تفسير القرآن العظيم - ج ٢

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٢

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٤٤٠

جميع أصحابه.

وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) قال ابن جرير (١) : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يعني قبل موت عيسى يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال ، فتصير الملل كلها واحدة ، وهي ملة الإسلام الحنيفية ، دين إبراهيم عليه‌السلام. ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ، قال : قبل موت عيسى ابن مريم عليه‌السلام. وقال العوفي عن ابن عباس مثل ذلك ، وقال أبو مالك في قوله : (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال : ذلك عند نزول عيسى ، وقبل موت عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به وقال الضحاك عن ابن عباس (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) : يعني اليهود خاصة. وقال الحسن البصري : يعني النجاشي وأصحابه ، رواهما ابن أبي حاتم. وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا أبو رجاء (٢) عن الحسن (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال : قبل موت عيسى والله إنه لحي عند الله ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن عثمان اللاحقي ، حدثنا جويرية بن بشير ، قال : سمعت رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد ، قول الله عزوجل : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ، قال : قبل موت عيسى ، إن الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر. وكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد ، وهذا القول هو الحق ، كما سنبينه بعد بالدليل القاطع إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.

قال ابن جرير (٣) : وقال آخرون : يعني بذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) بعيسى قبل موت صاحب الكتاب ، ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، في الآية ، قال : لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى. حدثني ابن المثنى ، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) كل صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته قبل موت صاحب الكتاب. وقال ابن عباس : لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى. حدثنا ابن حميد ، حدثنا أبو نميلة يحيى بن واضح ، حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لا يموت اليهودي حتى يشهد أن

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٣٥٦.

(٢) في الطبري : «حدثنا ابن علية عن أبي رجاء».

(٣) تفسير الطبري ٤ / ٣٥٨.

٤٠١

عيسى عبد الله ورسوله ، ولو عجل عليه بالسلاح ، حدثني إسحاق بن إبراهيم وحبيب بن الشهيد ، حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال : هي في قراءة أبي قبل موتهم ، ليس يهودي يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى ، قيل لابن عباس : أرأيت إن خرّ من فوق بيت؟ قال : يتكلم به في الهويّ ، قيل : أرأيت إن ضربت عنق أحدهم؟ قال : يلجلج بها لسانه ، وكذا روى سفيان الثوري عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه‌السلام وإن ضرب بالسيف تكلم به ، قال : وإن هوى تكلم به وهو يهوي ، وكذا روى أبو داود الطيالسي عن شعبة ، عن أبي هارون الغنوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فهذه كلها أسانيد صحيحة إلى ابن عباس ، وكذا صح عن مجاهد وعكرمة ومحمد بن سيرين ، وبه يقول الضحاك وجويبر. وقال السدي وحكاه عن ابن عباس ، ونقل قراءة أبي بن كعب : قبل موتهم ، وقال عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن فرات القزاز ، عن الحسن في قوله : (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال : لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت ، وهذا يحتمل أن يكون مراد الحسن ما تقدم عنه ، ويحتمل أن يكون مراده ما أراده هؤلاء.

قال ابن جرير (١) ، وقال آخرون : معنى ذلك وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل موت صاحب الكتاب (٢).

ذكر من قال ذلك : (٣) حدثني ابن المثنى ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد عن حميد ، قال : قال عكرمة : لا يموت النصراني ولا اليهودي حتى يؤمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم [يعني في] (٤) قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ثم قال ابن جرير : وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول ، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه‌السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه‌السلام ، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح ، لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه ، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك ، فأخبر الله أنه لم يكن كذلك ، وإنما شبّه لهم ، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك ، ثم إنه رفعه إليه ، وإنه باق حي ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة ، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا ، فيقتل مسيح الضلالة ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان ، بل

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٣٦٠.

(٢) في الطبري : «قبل موت الكتابي».

(٣) العبارة للطبري.

(٤) زيادة من الطبري.

٤٠٢

لا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم ، ولهذا قال : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) أي قبل موت عيسى عليه‌السلام الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض. فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى أن كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد عليهما الصلاة والسلام ، فهذا هو الواقع ، وذلك أن كل أحد عند احتضاره وينجلي له ما كان جاهلا به ، فيؤمن به ، ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعا له ، إذا كان قد شاهد الملك ، كما قال تعالى في أول هذه السورة (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء : ١٨]. وقال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] ، وهذا يدل على ضعف ما احتج به ابن جرير في رد هذا القول حيث قال : ولو كان المراد بهذه الآية هذا ، لكان كل من آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بالمسيح ممن كفر بهما يكون على دينهما ، وحينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه ، لأنه قد أخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته ، فهذا ليس بجيد إذ لا يلزم من إيمانه أنه يصير بذلك مسلما ، ألا ترى قول ابن عباس : ولو تردى من شاهق أو ضرب بالسيف أو افترسه سبع ، فإنه لا بد أن يؤمن بعيسى ، فالإيمان في هذه الحال ليس بنافع ولا ينقل صاحبه عن كفره لما قدمناه ، والله أعلم.

ومن تأمل جيدا وأمعن النظر ، اتضح له أنه هو الواقع ، لكن لا يلزم منه أن يكون المراد بهذه الآية هذا ، بل المراد بها الذي ذكرناه من تقرير وجود عيسى عليه‌السلام وبقاء حياته في السماء وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ليكذب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى الذين تباينت أقوالهم فيه ، وتصادمت وتعاكست وتناقضت وخلت عن الحق ، ففرط هؤلاء اليهود ، وأفرط هؤلاء النصارى تنقصة اليهود بما رموه به وأمه من العظائم ، وأطراه النصارى بحيث ادعوا فيه ما ليس فيه ، فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية ، تعالى عما يقول هؤلاء وهؤلاء علوا كبيرا ، وتنزه وتقدس لا إله إلا هو.

ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض من السماء في آخر الزمان

قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له

قال البخاري (١) رحمه‌الله في كتاب ذكر الأنبياء من صحيحه المتلقى بالقبول : نزول عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن أبي صالح عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي

__________________

(١) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٩)

٤٠٣

نفسي بيده ، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، وحتى تكون السجدة خيرا لهم من الدنيا وما فيها» ، ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) ، وكذا رواه مسلم (١) عن الحسن الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن يعقوب به ، وأخرجه البخاري (٢) ومسلم أيضا من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري به. وأخرجاه من طريق الليث عن الزهري (٣) به ، ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، يقتل الدجال ، ويقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ويفيض المال ، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين» قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) موت عيسى ابن مريم ، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.

طريق أخرى : عن أبي هريرة : قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا روح بن أبي حفصة عن الزهري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليهلنّ عيسى بفج الروحاء بالحج أو العمرة ، أو ليثنينهما جميعا» ، وكذا رواه مسلم منفردا به من حديث ابن عيينة ، والليث بن سعد ويونس بن يزيد ، ثلاثتهم عن الزهري به. وقال أحمد (٥) : حدثنا يزيد ، حدثنا سفيان هو ابن حسين عن الزهري ، عن حنظلة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ، ويمحو الصليب ، وتجمع له الصلاة ، ويعطى المال حتى لا يقبل ، ويضع الخراج ، وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما» قال : وتلا أبو هريرة (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) الآية ، فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال : يؤمن به قبل موت عيسى ، فلا أدري هذا كله حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو شيء قاله أبو هريرة ، وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه عن أبي موسى محمد بن المثنى ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين عن الزهري به.

طريق أخرى : قال البخاري (٦) : حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث عن يونس ، عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كيف بكم إذا نزل

__________________

(١) صحيح مسلم (إيمان حديث ٢٤٢ و ٢٤٣)

(٢) صحيح البخاري (فظالم باب ٣١)

(٣) صحيح البخاري (بيوع باب ١٠٢) وصحيح مسلم (إيمان حديث ٢٤٢ و ٢٤٣)

(٤) مسند أحمد ٢ / ٥١٣.

(٥) مسند أحمد ٢ / ٢٦٠.

(٦) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٩)

٤٠٤

فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم» تابعه عقيل والأوزاعي ، وهكذا رواه الأمام أحمد (١) عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عثمان بن عمر ، عن ابن أبي ذئب ، كلاهما عن الزهري به. وأخرجه مسلم (٢) من رواية يونس والأوزاعي وابن ذئب به.

طريق أخرى : قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أنبأنا قتادة عن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن نبي بيني وبينه ، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه : رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران (٤) ، وكأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون» وكذا رواه أبو داود (٥) عن هدبة بن خالد ، عن همام بن يحيى ورواه ابن جرير (٦) ولم يورد عند هذه الآية سواه ، عن بشر بن معاذ ، عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، كلاهما عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم وهو مولى أم برثن صاحب السقاية ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر نحوه ، وقال : يقاتل الناس على الإسلام ، وقد روى البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ، ليس بيني وبينه نبي» ، ثم رواه محمد بن سنان عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ، الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد». وقال إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن بشار ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...

حديث آخر : قال مسلم (٧) في صحيحه : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا يعلى بن منصور ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تقوم

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٢٧٢.

(٢) صحيح مسلم (إيمان حديث ٢٤٤ ـ ٢٤٦)

(٣) مسند أحمد ٢ / ٤٠٦.

(٤) الثوب الممصر : الذي فيه صفرة خفيفة.

(٥) سنن أبي داود (ملاحم باب ١٤)

(٦) تفسير الطبري ٤ / ٣٦١.

(٧) صحيح مسلم (فتن حديث ٣٤)

٤٠٥

الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا ، قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتله ، فيقول المسلمون : لا والله ، لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبدا ، فيفتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج ، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم ، فيؤمهم ، فإذا رآه عدو الله ، ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته».

حديث آخر : قال أحمد (١) : حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن غفارة ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لقيت ليلة أسري بي ، إبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام ، فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال : لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى موسى فقال : لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال : أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيما عهد إليّ ربي عزوجل أن الدجال خارج ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص ، قال : فيهلكه الله إذا رآني ، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله ، قال : فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيطؤون بلادهم ، فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ، قال : ثم يرجع الناس يشكونهم ، فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى (٢) الأرض من نتن ريحهم ، وينزل المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر ، ففيما عهد إليّ ربي عزوجل أن ذلك إذا كان كذلك ، أن الساعة كالحامل المتم (٣) ، لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارا» ، رواه ابن ماجة عن محمد بن بشار ، عن يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب ، به نحوه.

حديث آخر : قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، قال : أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه ، فلما حضرت الجمعة ، أمرنا فاغتسلنا ، ثم أتينا بطيب فتطيبنا ، ثم جئنا المسجد فجلسنا إلى رجل فحدثنا عن الدجال ، ثم جاء عثمان بن أبي العاص ، فقمنا إليه

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٧٥.

(٢) تجوى : تنتن.

(٣) الحامل المتمّ : التي اتمّت حملها وشارفت على الوضع.

(٤) مسند أحمد ٤ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

٤٠٦

فجلسنا ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يكون للمسلمين ثلاثة أمصار : مصر بملتقى البحرين ، ومصر بالحيرة ، ومصر بالشام ، فيفزع الناس ثلاث فزعات ، فيخرج الدجال في أعراض الناس ، فيهزم من قبل المشرق ، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين ، فيصير أهلها ثلاث فرق : فرقة تقول نقيم (١) نشامه ننظر ما هو ، وفرقة تلحق بالأعراب ، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم ، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان (٢) ، وأكثر من معه اليهود والنساء ، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق (٣) ، فيبعثون سرحا لهم ، فيصاب سرحهم فيشتد ذلك عليهم ، ويصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله ، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر : يا أيها الناس أتاكم الغوث «ثلاثا» فيقول بعضهم لبعض : إن هذا لصوت رجل شبعان ، وينزل عيسى ابن مريم عليه‌السلام عند صلاة الفجر ، فيقول له أميرهم : يا روح الله ، تقدم صل ، فيقول : هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض ، فيتقدم أميرهم فيصلي ، حتى إذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته ، فيذهب نحو الدجال ، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص ، فيضع حربته بين ثندوته (٤) فيقتله ، ويهزم أصحابه ، فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا ، حتى إن الشجرة تقول : يا مؤمن هذا كافر ، ويقول الحجر : يا مؤمن هذا كافر» تفرد به أحمد من هذا الوجه.

حديث آخر : قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة (٥) في سننه : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا عبد الرحمن المحاربي عن إسماعيل بن رافع أبي رافع ، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه ، فكان من قوله أن قال : «لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدمعليه‌السلام أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم ، فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه ، وإن الله خليفتي في كل مسلم ، وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا ، ألا يا عباد الله : أيها الناس فاثبتوا ، وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي : إنه يبدأ فيقول : أنا نبي فلا نبي بعدي ، ثم يثني فيقول : أنا ربكم ، ولا ترون ربكم حتى تموتوا ، وإنه أعور وإن ربكم عزوجل ليس بأعور ، وإنه مكتوب بين عينيه : كافر ، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ، وإن من فتنته أن معه جنة

__________________

(١) في المسند : «فرقة تقول : نشامه» وشام الشيء : اختبره.

(٢) السيجان : جمع ساج ، وهو الطيلسان الأخضر.

(٣) أفيق : موضع في حوران.

(٤) الثندوة من الرجل كالثدي من المرأة.

(٥) سنن ابن ماجة (فتن باب ٣٣)

٤٠٧

ونارا ، فناره جنة وجنته نار ، فمن ابتلي بناره فليستغث بالله ، وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما ، كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم ، وإن من فتنته أن يقول للأعرابي : أرأيت إن بعثت أمك وأباك ، أتشهد أني ربك؟ فيقول : نعم ، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ، فيقولان : يا بني اتبعه فإنه ربك ، وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين ، ثم يقول : انظر إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ، ثم يزعم أن له ربا غيري ، فيبعثه الله فيقول له الخبيث : من ربك؟ فيقول : ربي الله ، وأنت عدو الله الدجال ، والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم» قال أبو حسن الطنافسي : فحدثنا المحاربي ، حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة» قال أبو سعيد : والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب ، حتى مضى لسبيله.

ثم قال المحاربي : رجعنا إلى حديث أبي رافع قال : وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، فيأمر الأرض أن تنبت فتنبت ، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه ، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت ، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت ، وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا ، وأنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه ، إلا مكة والمدينة ، فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الظريب (١) الأحمر عند منقطع السبخة ، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، فينفى الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص. فقالت أم شريك بنت أبي العكر : يا رسول الله ، فأين العرب يومئذ؟ قال : «هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس ، وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى عليه‌السلام ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول : تقدم فصل ، فإنها لك أقيمت ، فيصلي بهم إمامهم ، فإذا انصرف قال عيسى : افتحوا الباب ، فيفتح ، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ، فيقول عيسى : إن لي فيك ضربة لم تسبقني بها ، فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله ، ويهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالى يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة ـ إلا الغرقدة (٢) ، فإنها من شجرهم لا تنطق ـ إلا قال : يا عبد الله المسلم ، هذا يهودي فتعال اقتله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وإن أيامه أربعون سنة

__________________

(١) الظريب : تصغير ظرب ، وهو الجبل الصغير.

(٢) الغرقدة : شجرة الشوك.

٤٠٨

السنة كنصف السنة ، والسنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، وآخر أيامه كالشررة ، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي» فقيل له : كيف نصلي يا نبي الله في تلك الأيام القصار؟ قال : «تقدرون الصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال ، ثم صلوا» قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، يدق الصليب ويذبح الخنزير ، ويضع الجزية ، ويترك الصدقة ، فلا يسعى على شاة ولا بعير ، وترتفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة (١) كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره ، وتفر (٢) الوليدة الأسد فلا يضلها ، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء ، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله ، وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها ، وتكون الأرض لها نور الفضة وتنبت نباتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ، ويكون الثور بكذا وكذا من المال ، ويكون الفرس بالدريهمات» قيل : يا رسول الله ، وما يرخص الفرس؟ قال : «لا تركب لحرب أبدا» قيل له : فما يغلي الثور؟ قال : يحرث الأرض كلها ، وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد ، يصيب الناس فيها جوع شديد ، ويأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها ، ثم يأمر الله السماء في السنة الثانية ، فتحبس ثلثي مطرها ، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ، ثم يأمر الله عزوجل السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله ، فلا تقطر قطرة ، ويأمر الأرض أن تحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء ، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله» قيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال : «التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام». قال ابن ماجة : سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول : ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب.

هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه ، ولبعضه شواهد من أحاديث أخر ، من ذلك ما رواه مسلم ، وحديث نافع وسالم عن عبد الله بن عمر وقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله» وله من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ـ إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود».

ولنذكر حديث النواس بن سمعان هاهنا لشبهه بهذا الحديث. قال مسلم بن الحجاج في

__________________

(١) الحمة : إبرة العقرب.

(٢) تفرّه : تحمله على الفرار.

٤٠٩

صحيحه (١) : حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص ، حدثني عبد الرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي (ح) (٢) وحدثنا محمد بن مهران الرازي(٣) ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان ، قال : ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا ، فقال : «ما شأنكم؟» قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ، ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ، قال : «غير الدجال أخوفني (٤) عليكم. إن يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط (٥) ، عينه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وعاث شمالا ، يا عباد الله فاثبتوا» قلنا : يا رسول الله فما لبثه في الأرض؟ قال : «أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم» قلنا : يا رسول الله ، وما إسراعه في الأرض؟ قال : «كالغيث استدبرته الريح فيأتي على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ، ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم (٦) أطول ما كانت ذرى ، وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض (٧) ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه‌السلام ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين (٨) ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان اللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب اللد ،

__________________

(١) صحيح مسلم (فتن وأشراط الساعة حديث ١١٠)

(٢) انتقال إلى إسناد آخر.

(٣) أضاف مسلم هنا : «واللفظ له».

(٤) أضاف أفعل التفضيل : «أخوف» إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية. وهذا الاستعمال صحيح ولكنه متروك.

(٥) قطط : شديد جعودة الشعر.

(٦) سارحتهم : ماشيتهم التي تسرح.

(٧) جزلتين : قطعتين. ورمية الغرض : أن يجعل بين القطعتين مقدار رمية.

(٨) أي لابسا مهرودتين. وهما ثوبان مصبوغان بورس ثم بزعفران.

٤١٠

فيقتله ، ثم يأتي عيسى عليه‌السلام قوما قد عصمهم الله منه ، فيمسح على وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عزوجل إلى عيسى : إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز (١) عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أولهم على بحيرة طبريا فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف (٢) في رقابهم فيصبحون فرسي كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأ زهمهم (٣) ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله ، طيرا كأعناق البخت (٤) ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر (٥) ، ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة (٦) ، ثم يقال للأرض : أخرجي ثمرك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك الله في الرسل حتى إن اللقحة (٧) من الإبل لتكفي الفئام (٨) ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم ، فيقبض الله روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة» ورواه الإمام أحمد (٩) وأهل السنن من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به. وسنذكره أيضا من طريق أحمد عند قوله تعالى في سورة الأنبياء : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) [الأنبياء : ٩٦] الآية.

حديث آخر : قال مسلم (١٠) في صحيحه أيضا : حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم ، قال : سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو ، وجاءه رجل فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث به ، تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا؟ فقال : سبحان الله ، أو لا إله إلا الله ، أو كلمة نحوهما ، لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا ، إنما قلت : إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما : يحرق

__________________

(١) أي ضمهم إلى الطور واجعله لهم حرزا.

(٢) النغف : الدود يكون في أنوف الإبل والغنم.

(٣) الزهم : الدسم.

(٤) البخت : الإبل الخراسانية.

(٥) المدر : الطين الصلب.

(٦) أي كالمرآة.

(٧) اللقحة : القريبة العهد من الولادة.

(٨) الفئام : الجماعة من الناس.

(٩) مسند أحمد ٤ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

(١٠) صحيح مسلم (فتن وأشراط الساعة حديث ١١٦)

٤١١

البيت ويكون ويكون ، ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ، لا أدري يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما ، فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير ـ أو إيمان ـ إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه» قال : سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون؟ فيقولون : فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان ، وهم في ذلك دار رزقهم ، حسن عيشهم ، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا (١) ، قال : وأول من يسمعه رجل يلوط (٢) حوض إبله ، قال : فيصعق ويصعق الناس ، ثم يرسل الله ـ أو قال ـ ينزل الله مطرا كأنه الطل ـ أو قال الظل ـ نعمان الشاك ـ فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثم يقال : أيها الناس هلموا إلى ربكم (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ثم يقال : أخرجوا بعث النار ، فيقال : من كم؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، قال : فذلك يوم يجعل الولدان شيبا ، وذلك يوم يكشف عن ساق» ثم رواه مسلم والنسائي في تفسيره جميعا عن محمد بن بشار ، عن غندر ، عن شعبة ، عن نعمان بن سالم به.

حديث آخر : قال الإمام أحمد (٣) : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، عن عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبة الأنصاري ، عن عبد الله بن زيد الأنصاري ، عن مجمع بن جارية ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول «يقتل ابن مريم المسيح الدجال بباب لد ـ أو إلى جانب لد ـ» ورواه أحمد أيضا عن سفيان بن عيينة من حديث الليث والأوزاعي ، ثلاثتهم عن الزهري ، عن عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عمه مجمع بن جارية ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقتل ابن مريم الدجال باب لد» وكذا رواه الترمذي عن قتيبة عن الليث به ، وقال : هذا حديث صحيح ، وقال : وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة ، وأبي برزة وحذيفة بن أسيد ، وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وجابر ، وأبي أمامة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم ، ومراده برواية هؤلاء ما فيه ذكر الدجال وقتل عيسى ابن مريم عليه‌السلام له ، فأما أحاديث ذكر الدجال فقط فكثيرة جدا ، وهي أكثر من أن تحصى لانتشارها وكثرة روايتها في الصحاح والحسان والمسانيد وغير ذلك.

__________________

(١) الليث : جانب العنق أو صفحته.

(٢) أي يطينه ويصلحه.

(٣) مسند أحمد ٣ / ٤٢٠.

٤١٢

حديث آخر : قال الإمام أحمد (١) : حدثنا سفيان عن فرات ، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : أشرف علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ابن مريم والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق ـ أو تحشر ـ الناس تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا» وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث فرات القزاز به. ورواه مسلم أيضا من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل ، عن أبي سريحة ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري موقوفا ، والله أعلم ، فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من رواية أبي هريرة وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص ، وأبي أمامة والنواس بن سمعان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومجمع بن جارية وأبي سريحة وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم ، وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه من أنه بالشام بل بدمشق عند المنارة الشرقية ، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح ، وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء من حجارة منحوتة عوضا عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ وكان أكثر عمارتها من أموالهم ، وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ، فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين ، وهذا إخبار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان ، حيث تنزاح عللهم وترتفع شبههم من أنفسهم ، ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى عليه‌السلام وعلى يديه ، ولهذا قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) الآية ، وهذه الآية كقوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزخرف: ٦١] وقرئ (لعلم) بالتحريك أي أمارة ودليل على اقتراب الساعة ، وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال فيقتله الله على يديه ، كما ثبت في الصحيح أن الله لم يخلق داء إلا أنزل له شفاء ، ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله تعالى ببركة دعائه ، وقد قال تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) [الأنبياء : ٩٦] الآية.

صفة عيسى عليه‌السلام

قد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة «فإذا رأيتموه فاعرفوه : رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل» ، وفي حديث

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٧.

٤١٣

النواس بن سمعان «فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، لا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث انتهى طرفه» ، وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليلة أسري بي لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل أحسبه ، قال : «مضطرب رجل (١) الرأس كأنه من رجال شنوءة» قال «ولقيت عيسى» فنعته النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ربعة أحمر كأنه خرج من ديماس» يعني الحمام ، «ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» الحديث ، وروى البخاري من حديث مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت موسى وعيسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر ، وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط» ، وله ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر ، ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال ، فقال : «إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية» ، ولمسلم عنه مرفوعا «وأراني الله عند الكعبة في المنام ، وإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا؟ قالوا : هو المسيح ابن مريم ، ثم رأيت وراءه رجلا جعدا قططا ، أعور العين اليمنى ، كأشبه من رأيت بابن قطن ، واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا؟ قالوا : المسيح الدجال» تابعه عبيد الله عن نافع.

ثم رواه البخاري عن أحمد بن محمد المكي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : لا والله ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعيسى أحمر ، ولكن قال : «بينما أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر ، يتهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء ـ أو يهراق رأسه ماء ـ فقلت : من هذا؟ فقالوا ابن مريم ، فذهبت ألتفت ، فإذا رجل أحمر جسيم ، جعد الراس ، أعور عينه اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، قلت : من هذا؟ قالوا : الدجال ، وأقرب الناس به شبها ابن قطن» قال الزهري : رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ، هذه كلها ألفاظ البخاري (٢) رحمه‌الله ، وقد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن عيسى عليه‌السلام يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون وفي حديث عبد الله بن عمر عند مسلم أنه يمكث سبع سنين فيحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون المراد بلبثه في الأرض أربعين سنة مجموع إقامته فيها قبل رفعه ، وبعد نزوله ، فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة ، في الصحيح ، وقد ورد ذلك في حديث في صفة أهل الجنة أنهم على صورة آدم وميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة ، وأما ما حكاه ابن عساكر عن بعضهم أنه رفع وله مائة وخمسون سنة فشاذ غريب بعيد.

__________________

(١) رجل الرأس : شعره بين الجعودة والسبوطة.

(٢) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٨)

٤١٤

وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى ابن مريم من تاريخه عن بعض السلف أنه يدفن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجرته ، فالله أعلم.

وقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) قال قتادة : يشهد عليهم أنه قد بلغهم الرسالة من الله وأقر بعبودية الله عزوجل ، وهذا كقوله تعالى في آخر سورة المائدة (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ـ إلى قوله ـ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة : ١١٦].

(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً(١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (١٦٢)

يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة ، حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو ، قال : قرأ ابن عباس : طيبات كانت أحلت لهم ، وهذا التحريم قد يكون قدريا بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم ، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم فحرموها على أنفسهم تشديدا منهم على أنفسهم وتضييقا وتنطعا ، ويحتمل أن يكون شرعيا بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك ، كما قال تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) [آل عمران : ٩٣] وقد قدمنا الكلام على الآية ، وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالا لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها ، ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [الأنعام : ١٤٦] أي إنما حرمنا عليهم ذلك ، لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه ، ولهذا قال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) أي صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ، ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء ، وكذبوا عيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهما.

وقوله : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه ، وأكلوا أموال الناس بالباطل ، قال تعالى : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، ثم قال تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) أي

٤١٥

الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع. وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران (وَالْمُؤْمِنُونَ) عطف على الراسخين وخبره (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) قال ابن عباس : أنزلت في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسد وزيد بن سعية وأسد بن عبيد ، الذين دخلوا في الإسلام ، وصدقوا بما أرسل الله به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة ، وكذا هو في مصحف أبي بن كعب ، وذكر ابن جرير (١) أنها في مصحف ابن مسعود والمقيمون الصلاة ، قال: والصحيح قراءة الجميع ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب ، ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم : هو منصوب على المدح ، كما جاء في قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) [البقرة : ١٧٧] قالوا : وهذا سائغ في كلام العرب ، كما قال الشاعر : [الكامل]

لا يبعدن قومي الذين همو

سمّ العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك

والطيبون معاقد الأزر (٢)

وقال آخرون : هو مخفوض عطفا على قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني وبالمقيمين الصلاة ، وكأنه يقول : وبإقامة الصلاة أي يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم ، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة وهذا اختيار ابن جرير ، يعني يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة ، وفي هذا نظر ، والله أعلم. وقوله : (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال ، ويحتمل زكاة النفوس ، ويحتمل الأمرين ، والله أعلم ، (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي يصدقون بأنه لا إله إلا الله ، ويؤمنون بالبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها. وقوله : (أُولئِكَ) هو الخبر عما تقدم (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) يعني الجنة.

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً(١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٦٥)

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٣٦٤.

(٢) البيتان للخرنق بنت بدر بن هفاف في ديوانها ص ٤٣ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٥ والإنصاف ٢ / ٤٦٨ وأوضح المسالك ٣ / ٣١٤ وخزانة الأدب ٥ / ٤١ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦ ولسان العرب (نضر) والكتاب ١ / ٢٠٢ وأساس البلاغة (أزر)

٤١٦

قال محمد بن إسحاق (١) ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ، فأنزل الله في ذلك من قولهما : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى آخر الآيات. وقال ابن جرير (٢) : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي ، قال : أنزل الله (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) [النبأ : ١٥٣] إلى قوله : (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) [النساء: ١٥٦] قال : فلما تلاها عليهم يعني على اليهود ، وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ولا على عيسى ولا على نبي من شيء ، قال : فحل حبوته ، وقال : ولا على أحد ، فأنزل الله عزوجل (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر ، فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية ، وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية ، وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، قال الله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) [النساء : ١٥٣] ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء ، ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين ، فقال : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى قوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) والزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه‌السلام وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ، عند قصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.

وقوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي من قبل هذه الآية ، يعني في السور المكية وغيرها وهذه تسمية الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم في القرآن وهم : آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى ، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين وسيدهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن ، وقد اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين ، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه‌الله في تفسيره حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبد الله بن يزيد ، قالا : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ، حدثني أبي عن جدي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر ، قال : يا رسول الله ، كم

__________________

(١) سيرة ابن هشام ١ / ٥٦٢ وتفسير الطبري ٤ / ٣٦٦.

(٢) تفسير الطبري ٤ / ٣٦٧.

٤١٧

الأنبياء؟ قال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا». قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير». قلت يا رسول الله ، من كان أولهم؟ قال : «آدم» قلت : يا رسول الله ، نبي مرسل؟ قال : «نعم خلقه الله بيده ، ثم نفخ فيه من روحه ، ثم سواه قبلا» ثم قال : «يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس ، وهو أول من خط بالقلم ، وأربعة من العرب : هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر ، وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى ، وأول النبيين آدم ، وآخرهم نبيك» وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه الأنواع والتقاسيم ، وقد وسمه بالصحة ، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي فذكر هذا الحديث في كتابه الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث والله أعلم.

وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر فقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قلت : يا نبي الله ، كم الأنبياء؟ قال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا» معان بن رفاعة السلامي ضعيف ، وعلي بن يزيد ضعيف ، والقاسم أبو عبد الرحمن ضعيف أيضا. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن إسحاق أبو عبد الله الجوهري البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعث الله ثمانية آلاف نبي : أربعة آلاف إلى بني إسرائيل ، وأربعة آلاف إلى سائر الناس» وهذا أيضا إسناد ضعيف ، فيه الربذي ضعيف وشيخه الرقاشي أضعف منه والله أعلم.

قال أبو يعلى : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا محمد بن ثابت العبدي ، حدثنا محمد بن خالد الأنصاري عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ، ثم كان عيسى ابن مريم ، ثم كنت أنا» وقد رويناه عن أنس من وجه آخر ، فأخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا الإمام أبو بكر بن القاسم بن أبي سعيد الصفار ، أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصفار ، أخبرنا الشريف أبو السنابك هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي ، حدثنا الإمام الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني ، قال : أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن طارق ، حدثنا مسلم بن خالد ، حدثنا زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر ، عن صفوان بن سليم ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي ، منهم أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل» وهذا غريب من هذا الوجه ، وإسناده لا بأس به ، رجاله كلهم معرفون إلا أحمد بن طارق هذا ، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح ، والله أعلم.

٤١٨

حديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم‌السلام : قال محمد بن حسين الآجري : حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفريابي إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين ، حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ، حدثنا أبي عن جده ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر ، قال : دخلت المسجد ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وحده ، فجلست إليه ، فقلت : يا رسول الله ، إنك أمرتني بالصلاة. قال : «الصلاة خير موضوع ، فاستكثر أو استقل» قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الأعمال أفضل؟ قال : «إيمان بالله وجهاد في سبيله». قلت : يا رسول الله ، فأي المؤمنين أفضل؟ قال : «أحسنهم خلقا». قلت : يا رسول الله ، فأي المسلمين أسلم؟ قال : «من سلم الناس من لسانه ويده». قلت : يا رسول الله ، فأي الهجرة أفضل؟ قال : «من هجر السيئات» قلت : يا رسول الله أي الصلاة أفضل؟ قال : «طول القنوت» فقلت : يا رسول الله ، فأي الصيام أفضل؟ قال : «فرض مجزئ وعند الله أضعاف كثيرة» قلت : يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال : «من عقر جواده وأهريق دمه». قلت : يا رسول الله ، فأي الرقاب أفضل؟ قال : «أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها». قلت : يا رسول الله ، فأي الصدقة أفضل؟ قال : «جهد من مقل وسر إلى فقير». قلت : يا رسول الله ، فأي آية ما أنزل عليك أعظم؟ قال «آية الكرسي» ، ثم قال : يا أبا ذر ، وما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة» قال: قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء؟ قال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا». قال : قلت: يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك؟ قال : «ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير كثير طيب». قلت: فمن كان أولهم؟ قال : «آدم» قلت : أنبي مرسل؟ قال : «نعم ، خلقه الله» بيده ، ونفخ فيه من روحه ، سواه قبيلا» ، ثم قال : «يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس ، وهو أول من خط بقلم ، ونوح ، وأربعة من العرب : هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر ، وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى ، وأول الرسل آدم وآخرهم محمد» قال : قلت : يا رسول الله ، كم كتاب أنزله الله؟ قال : «مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة ، وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشرة صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» قال : قلت : يا رسول الله ، ما كانت صحف إبراهيم؟ قال «كانت كلها : يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر ، وكان فيها أمثال ، وعلى العاقل أن يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكر في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ضاغنا (١) إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو

__________________

(١) ضاغنا : مائلا.

٤١٩

مرمة (١) لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه». قال : قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى؟ قال «كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ، وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل». قال : قلت : يا رسول الله ، فهل في أيدينا شيء مما كان في أيدي إبراهيم وموسى ، وما أنزل الله عليك؟ قال «نعم اقرأ يا أبا ذر (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى * إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) ، [الأعلى : ١٤ ـ ١٩]. قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني قال : أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك قال : قلت يا رسول الله زدني قال «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض» قال : قلت : يا رسول الله زدني. قال «إياك وكثرة الضحاك ، فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه» ، قال : قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي». قلت : زدني. قال «عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان ، وعون لك على أمر دينك». قلت : زدني قال : «انظر إلى من هو تحتك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك». قلت : زدني. قال : «أحبب المساكين وجالسهم ، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك». قلت : زدني قال : «صل قرابتك وإن قطعوك». قلت : زدني. قال : «قل الحق وإن كان مرا» قلت : زدني. قال «لا تخف في الله لومة لائم». قلت : زدني. قال «يردك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما تحب ، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك ، أو تجد عليهم فيما تحب» ، ثم ضرب بيده صدري فقال : «يا أبا ذر ، لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق».

وروى الإمام أحمد (٢) عن أبي المغيرة ، عن معان بن رفاعة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة أن أبا ذر سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر أمر الصلاة والصيام والصدقة ، وفضل آية الكرسي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأفضل الشهداء ، وأفضل الرقاب ، ونبوة آدم وأنه مكلم ، وعدد الأنبياء ، والمرسلين كنحو ما تقدم.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد (٣) : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثني عبد المتعالي بن عبد الوهاب ، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي ، حدثنا مجالد عن أبي الوداك ، قال : قال أبو سعيد: هل تقول الخوارج بالدجال؟ قال : قلت : لا ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني خاتم

__________________

(١) أي إصلاح لمعاش.

(٢) مسند أحمد ٥ / ٢٦٥.

(٣) مسند أحمد ٣ / ٧٩.

٤٢٠