تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٨٩

من قبل اليمن) والاسم منه الطّيرة والطّائر ثمّ غلب التّطيّر ، ومشتقّاته في التّشأّم كالتّفؤّل في التيمّن ، ثمّ استعمل التّطيّر في كلّما يتشأّم به وكان رؤساؤهم جعلوا ما به التّفأّل والتّشأّم من أمارات الخير والشّرّ ثمّ عدّه جهلاؤهم من أسبابهما ولذلك قال في الرّدّ عليهم (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) يعنى سبب خيرهم وشرّهم عند الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) انّ سبب الخير والشّرّ عند الله وانّ الفاعل هو الله وان ليس للخلق الّا القبول وليس ما يعدّونه سبب الخير أو الشّرّ الّا أمارة ان كان من الأمارات (وَقالُوا) زيادة في الوقاحة (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها) لتتصرّف فينا وتغيّرنا عمّا نحن عليه بتصرّفات خفيّة عنّا (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) ما يطوف بهم من الماء وفسّر بالطّاعون (وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ) هو صغار الجراد الّتى لا جناح لها أو صغار الذّرّ أو دويبة صغيرة لها جناح أحمر أو دوابّ كالقردان ، وتفسيره بقمّل النّاس بعيد لانّ قمّل النّاس مفتوح الفاء مخفّف العين كما قرئ به ، وحينئذ يكون المراد به القمّل المعروف (وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) واضحات أو منفصلات إذ كان بين كلّ آية وآية سنة ، وامتداد كلّ منها كان أسبوعا (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) العذاب فيكون عبارة عن الآيات المذكورة ويكون الكلام بيانا لوقاحة اخرى لهم وعدم ثباتهم على عهدهم ، أو المراد به الثّلج كما نسب الى الرّضا (ع) وكانوا لم يعهدوا مثله قبله (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) كما هو ديدن أرباب النّفوس الّتى هي كالخبيثات من النّساء (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) من عطف التّفصيل على الإجمال أو بتضمين انتقمنا معنى أردنا (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) من حيث انّها آيات ولذلك كذّبوا بها فيكون من العطف للتّعليل ، ورد في الخبر : انّ السّحرة لمّا سجدوا لموسى (ع) وآمن به النّاس قال هامان لفرعون : انّ النّاس قد آمنوا بموسى (ع) فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كلّ من آمن به من بنى إسرائيل فجاء اليه موسى (ع) فقال له : خلّ عن بنى إسرائيل ؛ فلم يفعل ، فأنزل الله عليهم في تلك السّنّة الطّوفان فخرّب دورهم ومساكنهم حتّى خرجوا الى البرّيّة وضربوا الخيام ، فقال فرعون لموسى (ع) : ادع حتّى يكفّ عنّا الطّوفان حتّى أخلّي عن بنى إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى (ع) ربّه فكفّ عنهم الطّوفان وهمّ فرعون ان يخلّى عن بنى إسرائيل فقال هامان : ان خلّيت عن بنى إسرائيل غلبك موسى (ع) وأزال ملكك فقبل منه ولم يخلّ عن بنى إسرائيل ، فانزل الله عليهم في السّنة الثّانية الجراد فجرّدت كلّ شيء كان لهم من النّبت والشّجر حتّى كانت تجرّد شعرهم ولحيتهم ، فجزع فرعون لذلك جزعا شديدا وقال : يا موسى ادع ربّك ان يكفّ عنّا الجراد حتّى أخلّي عن بنى إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى ربّه فكفّ عنهم الجراد فلم يدعه هامان ان يخلّى عن بنى إسرائيل ، فأنزل الله عليهم في السّنة الثّالثة القمّل فذهبت زروعهم وأصابتهم مجاعة شديدة ؛ فقال مقالته السّالفة فكشف عنهم القمّل وقال : اوّل ما خلق الله القمّل في ذلك الزّمان فأرسل عليهم بعد ذلك الضّفادع فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ويقال : انّها تخرج من ادبارهم وآذانهم وآنافهم فجزعوا وقالوا مثل مقالتهم الاولى ولم يفوا ؛ فحوّل الله عليهم النّيل دما فكان القبطىّ رآه دما

٢٠١

والاسرائيلى ماء ، والقبطىّ يشربه دما والاسرائيلىّ ماء ، فيقول القبطىّ للاسرائيلىّ : خذ الماء في فمك وصبّه في فيّ فكان إذا صبّه في فمه يحول دما ، فجزعوا وقالوا كما قالوا ؛ ولم يفوا فأرسل الله تعالى عليهم الرّجز وهو الثّلج فماتوا وجزعوا وأصابهم ما لم يعهدوه فكشف عنهم الثّلج فخلّى عن بنى إسرائيل فاجتمعوا وخرج موسى (ع) من مصر واجتمع اليه من كان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلك فقال هامان : قد نهيتك ان تخلّى عن بنى إسرائيل فقد استجمعوا اليه فجزع فرعون وبعث في المدائن حاشرين وخرج في طلب موسى (ع) فغرق في اليمّ (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) يعنى مشارق ملك مصر ومغاربها أو ملك مصر والشّام (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بكثرة النّعم من الحبوب والثّمار وغيرها (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) عدته الحسنى بإيراث الأرض بقوله تعالى : ونجعلهم الوارثين ، اعلم ، انّ الكلمة غير مختصّة بالحروف المركّبة الحاصلة من تقاطع الهواء التّنفّسىّ مع مخارج الحروف الموضوعة لمعنى من المعاني بل كلّ ما دلّ على غيره من الكلمات العينيّة فهو كلمة ، بل التّحقيق انّ الحقّ المضاف الّذى هو المشيّة الّتى هي نفس الرّحمن وإضافته الاشراقيّة والرّبّ المضاف باعتبار تعلّقه بالمخارج الحقيقيّة الّتى هي الأعيان الثّابتة والمهيّات الاعتباريّة كلمته تعالى باعتبار وحدته وكلماته باعتبار تعدّده فانّ له في نفسه وحدة حقيقيّة ظليّة وباعتبار المهيّات كثرة اعتباريّة ؛ ونحن الكلمات التّامّات ، كما ورد عنهم عليهم‌السلام بهذا الاعتبار ، وتسمية المشيّة بنفس الرّحمن باعتبار تطابق العالم الصّغير والكبير وتلك الكلمة باعتبارها في نفسها تامّة ، وباعتبار ظهورها على غيرها توصف بالتّمام وعدمه ، وظهورها تامّة بان تظهر بصورة الولاية والنّبوّة والرّسالة ، وتماميّتها حينئذ كانت اضافيّة ، وتماميّتها الحقيقيّة إذا كانت بصورة الولاية المطلقة فيصير صاحبها خاتم الولاية ، وبصورة النّبوّة المطلقة والرّسالة المطلقة فيصير صاحبهما خاتم النّبوّة والرّسالة كما في محمّد (ص) وعلىّ (ع) ، وتماميّة النّبوّة والرّسالة النّاقصة تماميّة اضافيّة ان تظهر بجميع ما من شأنه ان تظهر به من قبول أحكامها وإنجاز مواعيدها وترتّب فوائدها ، ومن جملة تماميّة نبوّة موسى (ع) ظهورها بإتمام مواعيدها ورفع موانع رواجها من منع فرعون وقومه ، والتّوصيف بالحسنى للاشارة الى انّ كلماته باعتبارها في أنفسها تتفاوت وتتّصف بالحسن والاحسنيّة وان كان كلّها باعتبار اضافتها اليه تعالى حسنة غير متّصفة بعدم الحسن ، وبعد ما عرفت انّ الرّبّ المضاف هو الولاية المتحقّق بمطلقها علىّ (ع) وانّ الرّسالات والنّبوّات والولايات الجزئيّة هي مراتب الولاية المطلقة وتنزّلاتها وانّ النّبوّة المطلقة والرّسالة المطلقة أيضا ظهور الولاية المطلقة وتحت تربيتها ، علمت جواز تفسير الرّبّ بعلىّ (ع) والكلمة بموسى (ع) أو برسالته ونبوّته (بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من الأصنام وعبادتها والصّنائع الدّقيقة وآلاتها والابنية الرّفيعة وزخارفها (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من كروم الجنان والقصور الرّفيعة ، وقوله دمّرنا عطف على تمّت أو على صبروا ، وكون التّدمير سببا لتماميّة الكلمة لما فيه من الدّلالة على القدرة والرّسالة والعبرة لسالكى الآخرة (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) بعد مهلك فرعون وايراث الأرض لدعوة العمالقة وقتالهم (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) اى على عبادتها (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) بيان لسفاهة رأيهم وانّهم لمّا استراحوا من فرعون وقومه تركوا الانقياد وأظهروا الاستبداد لغاية حمقهم وجهلهم (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ذمّهم اوّلا

٢٠٢

على استبدادهم لجهلهم ثمّ بيّن لهم فساد عمل القوم وبطلانه فقال (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) من الأحوال والأخلاق والعقائد يعنى منكسر منقطع عمّا ينبغي الاتّصال به من النّبوّة والولاية المتّصلة بالآخرة الباقية (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فاسد لا اثر له ولا فائدة مترتّبة عليه (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) كرّر قال اهتماما بما بعده فانّه المقصود وغيره كان توطئة له فانّ انكار ابتغاء غير الله إلها كناية عن ابتغاء الله إلها لكون المقام مقام ابتغاء الإله (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) في زمانكم ببعثة الرّسل منكم وخلاصكم من أعدائكم وانقيادكم للرّسل (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عطف على قوله أغير الله أبغيكم إلها بتقدير اذكروا اى قال موسى (ع) اذكروا إذ أنجيناكم ، ونسبة الإنجاء الى نفسه مع الله لكونه سببا أو عطف على أورثنا بتقدير قلنا اذكروا إذ أنجيناكم فيكون خطابا من الله معهم وتذكيرا لهم بالنّعمة العظيمة الّتى هي الخلاص من شدّة عذاب آل فرعون (يَسُومُونَكُمْ) يكلّفونكم (سُوءَ الْعَذابِ) والجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو حال (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ) بدل من الاولى بدل التّفصيل من الإجمال أو مستأنفة أو حال مترادفة ، أو متداخلة (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يستبقون بناتكم للاسترقاق أو يفتّشون حياء نساءكم اى فروجهنّ لتجسّس العيب كالاماء ، أو تجسّس الحمل وقد سبق في اوّل سورة البقرة تفصيله (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) ابتلاء ومحنة (مِنْ رَبِّكُمْ) على أيدي أعدائه (عَظِيمٌ) وتفسير البلاء بالنّعمة وجعل الإنجاء مشارا اليه بعيد (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) وهي شهر ذي القعدة كما نقل لاعطاء كتاب فيه ببيان كلّ شيء (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) من ذي الحجّة لسواك استاك آخر الثّلاثين قبل الإفطار (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ) لاعطاء الكتاب (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى) حين خرج من بين قومه للميقات (لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) التفات من التّكلّم الى الغيبة اشارة الى انّ التّكلّم صدر من مقام ظهوره الّذى هو الولاية المطلقة المتحقّق بها علىّ (ع) كما انّ المتكلّم مع محمّد (ص) ليلة المعراج كان عليّا (ع) ، ولمّا سمع موسى (ع) كلامه تعالى اشتدّ شوقه والتهب حرارة طلبه ولم يتمالك ، فطلب وسأل ما ليس له من الشّهود والرّؤية مع انّه كان بعد في الحدّ والغيبة وباقيا عليه الانانيّة وليس شأن المحدود ادراك المطلق ورؤيته ، فانّ من شرائط الرّؤية والإدراك صيرورة الرّائى سنخا للمرئىّ أو المرئىّ سنخا للرّائى والّا فلا يقع الرّؤية ولا يحصل المشاهدة ؛ الا ترى انّ النّفس في مشاهدة الأجسام محتاجة الى آلة جسمانيّة وقوّة جرمانيّة وتلك القوّة الجسمانيّة محتاجة الى تجريد الصّورة من المادّة لتجرّدها نحوا من التّجرّد ، فلمّا لم يتمالك (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) فانّك غير خارج من حدودك ولو شاهدتني بحدودك لفنيت فليس لك شأن رؤية المطلق (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) جبل الحجر أو جبل انانيّتك (فَإِنِ اسْتَقَرَّ) الجبل لتجلّى نور من أنوار المطلق (مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) مع جبل حدّك وانّيّتك (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) الّذى هو المطلق المضاف لا المطلق المطلق (لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ) الله أو الرّبّ أو التّجلّى (دَكًّا) متفتّتا متلاشيا (وَخَرَّ مُوسى) لاندكاك انّيّته (صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ) عن سؤالى عن مثلك ما ليس لي (تُبْتُ إِلَيْكَ) من سؤالى (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّك لا ترى لمثلي.

٢٠٣

اعلم ، انّ الإدراك حقيقة مشكّكة ذات مراتب متفاوته في الشّدّة والضّعف ، ولكلّ مرتبة من مراتبه اسم خاصّ وشرائط خاصّة لحصولها مثلا ادراك زيد تصوّرا جزئيّا مرتبة منه إدراكه بالبصر ويسمّى رؤية ، ومرتبة منه إدراكه بالخيال ويسمّى تخيّلا ، ومرتبة منه إدراكه بالعين المثاليّة في المنام ويسمّى رؤيا ، ومرتبة إدراكه بالعين المثاليّة بالكشف الصّورىّ في عالم المثال ويسمّى كشفا صوريّا وشهودا ؛ والكلّ ادراك النّفس الانسانيّة لشخص زيد بحيث لا يمكن لأحد ان يقول : انّ زيدا بشخصه غير مدرك في مرتبة من تلك المراتب والتّفاضل بين تلك الإدراكات بديهىّ وجدانىّ ، فانّ ادراك الخيال أضعف أنواع الإدراك وأقواها الإدراك بالرّؤية والإدراك شهودا بالعين المثالىّ ، وكما يسمّى الإدراك البصرىّ رؤية يسمّى الإدراك الكشفىّ رؤية كما لا يخفى ، هذا في التّصوّرات والإدراكات الجزئيّة وهكذا الحال في التّصديقات والإدراكات الكلّيّة ، فانّ الحكم بكون الأمير في البلد قد يدرك توهّما ، وقد يدرك شكّا وظنّا ، وقد يدرك علما عاديّا وتقليديّا ويقينيّا برهانيّا ويقينيّا شهوديّا والتّفاضل بينها غير مخفىّ وأقواها وأتمّها واشدّها هو العلم الشّهودىّ ويسمّى هذا العلم الشّهودىّ في ذلك التّصديق الشّخصىّ رؤية باعتبار ، كما يسمّى علما وشهودا وعيانا وتصديقا باعتبارات أخر ، وعلم من ذلك انّ الرّؤية غير مختصّة بالرّؤية البصريّة المشروطة بمقابلة المرئىّ للرّائى أو بحكم المقابلة كالرّؤية في المرآة والماء وبتوسّط جسم مشفّ وعدم القرب المفرط والبعد المفرط وعدم آفة في العين وعمدتها التفات النّفس الى الآلة وفعلها ، فانّ الإدراك البصرىّ صفة النّفس لكن في مقامها النّازل ومرتبة الباصرة بل مقولة على ادراك عين الخيال في عالم المثال كرؤية المكاشفين والنّائمين الرّائين الرّؤيا الصّادقة ، وعلى ادراك عين الخيال في عالم الخيال كرؤية المسرسمين والمبرسمين والنّائمين الرّائين الرّؤيا الكاذبة ، فانّه لا يشكّ أحد من هؤلاء ولا ممّن اطّلع على عالمهم وكيفيّة ادراكهم انّ مدركاتهم مرئيّات حقيقة وانّه لا يصحّ سلب الرّؤية عنها. فالرّؤية في المدركات المتقدّرة الجزئيّة عبارة عن قوّه الإدراك وشدّته بحيث لا يتصوّر ادراك أتمّ وأقوى منه سواء كانت بالآلة المخصوصة أم بغيرها ، وسواء كان المدرك مصاحبا للمادّة أم غير مصاحب ، فصحّ اطلاق الرّؤية على المتقدّر المجرّد عن المادّة كما يصحّ إطلاقها على المتقدّر المادّىّ ولا اختصاص له بالمادّىّ ، وهذا التّفاضل يجرى في المدركات العقليّة المجرّدة عن المادّة والتّقدّر ، فانّ العقول الكلّيّة والملائكة المقرّبين قد يتوهّم وجودها ثمّ يشتدّ هذا التّوهّم فيصير شكّا ثمّ ظنّا ثمّ علما عاديّا وتقليديّا ثمّ علما يقينيّا برهانيّا ، فاذا اشتدّ هذا العلم بحيث يخلّص العالم من المادّة وغواشيها ويرفعه عن العالمين ويوصله الى المجرّدات حتّى يشاهدها ويلحق بها صار إدراكه اشدّ ما يتصوّر وعلمه عيانا ، فان شئت فسمّ هذا العلم العيانىّ رؤية فانّه لا مانع من اطلاق الرّؤية بهذا المعنى عليه بل حقيقة الرّؤية وهي الانكشاف التّامّ الّذى لا يتصوّر فوقه انكشاف ، وادراك هنا أتمّ وأقوى من الانكشاف بآلة البصر وقد عرفت ان لا مدخليّة لخصوص آلة البصر في الرّؤية ؛ وهكذا الحال في الحقّ الاوّل تعالى شأنه وصفاته. ثمّ اعلم انّ المعلوم المدرك في اىّ عالم كان لا بدّ وان يكون المدرك لذلك المعلوم بذاته أو بآلاته ، ووسائط دركه من سنخ ذلك العالم للزوم نحو من الاتّصال أو نحو من الاتّحاد بين المدرك والمدرك كما قرّر في الحكميّات والفلسفة الاولى ، الا ترى انّ المدركات المادّيّة الّتى هي من عالم المادّة لا تدرك الّا بآلات مادّيّة كالحواسّ الخمس الظّاهرة ، والمدركات الخياليّة والمثاليّة الّتى هي من سنخ عالم المثال لا تدرك الّا بالحواسّ الباطنة الّتى هي ارفع من عالم المادّة ، والمعقولات الّتى هي ارفع من العالمين لا تدرك الّا بقوّة ليست من سنخ عالم المادّة ولا من سنخ عالم المثال فاذا أريد ادراك العقول لا بدّ وان يرتفع المدرك عن العالمين ويصير عقلا مجرّدا عن المادّة والتقدّر أو يتنزّل العقول عن عالمها العقلىّ وتتمثّل بصور متقدّرة

٢٠٤

حتّى تدرك بالمدارك المثاليّة كما في نزول الملائكة على الأنبياء ، فما لم يرتفع الدّانى أو لم يتنزّل العالي لا يمكن ادراك الدّانى للعالي ، فاذا سأل الدّانى في دنوّه بلسان حاله أو قاله رؤية العالي في علوّه فجوابه العتاب على هذا السّؤال والمنع من مسئوله والزّجر على مأموله لسؤاله ما ليس له ان يسأل. ثمّ اعلم انّ الإنسان من اوّل استقراره في الرّحم جماد بالفعل وله قوّة الانسانيّة ولمّا كان ضعيفا غير قابل لقبول اثر العقل جعل الباري تعالى نفس الامّ واسطة في فيضان نور العقل عليه حتّى إذا استكمل بحيث يستعدّ لقبول فيض العقل بلا واسطة يتولّد وليس له حينئذ من اثر العقل الّا فعليّة المدارك الحيوانيّة الظّاهرة فيتدرّج في الاستكمال بفيض العقل حتّى يتحقّق فيه طليعة ضعيفة من اشراق العقل ، فيدرك البديهيّات الاوّليّة الكلّيّة الّتى من شأنها ان يكون مدركها العقل فيتدرّج في الاستكمال ويتقوّى تلك الطّليعة حتّى يمكنه اكتساب الكلّيّات فيتدرّج في ذلك حتّى يعاين مكتسباته فيتدرّج حتّى يتحقّق بها وصار عالما علميّا مضاهيا للعالم العينىّ بل عالما غيبيّا محيطا بالعالم العينىّ ، وحينئذ يصير مطلقا عن قيوده خارجا من حجبه وحدوده وله استعداد شهود الحقّ الاوّل تعالى لكن اشتداده وترقيّه الى زمان البلوغ وهو زمان الاستبداد بالرّأى والاستقلال في الاختيار ، وبعبارة اخرى الى زمان يمكنه ادراك خيره وشرّه الاخرويّين كان على الصّراط المستقيم بأسباب الهيّة لا مدخل للعبد فيها ولا اختيار له ولذا : قيل كن مع الله كما كنت حتّى كان معك كما كان ، وإذا وصل الى مقام البلوغ وكله الله الى اختياره ونبّهه على خيره وشرّه على ألسنة خلفائه الظّاهرة والباطنة وأعانه على اختياره الخير وخذله في اختياره الشّرّ ، فان ساعده التّوفيق وتداركه جذبة من جذبات الرّحمن وهي خير من عبادة الثّقلين استراح من تعب السّلوك ورفع القلم عنه وصار من الشّيعة الّذين رفع القلم عنهم ، وان وكله الله الى نفسه وخذله باختياره الشّقاء التحق بالشّياطين ، وان وفّقه الله للسّلوك اليه باختياره الخير والتّقوى من الشّرّ ، فامّا ان يسلك بقدم نفسه ويتعب نفسه في السّلوك اليه ، وبعبارة اخرى امّا ان يعبد الله مع بقاء حكم النّفس عليه وفي قيود انانيّته ويسمّى تقرّبه حينئذ بقرب النّوافل وهذا وان أتعب نفسه في السّلوك والعبادة وجاهد غاية المجاهدة لم يكن له شأنيّة المشاهدة والمواصلة وليس له الّا الفرقة والمباعدة ، أو يسلك الى الله ويعبد الله من غير بقاء حكم النّفس وأثرها عليه ويسمّى تقرّبه بقرب الفرائض وهذا لخروجه من حدود نفسه وقيودها وارتفاعه عن حجاب انّيّته له شأنيّة المواصلة والمشاهدة بل يصير هو الشّاهد والمشهود في كلّ شاهد ومشهود ، والبصير والمبصر والسّميع والمسموع ، والاوّل وان كان مستريحا من تعب السّلوك ملتّذا بلّذة الشّهود والها في المحبوب ليس له كمال مقام الجمع والتجمّل بالأعوان والجنود ، والثّانى وان كان له جمعيّة وسعة وتجمّل ليست له لذّة المشاهدة والسّرور الاتمّ فهما ناقصان كلّ بوجه ، والثّالث له الكمال الاتمّ والسّرور الأبهى والجمال الاجمل لجمعه بين كمال الشّهود والتجمّل بالأعوان والجنود ، وله الخلافة الكبرى والرّياسة العظمى ، إذا عرفت ذلك فقس قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) ، الى قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) حتّى تعرف مقام محمّد (ص) في العبادة والسّلوك ومقام موسى (ع) وتعرف انّ موسى (ع) سلك بقدم نفسه لا بربّه ولذلك كان مستحقّا لجواب لن تراني ، وانّ محمّدا (ص) سار باسراء ربّه لا بسير نفسه ، وانّ محمّدا (ص) هو السّميع لكلّ مسموع في مرتبته والبصير لكلّ مبصر فضلا عن نعمة مشاهدة ربّه ورؤية آياته الكبرى كما هو الظّاهر من آخر الآية فانّ الظّاهر عدم الالتفات في آخر الآية وتطابق ضمير (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) مع ضمير (لِنُرِيَهُ). ولمّا كان المتبادر الى

٢٠٥

فهم العامة من الرّؤية رؤية البصر وهي ممتنعة في حقّه تعالى وكان حقيقة الرّؤية في حقّه تعالى غير ممنوعة اختلف الاخبار في نفى الرّؤية عنه تعالى وإثباتها له وبما ذكرنا من التّحقيق يجمع بين متخالفات الاخبار في باب رؤية الحقّ تعالى وعدمها وفي تفسير هذه الآية ومن أراد الاطّلاع عليها فليرجع الى الكافي والصّافى (قالَ) الله تعالى بعد ما اندكّ جبل انّيّته ومات عن انانيّته ثمّ أحياه الله بحيوة اخرى غير الحيوة الاولى واستحقّ إعطاء كتاب النّبوّة (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي) يعنى بما به الرّسالة ولذا جمعه وهو اسفار التّوراة أو احكام التّوراة (وَبِكَلامِي) اى بشرافة كونك كليما لي (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) من التّوراة أو احكام الرّسالة أطلق الأخذ هنا وقيّده فيما بعد وفي قصّة يحيى وفي قصّة رفع الجبل فوق بنى إسرائيل بقوله بقوّة للاشارة الى عدم الحاجة إليها هنا لقوّة الآخذ وعدم حاجة المأخوذ الى قوّة وللاشارة الى قوّة المأخوذ وضعف الآخذ في قصّة يحيى وقصّة بنى إسرائيل (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) بصرفه لأهله ومنعه من غير اهله ، وروى انّ سؤال الرّؤية كان يوم عرفة وإعطاء التّوراة يوم النّحر (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ما يسمّى شيئا (مَوْعِظَةً) فانّ في كلّ شيء جهة وعظ ونصح للخير كما انّ فيه جهة كثرة وحجاب عن الخير فكتبنا من كلّ شيء جهة وعظ في ألواح التّوراة أو في ألواح نفسه النّبويّة (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) عطف على مجموع (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً) لا على موعظة فقط أو هو عطف على موعظة ، والمعنى وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء تفصيلا لكلّ شيء ، فانّ البصير المرتفع عن عالم الطّبع بل عن عالم المثال يرى كلّ شيء في كلّ شيء لكون الكل في ذلك العالم مرائى متعاكسات يترائى كل شيء في ذلك العالم في كلّ شيء بل نقول : ظاهر الآية كون تفصيلا معطوفا على موعظة والقيود المتقدّمة على المعطوف عليه معتبرة في المعطوف بحكم العطف وقد اشتهر عن الصّوفيّة انّهم يقولون : كلّ شيء في كلّ شيء (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) اى قائلين فخذ الألواح الّتى فيها الموعظة وتفصيل كلّ شيء ، أو خذ الموعظة وتفصيل كلّ شيء ، أو مجموع الألواح والموعظة والتّفصيل ولاخذ تفصيل كلّ شيء من كلّ شيء هاهنا في المأخوذ أضاف قوله بقوة (وَأْمُرْ قَوْمَكَ) بأخذ الألواح والموعظة أو بأخذ أحسنها أو بأىّ امر كان (يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) في حذف متعلّق الأمر وجزم الجواب إيهام سببيّة امره (ع) باىّ امر كان لاخذ قومه بأحسنها ، كأنّه بامره وتوجّهه إليهم يؤثّر فيهم أثرا يفتح بصيرتهم بحيث يميّزون بين الأحسن وغير الأحسن ، وكلّ إنسان مفطور على أخذ الأحسن إذا عرفه وفي أمثال قوله تعالى لنبيّنا (ص) : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) وقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) دلالة على قوّة نفس نبيّنا (ص) بالنّسبة الى موسى (ع) لا يهامه انّ محض تخاطبه (ص) مع المؤمنين امرا كان أو نهيا أو حكاية وقصّة يؤثّر فيهم بحيث يصير سببا لما ذكر بعده من أفعالهم الحسنة بخلاف موسى (ع) ، فانّه ان امر اثّر والّا فلا. ولمّا كان القوم غير جامعة لجملة المراتب لضيقهم وعدم سعتهم بل كلّ من كان منهم في مرتبة لم يكن يجرى عليه حكم المرتبة العالية أو الدّانية لضيقه وكان الحسن والأحسن في حقّه حكم تلك المرتبة وكان حكم المرتبة العالية أو الدّانية في حقّه قبيحا امره (ع) ان يأمر قومه ان يأخذوا أحسن العظة أو أحسن الألواح باعتبار ما فيها من الأحكام الّتى هي موعظته تعالى ، فانّ الأحكام فيها كالقرآن متكثّرة مترتّبة بحسب تكثّر المراتب كالانتقام وكظم الغيظ والعفو عن المسيء والإحسان اليه ، فانّ الأحكام الاربعة مذكورة في القرآن لكن هي مترتّبة حسب مراتب الإنسان ويختلف أحسنها بحسب اختلاف الأشخاص في مراتب العبوديّة ، فانّ الواقع في جهنّام

٢٠٦

النّفس لا يرتضى من المسيء بالانتقام بمثل إساءته بل لا يرتضى باضعافها فالأحسن في حقّه الانتقام بمثل اعتدائه كما قال (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، ومن خرج من تلك الجهنّام فالأحسن في حقّه كظم الغيظ وترك الانتقام ولكن لا يتصوّر في حقّه الصّفح وإخراج رين الاساءة من صدره ، والأحسن في حقّ من خرج من حدود النّفس وتوجّه الى حدود القلب الصّفح وتطهير القلب من رين الاساءة ولا يتصوّر في حقّه الإحسان ، وفي حقّ الدّاخل في بيت الله الّذى (مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وهو القلب كان الأحسن الإحسان فالمراد بأحسنها أحسن ما يتصوّر ويمكن في حقّهم ، هذا إذا كان المراد بالأحسن الأحسن الاضافىّ وان أريد بالأحسن الأحسن المطلق فليخصّص قومه بخواصّه ، هذا على ظاهر مفهوم اللّفظ والّا فالمراد به الولاية فانّها العظة الحسنى والحكم الأحسن حقيقة والمعنى انّك لسعة وجودك واستقلالك في جميع المراتب مأمور بأخذ جميع الأحكام في جميع المراتب ، ولكنّ قومك لضيقهم وعدم استقلال رأيهم مأمورون بأخذ الأحسن منها وهي الولاية حتّى يحصل لهم بتبعيّة وليّهم سعة واستقلال في رأيهم فيستحقّوا بذلك الأمر بأخذ الجميع وبأحد المعنيين ورد قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ولمّا صار المقام مظنّة ان يقال : ما لمن خرج من الانقياد ولم يأخذ حكم الألواح وعظة؟ ـ قال جوابا (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) وجزائهم والخطاب لموسى (ع) وقومه أو لمحمّد (ص) وقومه ، ثمّ صار المقام مظنّة ان يقال : ما سبب خروج الفاسق ومن المخرج له؟ أيخرج بنفسه أم يخرجه غيره؟ ـ فقال (سَأَصْرِفُ) البتّة على ان يكون السّين للتّأكيد أو سأظهر يوم القيامة انّ انصراف المنصرف كان بسبب تكبّره بغير الحقّ ، ولمّا كان الاهتمام ببيان سبب الانصراف لا الصّارف لم يقل : انا اصرف بتقديم المسند اليه تقوية للحكم أو حصرا (عَنْ آياتِيَ) التّدوينيّة الّتى هي احكام نظام المعاش وحسن المعاد وظهور الآيات التّكوينيّة أو عن الآيات التّكوينيّة الآفاقيّة والانفسيّة وأعظمها الآيات العظمى أو عن الجميع (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) يظهرون الكبر أو ينتحلون الكبر (بِغَيْرِ الْحَقِ) فانّ التكبّر بأمره مع المتكبّر صدقة ، والتكبّر بكبريائه تعالى كبرياء الحقّ وهما لا يمنعان من انقياد الآيات (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) من عطف المسبّب على السّبب لتكبّرهم المانع من الإذعان بآياتي (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لادبارهم بتكبّرهم عن سبيل الرّشد (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لا قبالهم على الغىّ ، والمراد بسبيل الرّشد والغىّ الأعمال والأخلاق الموصلة إليهما بل نقول : للنّفس طريق الى العقل وهو الرّشد وطرق عديدة الى الجهل وهي الغىّ ، والنّفس برزخ واقع بينهما والأعمال والأخلاق الحسنة من لوازم طريقها الى العقل ، وضدّها من لوازم طرقها الى الجهل (ذلِكَ) التكبّر الّذى هو سبب الكلّ أو ذلك المذكور من الصّرف والتّكبّر وعدم الايمان بالآيات وعدم اتّخاذ سبيل الرّشد واتّخاذ سبيل الغىّ (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) فانّ سبب الكلّ التّكذيب بآياتنا العظمى أو مطلق الآيات (وَكانُوا عَنْها) من حيث انّها آيات (غافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) عطف على مدخول انّ وهو على صورة قياس اقترانىّ من الشّكل الاوّل وصورته هكذا : ذلك بانّهم كذّبوا بآياتنا وكلّ من كذّب بآياتنا حبطت أعمالهم فلا ينتفعون بها حتّى يقرّبهم الى سبيل الرّشد والانقياد للآيات (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) كأنّه قيل : حبط الأعمال لا يشبه

٢٠٧

العدل ، فقال : ليس حبط الأعمال الّا جزاء أعمالهم (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ) من بعد ذهابه الى الميقات تعريض بامّة محمّد (ص) يعنى لا تتّخذوا أنتم من بعد محمّد (ص) عجلا معبودا (مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً) وفي ابدال جسدا رفع إيهام انّه كان عجلا حقيقة (لَهُ خُوارٌ) روى عن الباقر (ع) انّ فيما ناجى موسى (ع) ربّه ان قال : يا ربّ هذا السّامرىّ صنع العجل فالخوار من صنعه؟ ـ قال : فأوحى الله اليه يا موسى (ع) انّ تلك فتنتي فلا تفحص عنها ، وعن الصّادق (ع) قال : يا ربّ ومن أخار الصّنم؟ فقال الله تعالى : يا موسى انا آخرته ، فقال موسى (ع): ان هي الّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدى من تشاء ، وعن النّبىّ (ص): رحم الله أخي موسى ليس المخبر كالمعاين الى قومه ورءاهم فغضب والقى الألواح (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) تقريع باعتبار ترك التّفكّر (اتَّخَذُوهُ) صفة سبيلا اى لا يهديهم سبيلا جعلوه سبيلا الى الله أو مستأنف اى اتّخذوا العجل آلها (وَكانُوا ظالِمِينَ) في ذلك الاتّخاذ أو من قبيل عطف السّبب (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) هذا مثل في العرب والعجم جميعا كناية عن غاية النّدم والتّحسّر والعجز عن دفع ما يتحسّر على وروده يعنى ندموا وعجزوا عن رفع بليّة عبادة العجل (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا) اعترافا بالّذنب وتضرّعا (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي) خلفه قام مقامه وعمل في خلفه ، وما نكرة موصوفة ، أو معرفة موصولة ، أو معرفة تامّة ، وإذا كانت معرفة تامّة كان خلفتموني حالا ، وعلى اىّ تقدير فالعائد محذوف والمعنى بئس الّذى خلفتموني فيه عبادة العجل فعبادة العجل مخصوصة بالّذم ومحذوفة ، ويجوز ان يكون ما مصدريّة ويكون المعنى : بئس الخلافة خلافتكم لي حيث عبدتم العجل وتركتم امر ربّكم ، ويجوز ان يكون الخطاب لهارون ولمن بقي معه ولم يعبد العجل ويكون المعنى : بئس الّذى خلفتموني فيه من السّكوت عن نهى العابدين والمعاشرة معهم (مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) اسبقتم امر ربّكم باتّباعى وانتظار الكتاب السّماوىّ وتركتموه ورائكم ، وتعدية عجلتم بنفسه لتضمين مثل معنى السّبق أو المعنى اسبقتم في عبادة العجل امر ربّكم فعبدتم العجل من دون امر منه أو المعنى اسبقتم امر الرّب بانتظار أربعين ليلة فما لبثتم انقضاء الوعد (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) من شدّة الغيظ لله فتكسّر بعضه ورفع بعضه وبقي بعضه كما روى (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) لانّه لم يفارقهم ولم يلحق بموسى (ع) بعد ما نهاهم فلم ينتهوا (قالَ ابْنَ أُمَ) نسبه الى الامّ استعطافا لانّ بنى امّ واحدة أقرب مودّة من بنى أب واحد وكان أخاه من أب وامّ وكان أكبر من موسى (ع) بثلاث سنين (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) اعتذر عن تقصيره المترائى في منع القوم من عبادة العجل (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) من غير تقصير لي (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) في نسبة التّقصير الىّ وجعلي مثلهم (قالَ) بعد الافاقة من غضبه (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) فيما فرّط منّى في حقّه ومنه في حقّ القوم (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ولمّا فرغ من الاستغفار وطلب الرّحمة صار المقام مقام ان يسأل الله : ما لمن عبد العجل؟ ـ فقال تعالى جوابا لسؤاله المقدّر : (إِنَّ الَّذِينَ

٢٠٨

اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) معبودا (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ) في الآخرة (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بقتلهم أنفسهم (وَكَذلِكَ) الجزاء من الغضب والّذلّة (نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) فتنبّهوا يا أمّة محمّد (ص) ولا تفتروا ولا تأخذوا العجل والسّامرىّ خليفة بعد محمّد (ص) والافتراء اعمّ ممّا وقع قولا أو فعلا أو حالا أو اعتقادا ، ولمّا توهّم انّ المفترى جزاؤه ما ذكر مطلقا وصار سببا ليأس أهل المعاصي سيّما على تعميم الافتراء استدركه بقوله (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها) بالتّوبة العامّة النّبويّة والبيعة الظّاهرة ان لم يكونوا من أهل البيعة الظّاهرة أو بالتّوبة الخاصّة الولويّة والبيعة الباطنة ان كانوا من أهل البيعة الظّاهرة أو استغفروا بينهم وبين الله وندموا على معاصيهم (وَآمَنُوا) بقبول الميثاق العامّ واحكامه ، أو الميثاق الخاصّ واحكامه ، أو بالبيعة الخاصّة الولويّة ان كان المراد بالتّوبة التّوبة العامّة أو أذعنوا بالله ان كان المراد من التّوبة الاستغفار بينهم وبين الله (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد السّيّئات أو التّوبة (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) استعار السّكوت للسّكون أو شبّه الغضب بالأمر استعارة تخييليّة (أَخَذَ الْأَلْواحَ) الباقية بعد القائها وانكسار بعض وارتفاع بعض وبقاء بعض (وَفِي نُسْخَتِها) ما نسخ منها بالكسر والرّفع أو ما نسخ وكتب في الألواح الباقية (هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) فانّهم المنتفعون بالمواعظ دون من استمعها سماع الأسمار (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) من قومه (سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) روى عن الرّضا (ع) انّه سئل : كيف يجوز ان يكون كليم الله موسى (ع) بن عمران لا يعلم انّ الله لا يجوز عليه الرّؤية حتّى يسئله هذا السّؤال؟ ـ فقال : انّ كليم الله علم انّ الله منزّه عن ان يرى بالأبصار ولكنّه لمّا كلّمه الله وقرّبه نجيّا رجع الى قومه فأخبرهم انّ الله كلّمه وقرّبه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعته وكان القوم سبعمائة الف فاختار منهم سبعين ألفا ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ثمّ اختار منهم سبعمائة ثمّ اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربّه ، فخرج الى طور سيناء فأقامهم في صفح الجبل وصعد موسى (ع) الى الطّور وسأل الله ان يكلّمه ويسمعهم كلامه وكلّمه الله وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وامام ، لانّ الله أحدثه في الشّجرة ثمّ جعله منبعثا منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن بانّ هذا الّذى سمعناه كلام الله حتّى نرى الله جهرة ، فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة فاخذتهم الصّاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسى (ع) : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا انّك ذهبت بهم فقتلهم لانّك لم تكن صادقا فيما ادّعيت من مناجاة الله ايّاك؟! فأحياهم وبعثهم معه ، فقالوا : انّك لو سألت الله ان يريك تنظر اليه لأجابك فتخبر كيف هو ونعرفه حقّ معرفته فقال موسى (ع) : يا قوم انّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفيّة له وانّما يعرف بآياته ويعلم باعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله فقال موسى (ع) يا ربّ انّك قد سمعت مقالة بنى إسرائيل وأنت اعلم بصلاحهم فأوحى الله اليه : يا موسى (ع) سلني ما سألوك فلم أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى (ع): (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) وهو يهوى (فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) بآية من آياته (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ) إهلاكنا (أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) يعنى من قبل وعدي بنى إسرائيل بإسماع

٢٠٩

كلامك واتيانى بهم الى ميقاتك حتّى لا يتّهمونى بالكذب وإهلاك من جئت بهم الى ميقاتك (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) من الجرأة على طلب الرّؤية (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ان العجل وخواره الّا فتنتك على ان يكون مقطوعا من سابقه على ما روى انّ الله أخبره بضلال قومه بالعجل ، فقال : يا ربّ ان كان السّامرىّ صنعه فمن أخاره؟ ـ فقال : انا ، فقال : ان هي الّا فتنتك ، أو على ان يكون السّبعون المختارون من عبدة العجل اختارهم لميقات التّوبة فاخذتهم الرّجفة لهيبة الله ، أو المعنى ان أسماعهم لكلامك حتّى طمعوا في سؤال الرّؤية الّا فتنتك أو ان الرّجفة منك الّا فتنتك ، وتأنيث الضّمير على الوجوه السّابقة لمراعاة الخبر (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا) المتصرّف في أمورنا (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) لمّا كان الحسن الحقيقىّ هو الولاية فكلّ ما كان مرتبطا بالولاية من علم وخلق وفعل فهو حسن بحسنها ، والسّير على طريق الولاية أيضا حسن بحسنها ، وتسهيل السّير بقوّة الولاية ورفع موانع السّير وقلّة الامتحانات في الطّريق والذّكر المأخوذ من الامام والاتّصال بملكوت الامام كلّها حسن بحسنها ، والتّاء في الحسنة للنّقل فتفسيرها بالولاية وبالطّاعة وبتوفيقها وبتسهيل السّير ورفع موانع السّير وتقليل الامتحانات ودوام الذّكر وتمثّل صورة الشّيخ كلّها صحيح (وَفِي الْآخِرَةِ) أيضا حسنة والحسنة في الآخرة هو شهود الحقّ تعالى في مظاهره بمراتبها : ونعم ما قال المولوىّ قدس‌سره بالفارسىّ في تفسير الحسنة في الدّنيا والآخرة :

راه را بر ما چو بستان كن لطيف

مقصد ما باش هم تو اى شريف

(إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) من هاد يهود إذا رجع (قالَ) جوابا له : انّ لي سخطا ورضى وعذابا ورحمة ولكلّ أهل ، فلي انّ اعذّب من كان أهلا للعذاب ، وارحم من كان أهلا للرّحمة (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) ولمّا لم يكن المعصية سببا للعذاب على الإطلاق لم يقل من عصاني (وَرَحْمَتِي) الرّحمانيّة (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) لانّها صفة الوجود والوجود قد أحاط بكلّ موجود في الدّنيا والآخرة (فَسَأَكْتُبُها) اى الرّحمة الرّحيميّة بطريق الاستخدام (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) المحرّمات الّتى أصلها اتّباع ائمّة الجور الّذى أصله اتّباع أهواء النّفس (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) حقوق المال الحلال وفضول التّمتّعات المحلّة والالتذاذات المباحة المأمور بها بان يتمتّع ويلتّذ ويقلّل منها تدريجا وقوّة القوى العلّامة والعمّالة بصرفها في قضاء حقوق الاخوان وعبادة الرّحمن (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) وهذه صفات مترتّبة فانّ التّقوى بهذا المعنى مقدّمة على الزّكاة ، والزّكاة الّتى هي تضعيف قوى النّفس مقدّمة على ادراك كون الآية التّدوينيّة أو التّكوينيّة آية ، والايمان بها بعد درك كونها آية وللاشارة الى انّ الايمان هو المقصد الأسنى كرّر الموصول (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ) أبدل عن الموصول الاوّل أو الثّانى للاشارة الى انّ الوصف الجامع للاوصاف الثّلاثة هو اتّباع الرّسول (الْأُمِّيَ) المنسوب الى امّ القرى كما في الرّوايات أو المنسوب الى الامّ لكونه لم يكتب ولم يقرأ ولم يحصّل شيئا من الكمالات الانسانيّة مثل زمان ولادته من أمّه (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) باسمه ونعته وأنصاره ومبعثه ومهاجره كما في الرّوايات ، فانّ الأنبياء (ع) ولا سيّما موسى (ع) وعيسى (ع) بشّروا به أممهم واثبتوا خبره في

٢١٠

كتبهم (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) حال من فاعل يجدونه أو مفعوله أو كليهما أو المستتر في مكتوبا بتضمين مثل معنى الاتّصاف اى حالكونه يتّصف بالأمر لهم بالمعروف أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو نائب فاعل لمكتوبا ، وأصل المعروف علىّ (ع) ثمّ ولايته ثمّ التّخلّق بأخلاقه ثمّ العلم المأخوذ منه ثمّ العمل بالمأخوذ ، ثمّ النّبىّ (ص) ثمّ اتّباعه ثمّ العلم المأخوذ منه ثمّ العمل بالمأخوذ وهكذا المنكر مقابلوا علىّ (ع) وهذا هو الدّليل التّام على صدق الرّسول (ص) في رسالته ، فانّ المعروف والمنكر معلوم اجمالا لكلّ أحد إذا خلّى وطبعه وترك الهوى واتّباعه كما في حديث ؛ اعرفوا الله بالله ، والرّسول بالرّسالة ، واولى الأمر بالأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) أصل الطّيّبات علىّ (ع) الى ما تستطيبه الطّباع وتستلذّه ، وأصل الخباثات من كان مقابلا لعلىّ (ع) الى ما تستكرهه الطّباع وتستقذره ، ومعنى إحلال الطّيّبات وتحريم الخباثات إذا حملت على معانيها الظّاهرة ظاهر ، وإذا حملت على معانيها التّأويليّة فمعناهما تسهيل طريق أخذ الطّيّبات وسدّ طريق الوصول الى الخبائث (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) الإصر الثّقل والمراد منه ثقل التّكاليف ، فانّ للتّكاليف في بدو الأمر ثقلا عظيما بحيث لا يكاد يتحمّله المكلّف فاذا أخذها من الرّسول (ص) أو خلفائه يتبدّل ثقلها بالنّشاط والسّرور ، وكما يتبدّل ثقلها بالنّشاط يتبدّل ثقلها أيضا بالخفيف الّذى دون طاقة المكلّف في أمّة محمّد (ص) كما في الاخبار الّتى ورد في تنزيل الآية (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) النّاشئة من الاهوية المختلفة المتكثّرة المانعة لحركة المكلّف نحو ولىّ امره فانّ لكلّ سلسلة تمنعه من الحركة لكنّ الإنسان ما دام في الدّنيا لا يشاهدها الّا من فتح الله عينيه وصار من أهل الآخرة وهو بعد في الدّنيا (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة (وَعَزَّرُوهُ) عظّموه بمنع الأغيار من إيذائه وبمنع الاهوية الفاسدة والخيالات الكاسدة من الغلبة على اتّباعه وامتثال أو امره ونواهيه ، وبعبارة اخرى بالتّبرى عمّا يخالف امره ونهيه ، فانّ امر محمّد (ص) هو نازلة محمّد (ص) وظهوره في المرتبة النّازلة وتعظيم امره (ص) ومنع الاهوية المانعة من امتثاله تعظيم له ومنع عنه (وَنَصَرُوهُ) بنصرة امره ودوام الاتّصال به حتّى يلحقّ امره القالبىّ بأمر الولي الّذى هو وارد على القلب ، وبعبارة اخرى بالتّولّى له فانّ التّعزير كناية عن التبرّى والنّصرة عن التولّى الّذين يعبّر عنهما تارة بالزّكوة والصّلوة ، وتارة بالتّقوى والايمان ، وتارة بالتبرّى والتّولّى والمفاهيم الظّاهرة من تلك الألفاظ بحسب التّنزيل لا حاجة لها الى البيان (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) النّور هو الولاية ولذلك فسّر بعلىّ (ع) فانّه الأصل فيها ويعبّر عنها بالنّور لانّ النّور هو الظّاهر بالّذات والمظهر للغير ، والولاية هي الّتى يفتح بها عين القلب فيظهر به الصّحيح من الأعمال والأحوال والأخلاق والعقائد من سقيمها ، وبه أيضا يظهر دناءة الدّنيا وشرافة الآخرة ، واتّباع الولاية هو آخر مراتب التّكاليف القالبيّة وهو المقصود من البيعة العامّة النّبويّة الّتى يعبّر عنها بالإسلام وهو ما به ارتضاء الإسلام وما به تماميّة نعمة الإسلام وهو أسنى أركان الإسلام وأشرفها وهو الّذى ليس وراءه مطلب سواه ، فانّ جميع المراتب الّتى تتصوّر للإنسان في سلوكه مراتب الولاية والمراد بمعيّة النّور لمحمّد (ص) معيّته القيّوميّة ، فانّ الولاية روح النّبوّة وقوامها ولذلك قال (ص): يا علىّ كنت مع كلّ بنىّ سرّا ومعى جهرا (أُولئِكَ) تكرير المبتدء باسم الاشارة البعيدة تعظيم لهم وتصوير لهم باوصافهم الشّريفة الجليلة وحصر للفلاح الحقيقىّ فيهم (هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ) يعنى

٢١١

بعد ما أظهرنا اوصافك وما به صدق رسالتك فأظهر رسالتك عليهم وقل (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) لا اختصاص لرسالتي بقوم دون قوم (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) ذكر أوصافا ثلاثة لله مشيرا الى مبدئيّته ومرجعيّته ومدبّريّته والى توحيد الهيّته والى انّه الفاعل للحيوة والممات ، ردّا بها على الدّهرية القائلة بانّ العالم لا مبدأ له ، والثّنويّة القائلة بانّ مدبّر العالم مبدءان قديمان مستقلّان ، النّور والظّلمة أو يزدان واهريمن ، والثّنويّة القائلة بانّ مبدء العالم هو الله واهريمن خلق من فكر سيّئ ليزدان ولكن خالق الخير ومنه الحيوة يزدان وخالق الشّرّ ومنه الموت اهريمن (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) مقول قول النّبىّ (ص) أو قول الله تعالى بصرف الخطاب الى النّاس والتّفريع على قول النّبىّ (ص) والمراد بالايمان هنا الايمان العامّ بقرينة قوله لعلّكم تهتدون (النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) التّكوينيّة والتّدوينيّة المعبّر عنه بالايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله الّتى هي اشارة الى مراتب العالم من الملائكة المقرّبين (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) والملائكة الرّكّع والسّجّد وذوي الاجنحة مثنى وثلث ورباع الّتى مقامها الملكوت العليا وعالم الخلق والملكوت السّفلى الّتى هي دار الجنّة والشّياطين وسجن الأشقياء والمذنبين ؛ هذا بحسب النّزول ، وقد يعبّر عنها بمراتب الولاية والنّبوّة الّتى يعبّر عنها بمائة واربعة وعشرين الف نبىّ وبمائة واربعة وعشرين الف وصىّ كما في الاخبار وهذا بحسب الصّعود ، والمراد بإيمانه (ص) بكلمات الله ليس الايمان بالغيب ولا الايمان الشّهودىّ بل الايمان التّحقّقى المعبّر عنه بحقّ اليقين فانّه (ص) المتحقّق بجميع المراتب والكلمات (وَاتَّبِعُوهُ) بامتثال أو امره (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الى الولاية جعل الايمان بالنّبىّ (ص) واتّباعه هداية الى الايمان بعلىّ (ع) وقبول ولايته (ع) كما في قوله تعالى : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) اى لولاية علىّ (ع) ، فانّ الايمان المقابل للإسلام هو ولاية علىّ (ع) بالبيعة الخاصّة والميثاق المخصوص كما في أخبارنا ؛ انّ الايمان هو معرفة هذا الأمر أو ولاية علىّ (ع) أو الدّخول في أمرهم (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) قد عرفت انّ الحقّ الاضافىّ هو الولاية المطلقة والمتحقّق بها هو علىّ (ع) (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) من العدل مقابل الجور وقد ورد في الاخبار ، انّ هذه الامّة قوم من وراء الصّين بينهم وبين الصّين وادحار من الرّمل لم يغيّروا ولم يبدّلوا ليس لأحدهم مال دون صاحبه ، يمطّرون باللّيل ويضحون بالنّهار ويزرعون ، لا يصل إليهم منّا أحد ولا يصل منهم إلينا وهم على الحقّ (وَقَطَّعْناهُمُ) اى قوم موسى (ع) اى فرّقناهم فرقة فرقة (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) السّبط القبيلة من اليهود وولد الولد قيل لا يثنّى ولا يجمع وجمع بعد اثنتى عشرة لانّه جعله بدلا لا تميزا ، أو هو تميز بجعل كلّ واحدة من الفرق أسباطا ، أو بتقدير موصوف مفرد مثل الفرقة والقبيلة ويؤيّد جعله تميزا بأحد هذين الوجهين تأنيث اثنتى عشرة (أُمَماً) بدل أو صفة وسمّى أولاد يعقوب (ع) بالأسباط لانّهم كانوا اثنتى عشرة قبيلة كلّهم من أولاد ابنائه الّذين كانوا اثنى عشر ، كما سمّى أولاد اسمعيل قبائل (ع) (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) في التّيه (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فضرب (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) بعدد القبائل حتّى لا يقع بينهم نزاع في الورد (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) اى فرقة من الأسباط

٢١٢

(مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) المنّ التّرنجبين أو العسل ، والسّلوى طائر يسمّى بالسّمانى قائلين (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا) في مظاهرنا وخلفائنا بترك القناعة والاستبدال بالّذى هو ادنى (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَإِذْ قِيلَ) عطف على إذا ستسقيه أو عطف على اضرب بعصاك أو على آمنوا أو على اتّبعوا بتقدير اذكر أو ذكّر أو اذكروا ، إذ قيل (لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) بيت المقدّس (وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) على مغفرة الخطيئات (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) مضى الآيات وتفسيرها مفصّلا في اوّل البقرة (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) حتّى تذكّرهم سوء عاقبة أهلها لسوء صنيعتهم حتّى يكون نصب أعينهم وتذكّرة لقومك (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) هو بدل من القرية نحو بدل الاشتمال والمعنى اسئلهم عن حال أهل القرية عن وقت عدوهم والإتيان بالمضارع مع ارادة المضىّ للاشارة الى استمرارهم عليه كانوا يتجاوزون حدود الله في السّبت ، فانّ السّبت كان عيدهم وكان له حرمة عندهم وكان الأحد عيدا للنّصارى كما كان الجمعة عيدا لمحمّد (ص) ، ومن هذا ادّعى الصّابئون انّ أنبياء العرب كانوا يعبدون الكواكب ، فقالوا انّ محمّدا (ص) كان يعبد الزّهرة ولذا اختار من الدّنيا النّساء والطّيب لانّهما كانتا منسوبتين الى الزّهرة واختار من الايّام الجمعة لانّها منسوبة إليها ، وكان موسى (ع) يعبد الزّحل ولذا اختار السّبت ، وعيسى (ع) يعبد الشّمس ولذا اختار الأحد (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ) وكانوا منهيّين عن الصّيد يوم السّبت (شُرَّعاً) ظاهرة قريبة التّناول ابتلاء لهم (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) كانوا مشتاقين الى الصّيد منتظرين تمام الأسبوع ولم يتيسّر لهم فاذا كان يوم سبتهم وكانوا ممنوعين من الصّيد لحرمته وللعبادة فيه تأتيهم الحيتان ظاهرة قريبة بحيث لا يمكنهم الصّبر عن الصّيد ؛ أعاذنا الله من امتحانه وابتلائه (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) يعنى انّ هذا الابتلاء كان بسبب فسقهم وعصيانهم ، والإتيان بالمستقبل لاحضار الماضي أو المراد انّا كما بلوناهم سابقا نبلوهم فيما يأتى ، أو المراد كذلك نبلو أمّتك (وَإِذْ قالَتْ) عطف على إذ يعدون أو على إذ تأتيهم والمعنى إذ يعدون إذ قالت (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) من النّاهين الواعظين أو من السّاكتين الغير الواعظين أو من العاصين قالوا استهزاء أو اعتقادا (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يعنى انّهم وان كانوا منهمكين في الفسوق والعصيان لكنّا نؤدّى في موعظتنا ما علينا من النّهى عن المنكر والتّرحّم على العباد باحتمال القبول وباحتمال نجاتهم من العذاب (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) تركوا ما ذكّرهم الواعظون من التّحذير من العذاب أو ما ذكّرهم الله من حرمة السّبت وحرمة الصّيد فيه (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) يعنى الواعظين لانّهم ما كانوا راضين بفعلهم ولا ساكتين عن نهيهم (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بترك ما عليهم وارتكاب ما ليس لهم في السّبت (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) شديد (بِما كانُوا

٢١٣

يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم الّذى هو سبب من جهة القابل لا الفاعل (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) من عطف التّفصيل على الإجمال (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) مطرودين عن كلّ خير ، عن علىّ بن الحسين (ع) انّه قال : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله تعالى وأنبياؤه (ع) عن اصطياد السّمك في يوم السّبت فتوصّلوا الى حيلة ليحلّوا بها لا نفسهم ما حرّم الله ، فخدّوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدّى الى حياض يتهيّأ للحيتان الدّخول فيها من تلك الطّرق ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالخروج ، فجاءت الحيتان يوم السّبت جارية على أمان لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران ، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرّجوع منها الى اللّجج لتأمن من صائدها ، فرامت الرّجوع فلم تقدر وبقيت ليلها في مكان يتهيّأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ، وكانوا يأخذون يوم الأحد ويقولون : ما اصطدنا في السّبت انّما اصطدنا في الأحد ، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم الّتى عملوها يوم السّبت ، حتّى كثر من ذلك مالهم وثراهم وتلقّموا بالنّساء وغيرهنّ لاتّساع أيديهم به ، وكانوا في المدينة نيّفا وثمانين ألفا فعل هذا منهم سبعون ألفا وأنكر عليهم الباقون كما قصّ الله ، (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) الآية وذلك انّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ومن عذاب الله خوّفوهم ومن انتقامه وشدائد بأسه حذّروهم فأجابوهم من وعظهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ، أجاب القائلون هذا (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) هذا القول منّا لهم معذرة الى ربّكم إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم قالوا (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، ونعظهم أيضا لعلّهم ينجع فيهم المواعظ فيتّقوا هذه الموبقة ويحذروا عقوبتها ، قال الله تعالى (فَلَمَّا عَتَوْا) حادوا واعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ، مبعدين من الخير مبغضين ، فلمّا نظر العشرة الآلاف والنّيف انّ السّبعين ألفا لا يقبلون لواعظهم ولا يخافون بتخويفهم ايّاهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم الى قرية اخرى وانتقلوا الى قرية من قراهم ، وقالوا نكره ان ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم ، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلّهم قردة وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد ، وتسامع بذلك أهل القرى فقصد وهم وسموا حيطان البلد فاطّلعوا عليهم فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض ، يعرف هؤلاء النّاظرون معارفهم وقراباتهم وخلطائهم يقول المطّلع لبعضهم : أنت فلان وأنت فلانة فتدمع عينه ويومى برأسه أو بفمه بلا أو نعم ؛ فما زالوا كذلك ثلاثة ايّام ثمّ بعث الله تعالى مطرا وريحا فحرفهم الى البحر وما بقي مسخ بعد ثلاثة ايّام ، وانّما الّذين ترون من هذه المصوّرات بصورها فانّما هي أشباهها لا هي بأعيانها ولا من نسلها (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) عطف على إذ يعدون أو على إذ تأتيهم أو على إذ قالت أمّة أو عطف على اسئلهم بتقدير اذكر أو ذكّر وتأذن واذّن من باب التّفعيل واذنه من الثّلاثىّ المجرّد واذن به بمعنى اعلم وكثر استعمال اذن مخفّف العين بمعنى علم وأباح ورخّص وجاء تأذّن بمعنى اقسم (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) على العادين يوم السّبت أو على اليهود مطلقا بفعل العادين (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ) يكلّفهم (سُوءَ الْعَذابِ) بالقتل والاذلال بالجزية والاجلاء كما فعل بخت نصّر ومن بعده ومحمّد (ص) (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) فلا ينبغي الاغترار بحلمه (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن ارعوى عن غيّه وتاب اليه (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) متفرّقين بحيث لا يخلو مملكة منهم والأغلب انّهم أذلّاء عند غير مذهبهم

٢١٤

(مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) جملة مستأنفة أو وصفيّة أو حاليّة ومنهم مبتدء سواء كان من اسما أو قائما مقام الموصوف المبتدء أو خبر مقدّم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) منهم مبتدء كما سبق أو منهم خبر مقدّم والمبتدء محذوف اى منهم ناس دون ذلك اى منحطّون عن الصّلاح سواء لم يكونوا كافرين أو كانوا كافرين ، ويكون المراد بقوله فخلف من بعدهم خلف انّهم صاروا بعد جميعا كافرين أو المراد بمن دون ذلك من لم يبلغ درجة الكفر (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ) السّعة والدّعة والأمن والصّحة (وَالسَّيِّئاتِ) ضدّ ذلك المذكور (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) من غيّهم كما هو ديدننا في هداية من أردنا هدايته (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ذوو شرّ على ما قيل انّه بالتّسكين لذوي الشّرور وبالتّحريك لذوي الخيرات ، وهو تعريض بامّة محمّد (ص) حيث كانوا في عهده امّا صالحين وامّا دون ذلك وبعده صاروا آخذين بعرض الدّنيا مغترّين بغرور النّفس مع انّه (ص) أخذ عليهم الميثاق بان لا يستبدّوا بآرائهم ولا يقولوا على الله الّا الحقّ ولا يفارقوا الكتاب وعترته (ص) (وَرِثُوا الْكِتابَ) اى كتاب النّبوّة وأحكامها أو التّورية على تنزيله وظاهره (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) من الدنوّ أو الدّنائة يعنى العرض الّذى هو عبارة عن متاع الدّنيا فانّه عارض وزائل لا محالة والجملة امّا صفة بعد صفة والاختلاف مع الاولى للاشارة الى استمرارهم فيه ، أو حال من خلف لاختصاصه بالصّفة ، أو من فاعل ورثوا ، أو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما فعلوا بوراثة الكتاب؟ ـ فقال : يأخذون وعلى اىّ تقدير فالمقصود ذمّهم على انّهم جعلوا الكتاب الّذى هو سبب لاخذ النّعيم الأبديّ والفوز بخير دار البقاء وسيلة لعرض الدّنيا الزّائل لحمقهم ، فانّ اسناد الأخذ الى الخلف المقيّد بوراثة الكتاب يشعر باعتبار الحيثيّة ؛ فالويل ثمّ الويل لمن انتحل الأحكام النّبويّة وجعلها وسيلة الى الاعراض الدّنيويّة كأكثر العامّة الّذين ادّعوا العلم والفقاهة وانتحلوا الشّرع والوراثة (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) فانّ النّفس في توسّلها الى مشتهياتها تستدعى وجها لاطمينانها فيها فتارة تقول : لا ثواب ولا عقاب ولا آخرة ان هي الّا حيوتنا الدّنيا ، وتارة تقول : انّ الله كريم ، وتارة تقول : ليس العذاب الّا ايّاما معدودة ، وتارة تقول : من انتسب الى نبىّ (ع) لا يعذّب ولو جاء بذنوب أهل الدّنيا ، وتارة تقول : محبّ علىّ (ع) لا يدخل النّار وحبّ علىّ (ع) حسنة لا تضر معها سيّئة ولا تدري انّها كلّها غرور وما توهّمته انتسابا الى نبىّ أو محبّة لعلىّ (ع) انتساب الى الشّيطان ومحبّة له ؛ أعاذنا الله من شبهات أنفسنا (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) يعنى ليس قولهم سيغفر لنا الّا عن غرور النّفس فانّ راجى المغفرة يرعوى عمّا ينافيها (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) يعنى انّ وراثة الكتاب تستدعى الخوف من الله لا الاغترار به فانّ ميثاق الكتاب اى العهود الّتى تؤخذ عليهم بالبيعة العامّة النّبويّة ان لا يغترّوا بالدّنيا ولا يقولوا على الله الّا الحقّ (وَدَرَسُوا) تعلّموا وتعاهدوا (ما فِيهِ) من الوعد والوعيد (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) يعنى انّ الافتتان باعراض الدّنيا يتصوّر لغفلتهم عن مفاسدها وسكوتنا عن بيانها وقد بيّناها ونبّهناهم عليها ، أو لرجحانها على متاع الآخرة وليس كذلك ، أو للحمق وعدم العقل واليه أشار بقوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أو لانّ التّمسّك بأحكام الكتاب والاتّعاظ بمواعظها يصير ضائعا عندنا (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) اى كتاب النّبوّة بالبيعة الاسلاميّة (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) بالبيعة الولويّة (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشارة الى انّ التّمسّك بالكتاب والولاية مصلح

٢١٥

لا محالة فعلى هذا قوله تعالى (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ) (الى آخرها) جملة حاليّة والّذين يمسّكون بالكتاب عطف عليه والاحتمالات الاخر في تركيبها بعيدة عن سوق الكلام (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) رفعناه بالقلع (فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) سقف يظلّلهم (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) استعمال الظّنّ مع انّهم كانوا متيقّنين لوقوعه لكونه معلّقا وليس من عادة الأثقال ان تقف معلّقة لانّهم كانوا أصحاب النّفس وليس من صفة النّفس الّا الظّنّ وان كان متيقنة أو لانّهم لمّا علموا انّه كان باعجاز احتملوا ان يقف باعجاز أيضا ولا يقع عليهم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) على تقدير القول يعنى قائلين خذوا التّوراة وأحكامها بقوّة وعزم من قلوبكم وامتثلوا أحكامها بقوّة من أبدانكم (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من العبر والأحكام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) موبقات النّفس ، عن الصّادق (ع) لمّا انزل الله التّوراة على بنى إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى (ع) ان لم تقبلوا وقع عليكم الجبل فقبلوه وطأطأوا رؤسهم وقد مضى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وقرئ ذرّيّاتهم ، اعلم ، انّ آدم قد يقال على آدم ابى البشر وقد يقال على معنى موجود في كلّ بشر وقد يقال على معنى اعمّ منهما وبهذا المعنى يقال : آدم الملكىّ ، وآدم الملكوتىّ وآدم الجبروتىّ ، وآدم اللّاهوتيّ ، وبهذا المعنى ورد في بعض خطب مولانا أمير المؤمنين (ع): انا آدم الاوّل ، وذلك لانّ كلّ ما في عالم الطّبع وعالم الكثرة فله صورة ومثال بنحو الكثرة والتّفصيل في عالم المثال بحيث لو رآه راء لقال : هو هو بعينه من غير فرق وتميز وله حقيقة في عالم العقول العرضيّة وأرباب الأنواع وله حقائق في عوالم العقول الطّوليّة بنحو أتمّ وابسط ممّا في هذا العالم ويعبّر عمّا في تلك العوالم بالّذّر ، وكلّ ما وجد في ما فوق عالم الطّبع فكلّه علم وشعور وسمع وبصر ونطق ، بخلاف ما في هذا العالم فانّ شعوره وسمعه وبصره ونطقه بآلات متمايزة ليس في موضع السّمع بصر ولا في موضع البصر سمع ونطق. ثمّ اعلم ، انّ المراتب النّازلة كلّ بالنّسبة الى ما فوقه رقائق وذرار وظهور له بنحو الكثرة والتّفصيل لكنّه في عين التّفصيل أخفى منه وأضعف والعالي في عين اجماله أتمّ واشدّ وأظهر واحقّ بالاسم المطلق عليه ، فآدم اللّاهوتى الّذى يعبّر بالحقيقة المحمّديّة (ص) والحقّ المخلوق به والاضافة الاشراقيّة اشدّ ظهورا واحقّ باسم آدم من آدم الجبروتىّ وهكذا الى آدم النّاسوتىّ وبنو آدم في كلّ مقام هم المنتسبون اليه بلا واسطة مثلا بنو آدم اللّاهوتىّ ما في عالم العقول الطّوليّة من التعيّنات الآدميّة ، وبنو آدم الجبروتىّ ما في العقول العرضيّة وبنو آدم في تلك المرتبة الصّور المثاليّة ، وبنو آدم المثالىّ الملكوتىّ الصّور الملكيّة البشريّة ، وبنو آدم البشرىّ المنسوبون اليه بلا واسطة أو بواسطة ، وبنو آدم في العالم الصّغير المدارك والقوى البشريّة وذرّيّة بنى آدم في كلّ مرتبة ما يليق بتلك المرتبة كما لا يخفى على البصير ، والتّعبير بظهر بنى آدم دون ظهر آدم كما في الاخبار ، لانّ آدم اللّاهوتىّ لبساطته ووحدته له وحدة حقّة ظلّيّة لا يتصوّر فيه كثرة حتّى يتصوّر له ذرار ولا جهة وجهة حتّى يتصوّر له ظهر وبطن وأيضا الاقتصار على ظهر آدم يوهم الاختصاص بآدم ابى البشر ولمّا كان سلسلة النّزول بمنطوق صحيحة ما ورد : انّ الله خلق العقل ثمّ قال له : أقبل اى الى الدّنيا والدّار السّفلى ، فأقبل ، متوجّها عن الحقّ الاوّل تعالى الى العالم الأسفل كان المنظور اليه والمترائى فيه في كلّ مرتبة هو ظهرها ، وأيضا لمّا كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى دانيها ظهوره بنحو أتمّ واشدّ قال : من ظهور بنى آدم بخلاف سلسلة الصّعود فانّها بحكم قوله ثمّ قال له : أدبر اى عن الدّنيا فأدبر كان المنظور فيه منها هو البطن منها ، وأيضا كلّ دان بالنّسبة الى العالي بطن ومحلّ اختفاء ولذا أطلق البطن في سلسلة الصّعود أخرجناكم من بطون

٢١٦

أمّهاتكم ؛ والسّعيد سعيد في بطن أمّه ، والتّعبير بأخذنا في النّزول وأخرجنا في الصّعود لا يخفى وجهه (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) وبعد ما علمت انّ الأشياء كلّها خصوصا ما فوق عالم الطّبع بالنّسبة الى الله تعالى كلّها علم وشعور وسمع وبصر ونطق لا يبقى لك التّأمّل في انّ الاشهاد والأسماع والإقرار كلّها على حقائقها اللّغويّة بل الاحقّ بحقائقها هو ما فيما فوق عالم الطّبع ولا حاجة لك الى تأويلات المفسّرين وتكلّفاتهم ومجازاتهم (أَنْ تَقُولُوا) كراهة ان تقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) يعنى أشهدناكم وحملناكم على الإقرار هناك لكي تستقلّوا بالتّكليف وتتنبّهوا بالرّبوبيّة فلا تكونوا غافلين هاهنا ولا تابعين ولا معلّقين سوء فعالكم على غيركم (وَكَذلِكَ) التّفصيل بالقول وبالفعل (نُفَصِّلُ الْآياتِ) التّكوينيّة في مراتب التّكوين وفي كتاب التّدوين (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عطف على (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) وسوّغ عطف الإنشاء على الخبر تضمّنها للتّعليل كأنّه قال : لذلك ، تفصّل الآيات لرجوعهم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) النّبويّة على لسان نبينّا (ص) ، أو آياتنا الولويّة على لسان خليفته ، أو آياتنا الآفاقيّة الغير النّبويّة والغير الولويّة ، أو آياتنا الانفسيّة الّتى شاهدها وادراك حيثيّة كونها آيات من الآيات المنذرة والمبشّرة الجارية على السنة خلفائنا والواردة عليه ممّا ليس بقدرته واختياره والواقعة في المنامات والواقعات والمنبّهة من اختلاف الحالات ، والغرض من التّلاوة عليهم تذكيرهم بسوء عاقبة المنسلخ حتّى يتذكّروا ويكونوا على حذر فلا ينسلخوا عن الآيات النّبويّة والأحكام الشّرعيّة ولا يعرضوا عن خليفته محمّد (ص) والمنصوب بعده لهدايتهم ، ونزول الآية في بلعم بن باعوار كما في أخبارنا أو أحد علماء بنى إسرائيل أو أميّة بن ابى الصّلت رجا لكثرة علمه واطّلاعه على الكتب السّماويّة ان يكون هو النّبىّ الموعود فلمّا بعث محمّد (ص) حسده وكفر به كما قيل (فَانْسَلَخَ مِنْها) بترك العمل بمقتضاها والغفلة عنها (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) جعله تابعا لنفسه بعد انسلاخه من الآيات الّتى هي الشّهب المتبعة للشّيطان والتّفسير بلحقه وأدركه أيضا مناسب لهذا المقام ، مثله في قوله تعالى فاتبعه شهاب ثاقب بمعنى لحقه وأدركه وقد جاء في اللّغة بمعنى جعله تابعا (فَكانَ) اى صار والتّعبير بكان للاشارة الى تمكّنه في الغواية كما انّ لفظة (مِنَ الْغاوِينَ) أيضا كذلك (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) بالآيات ولمّا توهّم من لفظة انسلخ منها ولفظة فأتبعه الشّيطان انّه لا دخل لله ومشيّته في الانسلاخ واتّباع الشّيطان استدرك ذلك الوهم وقال : ان مشيّتنا هي السّبب الفاعلىّ وما من قبله هو السّبب القابلىّ والسّبب الفاعلىّ وان كان تامّا لكنّه لم يقع جزافا بل بحسب استعداد القابل وما استعدّ المنسلخ للارتفاع (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) ارض الطّبع وبعدها الى ارض الطّين لقضاء مشتهيات عنها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) من قبيل عطف السّبب على المسبّب فشئنا غوايته وضلاله فأضللناه (فَمَثَلُهُ) بعد ما اخلد الى الأرض في شدّة تعبه وكثرة حركته لتحصيل مأموله من الأرض لتسكين حرارة حرصه وعدم الانتفاع في تسكين الحرص (كَمَثَلِ الْكَلْبِ) الّذى وقع في الحرّ الشّديد فلهث وأخرج لسانه وفتح فاه لكثرة التنفّس لتسكين حرارة القلب ولم ينفعه ذلك بل يضاعف حرارته لكثرة وصول

٢١٧

الهواء الحارّ الى قلبه فقوله (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) في موضع حال مقيّدة للكلب باخسّ أحواله ، روى عن الرّضا (ع) انّه اعطى بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجيب له ، فمال الى فرعون فلمّا مرّ فرعون في طلب موسى (ع) وأصحابه قال لبلعم : ادع الله على موسى (ع) وأصحابه ليحبسه علينا ، فركب حمارته ليمرّ في طلب موسى (ع) فامتنعت عليه حمارته فأقبل يضربها فأنطقها الله عزوجل فقالت : ويلك على ماذا تضربني؟! أتريدان أجيء معك لتدعو على نبىّ لله وقوم مؤمنين! ـ فلم يزل يضربها حتّى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه ، ونسب الى الرّواية انّ قومه سألوه ان يدعو على موسى (ع) ومن معه ، فقال : كيف ادعو على من معه الملائكة فألحوّا عليه حتّى دعا عليهم فبقوا في التّيه، ونقل انّه لمّا دعا على موسى (ع) خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كالكلب (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) اشارة الى التّعميم فكلّ مكّذب بآيات الله هذا مثله (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) على اليهود وغيرهم كما عرفت انّ المقصود تنبيه أمّة محمّد (ص) (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) في مآل أفعالهم وأحوالهم (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) التّكرار للمبالغة في ذمّهم وللتّطويل المناسب لمقام التّهديد (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) كأنّه توهّم متوهّم ممّا رأى من تشديد الله عليهم أنّهم ظلموا الآيات بالتّكذيب فقال : ما ظلموا (الآيات) ولكن (أَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) وأسقط المعطوف عليه لاستفادته من الحصر المستفاد من تقديم المفعول (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) استدراك لما توهّم من نسبة الإخلاد الى الأرض واتّباع الهوى والتّكذيب إليهم من انّ الأفعال منسوبة إليهم ، نسبة الفعل الى الفاعل واختلاف القرينتين بالافراد والجمع وتكرار المبتدأ وعدمه لكون المقام مقام التّهديد ومناسب مقام التّهديد الاكتفاء في جانب الوعد والرّحمة بأقلّ ما يكتفى به ، وتعجيل الانتقال الى المهدّدين والتّغليظ والتّطويل فيهم وللاشارة الى اتّحاد المهتدين واختلاف الضّالّين (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ولرفع توهّم الجبر وتوهّم ان لا مدخل للعبد في ذلك كما يدلّ عليه ذرأنا قال : فعلنا ليس اجبارا منّا بل (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) فبعدم استعدادهم وعدم استحقاقهم أدخلناهم جهنّم ، ولمّا كان التّفقّه عبارة عن علم ديني يتوسّل به الى علم آخر كما مضى ولم يكن علومهم وان كانت كثيرة دقيقة باعثة لترقّيهم في طريق القلب والآخرة نفى الفقه عن قلوبهم (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) من الأشياء ما يدلّ على الله ومبدئيّته ومعاديّته في عين حدّتها (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) من الأشياء والأصوات ما ينفعهم في آخرتهم في عين حدّتها في سماع الأصوات ولا يسمعون أصوات الأشياء الّتى تنادي كلّا ليلا ونهارا ان : لا تقم في دار طبعك ، ولا تنم في مسبعك ، واستعدّ من يومك لغدك (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) في عدم التّفقّه واشتداد العلم وفي عدم ابصار ما ينبغي ان يبصر من المبصرات ، وعدم سماع ما ينبغي ان يسمع من المسموعات ، بل مداركهم موقوفة عي درك أسباب التّعيّش في الآجل وان كانت في أعلى مرتبة الدّرك كأكثر الفلاسفة المنكرين للرّسالة المعتقدين انّ الرّسول هو العقل واحكامه هي الشّريعة ، كما انّ مدارك الانعام موقوفة على درك النّافع والضّارّ في الآجل (بَلْ هُمْ أَضَلُ) لانّ ضلال الانعام بالنّسبة الى الإنسان ضلال والّا فهو بالنّسبة الى مقامها هداية فهي باقية على هدايتها التّكوينيّة ، وأيضا ضلالها لا يتخطّى بها عن مقامها الى ما يوذيها ويؤلمها (أُولئِكَ

٢١٨

هُمُ الْغافِلُونَ) تكرار اسم الاشارة البعيدة لتحقيرهم ولتطويل التّغليظ عليهم كما هو المناسب لمقام الّذمّ والجملة تأكيد للأولى باعتبار لازم معناها ولذا لم يأت بالعاطف وأتى بها مؤكّدة محصورة ، والمقصود انّ الغفلة محصورة على الغافل عن دلالة الأشياء على ما هي موضوعة بالوضع الالهىّ له لا الغافل عن الجهات الدّنيويّة ، ولا الغافل عن الشّعور بالشّعور حين مشاهدة شخص أو سماع لفظ مع عدم الالتفات الى الرّؤية والى مدلول المسموع فانّ هذا الغافل لا يستضرّ بغفلته وان استضرّ في جهة دنيويّته فليس ضررا يعتنى به بخلاف الغافل عن جهة دلالة الأشياء وجذبها الى الآخرة فانّه يتضرّر بها البتّة ضررا خارجا عن التّهديد (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الجملة حال من فاعل الأفعال الثّلاثة على سبيل التّنازع وقوله (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) معترضة جوابا لسؤال مقدّر أو إنشاء لذّمّهم بها ، والتّقييد بهذه الجملة للدّلالة على غاية مذمّتهم لانّ المعقول والمبصر والمسموع إذا لم يكن له جهة سوى المظهريّة والاسميّة لله ومع ذلك لم ير الرّائى منه ما هو مرئىّ فيه ومدلول له ، كان ذلك منه غاية العمى والغفلة بخلاف ما إذا كان ذا جهتين ، والمعنى لهم قلوب لا يفقهون من معقولاتهم ومدركاتهم المعقولات الاخر الاخرويّة الالهيّة ولا ينتقلون منها الى ما يتراءى فيها من الصّفات الالهيّة والحال انّ أكثرها وهي الأسماء الحسنى لا جهة لها سوى اراءة الله ، لانّها مختصّة بالله ليس فيها دلالة على غيره وهم يدركون بها غيره لغاية عماهم ، ثمّ اعلم ، انّه لا اختصاص لاسم الاسم بالأسماء اللّفظيّة ولا بالمفاهيم الذّهنيّة ولا بما دلّ بالمواضعة ، بل يطلق حقيقة على الموجودات العينيّة لانّ حقيقة الاسم ما يحكى عن الغير لفظيّا كان أو ذهنيّا أو عينيّا ، كما ورد عنهم : نحن الأسماء الحسنى ، وانا الاسم الأعظم ولا اسم لله أكبر منّى ، وحسن الاسم امّا بحسن دلالته أو بحسن مدلوله أو بحسنه في نفسه مع قطع النّظر عن حيثيّة اسميّته ودلالته ، كالمرآة فانّ حسنها قد يكون بحسن اراءتها أو بحسن المرئىّ منها أو بحسنها في نفسها فالموجودات العينيّة والمعقولات الذّهنيّة والأسماء اللّفظيّة كلّها أسماء لله كما قرّر في محلّه :

وفي كلّ شيء له آية

تدلّ على انّه واحد

وكلّها حسنة باعتبار دلالتها على الله لكنّها متفاوتة في الدّلالة وفي أنفسها وبهذا الاعتبار توصف بالأحسنيّة فالعقول الّتى هي بشراشرها تحكى عن الله وصفاته وأسمائه وهم الملائكة المقرّبون أحسن من النّفوس باعتبار دلالتها وباعتبارها في أنفسها ، والنّفوس الّتى يعبّر عنها بالمدبّرات امرا لتجرّدها عن المادّة والتّقدّر أحسن من الأشباح النّوريّة ، وهي لتجرّدها عن المادّة أحسن المادّيّات وهي أحسن من أهل الملكوت السّفلىّ الّتى هي دار الشّياطين والجنّة وفيها جحيم الأشقياء ، لكنّ المادّيّات والسّفليّات لاحتجابها بحجب المادّة ولوازمها وانظلامها بظلمة المادّة كأنّها لا دلالة لها على الله ولا حسن لها في أنفسها فلو سمّيتها بالأسماء الغير الحسنة أو الغير الحسنى ، لكان حقّا هذا بحسب سلسلة النّزول وامّا بحسب سلسلة الصّعود فخاتم الأنبياء (ص) اسم أحسن بالجهات الثّلاثة لا أحسن منه ثمّ خاتم الأولياء (ع) ثمّ سائر الأنبياء (ع) والأولياء (ع) على تفاوت مراتبهم ، فالمعنى ولله خاصّة الأسماء الّتى لا دلالة لها على غيره وهي أحسن من غيرها في أنفسها (فَادْعُوهُ بِها) ولمّا كان الأمر بدعائه تعالى مفروغا عنه مسلّما عندهم بحيث ما بقي لأحد شكّ في انّه مأمور بدعائه تعالى كان الغرض من تفريعه على تخصيص الأسماء الحسنى به تخصيصه بها اعتبارا لمفهوم القيد في مثل هذا المقام فكأنّه قال فادعو الله بالأسماء الحسنى لا بغيرها من الأسماء الّتى لا حسن فيها أو ليست بأحسن ، ولمّا كان الأسماء اللّفظيّة الالهيّة كلّها متساوية في أنفسها وفي دلالتها ، لانّ الدّلالة وضعيّة في كلّها والمدلول في الكلّ هو الله وأسماؤه وصفاته فلا يتصوّر فيها التّفاوت بالحسن وعدمه والاحسنيّة وعدمها فليست هي مقصودة منها ، والأسماء النّزوليّة

٢١٩

الّتى مقامها فوق مقام البشر ، لمّا لم يمكن التّوسّل بها للبشر لارتفاعها عن مقام البشر وعدم سنخيّة البشر لها فهي أيضا ليست مقصودة لعدم جواز الأمر من الله بالتّوسّل بغير الممكن ، فبقي ان يكون المقصود الأمر بدعائه بتوسّط الأسماء البشريّة الصّعوديّة فكأنّه قال تعالى بعد اعتبار مفهوم القيد : فادعوه بأسمائه الحسنى من افراد البشر الّتى هي ببشريّتها سنخكم ويمكن لكم التّوسّل بها من الأنبياء (ع) والأولياء (ع) وخاتم الكلّ والحاضر في زمانكم محمّد (ص) وعلىّ (ع) ، فادعوه بهما كما فسّر قوله تعالى : (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) بهما ؛ ولا تدعوه بأسمائه الغير الحسنى من الأشقياء وائمّة الجور وخاتم الكلّ والحاضر في زمانكم مقابلوا محمّد (ص) وعلىّ (ع) وعلى هذا فقوله تعالى (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) كان بيانا لمفهوم القيد وتأكيدا له ان كان معناه واتركوا دعاء الله بالّذين يلحدون في أسمائه الحسنى ان جعل الاضافة للعهد أو في مطلق أسمائه ان جعلت للاستغراق ، وان كان معناه اعرضوا عن الّذين يلحدون في أسمائه ولا تنظروا إليهم والى الحادهم كان تأسيسا يعنى لا توسّلوا بهم حسب مفهوم القيد ولا تنظروا إليهم والى الحادهم بل اجعلوهم كالمعدومات ، والمراد بالإلحاد في الأسماء العدول عنها من حيث انّها أسماء والعدول بها عن اسميّتها لله وقوله (سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يناسب المعنى الثّانى لقوله وذروا الّذين يلحدون (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) قد عرفت ممّا مضى انّ الحقّ المضاف هو الولاية والنّبوّة والرّسالة صورتها (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) من العدالة أو يسوّون الأشياء الغير المتعادلة من قوى أنفسهم في مملكة وجودهم أو من غيرها في خارج وجودهم وقد فسّر هذه الآية في اخبار عديدة بآل محمّد (ص) وأتباعهم وهو قرينة قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) وكان المناسب للمعادلة ان يقول وخلقنا للجنّة أمّة يهدون ، ولكن لمّا كان المقام مقام الوعيد دون الوعد ناسب تطويل الوعيد والإجمال في الوعد ولذا بسط في الوعيد بذكر الأوصاف العديدة لأصحاب جهنّم ، واكتفى بهذا القدر لأصحاب الجنّة وانتقل الى التّهديد والوعيد وهو معطوف على جملة ذرأنا باعتبار مناسبة المعنى كأنّه قال : وممّن خلقنا أمّة يستحقّون الجحيم ، وهذه المقابلة تدلّ على انّ قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) من متعلّقات الجمل السّابقة (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة والمراد به هنا الاستنزال ، عن الصّادق (ع) إذا أراد الله بعبد خيرا فأذنب ذنبا اتبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار ، وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا فاتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عزوجل : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) بالنّعم عند المعاصي (وَأُمْلِي لَهُمْ) من املى له أمهله ، أو من املاه الله متّعه فيكون دخول اللّام للتّقوية وللاشعار باختصاص الاملاء بهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) يعنى ما ظاهره الإحسان وباطنه الاستدراج والاساءة من الاناسىّ ضعيف ومنّى متين بحيث لا يعلم به أصلا (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) أأنكروا محمّدا (ص) ولم يتفكّروا (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) كما يقولون انّه لمجنون (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر أو مظهر ان إنذاره من الله (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) عطف على قوله أو لم يتفكّروا أو على مقدّر اى أوقفوا عن النّظر ولم ينظروا (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكوت كلّ شيء باطنه لانّ الملكوت مبالغة في المالكيّة وباطن كلّ شيء مالك لظاهره كباطن الإنسان المسخّر لظاهره بحيث لا يتمكّن من عدم طاعته ، وباطن السّماوات المسخّر لاجرامها في حركاتها

٢٢٠