تفسير القرآن العظيم - ج ٣

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٣

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٤٩٥

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سورة المائدة

قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو معاوية شيبان عن ليث ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ نزلت عليه المائدة كلها ، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة.

وروى ابن مردويه من حديث صباح بن سهل ، عن عاصم الأحول ، قال : حدثتني أم عمرو عن عمها أنه كان في مسير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت عليه سورة المائدة ، فاندق عنق الراحلة من ثقلها.

وقال أحمد (٢) أيضا : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : أنزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته ، فلم تستطع أن تحمله ، فنزل عنها ، تفرد به أحمد.

وقد روى الترمذي عن قتيبة ، عن عبد الله بن وهب ، عن حيي ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح ، ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : آخر سورة أنزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ).

وقد روى الحاكم في مستدركه من طريق عبد الله بن وهب بإسناده نحو رواية الترمذي ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. وقال الحاكم أيضا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن نصر ، قال : قرئ على عبد الله بن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، قال : حججت فدخلت على عائشة فقالت لي : يا جبير ، تقرأ المائدة؟ فقلت : نعم ، فقالت : أما إنها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من جلال فاستحلوه ، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ورواه الإمام أحمد (٣) عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، وزاد : وسألتها عن خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : القرآن. ورواه النسائي من حديث ابن مهدي.

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٤٥٥.

(٢) مسند أحمد ٢ / ١٧٦.

(٣) مسند أحمد ٦ / ١٨٨.

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢)

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مسعر ، حدثني معن وعوف ، أو أحدهما ، أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود ، فقال : اعهد إلي ، فقال : إذا سمعت الله يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فارعها سمعك ، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. وقال : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، حدثنا الوليد ، حدثنا الأوزاعي عن الزهري ، قال : إذا قال الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) افعلوا ، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم ، وحدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش عن خيثمة قال : كل شيء في القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو في التوراة يا أيها المساكين. فأما ما رواه عن زيد بن إسماعيل الصائغ البغدادي ، حدثنا معاوية يعني ابن هشام ، عن عيسى بن راشد ، عن علي بن بذيمة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلا أن عليا سيدها وشريفها وأميرها ، وما من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد إلا قد عوتب في القرآن إلا علي بن أبي طالب ، فإنه لم يعاتب في شيء منه ، فهو أثر غريب ، ولفظه فيه نكارة ، وفي إسناده نظر.

وقال البخاري : عيسى بن راشد هذا مجهول ، وخبره منكر ، قلت : وعلي بن بذيمة وإن كان ثقة إلا أنه شيعي غال ، وخبره في مثل هذا فيه تهمة فلا يقبل ، وقوله : فلم يبق أحد من الصحابة إلا عوتب في القرآن إلا عليا ، إنما يشير به إلى الآية الآمرة بالصدقة بين يدي النجوى ، فإنه قد ذكر غير واحد أنه لم يعمل بها أحد إلا علي ، ونزل قوله (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) [المجادلة : ١٣] الآية ، وفي كون هذا عتابا نظر ، فإنه قد قيل : إن الأمر كان ندبا لا إيجابا ، ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل ، فلم يصدر من أحد منهم خلافه ، وقوله عن علي أنه لم يعاتب في شيء من القرآن فيه نظر أيضا ، فإن الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء ، عمت جميع من أشار بأخذه ولم يسلم منها إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فعلم بهذا وبما تقدم ضعف هذا الأثر ، والله أعلم.

وقال ابن جرير (١) : حدثني المثنى ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثني يونس

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٣٧٨.

٤

قال : قال محمد بن مسلم : قرأت كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران ، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فيه «هذا بيان من الله ورسوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فكتب الآيات منها حتى بلغ (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [المائدة : ٤]».

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، قال : هذا كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ، ويأخذ صدقاتهم ، فكتب له كتابا وعهدا ، وأمره فيه بأمره ، فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله ورسوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) عهد من محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كله ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون» (١).

قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : يعني بالعقود العهود ، وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك ، قال : والعهود ما كانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يعني العهود ، يعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله ، فلا تغدروا ولا تنكثوا ، ثم شدد في ذلك فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) إلى قوله (سُوءُ الدَّارِ) [الرعد : ٢٥] وقال الضحاك : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : ما أحل الله وحرم ، وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام. وقال زيد بن أسلم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : هي ستة (٢) : عهد الله ، وعقد الحلف ، وعقد الشركة ، وعقد البيع ، وعقد النكاح وعقد اليمين. وقال محمد بن كعب (٣) : هي خمسة منها حلف الجاهلية ، وشركة المفاوضة (٤).

وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه لا خيار في مجلس البيع بهذه الآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : فهذه تدل على لزوم العقد وثبوته فيقتضي نفي خيار المجلس ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وخالفهما في ذلك الشافعي وأحمد والجمهور ، والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين (٥) عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» وفي لفظ آخر للبخاري «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا» وهذا صريح في إثبات خيار

__________________

(١) ينظر النص كاملا في «الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدي» لمحمد حميد الله ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩.

(٢) هي خمسة في تفسير الطبري ٤ / ٣٨٧ من حديث زيد بن أسلم.

(٣) تفسير الطبري ٤ / ٣٨٧.

(٤) شركة المفاوضة : أن يجعل الشريكان جميع ما يملكانه بينهما.

(٥) صحيح البخاري (بيوع باب ١٩) وصحيح مسلم (بيوع حديث ٤٣)

٥

المجلس المتعقب لعقد البيع ، وليس هذا منافيا للزوم العقد ، بل هو من مقتضياته شرعا ، فالتزامه من تمام الوفاء بالعقود.

وقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) هي الإبل والبقر والغنم ، قاله أبو الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير (١) : وكذلك هو عند العرب ، وقد استدل ابن عمر وابن عباس وغير واحد بهذه الآية على إباحة الجنين إذا وجد ميتا في بطن أمه إذا ذبحت ، وقد ورد في ذلك حديث في السنن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مجالد عن أبي الوداك جبير بن نوفل ، عن أبي سعيد قال : قلنا : يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين ، أنلقيه أم نأكله؟ فقال «كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه» (٢) وقال الترمذي : حديث حسن ، قال أبو داود : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عتاب بن بشير ، حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال «ذكاة الجنين ذكاة أمه» تفرد به أبو داود.

وقوله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير ، وقال قتادة : يعني بذلك الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه والظاهر ـ والله أعلم ـ أن المراد بذلك قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ) (٣) فإن هذه وإن كانت من الأنعام إلا أنها تحرم بهذه العوارض ، ولهذا قال (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) يعني منها فإنه حرام لا يمكن استدراكه وتلاحقه ، ولهذا قال تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي إلا ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال.

وقوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) قال بعضهم : هذا منصوب على الحال والمراد بالأنعام ما يعم الإنسي من الإبل والبقر والغنم ، وما يعم الوحشي كالظباء والبقر والحمر ، فاستثنى من الإنسي ما تقدم ، واستثنى من الوحشي الصيد في حال الإحرام ، وقيل : المراد أحللنا لكم الأنعام ، إلا ما استثني منها لمن التزم تحريم الصيد ، وهو حرام لقوله (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغ ولا متعد ، وهكذا هنا أي كما أحللنا الأنعام في جميع الأحوال فحرموا الصيد في حال الإحرام ، فإن الله قد حكم بهذا ، وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه ، ولهذا قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ).

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٣٨٩.

(٢) هذا الحديث والذي بعده أخرجهما أبو داود في سننه (أضاحي باب ١٧)

(٣) أي ما يأتي بيانه في الآية الثالثة من هذه السورة.

٦

ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) قال ابن عباس : يعني بذلك مناسك الحج. وقال مجاهد : الصفا والمروة ، والهدي والبدن من شعائر الله ، وقيل : شعائر الله محارمه ، أي لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى ، ولهذا قال تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) يعني بذلك تحريمه والاعتراف بتعظيمه ، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه من الابتداء بالقتال وتأكيد اجتناب المحارم ، كما قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة : ٢١٧] وقال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [التوبة : ٣٦] ، وفي صحيح البخاري (١) عن أبي بكرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حجة الوداع : «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات : ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر (٢) الذي بين جمادى وشعبان» وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت ، كما هو مذهب طائفة من السلف.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) يعني لا تستحلوا القتال فيه ، وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك الجزري ، واختاره ابن جرير (٣) أيضا ، وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم ، واحتجوا بقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] والمراد أشهر التسيير الأربعة ، قالوا : فلم يستثن شهرا حراما من غيره ، وقد حكى الإمام أبو جعفر الإجماع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة ، قال : وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان ، ولهذه المسألة بحث آخر له موضع أبسط من هذا.

وقوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام ، فإن فيه تعظيم شعائر الله ، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام ، وليعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء ، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها ، فإن من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ولهذا لما حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق ، فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ، ثم اغتسل وتطيب وصلّى ركعتين ، ثم أشعر هديه وقلده ، وأهل للحج والعمرة ، وكان هديه إبلا كثيرة تنيف على الستين من أحسن الأشكال والألوان ، كما قال تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج : ٣٢] وقال بعض السلف إعظامها استحسانها واستسمانها ، قال علي بن أبي

__________________

(١) صحيح البخاري (تفسير سورة براءة باب ٩)

(٢) رجب مضر : شهر كانت مضر تحرم القتال فيه.

(٣) تفسير الطبري ٤ / ٣٩٤.

٧

طالب : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نستشرف العين والأذن ، رواه أهل السنن (١).

وقال مقاتل بن حيان : وقوله (وَلَا الْقَلائِدَ) فلا تستحلّوا وكان أهل الجاهلية إذا خرجوا من أوطانهم في غير الأشهر الحرم ، قلدوا أنفسهم بالشعر والوبر وتقلد مشركوا الحرم من لحاء شجره فيأمنون به ، رواه ابن أبي حاتم ثم قال : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : نسخ من هذه السورة آيتان آية القلائد وقوله (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) وحدثنا المنذر بن شاذان حدثنا زكريا بن عدي حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عوف قال : قلت للحسن : نسخ من المائدة شيء؟ قال : لا ، وقال عطاء : كانوا يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون فنهى الله عن قطع شجره وكذا قال مطرف بن عبد الله.

وقوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا وكذا من قصده طالبا فضل الله وراغبا في رضوانه فلا تصدوه ولا تمنعوه ولا تهيجوه. قال مجاهد وعطاء وأبو العالية ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن عبيد بن عمير والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغير واحد في قوله (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) يعني بذلك التجارة ، وهذا كما تقدم في قوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٩٨]. وقوله (وَرِضْواناً) قال ابن عباس : يترضون الله بحبهم وقد ذكر عكرمة والسدي وابن جرير (٢) أن هذه الآية نزلت في الحطم بن هند البكري كان قد أغار على سرح المدينة فلما كان من العام المقبل اعتمر إلى البيت فأراد بعض الصحابة أن يعترضوا عليه في طريقه إلى البيت فأنزل الله عزوجل (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً).

وقد حكى ابن جرير الإجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لم يكن له أمان وإن أم البيت الحرام أو بيت المقدس وأن هذا الحكم منسوخ في حقهم ، والله أعلم ـ فأما من قصده بالإلحاد فيه والشرك عنده والكفر به فهذا يمنع ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] ولهذا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام تسع لما أمّر الصديق على الحجيج عليا وأمره أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ببراءة ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان.

وقال ابن أبي طلحة (٣) : عن ابن عباس قوله (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) يعني من توجه قبل البيت

__________________

(١) سنن أبي داود (أضاحي باب ٥) ومسند أحمد ١ / ٩٥.

(٢) تفسير الطبري ٤ / ٣٩٧.

(٣) تفسير الطبري ٤ / ٤٠٠.

٨

الحرام فكان المؤمنون والمشركون يحجون فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا من مؤمن أو كافر (١) ثم أنزل الله بعدها (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) الآية ، وقال تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٧] وقال (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٨] فنفى المشركين من المسجد الحرام.

وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة في قوله (وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) قال : منسوخ ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من الشجر (٢) فلم يعرض له أحد ، فإذا رجع تقلد قلادة من شعر فلم يعرض له أحد ، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر (٣) الحرام ولا عند البيت فنسخها قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله (وَلَا الْقَلائِدَ) يعني إن تقلدوا قلادة من الحرم فأمّنوهم ، قال ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك ، قال الشاعر : [الطويل]

ألم تقتلا الحرجين إذ أعورا لكم

يمران بالأيدي اللحاء المضفّرا (٤)

وقوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) أي إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه فقد أبحنا لكم ما كان محرما عليكم في حال الإحرام من الصيد وهذا أمر بعد الحظر والصحيح الذي يثبت على السير ، أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي ، فإن كان واجبا رده واجبا وإن كان مستحبا فمستحب أو مباحا فمباح ، ومن قال إنه على الوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة ، ومن قال إنه للإباحة يرد عليه آيات أخرى ، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه ، كما اختاره بعض علماء الأصول ، والله أعلم.

وقوله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) من القراء من قرأ أن صدوكم بفتح الألف من أن ، ومعناها ظاهر أي لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد ، وهذه الآية كما سيأتي من قوله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة :

__________________

(١) عبارة الطبري : «فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له ، من مؤمن أو كافر» إلخ.

(٢) في الطبري : «تقلد من السمر» وهو نوع من الشجر ، واحدته سمرة.

(٣) في الطبري : «في الأشهر الحرم». وحديث عبد الرزاق رواه الطبري في تفسيره ٤ / ٤٠.

(٤) البيت لحذيفة بن أنس في شرح أشعار الهذليين ص ٥٥٥ ، وللهذلي في لسان العرب (حرج) وتاج العروس (حرج) وديوان الهذليين ٣ / ١٩. والرواية المشهورة : «ألم تقتلوا». والحرجان : مثنى حرج (بكسر الحاء وسكون الراء) وهي الودعة البيضاء. سمى الرجلين بالحرجين لبياضهما. وأعورا لكم : أظهرها لكم عورتيهما.

٩

٨] أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال ، وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. والعدل به قامت السموات والأرض.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سهل بن عفان ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن زيد بن أسلم قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم فأنزل الله هذه الآية ، والشنآن هو البغض قاله ابن عباس وغيره وهو مصدر من شنأته أشنؤه شنآنا بالتحريك ، مثل قولهم جمزان ودرجان ورقلان من جمز ودرج ورقل ، وقال ابن جرير (١) : من العرب من يسقط التحريك في شنآن فيقول شنان ولم أعلم أحدا قرأ بها. ومنه قول الشاعر : [الطويل]

وما العيش إلا ما تحب وتشتهي

وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا (٢)

وقوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر ، وترك المنكرات وهو التقوى وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم ، قال ابن جرير (٣) : الإثم ترك ما أمر الله بفعله والعدوان مجاوزة ما حد الله لكم في دينكم ومجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم ، وقد قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا هشيم ، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال «تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره» انفرد به البخاري من حديث هشيم به نحوه ، وأخرجاه من طريق ثابت عن أنس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما ، فكيف أنصره ظالما؟ قال «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه».

وقال أحمد (٥) : حدثنا يزيد ، حدثنا سفيان بن سعيد ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٤٠٤.

(٢) البيت للأحوص في ديوانه ص ٩٩ ، ولسان العرب (شنأ وشنن) ومجمل اللغة ٣ / ١٥٠ وطبقات فحول الشعراء ص ٦٦٤ والشعر والشعراء ص ٥٢٦.

(٣) تفسير الطبري ٤ / ٤٠٥.

(٤) مسند أحمد ٣ / ٩٩.

(٥) مسند أحمد ٣ / ٣٦٥.

١٠

من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» وقد رواه أحمد (١) أيضا في مسند عبد الله بن عمر ، حدثنا حجاج ، حدثنا شعبة عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم» وهكذا رواه الترمذي من حديث شعبة وابن ماجة من طريق إسحاق بن يوسف كلاهما عن الأعمش به.

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد أبو شيبة الكوفي ، حدثنا بكر بن عبد الرحمن ، حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى ، عن فضيل بن عمرو ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الدال على الخير كفاعله» ثم قال : لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد.

قلت : وله شاهد في الصحيح «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زريق الحمصي ، حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال عباس بن يونس : إن أبا الحسن نمران بن صخر ، حدثه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام».

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣)

يخبر تعالى عباده خبرا متضمنا النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة ، وهي ما مات من الحيوانات حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد ، وما ذاك إلا لما فيها من المضرة لما فيها من الدم المحتقن فهي ضارة للدين وللبدن ، فلهذا حرمها الله عزوجل ، ويستثنى من الميتة السمك ، فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها ، لما رواه مالك في موطئه ، والشافعي وأحمد في مسنديهما ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن ماء البحر ، فقال «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (٢) ، وهكذا الجراد ، لما سيأتي من الحديث وقوله : (وَالدَّمُ) يعني به المسفوح ، كقوله

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٣٢.

(٢) موطأ مالك (طهارة حديث ١٢) وسنن أبي داود (طهارة باب ٤١) ومسند أحمد ٢ / ٢٣٧. وذلك أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله ... الحديث.

١١

(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [الأنعام : ١٤٥] قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا كثير بن شهاب المذحجي ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا عمرو يعني ابن قيس عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال فقال : كلوه ، فقالوا : إنه دم ، فقال : إنما حرم عليكم الدم المسفوح ، وكذا رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم ، عن عائشة ، قالت : إنما نهى عن الدم السافح ، وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان. فالسمك والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال» ، وكذا رواه أحمد بن حنبل (١) وابن ماجة والدار قطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف ، قال الحافظ البيهقي : ورواه إسماعيل بن أبي إدريس عن أسامة ، وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعا ، قلت : وثلاثتهم كلهم ضعفاء ، ولكن بعضهم أصلح من بعض ، وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر فوقفه بعضهم عليه ، قال الحافظ أبو زرعة الرازي : وهو أصح.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا بشير بن شريح عن أبي غالب ، عن أبي أمامة وهو صدي بن عجلان ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله ، وأعرض عليهم شرائع الإسلام ، فأتيتهم فبينما نحن كذلك ، إذ جاءوا بقصعة من دم فاجتمعوا عليها يأكلونها فقالوا : هلم يا صدي فكل ، قال : قلت : ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم فأقبلوا عليه ، قالوا : وما ذاك؟ فتلوت عليهم هذه الآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) الآية ، ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث ابن أبي الشوارب بإسناده مثله ، وزاد بعد هذا السياق قال : فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ويأبون عليّ ، فقلت : ويحكم اسقوني شربة من ماء ، فإني شديد العطش ، قال : وعليّ عباءتي ، فقالوا : لا ، ولكن ندعك حتى تموت عطشا ، قال : فاغتممت وضربت برأسي في العباء ، ونمت على الرمضاء في حر شديد ، قال : فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج لم ير الناس أحسن منه ، وفيه شراب لم ير الناس ألذ منه ، فأمكنني منه فشربته ، فلما فرغت من شرابي استيقظت فلا والله ما عطشت ، ولا عريت بعد تيك الشربة. ورواه الحاكم في مستدركه عن علي بن حماد ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري ، حدثنا صدقة بن هرم عن أبي غالب ، عن أبي أمامة وذكر نحوه ، وزاد بعد قوله : بعد تيك الشربة ، فسمعتهم يقولون : أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة (٢) ، فأتوني بمذقة فقلت : لا حاجة لي فيها ، إن الله أطعمني وسقاني ، وأريتهم بطني ، فأسلموا عن آخرهم ، وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٩٧.

(٢) مجع مجعا : أكل التمر باللبن معا ، أو أن يأكل التمر ويشرب عليه اللبن. والمذقة : الشربة من اللبن.

١٢

ذكرها ابن إسحاق : [الطويل]

وإياك والميتات لا تقربنها

ولا تأخذن عظما حديدا فتفصدا (١)

أي لا تفعل فعل الجاهلية ، وذلك أن أحدهم كان إذا جاع يأخذ شيئا محددا من عظم ونحوه ، فيفصد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان ، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ، ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة ، ثم قال الأعشى :

وذا النصب المنصوب لا تأتينه (٢)

ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا (٣)

وقوله : (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) يعني إنسيه ووحشيه ، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم ، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا ، وتعسفهم في الاحتجاج بقوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) يعنون قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعم جميع أجزائه ، وهذا بعيد من حيث اللغة ، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه ، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ، ومن العرف المطرد ، وفي صحيح مسلم (٤) عن بريدة بن الخصيب الأسلمي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من لعب بالنردشير ، فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه» فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس ، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به ، وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره؟ وفي الصحيحين (٥) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال «لا ، هو حرام». وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان أنه قال لهرقل ملك الروم : نهانا عن الميتة والدم.

وقوله (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم ، فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع. وإنما اختلف العلماء في متروك التسمية إما عمدا أو نسيانا كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام.

__________________

(١) رواها ابن هشام في السيرة ١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٨ في ثلاثة وعشرين بيتا. وفيها : «فإياك ... لتفصدا».

(٢) في السيرة : «لا تنسكنّه».

(٣) الأصل : فاعبدن ، بنون خفيفة. وقد استعاض عنها بألف. وقيل إنه لم يرد النون الخفيفة وإنما خاطب الواحد بخطاب الاثنين.

(٤) صحيح مسلم (شعر حديث ١٠)

(٥) صحيح البخاري (بيوع باب ١٠٥) وصحيح مسلم (بيوع حديث ٩٣)

١٣

وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن السنجاني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال : نزل آدم بتحريم أربع (الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ، وإن هذه الأربعة الأشياء لم تحل قط ، ولم تزل حراما منذ خلق الله السموات والأرض ، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم ، فلما بعث الله عيسى ابن مريم عليه‌السلام نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم وأحل لهم ما سوى ذلك ، فكذبوه وعصوه ، وهذا أثر غريب ، وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا ربعي عن عبد الله ، قال : سمعت الجارود بن أبي سبرة ، قال : هو جدي ، قال : كان رجل من بني رباح يقال له ابن وثيل ، وكان شاعرا ، نافر غالبا أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء ، فلما وردت الماء قاما إليها بسيفيهما فجعلا يكسفان (١) عراقيبها ، قال : فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم ، قال : وعلي بالكوفة ، قال : فخرج علي على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيضاء وهو ينادي : يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها ، فإنها أهل بها لغير الله ، هذا أثر غريب ، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود(٢) : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا ابن حماد بن مسعدة عن عوف ، عن أبي ريحانة ، عن ابن عباس ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن معاقرة (٣) الأعراب ، ثم قال أبو داود محمد بن جعفر هو غندر : أوقفه على ابن عباس ، تفرد به أبو داود ، وقال أبو داود (٤) أيضا : حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، حدثنا أبي ، حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن حريث ، قال : سمعت عكرمة يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل ، ثم قال أبو داود : أكثر من رواه غير ابن جرير لا يذكر فيه ابن عباس ، تفرد به أيضا.

قوله : (وَالْمُنْخَنِقَةُ) وهي التي تموت بالخنق ، إما قصدا وإما اتفاقا بأن تتخبل في وثاقتها ، فتموت به فهي حرام ، وأما (الْمَوْقُوذَةُ) فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت ، كما قال ابن عباس وغير واحد : هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت ، قال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها. وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب ، قال «إذا رميت بالمعراض فخزق

__________________

(١) يكسفان عراقيبها (بالسين المهملة) : يقطعانها بالسيف.

(٢) سنن أبي داود (أضاحي باب ١٣)

(٣) معاقرة الأعراب : هو عقرهم الإبل. كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلا ويعقر هذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر. وكانوا يفعلونه رياء وتفاخرا وسمعة ولا يقصدون به وجه الله ، فشبه به ما ذبح لغير الله.

(٤) سنن أبي داود (أطعمة باب ٧)

١٤

فكله ، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله» (١) ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق (٢) ونحوه بحده ، فأحله ، وما أصاب بعرضه فجعله وقيذا لم يحله ، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء ، واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله ، ولم يجرحه على قولين ، هما قولان للشافعي رحمه‌الله [أحدهما] لا يحل كما في السهم والجامع أن كلا منهما ميت بغير جرح فهو وقيذ. [والثاني] إنه يحل لأنه حكم بإباحة ما صاده الكلب ولم يستفصل ، فدل على إباحة ما ذكرناه ، لأنه قد دخل في العموم ، وقد قررت لهذه المسألة فصلا فليكتب هاهنا.

[فصل] ـ اختلف العلماء رحمهم‌الله تعالى فيما إذا أرسل كلبا على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه ، أو صدمه : هل يحل أم لا؟ على قولين [أحدهما] أن ذلك حلال لعموم قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ، وكذا عمومات حديث عدي بن حاتم ، وهذا قول حكاه الأصحاب عن الشافعي رحمه‌الله ، وصححه بعض المتأخرين منهم كالنووي والرافعي. قلت : وليس ذلك بظاهر من كلام الشافعي في الأم والمختصر ، فإنه قال في كلا الموضعين : يحتمل معنيين ، ثم وجه كلا منهما فحمل ذلك الأصحاب منه ، فأطلقوا في المسألة قولين عنه ، اللهم إلا أنه في بحثه للقول بالحل رشحه قليلا ، ولم يصرح بواحد منهما ، ولا جزم به ، والقول بذلك ـ أعني الحل ـ نقله ابن الصباغ عن أبي حنيفة من رواية الحسن بن زياد عنه ، ولم يذكر غير ذلك. وأما أبو جعفر بن جرير فحكاه في تفسيره عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر ، وهذا غريب جدا ، وليس يوجد ذلك مصرحا به عنهم ، إلا أنه من تصرفه رحمه‌الله ورضي عنه.

والقول الثاني ـ أن ذلك لا يحل ، وهو أحد القولين عن الشافعي رحمه‌الله واختاره المزني ، ويظهر من كلام ابن الصباغ ترجيحه أيضا ، والله أعلم. ورواه أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة ، وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، وهذا القول أشبه بالصواب ، والله أعلم ، لأنه أجرى على القواعد الأصولية ، وأمس بالأصول الشرعية ، واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خديج ، قلت : يا رسول الله ، إنا ملاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى ، أفنذبح بالقصب؟ قال «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» الحديث بتمامه ، وهو في الصحيحين (٣). وهذا وإن كان واردا على سبب خاص ، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع ، كما سئل عليه‌السلام عن البتع ، وهو نبيذ العسل فقال «كل شراب أسكر فهو حرام» ، أفيقول فقيه : إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل؟ وهكذا هذا ، كما سألوه عن شيء من الذكاة ، فقال لهم كلاما عاما يشمل ذاك المسؤول عنه وغيره لأنه عليه

__________________

(١) صحيح البخاري (توحيد باب ١٣) وصحيح مسلم (صيد حديث ١)

(٢) المزراق : رمح قصير.

(٣) صحيح البخاري (شركة باب ٣ و ١٦ ذبائح باب ١٥ و ١٨) وصحيح مسلم (أضاحي حديث ٢٠)

١٥

السلام كان قد أوتي جوامع الكلم ، إذا تقرر هذا ، فما صدمه الكلب أو غمه بثقله ليس مما أنهر دمه ، فلا يحل لمفهوم هذا الحديث ، فإن قيل : هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء ، لأنهم إنما سألوه عن الآلة التي يذكى بها ، ولم يسألوه عن الشيء الذي يذكى ، ولهذا استثنى من ذلك السن والظفر حيث قال : «ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم وأما الظفر فمدي (١) الحبشة» والمستثنى يدل على جنس المستثنى منه ، وإلا لم يكن متصلا ، فدل على أن المسؤول عنه هو الآلة ، فلا يبقى فيه دلالة لما ذكرتم ، فالجواب عن هذا بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضا ، حيث يقول «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» ، ولم يقل : فاذبحوا به ، فهذا يؤخذ منه الحكمان معا ، يؤخذ حكم الآلة التي يذكى بها ، وحكم المذكى وأنه لا بد من انهار دمه بآلة ليست سنا ولا ظفرا ، هذا مسلك.

والمسلك الثاني : طريقة المزني ، وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعرضه فلا تأكل ، وإن خزق فكل ، والكلب جاء مطلقا ، فيحمل على ما قيد هناك من الخزق لأنهما اشتركا في الموجب وهو الصيد فيجب الحمل هنا وإن اختلف السبب كما وجب حمل مطلق الإعتاق في الظهار على تقييده بالإيمان في القتل ، بل هذا أولى ، وهذا يتوجه له على من يسلم له أصل هذه القاعدة من حيث هي ، وليس فيها خلاف بين الأصحاب قاطبة ، فلا بد لهم من جواب عن هذا ، وله أن يقول : هذا قتله الكلب بثقله ، فلم يحل قياسا على ما قتله السهم بعرضه ، والجامع أن كلا منهما آلة للصيد ، وقد مات بثقله فيهما ، ولا يعارض ذلك بعموم الآية ، لأن القياس مقدم على العموم ، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور ، وهذا مسلك حسن أيضا.

مسلك آخر ـ وهو أن قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) عام فيما قتلن بجرح أو غيره ، لكن هذا المقتول على هذه الصورة المتنازع فيها لا يخلو إما أن يكون نطيحا أو في حكمه ، أو منخنقا أو في حكمه ، وأيا ما كان ، فيجب تقديم هذه الآية على تلك لوجوه : أحدها أن الشارع قد اعتبر حكم هذه الآية حالة الصيد حيث يقول لعدي بن حاتم : وإن أصابه بعرضه ، فإنما هو وقيذ فلا تأكله ، ولم نعلم أحدا من العلماء فصل بين حكم وحكم من هذه الآية ، فقال : إن الوقيذ معتبر حالة الصيد ، والنطيح ليس معتبرا ، فيكون القول بحل المتنازع فيه خرقا للإجماع لا قائل به ، وهو محظور عند كثير من العلماء. الثاني أن تلك الآية (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ليست على عمومها بالإجماع بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول ، وخرج من عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالاتفاق ، والعموم المحفوظ مقدم على غير المحفوظ.

المسلك الآخر ـ أن هذا الصيد والحالة هذه في حكم الميتة سواء ، لأنه قد احتقن فيه الدماء

__________________

(١) جمع مدية ، وهي الشفرة الكبيرة.

١٦

وما يتبعها من الرطوبات ، فلا تحل قياسا على الميتة.

المسلك الآخر ـ أن آية التحريم ، أعني قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) إلى آخرها ، محكمة لم يدخلها نسخ ولا تخصيص وكذا ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة ، أعني قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [المائدة : ٤] ، فينبغي أن لا يكون بينهما تعارض أصلا ، وتكون السنة جاءت لبيان ذلك ، وشاهد ذلك قصة السهم ، فإنه ذكر حكم ما دخل في هذه الآية ، وهو ما إذا خزقه (١) المزراق فيكون حلالا ، لأنه من الطيبات ، وما دخل في حكم تلك الآية ، آية التحريم ، وهو ما إذا أصابه بعرض فلا يؤكل ، لأنه وقيذ ، فيكون أحد أفراد آية التحريم ، وهكذا يجب أن يكون حكم هذا سواء إن كان قد جرحه الكلب ، فهو داخل في حكم آية التحليل ، وإن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله ، فهو نطيح أو في حكمه ، فلا يكون حلالا.

فإن قيل : فلم لا فصل في حكم الكلب ، فقال : ما ذكرتم إن جرحه فهو حلال ، وإن لم يجرحه فهو حرام. فالجواب أن ذلك نادر ، لأن من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معا ، وأما اصطدامه هو والصيد فنادر ، وكذا قتله إياه بثقله ، فلم يحتج إلى الاحتراز من ذلك لندوره أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة. وأما السهم والمعراض فتارة يخطئ لسوء رمي راميه ، أو للهو أو لنحو ذلك ، بل خطؤه أكثر من إصابته ، فلهذا ذكر كلا من حكميه مفصلا ، والله أعلم ، ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه قد يأكل من الصيد ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد فقال «إن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه» وهذا صحيح ثابت في الصحيحين (٢) ، وهو أيضا مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين ، فقالوا : لا يحل ما أكل منه الكلب ، حكي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس ، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي ، وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه ، وأحمد بن حنبل والشافعي في المشهور عنه ، وروى ابن جرير في تفسيره عن علي وسعيد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس : إن الصيد يؤكل وإن أكل منه الكلب ، حتى قال سعيد وسلمان وأبو هريرة وغيرهم : يؤكل ولو لم يبق منه إلا بضعة ، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في قوله القديم ، وأومأ في الجديد إلى قولين ، قال ذلك الإمام أبو نصر بن الصباغ وغيره من الأصحاب عنه.

وقد روى أبو داود (٣) بإسناد جيد قوي عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في

__________________

(١) في بعض النسخ : «إذا خزقه المعراض». وقد تقدم أن المزراق هو الرمح القصير. والمعراض خشبة ثقيلة أو عصا في طرفيها حديدة. وقد تكون بغير حديدة. والمراد بقوله : «خزقه» : إذا نفذ فيه.

(٢) صحيح البخاري (ذبائح باب ٨) وصحيح مسلم (صيد حديث ٣)

(٣) سنن أبي داود (صيد باب ٢٢)

١٧

صيد الكلب «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله ، فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك» ورواه أيضا النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده : أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال : يا رسول الله ، فذكر نحوه ، وقال محمد بن جرير في تفسيره : حدثنا عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا عبد العزيز بن موسى هو اللاحوني ، حدثنا محمد بن دينار هو الطاحي عن أبي إياس وهو معاوية بن قرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه ، فيأكل ما بقي» ثم إن ابن جرير علله بأنه قد رواه قتادة وغيره عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان موقوفا.

وأما الجمهور فقدّموا حديث عدي على ذلك ، وراموا تضعيف حديث أبي ثعلبة وغيره ، وقد حمله بعض العلماء على أنه إن أكل بعد ما انتظر صاحبه فطال عليه الفصل ولم يجيء ، فأكل منه لجوعه ونحوه فإنه لا بأس بذلك ، لأنه والحالة هذه لا يخشى أنه أمسك على نفسه بخلاف ما إذا أكل منه أول وهلة ، فإنه يظهر منه أنه أمسك على نفسه ، والله أعلم.

فأما الجوارح من الطيور فنص الشافعي على أنها كالكلب ، فيحرم ما أكلت منه عند الجمهور ، ولا يحرم عند الآخرين ، واختار المزني من أصحابنا أنه لا يحرم أكل ما أكلت منه الطيور والجوارح ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد ، قالوا : لأنه لا يمكن تعليمها كما يعلم الكلب بالضرب ونحوه ، وأيضا فإنها لا تعلم إلا بأكلها من الصيد فيعفى عن ذلك ، وأيضا فالنص إنما ورد في الكلب لا في الطير. وقال الشيخ أبو علي في «الإفصاح» : إذا قلنا : يحرم ما أكل منه الكلب ، ففي تحريم ما أكل منه الطير وجهان ، وأنكر القاضي أبو الطيب هذا التفريع والترتيب لنص الشافعي رحمه‌الله ، على التسوية بينهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما المتردّية : فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال ، فتموت بذلك ، فلا تحل ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المتردّية التي تسقط من جبل. وقال قتادة : هي التي تتردى في بئر. وقال السدي : هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر (١).

وأما النطيحة : فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها ، فهي حرام وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها ، والنطيحة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي منطوحة ، وأكثر ما ترد هذه البنية في كلام العرب بدون تاء التأنيث ، فيقولون : عين كحيل ، وكف خضيب ، ولا يقولون : كف خضيبة ، ولا عين كحيلة ، وأما هذه فقال بعض النحاة : إنما استعمل فيها تاء التأنيث ، لأنها أجريت مجرى الأسماء كما في قولهم : طريقة طويلة ، وقال بعضهم : إنما أتي بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة بخلاف عين «كحيل وكف خضيب لأن التأنيث مستفاد من أول الكلام (٢).

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ٤ / ٤٠٩.

(٢) قال بعض نحويي الكوفة : أدخلت الهاء في «النطيحة» لأنها صفة المؤنث لموصوف محذوف. فلو ـ

١٨

وقوله تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) أي ما عدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب ، فأكل بعضها فماتت بذلك ، فهي حرام وإن كان قد سال منها الدم ولو من مذبحها ، فلا تحل بالإجماع ، وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك ، فحرم الله ذلك على المؤمنين.

وقوله (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته ، فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة ، وذلك إنما يعود على قوله (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) يقول : إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه ، فهو ذكي ، وكذا روي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والسدي ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي في الآية قال : إن مصعت (١) بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها ، فكل. وقال ابن جرير (٢) : حدثنا القاسم : حدثنا الحسين ، حدثنا هشيم وعباد ، قالا : حدثنا حجاج عن حصين ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردّية والنطيحة ، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها.

وهكذا روي عن طاوس والحسن وقتادة وعبيد بن عمير والضحاك وغير واحد : أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح ، فهي حلال ، وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل. قال ابن وهب : سئل مالك عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها ، فقال مالك : لا أرى أن تذكى ، أي شيء يذكى منها؟ وقال أشهب : سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش فيدق ظهره ، أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل؟ فقال : إن كان قد بلغ السّحرة (٣) فلا أرى أن يؤكل ، وإن كان أصاب أطرافه فلا أرى بذلك بأسا ، قيل له : وثب عليه فدق ظهره؟ فقال : لا يعجبني هذا لا يعيش منه. قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيثقب بطنها ولا يثقب الأمعاء؟ فقال : إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل ، هذا مذهب مالك رحمه‌الله. وظاهر الآية عام فيما استثناه مالك رحمه‌الله من الصور التي بلغ الحيوان فيها إلى حالة لا يعيش بعدها فيحتاج إلى دليل مخصص للآية ، والله أعلم.

وفي الصحيحين عن رافع بن خديج أنه قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى ، أفنذبح بالقصب؟ فقال «ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوه ، ليس السن

__________________

ـ أسقطت منها لم يعرف أهي صفة مؤنث أو مذكر. قال أبو جعفر الطبري : وهذا القول هو أولى بالصواب. (تفسير الطبري ٤ / ٤١٠)

(١) مصعت بذنبها : حركته.

(٢) تفسير الطبري ٤ / ٤١١.

(٣) السحرة : القلب.

١٩

والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة» (١). وفي الحديث الذي رواه الدار قطني مرفوعا ، وفيه نظر ، وروي عن عمر موقوفا وهو أصح «ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق». وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من رواية حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق؟ فقال «لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك» (٢) ، وهو حديث صحيح ، ولكنه محمول على ما لا يقدر على ذبحه في الحلق واللبة (٣).

وقوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) قال مجاهد وابن جريج : كانت النصب حجارة حول الكعبة ، قال ابن جريج : وهي ثلاثمائة وستون نصبا ، كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها ، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب (٤) ، وكذا ذكره غير واحد ، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع ، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ، وينبغي أن يحمل هذا على هذا ، لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله.

وقوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) أي حرّم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام ، واحدها زلم وقد تفتح الزاي ، فيقال : زلم ، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك ، وهي عبارة عن قداح ثلاثة ، على أحدها مكتوب : افعل ، وعلى الآخر : لا تفعل ، والثالث غفل ليس عليه شيء ، ومن الناس من قال : مكتوب على الواحد : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، والثالث غفل ليس عليه شيء ، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله ، أو النهي تركه ، وإن طلع الفارغ أعاد ، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام ، هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا الحجاج بن محمد ، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء ، عن ابن عباس (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) قال : والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور ، وكذا روي عن مجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومقاتل بن حيان. وقال ابن عباس : هي قداح كانوا يستقسمون بها الأمور. وذكر محمد بن إسحاق وغيره : إن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له هبل منصوب على بئر داخل الكعبة ، فيها توضع الهدايا ، وأموال الكعبة فيه ، وكان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم ، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم

__________________

(١) صحيح البخاري (ذبائح باب ١٥ و ١٨) وصحيح مسلم (أضاحي حديث ٢٠)

(٢) مسند أحمد ٤ / ٣٣٤ وسنن أبي داود (أضاحي باب ١٥)

(٣) قال أبو داود : وهذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش.

(٤) عند مجاهد وابن جريج انظر تفسير الطبري ٤ / ٤١٥.

٢٠