الله من قال كذا وكذا مرة (سبحان الله) فيقول القوم. ويقول رحم الله من قال كذا وكذل مرة (الحمد لله) فيقول القوم.
ثم إن ما استدل به مالك من الآيات الكريمة نزلت في شأن المنافقين حين أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحفر الخندق ، وهم الذين كانوا يتسللون لواذا.
وقد تقدم أن النفاق من أصله بدعة ، لأنه وضع بدعة في الشريعة على غير ما وضعها الله تعالى ، ولذلك لما أخبر تعالى عن المنافقين قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (١) ، فمن حيث كانت عامة في المخالفين عن أمره يدخلون أيضا من باب أحرى.
فهذه جملة يستدل بها على ما بقي ، إذ ما تقدم من الآيات والأحاديث فيها مما يتعلق بهذا المعنى كثير ، وبسط معانيها طويل ، فلنقتصر على ما ذكرنا وبالله التوفيق.
فصل
وبقي مما هو محتاج إلى ذكره في هذا الموضع شرح معنى عام يتعلق بما تقدم ، وهو أن البدع ضلالة ، وأن المبتدع ضال ومضل ، والضلالة مذكورة في كثير من النقل المذكور ، ويشير إليها في آيات الاختلاف والتفرق شيعا وتفرق الطرق ، بخلاف سائر المعاصي ، فإنها لم توصف في الغالب بوصف الضلالة إلا أن تكون بدعة أو شبه بدعة. وكذلك الخطأ الواقع في المشروعات ـ وهو المعفوّ ـ لا يسمى ضلالا ، ولا يطلق على المخطئ اسم ضال ، كما لا يطلق على المعتمد لسائر المعاصي ، وإنما ذلك ـ والله أعلم ـ لحكمة قصد التنبيه عليها ، وذلك أن الضلال والضلالة ضد الهدي والهدى ، والعرب تطلق الهدى حقيقة في الظاهر المحسوس ، فتقول : هديته الطريق وهديته إلى الطريق. ومنه : نقل إلى طريق الخير والشر ، قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (٢) ، (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٣) ، (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٤). والصراط والطريق والسبيل بمعنى واحد ، فهو حقيقة في الطريق
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٦.
(٢) سورة : الإنسان ، الآية : ٣.
(٣) سورة : البلد ، الآية : ١٠.
(٤) سورة : الفاتحة ، الآية : ٦.