تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٨٩

الى لطيفة ايمانهم وهذا ردّ لتربّصهم نصيب الكافرين (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) جواب لما يتراءى ان يسأل عنه من حال المنافقين مع الله وفي عبادة الله ولذلك لم يأت بالوصل ، والمراد بمخادعتهم لله خدعته باعتبار مظاهره واتمّها محمّد (ص) وعلىّ (ع) أو يخادعون الله باعتبار ما يذكرون بألسنتهم انّ لنا مبدء وامرا ونهيا منه والّا فلا معرفة لهم بالله حتّى يخادعوه ، ونسبة الخدعة الى الله على سبيل المشاكلة ، أو لانّه باستدراجه لهم يفعل فعل المخادع ، وإتيان الفعل من باب المفاعلة للاشارة الى انّهم كأنّهم يغالبون الله في المخادعة وهو يغلبهم فيها (وَ) طريق عبادتهم انّهم (إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ) بيان لمخادعتهم الله يعنى لبس في وجودهم داع وشوق للعبادة كأنّهم مكرهون وقيامهم الى الصّلوة ليس لعبادة الله بل لمحض الخدعة مع الله واراءة النّاس (وَ) لذلك (لا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) اى ذكرا قليلا أو جمعا قليلا منهم ، عن أمير المؤمنين (ع) من ذكر الله في السّرّ فقد ذكر الله كثيرا انّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانية فلا يذكرونه في السّرّ فقال الله عزوجل : يراؤن النّاس ولا يذكرون الله الّا قليلا (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) الأمر من الايمان والكفر ، من الّذبذبة بمعنى جعل الشّيء مضطربا وأصله الّذبّ وقرئ على صيغة الفاعل بمعنى مذبذبين قلوبهم (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) كالنّسوان والأطفال لا يستقيم رأيهم على امر واحد لضعف عقلهم وتسلّط وهمهم فانّهم اضلّهم الله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) حتّى يستقيم عليه ولمّا ذكر حال البالغين في الكفر والنّفاق من هذه الامّة وذكر حال النّازلين عنهم وهم المنافقون التّابعون للكافرين نادى المؤمنين على سبيل التّلطّف بهم ونهاهم عن طريق المنافقين وهدّدهم بذكر حال المنافقين فقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) كالمنافقين (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) فانّ اتّخاذ البالغين في الكفر والنّفاق وهم أعداء آل محمّد (ص) أولياء مع تصريح الله وتصريح نبيّه (ص) بمن هو وليّكم وعداوة هؤلاء لمن صرّحا بولايته يوجب حجّة ظاهرة لله عليكم (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) استيناف في موضع التّعليل للنّهى ، وللعالم السّفلىّ كالعالم العلوىّ مراتب وكلّيّاتها سبع مراتب والأراضي السّبع اشارة إليها وتسمّى طبقات ودركات ، ولمّا كان كفر النّفاق أسوء أقسام الكفر وأقبحها كان سببا لانجرار صاحبه الى الدّرك الأسفل من النّار (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) لم يقل لن تجد لهم وليّا ولا نصيرا للاشارة الى انّ المنافقين وقعوا في الدّرك الأسفل في الدّنيا ، والولىّ لا يكون الّا من ولاية محمّد (ص) الّتى تفتح باب رحمة الله على العباد ولا يتصوّر فتح باب الرّحمة لمن كان في الدّرك الأسفل حتّى يحتاج الى التّصريح بنفيه عنهم ، بخلاف النّصير فانّه من رسالة محمّد (ص) والرّسالة لمّا كانت ظهور رحمة الله الرّحمانيّة يتصوّر تعلّقها بكلّ أحد ومع ذلك لا يكون له نصير ، وما بقي بين الصّوفيّة من تعاضد نفسين حين التّوبة والتّلقين ، انّما هو باعتبار مظهريّة الرّسالة والولاية وباعتبار النّصرة والولاية (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من نفاقهم (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا بنفاقهم بنصرة الرّسالة والرّسول أو مظهره (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) اى بمظهره الّذى هو شيخ الإرشاد وهو علىّ (ع) (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) الدّين هو الولاية ، وإخلاصها بان لا تكون باشراك ولاية من ليس لها باهل وبان لا تكون مشوبة بالأغراض الكاسدة (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) لانّهم بتوبتهم على يد علىّ (ع) واعتصامهم ببيعتهم الخاصّة الولويّة صاروا

٦١

مؤمنين بعد نفاقهم وطهروا عن دنسه بالتّوبة ولذلك قبلهم علىّ (ع) (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) فيساهمونهم (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) قد يفسّر الشّكر بتعظيم المنعم لأجل النّعمة وعلى هذا فالمراد هاهنا تعظيم الله لأجل النّعمة الّتى هي علىّ (ع) فانّه أصل النّعم بل فرعها أيضا ، فلا نعمة غيره وقرينة التّخصيص تعقيبه بقوله تعالى (وَآمَنْتُمْ) فانّه قد علمت انّ الايمان لا يحصل الّا بالبيعة الخاصّة الولويّة على يد علىّ (ع) على انّ الكلام في آل محمّد (ص) وأعدائهم ، وقد يفسّر الشّكر بصرف النّعمة فيما خلقت لأجله ، وعلى هذا فالمراد بالنّعمة المأخوذة في الشّكر استعداد قبول الولاية والبيعة الولويّة والتهيّؤ للعروج الى الملكوت ، ولا نعمة أعظم منها في العالم الصّغير ، كما انّه لا نعمة أعظم من علىّ (ع) في العالم الكبير ، وصرف تلك النّعمة في وجهها بان يسلّمها الى علىّ (ع) حتّى يعطيه ما يستحقّه والقرينة أيضا قوله تعالى : وآمنتم وتقديم الشّكر لتقدّمة على حصول الايمان فانّ البيعة وقبول الولاية لا تكون الّا بعد التّعظيم والتّسليم ، وتعميم الآية لكلّ شكر ونعمة غير مخفىّ على ذوي الدّراية (وَكانَ اللهُ شاكِراً) يجزى الشّكر زيادة في النّعمة فكيف يعذّب الشّاكر (عَلِيماً) لا يفوت عنه شكر كم فيعذّبكم لعدم العلم بشكركم.

الجزء السّادس

(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) استثناء من المفعول بتقدير الّا جهر من ظلم أو استثناء مفرّغ بتقدير لا يحبّ الله الجهر بالسّوء من أحد الّا ممّن ظلم وعليهما يكون الجهر بالسّوء من المظلوم محبوبا لكن هو محبوب من كلّ المظلومين أو من بعضهم ، وفي كلّ أقسام الظّلم أو بعضها ، وبكلّ سوء أو بسوء مخصوص مجمل محتاج الى البيان ، أو المستثنى منقطع والتّقدير لا يحبّ الله الجهر بالسّوء لكن من ظلم يجهر بالسّوء أو يباح له الجهر بالسّوء ، وهذا أوفق بقراءة ظلم مبنيّا للفاعل وبيان نظم الآية بحيث يظهر القيود فيها هكذا لا يحبّ الله الشّيء المقول المجهور السّوء ، يعنى لا الشّيء الصّادر من غير اللّسان من الأعضاء ولا الشّيء الصّادر من اللّسان غير المجهور كالمخفت ولا الشّيء الصّادر من اللّسان المجهور غير السّيّء ، ولمّا لم يكن مفهوم المخالفة من الوصف والقيد معتبرا لا يلزم ان يكون هذه محبوبة بل مسكوتا عنها ، وبيانها بالآيات الاخر واخبار الأحكام وهذه الآية في بيان حكم القول الجهر السّوء من احكام القالب واحكام ظاهر الشّريعة ، وامّا الخطرات والخيالات فانّها وان كانت أقوال النّفس وسيّئها سيّء وحسنها حسن لكن لا مؤاخذة عليها في الشّريعة ورفعت عن الامّة المرحومة وكانت عليها مؤاخذة في الطّريقة كما أشاروا إليها بقولهم ، في جواب من سئل عن الخطرات ، هل ريح المنتن وريح الطيّب سواء ، يعنى لطيّبها مجازاة وعلى منتنها مؤاخذة ، وسوء القول اعمّ من كونه كذبا وافتراء ، أو صدقا وغيبة بما لا يجوز ، أو صدقا وغيبة بما يجوز ، أو صدقا من غير اسماع لغير من ينسب السّوء اليه حتّى لا يكون غيبة أو مع اسماع الغير في حضور من ينسب السّوء اليه والكلّ غير محبوب لله الّا قول الجهر السّوء ممّن ظلم ، لكن هذا مجمل محتاج الى البيان لانّه لا يجوز بجميع شقوقه قطعا فبيّنوا المجوّز منه لنا مثل موارد جواز الغيبة ومثل ذكر الضّيف مساوي مضيفه في ضيافته إذا لم يحسن ضيافته ، ومثل تكذيب من يمدحك بما ليس فيك. وقد نسب الى علىّ (ع) انّه قال أستاههم الحفر وقال لخالد : انّما يفعل ذلك من كان استه أضيق من استك ، لكن بقي هل هو محبوب كما هو ظاهر الاستثناء أو ليس بمذموم فنقول : انّه ليس بمحبوب لله على

٦٢

الإطلاق فانّه علّق محبّته على الإحسان في مقابل الاساءة في قوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ويدلّ عليه الآيات الأخر الآمرة بالصّبر عند الاساءة بل يكون محبوبا أو غير مبغوض على بعض الوجوه. فانّ للإنسان من اوّل إسلامه الى كمال ايمانه مراتب ودرجات ولكلّ مرتبة حكم ليس لما فوقها ولا لما دونها فلا يجرى حكم مرتبة في مرتبة اخرى ، وهذا أحد معنيي النّسخ في الآيات والاخبار ، فصاحب المرتبة الاولى من الإسلام الّذى لا يقنع نفسه من الاساءة الواحدة بالعشرة ولا يكسر سورة غضبه الّا بالمائة فاذا ائتمر بأمر الله واكتفى من الواحدة بالواحدة كان ذلك منه محبوبا ولصاحب هذه المرتبة قال الله تعالى ، (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، ولكن هذا من صاحب الدّرجة الثّانية مذموم وهكذا ، ولذلك ورد : حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ، والصّبر وكظم الغيظ لصاحب الدّرجة الثّانية ، والعفو وتطهير القلب لصاحب الدّرجة الثّالثة ، والإحسان الى المسيء للمنتهى في الايمان ، ويمكن جعل الاستثناء من لازم الآية وهو ما يستفاد من نفى المحبوبيّة من القول الجهر السّوء كأنّه قيل : كلّ أحد هذا منه مذموم الّا من ظلم (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) فكلوا امر من ظلمكم اليه ولا تجهروا بالقول السّوء اتّكالا على الله وحياء منه ، أو المراد ردع المظلوم عن الزّيادة على قدر الظّلم يعنى فلا تتجاوزا قدر الظّلم فتصيروا ظالمين فانّ الله سميع يسمع قول الظّالم وقول المظلوم عليم بقدر كلّ (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) بالنّسبة الى من ظلمكم (أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) ان لم يتيسّر لكم الاوّلان فانّه مقام لا مقام فوقه ، والمراد من العفو هاهنا اعمّ من الصّفح الّذى هو تطهير القلب عن الحقد على المسيء ولذلك لم يذكره فان تفعلوا ذلك تتخلّقوا بأخلاق الله وتتّصفوا بصفاته فتستحقّوا عفوه وإحسانه (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) على الإحسان فأقيم السّبب مقام الجزاء وقدّم الإحسان هاهنا واخّره في آية كظم الغيظ لانّه ابدأه هاهنا بصورة الشّرط والفرض فيناسبه التّرتيب من الأعلى الى الأدنى بخلافه هناك فانّه ذكر هناك على سبيل تحقّق مراتب الرّجال كما انّ قوله (عَفُوًّا قَدِيراً) ، كان على سبيل ترتيب الصّفات ، فانّ المراد من القدرة القدرة على الإحسان الى المسيء ، والإحسان الى المسيء بعد العفو عن إساءته ويجوز ان يراد بها القدرة على الانتقام وحينئذ يكون المعنى انّه عفوّ مع كونه قديرا على الانتقام ليكون ترغيبا في العفو (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) بعد ما ذكر أدبا من الآداب جدّد ذكر محبوبه وأعداء محبوبه :

از هر چه مى رود سخن دوست خوشتر است

وورّاه بأدائه بطريق العموم كما هو ديدنه تعالى ، كما قيل :

خوشتر آن باشد كه سرّ دلبران

گفته آيد در حديث ديگران

فقال تعالى : انّ الّذين يكفرون (بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بان آمنوا بالله وكفروا بالرّسول (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) كالله (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) كالرّسل (ع) ، أو نؤمن ببعض الرّسل كمحمّد (ص) ونكفر ببعض كاوصيائه (ع) (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) اى الايمان بمحمّد (ص) والكفر باوصياءه (ع) (سَبِيلاً) ويجوز ان يكون المراد مظاهره كعلىّ (ع) لانّ عليّا (ع) بعلويّته مرتبته مرتبة المشيّة وهي ظهور الله على العباد ومقام معروفيّته وتجلّيه باسمه العلىّ ، غاية الأمر انّ عليّا اسم لتلك المرتبة باعتبار اضافتها الى الخلق ، وفي تفسير القمى : هم الّذين اقرّوا برسول الله (ص) وأنكروا أمير المؤمنين (ع) (أُولئِكَ

٦٣

هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) لانّهم الكاملون في الكفر حيث ضمّوا النّفاق الى كفرهم وبإظهارهم الإسلام صدّوا كثيرا عن الايمان (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) كسلمان واقرانه (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) قرئ بالتّكلّم وبالغيبة يعنى انّا نعطيهم أجورهم بحسب عملهم ونغفر زلاتهم ونتفضّل عليهم بالرّحمة الخاصّة بحسب شأننا من المغفرة والرّحمة ، ولذا قال تعالى بعد ذكر إعطاء أجورهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) استيناف منقطع لفظا ومعنى عن سابقه ولذا لم يأت بالوصل ، روى انّ كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا : يا محمّد (ص) ان كنت نبيّا فأتنا بكتاب من السّماء جملة كما أتى موسى بالتّوراة جملة ، فنزلت ، وقال تعالى تسلية لرسوله : لا تعجب من سؤالهم ولا تعظمنّه فانّ هذا دينهم (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) يعنى سأل آباؤهم الّذين هم من اسناخهم (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) عيانا (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) وهو سؤالهم ما ليس لهم بحقّ وتجاوزهم عن حدّهم (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) معبودا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) اى المعجزات من موسى (ع) (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) بمحض رحمتنا (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) حجّة واضحة أو موضحة لصدقه ، أو تسلّطا في الظّاهر بحيث ما كان يمكن لهم التّخلّف عنه ويكون قوله تعالى (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) بيانا للّسلطان باىّ معنى كان (بِمِيثاقِهِمْ) بسبب تحصيل ميثاقهم (وَقُلْنا لَهُمُ) على لسان مظهرنا وخليفتنا موسى (ع) (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) يعنى باب حطّة (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) يعنى جعلنا السّبت محترما لهم ومنعناهم فيه عن بعض ما أبحناه لهم في غيره كالصيّد (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) على ذلك ، ولمّا كان مقصوده تعالى من كلّ قصّة وحكاية ذكر علىّ (ع) والتّرغيب في الولاية عرّض بذكره بعد هذه الحكاية فكأنّه قال : يا أمّة محمّد (ص) قد أخذنا عليكم الميثاق بالولاية فتذكّروا أمّة موسى (ع) حتّى لا تصيروا بسبب نقض هذا الميثاق معاقبا مثلهم (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) فعلنا بهم ما هو مثل على ألسنتكم ومشهور بينكم بحيث لا حاجة الى ذكره من مسخهم وعقوباتهم الاخر (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) فتنبّهوا حتّى لا تكفروا بعلىّ (ع) (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) فاحذروا ان تقتلوا عليّا (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) فانّ شأنهم شأن الأنبياء بل أرفع كما حدّثكم به نبيّكم (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) اوعية للعلوم استكبارا وارتضاء بأنفسهم ، أو في اكنّة استهزاء بالأنبياء فاحذروا ان تستبدّوا بآرائكم في مقابلهم (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) اضراب وابطال لما قالوا وإثبات لضدّه ، يعنى ليس في قلوبهم علم أو ليس قلوبهم في اكنّة بل طبع الله عليها بكفرهم (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا) ايمانا (قَلِيلاً) وهو الايمان العامّ النّبوىّ (ص) أو الّا قليلا منهم (وَبِكُفْرِهِمْ) بعيسى (ع) (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) فاحذروا ان لا تبهتوا على مريم هذه الامّة ولا تضعوا حديثا ولا تأخذوا فدك منها (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) ذكروا رسول الله استهزاء والا فما كان لهم اعتقاد برسالته يعنى بتجرّيهم على انتحال قتله وقولهم هذا لعنّاهم وعاقبناهم

٦٤

فاحذروا ان تقتلوا مسيح هذه الامّة وان تفعلوا ما قال أمّة عيسى (ع) في حقّه ولم يفعلوه من ادّعاء قتله (وَما قَتَلُوهُ) عطف باعتبار المعنى أو حال (وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) قد مضى في سورة آل عمران عند قوله (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) قصّة عيسى (ع) وقتله وصلبه (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) عطف على ما قتلوه أو على شبّه لهم أو حال من الضّمير المجرور أو من فاعل ما قتلوه قيل بعد وقوع تلك الواقعة اختلف اليهود والنّصارى فقال بعضهم : كان عيسى (ع) كاذبا وقتلناه ، وقال بعضهم : لو كان المقتول عيسى (ع) فأين صاحبنا؟ ـ وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى (ع) والبدن بدن صاحبنا ، وقال بعضهم : رفع الى السّماء لما أخبر عيسى (ع) برفعه الى السّماء ، وقال بعضهم : رفع الملكوت وصلب النّاسوت ، وقيل القى شبهه على جميع الحواريّين وكانوا سبعة عشر في بيت فلمّا أحاط اليهود بهم رأوا كلّهم على مثال عيسى (ع) وقالوا : سحرتمونا فليخرج إلينا عيسى (ع) والّا نقتل كلّكم فأخذوا واحدا وقالوا : هذا عيسى (ع) واشتبه الحال عليهم فاختلفوا ، وقيل : انّ رؤساء اليهود أخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه في موضع عال ولم يمكّنوا أحدا منه حتّى تغيّر حليته فقالوا : قتلنا المسيح ليشتبه الأمر على العوامّ لانّهم لمّا أحاطوا بالبيت ورفع الله عيسى (ع) خافوا ان يؤمن به عامّتهم (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) استثناء منقطع (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) مفعول مطلق مؤكّد لغيره اى يقن عدم القتل يقينا ، وامّا جعله حالا أو مضافا اليه لمفعول مطلق محذوف تقديره قتل يقين فبعيد معنى لافادته تقييد نفى القتل بحال اليقين وإثباته مع الشّكّ وليس هذا مقصودا (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) اختلاف اليهود والنّصارى في مولد عيسى (ع) وفي قتله وصلبه ورفعه الى السّماء ونزوله منها علاوة على ما ذكر هاهنا وعلى ما ذكر في سورة آل عمران معروف مسطور في التّواريخ ، ولا غرابة في رفعه ببدنه العنصرىّ لغلبة الملكوت على الملك ، وانكار الفلسفىّ والطّبيعىّ غير مسموع في مقابل المشهود ، والتّأويل بأنّ المقتول والمصلوب هو بدنه الدّنيوىّ وهو بما هو ليس بعيسى (ع) بل متشبّه به ، والمرفوع هو بدنه الملكوتىّ وروحه عنهم معروف ، ولكن بعد إمكان غلبة ـ الملكوت على الملك بحيث يعطى الملك حكمه لا حاجة لنا الى هذا التّأويل بل نقف على ظاهر ما ورد في التّنزيل والاخبار (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغلب فيقتل نبيّه (ع) على خلاف إرادته ، أو لا يغلب في مظاهر خلفائه ، وما يتراءى من القتل والأذى لهم انّما هو بالنّسبة الى بدنهم العنصرىّ وهو سجن لهم ولباس لأنفسهم ، وقوله تعالى (حَكِيماً) اشارة اليه يعنى ان وقع على سجنهم ولباسهم تصرّف من الأعداء فهو أيضا بحكمه (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يعنى ما أحد من أهل الكتاب الّا ليؤمننّ بعيسى (ع) قبل موته حين احتضاره أو قبل موت عيسى (ع) أو قبل موته حين نزول عيسى (ع) من السّماء مع مهدىّ هذه الامّة ، لكن نقول في بيان ما هو المقصود انّه صرف الكلام عن حكاية حال أهل الكتاب متوجّها الى المقصود مخاطبا لحبيبه محمّد (ص) في حبيبه علىّ (ع) تسلية له (ص) فقال : ان فعلوا كلّ ما فعلوا فلا تحزن فانّهم وجميع أهل الأرض يؤمنون به قبل موتهم فانّه ما من أحد يموت الّا ويرى عليّا (ع) حين موته ويكون رؤيته راحة لهم أو نقمة لهم ، ونسب اليه عليه‌السلام :

يا حار همدان من يمت يرنى

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بعينه واسمه وما فعلا

والسّرّ فيه انّ حال الاحتضار يرتفع الحجاب ويشاهد المحتضر الملكوت ، واوّل ما يظهر من الملكوت

٦٥

هو الولاية السّارية المقوّمة لكلّ الأشياء والأصل فيها علىّ (ع) وكلّ الأنبياء والأولياء من السّلف والخلف أظلاله فاوّل ما يظهر هو الولاية المطلقة فيؤمن الكلّ بها ، والاخبار في انّ المعنى ما من كتابىّ الّا ليؤمننّ قبل موته بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) كثيرة ، وفي خبر : هذه نزلت فينا خاصّة ، وحاصل ذلك الخبر انّه ما من ولد فاطمة أحد يموت حتّى يقرّ للإمام بإمامته ، وما ورد في تفسيره من الايمان بمحمّد (ص) أو بعيسى (ع) أو بالمهدىّ (ع) كلّها راجع الى الايمان بعلىّ (ع) فانّ الكلّ ظهور الولاية الكلّيّة وهو المتحقّق بها (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) يعنى عيسى (ع) أو المنظور منه تسلية اخرى لمحمّد (ص) بأنّ عليّا (ع) يكون يوم القيامة شاهدا على أهل الكتاب وعلى منافقي أمّته فيشهد عليهم بما فعلوا (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) اى طيّبات الرّزق الصّورىّ أو طيّبات عظيمة هي رزق الرّوح الانسانىّ من العلوم الكسبيّة أو اللدنّيّة والمشاهدات والمعاينات ، والآية بتمام اجزائها تعريض بمنافقى الامّة المعرضين الصّادّين عن الولاية وآكلى الرّبا وآكلى الرّشى وغيرهم يعنى إذا علمت انّ كلّما أصاب الّذين هادوا كان بشنائع أعمالهم علمت انّ تحريم الطّيّبات المحلّلة عليهم أيضا كان بواحد منها ، يعنى فاحذروا عن مثل أفعالهم أو علمت انّه كان بظلم عظيم من أنواع ظلمهم وهو اعراضهم عن الولاية بقرينة قوله تعالى (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وسبيل الله هو الامام الّذى يفتح باب القلب فيسير السّالك بالتّوسّل به الى الله وكلّ عمل يدلّك على هذا الامام أيضا سبيل الله لانّ سبيل السّبيل سبيل (كَثِيراً) صدّا كثيرا أو جمعا كثيرا (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) قد سبق معنى الباطل والحقّ الّذى في مقابله (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ) لا التّائبين ولا المذنبين المعترفين (عَذاباً أَلِيماً) لمّا توهّم من نسبة سؤال الكتاب والنّقض والصّدّ وغير ذلك إليهم عموما انّ الكلّ كانوا مخالفين له (ص) غير مؤمنين به استدركه بقوله تعالى (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ) اى منهم فالمعنى والمنقادون المسلمون بأنبيائهم وخلفاء أنبيائهم أو المؤمنون من أمّتك فالمعنى والمنقادون المسلمون بك من أمّتك أو منهم ومن أمّتك (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) عموما ومنه الولاية أو بما انزل إليك من ولاية علىّ (ع) خصوصا فانّها منظورة من كلّما ذكر (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) في علىّ (ع) أو عموما (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ويؤمنون بالمقيمين الصّلوة ولمّا وسم عليّا (ع) باسم مقيم الصّلوة ومؤتى الزّكاة بقوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ورّى عنه بالمقيمين الصّلوة وأتى بالمؤتون الزّكاة بالرّفع ليكون تورية اخرى حتّى لا يسقطوه كسائر موارد التّصريح به وعلى هذا فقوله تعالى (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) خبر مبتدء محذوف كأنّه قال : وهم المعهودون بإيتاء الزّكاة في الرّكوع وقد بيّن العامّة وجوها لاعراب الآية لا فائدة في إيرادها وان كانت محتملة بحسب اللّفظ (وَ) هم (الْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ) الرّاسخون المؤمنون (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) لايمانهم بما انزل إليك في علىّ (ع) (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) استيناف لتشييد رسالته حتّى يستفاد منه صدقه في الولاية أو لتشييد الوحي اليه في الولاية ولذا لم يأت بأداة الوصل ، وتقديم المسند اليه مضمرا مصدّرا بانّ لتقوية الحكم مع اشارة ما الى الحصر ، فان كان المقصود نفس تقرير الوحي اليه من غير نظر الى الوحي به فالمعنى لابدع في الوحي إليك حتّى

٦٦

تستوحش من عدم قبولهم ويستوحشوا من ادّعائك فلا تبال بردّهم وقبولهم ، وان كان المقصود تقرير الوحي بالخلافة فالمعنى انّا أوحينا إليك بالخلافة ، ويؤيّده انّه لو كان المراد تقرير الرّسالة لكان أرسلنا مقام أوحينا أوقع ، وأيضا لو كان المراد ذلك لما ذكر بعد الرّسل في قوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) لانّ معناه حينئذ بعد إرسال الرّسل ، وهذا المعنى يستفاد من كون اللّام غاية لارسال الرّسل بخلاف ما إذا كان غاية للوحى بالخلافة ، فانّ معناه حينئذ لئلّا يكون الأرض بعد مضىّ الرّسل خالية عن الحجّة (كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) بالخلافة فلم يكن الوحي بالخلافة بدعا حتّى يستوحشوا منه فلا تبال بهم (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ) عطف على المشبّه أو المشبّه به وذكر هؤلاء مخصوصا بعد ذكرهم عموما في النّبيّين لشرافتهم والاهتمام بهم (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً) امّا من باب الاشتغال أو بتقدير أرسلنا (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) اليوم أو من قبل هذه السّورة (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) فكيف بالوحي (رُسُلاً) حال موطّئة (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) بعد إرسال الرّسل وقد مضى انّ هذا المعنى يستفاد من اللّام ، أو أوحينا بالخلافة لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة بعد مضىّ الرّسل بان قالوا : كنّا في زمان لم يكن فيه رسول ولا من يعلّمنا معالم ديننا (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا مانع له من إرسال الرّسل ولا من نصب الخليفة لهم (حَكِيماً) يكون إرسال الرّسل منه ونصب الخليفة لمصالح كلّيّة وغايات متقنة (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) استدراك عن جواب سؤال يناسب المقام كأنّ سائلا يسأل : هل يشهد الامّة بذلك؟ ـ فأجيب لا يشهدون لكن الله يشهد (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) فلا حاجة الى غيره ، وورد عنهم (ع) انّه أنزل لكن الله يشهد بما انزل إليك في علىّ (ع) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) استيناف كأنّ السّامع سئل وطلب بيان حال الكافر بما أنزل اليه مع انّ الله يشهد به ولذا اكّده والمراد بهذا الكفر ، الكفر بما انزل اليه في علىّ (ع) أو الكفر بسبيل الله على سبيل التّنازع (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن ولاية علىّ عليه‌السلام (قَدْ ضَلُّوا) عن الطّريق (ضَلالاً بَعِيداً) لانّك قد علمت انّ الطّريق هو علىّ (ع) ولا يحصل الّا بدلالة علىّ (ع) وانّهم كفروا به وصدّوا الغير عنه ، ولمّا ذكر حالهم في أنفسهم كأنّ السّامع طلب حالهم مع الله ونسبة مغفرته وهدايته لهم فقال جوابا لهم : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بوضع المظهر موضع المضمر إظهارا لشناعة حالهم وذكرا لذمّ آخر لهم بذكر ظلمهم وإبرازا للسّبب في عدم المغفرة (وَظَلَمُوا) آل محمّد (ص) هكذا ورد عنهم (ع) (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) لانّ ما به المغفرة هو الولاية ولانّ الهداية الى طريق الجنّة قد عرفت انّها مخصوصة بالولاية لانّ شأن النّبوّة الإنذار (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) ثمّ نادى النّاس تلطّفا بهم وتنبيها لهم بعد ما اكّد امر الولاية وهدّد الكافرين بها أبلغ تهديد فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) اى بولاية علىّ (ع) فانّها الحقّ وكلّ ما سواها حقّ بها كما مضى (مِنْ رَبِّكُمْ) فلا تبالوا بمن كفر به ولا تتّبعوه (فَآمِنُوا) بهذا الحقّ

٦٧

أو بالرّسول فيما قال في حقّ هذا الحقّ واتّبعوا (خَيْراً لَكُمْ) أو ايمانا خيرا لكم أو حالكونه خيرا لكم أو يكن خيرا لكم (وَإِنْ تَكْفُرُوا) بهذا الحقّ لا تخرجوا من حيطة قدرته وتصرّفه ولا يهملكم من غير عقوبة وجزاء (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) لا يهملكم بل يجزيكم بما يقتضي حكمته (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) بحطّ عيسى (ع) عن مرتبته وجعله لغير رشده ورفعه عن مرتبته بجعله آلها أو ابنا والغلوّ وان كان في الإفراط أظهر لكن صاحب التّفريط في حقّ عيسى (ع) من اليهود باعتبار انّه مجاوز للحدّ في حطّه (ع) عن مرتبة ولد الرّشدة الى اللّغيّة وباعتبار انه مجاوز في حقّ دينه بعد النّسخ الى ابقائه غال وهو تعريض بالمفرط والمفرّط في علىّ (ع) من هذه الامّة (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) لا تقولوا والدا أو ثالث ثلاثة (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وليس لغيّة كما زعمته اليهود ولا ابنا أو آلها كما زعمته النّصارى (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا) الأقانيم (١) (ثَلاثَةٌ) الله والمسيح (ع) ومريم (ع) وهذا قول بعضهم كما أشار اليه تعالى بقوله: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) اثنين ، والّا فأكثرهم لا يقولون ذلك وسيجيء تحقيقه في سورة المائدة (انْتَهُوا) عن التّثليث (خَيْراً لَكُمْ) مضى نظيره (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) لا شريك له في الآلهة كما توهّمتم يظنّ انّ المناسب لنفى القول بانّ الآلهة ثلاثة ان يقال انّما الإله واحد لكنّه تعالى عدل الى هذا لافادة هذا المعنى منه مع شيء زائد هو تعيين ذلك الواحد لانّه قد يقال : هذا واحد مقابل الاثنين وبهذا المعنى كلّ ذات واحدة وقد يقال : هذا واحد ويراد نفى الشّريك والنّظير والقرين عنه وهذا هو المراد فانّ المقصود انّ الله اله واحد لا شريك له في الآلهة ولا نظير ولا قرين ، وهذا يفيد انّ جنس الإله واحد وذلك الواحد هو الله (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كلّ له مملوك لا يماثله شيء ولا يساويه حتّى يكون له ولد (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) يعنى انّه غنىّ عن أخذ الوكيل فلا يحتاج الى ولد يكون وكيلا له (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) جواب آخر للنّصارى في افراطهم وتوطئة للتّعريض بالمستنكفين من أمّة محمّد (ص) عن عبادة الله في امره بولاية علىّ (ع) (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ) الاستنكاف التّرفّع على الشّيء بتصوّر نقصان فيه والاستكبار التّرفّع عليه بتصوّر المستكبر رفعة في نفسه (فَسَيَحْشُرُهُمْ) اى العابدين والمستنكفين (إِلَيْهِ جَمِيعاً) وفيه تعريض بالمستنكفين عن قول الله في ولاية علىّ (ع) (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالبيعة الخاصّة والأعمال المتعلّقة بها ، أو آمنوا بالبيعة الخاصّة وعملوا الأعمال المتعلّقة بها ، وقد عرفت انّ الصّالح أصلا هو الولاية وكلّ ما تعلّق بها فهو صالح من باب الفرعيّة وكلّ ما لم يتعلّق بها فليس بصالح وان كان بصورة الصّالح (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) التّوفية الإعطاء بالتّمام (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً

__________________

(١) ـ الاقنوم بالضم الأصل ، لغة رومية.

٦٨

وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) قد مضى انّ النصير هو النّبوّة والنّبىّ وانّ الولىّ هو الولاية والولىّ ويقوم مقامهما خلفاؤهما (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) برهان الشّيء ما يدلّ عليه ، والنّور ما به يرى الأشياء ، وقد سبق انّ الرّسالة تنبّه عن الغفلة والجهالة وتدلّ على من يهدى الى الطّريق ، والولاية بها يرى الطّريق فالبرهان محمّد (ص) من حيث الرّسالة والنّور علىّ (ع) من حيث الولاية إذا تحقّقت هذا فلا اعتناء بما قيل في تفسير الآية خصوصا بعد ما فسّره الائمّة الّذين هم أهل ـ الكتاب بما ذكرنا ، والمبين بمعنى الظّاهر أو المظهر وفي ذكر جاء ومن ربّكم في جانب البرهان والانزال مع ضمير المتكلّم في جانب النّور اشارة الى شرافة الولاية بالنّسبة الى الرّسالة ، لا أقول ولاية علىّ (ع) أشرف من ولاية محمّد (ص) ورسالته حتّى يتوهّم متوهّم بل أقول : ولاية محمّد (ص) أشرف من رسالته (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) لمّا كان ذكر الايمان هاهنا بعد البرهان والنّور فالاولى ان يكون اشارة الى البيعتين فقوله آمنوا بالله اشارة الى البيعة العامّة على يد محمّد (ص) (وَاعْتَصَمُوا بِهِ) اشارة الى البيعة الخاصّة على يد علىّ (ع) (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) هي موائد الولاية (وَفَضْلٍ) موائد الرّسالة لما مضى انّ الرّحمة هي الولاية والفضل هو الرّسالة (وَيَهْدِيهِمْ) يذهبهم (إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) اى درجات الولاية ولمّا كانت البيعة العامّة متقدّمة على البيعة الخاصّة قدّم الايمان بالله على الاعتصام بعلىّ (ع) ولمّا كان ثمرة الولاية وهي الفناء متقدّمة على حاصل الرّسالة وهو البقاء بعد الفناء عكس في الجزاء وقدّم الإدخال في الرّحمة على الإدخال في الفضل واخّر الهداية الى الصّراط المستقيم لانّها تكون بمجموع الفناء والبقاء و (يَسْتَفْتُونَكَ) اى في الكلالة والأخوّة وميراثها فانّ المراد بالكلالة هنا الأخوّة (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها) تمام مالها (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) اى الوارث بالأخوّة (فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) عن الباقر (ع): إذا مات الرّجل وله أخت تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت والنّصف الباقي يردّ عليها بالرّحم إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها ، فان كان موضع الاخت أخ أخذ الميراث كلّه بالآية لقول الله وهو يرثها ان لم يكن لها ولد ، فان كانتا أختين أخذتا الثّلثين بالآية والثّلث الباقي بالرّحم ، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللّذكر مثل حظّ الأنثيين وذلك كلّه إذا لم يكن للميّت ولد وأبوان أو زوجة (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ) كراهة (أَنْ تَضِلُّوا) أو يبيّن الله ضلالكم ، أو يبيّن الله لئلّا تضلّوا ، أو يبيّن الله لضلالكم الحاصل فانّه الدّاعى الى البيان حتّى يرتفع (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيشرع لكم بحسب مصالحكم.

٦٩

سورة المائدة

وهي مدنيّة كلّها وقيل سوى قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)

لانّها نزلت في حجّة الوداع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ايمانا عامّا أو خاصّا أو بمعنى اعمّ منهما لانّ الخطاب لعامّة الامّة للتّحريص على امر الولاية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اعلم انّ سورة النّساء وهذه السّورة نزلتا في خلافة علىّ (ع) والتّرغيب فيها والتّهديد على خلافها ، فكلّما ذكر فيهما من امر ونهى وحلال وحرام وأجر وعقاب وقصّة وحكاية عموما وخصوصا مطلقا ومقيّدا فالمقصود منه الاشارة الى الولاية سواء قلنا ان ذكر علىّ (ع) كان مصرّحا فأسقطوه أو مورّى فلم يفهموه ، وفي أخبارنا تصريحات بانّ ذكره (ع) كان مصرّحا في كثير من المواضع فأسقطوه ، والايمان عامّا كان أو خاصّا قد علمت سابقا انّه ما كان يحصل الّا بالبيعة على يد النّبىّ (ص) أو الامام (ع) أو خلفائهما (ع) وكانت في تلك البيعة معاهدات ومواثقات وشروط تؤاخذ على البائع ، لكن في كلّ من البيعة العامّة والخاصّة بكيفيّة مخصوصة بها غير كيفيّة الاخرى ، وقد أشير الى بعض الشّروط في آية مبايعة النّساء وكان من جملة شروط البيعة العامّة عدم مخالفة المشترى وطاعته في امره ونهيه وكانت البيعة لا تحصل الّا بعقد يمين البائع على يمين المشترى كما هو المعهود اليوم بينهم في المعاملات ، ولذا يسمّى مطلق المبايعة وسائر المعاملات الّتى فيها إيجاب وقبول عقودا للاهتمام بعقد اليد فيها. والوفاء بالعقد عبارة عن الإتيان بمقتضى أصل العقد والإتيان بشرائطه ومعاهداته تماما فالمعنى يا ايّها الّذين بايعوا مع محمّد (ص) أو مع علىّ (ع) أوفوا بجملة العقود من المعاملات بينكم والمبايعة مع الله ولا تدعوا شيئا من شرائطها وعهودها ، وسوق هذا الكلام من ذكر عقد خاصّ في ضمن آمنوا وتعقيبه بذكر جملة العقود عموما والأمر بالوفاء بها يقتضي ان يكون المقصود الوفاء بهذا العقد الخاصّ ، كأنّه قال : يا ايّها الّذين عقّدتم البيعة مع محمّد (ص) أوفوا بجملة العقود خصوصا بهذا العقد أو أوفوا بهذا العقد لكنّه جمع العقود باعتبار تعدّد العاقدين أو باعتبار تعدّد وقوع هذا العقد في عشرة مواطن أو في ثلاثة مواطن ، فالمقصود لا تخلعوا بيعتكم عن رقابكم بالارتداد عن الإسلام أو الايمان ولا تتركوا شرائطها بمخالفة قول النّبىّ (ص) في الأمر بالولاية وروى عن الجواد (ع) انّ رسول الله (ص) عقد عليهم لعلىّ (ع) بالخلافة في عشرة مواطن ، ثمّ انزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الّتى عقدت عليكم لأمير المؤمنين (ع) وعلى هذا كان المراد بالآية ، الأمر بالوفاء بعقود الولاية

٧٠

بحسب المنطوق وعلى ما ذكر سابقا في وجهها الاوّل كان المراد بها الأمر بالوفاء بعقد الولاية التزاما (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) لمّا كان من جملة شرائط البيعة الاسلاميّة والايمانيّة ترك أذى الحيوان صار المقام مظنّة ان يسأل عن ذبح البهائم الّذى كان شائعا فيهم مسلمين وجاهلين خصوصا مع ملاحظة ما كان مشهورا من اتباع العجم من حرمة ذبح الحيوان واكله فأجاب تعالى بانّ ذبح البهائم وأكلها أحلّ لكم ، في القاموس : البهيمة كلّ ذات اربع قوائم ولو في الماء ، أو كلّ حىّ لا يميّز ، والبهيمة أولاد الضّأن والمعز والبقر ، وعلى هذا فالاضافة من قبيل اضافة العامّ الى الخاصّ والانعام الأزواج الثّمانية وفي الاخبار فسّر بهيمة الانعام بالأجنّة من الانعام ولا ينافي التّعميم ، لانّ المراد بذلك التّفسير بيان الفرد الخفىّ والمصداق الّذى لا يكاد يطلق اسم البهيمة عليه ، أو المقصود من هذا التّفسير انّه أحد وجوه الآية بتصوير انّ بهيمة الحيوان ما لا نطق له ولا تميز وبهيمة الانعام ما يكون عدم نطقه وعدم تميزه بالنّسبة الى الانعام وما لا تميز له بالنّسبة الى الانعام هو جنينها ، واعلم انّ ما ذكر من جعل قوله تعالى (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر انّما هو بحسب احتمال ظاهر اللّفظ وبحسب ظاهر الشّريعة المطهّرة ، والّا فالمقصود تعليق إحلال البهيمة على الوفاء بعقد الولاية كما صرّح بهذا التّعليق في قوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) كما سيجيء وكما يستفاد من إشارات الآيات وتصريحات الاخبار ، انّ إحلال كلّ حلال معلّق على قبول الولاية ، وانّ من لم يقبل الولاية ولم يعرض عنها لا يحكم عليه بحليّة شيء ولا بحرمته ومن اعرض عنها يحكم عليه بحرمة كلّ شيء عليه ، ومن قبل الولاية ووفى بعقدها حكم عليه بحليّة المحلّلات ؛ ولىّ علىّ (ع) لا يأكل الّا الحلال وعدوّ علىّ (ع) لا يأكل الّا الحرام.

گر بگيرد خون جهانرا مال مال

كى خورد مرد خدا الّا حلال

فعلى هذا كان احلّت في هذه الآية جوابا للأمر وفي محلّ الجزم وادّاه بالماضي لئلّا يكون تصريحا بتعليق إحلال البهائم على الوفاء بعقد الولاية حتّى لا يسقطوه مثل سائر ما صرّح به من مناقب علىّ (ع) (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ممّا يأتى في الآية الآتية (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) حال عن المجرور في لكم والمعنى احلّت لكم بهيمة الانعام حالكونكم غير معتقدين حليّة الصّيد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) حال عن المستتر في محلّى الصّيد يعنى ان اعتقدتم حلّيّة الصّيد وقت الإحرام كانت المحلّلات حراما عليكم لانّكم ما وفّيتم بشروط عقدكم ، والحرم جمع الحرام بمعنى المحرم للحجّ أو العمرة سواء كان وصفا أو مصدرا في الأصل كالحلال بمعنى الخارج من الإحرام (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) فلا تتعجّبوا من تعليق إحلال المحلّلات على الوفاء بعقد الولاية ولا تتحرّجوا من ذبح البهائم وأكلها بشبهة سبقت الى أوهامكم من الأعاجم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) كرّره تلطّفا بهم وتذكيرا لعلّة النّهى تهييجا على الامتثال والمراد بالايمان كالسّابق امّا الايمان العامّ أو الخاصّ أو اعمّ منهما (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) يستعمل الإحلال المتعلّق بالأمور ذوي الخطر في ترك حرمتها وفي اعتقاد حلّيّة ترك حرمتها والمعاملة معها بخلاف شأنها فالمعنى لا تتركوا حرمة شعائر الله ولا تعتقدوا حلّيّة ترك حرمتها فتتهاونوا بها ، والشّعائر جمع الشّعيرة أو الشّعارة أو الشّعار بمعنى العلامة ، ولمّا كان كلّ من العبادات علامة لدين الإسلام وللعبوديّة وقبول آلهة الله سميّت شعائر الدّين وشعائر الإسلام وشعائر الله ، ولمّا كان أعظم شعائر الإسلام هي الولاية لانّها أعظم أركانها الخمسة وأسناها وكان المقصود من الوفاء بالعقود الوفاء بعقد الولاية كما علمت كان المقصود هاهنا أيضا

٧١

النّهى عن إحلال حرمة الولاية ، ولمّا كانت الولاية من شؤن الولىّ وكان علىّ (ع) هو الأصل في ذلك كان المقصود لا تتهاونوا بعلىّ (ع) (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ لانّ الشّهر الحرام من حيث حرمته من شعائر الله ، وعن علىّ (ع) انا الأعوام والدّهور وانا الايّام والشّهور ، ونزول الآية كما في الخبر في رجل من بنى ربيعة قدم حاجّا وأراد المسلمون قتله في الأشهر الحرم لكفره ولانّه كان قد استاق سرح المدينة (وَلَا الْهَدْيَ) ما أهدي به الى البيت (وَلَا الْقَلائِدَ) ذوات القلائد جمع القلادة ما أشعر به الهدى من نعل صلّى فيه أو لحاء شجر أو غيره أعلاما بانّه هدى البيت لئلّا يتعرّض له أو المراد النّهى عن إحلال القلائد أنفسها ، وعلى الاوّل يكون من عطف الخاصّ على العامّ (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) قاصدين البيت لزيارته بقرينة قوله تعالى (يَبْتَغُونَ) بزيارتهم (فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) من سعة العيش في الدّنيا (وَرِضْواناً) رضا ربّهم في الآخرة ، وبعد ما علمت انّ البيت الحقيقىّ لله هو القلب في العالم الصّغير وصاحب القلب في العالم الكبير وانّ البيت الّذى بناه إبراهيم (ع) صورة هذا البيت وظهور القلب الّذى هو بيت حقيقىّ لله ولذا سمّى بيتا لله ، وكونه بحذاء البيت المعمور وانّه في السّماء الرّابعة يدلّ على هذا ، فاعلم انّ جميع ما سنّ الله تعالى من مناسكه ومواقفه صورة ما سنّه تعالى تكوينا وتكليفا من مناسك الحجّ الحقيقىّ في الصّغير والكبير ، فاوّل بيت وضع للنّاس في ملك الصّغير هو القلب فانّه اوّل عضو يتكوّن ومن تحته دحو ارض البدن ، واوّل بيت وضع للنّاس في ملكوت الصّغير هو القلب الملكوتىّ ، واوّل بيت وضع للنّاس في الكبير هو خليفة الله في أرضه ، ولمّا كان بيت الأحجار ظهور قلب ذلك الخليفة فكلّما يتأتّى في القلب يجرى بعينه في هذا البيت وتفصيله قد مضى في آل عمران عند قوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) ، فالقلب هو بيت الله والصّدر المستنير بنور القلب مسجد وحرم وشهر حرام بتفاوت الاعتبارات ، وصاحب هذا الصّدر المأذون في التّكلّم مع الخلق ونقل أخبارهم وبيان أحكامهم أيضا شهر حرام وحرم ومن بيوت الأنبياء (ع) ومسجد المحلّة ومن القرى الظّاهرة الواسطة بين الخلق وبين القرى المباركة ، والبهيمة والهدى وذوات القلائد في الصّغير القوى الغير الشاردة الابيّة المتوقّفة عن حضرة القلب أو المتحرّكة إليها بتبعيّة اللّطيفة الانسانيّة غير المستنيرة بنور القلب ، أو المستنيرة المتقلّدة بقلادة نور القلب وفي الكبير افراد الإنسان الّتى لا تأبّى لها عن الطّاعة ولا تهيّج لها للحركة الى بيت الله الامام ، أو المتحرّكة مع قاصد البيت من غير تعلّم شيء من علامات الدّين الّذى هو قلادتها واشعارها ، أو مع تعلّم شيء منها وتقلّدها بقلادتها ، والصّيد هو الشّارد الابىّ من القوى ومن افراد الإنسان ، ولا يجوز للمحرم لحضرة القلب ما لم يطف به ولم يتمكّن من مناسكه التّعرّض له ، فانّه خلاف قصده ومضرّا حرامه لانّه شاغل له عن الحركة اليه ، فاذا تمكّن من طواف القلب وعاد بعد الهجرة الى مقام الصّدر واستنار صدره بنور القلب بحيث لا ينطفى ولا يختفى ذلك النّور باشتغاله بأمر الصّيد فله التّعرّض بقتل وقيد وأسر ، والفضل استنارة الصّدر بنور القلب ، والرّضوان استنارة القلب بنور الرّوح ، وما لم تشتدّا كانتا للإنسان قبولا وصاحبهما قابلا وتابعا ومقلّدا ، وإذا اشتدّتا وتجوهر الصّدر والقلب بهما وكان صاحبهما محتاجا الى الاستمداد من الواسطة بينه وبين الله صارتا خلافة للرّسالة أو للولاية ، وإذا استغنتا عن الواسطة واستمدّتا من الله بلا واسطة صارتا رسالة وولاية وهما كما علمت من شؤن الرّسول والولىّ ومتحدتان معهما ، والأصل في الرّسل والأولياء محمّد (ص) وعلىّ (ع) فصحّ تفسيرهما بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) وحصرهما فيهما. ولمّا أجمل ذكر الصّيد في قوله : غير محلّى الصّيد ؛ ولم يتعرّض له في جملة المنهيّة عن التّهاون بها ناسب المقام السّؤال عن حاله والجواب عنه فقال تعالى جوابا وبيانا (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) امر في معنى الاباحة بحسب التّكاليف القالبيّة وفي معنى الرّجحان

٧٢

بحسب التّأويل (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) لا يكسبنّكم أو لا يحملنّكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) بغضاؤكم لقوم أو بغضاء قوم لكم قرء شنأن قوم بفتح النّون مصدرا أو بسكون النّون مصدرا أو وصفا (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قرئ بفتح الهمزة بتقدير اللّام أو الباء أو على ويجوز ان يكون بتقدير في وان يكون بدلا من شنأن قوم بدل الاشتمال أو مفعولا ثانيا ليجرمنّكم وقرئ بكسر الهمزة (أَنْ تَعْتَدُوا) مفعول ثان ليجرمنّكم أو بتقدير اللّام أو الباء أو على أو في أو بدل من شنأن قوم أو من ان صدّوكم نحو بدل الاشتمال ، اى لا يحملنّكم بغضاء قوم على الاعتداء بالخروج عمّا رخّص الله لكم في شريعتكم وعمّا حدّه لكم في طريقتكم من التّنزّل عن مقام الصّدر المنشرح بالإسلام الى مقام النّفس الامّارة والايتمار بأمرها وقمع القوى المانعة لكم من الحضور لدى القلب وقتل من يمنعكم من الحضور عند صاحب القلب ، بل عليكم بالملاينة والمرافقة والمداراة أو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه في مقامه (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) البرّ هاهنا الإحسان الى خلق الله وهو من احكام الرّسالة ولوازمها كما قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ؛ والتّقوى حفظ النّفس عن ضرّ الغير وعن اضرارها للغير وهو من آثار الولاية ولوازمها لانّ الرّسالة رجوع الى الخلق بصفات الحقّ من عموم الرّحمة ، وقبول الولاية انزجار ورجوع من الخلق الى الحقّ ، وصاحب الولاية شأنه إرجاع النّاس من الكثرات الى الوحدة وهما متّحدان مع الرّسالة والولاية وهما متّحدتان مع الرّسول (ص) والولىّ (ع) فصحّ تفسيرهما بمحمّد (ص) وبعلىّ (ع) وحصرهما فيهما (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) الإثم الاساءة الغير المتعدّية والعدوان الاساءة المتعدّية وهما متّحدان مع الآثم والعادي يعنى لا تعاونوا على الاساءتين (وَاتَّقُوا اللهَ) في الاعتداء والتّعاون عليهما (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) استيناف لبيان المستثنى المقدّم كأنّ السّامع يطلب ويسأل بيانه وينتظر ذكره ولذا لم يأت بأداة الوصل (وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ) اى رفع الصّوت لغير الله به والمراد تنزيلا الّذبيحة الّتى ذكر غير اسم الله عليه وتأويلا كلّ فعل رفع صوت النّفس بالأمر به ، فانّ صوتها لغير الله لا محالة كما انّ قوله (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) اشارة الى كلّ فعل امر العقل به فانّ امره لا محالة لله (وَالْمُنْخَنِقَةُ) كانوا يخنقون البقر أو الغنم فاذا انخنق أكلوه (وَالْمَوْقُوذَةُ) كانوا يشدّون أرجل الانعام ويضربونها حتّى تموت فيأكلونها (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) كانوا يشدّون أعينها ويلقونها من السّطح ثمّ يأكلونها (وَالنَّطِيحَةُ) كانوا يناطحون بالكباش فاذا ماتت أكلوها (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) كانوا يأكلون فريسة السّبع (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) كانوا يذبحون لبيوت النّيران وكانوا يعبدون الشّجر والصّخر والأصنام فيذبحون لها (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) جمع الزلم محرّكة أو كصرد قدح يتقامر به كانوا يعمدون الى الجزور فيقوّمونه بينهم ثمّ يسهمون عشرة أسهم سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها ويجعلون ثمن الجزور على الثّلاثة الّتى لا أنصباء لها ثمّ يخرجون السّهام فمن خرج باسمه الثّلاثة الّتى لا أنصباء لها ألزموهم ثمنها والسّبعة الّتى لها أنصباء يأخذون لحم الجزور بلا ثمن فحرّم ذلك كلّه وقال تعالى (ذلِكُمْ) اشارة الى المجموع أو الى الاستقسام بالأزلام (فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) اشارة الى يوم نصب علىّ (ع) بالخلافة يعنى كان الكافرون والمنافقون يترقّبون

٧٣

لموت النّبىّ (ص) أو قتله (ص) وتفرّق كلمتكم والغلبة على دينكم وبعد نصب أمير لكم يئس الكفّار من الغلبة وتفرّق الكلمة ويئس المنافقون بنصب علىّ (ع) عن الغلبة على دينكم وترويج باطلهم وإظهار نفاقهم فاذا يئس الكفّار (فَلا تَخْشَوْهُمْ) ولمّا لم يستكمل ايمانكم فلا تأمنوا من عقوبتي (وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ) يوم نصب علىّ (ع) بغدير خمّ (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الإكمال قد يستعمل في إتمام ذات الشّيء كإكمال النّوع بالفصل والبيت بأركانه وسقفه ، وقد يستعمل في إتمام الشّيء بمحسّناته ومتمّماته الزّائدة على ذاته كإكمال الإنسان بمهارته في العلوم والصّنائع ، والبيت بزخرفته وفروشه ، والمراد بالدّين هنا هو الإسلام الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة وقبول الأحكام النّبويّة والمراد بالإكمال هو إتمامه في ذاته ، لانّ الإسلام بنى على خمسة أركان والرّكن الأخير هو الولاية اعنى البيعة مع علىّ (ع) بالامامة لانّ الولاية بمعنى المحبّة أو اعتقاد الولاية لعلىّ (ع) خارجة عن الأعمال القالبيّة الاسلاميّة فلا تكون من أركان الإسلام ومتمّمات احكام القالب وإتمامه في خارج ذاته باعتبار ، فانّ الإسلام كالمادّة للولاية بالمعنى الحاصل بالولاية الّتى هي من أركان الإسلام وهو الايمان الدّاخل في القلب وبه الحركة والسّير الى الله وهو بمنزلة الصّورة للإسلام والصّورة وان كانت محصّلة للمادّة وما به قوام المادّة وبقاؤها لكنّها خارجة عن ذاتها (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فانّ الإسلام نعمة من الله لكنّه مركّب من الأركان الخمسة ولا يتمّ المجموع الّا بتمام اجزائه وأيضا هو مادّة للولاية بالمعنى الآخر ولا بقاء ولا قوام للمادّة الّا بالصّورة فبالولاية تتمّ نعمة الإسلام (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فانّه لنقصان أركانه وعدم تحصّله كان غير مرضىّ وعن الصّادقين (ع) انّما نزل بعد ان نصب النّبىّ (ص) عليّا (ع) علما للأنام يوم غدير خمّ عند منصرفه عن حجّة الوداع ، قالا : وهي آخر فريضة أنزلها الله ثمّ لم تنزل بعدها فريضة ، وورد عنهم (ع) اخبار كثيرة قريبة من هذا (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) المخمصة هي المجاعة لكن تستعمل في كلّ شدّة وضيق ، في تفاسير العامّة انّه مربوط بذكر المحرّمات وما بينهما اعتراض ، ولمّا علّق وقيّد يأس الكفّار عن الدّين وإكمال الدّين وإتمام النّعمة وارتضاء الإسلام منهم بيوم مخصوص ووقت معيّن ، علم انّه لا يكون الّا لوقوع امر عظيم فيه هو يقطع طمع الكفّار ويصير سببا لا كمال الدّين والّا لم يكن للتّقييد به وجه وما ذاك الّا سدّ خلل الدّين بعد النّبىّ (ص) بنصب من يحميه ويحفظ أهله من الاختلاف والافتراق فانّه لا امر أعظم منه فضلا عمّا بيّنوا لنا من انّ نزولها بغدير خمّ بعد نصب علىّ (ع) علما للنّاس ، وإذا علم ذلك تيسّر ربط هذه الآية بما قبلها تماما من تحريم المحرّمات وتتميم الدّين بنصب علىّ (ع) والتّرغيب فيه كأنّهم سألوا فما لنا ان اضطررنا الى أكل المحرّمات أو الى ترك التّوسّل بعلىّ (ع) والتبعيّة له؟ ـ فقال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) بيانا لوجه الاضطرار حالكونه (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) اى غير مائل اليه أو غير متجاوز عن قدر الضّرورة كما في قوله (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، ولمّا كان المقصود هو الاضطرار الى اتّباع معاوية وترك اتّباع علىّ (ع) فلا ضير أن يفسّر الإثم بمعاوية ، اى غير مائل في الباطن الى معاوية ، فانّه لا يؤاخذ إذا كان أكل الحرام أو اتّباع غير علىّ (ع) عن اضطرار من غير ميل قلبيّ (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) اى اىّ شيء أو ما الّذى أحلّ لهم سألوا عن المحلّلات بعد ذكر المحرّمات (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) لا اختصاص لها بالاغذية الغير المستخبثة كما فسّره المفسّرون ، بل أصل الطيّبات هو علىّ (ع) ثمّ ولايته بالبيعة الولويّة ثمّ العمل بما دخل منه (ع) في القلب ثمّ العمل بما أخذ عليه في ميثاقه ثمّ

٧٤

أخذ العلم منه ثمّ العمل به ثمّ المباحات من الاغذية والاشربة والالبسة والأزواج والمساكن واثاثها والمراكب وجملة الاعراض الدّنيويّة الّتى حصلت في اليد من الوجه الحلال (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) اى نفس ما علّمتم من حيث التّعليم يعنى أحلّ حصلت في اليد من الوجه الحلال (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) اى نفس ما علّمتم من حيث التّعليم يعنى أحلّ لكم تعليم الكلاب الاصطياد ، وحلّيّة مقتولها تستفاد ممّا يأتى أو صيد ما علّمتم ويجوز ان يكون ما شرطيّة ، وقوله (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) جزاؤه ، ولمّا كان مقتول الكلاب مظنّة الاستخباث أفرده بالّذكر (مُكَلِّبِينَ) تقييد للإحلال بتعليم الكلاب أو بمقتول الكلب المعلّم لا غيره من السّباع المعلّمة فانّ المكلّب بصيغة اسم الفاعل هو المعلّم للكلب ومشتقّ منه (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) تكوينا أو تحصيلا بتوسّط بشر أخر من آداب الاصطياد والانقياد في الإرسال والزّجر وضبط الصّيد على صاحبهنّ (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) لمّا لم يكن الواو للتّرتيب لم يكن تأخير الأمر بذكر اسم الله في اللّفظ منافيا لوجوب تقديم الذكّر عند الإرسال (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما لم يحلّ لكم (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب على الدّقيق والجليل (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) في تقييد إحلال الطّيبات بعد ذكره مطلقا باليوم الخاصّ الّذى هو يوم نصب علىّ (ع) بالخلافة ، اشارة لطيفة الى انّ حلّيّة الطيّبات موقوفة على الولاية ولولاها لكانت محرّمة وإن كانت طيّبة حاصلة من كسب اليد والوجه الحلال ، غاية الأمر أن يكون المراد بالحلّيّة هاهنا الحلّيّة في نفس الأمر وبحسب الطّريقة لا بحسب ظاهر الشّريعة (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قد اختلف الاخبار في طهارة أهل الكتاب ونجاستهم ، وأكثرها يشعر بأنّ نجاستهم عرضيّة بواسطة عدم اجتنابهم عن الخمر ولحم الخنزير ، وانّ في انيتهم الخمر ولحم الخنزير وقد فسّر الطّعام بالحبوب دون ذبائحهم لانّهم غير مأمونين على تسمية الله عليها فنقول : ليس المراد بطعام الّذين أوتوا الكتاب طعامهم المصنوع لهم حتّى كانت حلّيّة منافية لنجاستهم ان قلنا بنجاستهم كالمشركين ، بل المراد نفى الحرج عن طعامهم المنسوب إليهم من حيث انّه منسوب إليهم يعنى لا حرج عليكم في طعامهم من حيث تلك النّسبة فانّ النّسبة لا تستخبث الطّعام إذا لم يكن فيه خباثة من وجه أخر ، ولذلك كان طعامكم حلّا لهم يعنى انّ نسبة الطّعام إليكم لا تورث حرجا عليكم إذا أطعتموه أهل الكتاب ولا تجعلهم ممنوعين من الاكل ولمّا كان طعامهم مظنّة الخباثة ذكره بعد إحلال الطيّبات ، وأيضا لما ندب على ولاية علىّ (ع) وقيّد إحلال الطيّبات بزمان نصب علىّ (ع) للاشارة الى تقييد الحلّيّة بالولاية ولم يكن لأهل الكتاب ولاية صار المقام مظنّة لحرمة المخالطة معهم وعدم حلّيّة طعامهم وإطعامهم فنفى هذا الوهم ، لانّهم بانتحال ملّة إلهيّة وقبول الدّعوة الظّاهرة كانوا مسلمين ولم يخرجوا بحسب الظّاهر عن الإسلام ، وبمخالطتهم وأكل طعامهم وإطعامهم يستعدّون للهداية ولمّا كان حلّيّة طعامهم وإطعامهم بحسب الظّاهر وحلّيّة الطيّبات المتوقّفة على الولاية بحسب نفس الأمر غيّر الأسلوب وأتى بالجملة الاسميّة عطفا على مجموع القيد والمقيّد حتّى لا يتقيّد بالولاية (وَالْمُحْصَناتُ) اللّائى احصنّ انفسهنّ عمّا لا ينبغي عطف على الطيّبات المتقيّد إحلالها بولاية علىّ (ع) ولذا قيّد هنّ بوصف الإحسان والايمان ، يعنى اليوم احلّت لكم حلالا واقعيّا المحصنات (مِنَ الْمُؤْمِناتِ) ولا ينبغي لكم غير هنّ فانّ غيرهنّ من الإماء والمتجريّات على ما لا ينبغي وان كنّ حلالا بحسب ظاهر الإسلام ، لكنّهنّ غير محلّلات بحسب نسبة الايمان وفي نفس الأمر (وَالْمُحْصَناتُ) اللّائي احصنّ انفسهنّ عمّا لا ينبغي (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قد اختلف

٧٥

الاخبار والأقوال في نكاح النّساء من أهل الكتاب ، وكذا في انّ هذه الآية منسوخة بآية حرمة نكاح المشركات وحرمة الأخذ بعصم الكوافر أو ناسخة ، وكذا في الدّوام والتّمتّع بهنّ وقول النّبىّ (ص): انّ سورة المائدة آخر القرآن نزولا فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها ، ينفى كونها منسوخة ، وقوله تعالى (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) مشعر بتقييد الحلّيّة بحال التّمتّع بهنّ فانّ استعمال الأجور في مهور المتمتّعات أكثر وأشهر (مُحْصِنِينَ) حالكونكم حافظين أنفسكم من السّفاح علانية وسرّا ، امّا بيان لوجه الإحلال أو تقييد له باعتبار الواقع لا باعتبار ظاهر الإسلام (غَيْرَ مُسافِحِينَ) حال بعد حال يعنى غير متجاهرين بالزّنا (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) ولا مسرين لهنّ جمع الخدن وهو الصّديق يقع على الذكّر والأنثى ، ولمّا ندب على الولاية وعلّق إكمال الدّين وإحلال الطيّبات عليها ناسب المقام ان يذكر حال مخالف الولاية فقال تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) اى بقبول ولاية علىّ (ع) والبيعة الخاصّة الولويّة معه ، وما ورد في الاخبار من التّفسير بترك الصّلوة ، أو ترك العمل الّذى اقرّ به في بيعته ، أو ترك العمل اجمع ، أو التّبدّد بأمر هو خلاف الحقّ فانّما هو تفسير لفروع الولاية ، ولا ينافي كون المقصود هو الولاية كما في بعض الاخبار (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) الّذى عمله في الإسلام فانّ ما به القبول هو الولاية (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) لصرف بضاعته فيما لا قدر له (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) عامّا أو خاصّا (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) اى إذا قمتم من النّوم كما في الخبر ، أو إذا أردتم القيام (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وبعد ما مضى في سورة النّساء لا يتعسّر عليك تعميم الصّلوة ولا تعميم الغسل ولا تعميم سائر أجزاء الآية ، والوجه ما يواجه به وهو من قصاص الشّعر الى الّذقن وما دارت منه الإبهام والوسطى عليه وما زاد فليس بوجه ، وعدم وجوب تخليل الشّعر يمكن استنباطه من عنوان الوجه فانّ ما به التّوجّه هو ظاهر الشّعر لا البشرة المستورة تحته ، واليد اسم للعضو المخصوص تطلق على ما دون المنكب وعلى ما دون المرفق وعلى ما دون الزّند فاحتاجت الى التّحديد والبيان ، فحدّده بقوله الى المرافق فلفظ الى لانتهاء المغسول لا الغسل فالتّمسّك بها مع احتمال كونها لانتهاء المغسول في الاستدلال على انتهاء الغسل كما فعلوا خارج عن طريق الاستدلال ، والباء للتّبعيض كما وصل إلينا من أهل الكتاب واثبت التّبعيض لها كثير منهم وأرجلكم بالجرّ عطف على رؤسكم وبالنّصب على محلّ رؤسكم ، وعطفه على وجوهكم مع جواز العطف على رؤوسكم في غاية البعد ، غاية الأمر انّها في هذا العطف محتملة مجملة كسائر أجزاء الآية محتاجة الى البيان ولم يكن رأينا مبيّنا للقرآن لاستلزامه التّرجيح بلا مرجّح ، بل المبيّن من نصّ الله ورسوله عليه لا من نصبوه لبيانه فانّ نصب شخص انسانىّ لبيان القرآن وخلافة الرّحمن ليس باقلّ من نصب الأصنام لعبادة الأنام ، أو العجل المصنوع للعوام ، وتفصيل الوضوء وكيفيّته قد وصل إلينا مفصّلا مبيّنا عن ائمّتنا المنصوصين من الله ورسوله وقد فصّله الفقهاء رضوان الله عليهم فلا حاجة الى التّفصيل هاهنا (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) اى من الصّعيد وقد مضى شرح الآية مفصّلا في سورة النّساء فلا حاجة الى التّكرار (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ) في الدّين (مِنْ حَرَجٍ) مفعول يريد محذوف اى ما يريد الأمر

٧٦

بالغسل أو التّيمم ليجعل عليكم حرجا أو لام ليجعل للتّقوية وما بعده مفعول وهو استيناف لبيان وجه تشريع التّيمم (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) بغسل الأعضاء الباطنة بالتّوبّة عند اهله وبغسل الأعضاء الظّاهرة بالماء ، فان لم يتيسّر لكم فباظهار الّذلّ والمسكنة والعجز وإعلاء تراب الّذلّ على مقاديم نفوسكم وأبدانكم وليعدّكم لقبول التّوبة والبيعة الولويّة الّتى هي تمام نعمة الإسلام كما مضى (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ) الّتى هي الإسلام (عَلَيْكُمْ) بمتمّمه الّذى هو الولاية والبيعة مع علىّ (ع) (لَعَلَّكُمْ) بعد تمام النّعمة عليكم (تَشْكُرُونَ) المنعم بصرف النّعمة الّتى هي احكام الإسلام القالبيّة واحكام الايمان القلبيّة في وجهها من صدورها من حضرة العقل ورجوعها إليها ، فانّ شكر النّعمة وصرفها في وجهها لا يحصل الّا بدخول الايمان في القلب وفتح بابه الى الملكوت (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) عطف على تيمّموا يعنى حين تطهّركم تذكّروا محمّدا (ص) أو الإسلام الّذى هو البيعة مع محمّد (ص) ، أو الإسلام الحاصل بالبيعة مع محمّد (ص) حتّى يكون شروطها في ذكركم من عدم المخالفة واتّباع قوله في كلّ ما يأمر وينهى ، هذا ان كان المراد بالميثاق الميثاق الّذى أخذ عليهم بغدير خمّ ، وان كان المراد بالميثاق المبايعة مع محمّد (ص) فالمراد بالنّعمة هو الإسلام الحاصل بالبيعة ، أو محمّد (ص) فانّه أصل نعمة الإسلام كما انّ عليّا (ع) أصل نعمة الايمان (وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) عاهدكم عهدا وثيقا به لعلىّ (ع) في غدير خمّ حتّى لا تنسوه فتخالفوا عليّا (ع) أو عهدا وثيقا بان لا تخالفوا قوله حتّى لا تنسوه فتخالفوا قوله في علىّ (ع) والاوّل هو المروىّ (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا) قولك في علىّ (ع) على الاوّل ، أو شرطك علينا بعدم المخالفة على الثّانى (وَأَطَعْنا) عليّا (ع) أو أطعناك (وَاتَّقُوا اللهَ) في نسيان نعمته ونقض ميثاقه بالمخالفة لعلىّ (ع) (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فيعلم نيّاتكم واغراضكم فكيف بأفعالكم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) توصية لهم بالاستقامة وتقويم الغير عن الاعوجاج كما مضى حين تحمّل الشّهادة خصوصا وقت توصية محمّد (ص) بحملها وحفظها ، وحين أداء الشّهادة خصوصا وقت سؤال علىّ (ع) عنهم الشّهادة فانّ المقصود هو هذا (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) بغضاءكم لقوم أو بغضاء قوم لكم (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) في أداء شهاداتكم بتغييرها أو كتمانها خوفا من مخالفي علىّ (ع) أو بغضا لموافقى علىّ (ع) (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ) في الشّهادات ولا تكتموها ولا تغيّروها (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم بحسبه (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) الجملة في محلّ المفعول لوعد لانّه بمعنى القول والمراد بالايمان هو الحاصل بالبيعة مع محمّد (ص) ، وبالعمل الصّالح البيعة مع علىّ (ع) ، أو المراد بالايمان البيعة مع علىّ (ع) وبالعمل الصّالح العمل على طبق البيعة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) ببيعة علىّ (ع) أو ببيعة محمّد (ص) (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) وأصلها علىّ (ع) (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) جمع بين الوعد والوعيد كما هو شأنه وللاشارة الى انّ المغفرة والأجر للمؤمن المستقيم مقصودة بالّذات وجزاء المسيء مقضىّ بالعرض غيّر الأسلوب وأتى بالجملة الاسميّة الدّالّة على انّ الجزاء لهم كأنّه من لوازم ذواتهم المسيئة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام من مدد الملائكة وجنود لم تروها

٧٧

أو من قوّة علىّ (ع) وسيفه (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) بدل من نعمة الله أو ظرف لها باعتبار الانعام (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بمكّة قبل الهجرة أو ببدر أو بأحد أو بخندق (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) بسبب إسلامكم أو بعلىّ (ع) فتذكّروا شرف الإسلام حتّى لا تخالفوه بترك قول محمّد (ص) في علىّ (ع) ، أو تذكّروا شأن علىّ (ع) فلا تخالفوه بعد وفاة محمّد (ص) (وَاتَّقُوا اللهَ) في نسيان النّعمة ومخالفة علىّ (ع) ولا تخافوا غيره (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فلا يعتمدوا على غيره ولا يخافوا الّا منه ، وضع المظهر موضع المضمر التفاتا من الخطاب الى الغيبة بيانا لما به التّوكّل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) تعريض بامّة محمّد (ص) لاخذ ميثاقهم لنقيبهم الّذى هو علىّ (ع) (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) يأمرونهم وينهونهم (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) فأشاهد منكم ما تفعلون (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) بوصلها الى النّقباء (ع) (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) من كلّ شيء حتّى من ميل قواكم الى مخالفة النّقباء (ع) (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) الّذين منهم النّقباء (ع) (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) نصرتموهم وقوّيتموهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) من أصل المال بإنفاقه في سبيل الله ، وأصل القوى باضعافها بالعبادات والرّياضات ، فانّ الزّكاة هي فضول المال الّتى هي حقّ الغير والقرض من أصل المال (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) بزكوتكم وقرضكم (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) بصلوتكم وايمانكم وتعزيركم (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) الميثاق للنّقباء (ع) والوعد عليه (مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) فتذكّروا يا أمّة محمّد (ص) وأوفوا بميثاقكم لعلىّ (ع) ولا تكفروا بعد الميثاق (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) فتذكّروا ميثاقكم ولا تنقضوه (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) لا تتأثّر بالمواعظ (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) حال أو جواب سؤال مقدّر كما ستحرّفونه يا أمّة محمّد (ص) بعد بتأويلات فضيحة للتّمويه على من لا عقل له (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) من الميثاق والوعد عليه عطف على يحرّفون ، والاختلاف بالمضىّ والمضارعة للاشارة الى انّ الثاني وقع منهم فصار سببا لاستمرارهم على الاوّل (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) بواسطة نقض الميثاق الّذى هو أصل الخيانات كما انّ الوفاء به هو أصل الوفاء بالأمانات ، والخائنة مصدر أو وصف بمعنى فرقة خائنة ، أو نفس خائنة ، أو شخص خائن على ان يكون التّاء للمبالغة (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) استثناء من مفهومه كأنّه قال كلّهم خائنون الّا قليلا منهم ، ويحتمل الاستثناء من قلوبهم أو من المضاف اليه في قلوبهم أو من فاعل يحرّفون أو من فاعل نسوا ، ويمكن جعل الّا بمعنى غير صفة لخائنة منهم ، ويحتمل كون الكلام منصرفا عن بيان حال بنى إسرائيل الى بيان حال منافقي الامّة ولذا خاطب محمّدا (ص) ، ويحتمل ان يكون المراد بيان حال بنى إسرائيل ويكون التّعريض بالامّة كما هو طريقة جملة القصص والحكايات وقوله تعالى (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) يؤيّد المعنى الاوّل ، والعفو ترك الانتقام ، والصّفح ترك تذكّر المساوى والإخراج من القلب ، وقد يستعمل كلّ في كلّ وكلّ في كلا المعنيين ، ولا تقف على العفو والصّفح وأحسن إليهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) لم يقل ومن النّصارى لانّ التّنصّر انّما يحصل بالبيعة مع

٧٨

أوصياء عيسى (ع) وهؤلاء انتحلوا التّنصّر لا انّهم بايعوا على النّصرانيّة (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) بعد بيان حال اليهود بيّن حال النّصارى للتّعريض بامّة محمّد (ص) يعنى أخذنا ميثاق أسلافهم لاوصياء عيسى (ع) (فَنَسُوا) كاليهود (حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) فصار النّسيان سببا لاختلافهم (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) بالافعال (وَالْبَغْضاءَ) بالقلوب وكان ذلك خزيهم في الدّنيا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) يعنى ينبّئهم في الآخرة فيعذّبهم عليه فاحذروا ان تكونوا مثلهم في نسيان الميثاق لعلىّ (ع) يا أمّة محمّد (ص) فيقع بينكم العداوة والبغضاء في الدّنيا ويؤاخذكم الله عليه في الآخرة (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) كتاب النّبوّة بصورة التّوراة والإنجيل تعريض بامّة محمّد (ص) واخفائهم بعده كثيرا من الكتاب وبتبيين علىّ (ع) لهم ما يخفون ، وقد ذكر في نزول الآية انّه كان في زان وزانية محصنين من أشراف اليهود وكرهوا رجمهما فسألوا محمّدا (ص) عن ذلك فقال (ص): حكمهما الرّجم ، فأبوا ورضوا بابن صوريا وكان أعلم اليهود فسأله محمّد (ص) عن ذلك فقال (ص) : نعم هو الرّجم فأمر بهما النّبىّ فرجما عند باب مسجده (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) يعرض عنه ولا يظهره (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) تأكيد للجملة الاولى ولذا لم يأت بالعطف ، وكونه تأكيدا إذا كان المراد بالنّور الولاية وبالكتاب النّبوّة ظاهر ، فانّ الرّسول صاحب الولاية والنّبوّة ، وإذا كان المراد بالنّور أمير المؤمنين (ع) وبالكتاب القرآن أيضا ظاهر ، لانّ الرّسالة تستلزم ما به الرّسالة وما لأجله الرّسالة والاوّل الكتاب والثّانى الولاية ، وعلمت سابقا انّها من شؤن الولىّ ومتّحدة مع علىّ (ع) (يَهْدِي بِهِ اللهُ) توحيد الضّمير ان كان راجعا الى الكتاب أو النّور ظاهر ، وان كان راجعا إليهما كان باعتبار انّ الكتاب ليس الّا ظهور النّور (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) هو ولاية علىّ (ع) والبيعة له كما أشير اليه في قوله : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يعنى يهدى بالكتاب من بايع عليّا (ع) بالبيعة الولويّة (سُبُلَ السَّلامِ) طرق الله أو طرق السّلامة (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) المتراكمة الّتى في مرتبة النّفس (إِلَى) عالم (النُّورِ) وهو فسحة عالم الرّوح (بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو المراتب النّورانيّة لعلىّ (ع) الّتى معرفتها معرفة الله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) قيل انّهم فرقة منهم وهم اليعقوبيّة يقولون باتّحاده تعالى مع عيسى (ع) لكن نقول : اعتقاد النّصارى انّ عيسى (ع) فيه جوهر الهىّ وجوهر آدمىّ وباعتباره الإلهيّ يقولون هو الله ومرادهم تأكيد اتّحاده مع عيسى (ع) باعتبار جوهره الإلهيّ ويقولون : هو باعتبار جوهره الآدميّ ابن ومولود وجسم ومقتول ومصلوب ، هذا اعتقاد محقّقيهم ، وامّا اتباعهم فلا يعرفون منه الّا مقام بشريّته ويقولون : هو الله ومقصودهم مقام بشريّته (قُلْ) يا محمّد (ص) للردّ عليهم ان كان الأمر كما تقولون (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) مفعول يملك ومن الله حال منه مقدّم عليه ، والمعنى لا يقدر أحد على شيء ممّا يملكه الله بتغييره أو دفعه فانّ الملك عبارة عن قدرة التّصرّف في المملوك ، وان كان في عيسى (ع) جوهر الهىّ كان قادرا على التّغيير والدّفع (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) بيان لحال النّصارى وقالهم وتوهين لهم وتعريض بالغالى من أمّة محمّد (ص) وبالقائلين منهم بالاتّحاد

٧٩

والحلول وحقّ العبارة ان يقال : لو أراد أن يهلك المسيح وأمّه لانّ المسيح وأمّه كانا قد مضيا لكنّه تعالى ادّاه بصورة الشّرط المستقبل لفرض الحال الماضية حاضرة ، أو لاعتقادهم انّ عيسى (ع) حىّ في السّماء قاعد على يمين أبيه وكذلك أمّه ، أو للاشارة الى انّه حىّ بحيوته الطّبيعيّة في السّماء الرّابعة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) استيناف أو حال لبيان عدم المانع له من إرادته ونفاذ أمره وللدّلالة على انّ المسيح مملوك له والمملوك لا يكون إلها ولا ولدا للمالك (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فلا غروان يخلق عيسى (ع) من أنثى بلا ذكر ولا دلالة فيه على كونه إلها أو ابنا كما تمسّكوا به ، بل فيه دلالة على آلهة الخالق الّذى خلقه بلا ذكر نقضا لما قاله الطّبيعىّ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على خلق الإنسان بلا أب وعلى إهلاك من في الأرض جميعا ، وخلق عيسى (ع) بلا أب يدلّ على عموم قدرته لا على آلهة عيسى (ع) (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) بيان لحال الفريقين ومقالتهم الفضيحة ، ووجه هذا الادّعاء انّهم قالوا من اقرّ به تعالى وتقرّب لديه فهو ابنه الرّوحانىّ وقيل : مقصودهم من هذا انّهم أشياع ابنيه المسيح (ع) وعزير (ع) وهو بعيد (قُلْ) ردّا لهم (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) في الدّنيا بالمغلوبيّة وفي الآخرة بالنّار دائما أو ايّاما قلائل على زعمكم (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) منكم (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) منكم على حسب اختلاف استعدادكم (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) بيان لتسويتهم مع غيرهم في النّسبة اليه ، وتكراره هاهنا وفي غير هذا الموضع لتمكينه في قلب السّامع ولأنّ كلا يقتضيه المقام المخصوص (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) بيان لمساواتهم مع غيرهم في الانتهاء اليه (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) أضاف الرّسول الى نفسه في الموضعين تشريفا له وتهويلا لمخالفيه (يُبَيِّنُ لَكُمْ) ما تحتاجون اليه أو المفعول منسىّ (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) حال من رسولنا أو من المستتر في يبيّن ، أو من الضّمير في لكم أو متعلّق بجاءكم أو بيبيّن على تضمين معنى يورد والمراد فتور احكام الرّسل (ع) لعدم ظهورهم واختفاء أوصيائهم لا انقطاع الوحي وانقطاع الحجّة كما هو مذهب العامّة فانّه كان بين عيسى (ع) ومحمّد (ص) أنبياء (ع) وأوصياء (ع) كان أكثرهم مغمورين غير ظاهرين وكان دينه في نهاية الخفاء وان كانت ملّته ظاهرة غالبة وقيل : كان بين ميلاد عيسى (ع) ومحمّد (ص) خمسمائة وتسع وستّون سنة وكان من تلك المدّة مائة واربع وثلثون زمان ظهور الرّسل والباقي زمان الفترة وهذا أحد الأقوال ، وقيل : مدّة الفترة كانت ستّمائة سنة وقيل : خمسمائة وستّين ، وقيل : اربع مائة وبضعا وستّين وقيل : خمسمائة وشيئا (أَنْ تَقُولُوا) كراهة ان تقولوا أو لئلّا تقولوا (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ) الفاء للسّببيّة فانّ التّقدير لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم (بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على إرسال الرّسول حين الفترة ، أو يقدر على إنطاق جوارحكم ان تنكروا مجيء الرّسول وتبليغه ، أو يقدر على عذابكم ان تنكروا رسوله ولا تقرّوا به (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) عطف على مقدّر هو لا تعتذروا المقدّر السّابق الى لا تعتذروا واذكروا ما قال موسى (ع) لقومه حتّى تذكروا نعمة وجود الرّسول (ص) فيكم ولا تخالفوا قوله والمقصود التّعريض بامّة محمّد (ص) بتذكير حال أمّة موسى (ع) والنّعم الّتى أنعم الله بها عليهم وإبائهم عن امر موسى (ع) وضلالتهم في التّيه أربعين سنة حتّى يتنبّهوا للنّعم الّتى أنعم الله بها عليهم ولا يخالفوا قوله ولا يخرجوا من امره في علىّ (ع)

٨٠