شرح كتاب سيبويه - ج ٤

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ٤

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٢٠

وإنما جاء على فعائل لأنه مؤنث فكأن علامة التأنيث فيه مقدرة فصارت بمنزلة صحيحة وصحائح ، والجدود التي لا لبن لها ، والصّعود التي قد عطفت على غير ولدها بعد إسقاطها ، وقالوا ، للواله : (عجول) و (عجل) ولم يقولوا (عجائل) ، و (سلوب) و (سلائب) والسّلوب التي فارقها ولدها بموت أو ذبح أو غير ذلك.

وشبهوا فعول وفعائل في النعت بالاسم كقولهم : (قدوم) و (قدائم) و (قدم) و (قلوص) و (قلائص) و (قلص).

وقد يستغنى ببعض هذا عن بعض قالوا : (صعائد) ولا يقال (صعد) وقالوا : (عجل) ولا يقال (عجائل).

قال سيبويه : " وليس شيء من هذا وإن عنيت به الآدميين يجمع بالواو والنون كما أن مؤنثه لا يجمع بالتاء لأنه ليست فيه علامة التأنيث لأنه مذكر الأصل"

قال أبو سعيد : لم يجمع (صبور) وبابه في المذكر والمؤنث جمع السلامة لأن (صبورا) قد استعملت للمؤنث بغيرها من أجل أنها لم تجر على الفعل فلما أطرحت الهاء في الواحد وإن كان التأنيث يوجب الهاء كرهوا أن يأتوا بجمع يوجب ما كرهوا في الواحد فعدل به عن السلامة إلى التكسير في المؤنث ، فلما عدل إلى التكسير في المؤنث أجرى المذكر مجراه.

قال سيبويه : (ومثل هذا" مريّ" و" صفيّ" وقالوا : (مرايا) و (صفايا) فعائل غير أن الإعلال أوجب لها هذا اللفظ كما يقال في (خطيّة) : (خطايا) وفي (مطيّة) : (مطايا) وهذا يحكم في التصريف إن شاء الله :

" والمريّ" التي يمريها الرجل يستدرّها للحلب و (الصّفيّ) الغزيرة اللبن وقد يجوز أن يكون وزنها (فعيلا) و (فعولا) وقالوا للمذكر (جزور) و (جزائر) لما لم يكن من الآدميين صار في الجمع كالمؤنث وقد تقدم أن ما لا يعقل يجري مجرى المؤنث في الجمع.

قال : " وشبهوه بالذنوب" و" الذّنائب" وقال غيره" الذّنوب" يذكر ويؤنث فمن ذكره قال في أدنى العدد" أذنبة" وقد روى أن الملك الغسّاني الذي كان أسر (شاسا) أخذ علقمة بن عبدة لما مدحه علقمة وسأله إطلاق أخيه أنشده القصيدة إلى أن بلغ قوله :

٣٨١

وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة

فحقّ لشأس من نذاك ذنوب (١)

قال : نعم" وأذنبة" وأحسن إليه وأراد سيبويه بالذنائب على اللغتين جميعا.

قال سيبويه : " وقالوا رجل ودود ورجال ودداء شبهوه بفعيل لأنه مثله في (الزيادة) في الزنة ولم يتقوا التضعيف لأن هذا اللفظ في كلامهم نحو حششآء".

قال أبو سعيد : أما قولهم ودود وودداء ففيه مخالفة للقياس من جهتين إحداهما أن فعولا لا يجمع على فعلاء وإنما يجمع عليه فعيل ككريم وكرماء والثانية أن فعيلا إذا كان عين الفعل ولامه من جنس واحد فإنه لا يجمع على فعلاء لا يقولون : (شديد) و (شدداء) ولا (جليل) و (جللاء) وإنما قالوا : (ودداء) لأنه لما خرج عن بابه فشذ في وزن الجمع احتملوا شذوذه أيضا في التضعيف وشبهوه ب (خششاء) في احتمال التضعيف ، وقوله : لأنه مثله في الزنة يريد زنة حرف اللين في سكونه من فعيل وفعول والزيادة فيهما أن الواو زائدة والياء زائدة. (وقالوا عدوّ وعدوّة شبهوه بصديق وصديقة كما قالوا للجمع عدو وصديق).

قال أبو سعيد : يقال : (عدوّ) للواحد والاثنين والجماعة ، والمؤنث والمذكر ، قال الله عزوجل : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً)(٢). وقال : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ)(٣). وكذلك يقال (الصّديق) للواحد والجماعة والمؤنث والمذكر وقد يدخلون الهاء عليهما جميعا لأنهما لما تضادا جريا مجرى واحدا.

قال سيبويه : " وقد أجري شيء من فعيل مستويا في المؤنث والمذكر وذلك قولك (جديد) و (سديس) و (كتيبة خصيف) و (ريح خريق) وقالوا (مدية هذام) و (مدية جزاز).

والباب أن المذكر والمؤنث يختلف في" فعيل" إذا لم يكن فعيل في معنى مفعول تقول رجل كريم وشريف و (امرأة كريمة وشريفة) وفعول يستوي فيهما تقول : (رجل

__________________

(١) البيت من الطويل وذكر في اللسان (شأس) وهو من قصيدة مدح بها الحرث الوهاب سيد بني غسان وملك الشام انظر ابن يعيش : ٥ / ٤٨.

والشاهد (ذنوب) حيث أفردها وجمعها الملك على (أذنبة) فدل هذا على أن (فعول) المذكر مما يكسّر على (أفعلة) في أدنى العدد.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٠٢.

(٣) سورة الشعراء ، الآية : ٧٧.

٣٨٢

صبور وغدور) و (امرأة صبور وغدور) قد ذكر سيبويه" فعولا" في هذه الأحرف أنه قد استوى فيهما المذكر والمؤنث وجرت على حكم فعول وقال بعض الناس في (جديد) أنه في معنى مفعول وأن معناه (مجدود) أي مقطوع من صبغته لأن الثوب وما جرى مجراه قد يقطع إذا فرغ منه ، ويحتمل سائر ما ذكرناه التأويل وإن كان قوله أظهر. ومعنى كتيبة خصيف أنه قد ظهر فيها سواد الحديد فقد صارت ذات لونين. (وقالوا : فلوّ وفلوّة لأنها اسم فصارت ك" فعيل" و" فعيلة". وقد ذكرنا في جمع فلوّ أنه يقال (أفلاء) و (فلاء) و (فليّ) و (فليّ).

" وقالوا امرأة فروقة وملولة" ومثله رجل ملولة وفروقة" فوقع للذكر والأنثى كما يقال (حمولة) للذكر والأنثى و (ربعة) للذكر والأنثى قال أبو الحسن الأخفش :

قالوا : (فروقة وملولة وحمولة) فألحقوا الهاء حيث أرادوا التكثير كما قالوا (نسّابة وراوية) فألحقوا الهاء حين أرادوا التكثير وقال أبو عمر الجرمي يقال أيضا (فروق) و (ملول) فمن قال (فروقة) و (ملولة) قال (فروقات) و (ملولات) ومن قال (فروق) و (ملول) قال (فرق) و (ملل) كما يقال (صبر) و (غدر) ،

وقال الأخفش : بعض الناس يقولون (رجل صرورة) و (رجال صرورة) فمن قال هذا أجراه مجرى المصدر (وأما فعال فبمنزلة فعول وذلك قولك صناع وصنع وجماد وجمد كما قالوا صبور وصبر) و (الصّناع الحاذق) و (الجماد الممسكة) يقال : (سنة جماد) و (امرأة جماد) إذا كانت بخيلة ومثله من بنات الياء والواو التي الواو عينه نوار ونور وجواد وجود وعوان وعون) فخفف استثقالا للضمة على الواو ، وقوله من بنات الياء والواو ثم لم يأت للياء بمثال لأن إحداهما تغني عن الأخرى وهما كالحيز الواحد.

قال : " وتقول رجل جبان وقوم جبناء وشبهوه بفعيل لأنه مثله في الصفة والزنة والزيادة"

يريد أن" جبان" صفة كما أن ظريف صفة وحرف اللين ساكن فيهما وهو الألف في (جبان) والياء في ظريف وهما زائدان فيهما فجعل (جبناء) بمنزلة (ظرفاء) وقال غيره يقال" امرأة جبان" و" جبانة" وقد جاء في شعر هذيل" أجبان" وسأذكر بابا لما شذ من الجمع في الشعر إن شاء الله.

قال : وأما" فعال" فبمنزلة" فعال" ألا ترى أنك تقول : ناقة (كناز) اللحم

٣٨٣

ويقولون للجمل العظيم : (جمل كناز) ويقولون (كنز) ـ يعني للجمع ـ ويقال (رجل لكاك اللّحم) يعني كثير اللحم وامرأة لكاك) وكذلك يقال في الناقة والجمل وجمعه (لكك) وهو الكثير اللحم ، و (جمل دلاث) و (ناقة دلاث) وهو الماضي السريع والجمع (دلث).

قال : (وزعم الخليل أن قولهم هجان للجماعة بمنزلة" ظراف" وكسّروا عليه" فعالا" فوافق" فعيلا" هاهنا كما وافقه في الأسماء"

قال أبو سعيد : اعلم أن" هجانا" يستعمل للواحد والجمع فيه مذهبان وذكر سيبويه أحدهما دون الآخر فأما الأول منهما وهو الذي ذكره سيبويه أنه يقال (هذا هجان) ومعناه كريم خالص و (هذان هجانان) وهؤلاء هحان) وذلك أن" هجانا" الواحد هو فعال وفعال يجري مجرى فعيل فمن حيث جاز أن يجمع" فعيل" على" فعال" جاز أن يجمع فعال على فعال لاستواء فعيل وفعال.

وأما المذهب الآخر فيقال هذا هجان وهذان هجان وهؤلاء هجان فيستوي الواحد والتثنية والجمع فيجري مجرى المصدر ولم يذكره سيبويه.

وقد ذكره الجرمي قال سيبويه : (وزعم أبو الخطاب أنهم يجعلون الشّمال جمعا وقد قالوا شمائل كما قالوا : هجائن) والشّمال : الخلق وقد قالوا في قول عبد يغوث :

... وما لومي أخي من شماليا ... قالوا شمال هاهنا جمع بمنزلة هجان جمعا" وقالوا درع دلاص وأدرع دلاص" وفيها ما في (هجان) من المذهبين وقالوا (جواد) و (جياد) للجميع لأن جوادا مشبه بفعيل فصار بمنزلة قولك (طويل) و (طوال) واستعملوه بالياء دون الواو كما قال بعضهم (طيال) في معنى (طوال).

قال : وبذلك على أن" هجانا" و" دلاصا" جمع لدلاص وهجان وأنه كجواد وجياد وليس كجنب قولهم (هجانان) و (دلاصان) فالتثنية دليل في هذا النحو.

قال أبو سعيد : قد ظهر من مذهب سيبويه أن" دلاص وهجان" إذا كان للجمع فهو جمع مكسر لدلاص وهجان إذا كان للواحد وأنه ليس فيه مذهب غير ذلك وشبهه بجواد وجياد لينكشف لك قصده فيه ؛ لأن الجواد الذي هو واحد لفظه خلاف لفظ جياد ، الذي هو جمع فقال هجان الذي هو جمع بمنزلة جياد وهجان الذي هو واحد بمنزلة (جواد) وإن اتفق لفظهما واستدل على قوله بالتثنية حين قالوا : (دلاصان) ، ولو كان على مذهب المصدر الذي يستوي فيه التثنية والجمع لكان لا يثنى و (جنب) على مذهبه لا يثنى

٣٨٤

لأنه عنده مصدر ففصل بينهما وقد تقدم القول في (جنب) وما ذكرت فيه عن الأخفش من جواز التثنية والجمع.

قال سيبويه : وأما ما كان" مفعالا" فإنه يكسر على (مثال) (مفاعيل) (كالأسماء) وذلك لأنه شبه بفعول ، حيث كان المذكر والمؤنث فيه سواء ففعل ذلك به كما كسّر" فعول" على" فعل" فوافق الأسماء ولا يجمع بالواو والنون كما لا يجمع فعول وذلك قولك : (مكثار) و (مكاثير) و (مهذار) و (مهاذير) و (مقلات) و (مقاليت).

ـ والمقلات : المرأة التي لا يعيش لها ولد ـ وما كان" مفعلا" فهو بمنزلته لأنه للمذكر والمؤنث سواء فأما" مفعل" فنحو (مدعس) و (مقول) تقول (مداعس) و (مقاول) وكذلك المرأة ـ والمدعس : الجيد الطعن ـ وأما (مفعيل) فنحو (محضير) و (محاضير) و (مئشير) (١) و (مآشير).

قال أبو سعيد : اعلم أن ما كان من هذه الأسماء يستوي فيه المذكر والمؤنث فالباب في جمعه التكسير كقولنا (صبور) و (عجول) للذكر والأنثى و (مفعال) كقولنا (مكثار) و (مهذار) للذكر والأنثى وما كان أيضا ذكره على خلاف بنية أنثاه كقولنا : (أحمر) و (حمراء) و (سكران) و (سكرى) فالباب في جمعه التكسير ولا يجمع المذكر منه بالواو والنون ولا المؤنث بالألف والتاء إلا ما يشذ ويضطر إليه شاعر فيشبهه بغيره من الجموع كقول الكميث :

فما وجدت بنات بني نزار

حلائل أحمرين وأسودينا (٢)

والباب فيه (حمر) و (سود) و (حمران) و (سودان) وإذا كان شيء من ذلك اسما جمع بالواو والنون والألف والتاء تقول في (الأحمر) و (الحمراء) إذا كانا نعتين (حمر) للذكر والأنثى وإن سميت امرأة ب (حمراء) قلت (حمراوات) كما جاء في الحديث" ليس في الخضراوات شيء" (٣) لأنه اسم ولو سميت رجلا ب (أحمر) و (أسود) جاز أن تجمعه

__________________

(١) في اللسان (أشر) : الأشر : المرح ، الأشر : البطر.

(٢) نسبه ابن عصفور أيضا إلى الكميت في المقرب : ٢ / ٥٠ وهو من قصيدة لحكيم بن عياش الكلبي وهو المعروف بالأعور الكلبي من شعراء الشام يهجو بها مضر. انظر ابن يعيش : ٥ / ٦٠ ، الخزانة : ١ / ٨٦ ـ ٣ / ٣٩٥ ، والدرر : ١ / ١٩ ، والأشموني : ١ / ١٣٢.

والشاهد في البيت قوله : أسودين وأحمرين حيث جمع أسود وأحمر جمع مذكر سالم بالياء والنون.

(٣) الحديث أخرجه الترمذي في صحيحه : ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، (باب ما جاء في زكاة الخضراوات)

٣٨٥

جمع السلامة فتقول (الأحمرون) و (الأسودون) كما قالوا (الأشعرون) وإن صغرت شيئا من ذلك جمع بالواو والنون والألف والتاء لو صغرت (حمراء) و (سوداء) وأنت تريد المذكر لقلت (أسيودون) و (أحيمرون) وإن أردت به المؤنث قلت : (حميراوات) و (سويدات).

وما كان مذكره على نية مؤنثه وكان في المؤنث الهاء ولم تكن في المذكر فالباب فيه أن يجمع جمع السلامة ؛ لأن بعضه يجري على الفعل وبعضه بمنزلة ما جرى على الفعل فأما ما جرى على الفعل فقولك (قائم) و (قائمة) و (ذاهب) و (ذاهبة) و (منطلق) و (منطلقة) تقول في جمع (منطلق) (منطلقون) وفي (منطلقة) (منطلقات) وفي قائم (قائمون) وفي (قائمة) (قائمات) وذلك أن هذا الباب لما جرى على الفعل شبه لفظ جمعه بلفظ الفعل الذي يتصل به ضمير الجمع ؛ لأن الفعل يسلم ويتغير ما اتصل به فيجعل" منطلقون" كقولك (ينطلقون) و (مكرمون) بمنزلة (يكرمون) و (قائمون) بمنزلة (يقومون) و (منطلقات) بمنزلة (ينطلقن) و (ذاهبات) بمنزلة (يذهبن) لسلامة لفظ الفعل.

قال سيبويه : وقالوا : (مسكينة) شبهت ب (فقيرة) فصار بمنزلة (فقير) و (فقيرة) وإن شئت قلت : (مسكينون) كما قلت (فقيرون) وقالوا : (مساكين) كما قالوا (مآشير).

وقالوا : أيضا (امرأة مسكين) فقاسوه على امرأة (جبان) وهي" رسول".

وإنما قالوا : (مسكينون) كما قالوا : (مسكين) و (مسكينة).

قال : " وأما ما كان (فعّالا فإنه لا يكسر لأنه تدخله الواو والنون فيستغنى بهما ويجمع مؤنثه بالتاء لأن الهاء تدخله".

قال أبو سعيد : فصلوا بين" فعّال" و" فعول" وهما للمبالغة لأنهم جعلوا (فعّالا) (لمفعّل) في المبالغة و (مفعّل) يجرى على فعّل كقولك (كسّر) فهو (مكسّر) و (حرّك) فهو (محرّك) وتدخله الهاء للمؤنث نحو (محرّكة) و (مكسّرة) وكذلك في (فعّال) يقول للذكر (شرّاب) والأنثى (شرّابة) و (شرّابون) : و (قتّالون) ، و (شرّابات) و (قتّالات).

__________________

برواية" ليس في الخضراوات صدقة". وكذلك أخرجه الدارقطني في سننه ص ٢٠٠ والحديث مرسل ضعيف من كل طرقه.

٣٨٦

وفعّال بهذه المنزلة (رجل كرّام) و (حسّان) و (امرأة كرّامة وحسّانة) قال الشماخ :

 ...

يا ظبية عطلا حسّانة الجيد (١)

وفي جمع المذكر (حسّانون) و (كرّامون) وللأنثى (حسّانات) و (كرّامات) لما كان الفصل بين الذكر والأنثى بالهاء جعلوه بمنزلة ما جرى على الفعل وقالوا : (عوّار) و (عواوير) ـ والعوّار الرجل الجبان ـ وكسّروه لأنهم أجروه مجرى الاسم ؛ لأنهم لا يقولون للمرأة (عوّارة) لأن الشجاعة والجبن في الأغلب من أوصاف الرجال الذين يحضرون الحرب والقتال قال الأعشى :

غير ميل ولا عواوير في الهي

جا ولا عزّل ولا أكفال (٢)

وقال الليث :

لا عواوير في الحروب تنابيل

ولا رائمون بوّ اهتضام (٣)

وشبهوا (عوّار) و (عواوير) ب (نقّاز) و (نقاقيز) والنقّاز : العصفور وفي بعض النسخ من كتاب (سيبويه) (نقّار) و (نقاقير) وهو غلط ذكر أبو حاتم أن النّقّاز سمي بذلك لأنه ينقز وذكره أبو بكر بن دريد في باب الزاي والقاف والنون.

ومفعول بمنزلة فعّال ومما يجمع مجمع السلامة فقيل نحو (الشّريّب) و (الفسيّق) ويقال للمرأة (شرّيفة) و (فسّيقة) ونقول في المفعول (مضروبون) و (مقصودون) وقد يجيء مكسرا تشبيها بغيره كقولهم (مكسور) و (مكاسير) و (ملعون) و (ملاعين) و (مشؤوم) و (مشائيم) و (مسلوخة) و (مساليخ) شبهوها بما يكون من الأسماء على هذا الوزن وقد عرفتك أن باب الأسماء على هذا التكسير فأما مجرى الكلام الأكثر فإنه يجمع بالواو والنون والمؤنث بالتاء كقولهم في المذكر (ملعونون) و (مهزومون).

قال الله عزوجل : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا)(٤) وكذلك جميع ما جرى على الفعل كقولك (مفعل) و (مفعل) إلا أنهم قد قالوا (منكر) و (مناكير) و (مفطر) و (مفاطير)

__________________

(١) هذا شطر بيت صدره :

دار الفتاة التي كنا نقول لها

 ...

انظر الخصائص : ٣ / ٢٦٦ ، المنصف : ١ / ٢٤١ ، ديوان الشاعر ص : ٢١ ، ابن يعيش : ٥ / ٦٦.

(٢) البيت من الخفيف انظر ديوان الشاعر ص : ١١ ، وشرح المفصل : ٥ / ٦٧ ، اللسان (عور).

(٣) البيت من الخفيف سبق تخريجه.

(٤) سورة الأحزاب ، الآية : ٦١.

٣٨٧

و (موسر) و (مياسير) والباب الأكثر السلامة.

ومعنى قول سيبويه : شبهوها بما يكون من الأسماء على هذا الوزن وقد قال في الأبنية : إن مفعولا لم يجئ في الأسماء فمعنى قوله شبهوها بما يكون من الأسماء على هذا الوزن يريد بما كان على خمسة أحرف ورابعه حرف من حروف المد واللين مما يكون على فعلول أو مفعول كقولنا : (بهلول) و (بهاليل) و (مغرود) و (مغاريد).

(وفعّل بمنزلة فعّال نحو (زمّل) و (جبّأ) والزّمّل الضعيف والجبّأ الجبان ـ يجمع فعّل بالواو والنون ومؤنثه بالتاء وكذلك فعّيل كقولنا زمّيل و (سكّيت) قال : وأما مفعل الذي لا تدخله الهاء في المؤنث وأكثر ذلك مما يختص به المؤنث فإنه يكسر كقولك :

(مطفل) و (مطافل) و (مشدن) و (مشادن) والمطفل : الأم التي معها طفل.

والمشدن : الظبية التي قد شدن غزالها شبهوا هذا بالصّعود والسّلوب لما لم تدخل فيه الهاء وقد يجيء من هذا الباب بالهاء قالوا : (مثل) و (مثلية) للتي تدخل فيه الهاء) وقد يجيء من هذا الباب بالهاء قالوا : (متل) و (متلية) للتي يتلوها وولدها و (مجر) و (مجرية) وإنما أثبتوا الهاء ؛ لأنه معتل ولو أسقطوا الهاء لسقطت الياء في قولهم : (متل) و (مجر) (١) فكرهوا الإخلال بحذف علم التأنيث وعرف من نفس الكلمة وأما فيعل فبمنزلة" فعّال" نحو (قيّم) و (سيّد) و (بيّع) يقولون للمذكر : (بيّعون) وللمؤنث (بيّعات) لأنه يقال للمذكر (سيّد) وللمؤنث (سيّدة) و (ميّت) و (ميّتة).

وربما كسر بعض ذلك قالوا (ميّت) و (أموات) شبهوا" فيعل" بفاعل حين قالوا (شاهد) و (أشهاد) (ومثل ذلك قيل وأقيال) وأصل (قيل) (قيّل) من القول وهو الملك وأصله (قيول) وإنما قيل له (قيل) لأنه قوله نافذ في جميع ما يقول وذكر سيبويه" أقيال" وفي بعض الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى الأقيال العباهلة ، و (كيس) و (أكياس) قال (فلو لم يكن الأصل" فيعل" لما جمعوا بالواو والنون فقالوا (قيلون وكيسون) .. و (ميتون) لأنه ما كان على (فعل) فالتكسير فيه أكثر نحو (صعب) و (صعاب) و (خدل) و (خدال). أراد سيبويه أن ما كان من المخفف عن (فيعل) إنما جاء جمعه سالما لأنه بمنزلة (فيعل) والباب في (فيعل) جمع السلامة لأنه بمنزلة (فاعل) ومثله (هين) و (هينون) و (لين) و (لينون) لأن أصله (فيعل) ولكن خفف وحذف منه فلو كان قيل وكيس فعلا ولم يكن

__________________

(١) في اللسان (تلا) : ناقة متل ومتلية : يتلوها ولدها أي يتبعها.

وأيضا (جرو) : وكلية مجر ومجرية أي ذات جرو.

٣٨٨

أصله (فيعل) لكان التكسير أغلب عليه.

ويقولون للمؤنث (أموات) فيوافق المذكر كما وافقه في بعض ما مضى ومثل ذلك (امرأة حيّة) و (أحياء) كما يقال (رجل حيّ) والجميع (أحياء) و (نضوة) و (أنضاء) و (نقضة) و (أنقاض) كأنك كسرت (نقض) إذا كسرت فكأن الحرف لا هاء فيه وقالوا (هيّن) و (أهوناء) وذكر الجرمي (جيّد) و (أجوداء) وهذا مما يحتج به الفراء أن (ميّت) و (سيّدا) أصله فعيل لأن فعيلا تجيء على أفعلاء فلما قالوا (هيّن) و (أهوناء) و (جيّد) و (أجوداء) دل على أن الواحد (فعيل) ولا حجة له في ذلك من وجهين أحدهما أنهم قد يجمعون الشيء على غير بابه كجمعهم فاعل على فعلاء قالوا (شاعر) و (شعراء) و (جاهل) و (جهلاء) وإنما فعلاء من جمع فعيل وقد قالوا : (جبان) و (جبناء) فحملوا" فاعل وفعال" على" فعيل" لاشتراكهن في أربعة أحرف فيها حرف من حروف المد واللين ، والوجه الثاني أن باب (ميّت) و (سيّد) لا يجمع جمعا مطردا كجمع" فعيل" المعتل ولا فعيل الصحيح وإنما يجمع جمع السلامة وهو الكثير فيه. وجمع التكسير على وجوه مختلفة ولم يلزم طريقا واحدا لأن (فيعل) ليس له نظير في الصحيح وهو أكثر الكلام فعل النظير الذي يحمل عليه. قالوا (سيّد) و (سادة) فعلة وهو من جمع فاعل ، كما قالوا : (قائد) و (قادة) و (حائك) و (حاكة).

وقالوا (ميّت) و (أموات) وهو من جمع فعل كما يقال (أثواب) و (أحواض) وما أشبه ذلك فكان (أهوناء) في جمعه على فيعل كسادة في حمله على فاعل.

قال : (ونضّوة ونسوة ونسوان) كأن الهاء لم تكن في الكلام يريد أنهم قالوا في (نضوة) : (أنضاء) كما قالوا : (نقضة) و (أنقاض) وقالوا : في نسوة (نسوان) كما قالوا في (ريد) : (ريدان) وهو فرخ الشجرة وقالوا : (شفذ) و (شفذان) وهو ولد الحرباء كأن الهاء لم تكن في (نضوة) ولا (نسوة).

قال : (وأمّا ما ألحق (من) بنات الثلاثة ببنات الأربعة فأنه يكسر كما تكسر بنات الأربعة ـ وتكسيرها بأن تزاد الألف ثالثة ويفتح أولها ويكسر ما بعد الألف ـ وذلك (قسورة) و (قساور) و (توأم) و (توائم) الواو فيهما زائدة وكذلك (غيلم) و (غيالم) وألحق ذلك ب (سملق) و (سمالق) و (قشعم) و (قشاعم) ، وأفعل بهذه المنزلة إذا كان اسما نحو (أجرب) و (أجارب) و (أبطح) و (أباطح) وقد جاء شيء من (فيعل) في المؤنث

٣٨٩

والمذكر سواء قالوا : (ناقة ريّض) وهي الصّعبة التي تراض قال الراعي : (١)

وكأنّ ريّضها إذا ياسرتها

كانت معوّدة الرّحيل ذلولا (٢)

طرحوا الهاء منها كما طرحوا من (سديس) و (جديد) ويجوز أن يكون طرح الهاء منها تشبيها بامرأة (قتيل) و (جريح) لأنها في معنى (مروضة) مفعول بها.

قال : وأما (أفعل) إذا كانت صفة كسّرت على فعل ولا يضم الثاني منه وذلك (أحمر) و (حمر) وأخضر و (خضر) ، إلا أن يضطر شاعر فيقول (خضر) و (حمر) وقد ذكرنا ذلك ويكسر أيضا على" فعلان" كقولك (حمران" ، و (سودان) و (بيضان) و (شمطان) و (أدمان) والمؤنث مثل المذكر كقولك (حمراء) و (حمر) و (صفراء) و (صفر) " ولا يجمع جمع السلامة إلا أن يضطر شاعر وقد ذكرنا ذلك ورأيت ابن كيسان يذكر أنه لا يرى بأسا بذلك وقد مضى شرح تعليله.

قال سيبويه : وأما الأصغر والأكبر فإنه يكسر على (أفاعل) ألا ترى أنك لا تصف به كما تصف بالأحمر لا تقول (رجل أصغر ولا رجل أكبر).

قال أبو سعيد : اعلم أن الأفعل الذي فيه معنى التفضيل له أحكام يبين بها من" أفعل" الذي يستعمل منكورا.

وأفعل الذي يستعمل منكورا في أول وضعه على (أضرب) منها أن يكون (أفعل وأنثاه فعلاء) وليس فيه تفضيل شيء على شيء وإنما هو صفة صيغ لشيء من أجل لونه وما يجري مجرى اللون كقولنا (أحمر وحمراء) و (أحمق وحمقاء) و (أشتر وشتراء).

أو يكون" أفعل" صفة يكون مذكره بغير هاء ومؤنثه بالهاء كقولنا (رجل أرمل وامرأة أرملة).

أو يكون فيه تفضيل شيء على شيء ويلزمه (من) كقولنا : زيد أفضل من عمرو ومررت برجل أفضل منك.

ومنها أن يكون اسما غير صفة كقولنا أفكل للرعدة وأيدع لصبغ.

فإذا أدخلت الألف واللام على" أفعل" الذي للتفضيل سقطت (من) كقولنا مررت

__________________

(١) هو حصين بن معاوية ابن بني نمير ، وكان يقال لأبيه في الجاهلية الرئيس وسمي الراعي ؛ لأنه كان يكثر من وصف الرعاة في شعره وهجاه جرير ؛ لأنه اتهمه بالميل إلى الفرزدق.

(٢) انظر ديوانه : ١٢٧ ، جمهرة أشعار العرب : ١٧٣ ، اللسان (روض). والشاهد (ريض) بدون هاء للمؤنث.

٣٩٠

بالأفضل والأشرف والأطول والأصغر والأكبر.

ولا يستعمل إلا بالألف واللام أو الإضافة لا يقال مررت برجل أفضل.

ويجري مجرى الأسماء في جمعه ويخالف أفعل الذي أنثاه فعلاء وأفعل منك في جمعه وفي مؤنثه وذلك أن مؤنث الأفعل الذي تلزمه الألف واللام الفعلى كقولك الأفضل والفضلى والأعزّ والعزّى ويجمع الأفعل منه جمع السلامة والتكسير فجمع السلامة كقولك الأكبر والأكبرون.

قال الله عزوجل : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)(١) وجمع التكسير كقولك الأكابر والأصاغر ، قال الله عزوجل : (الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(٢) ويقال في جمع المؤنث السالم (الفضلّيات) و (الطّوليات) وفي التكسير : " الفضل" و (الطّول) ومنه قيل : (السّور الطّول) يعنون البقرة وستّ السّور بعدها والقصائد الطّول الواحدة (الطّولى) وإنما حسن جمع السلامة فيه والتكسير ؛ لأنه لمّا لم ينكر نقص بذلك عن مجرى الصفات فأجرى مجرى الأسماء الأعلام والأسماء لا تمتنع من السلامة إذا كانت للآدميين ولذلك كسر على الأفاعل كما قالوا الأجادل والأداهم والأباطح ، وأفعل إذا كان معه منك فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث نقول مررت برجل أفضل منك ورجلين أفضل منكما وامرأة أفضل منك ونساء أفضل منكن وقد جمعوا آخر على جمع السلامة فقالوا : الآخرون ولم يقولوا (الأواخر) كراهة أن تلتبس بجمع آخر.

قال : وأما" فعلان" إذا كان صفة وله (فعلى) فإنه يكسر على" فعال" بحذف الزيادة التي في آخره كما حذفت ألف إناث وألف (رباب) وذلك كقولك (عجلان) و (عجال) و (عطشان) و (عطاش) و (غرثان) و (غراث) وكذلك مؤنثه (وافقه) كما وافق فعيل فعيلة ، كأنهم طرحوا الألف والنون من عجلان وعطشان وألف التأنيث من عجلى وعطشى وبقي عجل وعطشى فكسر على فعال كما قالوا : (خدل) و (خدال) و (صعب) و (صعاب) وقد كسر على (فعالى) كقولهم (سكران) و (سكارى) و (حيران) و (حيارى) و (خزيان) و (خزايى) و (غيران) و (غيارى) وكذلك المؤنث يعني (سكرى) و (سكارى) ، و (حيرى) و (حيارى) كأنهم شبهوا الألف والنون بألفي التأنيث فقالوا

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية : ١١١.

(٢) سورة هود ، الآية : ٢٧.

٣٩١

(سكران) و (سكارى) كما قالوا (صحراء) و (صحارى) وفي المؤنث (سكرى) و (سكارى) كما قالوا (حبلى) و (حبالى) وقد يضمون الأول من بعض ذلك قالوا (سكارى) و (عجالى).

وإنما كسروا من جمع" فعلان" خاصة دلالة على أنه جمع هذا الضرب اختصاصا له ولا يجمع بالواو والنون ولا مؤنثه بالألف والتاء كما لم يفعلوا ذلك في باب (أحمر) و (حمراء) وقد ذكرنا علة ذلك إلا أن يضطر شاعر إليه. وما كان في مؤنثه الهاء وفي آخره ألف ونون زائدتان فقد يجمعون مذكره ومؤنثه على فعال كأنهم اطّرحوا ما فيه من الزيادة كقولهم : (ندمانة وندمان) وفي الجمع (ندام) وقالوا : (ندامى) كما قالوا (عبالى) و (سكارى) و (خمصانة) و (خمصان).

ومن العرب من يقول (خمصان) ومما جرى مجرى هذا من الأسماء فشبه بالصفة كما تشبه الصفة بالاسم قولهم : (سرحان) و (سراح) و (ضبعان) و (ضباع) ، والضّبعان ذكر الضبع كأنهم طرحوا الألف والنون منهما وجمعوا الصدر على فعال ورأيت بعض أهل اللغة يقول في (ضباع) : أنه مشتمل على جمع (الضّبع) و (الضّبعان) وأنه غلب المؤنث فيه على المذكر.

قال : لأن المؤنث في الكلام لفظها يزيد على لفظ المذكر بعلامة التأنيث ولفظ المذكر في هذا يزيد على المؤنث فلما حملوا المؤنث على المذكر في غيره حملوا المذكر على المؤنث فيه لنقصان اللفظ.

قال سيبويه : وإن شئت قلت في (خمصان) (خمصانون) وفي (ندمان) (ندمانون) لأنك تقول في المؤنث (ندمانات) و (خمصانات وكذلك في (عريان) (عريانون) وفي (عريانة) (عريانات) لدخول الهاء في المؤنث وخروجها من المذكر (وهذا) ما حسن فيه جمع السلامة ولم يقولوا في (عريان) (عراء) استغنوا ب (عراة) لأن (عريان) في معنى (عار) و (عراة) من جمع فاعل واستغنوا به.

قال : " وقد يكسّرون" فعل" على فعالى لأن" فعلا" وفعلان يجتمعان في معنى كقولهم (رجل عجل وسكر) في معنى (عجلان وسكران) فمن أجل ذلك قالوا (حذر) و (حذارى) و (بعير حبط) و (إبل حباطى) كأنهم قالوا : (حذران) و (حبطان) وإن لم يتكلم به والحبط المنتفخ الجوف ، وقالوا (رجل ورجل الشعر) و (قوم رجالى) وقال بعضهم (رجلان) و (امرأة رجلى) وقالوا : (رجال) كما قالوا (عجال) ويقال (شاه

٣٩٢

حرمى) و (شياه حرام) و (حرامى) كما قالوا (عجلى) وللجميع (عجال) و (عجالى) وليس (لحرمى) ذكر لأن الحرام شهوة الأنثى ، إلا أنهم أجروه مجرى ما ذكره (حرمان).

قال : (وأما" فعلاء" فهي بمنزلة" فعلة" من الصفات كما كانت" فعلاء" بمنزلة (فعلة) من الأسماء وذلك قولك (نفساء) و (نفساوات).

وقد حكى أبو عبيدة عن العرب أنهم يقولون : (نفساء) و (نفساوات) و (عشراء) و (عشراوات) و (نفاس) و (عشار) كما قالوا : (ربعة) و (ربعات) و (رباع) شبهوها بها ، لأن البناء واحد ولأن آخره علامة التأنيث كما أن آخر هذا علامة التأنيث).

يريد أن (ربعة) مثل (نفساء) في التأنيث وإن أحدهما بالهاء والآخر بالألف.

قال : " وليس شيء من الصفات آخره علامة التأنيث يمتنع من الجمع بالتاء غير" فعلاء" أفعل وفعلى فعلان وافقن الأسماء كما وافق غيرهن من الصفات الأسماء"

يعني وافقت الصفات التي تجمع بالألف والتاء الأسماء في جمع السلامة ومما جرى مجرى الأسماء قولهم : (بطحاوات) لأنها جرت مجرى الأسماء حين حسن أن نقول (الأبطح) و (البطحاء) ولا يذكر المكان كما قالوا (صحراوات) وقالوا في (الأبطح) : (الأباطح) حيث ضارع الأسماء.

ومن العرب من يقول (نفاس) كما يقول (رباب) الواحدة (ربّى) وقالوا (بطحاء) و (بطاح) كما قالوا (صحفة) و (صحاف) و (عطشى) و (عطاش).

هذا الذي في أصل كتابي الذي قرأت منه على أبي بكر بن السراج.

وفي كتاب أبي بكر محمد بن علي مبرمان ـ وهو أشبه بالصواب ـ : " ومن العرب من يقول : (نفاس) كما تقول : (رباب) وقالوا : (بطحاء) و (بطاح) كما قالوا : (صحفة) و (صحاف) ".

فهذا كلام منتظم يتصل به" صحاف".

ويقويه به أيضا إنه ذكر" نفاس" و (عشار) قبل هذا بأسطر.

قال سيبويه : " وقالوا برقاء وبراق كقولهم : شاة حرمى وحرام وحرامى) كأنهم جعلوا ألف التأنيث بمنزلة الهاء فصار كأنه برقة وحرمة ، وهو صحفة وجفنة.

قال : وأما فعيل إذا كان في معنى مفعول ، فهو في المؤنث والمذكر سواء وهو بمنزلة فعول ، (ولا تجمعه بالواو والنون كما لا تجمع فعول) لأن قصته كقصته فإذا

٣٩٣

كسرته كسرته على فعلى وذلك قولك (قتيل) و (قتلى) و (جريح) و (جرحى) و (عقير) و (عقرى) و (لديغ) و (لدغى).

قال أبو سعيد : اعلم أن" فعيلا" إذا كان في معنى مفعول لم تدخله الهاء في المؤنث كما لا تدخل في فعول ولا يجمع بالواو والنون ، لأنهم لو جمعوا بالواو والنون لوجب أن يجمع المؤنث بالألف والتاء فيقال (قتيلون) و (قتيلات) فينفصل في الجمع المذكر من المؤنث فكرهوا فصل ما بينهما في الجمع وقد اتفقا في الواحد وهذه العلة تجري في كل ما كان الباب فيه أن يتفق لفظ المؤنث والمذكر وقد مضى نحو من هذا واستواء (فعول) ، و (فعيل) الذي ذكره سيبويه إنما هو في حذف الهاء واستواء لفظ المذكر والمؤنث.

وأما جمعه على فعلى فليس يجمع من ذلك على فعلى إلا ما كان من الآفات والمكاره التي يصاب بها الحي وهو كاره حتى صار هذا الجمع (يأتي أيضا لغير) فعيل الذي في معنى مفعول إذا شاركه في معنى المكروه وسيتضح من كلام سيبويه ما يتبين لك ذلك إن شاء الله تعالى وما يخرج عن القياس الذي ذكرناه ويشذ.

قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقول (قتلاء بني أسد) يشبّهه بظريف وزيادته وذكر في غير هذا الموضع أسير و (أسراء) لأنه في معنى (مأسور) وتقول (شاة ذبيح) كما تقول (ناقة كسير) وتقول هذه (ذبيحة فلان) و (ذبيحتك) وذلك أنك لم ترد أن تخبر أنها قد ذبحت ، ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حيّة وإنما هي بمنزلة (ضحيّة) وتقول (شاة رميّ) إذا أردت أن تخبر أنها قد رميت وقالوا (بئست الرّميّة) الأرنب إنما تريد بئس الشيء مما يرمى فهذه بمنزلة الذّبيحة"

قال أبو سعيد : اعلم أنهم يدخلون الهاء في فعيل الذي في معنى مفعول على غير القصد إلى وقوع الفعل به وحصوله فيه ومذهبهم في ذلك الإخبار عن الشيء المتخذ لذلك الفعل والذي يصلح له كقولهم (ضحيّة) للذكر والأنثى ويجوز أن يقال ذلك من قبل أن يضحى به و (ذبيحة فلان) لما قد اتخذه للذبح وقولهم (بئس الرّميّة) الأرنب أي الشيء الذي يرمى سواء (رمي) أم لم (يرم) ولم أر أحدا علله في كتاب ، والعلة عندي أن ما قد حصل فيه الفعل يذهب به مذهب الأسماء وما لم يحصل فيه ذهب به مذهب الفعل لأنه كالفعل المستقبل. ألا ترى أنك تقول امرأة حائض فإذا قلت (حائضة) غدا لم يحسن فيه غير الهاء ونقول (زيد ميّت) إذا حصل فيه الموت ولا تقل (مائت) وإذا أردت المستقبل قلت (زيد مائت) غدا فتجعل فاعلا جاريا على فعل.

٣٩٤

وذكر غير سيبويه (شاة ذبيح) و (امرأة ذبحى) فيما قد ذبح. وفي (ضحيّة) أربع لغات : يقال (أضحيّة) و (إضحيّة) وجمعها (أضاحيّ) وإن شئت خففت فقلت (أضاحي) و (ضحيّة) و (ضحايا) كما يقال (مطيّة) و (مطايا) و (أضحاة) و (أضحّى) من باب الجمع الذي بينه وبين واحدة الهاء وبذلك سمي الأضحى أي يوم هذه الذبائح. وقالوا : (نعجة نطيح) ويقال (نطيحة) شبهوها (بسمين وسمينة) يعني شبهوا نطيحة وهي في معنى مفعول بسمينة وهي في معنى فاعل والباب في المفعول ألّا تلحقه الهاء.

قال سيبويه : وأما الذّبيحة فبمنزلة (القتوبة) و (الحلوبة) وإنما تريد هذه مما يقتبون ، وهذه مما (يحلبون) فيجوز أن تقول (قتوبة) ولم (تقتب) و (ركوبة) ولم (تركب) وكذلك (فريسة الأسد) بمنزلة (الضّحيّة) وكذلك" أكيلة".

يعني أن هذه أشياء دخلتها الهاء لأنها متخذة لهذه المعاني وإن لم يقع بها الفعل وكذلك (أكيلة) كأنها متخذة للأكل.

قال : وقالوا : (رجل حميد) و (امرأة حميدة) شبه بسعيد وسعيدة ، حيث كان نحوهما في المعنى واتفق في البناء كما قالوا (قتلاء) و (أسراء) فشبهوها ب (ظرفاء) يعني أدخلوا الهاء في (حميدة) وهي في معنى (محمودة) لأن (الحمد) يشتهيه المحمود ويجتلبه فصار بمنزلة ما هو (فعلة) وشبه ب (سعيدة) و (رشيدة) لأنه يقال (سعدت) و (رشدت) وأما من يقول (سعدت) فهي (سعيدة) فهو بمنزلة (حميدة).

(وقالوا عقيم وعقم شبهوها بجديد وجدد) وعقيم (فعيل) في معنى (مفعولة) يقال (عقمت المرأة فهي عقيم ومعقومة) ، وكان حد الجمع في ذلك" عقمى" ولكن شبهوه ب (جديد) و (جدد) وهو في معنى (فاعل). على ما دل عليه كلام سيبويه في هذا الموضع وفيما قبله ومثله (نذير) و (نذر).

وبعض الناس يجعل (جديدا) في معنى مفعول ويتأول فيه أن معناه قريب عهد بالفراغ منه بقطعه. يقال : (جدّ الشيء) إذا قطع و (جدّ الحائك الثوب) إذا قطعه.

واستدل أيضا على ذلك بأنه يقال (ملحفة جديدة) كما يقال : (امّرأة قتيلة) وقال المحتج عند سيبويه : إنه (قد يلفظ بلفظ مذكر للمذكر والمؤنث) في الشيء الذي يكون الباب فيه إدخال الهاء على المؤنث كقولهم للرجل (صديق) وللمرأة (صديق) وقولهم (ميت) للرجل والمرأة وإن كان الباب فيه (ميتة) وقالوا (حزين) إذا أرادوا به المكان أو أرادوا به البقعة.

٣٩٥

قال : ولو قيل إنها لم تجئ على فعل كما أن حزين لم يجئ على (حزن كان مذهبا) يعني أن قائلا لو قال لم تجئ (عقيم) على (عقم) كما أن حزين لم يجئ على حزن (لكان مذهبا) إذ كانوا يقولون (رجل حزين) و (امّرأة حزينة).

قال : ومثله مما جاء على فعل لم يستعمل : مريّ ومريّة) يقولون (ناقة مريّ ومريت) والفعل منه (مريت) وكان حقها (مريّ) مثل (قتيل) ولكنها جاءت على الفعل لها و (المريّ) التي تمسح لتدرّ.

قال سيبويه : (وقال الخليل : إنما قالوا : (مرضى وهلكى وموتى وجربى) وأشباه ذلك لأن هذا أمر يبتلون به وأدخلوا فيه وهم كارهون له فلما كان المعنى معنى المفعول كسروه على هذا).

قال أبو سعيد : الباب فيما يجمع على" فعلى" أن يكون" فعله" ما لم يسم فاعله مثل" قتيل" و" جريح" و" عقير" والجمع فيه" قتلى" و" جرحى" و" عقرى" فإذا جاء ما يسمى فاعله من الآفات كان محمولا على (قتلى) و (جرحى) (وقد قالوا : هلّاك وهالكون فجاءوا به على قياس هذا البناء).

يعني جاءوا على قياسه الصحيح المستقيم وهو (هلك) فهو (هالك) وجمعه المكسر (هلّاك) وجمع السلامة (هالكون) فهذا هو الأصل وقوله (لم يكسروه على هذا المعنى) يعني معنى الآفة حين قالوا : (هلّاك). وقوله (إذ كان بمنزلته في البناء وفي الفعل) يعني بمنزلة فاعل في بنائه وفي الفعل ، في (هلك يهلك) فصار بمنزلة (ضارب) و (ضرّاب) و (ضاربون) (وهو على هذا أكثر في الكلام). ألا تراهم قالوا" دامر ودمّار ودامرون وضامر وضمّر ولا يقولون : ضمرى) لأن" فعّل" قد يجئ في بعض الجمع المكسر وفعّال قد يجئ في بعضه (ومثل الهلّاك ومرّاض وسقّام ولم يقولوا سقمى) لأن القياس في مثل (سقيم) و (مريض) : (سقام) و (مراض) كما تقول (ظريف) و (ظراف).

وقالوا : (رجل وجع وقوم وجعى) كما قالوا : (هلكى للآفة) وقالوا : (وجاعى).

كما قالوا : (حباطى) و (حذارى) وكما قالوا : (بعير حبج) و (إبل حباجى).

وقالوا : (قوم وجاع) كما قالوا (بعير) جرب ، و (إبل جراب) جعلوها بمنزلة (حسن وحسان) فوافق فعل فعلا هنا كما يوافقه في الأسماء.

يعني أنه قد جاء" فعالى" في الآفات كما جاء" فعلى" وليس" فعالى" في الآفات بالكثير وإنما" فعالى" فيما كان واحده فعل يحمل على" فعلان" لأن" فعلان" ، و (فعل)

٣٩٦

يشتركان كثيرا كقولهم : (عطش) و (عطشان) و (عجل) و (عجلان) وقد ذكرنا" فعل" في باب" فعلان" وموافقة فعل فعلا أنك تقول (حسن وحسان) كما تقول (جرب وجراب) ووافقه أيضا أنك تقول : (بطل وأبطال) كما تقول (نكد وأنكاد) فهذا في الصفات. وأما في الأسماء فقولك : " جمل وأجمال" كما تقول : (كتف وأكتاف).

وقولك : (أسد وأسود) كما تقول (نمر ونمور).

قال سيبويه : وقالوا : مائق (موقى) ، وأحمق وحمقى ، وأنوك و" نوكى" وذلك لأنهم جعلوه شيئا قد أصيبوا به في عقولهم كما أصيبوا ببعض ما ذكرنا في أبدانهم. وقالوا (أهوج) و" هوج" فجاءوا به على القياس و" أنوك" و" نوك" ، وقالوا" رجل سكران" و" امّرأة سكرى" وذلك أنهم جعلوه كالمرضى ، وقالوا : " رجال روبى" جعلوه بمنزلة" سكرى" والرّوبى : الذين استثقلوا نوما شبهوه بالسكران وقالوا للذين قد أثخنهم السفر والوجع" روبى" أيضا والواحد" رائب" وقالوا" زمن" و" زمنى" و" هرم" و" هرمى" و" ضمن" و" ضمنى" كما قالوا" وجعى" لأنه بلاء ضربوا به فصار في التكسير لذا المعنى ك" كسير وكسرى" و" رهيص ورهصى" و" حسير وحسرى" وإن شئت قلت : " زمنون" و" هرمون".

والضّمن : الزّمن والرّهيص : الذي أصابته الرّهصة وهو داء في الرّجل في رجل الفرس والحسير : المعيى (وقالوا أسرى كما قالوا هلكى وأسارى) كما قالوا (كسالى) وقد تقدم أن فعالى قد يجرونه لما كان بليّة وآفة وإن لم يطرد اطراد فعلى.

وقالوا وج ووجيا للجمع والوجي هو الحفي والجمع" وجيا" كما قالوا زمن وزمنى وأجروا ذلك على هذا المعنى) كما أنهم قالوا (حميدة) فأخرجوها من باب فعل فجاءوا بها على المعنى لأن المفعول هنا يطلب ما فيه ويرغب فيه وبفعله فأخرجت إلى باب فعيلة التي نقول فيها (فعلت) وكذلك قلت : (حميدة) فجعلتها بمنزلة (ظريفة) يريد أنهم قالوا : (زمن وزمنى) فجمعوه على (فعلى) وهو (فاعل) لأن ذلك الفعل إذا كان له في اللفظ فهو شيء أصيب به ولا يريده فأجرى مجرى (قتيل) و (جريح) كما أجرى (حميدة) وإن كانت (مفعولة) مجرى الفاعل لأنها تريد الحمد وتطلبه وترغب فيه.

قال سيبويه : " وقد قالوا ساقط وسقطى كما قالوا مائق وموقى وفاسد وفسدى وليس يجيء في كل هذا المعنى لم يقولوا (نجلى) ولا سقمى لأنه ليس الباب فيما كان فاعلا في اللفظ أن يقال في جمعه" فعلى".

٣٩٧

قال : (وقد جاء شيء منه كثير) على فعالى قالوا" يتامى" شبهوه ب (وجاعى) و (حباطى) لأنها مصائب قد ابتلوا بها فشبهت بالأوجاع) (حين جاءت على فعلى) وقد عرفتك أن" فعالى" يجيء في التقدير جمعا لفعلان وتكون الألف والنون بمنزلة ألفي التأنيث (كأنهم) قالوا : (يتمان) و (يتامى) كما نقول (ندمان) و (ندامى) و (وجعان) و (وجاعى) و (حبطان) و (حباطى) وإنما قال :

(يتامى) شبهوه ب (وجاعى) وجعل (وجاعى) هو لأن واحده : (وجع) وواحد (حباطى) : (حبط) وفعل يكون في معنى" فعلان" وليس يكون في (يتيم) (يتم).

قال سيبويه : (وقالوا : " طلحت النّاقة" و (ناقة طليح) شبهوها ب" حسير" لأنها قريبة من معناها وليس ذا بالقياس لأنها ليست" طلحت" فإنما هي ك" مريضة" و (سقيمة) ولكن المعنى أنه فعل ذا بها كما قالوا : (زمنى) والحمل على هذه الأشياء ليس بالأصل ولو كان أصلا لقبح" هالكون" و" زمنون" ونحو ذلك).

يعني أن قولهم (طلحت الناقة) ـ معناه أعييت ـ يوجب أن يقال" طليحة" ، لأن الفعل لها كما تقول : (مرضت) فهي (مريضة) ، و (سقمت) فهي (سقيمة) ولكنه لما كان الإعياء شيئا يصيب الإنسان من غير شهوة ولا اختيار شبه بالفعل الذي لم يسم فاعله فأشبه (جرحت) فهي (جريح) ونحو ذلك. وقوله : ولو كان أصلا لقبح (هالكون) و (زمنون) يعني لو كانت هذه الأشياء التي وضعت على" فعلى" وواحدها غير فعيل الذي بمعنى مفعول (أصلا) لقبح أن يقال (هالكون) و (زمنون) وذلك فعيل الذي بمعنى مفعول نحو (قتيل) و (جريح) يستوي فيه الذكر والأنثى ولا تدخله الهاء للمؤنث وما كان هذا سبيله فليس الباب أن يجمع جمع السلامة وقد مضى هذا وقولهم (هالك) و (هلكى) و (زمن) و (زمنى) و (مريض) و (مرضى) قد حمل على (جريح) و (قتيل) لأنه شيء أصابه وهو كاره فكان الواحد (هليك) ، و (زمين) في معنى (مهلوك) كما يقال (قتيل) و (جريح) في معنى (مقتول) و (مجروح) وهذا ليس يقاس لفظه لأن لفظة (هالك) للمذكر و (هالكة) للمؤنث ، و (زمن) للمذكر و (زمنة) للمؤنث و (مريض) للمذكر و (مريضة) للمؤنث. وما كان هذا سبيله فجمع السلامة مستحسن فيه ، وإنما يقال (مرضى) و (هلكى) حملا على المعنى الذي ذكرته لك.

فقال سيبويه : حمل هذه الأشياء على المعنى ليس (بالأصل ولو كان) بالأصل لقبح جمع السلامة كما يقبح في (قتيل) و (جريح) فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

٣٩٨

هذا باب بناء الأفعال التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها

قال سيبويه : " فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية : على فعل يفعل ، وفعل يفعل ، (وفعل يفعل). ويكون المصدر فعلا ، والاسم فاعلا. فأما فعل يفعل ومصدره فقتل يقتل قتلا ، والاسم قاتل ، وخلقه يخلقه خلقا ، والاسم خالق ، ودقه يدقه دقا ، والاسم داق. وأما فعل يفعل فنحو : ضرب يضرب ، وهو ضارب ، وحبس يحبس وهو حابس. وأما فعل يفعل ومصدره والاسم فنحو : لحس يلحس لحسا وهو لاحس ، ولقمه يلقمه لقما وهو لاقم ، وشربه يشربه شربا وهو شارب ، وملجه يملجه ملجا وهو مالج".

ومعناه مصه يمصه ، ورضعه ، ومنه ما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أنه قال) : (لا تحرّم إلا ملاجة وإلا ملاجتان) (١) ، يريد الرضعة والرضعتين" وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فعول" ، يعني ما يتعدى ، وذلك : لزمه يلزمه لزوما ، ونهكه ينهكه نهوكا ، ووردت الماء ورودا ، وجحدته جحودا ، شبهه بجلس جلوسا ، وقعد قعودا ، وركن يركن ركونا".

شبهوا ما يتعدى بما لا يتعدى.

" لأن بناء الفعل واحد ، وقد جاء مصدر فعل يفعل ، وفعل يفعل على فعل ، وذلك : حلبها يحلبها حلبا ، وطردها يطردها طردا ، وسرق يسرق سرقا. وقد جاء المصدر على فعل أيضا ، وذلك : خنقه يخنقه خنقا ، وكذب يكذب كذبا ، وقالوا : كذابا ، (فجاءوا به على فعال ، كما جاءوا به على فعول. ومثله) حرمه يحرمه حرما ، وسرقه يسرقه سرقا. وقالوا : عمله يعمله عملا ، فجاء على فعل كما جاء السرق والطلب. ومع ذا أن بناء فعله كبناء فعل الفزع ، فشبه به"

قال أبو سعيد ـ (رحمه‌الله) ـ : ذكر سيبويه هذه المصادر المختلفة في الأفعال المتعدية ، والأصل فيها عنده أن يكون المصدر على فعل ، بل الأصل في الأفعال كلها الثلاثية أن تكون مصادرها على فعل ، لأنه أخف الأبنية ، ولأنا نقول فيها كلها إذا أردنا المرة الواحدة فعله ، كقولنا : جلس جلسة ، وقام قومة ، وفعل هو جمع فعلة ، كما يقال : تمرة وتمر ، فيكون الضرب من الضربة كالتمر من التمرة ، وما خرج عن هذا فهو الذي

__________________

(١) قاله ابن سيده في المخصص : ١٤ / ١٣١.

٣٩٩

يذكره. فقد ذكر فعل وفعل ، ثم قال في عمله يعمله عملا : أنهم شبهوه بالفزع الذي هو مصدر فزع ، وفزع لا يتعدى. والباب في فعل الذي لا يتعدى إذا كان فاعله يأتي على فعل أن يكون مصدره على فعل كقولنا : فرق فرقا فهو فرق ، وحذر يحذر حذرا فهو حذر ، فشبّه بالعمل ، وهو مصدر فعل يتعدى بالفزع ، وهو مصدر فعل لا يتعدى ، لاستواء لفظ فزع وعمل ، وإن اختلفا في التعدّي ، وحمل الطلب والسّرق على العمل.

" وقد جاء المصدر على نحو الشّرب والشغل ، وعلى فعل ، كقولنا : قال قيلا.

وقالوا : سخطه سخطا ، شبهه بالغضب حين اتفق البناء".

يعني أن سخط مصدر فعل يتعدى (وقد شبه بالغضب ، وهو مصدر فعل لا يتعدى) لاتفاقهما في وزن الفعل ، وفي المعنى.

قال : " وبذلك ساخط وسخطته على أنه مدخل في باب الأعمال التي ترى وتصنع" (قال أبو سعيد) : في غير هذه النسخة ترى وتسمع.

" وهي موقعة بغيرها".

يعني بالأعمال التي ترى الأعمال المتعدية ، لأن فيها علاجا من الذي يوقعه للذي يوقع به ، فتشاهد وترى ، فجعل سخطه مدخلا في التعدي ، كأنه بمنزلة ما يرى. وقولهم ساخط دليل على ذلك ، لأنهم لا يقولون غاضب. ومعنى الغضب والسخط واحد ، فجعلوا الغضب بمنزلة فعل تتغير به ذات الشيء ، والسخط بمنزلة فعل عولج إيقاعه بغير فاعله.

" وقالوا : وددته ودا ، مثل شربته شربا ، وقالوا : ذكره ذكرا لحفظه حفظا"

قال سيبويه : " وقد جاء شيء من هذا المتعدي على فعيل. قالوا : ضريب قداح للذي يضرب بالقداح ، وصريم للصارم ، وقال طريف بن تميم العنبري :

أو كلما ورّدت عكاظ قبيلة

بعثوا إلى عريفهم يتوسم (١)

يريد عارفهم".

والباب في ذلك أن يكون بناؤه على فاعل كضارب وقاتل ، وما أشبه ذلك. ويجوز أن يكون قالوا : ضريب قداح فرقا بينه وبين من يضرب في معنى آخر ، وبين الصريم في القطيعة وبين من يصرم في معنى سواه ، وبين العريف الذي يتعرف الأنساب

__________________

(١) الشاهد فيه بناء (عارف) على (عريف) لمعنى المبالغة في الوصف بالمعرفة ، البيت في الأصمعيات ص : ١٢٧ ، وفي شرح محمد بن حبيب لديوان جرير : ١ / ٤٣٦.

٤٠٠