الدالّ والمدلول ، وإنّما يستلزم التقييد مجازا بناء على المعنى المنسوب إلى المشهور للمطلق ، وهو الماهيّة المقيّدة بالشيوع والإرسال ؛ لاستلزام التقييد تجريده عن قيد الإرسال ، فيكون المطلق حينئذ مستعملا في جزء معناه ، فيصير مجازا ، ومن هنا يستفاد عدم صحّة النسبة المذكورة.

والتحقيق : أنّ ذيل كلامه قدس‌سره كلام جيّد ، ولكن يرد على صدر كلامه قدس‌سره ما ذكرناه من أنّ النكرة ـ سواء استعملت في مقام الإخبار أم في مقام الإنشاء ـ يكون لها معنى واحد ، وهي الطبيعة المقيّدة بقيد الوحدة.

ولو فرضنا كونها في مقام الإخبار بمعنى الفرد المعيّن عند المتكلّم والمبهم عند المخاطب ، ولكنّك عرفت أنّنا ذكرنا إمكان جريان الإطلاق والتقييد في الجزئيّات أيضا وعدم محدوديّتهما في الكلّيّات ، كما في مثل قولنا : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، فإنّ قيد المجيء يرجع إلى الهيئة لدى المشهور ، مع كونها من ملحقات الحروف ، ومعناها جزئيّ عندهم ، بل لو كان المجيء قيدا للمادّة ـ كما قال به الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره ـ أيضا يكون قيدا للجزئي ، فإنّ الإكرام المضاف إلى الجزئي يكون جزئيّا ، فعلى كلا التقديرين يرجع القيد إلى الجزئي ، بل يكون نوع القيود في الكلمات قيودا للجزئي كما في قولنا : «ضربت زيدا يوم الجمعة» ؛ إذ يكون يوم الجمعة قيدا لوقوع الضرب الخارجي على زيد ، ولا شكّ في جزئيّته ، وهكذا القيود الاخرى.

فعلى فرض صحّة القول بدلالة النكرة في مقام الإخبار على المعنى الجزئي ، لا ينافي هذا مع الإطلاق ، كما لا يخفى.

ولكنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) بعد إنكار النسبة المذكورة إلى المشهور في هذا

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

٥٩٥

الفصل يقول في الفصل الآتي بما ينافيه ، فإنّه قال : «قد ظهر لك أنّه لا دلالة لمثل «رجل» إلّا على الماهيّة المبهمة وضعا ، وأنّ الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عمّا وضع له ، فلا بدّ في الدلالة على الشياع من قرينة حال أو مقال أو حكمة ، وهي تتوقّف على مقدّمات».

ويستفاد من هذه العبارة أنّ بعد تماميّة مقدّمات الحكمة يكون لقيد السريان دخل في الماهيّة بعنوان قيد المعنى ، مع أنّه ليس كذلك بعد ملاحظة أمرين :

الأوّل : أنّ مسألة الدلالة اللفظيّة الوضعيّة غير مسألة الاتّحاد الخارجي ، فمثل : «زيد إنسان» قضيّة حمليّة ، ويكون الموضوع من مصاديق المحمول خارجا ومتّحد معه ، مع أنّه لا يعقل دلالة لفظ الإنسان على زيد وحكايته عنه ؛ إذ الدلالة الوضعيّة اللفظيّة محدودة بالموضوع له ، ولا تتجاوز عنه ، إلّا أن يكون الاستعمال مجازا فيما تحقّقت علاقة من العلائق المشهورة ، فالاتّحاد في الوجود مسألة ، والدلالة والحكاية مسألة اخرى ، ولذا نرى اتّحاد الصلاة والغصب وجودا في بعض الموارد مع عدم حكاية أيّ منهما عن الآخر أصلا.

الأمر الثاني : أنّ أصالة العموم أصل عقلائي لفظي مستند إلى الوضع ، فلفظ العقود في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) جمع محلّى باللام قد وضعه الواضع للدلالة على العموم ، بخلاف أصالة الإطلاق فإنّها أصل عقلي مستند إلى مقدّمات الحكمة؛ إذ العقل بعد تماميّة مقدّمات الحكمة يحكم بأنّ تمام المراد نفس الماهيّة والطبيعة ، مع اشتراكهما في المرجعيّة حين الشكّ في التخصيص والتقييد ، فيتحقّق بينهما فرق حقيقيّ فاحش ، ففي مثل : «أكرم كلّ عالم» تتحقّق الحكاية عن الأفراد بالحكاية الإجماليّة ؛ لاستناد أصالة العموم

٥٩٦

إلى اللفظ ، ولا تتحقّق الحكاية عنها في أصالة الإطلاق أصلا ، لا بالحكاية التفصيليّة ولا بالحكاية الإجماليّة ، فلا مجال للشيوع والسريان ولو بنحو البدليّة في معنى المطلق ، ولا دخل له فيه ولو بمعونة القرينة.

ففي المطلق تمام الموضوع وتمام المتعلّق هي الماهيّة ؛ ولذا يحصل الامتثال والموافقة بإتيان كلّ فرد من أفرادها ، فلا يرجع الإطلاق إلى العموم.

مقدّمات الحكمة

ويتحقّق في كلّ واحد منها بحثان : الأوّل : في تعريفه ومعناه ، البحث الثاني : في مقدّميّته ، والأقوال فيهما مختلفة ، مع أنّ الغرض من الأخذ بالإطلاق هو الاحتجاج على المولى ورفع المؤاخذة عن المكلّف.

المقدّمة الاولى : أن يكون المولى في مقام بيان تمام مراده لا في مقام الإجمال والإهمال ، ومعلوم أنّ المقصود من المراد في هذه المقدّمة هو المراد الاستعمالي لا المراد الجدّي ، وإلّا يكون الدليل المقيّد كاشفا عن عدم الإطلاق ، وأنّ المولى لم يكن في مقام بيان تمام مراده ، ولم تكن مقدّمات الحكمة تامّة ، فلا يمكن التمسّك بأصالة الإطلاق في مورد الشكّ في التقييد ، فتتوقّف تماميّة المقدّمة الاولى على كون المقصود منه المراد الاستعمالي ؛ ولذا نقول بحمل المطلق على المقيّد ، يعني ما ثبت له الإطلاق واحرز عنوان كونه مطلقا يحمل على المقيّد ، ويكون لأصالة الإطلاق نظير أصالة العموم عنوان الأصل الأوّلي والقانون والمرجع في موارد الشكّ ، وهذا لا يكون قابلا للجمع مع كون المراد الجدّي هو جميع المصاديق ؛ لعدم كونه قابلا للتقييد والاستثناء.

وفي مقابل كون المولى في مقام بيان تمام مراده الاستعمالي أن يكون في مقام الإجمال والإهمال ، فإذا تعلّق غرض المولى ببيان الحكم مجملا يعبّر عنه

٥٩٧

بالإجمال ، وإذا لم يتعلّق غرضه ببيان المراد لا بنحو التفصيل ولا بنحو الإجمال فيعبّر عنه بالإهمال ، وكلّ منهما مانع عن تماميّة المقدّمة الاولى. هذا تمام البحث الأوّل في هذه المقدّمة.

البحث الثاني : في مقدّميّتها ، وأنّ إحراز كون المولى في مقام بيان تمام مراده دخيل في إثبات الإطلاق أم لا؟ والمحقّق الحائري قدس‌سره (١) يدّعي أنّا لا نحتاج إلى هذه المقدّمة لإثباته مع قوله بأنّ المطلق يكون بالمعنى الذي نسب إلى المشهور أي السريان في جميع الأفراد ـ لا بأنّ تمام المتعلّق هي نفس الماهيّة كما ذكرناه.

ومحصّل كلامه قدس‌سره أنّ قول المولى : «اعتق رقبة» ـ مثلا ـ مردّد بين المطلق والمقيّد ، وأنّ إرادته متعلّقة بمطلق عتق الرقبة أم متعلّقة بعتق رقبة مؤمنة؟ ولا ثالث ، فإن كان مراده عتق مطلق الرقبة فلا مغايرة بين اللفظ ومراده ، ولا احتياج إلى سؤال وتوجيه المولى ، وإن كان مراده عتق خصوص رقبة مؤمنة مع عدم ذكره قيد الإيمان في اللفظ مع مدخليّته في المراد ، فيكون هنا مجال للسؤال عن علّة هذا التعبير ، ولا بدّ للمولى من توجيهه بأنّه لو كان المراد مقيّدا تكون الإرادة متعلّقة به بالأصالة ، وبالمطلق بالتّبع لمكان الاتّحاد ، فإذا تعلّقت إرادة المولى بحضور عالم عنده يصحّ القول بتعلّق إرادته بحضور رجل عنده بالتّبع.

والظاهر في دوران الأمر بينهما أنّ الإرادة أوّلا وبالذات متعلّقة بالمطلق وبما لا يحتاج إلى السؤال والتوجيه ، لا بما يحتاج إلى هذه المشقّة ، ونحن نأخذ بالظاهر كما في سائر الموارد ، وبعد تسلم هذا الظهور تسري الإرادة إلى تمام

__________________

(١) درر الفوائد : ٢٣٤.

٥٩٨

الأفراد ، وهذا معنى الإطلاق ، ولا نحتاج إلى كون المولى في مقام بيان تمام المراد ، فلا نحتاج إلى المقدّمة الاولى من مقدّمات الحكمة في حمل كلام المولى على المطلق.

ويرد عليه؟ أوّلا : أنّ لازم نفي المقدّمة الاولى من مقدّمات الحكمة عدم الفرق بين كون المولى في مقام بيان تمام المراد أو في مقام الإجمال أو الإهمال في حمل كلامه على المطلق ، وإن تحقّقت القرينة على كون المولى في مقام بيان أصل القانون ، لا في مقام بيان خصوصيّاته ، مثل : أن يقول : «إنّ الصلاة من الواجبات» مع ذلك يحمل كلامه على الإطلاق وينفي به الأجزاء والشرائط المشكوكة ، وهذا ممّا لا يكون قابلا للالتزام ، ولا يقول به أحد.

وثانيا : أنّ الظاهر الذي يقتضي حمل الكلام بما لا يحتاج إلى السؤال والتوجيه لا يرتبط باللفظ ؛ إذ لا دلالة له إلّا على المعنى الموضوع له ، وتطبيق مفاد اللفظ على مراد المتكلّم خارج عن دائرة اللفظ ، بل يرتبط بمقدّمات الحكمة ، فإنّ العقلاء بعد تماميّتها يحكمون بأنّ مراد المولى هو عتق مطلق الرقبة وإن لم تكن مقدّمات الحكمة تامّة ، أي ظهور يقتضي أن يحمل الكلام على كون المراد هو المطلق دون المقيّد ، مع عدم دلالة اللفظ على تعيين مراد المولى ، ولذا لا تكون مقدّميّة هذه المقدّمة قابلة للإنكار ، ولا يصحّ البيان المذكور.

المقدّمة الثانية : عدم القرينة على التقييد وانتفاء ما يوجب التعيين في كلام المولى ، فلا مجال للتمسّك بالإطلاق مع وجودها ، فيحتمل أن يكون المقصود من عدم القرينة على التقييد عدم القرينة المتّصلة عليه ، ويحتمل أن يكون المقصود منه الأعمّ من المتّصلة والمنفصلة ، فإن تحقّقت قرينة متّصلة في الكلام على التقييد فلا معنى لحمله على الإطلاق ، سواء كانت بصورة الوصف ، مثل :

٥٩٩

«إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة» أم بصورة الاستثناء ، ولكن هذا الاحتمال لا يرتبط بمورد مقدّمات الحكمة ، فإنّ مجراها هو الشكّ في مراد المولى ، ودوران الأمر بين المطلق والمقيّد ، ومع وجود قرينة متّصلة في الكلام لا يبقى الشكّ في المراد ، فهذا الاحتمال خارج عن مجراها.

وعلى الثاني ـ يعني كون بيان القيد وإن كان بالقرينة المنفصلة مانعا عن جريان الإطلاق ـ قلنا : إنّه لا ينطبق على تعبيرات المعروف والمشهور بين الاصوليّين ، فإنّ المولى إذا قال : «اعتق رقبة» وقال أيضا بعد مدّة : «لا تعتق الرقبة الكافرة» ، يقولون في مقام الجمع بينهما : إنّ المطلق يحمل على المقيّد ، يعني المطلق الذي قد ثبت إطلاقه يحمل عليه ، لا أنّ دليل المقيّد كان كاشفا عن عدم الإطلاق للمطلق ، مع أنّ هذا الاحتمال يرجع إلى كاشفيّة القرينة المنفصلة على التقييد عن عدم ثبوت الإطلاق من أوّل الأمر ، ومعلوم أنّ القرينة المنفصلة لا توجب الإخلال في الإطلاق ، فلا يعدّ عدم القرينة على التقييد من مقدّمات الحكمة.

المقدّمة الثالثة : انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، ومعلوم أنّه يتحقّق لكلّ مطلق مصاديق ظاهرة ومتيقّنة ، والمقدّمة الثالثة هنا لا تكون عبارة عن عدم الفرد الجليّ والمتيقّن للمطلق ، بل عبارة عن عدم الفرد المتيقّن في مقام التخاطب ؛ بأن تكون الرقبة المؤمنة مورد البحث والمقاولة بين المكلّف والمولى ، وفي هذا الحال قال المولى : «اعتق رقبة» وكان مراده عتق خصوص الرقبة المؤمنة. وهذا لا يتنافي مع كون المولى في مقام البيان ، فإنّ صدور الحكم في هذا الحال يوجب انطباقه على الرقبة المؤمنة بدون أيّ إخلال في الغرض.

٦٠٠