سورة الفرقان
[٧٥٢] فإن قيل : الخلق هو التقدير ؛ ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) [المائدة : ١١٠] ، أي تقدر ؛ فما معنى قوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢] ؛ فكأنّه تعالى قال : وقدر كل شيء فقدره تقديرا؟
قلنا : الخلق سن الله تعالى بمعنى الإيجاد والإحداث ، فمعناه : وأوجد كل شيء مقدرا مسوى مهيأ لما يصلح له ، لا زائدا على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ؛ ولا ناقصا عن ذلك.
الثاني : أن معناه : وقدر له ما يقيمه ويصلحه ؛ أو قدر له رزقا وأجلا وأحوالا تجري عليه.
[٧٥٣] فإن قيل : كيف قال تعالى في وصف الجنة : (الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً) [الفرقان : ١٥] وهي ما كانت بعد وإنما تكون كذلك بعد الحشر والنشر؟
قلنا : إنما قال كانت لأن ما وعده الله تعالى فهو في تحققه كأنه قد كان ؛ أو معناه كانت في علم الله مكتوبة في اللوح المحفوظ أنها جزاؤهم ومصيرهم.
[٧٥٤] فإن قيل : ما فائدة تأخير الهوى في قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣] والأصل اتخذ الهوى إلها كما تقول : اتخذ الصنم معبودا؟
قلنا : هو من باب تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية به ، كما تقول علمت منطلقا زيدا ، لفضل عنايتك بانطلاقه.
[٧٥٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ)؟ [الفرقان : ٤٤].
قلنا : قد مر مثل هذا السؤال وجوابه في قوله تعالى : (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [المؤمنون : ٧٠].
[٧٥٦] فإن قيل : كيف شبههم سبحانه وتعالى بالأنعام في الضلال بقوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) [الفرقان : ٤٤] مع أن الأنعام تعرف الله سبحانه وتعالى وتسبحه بدليل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] وقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)؟ [الجمعة : ١].